المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مسار الربيع العربي - الجزء الثاني



أسيد
04-11-2013, 08:09 PM
فلا يوجد تأثير حقيقي لروسيا على سير الأحداث في سوريا كما يتوهم البعض لأن حضورها لا يتعدى الحضور الإعلامي وتأثيرها لا يتخطى حدود ما تسمح به الولايات المتحدة، وأما إعاقة روسيا لبعض الأعمال الغربية ضد النظام السوري من خلال مجلس الأمن فلا يعني وجود تأثير حقيقي لها وإنما يعني أن أمريكا لا تمانع من عرقلة حركتها في الأزمة السورية لأن ذلك ما تريده لتبرير موقفها أمام الشعوب العربية وتثير السخط على روسيا ومجلس الأمن بدل السخط عليها وعلى سياستها، فضلاً عن استفادة أمريكا من تعطل "الربيع السوري" على يد روسيا لإنهاء بعض الملفات ذات الصلة من مثل توريط إيران المستقوية بالموقف الروسي واستنزافها سياسياً واقتصادياً بما يدعم الاتجاه الإصلاحي في الداخل الإيراني ضد المحافظين ويضع كذلك حداً لطموحات إيران الإقليمية المعيقة لمشروع الشرق الأوسط خاصة في ملف التسوية واستقرار المنطقة، بالإضافة لاعتبارات تتعلق بقوى المعارضة السورية المقاتلة التي ترفع شعار الإسلام والتي ينذر فوزها بالحرب ضد الأسد بخطورة على استقرار المنطقة وصياغتها وأمن إسرائيل ويعطي شرعية لتلك التنظيمات في البقاء وفرض شروطها في بناء النظام القادم، كما سيعطي قيمة للجهاد ويعظمه في ثقافة المجتمع والأجيال القادمة التي يراد لها أن تعيش طريقة الغرب في الحياة ونبذ تاريخها وثقافتها الأصيلة، خصوصاً أن التجربة الليبية لم تعط مثالاً إيجابياً لما كان يتطلع إليه الغرب بعد الإطاحة بالقذافي، لذلك تتيح أمريكا المجال لروسيا في إعاقة الحل العسكري على المسار السوري ومنح مساحة أوسع للتحرك السياسي بما يضمن انتقال السلطة الى يد المعارضة السياسية العميلة بدل الحسم العسكري الذي يحدث فراغا في السلطة تملؤه القوى الإسلامية "المتطرفة" المهيمنة على الأرض فتعيق بناء الدولة المدنية وعلمنة المجتمع.

لكن الحقيقة هي أن روسيا لا نفوذ لها في المنطقة بل فقدت تأثيرها في مجالها الجيوستراتيجي في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، وظهورها الدولي لا يتجاوز الحضور الإعلامي في بعض القضايا الدولية التي ما تلبث أن تنسحب منها عندما تقرر أمريكا اتخاذ خطوات جدية فيها كما حصل سابقاً في قضية يوغوسلافيا وكذلك في قضية الضربة التي كادت أن تحصل ضد سوريا ونجت منها بجبن بشار الأسد وخضوعه، واستدعاء روسيا للعب دور في بعض القضايا الدولية هو معطل لفاعلية بريطانيا وفرنسا فيما لو تطلعتا إلى الابتعاد عن الولايات المتحدة في إدارة الأزمات الدولية أو تجاوزتا ما هو مسموح لهما القيام به. كما أن إشغال الدول التقليدية الكبرى ببعض القضايا الدولية دون القدرة على الحسم فيها إلا بتدخل أمريكا يكرس الزعامة السياسية للولايات المتحدة على العالم ويجعل من الدول الأخرى دولاً ثانوية في المسائل الدولية. وعليه فإن ما تقوم به روسيا من دور في الملف السوري لا يتصادم مع إرادة أمريكا بل ينسجم مع الخطوات التي تسير بها لتغيير النظام السوري ومنها نزع السلاح الكيماوي من الجيش، وقد حققت ذلك بإذعان بشار لإرادتها بعدما اتخذت أمريكا خطوات عملية على الأرض من خلال تحريك قطعها البحرية قبالة السواحل السورية متخذة من حادثة الغوطة وأزمة السلاح الكيماوي ذريعة لهذا الهدف وتوظيفه أيضا للتأكيد على جديتها في معاقبة من يمتحن إرادتها في القضايا الاستراتيجية، ولا يقال هنا كيف تتواطأ روسيا على مصالحها لحساب الولايات المتحدة، لا يقال ذلك لأن روسيا ليس لها نفوذ او مصالح كبرى في الشرق الأوسط بموجب اتفاق سنة 1961 بين خروتشوف وكينيدي، ولكنها تطمح بتحقيق مكاسب سياسية او اقتصادية في مناطق نفوذها في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق كما تأمل أن يتجنب الغرب إثارة المشاكل لها داخل الاتحاد الروسي لقاء خدماتها لأمريكا في القضايا الدولية كالأزمة السورية ذات العلاقة بالمصالح الأمريكية على صعيد صياغة الشرق الأوسط، ولهذا نجد مثلا سماح أمريكا للفائز في الانتخابات الجورجية مؤخرا الإعلان عن نية حكومته التقارب مع روسيا التي تعنيها جمهورية جورجيا على مستويات عدة منها وقف تدفق الدعم للمقاتلين الشيشان وقد اعترف في وقت سابق وزير خارجية روسيا سيرجي لافرورف صراحة أن النظام السوري هو صديق للغرب أكثر من روسيا ، مما يدل على أن روسيا تقوم بدور في الأزمة يخدم مصالح أمريكا مقابل تحقيق مصالح لروسيا في قضايا تمسها.

يتبع إن شاء الله