المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ليس فينا من ينكر



بوفيصيل
25-02-2013, 01:59 AM
أضع بين يدي الأخوة هذه المقالة عل الله ينفعنا بكم وارجوا الرد على الأخ الكاتب حيث حاولت جاهدا ان احصل علي رد من احد الأخوة الا انه لم احصل علي رد منه عبر الايميل الا أنني أعذر انه قد يكون لم يصل اليه لسبب ما فارجوا ان يكون المانع خيرا ان شاء الله
تنويه الأخ الكاتب يقصد بالشركة ( الحزب) مع كل اعتذار إذ وصلني هذا المقال عبر الايميل بعد تم طرح مضمون المقالة ففهمت انه هدم لما تعلمته من أدبيات الحزب وطلبت منه ان يتم كتابة ما يطرحه حتي يتم مراجعة ما يقصده من طرح ليتسنى لي من قراءته لعدة مرات مما يمكنني من العودة لما يقصده من طرح وفي هذا الطرح هدم لكل الحركات بلا استثناء
المقال -
ليس فينا من ينكر فضل الحزب عليه، وفضل مؤسسه على الحزب، وأنا أولهم. فالحق سبحانه يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ). فالحزب هو وحده من ندين إليه أن علمنا ديننا، وفقهنا فيه، وهذا فضل منه علي لا أنساه العمر كله. إلا أن الحق، أحق أن يتبع، وأمر الله أجدى أن يُطاع.
فبعد استقالتي من العمل في الشركة، انبريت بتجرد تام، أبحث وأتفكر بعمق في كل ما تلقيته من الشركة. ذلك أنني، وكسائر العاملين في الشركة، أوجوب العمل بشركة، فحرام علي تركها دون الاشتغال بعمل دعوي. ولذا عكفت على مراجعة ما ذهب إليه علماء المسلمين وفقهائهم، في ما تعلق من الأحكام الشرعية بإنشاء الشركات، وحكم العمل بها. ولا يخفيك يا ولدي الحبيب، أن حجم ما كان يُناط بي من مسؤوليات وأعمال في الشركة، إضافة إلى طبيعة النظام الإداري فيها، كانا يحولان دون اعتكافي هذا، ويمنعاني من التجرد التام، حين النظر في كل ما تعلق في الشركة من أحكام شرعية. ولقد استوقفتني حين مراجعتي هذه، مسألتان حملتاني على تغيير العديد من القناعات والمفاهيم والمقاييس التي تربينا عليها في الشركة. المسألة الأولى، خاصة بعمل شركتنا. والثانية، عامة بالشركات الإسلامية جميعها.
أما المسألة الأولى، والخاصة بشركتنا، فإنها تكمن في طريقة عمل شركتنا. ذلك أن مؤسس الشركة رحمه الله، لما أسسها، كان قد اجتهد رأيه في تأسيسها، وفي وضع طريقتها في العمل، وفي اتخاذ مفاهيمها. وقد خلص إلى وجبوب حمل الشركة، إلى العمل على صهر الأمة في بوتقتها. وهذا يعني حمل سواد الأمة كافة، أو سواد الأمة في قطر من الأقطار، على الأخذ بمفاهيم الشركة. أي أن تتوحد مفاهيم ومقاييس وقناعات جمهور الأمة، أو جمهور القطر، وفق ما تتبناه الشركة من فلسفة ظنية خاصة.
والشركة في عملها، حين حملها لاجتهاداتها الظنية دعوة للمسلمين، وبسعيها لصهر الأمة في بوتقة فلسفاتها، وباستهدافها لتوحيد آراء الأمة على رأيها، سواء كانت آراء فقهية، أم فكرية، أم سياسية. أقول، أن الشركة في عملها هذا، قد استنت سنة ليس عليها أمر الإسلام. ذلك أن الإسلام، يُبارك اختلاف الرأي الشرعي في الأمة، ويدفع إليه، بحكم هو معلوم من الدين بالضرورة، والشركة تدفع باتجاه توحيد الرأي الشرعي الظني في الأمة على رأيها الظني ! وعلى ذلك، يكون عمل الشركة على التضاد وما يدفع به الإسلام، ويباركه.
فالله سبحانه فرض علينا الاجتهاد إذ يقول: ]وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ[ التوبة. وهذه الآية أصل في وجوب الاجتهاد على الأمة كفائيا. وفرض الاجتهاد، يعني قطعا تباين الرأي الظني في الأمة واختلافه. ولما كان الله فرض الاجتهاد وحفَّز عليه بالأجر العظيم، صار اختلاف أمة محمد r في الرأي الظني محمودا، بكونه ناتجا حتميا لفرض رباني. لذا كان الاختلاف بالآراء الظنية الاجتهادية في الأمة، هو الذي أورثها مكتبتها الفقهية العظيمة، وهو الذي جعلها تنعم برحمة من الله في سعة من التشريع الإسلامي، وهو الذي ساهم في رقيها بشكل يفوق الخيال. فالله وإن لم يفرض في الآية الاختلاف بالرأي الظني على الأمة، إلا أن الاختلاف في الرأي الظني هو نتيجة قطعية لما فرضه الله وهو الاجتهاد. ولما كان الاختلاف بالرأي الظني في الأمة، هو نتيجة قطعية لقيام الأمة بفرض الاجتهاد، ونتيجة قطعية لالتزام الأمة دينها، كان الاختلاف بالآراء الظنية الاجتهادية أمر يدفع إليه دين الإسلام.
فدين الإسلام هو من دفع بالأمة للاختلاف، وهو من باركه، لما فرض الله الاجتهاد وحفَٓز عليه. وهذا ما كان عليه حال صحابة رسول الله r في حياته، وبعد وفاته. فمازال الصحابة يختلفون في آرائهم الاجتهادية الظنية، وهم مع ذلك متآلفون، معتصمون بحبل الله المتين، غير متفرقين. فنهج الإسلام، وطريقته، تورث الاختلاف بين المسلمين، رحمة من الله بهم. قال المصطفى r : ]اختلاف أمتي رحمة[ "صحيح مسلم بشرح النووي". والشركة في دعواها، وعملها، تستهدف توحيد الآراء الظنية الاجتهادية في الأمة، والقضاء على الاختلاف بين المسلمين، والوقوف عمليا ضد رحمة الله المشروعة، والمنزلة على المسلمين.
هذا عن المسألة الأولى الخاصة بعمل الشركة، أما عن المسألة الثانية، والعامة في جميع الشركات الإسلامية، فإنها تكمن في آيات كريمات في سورة الروم،. وها أنا أسوقها إليك كما فقتها، وأسوقها إلى كل من يفرد الله في عبادته، مخلصا له الدين.
يتبع....

