المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جواب سؤال: كاميرون يستنجد بأوباما في معركته داخل بريطانيا



عبد الواحد جعفر
25-05-2013, 09:59 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

جواب سؤال
كاميرون يستنجد بأوباما في معركته داخل بريطانيا

جاءت زيارة رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون إلى أميركا يوم 13/5/2013 لتثبت مرة أخرى أن بريطانيا ما زالت مجرد دولة تدور في فلك أميركا. وخلال هذه الزيارة لم يكتف كاميرون بالترويج لمشروع "الحكومة الإنتقالية" والحل السياسي في سوريا كما تريد أميركا ذلك بعد توافقها مع روسيا، بل وصل به الأمر أن يستنجد برئيس الولايات المتحدة باراك أوباما لمساعدته والوقوف بجانبه في حل شؤون بلاده الداخلية. فكاميرون يواجه ضغوطاً كبيرة داخل البرلمان البريطاني وبخاصة من العديد من أعضاء حزبه الذين يريدون خروج بريطانيا من معاهدة الإتحاد الأوروبي والعودة إلى ما يسمونه بـ"العلاقة الخاصة" مع أميركا.
لقد جاءت زيارة كاميرون إلى واشنطن قبل أسبوع من إقدام البرلمان البريطاني على تصويت رمزي بشأن الإتحاد الأوروبي. ومن المتوقع أن يتحداه مائة نائب من حزب المحافظين أي ما يعادل ثلث نواب حزبه من المشككين في بقاء بريطانيا داخل أوروبا.
لقد ذهب كاميرون إلى أميركا طلباً لدعمها ضد نواب في مجلس العموم بما في ذلك من حزبه حتى يستطيع إعادة التفاوض بشأن شروط انتماء بريطانيا إلى الإتحاد الأوروبي. ولم يتأخر باراك أوباما عن تقديم العون لكاميرون بخصوص إعادة التفاوض قائلاً: "برأيي أن فكرة ديفيد منطقية، ففي علاقة مهمة جداً يجب أولاً أن نرى ما إذا كان يمكن تصحيح الخلل قبل التفكير في الانفصال".
إن أوباما يدرك أن ما يجري من صراع داخل مجلس العموم البريطاني بخصوص البقاء أو الخروج من الإتحاد الأوروبي هو في العادة من الشؤون الداخلية لبريطانيا، وهو ما عبر عنه بالقول أنه لا يريد التدخل في الشؤون الداخلية لبريطانيا وأنه "على البريطانيين اتخاذ قراراتهم". ومع ذلك لم يتورع أوباما عن توجيه رسالة واضحة ولا لبس فيها بخصوص وظيفة بريطانيا ودورها ضمن السياسة الأميركية قائلاً "أن بريطانيا جزء من الاتحاد الأوروبي وذلك تعبير عن نفوذها ودورها في العالم وبالطبع علاقة اقتصادية مهمة جداً".
كما لم يتأخر أوباما في توجيه رسالة إلى المشككين في بقاء بريطانيا داخل أوروبا مثلما تريد أميركا ذلك بالقول: "أعرف أن ديفيد أراد إجراء بعض الإصلاحات الداخلية في الاتحاد الأوروبي، إنها مفاوضات صعبة، هناك العديد من الدول، أقر بذلك، لكن طالما لم نقيّم بعد نجاح مثل هذه الإصلاحات أتحفظ على حكمي".
لقد وعد كاميرون بتنظيم استفتاء في 2017 إذا كان لا يزال في السلطة بخصوص بقاء بريطانيا داخل الإتحاد الأوروبي، ولكنه يسعى إلى إعادة التفاوض في شروط انتماء بريطانيا للاتحاد قبل انتخابات 2015. وقد وضح رأيه في هذه المسألة قائلاً في المؤتمر الصحفي مع أوباما: "أريد أن يتغير الاتحاد الأوروبي، أريد أن تتطور علاقة بريطانيا بالاتحاد الأوروبي وتتحسن"، موضحاً أن "من المصلحة الوطنية لبريطانيا" أن تعمل مع الاتحاد الأوروبي بشأن الإصلاحات التي تجعله "أكثر انفتاحاً وأكثر قدرة على التنافس وأكثر مرونة". وختم كاميرون بالقول: "ربما بعد إجراء التغييرات، لكن قبل نهاية 2017 هل من المصلحة الوطنية تنظيم استفتاء حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو بقائها فيه؟".
إنه منذ أن طرح دافيد كاميرون على البريطانيين في أوائل كانون ثاني/يناير 2013 مسألة بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي للإستفتاء بين عامي 2015 و2017 إذا فاز بالانتخابات المقررة في عام 2015، شنت عليه أميركا وأهم دول الإتحاد هجوماً حاداً على دعوته هذه ووصفوا اقتراحه بأنه أخرق وجهل بأسلوب صناعة القرار داخل الاتحاد.
