المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أجوبة أسئلة حول الأردن



عبد الواحد جعفر
18-06-2013, 07:30 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

أجوبة أسئلة حول الأردن

أولاً: هل يتوقع أن تشتعل الأحداث في الأردن على غرار ما جري ويجري في دول الربيع العربي؟
الجواب: الملاحظ أن الحراكات في الأردن هادئة منذ فترة ليست قصيرة، رغم أن تلك الحراكات كانت مطالب معظمها لا تتعدى تقليص صلاحيات الملك، بل إن من كانت تتعدى مطالبهم أحياناً سقف الملكية الدستورية مثل النائب السابق أحمد عويدي العبادي لا يكاد أحد يسمع لهم صوتاً منذ فترة طويلة.
وحتى الصالونات السياسية التي سبق أن هاجمها الملك لم يعد لها وجود كما كان في السابق بل لم يعد يرشح أية معلومات تذكر يمكن أن يتداولها الناس وتؤلبهم على النظام الملكي الأردني.
ويبدو أن مصلحة أميركا _التي أصبحت اتصالات سفيرها مع الشخصيات والمنظمات والعشائر وغيرها من الفعاليات في المجتمع واضحة وغير خفية كالسابق، حيث تناول طعام الغداء عند شيوخ من عشيرة الفايز إحدى عشائر بني صخر من بدو الوسط_ لا تقتضي تحريك الأوضاع في البلد بشكل يشد الناس إلى الإنقلاب على النظام.
ومما ساهم في ضعف حماس الناس حتى للمساهمة بأية مظاهر مهمة ضد النظام هو ما يجري من سفك دماء وتدمير للبلاد منذ ما يقرب من عامين في سوريا البلد المجاور للأردن والذي استقبل أكبر عدد من اللاجئين منها.
والدولة في الأردن المرتهنة للإرادة الأميركية لا يظهر أنها تعاني من أية أزمات في علاقاتها مع أميركا، بل الظاهر أن الإدارة الأميركية بعد أن أعلنت رضاها عما أنجزته الحكومة من إصلاحات سياسية، وما تسير لإنجازه من تعديلات دستورية وتعديلات في القوانين أكدت رضاها بدعم الأردن مادياً لمواجهة أعباء لجوء أعداد كبيرة من السوريين إليه، وأبدت استعدادها لضمانات القروض الأردنية من الخارج.
وعليه فإنه لا يتوقع حدوث اضطرابات داخلية مهمة في البلاد في المدى المنظور، وبخاصة مع بقاء اشتعال الأزمة السورية، ولا يتوقع ارتفاع سقف المطالبات _حال تنشيط الحراكات التي يلاحظ انضباط معظمها بإرادة رموز مرتبطة بسفارة أميركا في البلاد_ عن التعديلات الدستورية التي توسع من صلاحيات الشعب على حساب صلاحيات الملك.

ثانياً: هل يتوقع اشتراك أو إشراك الأردن في حرب على الجبهة السورية؟
الجواب: على الرغم من المناورات الكبيرة التي سبق أن جرت وتجري حالياً والتي حملت اسم الأسد المتأهب، وعلى الرغم من تهديدات السفير السوري في الأردن، فإنه من غير المتوقع نشوب حرب على الجبهة الأردنية السورية، وإن كان لا يستبعد حصول بعض الاشتباكات غير المؤدية إلى نشوب حرب تشمل البلاد وذلك للأسباب التالية:
أولاً: إن التحضيرات لمؤتمر جنيف2 توحي بالترتيب لحل سلمي للأزمة بعد تليين مطالب المعارضة التي بدا ضعفها في الآونة الأخيرة وإمكان قبولها للمشاركة دون شروط مسبقة، وقد يتم استعمال ورقة التزويد بالأسلحة اللازمة لإيقاف اندفاع الجيش السوري وحلفائه للقبول بالحضور للمشاركة في المؤتمر وبدون شروط مسبقة.