بوفيصيل
25-02-2013, 02:10 AM
يقول الله جلّ وعلى: ]منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين * من الذين فرَّقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون[. فالمولى عز وجل، يدعونا في الآية الأولى، أن ننوب إليه، أي نلزم على الدوام طاعته، وان نُقبل عليه بالتوبة، ونرجع عن الذنب. ويطلب سبحانه أن نتقيه، بأن نحتمي بطاعته من غضبه. وأن نقيم الصلاة، بمداومتنا على أدائها. كل ذلك مطلوب فعله منّا بالآية الأولى. وفيها أيضا يطلب منّا سبحانه نحن المسلمين، بأن لا نكون من المشركين. والسؤال هو كيف نكون مسلمين ومشركين في آن واحد. ذلك أن الآية، لم تطلب منّا أن لا نشرك، أي أن الآية لم تقل: "ولا تشركوا"، بل قالت: (ولا تكونوا من المشركين)، و"الواو" في كلمة "تكونوا"، تعود علينا نحن المسلمين. وعلى ذلك، تكون الآية، قد طلبت منّا نحن المسلمين، أن لا نكون من جماعة المشركين، ولم تطلب منّا أن لا نشرك. والفرق بين هذا وذاك كبير وشاسع. فالشرك ضلال، وهو أن تجعل مع الله إله آخر. بينما جماعة المشركين، هم مسلمون يشركون بالله بفعلهم.
وصحيح أن الآية لم تأتِ بلفظ جماعة، لكن الآية استخدمت "من"، و "من" حرف يفيد التبعيض. كقولك "زيدٌ وعمرٌ وخالدٌ من الناس"، أي زيد وعمر وخالد بعض من مجموع الناس، أو جماعة من الناس. وأما الشرك، فالشرك شركان. شرك عقدي، وشرك عملي. أما العقدي منهما، فلا يقع إلا في من كفر، كمشركي مكة، وهو لا يقع في مسلم أبدا. ذلك أن هذا النوع من الشرك بالله، ينقض ضمنيا "لا إله إلا الله"، فلا يجتمعان في نفر بحال. إذ كيف يجتمع إفرادا لله، وإشراك به معا في قلب واحد. وأما الشرك العملي، فلا يقع إلا في المسلم حصرا، وهو الذي قال فيه المصطفى في حديث للبخاري: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ ‏ ‏الْمُوبِقَاتِ ‏ ‏قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا ...). فالرسول في هذا الحديث، يخاطب المسلمين، ويطلبهم ترك الشرك بالله، ولا يصح في حال، أن يٍُطلب من مسلم ترك الشرك الأكبر بداهة، لأنه موحِّدٌ أصلا، فلا يبقى في الحديث، إلا أنه طلب ترك الشرك الأصغر. وهذا النوع من الشرك، يقع في أعمال المسلم، وهو لا يُخرج المسلم من إسلامه، ولا ملته، ولكنه فعل محرم، وهو من أكبر كبائر الإثم، كالحلف بغير الله، والصلاة على حجر، والتَّطير، وغيرها من أفعال الشرك التي عيَّنعا الشرع. وهذه الأفعال الشركية لا يُحاسب عليها المشركون من الكفار، لأنه ليس بعد الكفر ذنب، ولأنه مشرك بالأصل، ولكن يُحاسب عليها المسلم أشد الحساب. ولذا كان الشرك الأصغر خاص بالمسلمين، لأنه من الأفعال المغلظ في تحريمها.
والشرك الأصغر، أو الشرك العملي في المسلم، يكون في أعمال كثير ذكرها الشرع. والآية وإن صلحت أن تكون دليلا على الطلب من المسلمين لترك الشرك الأصغر بشكل عام، إلا أن الآية التي تلتها في السورة، جاءت مكملة لطلبها، لتطلب ترك فعل معين من إجمالي أفعال الشرك الأصغر. فالآية الأولى، في طلب الترك تقول: (ولا تكونوا من المشركين ) ثم تُكمل الآية التي تليها فتقول: (من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون). فالآية الثانية عينت فعلا بعينه من أفعال الشرك الأصغر مطلوب تركه. كقولك: "يا عمر، لا تكن من العاصين، من الذين تركوا الصلاة". فيُفهم من قولك هذا، أنك تطلب من عمر ترك فعلين اثنين. الأول، أن لا يكون من العاصين. والثاني أن لا يكون من تاركي الصلاة من العاصين. فقولك هذا، يدل على أن كل تارك صلاة عاص، لكن ليس كل عاص تارك صلاة. وبمعنى آخر، يفهم من القول، أن العاصين، منهم من هو تارك صلاة، ومنهم من هو كذاب، ومنهم قاطع رحم، وغيرهم من العصاة. وهذا ما يفهم من الآيتين. فالآيتان تطلبان منا ترك فعلين اثنين. الأول، أن لا نكون من المشركين. والثاني، أن لا نكون من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا من المشركين.
وقد يقول قائل، أن طلب الآية الأولى وحده في أن لا نكون من المشركين كافٍ، إذا ما كان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا، هم من المشركين. فلماذا تطلب الآية الثانية ترك فعل أمر، تضمنه طلب ترك في الآية الأولى؟! فنقول له، وكيف نعلم أن من "فرقوا دينهم وكانوا شيعا" هم من المشركين؟ ما لم نُخبر به من الله. بمعنى أن الآية الثانية، لم تأتِ لتنهانا عن أن نفرق ديننا، وأن لا نكون شيعا فحسب، بل ولتخبرنا أن هذا الفعل، هو من أفعال الشرك الأصغر. أي أنه فعل يُعاقب عليه العبد أشد العقاب. وهذا ما دل عليه قوله تعالى في سورة الأنعام: ]إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء[. والمعنى في هذه الآية، أنك يا محمد النبي، بالتأكيد، لست من فعل "الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا" في شيء. أي أنهم بسنتهم هذه، صاروا ليسوا منك في شيء يا محمد. ولكنهم لا شك أنهم من محمد النبي في أصل إيمانهم، لكونهم مسلمين. لكن هذا الوصف يدل على حرمة فعلتهم، وعظم ذنبها عند الله. وعليه، فإن حرمة فعل من "فرقوا دينهم وكانوا شيعا" معلومة أصلا، ومعلوم عظمها. لكن الأمر الذي بينته الآية الثانية في سورة الروم، والتي نحن بصدد فقهها، تُري أن فعلة هؤلاء تدخل في الشرك الأصغر. والأسئلة التي ترد هنا هي: كيف فرَّق المعنيون في الآية الثانية من المسلمين دينهم فكانوا شيعا؟ وما هي فعلتهم، أو سنتهم، التي جعلت الرسول محمدا r ليس منهم في شيء؟ وكيف دخلوا في الشرك الأصغر؟
وللإجابة على تلك الأسئلة، لابد من فقه الآية الثانية أولا، ثم ننظر لنفقه واقع الفرق، والشيع، والأحزاب الموجودة في عالمنا الإسلامي اليوم، وفي ما إذا كانت الآيات تنطبق عليها. فالآية تقول، (من الذين فرَّقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون). وكلمة "فرَّقوا" من فَرَقَ، والفَرق لغة خلاف الجمع. وفي قوله تعالى عن السحر، قال: ]يفرقون به بين المرء وزوجه[. ويُقال: فَرَّقْتُ بين الرجلين فَتَفَرّقا. والفَرْقُ: الفصل بين الشيئين. أما الدين فمعلوم، وهو الإسلام. وهذا ما ذهب إليه أبو هريرة، وعائشة، وأبو إمامة، أنه -أي الخِطاب في الآية- لأهل القبلة، من أهل الأهواء والبدع. وكلمة "كانوا" من كان. وكان فعل ماضي ناقص، يُخبر عن الحال. كقوله تعالى: ]وكان الله غفوراً رحيماً[. أما "شيعاً"، فهي الجمع من شيعة. والشَّيعة لغة تعني القوم الذين يجتمعون على أَمْر. وكلُّ قوم أَمرُهم واحد يَتْبَعُ بعضُهم رأْي بعض، فهم شِيَعٌ. وجاء في حديث للبخاري: ( ‏لَمَّا نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ‏"قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ" ‏ ‏قَالَ: ‏ ‏أَعُوذُ بِوَجْهِكَ ‏ "‏أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ "‏ ‏قَالَ أَعُوذُ بِوَجْهِكَ فَلَمَّا نَزَلَتْ ‏"أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ" ‏قَالَ هَاتَانِ أَهْوَنُ أَوْ أَيْسَرُ ‏) أي أهون العذاب. ويُلاحظ أن آية مقالنا تقول: "الذين فرَّقوا دينهم"، ولم تقل "الذين تفرَّقوا". فالآية لا تتحدث عن من تفرقوا، وإنما تتحدث عن من فرَّقوا دينهم فتفرقوا على أثر ذلك.
ونخلص مما تقدم من شرح للآية الثانية، أنها تنهانا عن أن نَفصل ما بين مسائل الدين، على الوجه الذي يحملنا على الأخذ بما فُصل، من باب أنه الأولى بالأخذ من مسائل الدين الأخرى، ونُشتت الدين ونفرقه، فنُمسي شيعاً، على أثر دعوانا لإخواننا المسلمين، إلى ما نظن أنه الأولى من الدين، بالأخذ، والعمل، والدعوة، من سائر مسائل الدين الأخرى. فمثلا، جماعة الشركة، يظنون أن الأخذ بمسألة إقامة الخلافة الإسلامية هي الأولى، ففصلوها عمليا عن سائر مسائل الدين، وتكتلوا للأخذ بها، والعمل لها، والدعوة إليها، فأمسوا شيعة في عموم جماعة المسلمين. وجماعة السلفيين أيضاً، صاروا شيعة في جماعة المسلمين، لما ظنوا أن العقيدة الإسلامية هي الأولى بالأخذ والحمل والدعوة. وكذلك جماعة الإخوان المسلمين، لما ظنوا أن إصلاح الفرد في المجتمع هي المسألة الأولى، فتكتلوا عليها، ودعوا لها. وغيرهم من الجماعات، والتكتلات، والأحزاب، ذات الأجندات الإسلامية، صاروا شيعاً. ويلاحظ أن هذه الفرق كلها، تستهدف بدعوتها المسلمين ليس غير. وعندما تصطدم واحدة من تلك الحركات الإسلامية بغير المسلمين، فإنها تدعوهم إلى الإسلام أولا، ثم تدعوهم بعد ذلك ليتشيَّعوا، فيكونون أفرادا منها. فحقيقة حال دعوتهم، أنها ليست إلى الإسلام، وإنما إلى ما يظنون أنه الأولى بالأخذ، والعمل، والدعوة، من الإسلام عن سائر مسائل الإسلام. وإلا لما كانوا يستهدفون بدعوتهم المسلمين خاصة. ومن هنا، ومن فعلتهم هذه، صار رسول الله r ليس منهم في شيء. ذلك أن رسول الله كان يدعو كفارا إلى الإسلام، ولا يدعو مسلمين. وإذا دعا الكفار، فإنه يدعوهم إلى الإسلام بمجمله القطعي، أي إلى كتاب الله وسنة رسوله، وليس لما هو ظني في الإسلام. أما الجماعات، والأحزاب، والحركات الإسلامية، فإنها تدعوا مسلمين ليس غير. وإذا دعوا المسلمين، فإنهم يدعونهم إلى ما يظنون أنه الأولى في الإسلام عن سائر الدين الإسلامي.
فدعوة رسول الله r، دعوة كفار إلى الدخول في الإسلام، أي دعوة إلى سبيل الله، فلا يأتيها الباطل من بين يديها، ولا من خلفها، لأنها الحق من عند الله. ودعوة الجماعات الإسلامية، دعوة مسلمين إلى تبني رأي إسلامي، ظن كلا من الحركات، أنها الدعوة لأولى المسائل من الإسلام. فهي دعوة مسلمين لمسلمين، إلى ما هو ظن، وشك، رجَّحوا أصحاب الدعوة أنه الأولى. وشتان بين الدعوة إلى الحق، وبين الدعوة إلى الظن والشك. فالأولى لله وحده، والثانية لفهم من هو دون الله. وقد يقول قائل: (أن الجماعات الإسلامية، قامت مرتكزة على قوله تعالى: ]ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر[، فالخطاب والطلب في الآية موجه للمسلمين. "ولتكن منكم"، أي منكم أيها المسلمون، "أمة" أي مجموعة، بمعنى جماعة. عــــــمل هذه الجماعة، 1- "يدعون إلى الخير"، أي إلى الإسلام. 2- "ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر". وهذا دليل من القرآن على وجوب تشكيل الجماعات الإسلامية). ونقول لصاحب هذا الرأي، أن رأيك يُدينك. ذلك أن الآية تقول: "يدعون إلى الخير"، وعرّفتَ الخير في الآية، بأنه الإسلام. فيُفهم بداهةً أنها دعوة للكفار، وهو ما فعله محمد r، وليست لمسلمين، كحال دعوة الحركات الإسلامية، هذا أولا. أما ثانيا، فإن مطلع الآية التي سبقتها تقول: ]واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا[، فيلزم أن ينضبط فهم طلب آية "ولتكن منكم أمة" وفق الاعتصام بحبل الله، وعدم التفرق. وإنشاء الحركات الإسلامية يُفضى إلى عدم الاعتصام، والى تفرق المسلمين، وهذا تباين في الفهم. وثالثا، أن الآية في قولها "ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر"، جاء "المعروف" و "المنكر" فيها معرفان بالألف واللام. فالآية لم تقل "يأمرون بمعروف وينهون عن منكر" بل عرَّفتهما بالألف واللام. وهذا التعريف يفيد أن الأمر بالمعروف الذي طلبته الآية، يلزم أن يكون معروفا عند جميع المسلمين، كوجوب الصلوات الخمس. وكذلك المنكر الذي طلبت الآية النهي عنه، فأنه يجب أن يكون منكرا عند جميع المسلمين، كحرمة الزنا. أي أن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، اللذان طلبت الآية القيام بهما، يجب أن ينحصرا بالمقطوع من الأحكام الشرعية، وما هو معلوم من الدين بالضرورة. وهذا ما كان يفعله الصحابة فيما بينهم، وفي المسلمين. وهو الفعل الذي أورثهم الاعتصام بحبل الله، وحال بينهم وبين الفرقة. لا كما تفعله الحركات الإسلامية في أمرها لما هو ظن راجح عند كل منها، ونهيها عن ما هو ظن راجح عند كل منها. والذي بدوره يورث عدم الاعتصام بحبل الله، ويورث الفرقة في ما بين المسلمين.
وعلى ذلك، يتبين أن آية "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر"، لا تنطبق على أي من الحركات الإسلامية من حيث عملها. ذلك أن أيا من الحركات الإسلامية، لا تدعو إلى الإسلام، لأنها تنشط في بلاد المسلمين. كما أنها لا تأمر بالمعروف، ولا تنهى عن المنكر. لأن كلا منها، تأمر -على عموم ما تأمر به- بتبني

