بوفيصيل
23-06-2013, 12:15 AM
جاء انعقاد مؤتمر "هرتسيليا" الإسرائيلي هذا العام وسط تهديدات متلاحقة تعيشها الدولة، ومخاوف تعاني منها بفعل التطورات المتسارعة في المنطقة، مما دفع بإدارته لإشراك عدد كبير من القادة الإسرائيليين، وشخصيات دولية بينها رؤساء ووزراء أوروبيون، وكبار المسؤولين في مؤسسات ومنظمات اقتصادية عالمية.
أهمية المؤتمر
يعتبر مؤتمر "هرتسيليا" أحد أهم المؤتمرات الأمنية الإستراتيجية لإسرائيل، ويسعى لمساعدتها في تحديد المخاطر الأمنية التي تحيط بها، وكيفية مواجهتها: محلياً وإقليمياً ودوليا، وفي جميع المجالات: سياسياً واقتصادياً وأمنياً وعسكرياً وإستراتيجياً.
ويعقد المؤتمر في المركز متعدد المجالات بمنطقة هرتسيليا، وهي مدينة تم تشييدها على أنقاض قرية فلسطينية دمرها الجيش الإسرائيلي، وأطلق هذا الاسم عليها تيمناً باسم "تيودور هرتزل" مؤسس الحركة الصهيونية.
"
يعد مؤتمر هرتسيليا من أهم المؤتمرات في إسرائيل, سواء لطبيعة الشؤون الإستراتيجية التي يناقشها، أو لجهة مشاركة أركان الدولة فيه، بدءًا بالرئيس ورئيس الوزراء وقائد الجيش، وصناع القرار رفيعي المستوى
"
ويصفه كثير من الإستراتيجيين الإسرائيليين بأنه من أهم المؤتمرات في الدولة، سواء لطبيعة الشؤون الإستراتيجية التي يناقشها، أو لجهة مشاركة أركان الدولة فيه بدءًا بالرئيس، ورئيس الوزراء، وقائد الجيش، وصناع القرار رفيعي المستوى.
ومن المهم الإشارة إلى أن مؤتمر هرتسيليا يأتي في إطار سلسلة مؤتمرات سنوية بدأت قبل أكثر من 10 سنوات، إذ انعقد المؤتمر الأول نهاية العام 2000، تحت عنوان "ميزان المناعة والأمن القومي"، بمبادرة من البروفيسور "عوزي آراد"، ضابط سابق في جهاز الموساد, وشغل منصب المستشار السياسي السابق لرئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو"، مما يدفع كثيراً من المشاركين الدائمين فيه لأن يطلق على المؤتمر "العقل الجماعي الإستراتيجي المفكر للدولة"!
يهتم المؤتمر بالدرجة الأولى بالمسألة الديمغرافية، وما يتعلق بقضايا الهوية، والتعليم، والإستراتيجية العسكرية، والأمن، والبحث العلمي، والاقتصاد، حيث تنبثق أهدافه من التركيز على يهودية الدولة. ويمكن القول بأن شعورها بما يوصف بـ"أزمتها الوجودية المتفاقمة" تمخضت عنه ولادة فكرة المؤتمر، الذي استطاع أن يظهر بشكل سريع إلى الضوء، ويبرز أثره على الساحة الداخلية لإسرائيل.
ويمكن معرفة أهمية المؤتمر وتأثيراته بعيدة المدى على الدولة وقراراتها، بالنظر إلى عدد من جداول أعماله المتنوعة على مدار السنوات الماضية، والتي احتوت العديد من القضايا المفصلية في إسرائيل، من أهمها:
1- مراجعة الحسابات وأداء الحكم.
2- صعود الإسلام السياسي في منطقة الشرق الأوسط.
3- إنتاج الغاز، واستقلال إسرائيل في مجال الطاقة.
4- الحرب "السيبيرية" من النظرية إلى التطبيق.
5- احتواء طموحات إيران الإستراتيجية.
6- تحديد أولويات التنمية الإقليمية.
7- الدور الإستراتيجي للولايات المتحدة وأوروبا وحلف شمال الأطلسي.