ثانياً: نوهت الإدارة الأميركية أكثر من مرة عن استعدادها للدفاع عن أمن الأردن، ومع تعزيز تواجد قواتها على الأراضي الأردنية فإن ذلك يمثل موقفاً أميركياً تجاه إعلان حرب على الأردن. أما تواجد القوات الأميركية لأداء مناورات مشتركة على الأراضي الأردنية فإن المتوقع استخدام القوات التي اشتركت في المناورات للقيام بحماية المنطقة العازلة بعد قرار دولي متوقع بذريعة استيعاب اللاجئين السوريين وبخاصة أن مؤتمر جنيف2 ولو تم عقده متأخراً عن وقته المقرر ووافقت أطراف النزاع على مقرراته لن ينهي المعارك على الأرض بشكل فوري بل ستتواصل المعارك على جبهات عديدة تتواجد بها المجموعات المقاتلة التي لا ترضى بالمفاوضات ولا ترضخ للمقررات أو التي لا تسمح بالتفاوض من غير شروط وبخاصة شرط بقاء بشار الأسد للفترة الانتقالية.
ثالثاً: إن مما يتوقع أن يجري حسب المعطيات الموجودة هو تسريب الأسلحة المضادة للدروع والمضادة للطائرات وأسلحة أخرى تؤثر على سير المعركة بين النظام والمعارضة المسلحة، وقد تكون الحدود الأردنية معبراً لجزء من تلك الأسلحة وبخاصة بعد أن توافقت دول الاتحاد الأوروبي على تسليح المعارضة وأعلن البيت الأبيض أمس الخميس أن باراك أوباما قرر تقديم دعم عسكري للمعارضة السورية، وذلك بعد أن حشد بشار الأسد وحزب الله عناصرهم من أجل اقتحام مدينة حلب. وعليه فقد تنشأ بعض الاشتباكات مع القوات السورية على خلفية تهريب الأسلحة إلى داخل سوريا، ولا يتوقع حصول اقتحامات على الجبهة كما لم يحصل من جرَّاء دخول مئات المقاتلين الأردنيين وغيرهم لمنطقة درعا التي يتركز وجودهم بها.
وعليه فإن احتمال دخول الأردن أو إدخاله في حرب مع سوريا هو احتمال ضعيف حسب المعطيات الحالية، وإن كان هذا لا يعني أن يظل الأردن في موقع المتفرج من الأحداث بل سيعمل النظام على استثمار أي عمل يقوم به "لمصلحة الثوار" من أجل تركيز شعبيته المتهاوية وإخفاء خيانته وقبوله بالوجود الأميركي على أراضيه.

عبد الواحد جعفر
18-06-2013, 07:31 PM
ثالثاً: ما هي الأسباب الحقيقية لأحداث معان في الأردن؟
الجواب: إن الأحداث التي جرت في محافظة معان على إثر مقتل اثنين من أبناء المدينة وما صاحبها من اعتقالات وتدخل عنيف من قبل أجهزة الدولة إنما هي استمرار للأحداث التي وقعت في جامعة الحسين أواخر نيسان/أبريل 2013 وأدت إلى مقتل أربعة أشخاص. والملاحظ في تلك الأحداث هو التجييش المتعمد من قبل أجهزة الدولة ضد أبناء المحافظة بشكل لافت وعدم سعيها لكشف الجناة؛ وهذا يدل على أن الدولة متواطئة، هذا إن لم تكن هي التي تقف وراء تلك الأحداث في هذا الوقت بالذات بفضل أجهزة مخابراتها التي لا ترقب في الناس إلَّا ولا ذمة. والسؤال هو لماذا تدفع الدولة في الأردن بالأحداث نحو التصعيد من خلال المعالجة الأمنية وإرهاب الناس بل وتتقاعس في القيام بواجبها في توفير الأمن لهم وتهدئة الأوضاع وحل المشاكل الناتجة عن عدم الكشف عن خلفيات أحداث جامعة الحسين بن طلال؟
إن التوقيت الذي بدأت فيه الأحداث تتصاعد في محافظة معان تزامنت مع بدء الحديث عن سعي أميركا لنشر بطاريات صواريخ باتريوت على حدود المملكة مع سوريا وذلك خلال زيارة باراك أوباما للأردن في 22/3/2013.