بوفيصيل
25-02-2013, 02:11 AM
رأيها الإسلامي، الذي غلب على ظن كلا منها أنه الواجب، والأولى بالعمل. ولأن كلا منها، تنهى -على عموم ما تنهى عنه- عن ما غلب على ظن كلا منها أنه الحرام. فمثلا، حزب التحرير يدعو المسلمين للعمل معه على طريقته، التي يظن هو أنها واجبة لإقامة الخلافة. والحزب يظن أنه بفعله هذا يأمر المسلمين بالمعروف ! وهو حين ينهى المسلمين عن عدم التلبس بالعمل لإقامة الخلافة، يظن أنه بفعله هذا ينهى المسلمين عن المنكر ! والحقيقة أن الحزب يعلم يقينا، أن رأيه الإسلامي هذا، ظني، يحتمل الصواب، كما يحتمل الخطأ. فتكون حقيقة عمله أنه لا يدعو إلى الإسلام، ولا هو يأمر بالمعروف، ولا هو ينهى عن المنكر. وكذالك سائر الحركات الإسلامية. هذا فيما يتعلق بنشاط، وعمل الحركات الإسلامية، من حيث عدم انطباق الآية عليه. أما فيما يتعلق برأيهم من أن الآية بقولها: (ولتكن منكم أمة) توجب قيام الحركات والجماعات الإسلامية، فإنه أيضاً فهم خاطئ، ومخالف لدفع الإسلام. ذلك أن الآية لم تقل: "ولتكن منكم شيعاً"، لأن الشيعة لغة، كما أسلفنا، هم القوم الذين يجتمعون على أمر، يتبع بعضهم بعضاً. ولو قالت الآية كذلك، لصلحت أن تكون دليلا لهم. ولكن الآية قالت "أمة". و"الأمة" لغة، وإن كانت من معانيها الجماعة، ولكن إذا وقع معناها على الجماعة فإنها تعني الجماعة بمجموعها، لا بتكتلها. وهذا على خلاف دلالة مفردة "الشّيعة" لغة، والتي تعني الجماعة المتكتلة. ومن هنا كان قول الله جل وعلى: (كنتم خير أمة). أي بمجموع المسلمين كُنا خير الأمم، سواء بتكتلنا، أم بتفرقنا. فلغةً، يصح أن تطلق على ركاب سفينة ما، أنهم "جماعة"، رغم تباين الفكر والدين والعرق والجنسية في ما بينهم. ويصح لغةً أيضاً، أن تطلق على "حزب التحرير" مثلا، أنهم "جماعة". ولكن لغةً، لا يصح أن يكون أصحاب السفينة "شيعة"، فلا يوجد ما يجمعهم سوى السفينة، وهم لا يتبع بعضهم بعضاً. بينما "حزب التحرير"، وسائر الحركات الإسلامية، هم شيعاً لغةً، فهم يتبع بعضهم بعضا.
فلغة، كل شيعة جماعة، وليس كل جماعة، شيعة. ذلك أن الجماعة تدل لغةً على تضام الشيء. والجماعة أيضاً، عدد كل شيء، وكثرته. كقولك: "ذهبت جماعة من المسلمين". فهم جماعة بصفتهم العددية، لا بصفتهم التكتلية. وهم "جماعة" لأنهم كثرة، وليس لأنهم يتبع بعضهم بعضاً. هذا إذا ما أخذنا بقولهم، من أن كلمة "أمة"، في الآية "ولتكن منكم أمة"، تعني: "ولتكن منكم جماعة متكتلة". لكن الصحيح، والراجح لغةً، أن كلمة "أمة"، تعني: "أَتْباعُ الأنبياء"، كما جاء في لسان العرب. وعلى هذا، يكون معنى الآية: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر"، أي: "ولينتصب منكم، أيها المسلمون، عدد، هم أتباعُ الأنبياء، يدعون الكفار للإسلام، ويأمرون المسلمين، بالتزام، وأداء الواجب الذي تعارفوا عليه أنه الحق الذي لا يطاله الشك من الإسلام. وينهونهم المسلمين عن المعاصي، التي تعارف المسلمون عليها أنها الحرام القطعي من الإسلام". هذا هو الفهم الصحيح للآية. ولذا، تجد هذا الفهم ينطبق على حال صحابة رسول الله. كما أنه ينسجم تمام الانسجام مع الآية التي سبقتها حين تقول: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا). فهذا الفهم والتطبيق للآية، يحملنا على الاعتصام بحبل الله، وهو التمسك بأصل الدين، وبالثابت قطعا منه من الأحكام، ويحملنا على إتباع خطى الأنبياء. ويحول بيننا وبين التفرق، والاختلاف بالدين، وبالأحكام، حين الأخذ بالظن، والدعوة للراجح منه. كما أن هذا الفهم، ينسجم أيضاً مع الآية التي تلت "ولتكن منكم أمة". حيث تقول: ]ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات[. أي لا تكونوا كاليهود، والنصارى، اختلفوا، وتفرقوا، بأحزابهم، وجماعاتهم، من بعد ما جاءهم الدين الحق، وجاءتهم الأحكام القطعية، ولم يلتزموها، واتبعوا الظنون، ودعوا لها، وتكتلوا عليها، وفرقوا دينهم، فتفرقوا. وهذا الفهم ينسجم أيضا مع ما جاء في سورة المؤمنون، حيث يقول الله: ]وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون * فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون[.
فالمسلمون من أبناء الأمة، الذين أقاموا الحركات والجماعات والأحزاب الإسلامية، والذين انضموا إليها، والذين أيدوها وناصروها، وقعوا في المحظور الشرعي، وكانوا بفعلتهم هذه، كاليهود والنصارى بفعلتهم، حين تفرقوا، واختلفوا، من بعد ما جاءهم البينات من ربهم. هذه هي حقيقة حال الحركات والجماعات والأحزاب الإسلامية التي هم عليها، اتجاه جماعة المسلمين، واتجاه بعضهم لبعض. فهم متفرقون عن جماعة المسلمين، وعن بعضهم لبعض، باتخاذ كل منهم أجندته ومفاهيمه الخاصة، التي يدعو ويعمل لها. ويظن كل منهم أنه "الفرقة الناجية"، ليس باتخاذهم الإسلام دينا، وإنما باتخاذهم ما يظنون أنه أولى الأحكام من الإسلام. فكل منهم، ينظر إلى الأمة الإسلامية، على أنها منحطة، ومتخلفة، متبعين بنظرتهم هذه أميرهم، وثقافتهم الخاصة، على الرغم من أن ربنا وربهم يقول: ]كنتم خير أمة أخرجت للناس[. وكل منهم يحب أخاه في الحركة، ويبغض أخاه الذي في الحركة الأخرى، أو الذي يختلف معه في الرأي، حتى لو كان من ذوي القربى، على الرغم من أن رسولهم ورسولنا يقول: (لا تدخلوا الجنة حتى تحابوا). هكذا هم في الغالب من أعمالهم. فهم معتزلون، متفرقون، مختلفون، يقدمون ما عندهم على كل ما تعارض معه، حتى لو كان ما تعارض معه من أصل الدين. ولذا كان أميرُ وثقافة كل منهم الظنية، إلههم الآخر، الذي يأمرهم وينهاهم. فكانت حقيقتهم أنهم مشركون شركا أصغر، بتغليبهم لرأي أميرهم وجماعتهم الظني، وتغليبهم لأهوائهم، على البينات من الحق من ربهم.
والحركات والجماعات والأحزاب الإسلامية، كل منهم راضون، مسرورون، مستبشرون بما عندهم من ثقافة وأجندة ودعوة فرَقت بهم عن سائر المسلمين. وآية مقالنا هذا، كشفت لنا حالهم حيث تقول: (كل حزب بما لديهم فرحون). والحزب لغة يعني جماعة الناس. وحزب الرجل يعني أصحابه وجنده الذين على رأيه. وكل قوم صارت قلوبهم وأعمالهم على شاكلة واحدة فهم حزب. والآية استخدمت لفظ "لديهم"، أي ما لدى أفراد الحزب الواحد من ثقافة، وأجنده خاصة بالحزب، هم فرحون بها. والفرح لغة هو نقيض الحزن، وهو شعور محله القلب. والفرح أن يجد الفرد في قلبه خفةً، أي مسرةً. فيكون معنى الآية، أن كل شيعة من تلك الشّيع، وكل حزب، مسرورون بما لديهم من ظنٍ راجح، معجبون به، يغبطون به عند أنفسهم. هذا هو حال الحركات والجماعات والأحزاب الإسلامية.
وعلى هذا، تكون جماعة شركتنا حزبا، يحرم الانتساب إليه، والدعوة لآرائه الظنية. وهكذا سائر الفرق، التي سمت نفسها، والتزمت ودعت لما رجح لها من الظن، وادعت أنها الفرقة الناجية دون سائر المسلمين. فرسولنا الكريم يقول في حديث للبخاري: (‏الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ). فالأصل فينا كمسلمين، أن يوالي بعضنا بعضا، إخوة في الدين. كما أن الله عز وجل ارتضى لنا اسما، سمانا به أبونا إبراهيم، حيث يقول الله: (ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين). فالأصل أن نلزم هذا الاسم الجامع لنا على تعدد مذاهبنا، واجتهاداتنا. ولا تظن يا ولدي الحبيب، أنني في مقالي هذا، أحمل بغضا لأي من إخواننا المسلمين، في أي جماعة أو حزب أو فرقة أو شيعة كانت، فنحن جميعا أخوة في الدين. وإنما أنا ناصح لك لما أراه من فرقة، وتفكك، وعداوة ألمت بالمسلمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
هذا والله أعلى وأعلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