8- إسرائيل والسوق العالمية.
9- أين يتجه المجتمع الإسرائيلي.
10- إسرائيل الأمنية في دول شرق أوسط مختلف.
وهكذا تعكس مؤتمرات هرتسيليا السنوية تقويمات لنظرية الأمن الإسرائيلي، وفي الوقت ذاته ترسم تصورات حول ما ينبغي لإسرائيل أن تقوم به لمواجهة التحديات التي تنتظرها.
المداولات والنقاشات
حفل مؤتمر هرتسيليا 2013 الذي أنهى أعماله قبل أيام بالعديد من المداولات الخاصة والعامة، وجلسات النقاش الساخن في معظمه، حيث حذرت أوراقه المشاركة من خطورة تراجع قوة الولايات المتحدة في المنطقة، مقابل صعود قوى إقليمية معادية لإسرائيل، التي تجد نفسها معزولة إستراتيجياً، ولا تجد من تعتمد عليه في مواجهة الأخطار التي تطوقها.
كما باتت إسرائيل عبئاً إستراتيجياً على الولايات المتحدة، خاصة مع تصاعد الانتقادات ضدها في العالم، ما يعني أنها منيت بفشل دبلوماسي ذريع.
وطالب المشاركون إسرائيل بألا تتعامى عن المخاطر والفرص، لأن الخيار الوحيد أمامها يكمن في تسوية الصراع مع الفلسطينيين، خاصة مع ما تقوم به قوات الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية من تعاون مع نظيرتها الإسرائيلية لفرض الأمن، وملاحقة المسلحين.
وخلافاً لمعظم السنوات التي اتخذ المؤتمر لنفسه عنواناً محدداً لمناقشة القضايا، كالتهديد الديمغرافي، الإرهاب الدولي، والخطر النووي الإيراني، فقد حمل المؤتمر هذا العام عناوين أكثر غموضاً وعمومية، تتناول موقع إسرائيل من التغيرات الإقليمية الساخنة.
وقد شهد المؤتمر انقساماً إسرائيلياً حول التطورات المحتملة في الإقليم المحيط بإسرائيل، ولخصت العديد من الأوراق المشاركة رؤية النخبة الإسرائيلية لتأثير الثورات العربية في شكل المنطقة، وما أعقبها من صعود للإسلاميين إلى سدة الحكم في بعض البلدان، بالقول: "لم نعد نرى شرق أوسط جديدا، بل شرق أوسط مختلفاً"!
"
رأت أغلبية المشاركين في المؤتمر -إسرائيليين وغربيين- أن هيمنة الإسلاميين على المشهد السياسي في العديد من الدول العربية، وبالأخص في مصر، قد تقود لتداعيات خطيرة
"
وإن كان تعبير "الشرق الأوسط الجديد" يحمل دلالات تتعلق بدمقرطة العالم العربي، واقترابه من قبول تسوية سلمية للصراع العربي الإسرائيلي، فإن "الشرق الأوسط المختلف" -وفقاً للمشاركين في المؤتمر- تعبير حذر ينم عن شعور بعدم اليقين الذي بات يميز تنبؤات السياسيين والخبراء، خاصة بعد الفشل في توقع ثورات الربيع العربي، وهو ما يلاحظ في انقسام النخبة الإسرائيلية حول تبعات صعود الإسلاميين لسدة الحكم في أكثر من بلد عربي.
ووفقاً لهذا المشهد، رأت أغلبية المشاركين في المؤتمر -إسرائيليين وغربيين- أن هيمنة الإسلاميين على المشهد السياسي في العديد من الدول العربية، وبالأخص في مصر، قد تقود لتداعيات خطيرة، وتقوية مشروع الجبهة الإسلامية الموحدة ضد إسرائيل، أو على الأقل انتشار الفوضى في الجوار الإقليمي لها، وتحول بعض دوله إلى دول فاشلة تستغلها الجماعات المعادية لتهديد الأمن اليومي للمواطن الإسرائيلي.