ثم تأكد هذا السعي بالإدعاء أن الملك عبد الله الثاني طلب من الرئيس الأميركي باراك أوباما نشر هذه البطاريات لحماية الأردن من تمدد النزاع المتفاقم في سوريا، وذلك خلال لقاء القمة الذي جمعهما في واشنطن بتاريخ 26/4/2013.
وقد استبق زيارة الملك عبد الله إلى أميركا مطالبة وزير الدولة لشئون الإعلام وزير الشئون السياسية والبرلمانية، الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية محمد المومنى، يوم 17/4/2013 من الولايات المتحدة الأميركية أن تقوم بإرسال 200 جندي أميركي إلى الأردن. وهو ما وافقت عليه وزارة الدفاع الأميركية على لسان تشاك هيغل وتم إرسال هذه الوحدة العسكرية.
وبتاريخ 1 حزيران/يونيو 2013 أوردت جريدة (وال ستريت جورنال) خبراً مفاده أن وزارة الدفاع الأميركية تخطط لنشر بطاريات باتريوت وطائرات أف 16 الحربية بدعوى الحفاظ على أمن الأردن من تداعيات الحرب الداخلية في سوريا وباعتبار أن هذا النشر جزء من التدريبات العسكرية التي سوف تجري في البلاد.
وهذا ما أكده أيضاً محمد المومني الذي أشار إلى أن الأردن سيقرر في وقت لاحق إذا ما ستبقى البطاريات والطائرات أم لا حسب حاجة الأردن لذلك.
إن ما جري من أحداث في معان لا علاقة له بمسألة غياب التنمية والتهميش وتفاقم البطالة التي تعيشها المحافظة، فهذه القضايا موجودة في بقية المحافظات وإن كانت بدرجات متفاوتة. ومع ذلك فقد استغلت أجهزة الدولة هذه الظروف المعيشية لتأجيج سياسة شحن الناس والأوضاع.
إن ما تهدف إليه الدولة من توتير الأوضاع في محافظة معان هو تحقيق أمور أهمها:
أولاً: صرف انتباه الناس والسياسيين نحو الجنوب من خلال اضطراب الأوضاع في معان وذلك من أجل تمرير ما تقوم به أميركا في الشمال من نشر بطاريات باتريوت على الحدود السورية كخطوة أولى نحو تعزيز وجودها العسكري في الأردن.
ثانياً: استعداء الناس على بعضهم حسب سياسة فرق تسد وذلك بإثارة عشائر الجنوب ضد بعضها، فقد أحرج تمرد مدينة معان الدولة أكثر من مرة، ولذلك فإن من مصلحة الدولة تحويل أنظار عشائر مدينة معان عن الدولة وإشغالهم بمشاكل مع إخوانهم وجيرانهم من أبناء قبيلة الحويطات، وهناك إشارات على أن أحداث جامعة الحسين تمت إثارتها بعد أن كادت تنتهي عقب حدوثها بتدخل من خارج الجامعة.
ثالثاً: إفشال مشاريع القوانين التي يراد منها إدخال تعديلات دستورية على قانون محكمة أمن الدولة، وبخاصة في ظل تنامي الأصوات المطالبة بإلغاء هذه المحكمة التي توسعت اختصاصاتها بالنظر في قضايا تمس النشاط السياسي للناس والتي لا علاقة لها بما يسمى "الأمن القومي".
إن الأحداث الدموية في معان أريد لها إرهاب الناس وتخويفهم بفقدان الأمن وذلك حتى تؤكد الدولة وجهة نظرها في وجوب الإبقاء على محكمة أمن الدولة وعدم تقييد صلاحياتها. وفي هذا السياق أكد وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال محمد المومني بتاريخ 4/6/2013 أنه تم تحويل 12 شخصاً في أحداث معان إلى أمن الدولة.