أبو عبدالله

يوسف
21-03-2013, 08:43 AM
اااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا اااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا اااااا

بوفيصيل
22-03-2013, 06:52 AM
للرفع والتذكير
لا يوجد اي تعقيب علي موضوع حساس يمس طريقة الحزب وتبنيه
ودمتم في امان الله

ابوعبدالرحمن حمزة
23-03-2013, 11:50 AM
ما رأيك انت اخ بوفيصل ؟

بوفيصيل
23-03-2013, 01:16 PM
السلام عليكم اخي ابو عبدالرحمن
هذا رأي اخي الكريم وخاصة الأحكام الشرعية في اغلبها ظنية ولا اجتهاد لي انا شخصيا لان الاجتهاد له ضوابطه ورحم الله امرىء عرف قدر نفسه وكثر هم من كانوا في الحزب وخرجوا منه يضربون الفكر الذي تعلموه من الحزب لكن سؤالي كان لكاتب المقال انه اذا كان هذا رأيك في الحزب بعد طوال هذه المسيرة اين كنت من هذا الكلام الذي تتحدث عنه وهل هذا اجتهاد منك فإذا كان اجتهاد فالاجتهاد يجب ان تتوفر له أمور كثر فأين انت كنت من ذلك هذا ما كان عندي اخي الكريم ووضعي للمقال في هذا المنتدي الطيب وضعته حتي أتعلم من الأخوة مما علمهم الله وأفاض عليهم من علم
وجزاك الله كل الخير

youniss
25-03-2013, 06:33 PM
تطبيق احكام الاسلام فرض فرضه الله على المسلمين حيث قال وان احكم بينهم بما انزل الله وهذا التطبيق يوجب ان تكون هناك دوله تطبق احكام الاسلام فكان وجود الدوله فرض من الله وهذه الدوله ان لم تكن موجوده كان حكم اقامتها هو الوجوب وهذا العمل هل يتصور ان يقوم به افراد منفصلين من دون ان يربطهم رابط فكري شعوري اذا كان الجواب بنعم فلنعرف الطريق واذا كان الجواب لا فيجب عندها ان يكون هناك حزب ياخذ على عاتقه القيام بالاعمال التي توصله الى الدوله وكيف يكون حزبا اذا لم يكن عنده طريقه للتتبني او ان نقول له انه يحرم ان تكره افراد الحزب على التبني للاحكام وان نترك كل فرد من افراد الحزب ان يتبنى ما يراه اقرب للصواب وان يدعو الناس لرايه هذا والله انها لصاعقه ان نعرف ان الحزب حرام وجوده من الاصل اذ لا حزب بدون تبني وبالتالي لا توجد طريقه لاقامة احكام الاسلام وفكرة وجود الحزب خاطئه هذا مفهوم من المقال ما دام الاختلاف امر به الاسلام وجعله غاية كما هو واضح من المقال والتبني وجمع الناس على راي واحد هو ضد المحمود شرعا اذا هو مذموم اذ هو بعيد عن مقاصد الشرع وبالتالي فالحزب كله عليه علامات الاستفهام
لا اعرف اذا كان ذكر الحديث الشريف تلذي يقول الرسول صلى الله عليه ولم اذا اجتهد الحاكم فاصاب فله اجران واذا اجتهد فاخطا فله اجر واحد يساعد في توضيح الفكره لماذ فاضل الرسول صلى الله عليه وسلم بين من اصاب ومن اخطا اذا كان الاختلاف محمودا وقد امر به الشرع اليس الاجتهاد هو بذل الجهد لاصابة الحق وكل المجتهدين مامورين بتحري الحق والمجتهد الذ لم يصب الحق معذور لعدم اصابة الحق وله اجر الاجتهاد ومحروم من اجر اصابة الحق اردت من خلال ما كتبت عن الفقرة الاولى للموضوع ان افتح باب للاخذ والرد لاني لم اجد من كتب في الموضوع ولا اعرف السبب فغيرة مني مع ضحالة الفكر الذي عندي واطلب من الله المغفرة على الزلات

youniss
26-03-2013, 11:44 AM
بسم الله الرحمن الرحيم ان الاسلام يبارك الاختلاف في الراي الشرعي في الامه ويدفع اليه بحكم هو معلوم من الدين الضروره والشركه تدفع باتجاه توحيد الراي الشرعي الظني في الامه على رايها الظني ارى ان هذه مقدمه منطقيه بنى عليها الكاتب مقدمات اخرى اوصلته الى الحكم بحرمة تاسيس الاحزاب من الاصل وهذه المقدمه الاولى وهي اساس البحث في الجزء الاول من المقال فيها نظر سجب مراجتها والبحث في صحتها والسؤال هل ان الاسلام فعلا يدفع الى الاختلاف في الفهم الشرعي ويندب اليه

youniss
27-03-2013, 05:48 PM
القول في تأويل قوله تعالى : ( منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين ( 31 ) من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون ( 32 ) ) [ ص: 100 ]