ورغم أن غالبية الأبحاث المقدمة في المؤتمر تقلل من قدرة التيارات الإسلامية التي صعدت لسدة الحكم على القيام بمغامرات عسكرية تهدد الأمن الإسرائيلي، فإن القادة الأمنيين والسياسيين الذين حضروا كثيراً من مداولاته ركزوا على احتمال أن يتحول وصول الإسلاميين إلى الحكم في الوطن العربي إلى جبهة موحدة تعمل على تهديد وجود الدولة.
وهو ما عبر عنه رئيس الأركان الإسرائيلي "بني غانتس"، بقوله: "الحرب القادمة ستكون قصيرة الأمد، وسيسعى العدو القادم من أكثر من جبهة لغزو إسرائيل، واختراق المدن المزدحمة بالسكان لإحداث الفزع والرعب بين مواطنيها".
علماً بأن تقديرات أخرى شهدها المؤتمر لم تأخذ ذلك على محمل الجد، لاسيما في ظل الانقسامات المذهبية والعرقية في المنطقة، فضلاً عن أن الثورات العربية ستزيد من اهتمام كل بلد عربي بنفسه وبمشكلاته الداخلية، على حساب القضايا القومية عربياً وإسلامياً.
هنا يبدو مهماً التحذير مما ينشر من نقاشات مؤتمرات هرتسيليا، لأن كاتب هذه السطور سبق له وأن ترجم عدداً من وثائق المؤتمر السنوية في أعوام سابقة، ورأى أن بعض ما يأتي فيها على لسان المسؤولين الرسميين -سواء وزراء الدفاع، أو رؤساء الأجهزة الأمنية- يستهدف التأثير السياسي على خصوم إسرائيل.
ومن هنا، يغدو مفهوماً ما يحاول المؤتمر تمريره من رسائل تستهدف حشد التأييد الغربي، ما يعني أنه يعد مؤتمراً تقييمياً شاملاً لكل مرحلة تمر بها إسرائيل، وتستعد فيها لمرحلة مقبلة، وبالتالي فهو مؤتمر إستراتيجي يوظف في خدمتها، وسياساتها ومستقبلها.
توصيات صناع القرار
في ختام فعاليات مؤتمر هرتسيليا هذا العام، حرص المنظمون على أن يرفعوا توصياتهم للحكومة الإسرائيلية الجديدة، ويقدموا لها تصوراتهم المتوقعة لمآلات الأمور في المحيط الإقليمي لإسرائيل.
وقد برزت التحديات الأمنية والتخوفات العسكرية على صدر أولويات التوصيات المرفوعة، على اعتبار أن إسرائيل تعيش في عصر يتميّز بمتغيّرات عميقة، سريعة وغير متوقّعة.
وكما قال وزير الشؤون الإستراتيجية "دان مريدور" فإن الدولة تستعد لـ"حرب الأمس، وليس بالضرورة لحرب الغد"، لأنه في العادة كان لديها 3-4 جيوش معادية، أما اليوم فلديها 30 ألف خلية مسلحة معادية، والسلاح اليوم منتشر جدا، ولذلك قد لا تحصل حرب دبابات مع دبابات! رغم أن الجيوش العربية ما زالت موجودة في الشرق الأوسط، لكن طيف التهديدات والمخاطر لا يتقلّص، ومن غير المتوقّع تقلّصه!
في ذات السياق، وبملاحظة المواضيع الدسمة التي أثيرت خلال أيام المؤتمر، يتبين مدى اهتمام إسرائيل بوجودها، وبمجموعة الأخطار التي تتهددها، ومدى حرصها على المراقبة الدقيقة للتغييرات في العالم العربي قاطبة، وفي المنطقة والعالم، على أرضية استمرار التحالف الإستراتيجي مع الولايات المتحدة، والعمل على أن تظل تشكّل أولوية قصوى في الحفاظ على المصالح الأميركية، من خلال مراعاة وتلبية احتياجات المتطلبات الأمنية الإستراتيجية لإسرائيل، وهي احتياجات متحركة وفقاً للتغييرات المحيطة.