لقد كانت أميركا هي أول من بادر إلى رفض دعوة كاميرون للإستفتاء، فقد قال فيليب إتش غوردون، مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأوروبية والأوراسية: إن بريطانيا تجازف بالإضرار بعلاقاتها مع أميركا وتهميشها في المجتمع الدولي إذا تركت الاتحاد الأوروبي. وأضاف غوردون "نحن نقدر الصوت القوي للمملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي. ولدينا علاقة متنامية مع الاتحاد الأوروبي كمؤسسة لها صوت مسموع في العالم ونريد رؤية صوت بريطاني قوي فيه. وهذا يصب في مصلحة أميركا. ونحن نرحب باتحاد أوروبي منفتح بريطانيا جزء منه".
وفي رده على المتشككين في بقاء بريطانيا داخل أوروبا وبخاصة بوريس جونسون، عمدة لندن والمنافس لكاميرون على قيادة حزب المحافظين، والذي يرى أن وقوع بريطانيا في فخ الاتحاد الأوروبي خلق توترات سياسية ودبلوماسية مع أميركا وإن ترك الاتحاد سيساعد في إصلاح ودعم هذه الروابط التاريخية، قال غوردون بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لن يعزز "العلاقة الخاصة" بأي شكل من الأشكال. وأميركا ستستمر في إقامة روابط أقوى مع دول الاتحاد الذي ترى أنه يمثل "صوتاً متنامياً في العالم وشريكاً حاسماً في القضايا العالمية".
بل إن غوردون ذهب إلى أن الولايات المتحدة ستتضرر إذا انسحبت بريطانيا، قائلاً: "هناك الكثير من القضايا الفنية والتفصيلية التي حتماً لا بد من تسويتها لكل عضو في الاتحاد الأوروبي وهو يتحرك إلى الأمام، لكن في مجمل الأمر نحن نقدر صوتاً قوياً للمملكة المتحدة في اتحاد أوروبي قوي".
أما رد فعل فرنسا فقد أكد فرانسوا هولاند على أن بريطانيا لا تستطيع اختيار ماهية القوانين التي تفضلها من قائمة الاتحاد الأوروبي، وينبغي أن تدرك أن العضوية مدى الحياة. وإذا كان فرانسوا أولاند لبقاً في انتقاده لإقتراح كاميرون، فإن وزير خارجيته لوران فابيوس كان حاداً جداً في رده على دعوة كاميرون للإستفتاء. فقد صرح فابيوس ساخراً "إذا كانت بريطانيا تريد ترك أوروبا فسنفتح لها الباب"، وهو هنا يردد نفس الكلمات التي استخدمها كاميرون عندما وجه الدعوة لرجال الأعمال الفرنسيين الذين ضاقوا ذرعاً بالضرائب المرتفعة للانتقال إلى بريطانيا. وأضاف فابيوس إن المطالبة بإدخال تغييرات على قوانين الاتحاد تعني كأن بريطانيا انضمت إلى ناد لكرة القدم ثم قالت فجأة "هيا بنا نلعب الرغبي".
أما وزير خارجية ألمانيا جيدو فسترفيله فقد سخر هو أيضاً من بريطانيا وقال أن لندن لا يمكنها أن تتعامل مع أوروبا وكأنها أمام قائمة طعام تستطيع أن تنتقي منها ما تشاء وتختار السياسات التي تروق لها، وأضاف "الانتقاء ليس خياراً". أما بلجيكا فقد قال عضو البرلمان الأوربي ورئيس وزرائها السابق جي فيرهوفشتات أن رئيس الوزراء البريطاني "يلعب بالنار" بمحاولته إعادة التفاوض بشأن عضوية الاتحاد الأوروبي وطرحها للتصويت. وأضاف فيرهوفشتات قائلاً "خطابه حافل بالتناقضات ويكشف عن درجة من الجهل بشأن كيفية عمل الاتحاد الأوروبي." أما رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز فقد عبر عن غضبه بوضوح قائلاً إن بريطانيا توجه الاتهامات لكنها "هي من يتحمل معظم اللوم عن كافة التأخيرات في أوروبا... إن كل ما يريده (كاميرون) هو إحداث تغيير يصب فقط في مصلحة بريطانيا وهذا ليس عدلاً."

هذا هو الحال الذي وصلت إليه بريطانيا من الضعف والعجز بعد أن صارت دولة تدور في فلك أميركا منذ وصول حزب العمال إلى الحكم عام 1997. لقد أصبح حكامها لا يخجلون من الإستقواء بالأجنبي وطلب العون من أميركا جهاراً من أجل البقاء في الحكم وإدارة شؤون بلادهم. ولقد صدق الحزب في نشرة دردشات قبل حوالي خمسين سنة، وتحديداً بتاريخ 3/4/1966، عندما قال: "إن إنجلترا في حياتها السياسية في العالم مدينة لأميركا، بل إن وجودها كله كدولة كبرى أول شأنها مدين لأميركا، ولولا أميركا لانهارت إنجلترا منذ زمن بعيد".
12/رجب/1434هـ 22/5/2013م