يعني - تعالى ذكره - بقوله : ( منيبين إليه ) تائبين راجعين إلى الله مقبلين .

كما حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( منيبين إليه ) قال : المنيب إلى الله : المطيع لله ، الذي أناب إلى طاعة الله وأمره ، ورجع عن الأمور التي كان عليها قبل ذلك ، كان القوم كفارا ، فنزعوا ورجعوا إلى الإسلام .

وتأويل الكلام : فأقم وجهك يا محمد للدين حنيفا ، منيبين إليه - إلى الله - فالمنيبون حال من الكاف التي في وجهك .

فإن قال قائل : وكيف يكون حالا منها ، والكاف كناية عن واحد ، والمنيبون صفة لجماعة ؟ قيل : لأن الأمر من الكاف كناية اسمه من الله في هذا الموضع أمر منه له ولأمته ، فكأنه قيل له : فأقم وجهك أنت وأمتك للدين حنيفا لله ، منيبين إليه .

وقوله : ( واتقوه ) يقول جل ثناؤه : وخافوا الله وراقبوه ، أن تفرطوا في طاعته ، وتركبوا معصيته ( ولا تكونوا من المشركين ) يقول : ولا تكونوا من أهل الشرك بالله بتضييعكم فرائضه ، وركوبكم معاصيه ، وخلافكم الدين الذي دعاكم إليه .

وقوله : ( من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ) يقول : ولا تكونوا من المشركين الذين بدلوا دينهم ، وخالفوه ففارقوه ( وكانوا شيعا ) يقول : وكانوا أحزابا فرقا كاليهود والنصارى .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ) : وهم اليهود والنصارى .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ) إلى آخر الآية ، قال : هؤلاء يهود ، فلو وجه قوله : ( من الذين فرقوا دينهم ) إلى أنه خبر مستأنف منقطع عن قوله : ( ولا تكونوا من المشركين ) ، وأن معناه : ( من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ) أحزابا ، ( كل حزب بما لديهم فرحون ) كان وجها يحتمله الكلام . [ ص: 101 ]

وقوله : ( كل حزب بما لديهم فرحون ) يقول : كل طائفة وفرقة من هؤلاء الذين فارقوا دينهم الحق ، فأحدثوا البدع التي أحدثوا ( بما لديهم فرحون ) يقول : بما هم به متمسكون من المذهب ، فرحون مسرورون ، يحسبون أن الصواب معهم دون غيرهم .

















































السابق || من 1التالي
جميع حقوق النشر محفوظة 1998-2013© Islamweb.net

youniss
27-03-2013, 06:26 PM
. فمثلا، حزب التحرير يدعو المسلمين للعمل معه على طريقته، التي يظن هو أنها واجبة لإقامة الخلافة. والحزب يظن أنه بفعله هذا يأمر المسلمين بالمعروف ! وهو حين ينهى المسلمين عن عدم التلبس بالعمل لإقامة الخلافة، يظن أنه بفعله هذا ينهى المسلمين عن المنكر ! والحقيقة أن الحزب يعلم يقينا، أن رأيه الإسلامي هذا، ظني، يحتمل الصواب، كما يحتمل الخطأ. فتكون حقيقة عمله أنه لا يدعو إلى الإسلام، ولا هو يأمر بالمعروف، ولا هو ينهى عن المنكر. وكذالك سائر الحركات الإسلامية. هذا فيما يتعلق بنشاط، وعمل الحركات الإسلامية، من حيث عدم انطباق الآية عليه. أما فيما يظن ويظن ويظن هل طريقة الحزب ظنيه بمعنى انها تحتمل الصواب وتحتمل الخطا من اين هذا الكلام وهل الظن رديف الشك اليس يقول الحزب كلامنا صحيح يحتمل الخطا هل يتساوى القولان

أبو أيمن
29-03-2013, 08:53 AM
والشركة في عملها، حين حملها لاجتهاداتها الظنية دعوة للمسلمين، وبسعيها لصهر الأمة في بوتقة فلسفاتها، وباستهدافها لتوحيد آراء الأمة على رأيها، سواء كانت آراء فقهية، أم فكرية، أم سياسية. أقول، أن الشركة في عملها هذا، قد استنت سنة ليس عليها أمر الإسلام. ذلك أن الإسلام، يُبارك اختلاف الرأي الشرعي في الأمة، ويدفع إليه، بحكم هو معلوم من الدين بالضرورة، والشركة تدفع باتجاه توحيد الرأي الشرعي الظني في الأمة على رأيها الظني ! وعلى ذلك، يكون عمل الشركة على التضاد وما يدفع به الإسلام، ويباركه.

أريد أن أعلق على هذه النقطة بالتحديد وأقول:
إنّ فهم صاحب المقال الخاطئ لهذه النقطة نابعة برأيي من عدم تصوره أن الصراع الفكري والكفاح السياسي الذي يخوضه حزب التحرير حين ليس في كل فكر وهي مجموعة مفاهيم ومقاييس وقناعات معلومة من الدين بالضرورة لدى كل المسلمين وتتمثل في الأفكار التي ترعى السلطة الناس بها كي تحدث فراغ سياسي فيتتقدم الحزب ويملأ الفراغ و هذا يكون عن طريق ضرب المصالح بين الشعب و السلطه و ليس كل مصلحه أي بإختصار أن الحزب يريد صهر الأمة في بوتقة فلسفتها والمتمثلة بالمفاهيم الأساسية عن الحياة التي ستقوم الدولة عليها و هي قطعية في جملتها وهي من المحكم و ليس بالمتشابه وبالتالي لا مجال في النقاش فيها مثل حرمة الحكم بغير ما أنزل الله وحرمة تبني الديمقراطية و حرمة الروابط القومية والوطنية والمذهبية و ووجوب الجهاد واقامة الحدود وحماية الثغور وحرمة تبني النظام الاقتصادي الراسمالي ووجوب التقيد بالنظام الاجتماعي في الاسلام

