ساعد وطني
24-03-2013, 07:04 AM
د. عيسى الغيث
من حق كل أحد أن يعبر عن رأيه، وهو منحة إلهية لا يملك أحد مصادرتها أو الانتقاص منها، فضلًا عن إلزام الغير بما لم يره، وكما أنه جزء من حقوق الإنسان، فهو محمي بأدلة الكتاب والسنة، وهو الأصل، ولا يجوز الحرمان منه، ما دام في حدود المشروع، ولم يتجاوز على حدود الخالق أو المخلوق، وذلك من باب تكريم الإنسان وحماية حقوقه ومنها حرياته المنضبطة بالشريعة الإسلامية. والتعبير عن الرأي سواء كان بشأن ديني أو دنيوي، منه المشروع ومنه الممنوع، فالجائز قد يكون مأمور به سواء كان واجبًا كعدم كتمان العلم، أو مستحبًا كالمسارعة في الخيرات، أو مباحًا كسائر التعبيرات، وهناك الممنوع سواء بالتحريم كالقول المخالف للمشروع، أو بالكراهة لعدم تفويت مصلحة أو جلب مفسدة. ويجوز التعبير بالرأي إذا كان غير معتدٍ على حقوق المخلوقين لأنها قائمة على المشاحة، وغير متجاوز على حقوق الخالق ولو كانت قائمة على المسامحة، بحيث يكون الرأي المعبر عنه مشروعًا، مع مراعاة ما يؤول إليه من مصلحة مجلوبة أو مفسدة مدروءة، دون تجاوز في الوسيلة، فالغاية لا تبررها. وعلى هذا فلا يجوز تكميم الأفواه، وفي المقابل لا يجوز ترك الحبل على الغارب، فيُنال من حقوقنا العامة في شؤون ديننا ودنيانا، أو يُعتدى على حقوقنا الخاصة بالنيل من أعراضنا ودمائنا وأموالنا وعقولنا، ولذا أُوجد نيابات عامة تتبنى المحافظة والمطالبة بما يكفل تحقيق المصالح ودرء المفاسد، كما أُوجدت المحاكم لتستقبل الدعاوى الخاصة ضد من نالوا من الآخرين. وكما لا يسوغ لغير الطبيب أن يعبر عن رأيه في المسائل الطبية، ولا يجوز لغير المهندس أن يعبر عن رأيه في المسائل الهندسية، وهكذا في بقية التخصصات الدنيوية، فكذلك في التخصصات الدينية من باب أولى، ويبقى هامش الثقافة العامة والفكر الإنساني مستساغًا للتعبير فيه ضمن الحدود المسموح بها. ومن ذلك حق التعبير للمتخصصين في المسائل الفقهية، ولا إنكار في مسائل الاجتهاد غير المجمع عليها في الحقيقة، مع الأخذ في الاعتبار مراعاة باب سد الذرائع دون المغالاة فيه، فالوسائل لها أحكام المقاصد، وعليه فتسقط الوسائل عند سقوط المقاصد، أو عند تحصيلها، وإذا تزاحمت الأولويات فالمقدم المقاصد دون الوسائل، وكما أن الأصل في العبادات التوقيف والحظر، فإن الأصل في العادات الإباحة والإطلاق، إلا أن طاعة ولاة الأمر واجبة إذا لم يأمروا بمعصية، فتجب طاعتهم عند تقييد المباحات ما دام مستندًا إلى المصلحة. ومن الواجب التسليم بحق التعبير لكون سلطة التشريع في ديننا حق خالص لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم دون غيرهما، فلا شرع إلا ما شرعه الله سبحانه، وبالتالي لا حرام إلا ما حرمه، ولا حلال إلا ما حلله، وليس من حرية التعبير النيل من الحاكم أو المحكومين، فالأصل حماية الجناب، ووقاية الحقوق، والمناصحة تكون في السر ومؤدية للواجب بلا حيف، لأن جميع تصرفات الحاكم منوطة بالمصلحة العامة، وعند تعدد وجهات النظر فله ترجيح ما يراه، وبه يرتفع الخلاف، ويحرم النكاف. وفي حالنا اليوم لا نشكو من تضييق الخناق على حرية التعبير للرأي، وإنما في فوضويتها وتعديها على الحقوق العامة والخاصة، مستغلة وسائل الاتصالات والتقنيات الفضائية والإلكترونية في النيل من هذه الحقوق بنوعيها، فحدود حرية التعبير لكل فرد تقف عند حدود حقوق الآخرين، والراصد