"
أوراق مؤتمر هرتسيليا تمثل خلاصة أبحاث وإصدارات وأعمال تحضيرية على مدى العام، أشرف على إعدادها مختصون وأكاديميون من أهم الجامعات الإسرائيلية والأميركية والأوروبية
"
وبالنظر إلى التوصيات الصادرة عن المؤتمر، يمكن ملاحظة عدد من الاستنتاجات الهامة، ومنها:
1- إسرائيل في عامها الحالي تواجه أوضاعاً خارجية صعبة.
2- هناك تراجع للنفوذ الأميركي في المنطقة، مقابل صعود قوى إقليمية معادية لإسرائيل.
3- حرص إسرائيل على متابعة ما يجري في المنطقة والعالم، مع إهمال رسمي عربي كبير لما يجري في الداخل الإسرائيلي.
4- إعداد خريطة عمل إستراتيجية وعسكرية واقتصادية وسياسية واجتماعية للحكومة الإسرائيلية، عبر حشد الأدمغة البحثية من مختلف التخصصات لتضع عصارة فكرها الإستراتيجي والعسكري والأمني والسياسي والأكاديمي، من أجل وضع هذه الخارطة لتشكل دليل عمل للقيادتين السياسية والأمنية.
5- القضية الفلسطينية لم تعد محورية تستحق الاهتمام الإسرائيلي، لأن هناك تطورات محورية تشهدها المنطقة دفعتها إلى الهامش، وبالتالي لم تعد تشغل بال القيادات ولا الشعوب في العالم العربي، مع توجه إسرائيلي لإنهاء القضية، وإخراجها من الأجندتين الإقليمية والدولية.
أخيراً ..فإن أوراق مؤتمر هرتسيليا لهذا العام، مثلت خلاصة أبحاث وإصدارات وأعمال تحضيرية على مدى العام، أشرف على إعدادها مختصون وأكاديميون من أهم الجامعات الإسرائيلية والأميركية والأوروبية، وقامت فرق العمل المكلفة بالتحضير لأوراق كبار الساسة والعسكريين وضباط الأمن ورجال الأعمال والقادة.
ومع الوقت، ستصبح توصيات المؤتمر ومقترحاته دليل عمل للحكومات الإسرائيلية، مهما كانت تركيبتها، أو توجهاتها، كما قد تغدو توجيها منهجياً لكبرى المؤسسات الأمنية والعسكرية في إسرائيل، خاصة المعنية منها بقضايا الأمن القومي والبنى الأساسية للدولة.
الجزيرة
أهمية المؤتمر
يعتبر مؤتمر "هرتسيليا" أحد أهم المؤتمرات الأمنية الإستراتيجية لإسرائيل، ويسعى لمساعدتها في تحديد المخاطر الأمنية التي تحيط بها، وكيفية مواجهتها: محلياً وإقليمياً ودوليا، وفي جميع المجالات: سياسياً واقتصادياً وأمنياً وعسكرياً وإستراتيجياً.
ويعقد المؤتمر في المركز متعدد المجالات بمنطقة هرتسيليا، وهي مدينة تم تشييدها على أنقاض قرية فلسطينية دمرها الجيش الإسرائيلي، وأطلق هذا الاسم عليها تيمناً باسم "تيودور هرتزل" مؤسس الحركة الصهيونية.
"
يعد مؤتمر هرتسيليا من أهم المؤتمرات في إسرائيل, سواء لطبيعة الشؤون الإستراتيجية التي يناقشها، أو لجهة مشاركة أركان الدولة فيه، بدءًا بالرئيس ورئيس الوزراء وقائد الجيش، وصناع القرار رفيعي المستوى
"
ويصفه كثير من الإستراتيجيين الإسرائيليين بأنه من أهم المؤتمرات في الدولة، سواء لطبيعة الشؤون الإستراتيجية التي يناقشها، أو لجهة مشاركة أركان الدولة فيه بدءًا بالرئيس، ورئيس الوزراء، وقائد الجيش، وصناع القرار رفيعي المستوى.