ومن الواضح أن أميركا لا تدعم إلغاء محكمة أمن الدولة خاصة فيما له علاقة بما تسميه بقضايا الإرهاب. ففي التقرير السنوي الذي أصدرته مؤخراً وزارة الخارجية الأميركية حول "الإرهاب في العالم" كشفت أميركا عن موقفها من هذه المسألة. فقام التقرير أولاً بمدح الأردن بالقول: إن الأردن "ظل شريكاً ثابتاً في مكافحة الإرهاب في العام 2012"، وأن الحكومة الأردنية "طورت أكثر" من قدراتها في "مكافحة الإرهاب"، وحسنت من قدرتها في هذا المجال. وأضاف التقرير بأن "الأردن ظل دولة مهمة وشريكة في برنامج الخارجية الأميركية للمساعدة على مكافحة الإرهاب".
وبعد هذا المدح لدور الأردن في إسناد أميركا في سياسة "مكافحة الإرهاب" يأتي التقرير بالقول: إن "عملية الإصلاح السياسي في الأردن فتحت نقاشاً حول المؤسسات الأمنية"، وأشار إلى أن الأردن "تصارع مع التحدي المتمثل في جعل مؤسساته الأمنية أكثر شفافية مع المحافظة على فعاليتها في ذات الوقت".
وعندما تطرق التقرير إلى محكمة أمن الدولة وصفها بـ"الهيئة القضائية الأساسية في الأردن بما يخص التصدي لتهديدات الأمن القومي". وقال: إن المحكمة استمرت في كونها "موضوع نقاش عام مكثف ومناقشات برلمانية؛ لأن إجراءاتها ليست مفتوحة لعامة الجمهور"، والعديد من منظمات "المجتمع المدني" تعتبر أن "اختصاصات محكمة أمن الدولة واسعة جداً وأن إجراءاتها مبهمة". وتحدث التقرير عن إعلان الحكومة عزمها "تعديل قانون محكمة أمن الدولة لضمان أن ينسجم مع التعديلات الدستورية، الصادرة في أيلول/سبتمبر 2011"، إلا أنه أشار إلى أنه “حتى لو مرر البرلمان قانوناً يقيّد اختصاص المحكمة، فإن المحكمة ستحتفظ بسلطة على القضايا المتعلقة بالإرهاب".
وحتى تزيد الدولة في إرباك الحياة السياسية بالبلاد وتصرف أذهان الناس عن تركيز أميركا لوجودها العسكري في البلاد وأخذ تأييدهم في الإبقاء على محكمة أمن الدولة بصلاحياتها الواسعة قامت الحكومة بحجب 292 موقعاً إلكترونياً بدعوى أن هذه المواقع لم تحصل على تراخيص رسمية لممارسة عملها استناداً إلى قانون المطبوعات والنشر.
وفيما اعتبرت نقابة الصحفيين هذا "القانون تطبيقاً لسياسة تكميم الأفواه" وطالبت بضرورة التراجع عن قرار الحجب، قال رئيس الوزراء عبد الله النسور أن "الحكومة ليس من حقها الاختيار بين القوانين وأن تعمل قانوناً وتضرب صفحاً عن قانون آخر وواجبها تنفيذ القوانين، مشيراً إلى أن "الحكومة منحت المواقع 6 أشهر إضافية لتصويب الأوضاع وفق مقتضيات القانون بأن تسجل هذه المواقع في دائرة المطبوعات والنشر فقط، وليس لي خيار إلا تطبيق القانون".
وهكذا بينما يتلهى الناس والسياسيون والإعلاميون بأحداث معان وبحجب المواقع الإلكترونية ويتم التنفيس عنهم بإحياء المهرجانات الجماهيرية بمناسبة الذكرى 46 لاحتلال القدس، تمضي الدولة في الأردن قدماً نحو تركيز الوجود العسكري لأميركا في شمال البلاد وفي بث سياسة فرق تسد، وفي نفس الوقت تقلل من أصوات الذين يطالبون بإلغاء محكمة أمن الدولة أو تقييد صلاحياتها.

5/شعبان/1434هـ
14/6/2013م