youniss
29-03-2013, 04:34 PM
يسلم قلمك وبارك الله فيك

ابوعبدالرحمن حمزة
09-04-2013, 10:55 PM
يقول
(أما المسألة الأولى، والخاصة بشركتنا، فإنها تكمن في طريقة عمل شركتنا. ذلك أن
مؤسس الشركة رحمه الله، لما أسسها، كان قد اجتهد رأيه في تأسيسها، وفي وضع طريقتها
في العمل، وفي اتخاذ مفاهيمها. وقد خلص إلى وجوب حمل الشركة، إلى العمل على صهر
الأمة في بوتقتها. وهذا يعني حمل سواد الأمة كافة، أو سواد الأمة في قطر من
الأقطار، على الأخذ بمفاهيم الشركة. أي أن تتوحد مفاهيم ومقاييس وقناعات جمهور
الأمة، أو جمهور القطر، وفق ما تتبناه الشركة من فلسفة ظنية خاصة.
والشركة
في عملها، حين حملها لاجتهاداتها الظنية دعوة للمسلمين، وبسعيها لصهر الأمة في
بوتقة فلسفاتها، وباستهدافها لتوحيد آراء الأمة على رأيها، سواء كانت آراء فقهية،
أم فكرية، أم سياسية. أقول، أن الشركة في عملها هذا، قد استنت سنة ليس عليها أمر
الإسلام. ذلك أن الإسلام، يُبارك اختلاف الرأي الشرعي في الأمة، ويدفع إليه، بحكم
هو معلوم من الدين بالضرورة، والشركة تدفع باتجاه توحيد الرأي الشرعي الظني في
الأمة على رأيها الظني ! وعلى ذلك، يكون عمل الشركة على التضاد وما يدفع به
الإسلام، ويباركه.
فالله
سبحانه فرض علينا الاجتهاد إذ يقول: ]وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ
كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ
لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ
إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ[ التوبة. وهذه الآية أصل في وجوب الاجتهاد على
الأمة كفائيا. وفرض الاجتهاد، يعني قطعا تباين الرأي الظني في الأمة واختلافه.
ولما كان الله فرض الاجتهاد وحفَّز عليه بالأجر العظيم، صار اختلاف أمة محمد r في
الرأي الظني محمودا، بكونه ناتجا حتميا لفرض رباني. لذا كان الاختلاف بالآراء
الظنية الاجتهادية في الأمة، هو الذي أورثها مكتبتها الفقهية العظيمة، وهو الذي
جعلها تنعم برحمة من الله في سعة من التشريع الإسلامي، وهو الذي ساهم في رقيها
بشكل يفوق الخيال. فالله وإن لم يفرض في الآية الاختلاف بالرأي الظني على الأمة،
إلا أن الاختلاف في الرأي الظني هو نتيجة قطعية لما فرضه الله وهو الاجتهاد. ولما
كان الاختلاف بالرأي الظني في الأمة، هو نتيجة قطعية لقيام الأمة بفرض الاجتهاد،
ونتيجة قطعية لالتزام الأمة دينها، كان الاختلاف بالآراء الظنية الاجتهادية أمر
يدفع إليه دين الإسلام.
فدين
الإسلام هو من دفع بالأمة للاختلاف، وهو من باركه، لما فرض الله الاجتهاد وحفَٓز
عليه. وهذا ما كان عليه حال صحابة رسول الله r في
حياته، وبعد وفاته. فمازال الصحابة يختلفون في آرائهم الاجتهادية الظنية، وهم مع
ذلك متآلفون، معتصمون بحبل الله المتين، غير متفرقين. فنهج الإسلام، وطريقته، تورث
الاختلاف بين المسلمين، رحمة من الله بهم. قال المصطفى r : ]اختلاف
أمتي رحمة[ "صحيح مسلم بشرح النووي". والشركة في دعواها، وعملها، تستهدف
توحيد الآراء الظنية الاجتهادية في الأمة، والقضاء على الاختلاف بين المسلمين،
والوقوف عمليا ضد رحمة الله المشروعة، والمنزلة على المسلمين).
هذا كلام غيردقيق وغير صحيح من عدة وجوه:
يتبع

ابوعبدالرحمن حمزة
09-04-2013, 10:56 PM
أولاً: القول (وهذا يعني حمل سواد الأمة كافة، أو سواد الأمة في قطر من
الأقطار، على الأخذ بمفاهيم الشركة. أي أن تتوحد مفاهيم ومقاييس وقناعات جمهور
الأمة، أو جمهور القطر، وفق ما تتبناه الشركة من فلسفة ظنية خاصة) كلام غير
صحيح يقول الحزب:
(فسبيل نهضتنا هو سبيل واحد، وهو أن نستأنف حياة إسلامية. ولا سبيل إلى
استئناف حياة إسلامية إلا بالدولة الإسلامية، ولا سبيل إلى ذلك إلا إذا أخذنا
الإسلام كاملاً: أخذناه عقيدة تحل العقدة الكبرى، وتتركز عليها وجهة النظر في
الحياة، وأنظمة تنبثق عن هذه العقيدة، أساسها كتاب الله وسنة رسوله، وثروتها
الثقافية هي الثقافة الإسلامية بما فيها، من فقه، وحديث، وتفسير، ولغة، وغيرها،
ولا سبيل إلى ذلك إلا بحمل القيادة الفكرية الإسلامية حملاً كاملاً بالدعوة إلى
الإسلام، وبإيجاد الإسلام كاملاً في كل مكان، حتى إذا انتقل حمل القيادة الفكرية
إلى الأمة بمجموعها والى الدولة الإسلامية، قمنا بحمل القيادة الفكرية للعالم.
هذا هو السبيل الوحيد للنهضة: حمل القيادة الفكرية الإسلامية للمسلمين
لاستئناف الحياة الإسلامية، ثم حملها للناس كافة عن طريق الدولة الإسلامية).
(وحين يتجسد المبدأ في الأشخاص لا يطيق أن يبقى حبيساً،
بل يسوقهم إلى الدعوة له سوقاً. فتصبح أعمالهم متكيفة به، سائرة حسب منهجه، متقيدة
بحدوده، ويصبح وجودهم من أجل المبدأ، ومن أجل الدعوة له، والقيام بتكاليفه، وهذه
الدعوة تهدف إلى اعتناق الناس لهذا المبدأ وحده دون غيره وإلى إيجاد الوعي العام
به. فتتحول الحلقة الأولى إلى كتلة، ثم تتحول الكتلة إلى حزب مبدئي يأخذ في النمو
الطبيعي في ناحيتين إحداهما التكاثر في خلاياه بإيجاد خلايا أخرى تعتنق المبدأ عن
وعي وإدراك تامين، والثانية إيجاد الوعي العام به عند الأمة كلها. ويتكون من هذا
الوعي العام على المبدأ توحيد الأفكار والآراء والمعتقدات عند الأمة، توحيداً
جماعياً إن لم يكن توحيداً إجماعياً. وبذلك يتوحد هدف الأمة، وتتوحد عقيدتها،
ووجهة نظرها في الحياة. وبهذا يكون الحزب بوتقة تصهر الأمة، فينقيها من الأدران
والمفاسد التي أدت إلى انحطاطها، أو تولدت عندها أثناء انحطاطها. وهذه العملية
الصهرية يتولاها الحزب في الأمة، هي التي تسبب النهضة. وهي عملية شاقة. ولذلك لا
يقدر عليها إلا الحزب الذي يعيش بفكرتها، ويجعل حياته وقفاً عليها، ويدرك كل خطوة
من خطواته).
التكتل الحزبي
وقال في موضع آخر: (وعليه فإن الذي يتحتم على الحزب ككل وعلى كل شاب أن يبادر دون إبطاء إلى
السعي بشكل مقصود بكسب أشخاص لاعتناق الفكرة عن وعي وإدراك تامّين أي للدراسة في
الحلقات وأن يبادر دون إبطاء إلى السعي بشكل مقصود لتوحيد الأفكار والآراء
والمعتقدات على وجه يجعل هذا التوحيد لها مؤدياً إلى توحيد هدف الأمة بإقامة
الخلافة وحمل الدعوة إلى العالم عن طريق الجهاد وتوحيد عقيدتها بربطها في واقع
الحياة ووقائعها المتجددة، وببعث الحيوية فيها. وتتوحد وجهة نظرها في الحياة بأن
يُجعل مقياسها الكفر والإيمان، والحلال والحرام، وأن يُجعل كيفية الوصول إلى ذلك
ليس التثقيف فحسب وإنما وضع الإصبع على الوقائع المحسوسة. وبذلك يتم للحزب أن يكون
بوتقة تصهر، ويتم له أن يتولى في الأمة العملية الصهرية). ملف التكتلية.
وقال أيضاً: (مهمة حزب التحرير الأساسية حمل الدعوة الإسلامية، وهذه تجعل
من أهم أعماله الأعمال الآتية:
1) تغيير طريقة التفكير عند العالم بطريقة التفكير الإسلامية.
2) تغيير القاعدة الفكرية التي يبني الناس عليها أفكارهم بالقاعدة الفكرية
الإسلامية.
3) تغيير الأفكار التي يحملونها بأفكار إسلامية.
4) ربط جميع الأفكار بالقاعدة الفكرية الإسلامية).
فبالتدقيق بما تقدم يتبين بكل وضوح أن الحزب يعمل على صهر الأمة بالإسلام
والإسلام فيه أسس وفيه تفاصيل، وهذه الأسس أغلبها
قطعيات. فكون الإسلام عقيدة عقلية ينبثق عنها نظام وكون الإسلام قاعدة فكرية
وقيادة فكرية فكونه مبدأ يعالج جميع جوانب الحياة فإن هذه الفكرة قطعية، وكون
الإسلام هو الرابط الذي يجب أن يربط الإنسان بالإنسان في الحياة هو أمر قطعي وكون
الحلال والحرام هو مقياس الأعمال في الإسلام هو أمر قطعي، وكون الكفر والإيمان هو
زاوية النظرة وأن الدنيا دار ممر هو أمر قطعي، وكون الإسلام لا يمكن أن يوجد في الحياة
إلا بوجود دولة تطبقه هو أمر قطعي، وكون الجهاد هو طريقة حمل الدعوة للعالم هو أمر
قطعي. وهكذا فإن أغلب المفاهيم والمقاييس والقناعات التي نعمل على توحيدها في
الأمة والتي بتوحدها تتوحد وجهة نظر الأمة وهدفها وغايتها أقول أغلب هذه المفاهيم
والمقاييس والقناعات هي قطعيات في المبدأ أي في الإسلام.
(فالمطلوب هو أن تعتنق الأمة العقيدة الإسلامية فكرة كلية عن الكون
والإنسان والحياة، عقيدة سياسية تتخذ أساساً ما بعده أساس للبحث عن رعاية شؤون
الدنيا، وقاعدة فكرية تبنى عليها الأفكار وتنبثق عنها أنظمة الحياة، وقيادة فكرية
تقود معتنقها إلى وجهة نظر معينة في الحياة وإلى نمط معين من العيش، وإلى الحكم
على الأفكار والوقائع والأحداث من منظار معين يصور الحياة على أنها الحلال
والحرام.
يتبع