للوسط الشرعي والثقافي يدرك هذا التسيب والتجاوز، حيث الغيبة والنميمة، والبهتان والإفك، والسب والشتم، والظلم والتضليل، وجميع ذلك يبرر له زعمًا بأنه من حق التعبير وأحيانًا يسوغ له بأنه واجب شرعي للتوضيح والتحذير، وهذا الواقع هو أكبر الأدلة والبراهين على ما نعيشه اليوم من فوضى غير خلاقة، أفسدت الدين والدنيا، وأثارت البلابل والبلايا، فتشاحنت الأنفس، وتباعدت القلوب، بدلًا من سلامة التعبير وسمو المقصد. وإذا تأملنا النماذج الواقعية لما يزعم بأنها من التعبير عن الرأي، لوجدنا الكثير منها مواجهة لرأي آخر، وهذا لا يسوغ إلا عندما يثبت كون الرأي الأول غير مشروع بالإجماع، وليس بكونه غير مقبول عند المعارض، ومع ذلك قد يسوغ له حق إبداء رأيه تجاه رأي غيره، ما دام ملتزمًا بالشروط الشرعية وأهمها ما فيه تحقيق المصلحة ودرأ المفسدة عن الناس في العاجل والآجل، وليس فيما يحقق مصلحته الخاصة في الدنيا بالشهرة والبروز على حساب الحق والمصلحة العامة، فيضلل الناس بدلًا من أن يهديهم، سواء بجهل أو تجاهل، ولا بد عند إبداء الرأي من الإخلاص لله تعالى فيما يقال ويترك، طلبًا لثوابه وابتغاءً لمرضاته، ووفقًا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم بمتابعته في أخلاقه وسلوكه، ومن ذلك حسن الظن والرفق، وفي الحديث “من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد”، وأن يكون أهلًا للرأي، في زمن تسلق فيه المتعالمون فضلوا وأضلوا، فيجادلون بغير علم ولو صدرهم الرعاع، مخالفين قوله تعالى: “ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير”، ولا بد من العدل والإنصاف في الحوار، وليس الانتصار للنفس والسائد والتيار، والله ولي التوفيق
من حق كل أحد أن يعبر عن رأيه، وهو منحة إلهية لا يملك أحد مصادرتها أو الانتقاص منها، فضلًا عن إلزام الغير بما لم يره، وكما أنه جزء من حقوق الإنسان، فهو محمي بأدلة الكتاب والسنة، وهو الأصل، ولا يجوز الحرمان منه، ما دام في حدود المشروع، ولم يتجاوز على حدود الخالق أو المخلوق، وذلك من باب تكريم الإنسان وحماية حقوقه ومنها حرياته المنضبطة بالشريعة الإسلامية. والتعبير عن الرأي سواء كان بشأن ديني أو دنيوي، منه المشروع ومنه الممنوع، فالجائز قد يكون مأمور به سواء كان واجبًا كعدم كتمان العلم، أو مستحبًا كالمسارعة في الخيرات، أو مباحًا كسائر التعبيرات، وهناك الممنوع سواء بالتحريم كالقول المخالف للمشروع، أو بالكراهة لعدم تفويت مصلحة أو جلب مفسدة. ويجوز التعبير بالرأي إذا كان غير معتدٍ على حقوق المخلوقين لأنها قائمة على المشاحة، وغير متجاوز على حقوق الخالق ولو كانت قائمة على المسامحة، بحيث يكون الرأي المعبر عنه مشروعًا، مع مراعاة ما يؤول إليه من مصلحة مجلوبة أو مفسدة مدروءة، دون تجاوز في الوسيلة، فالغاية لا تبررها. وعلى هذا فلا يجوز تكميم الأفواه، وفي المقابل لا يجوز ترك الحبل على الغارب، فيُنال من حقوقنا العامة في شؤون ديننا ودنيانا، أو يُعتدى على حقوقنا الخاصة بالنيل من أعراضنا ودمائنا وأموالنا وعقولنا، ولذا أُوجد نيابات عامة تتبنى المحافظة والمطالبة بما يكفل تحقيق المصالح ودرء المفاسد، كما أُوجدت المحاكم لتستقبل الدعاوى الخاصة ضد من نالوا من الآخرين. وكما لا يسوغ لغير الطبيب أن يعبر عن رأيه في المسائل الطبية، ولا يجوز لغير المهندس أن يعبر عن رأيه في المسائل الهندسية، وهكذا