ومن المهم الإشارة إلى أن مؤتمر هرتسيليا يأتي في إطار سلسلة مؤتمرات سنوية بدأت قبل أكثر من 10 سنوات، إذ انعقد المؤتمر الأول نهاية العام 2000، تحت عنوان "ميزان المناعة والأمن القومي"، بمبادرة من البروفيسور "عوزي آراد"، ضابط سابق في جهاز الموساد, وشغل منصب المستشار السياسي السابق لرئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو"، مما يدفع كثيراً من المشاركين الدائمين فيه لأن يطلق على المؤتمر "العقل الجماعي الإستراتيجي المفكر للدولة"!
يهتم المؤتمر بالدرجة الأولى بالمسألة الديمغرافية، وما يتعلق بقضايا الهوية، والتعليم، والإستراتيجية العسكرية، والأمن، والبحث العلمي، والاقتصاد، حيث تنبثق أهدافه من التركيز على يهودية الدولة. ويمكن القول بأن شعورها بما يوصف بـ"أزمتها الوجودية المتفاقمة" تمخضت عنه ولادة فكرة المؤتمر، الذي استطاع أن يظهر بشكل سريع إلى الضوء، ويبرز أثره على الساحة الداخلية لإسرائيل.
ويمكن معرفة أهمية المؤتمر وتأثيراته بعيدة المدى على الدولة وقراراتها، بالنظر إلى عدد من جداول أعماله المتنوعة على مدار السنوات الماضية، والتي احتوت العديد من القضايا المفصلية في إسرائيل، من أهمها:
1- مراجعة الحسابات وأداء الحكم.
2- صعود الإسلام السياسي في منطقة الشرق الأوسط.
3- إنتاج الغاز، واستقلال إسرائيل في مجال الطاقة.
4- الحرب "السيبيرية" من النظرية إلى التطبيق.
5- احتواء طموحات إيران الإستراتيجية.
6- تحديد أولويات التنمية الإقليمية.
7- الدور الإستراتيجي للولايات المتحدة وأوروبا وحلف شمال الأطلسي.
8- إسرائيل والسوق العالمية.
9- أين يتجه المجتمع الإسرائيلي.
10- إسرائيل الأمنية في دول شرق أوسط مختلف.
وهكذا تعكس مؤتمرات هرتسيليا السنوية تقويمات لنظرية الأمن الإسرائيلي، وفي الوقت ذاته ترسم تصورات حول ما ينبغي لإسرائيل أن تقوم به لمواجهة التحديات التي تنتظرها.
المداولات والنقاشات
حفل مؤتمر هرتسيليا 2013 الذي أنهى أعماله قبل أيام بالعديد من المداولات الخاصة والعامة، وجلسات النقاش الساخن في معظمه، حيث حذرت أوراقه المشاركة من خطورة تراجع قوة الولايات المتحدة في المنطقة، مقابل صعود قوى إقليمية معادية لإسرائيل، التي تجد نفسها معزولة إستراتيجياً، ولا تجد من تعتمد عليه في مواجهة الأخطار التي تطوقها.
كما باتت إسرائيل عبئاً إستراتيجياً على الولايات المتحدة، خاصة مع تصاعد الانتقادات ضدها في العالم، ما يعني أنها منيت بفشل دبلوماسي ذريع.
وطالب المشاركون إسرائيل بألا تتعامى عن المخاطر والفرص، لأن الخيار الوحيد أمامها يكمن في تسوية الصراع مع الفلسطينيين، خاصة مع ما تقوم به قوات الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية من تعاون مع نظيرتها الإسرائيلية لفرض الأمن، وملاحقة المسلحين.
وخلافاً لمعظم السنوات التي اتخذ المؤتمر لنفسه عنواناً محدداً لمناقشة القضايا، كالتهديد الديمغرافي، الإرهاب الدولي، والخطر النووي الإيراني، فقد حمل المؤتمر هذا العام عناوين أكثر غموضاً وعمومية، تتناول موقع إسرائيل من التغيرات الإقليمية الساخنة.
وقد شهد المؤتمر انقساماً إسرائيلياً حول التطورات المحتملة في الإقليم المحيط بإسرائيل، ولخصت العديد من الأوراق المشاركة رؤية النخبة الإسرائيلية لتأثير الثورات العربية في شكل المنطقة، وما أعقبها من صعود للإسلاميين إلى سدة الحكم في بعض البلدان، بالقول: "لم نعد نرى شرق أوسط جديدا، بل شرق أوسط مختلفاً"!