ابوعبدالرحمن حمزة
09-04-2013, 10:57 PM
هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن حصول
القناعة بصحة وصدق النظام المنبثق عن العقيدة الإسلامية لا يعني حصول القناعة بصحة
وصدق معالجات الإسلام لمشاكل الحياة فحسب بل يعني كذلك أن توجد القناعة عند الأمة
بالكيفية التي جاء بها الإسلام لتنفيذ أحكامه. وهذا يعني أن توجد القناعة عند
الأمة بمجموعها بالخلافة باعتبارها الطريقة الدائمة لتطبيق الإسلام في الداخل
ولحمل دعوته بالجهاد إلى الخارج، فيدرك واقعها من حيث هي كيان تنفيذي لمجموعة
المفاهيم والمقاييس والقناعات الإسلامية ومن حيث القواعد التي يقوم عليها سلطان
الإسلام فتلمس الأمة بمجموعها ضرورة وجودها.
وأما الجهاد فإنه بذل الوسع في القتال في سبيل الله مباشرة أو معاونة بمال
أو رأي أو تكثير سواد أو غير ذلك. فالقتال لإعلاء كلمة الله هو الجهاد. والجهاد هو
الطريقة الدائمة لحمل الإسلام إلى العالم بقتال الكفار قتالا ماديا، وسببه كون
الذين نقاتلهم كفارا رفضوا الإسلام بعد عرضه عليهم عرضا يلفت النظر. أي أن توجد
الحالة التي يعرض فيها الإسلام عرضا يلفت النظر ثم يحصل الجهاد. فواقع الجهاد أنه
قتال الكفار لإزالة الحواجز المادية من أمام الدعوة الإسلامية لجعل الشعوب تعتنق
الإسلام وتكون مع سائر المسلمين أمة واحدة لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.
فيركز الجهاد في سبيل الله في النفوس وتوجد القناعة به بهذا الوصف وعلى هذا
الاعتبار.

هذه الأفكار الأساسية الثلاثة هي التي يجب أن يعمل لتركيزها عند الأمة بمجموعها
حتى يجري تركيز الإسلام عند الأمة بوصفه عقيدة عقلية ينبثق عنها نظامها، وحتى تربط
الفكرة الإسلامية في أذهان الناس بطريقة تنفيذها. إذ أن توحيد هذه الأفكار عند
الأمة يؤدي إلى توحيد هدف الأمة بإقامة الخلافة وحمل الدعوة إلى العالم عن طريق
الجهاد، وتوحيد عقيدتها بربطها في واقع الحياة ووقائعها المتجددة، وببعث الحيوية
فيها، وتوحيد وجهة نظرها في الحياة بأن يجعل مقياسها الكفر والإيمان، والحلال
والحرام. فإذا توحّد هدف الأمة وتوحّدت عقيدتها السياسية ووجهة نظرها في الحياة
فقد وجدت النظرة إلى المصالح، والتي تتمثل بوجود القناعة عند الأمة بمجموعها
بثلاثة أمور: أولها أن رعاية مصالحها كلها سواء في الداخل أو الخارج يجب أن تتم
بأحكام الإسلام، وثانيها أن الخلافة هي الكيفية الدائمة لرعاية مصالحها كلها في
الداخل بتطبيق الإسلام وفي الخارج بحمل الدعوة بالجهاد، وثالث هذه الأمور أن
الجهاد هو الكيفية الدائمة لحمل المبدأ للعالم أجمع.
أما الأفكار الفرعية والأحكام التي
تعالِج الأعمال فإنها نتيجة لتركيز الأفكار الأساسية وتعميقها، فلا بد من غرس
البذور وسقيها بما يحميها وينميها، أي إيجاد العقيدة بأهم أفكارها وربطها بما
يوجدها في معترك الحياة من سلطة وبما يحملها إلى العالم من قوة. أما تكرار تنزيل
الأفكار والأحكام على الوقائع الملموسة والحوادث الجارية فليس المقصود منه جزئية
هذه الأفكار والأحكام، بل المقصود تركيز أفكار الإسلام الأساسية عن الحياة أي وجهة
النظر الإسلامية في الحياة أو طريقة الإسلام الخاصة في الحياة عن طريق ربط معالجات
الوقائع الجارية بالعقيدة الإسلامية مباشرة لإيجاد البرهان العقلي والشعوري الذي
يوجِد القناعة بصحة أفكار الإسلام وأحكامه من حيث هي وحي من الله تعالى، وبناء على
ذلك تحصل الثقة عند الأمة بأفكار الإسلام وأحكامه باعتبارها أفكارا إسلامية
مستنبطة من الكتاب أو السنة أو ما يرشد إليه الكتاب أو السنة من أدلة.
فالغاية هي جعل وجهة النظر
الإسلامية في الحياة هي السائدة، وجعل طريقة الإسلام في الحياة هي طريقة الناس في
العيش سواء أكانوا مسلمين أو غير مسلمين. وهذا لن يتأتى إلا بجعل العقيدة
الإسلامية وحدها الأساس للحياة وجعل الحلال والحرام المقياس الوحيد للأعمال. وهذه
العملية الصهرية التي يتولاها الحزب في الأمة هي "السعي بشكل مقصود لتوحيد
الأفكار والآراء والمعتقدات على وجه يجعل هذا التوحيد لها مؤديا إلى توحيد هدف
الأمة بإقامة الخلافة وحمل الدعوة إلى العالم عن طريق الجهاد، وتوحيد عقيدتها
بربطها في واقع الحياة ووقائعها المتجددة، وببعث الحيوية فيها، وتتوحد وجهة نظرها
في الحياة بأن يجعل مقياسها الكفر والإيمان، والحلال والحرام". فالغاية منها
هي تركيز أفكار الإسلام الأساسية عن الحياة وهدم ما يناقضها على وجه يزيل الأفكار
العرضية الطارئة حين يجري تركيز هذه الأفكار الأساسية). انتهى.
أما إذا كان البحث في تفاصيل ظنية فإن الحزب قال بكل وضوح : (ولذلك كان على
حملة الدعوة أن يعتبروا فهمهم للأحكام فهماً صواباً يحتمل الخطأ، وأن يعتبروا فهم
غيرهم خطأ يحتمل الصواب، حتى يتسنى لهم أن يدعوا للإسلام ولأحكامه حسب فهمهم لها
واستنباطهم إياها، وأن يحولوا أفهام الآخرين التي يعتبرونها خطأ يحتمل الصواب إلى
أفهامهم التي يعتبرونها صواباً يحتمل الخطأ. ولذلك لا يصح أن يقول حملة الدعوة عن
فهمهم، أن هذا هو رأي الإسلام، بل عليهم أن يقولوا عن رأيهم، أن هذا رأي إسلامي.
وكان أصحاب المذاهب من المجتهدين يعتبرون استنباطهم للأحكام صواباً يحتمل الخطأ،
وكان كل واحد منهم يقول: إذا صح الحديث فهو مذهبي واضربوا بقولي عرض الحائط. وكذلك
يجب أن يعتبر حملة الدعوة آراءهم التي يتبنونها، أو يصلون إليها من الإسلام
باعتبار فهمها، آراءً صائبة تحتمل الخطأ، في حين أن إيمانهم بالإسلام عقيدة لا
يجوز أن يتطرق إليها أي ارتياب. وإنما يعتبر حملة الدعوة فهمهم هذا الاعتبار لأن
الدعوة تغرس في نفوس أهلها النزوع إلى الكمال، وتفرض فيهم أن ينقبوا دائماً عن
الحقيقة وأن يقلبوا دوماً في كل ما عرفوه وفهموه، حتى ينقوه مما عسى أن يكون قد
علق به من شيء غريب عنه، ويبعدوا عنه كل ما يؤدي قربه منه إلى احتمال أن يلصق به
ويعتبر جزءاً منه، وذلك حتى يظل الفهم صحيحاً، والفكر عميقاً، وحتى تبقى الفكرة
نقية صافية؛ لأنه بقدر صفاء الفكرة ونقائها يمكنهم أن يقوموا بالدعوة؛ لأن صفاء
الفكرة ووضوح الطريقة هو الضمان الوحيد للنجاح ولاستمرار النجاح).
ويقول : ( والأرتجة والمزالج هي المقاييس الأساسية في السياسة والتشريع.
وهذه المقاييس حين تتحكم في الجماهير ويكون الرأي العام بجانبها ترفض الأفكار التي
تناقضها، فتصبح أي محاولة لدخول المجتمع غير ممكنة ما دامت هذه المقاييس هي التي
تحكم على الأفكار بالصدق أو الكذب، وبالصحة أو الفساد. فيظل المجتمع مقفلاً في وجه
الأفكار الإسلامية بهذه الأرتجة والمزالج، ويصبح الدخول إليه لا يمكن إلا عن طريق
هذه المفاهيم والمقاييس والقناعات وحدها. فإذا اصطنعت الدبلوماسية واتخذت هذه
المفاهيم والمقاييس والقناعات وسيلة لإدخال الأفكار الإسلامية، استحال دخول
الإسلام، بل أُبعد عنه، ودخل الشخص وحده للمجتمع بالمقاييس غير الإسلامية، وركّز
المجتمع الحالي وأُبعد الإسلام عنه، ولهذا لا بد من تحطيم هذه المقاييس بأسلوب
عقائدي حتى تتحطم، فيُفتح حينئذ باب المجتمع، ويصير الصراع بين أفكار الإسلام
وأفكار الكفر. فالخطوة الأولى للدخول هي تحطيم المقاييس أولاً وقبل كل شيء، ولا
سيما المقاييس الأساسية. ومن أمثلة الأرتجة والمزالج أفكار (القومية العربية)
(الحياد الإيجابي) (الوطنية) (الاشتراكية) (الديمقراطية) (الزعامة) (مرونة
الإسلام) (الانتفاع بما عند الأمم الأخرى من تشريع) (السياسة غير الدين) وما شاكل
ذلك من المقاييس التي تعتبر أسساً تقاس عليها وتُبنى عليها الأفكار الفرعية، فيجب
أن تُحطَّم ويكشَف زيفها بالهجوم العنيف حتى يسهل دخول المجتمع.
يتبع