في بقية التخصصات الدنيوية، فكذلك في التخصصات الدينية من باب أولى، ويبقى هامش الثقافة العامة والفكر الإنساني مستساغًا للتعبير فيه ضمن الحدود المسموح بها. ومن ذلك حق التعبير للمتخصصين في المسائل الفقهية، ولا إنكار في مسائل الاجتهاد غير المجمع عليها في الحقيقة، مع الأخذ في الاعتبار مراعاة باب سد الذرائع دون المغالاة فيه، فالوسائل لها أحكام المقاصد، وعليه فتسقط الوسائل عند سقوط المقاصد، أو عند تحصيلها، وإذا تزاحمت الأولويات فالمقدم المقاصد دون الوسائل، وكما أن الأصل في العبادات التوقيف والحظر، فإن الأصل في العادات الإباحة والإطلاق، إلا أن طاعة ولاة الأمر واجبة إذا لم يأمروا بمعصية، فتجب طاعتهم عند تقييد المباحات ما دام مستندًا إلى المصلحة. ومن الواجب التسليم بحق التعبير لكون سلطة التشريع في ديننا حق خالص لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم دون غيرهما، فلا شرع إلا ما شرعه الله سبحانه، وبالتالي لا حرام إلا ما حرمه، ولا حلال إلا ما حلله، وليس من حرية التعبير النيل من الحاكم أو المحكومين، فالأصل حماية الجناب، ووقاية الحقوق، والمناصحة تكون في السر ومؤدية للواجب بلا حيف، لأن جميع تصرفات الحاكم منوطة بالمصلحة العامة، وعند تعدد وجهات النظر فله ترجيح ما يراه، وبه يرتفع الخلاف، ويحرم النكاف. وفي حالنا اليوم لا نشكو من تضييق الخناق على حرية التعبير للرأي، وإنما في فوضويتها وتعديها على الحقوق العامة والخاصة، مستغلة وسائل الاتصالات والتقنيات الفضائية والإلكترونية في النيل من هذه الحقوق بنوعيها، فحدود حرية التعبير لكل فرد تقف عند حدود حقوق الآخرين، والراصد للوسط الشرعي والثقافي يدرك هذا التسيب والتجاوز، حيث الغيبة والنميمة، والبهتان والإفك، والسب والشتم، والظلم والتضليل، وجميع ذلك يبرر له زعمًا بأنه من حق التعبير وأحيانًا يسوغ له بأنه واجب شرعي للتوضيح والتحذير، وهذا الواقع هو أكبر الأدلة والبراهين على ما نعيشه اليوم من فوضى غير خلاقة، أفسدت الدين والدنيا، وأثارت البلابل والبلايا، فتشاحنت الأنفس، وتباعدت القلوب، بدلًا من سلامة التعبير وسمو المقصد. وإذا تأملنا النماذج الواقعية لما يزعم بأنها من التعبير عن الرأي، لوجدنا الكثير منها مواجهة لرأي آخر، وهذا لا يسوغ إلا عندما يثبت كون الرأي الأول غير مشروع بالإجماع، وليس بكونه غير مقبول عند المعارض، ومع ذلك قد يسوغ له حق إبداء رأيه تجاه رأي غيره، ما دام ملتزمًا بالشروط الشرعية وأهمها ما فيه تحقيق المصلحة ودرأ المفسدة عن الناس في العاجل والآجل، وليس فيما يحقق مصلحته الخاصة في الدنيا بالشهرة والبروز على حساب الحق والمصلحة العامة، فيضلل الناس بدلًا من أن يهديهم، سواء بجهل أو تجاهل، ولا بد عند إبداء الرأي من الإخلاص لله تعالى فيما يقال ويترك، طلبًا لثوابه وابتغاءً لمرضاته، ووفقًا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم بمتابعته في أخلاقه وسلوكه، ومن ذلك حسن الظن والرفق، وفي الحديث “من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد”، وأن يكون أهلًا للرأي، في زمن تسلق فيه المتعالمون فضلوا وأضلوا، فيجادلون بغير علم ولو صدرهم الرعاع، مخالفين قوله تعالى: “ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير”، ولا بد من العدل والإنصاف في الحوار، وليس الانتصار للنفس والسائد والتيار، والله ولي التوفيق