"
رأت أغلبية المشاركين في المؤتمر -إسرائيليين وغربيين- أن هيمنة الإسلاميين على المشهد السياسي في العديد من الدول العربية، وبالأخص في مصر، قد تقود لتداعيات خطيرة
"
وإن كان تعبير "الشرق الأوسط الجديد" يحمل دلالات تتعلق بدمقرطة العالم العربي، واقترابه من قبول تسوية سلمية للصراع العربي الإسرائيلي، فإن "الشرق الأوسط المختلف" -وفقاً للمشاركين في المؤتمر- تعبير حذر ينم عن شعور بعدم اليقين الذي بات يميز تنبؤات السياسيين والخبراء، خاصة بعد الفشل في توقع ثورات الربيع العربي، وهو ما يلاحظ في انقسام النخبة الإسرائيلية حول تبعات صعود الإسلاميين لسدة الحكم في أكثر من بلد عربي.
ووفقاً لهذا المشهد، رأت أغلبية المشاركين في المؤتمر -إسرائيليين وغربيين- أن هيمنة الإسلاميين على المشهد السياسي في العديد من الدول العربية، وبالأخص في مصر، قد تقود لتداعيات خطيرة، وتقوية مشروع الجبهة الإسلامية الموحدة ضد إسرائيل، أو على الأقل انتشار الفوضى في الجوار الإقليمي لها، وتحول بعض دوله إلى دول فاشلة تستغلها الجماعات المعادية لتهديد الأمن اليومي للمواطن الإسرائيلي.
ورغم أن غالبية الأبحاث المقدمة في المؤتمر تقلل من قدرة التيارات الإسلامية التي صعدت لسدة الحكم على القيام بمغامرات عسكرية تهدد الأمن الإسرائيلي، فإن القادة الأمنيين والسياسيين الذين حضروا كثيراً من مداولاته ركزوا على احتمال أن يتحول وصول الإسلاميين إلى الحكم في الوطن العربي إلى جبهة موحدة تعمل على تهديد وجود الدولة.
وهو ما عبر عنه رئيس الأركان الإسرائيلي "بني غانتس"، بقوله: "الحرب القادمة ستكون قصيرة الأمد، وسيسعى العدو القادم من أكثر من جبهة لغزو إسرائيل، واختراق المدن المزدحمة بالسكان لإحداث الفزع والرعب بين مواطنيها".
علماً بأن تقديرات أخرى شهدها المؤتمر لم تأخذ ذلك على محمل الجد، لاسيما في ظل الانقسامات المذهبية والعرقية في المنطقة، فضلاً عن أن الثورات العربية ستزيد من اهتمام كل بلد عربي بنفسه وبمشكلاته الداخلية، على حساب القضايا القومية عربياً وإسلامياً.
هنا يبدو مهماً التحذير مما ينشر من نقاشات مؤتمرات هرتسيليا، لأن كاتب هذه السطور سبق له وأن ترجم عدداً من وثائق المؤتمر السنوية في أعوام سابقة، ورأى أن بعض ما يأتي فيها على لسان المسؤولين الرسميين -سواء وزراء الدفاع، أو رؤساء الأجهزة الأمنية- يستهدف التأثير السياسي على خصوم إسرائيل.
ومن هنا، يغدو مفهوماً ما يحاول المؤتمر تمريره من رسائل تستهدف حشد التأييد الغربي، ما يعني أنه يعد مؤتمراً تقييمياً شاملاً لكل مرحلة تمر بها إسرائيل، وتستعد فيها لمرحلة مقبلة، وبالتالي فهو مؤتمر إستراتيجي يوظف في خدمتها، وسياساتها ومستقبلها.
توصيات صناع القرار
في ختام فعاليات مؤتمر هرتسيليا هذا العام، حرص المنظمون على أن يرفعوا توصياتهم للحكومة الإسرائيلية الجديدة، ويقدموا لها تصوراتهم المتوقعة لمآلات الأمور في المحيط الإقليمي لإسرائيل.
وقد برزت التحديات الأمنية والتخوفات العسكرية على صدر أولويات التوصيات المرفوعة، على اعتبار أن إسرائيل تعيش في عصر يتميّز بمتغيّرات عميقة، سريعة وغير متوقّعة.
وكما قال وزير الشؤون الإستراتيجية "دان مريدور" فإن الدولة تستعد لـ"حرب الأمس، وليس بالضرورة لحرب الغد"، لأنه في العادة كان لديها 3-4 جيوش معادية، أما اليوم فلديها 30 ألف خلية مسلحة معادية، والسلاح اليوم منتشر جدا، ولذلك قد لا تحصل حرب دبابات مع دبابات! رغم أن الجيوش العربية ما زالت موجودة في الشرق الأوسط، لكن طيف التهديدات والمخاطر لا يتقلّص، ومن غير المتوقّع تقلّصه!
في ذات السياق، وبملاحظة المواضيع الدسمة التي أثيرت خلال أيام المؤتمر، يتبين مدى اهتمام إسرائيل بوجودها، وبمجموعة الأخطار التي تتهددها، ومدى حرصها على المراقبة الدقيقة للتغييرات في العالم العربي قاطبة، وفي المنطقة والعالم، على أرضية استمرار التحالف الإستراتيجي مع الولايات المتحدة، والعمل على أن تظل تشكّل أولوية قصوى في الحفاظ على المصالح الأميركية، من خلال مراعاة وتلبية احتياجات المتطلبات الأمنية الإستراتيجية لإسرائيل، وهي احتياجات متحركة وفقاً للتغييرات المحيطة.
"
أوراق مؤتمر هرتسيليا تمثل خلاصة أبحاث وإصدارات وأعمال تحضيرية على مدى العام، أشرف على إعدادها مختصون وأكاديميون من أهم الجامعات الإسرائيلية والأميركية والأوروبية
"
وبالنظر إلى التوصيات الصادرة عن المؤتمر، يمكن ملاحظة عدد من الاستنتاجات الهامة، ومنها:
1- إسرائيل في عامها الحالي تواجه أوضاعاً خارجية صعبة.
2- هناك تراجع للنفوذ الأميركي في المنطقة، مقابل صعود قوى إقليمية معادية لإسرائيل.
3- حرص إسرائيل على متابعة ما يجري في المنطقة والعالم، مع إهمال رسمي عربي كبير لما يجري في الداخل الإسرائيلي.
4- إعداد خريطة عمل إستراتيجية وعسكرية واقتصادية وسياسية واجتماعية للحكومة الإسرائيلية، عبر حشد الأدمغة البحثية من مختلف التخصصات لتضع عصارة فكرها الإستراتيجي والعسكري والأمني والسياسي والأكاديمي، من أجل وضع هذه الخارطة لتشكل دليل عمل للقيادتين السياسية والأمنية.
5- القضية الفلسطينية لم تعد محورية تستحق الاهتمام الإسرائيلي، لأن هناك تطورات محورية تشهدها المنطقة دفعتها إلى الهامش، وبالتالي لم تعد تشغل بال القيادات ولا الشعوب في العالم العربي، مع توجه إسرائيلي لإنهاء القضية، وإخراجها من الأجندتين الإقليمية والدولية.
أخيراً ..فإن أوراق مؤتمر هرتسيليا لهذا العام، مثلت خلاصة أبحاث وإصدارات وأعمال تحضيرية على مدى العام، أشرف على إعدادها مختصون وأكاديميون من أهم الجامعات الإسرائيلية والأميركية والأوروبية، وقامت فرق العمل المكلفة بالتحضير لأوراق كبار الساسة والعسكريين وضباط الأمن ورجال الأعمال والقادة.
ومع الوقت، ستصبح توصيات المؤتمر ومقترحاته دليل عمل للحكومات الإسرائيلية، مهما كانت تركيبتها، أو توجهاتها، كما قد تغدو توجيها منهجياً لكبرى المؤسسات الأمنية والعسكرية في إسرائيل، خاصة المعنية منها بقضايا الأمن القومي والبنى الأساسية للدولة.
الجزيرة