ابوعبدالرحمن حمزة
09-04-2013, 10:59 PM
هذا من ناحية فتح الباب، أمّا من
ناحية الدخول فإنه يجب أن لا يُسمح إلا بدخول الإسلام وحده خالصاً من كل شائبة، إذ
سيحاول الكفار والحكام والسياسيون إدخال أفكار غير إسلامية للمجتمع تحت اسم
الإسلام، حتى يوجِدوا الميوعة في المجتمع من ناحية الإسلام، فيجب أن يكون المسلمون
على وعي تام من هذه الجهة، فيهاجِموا أي فكر مخالف للإسلام كما يهاجَم أي فكر كفر؛
لأنه كفر صراح.
إلا أن هذا الهجوم إنما يكون على الأفكار السياسية أو التشريعية أي على
الأفكار التي تتعلق بعلاقات المجتمع التي يجري بحثها في شؤون الدولة حين إصدار
الفكر أو حين البحث. ومثال ذلك منع تعدد الزوجات، إباحة الجمعيات التعاونية،
الاشتراك في الوزارات، التقارب بين حكام الدول القائمة في العالم الإسلامي في
المحافظة على بقاء كل حاكم على ما هو عليه، الجامعة الإسلامية، رفع مستوى المعيشة،
إدخال الأموال الأجنبية للبلاد، وما شاكل ذلك من الأفكار. فهذه كلها أفكار غير
إسلامية تدخل على اعتبار أنها إسلامية، أو أنها لا تخالف الإسلام. فهذه يجب أن
تهاجَم وتحارَب ولا تمكَّن من دخول المجتمع حتى لا تحدث الميوعة فيه. أمّا الأفكار
الإسلامية التي تخالف ما تبناه الحزب فإنه يبيَّن خطأ الفهم فيها، ولكن لا تهاجَم
بل يصرّح بأنها رأي إسلامي ولكنها ضعيفة الدليل. فمثلا من المجتهدين من لا يجيز أن
يكون الخليفة إلا قرشياً أو من آل البيت، ومنهم من يرى عدم جواز أن تكون المرأة
قاضياً، ومنهم من يرى جواز كنز الذهب والفضة إذا أُخرجَت زكاته، ومنهم من يرى جواز
تأجير الأرض للزراعة، وما شاكل ذلك، فهذه الآراء كلها آراء إسلامية ولا تُمنع من
دخول المجتمع؛ لأنها لا تُحدِث فيه ميوعة إذ هي إسلام كالآراء التي تبناها الحزب
تستند إلى دليل أو شبهة دليل، ويكتفَى بالنسبة لهذه الأفكار الإسلامية ببيان
خطئها.
إلا أن الحزب في صحفه ونشراته ومناقشاته لا يحمل أي رأي يخالف الرأي الذي
تبناه مطلقاً ولكنه يجوز أن ينشر آراء لم يسبق أن تبناها كنماذج للفهم الفقهي أو
التشريعي ولكن غير منسوبة لمن صدرت عنه بل يكتفي بدليلها. هذا من حيث الآراء التي
يقوم الحزب بنشرها، أمّا إذا نُشر رأي إسلامي عن غير طريق الحزب وكان هذا الرأي
يخالف رأي الحزب فإنه يكتفَى بمناقشته إن كانت هناك ضرورة لمناقشته وإلا أهمله.
وبذلك كله يَحول الحزب بين المجتمع وبين الميوعة التي يُخشى أن تحصل فيه. وتظل
المعركة دائرة بين الإسلام وبين الكفر حتى يُهزم الكفر وينتصر الإسلام).
ثانياً:
قوله (والشركة
في عملها، حين حملها لاجتهاداتها الظنية دعوة للمسلمين، وبسعيها لصهر الأمة في
بوتقة فلسفاتها، وباستهدافها لتوحيد آراء الأمة على رأيها، سواء كانت آراء فقهية،
أم فكرية، أم سياسية. أقول، أن الشركة في عملها هذا، قد استنت سنة ليس عليها أمر
الإسلام. ذلك أن الإسلام، يُبارك اختلاف الرأي الشرعي في الأمة، ويدفع إليه، بحكم
هو معلوم من الدين بالضرورة، والشركة تدفع باتجاه توحيد الرأي الشرعي الظني في
الأمة على رأيها الظني ! وعلى ذلك، يكون عمل الشركة على التضاد وما يدفع به
الإسلام، ويباركه).
هذا
الكلام غير صحيح لوجوه:
1_
لما تقدم بيانه من أن الحزب إنما يدعو إلى الإسلام وبعمل على توحيد المفاهيم
والمقاييس والمعتقدات المتعلقة بتوحيد هدف الأمة بإقامة الخلافة وحمل الدعوة إلى العالم عن طريق الجهاد، وتوحيد عقيدتها
بربطها في واقع الحياة ووقائعها المتجددة، وببعث الحيوية فيها، وتوحيد وجهة نظرها
في الحياة بأن يجعل مقياسها الكفر والإيمان، والحلال والحرام. فإذا توحّد هدف
الأمة وتوحّدت عقيدتها السياسية ووجهة نظرها في الحياة فقد وجدت النظرة إلى
المصالح، والتي تتمثل بوجود القناعة عند الأمة بمجموعها بثلاثة أمور: أولها أن
رعاية مصالحها كلها سواء في الداخل أو الخارج يجب أن تتم بأحكام الإسلام، وثانيها
أن الخلافة هي الكيفية الدائمة لرعاية مصالحها كلها في الداخل بتطبيق الإسلام وفي
الخارج بحمل الدعوة بالجهاد، وثالث هذه الأمور أن الجهاد هو الكيفية الدائمة لحمل
المبدأ للعالم أجمع.
يتبع

ابوعبدالرحمن حمزة
09-04-2013, 11:00 PM
2_ القول بأن الدعوة
لتوحيد الناس على أفكار ظنية هو أمر يخالف سنة الإسلام على أساس أن الإسلام أقر
الخلاف في الفهم هذا الكلام غير صحيح، فلا علاقة بين كون الإسلام أقر الخلاف في
الفهم وبين عدم جواز الدعوة لأفكار ظنية بحجة أن الإسلام أقر الخلاف في الفهم،
فهذا الاستدلال بهذا الوجه استدلال غير صحيح بل هو استدلال منطقي وبعيد كل البعد
عن الفهم التشريعي ويعوزه الدليل. فكون الإسلام أقر الخلاف في الفهم شيء وجواز
الدعوة للإفهام الظنية والتثقيف بها وجمع الناس عليها فعل آخر، والواقع أن الأدلة
الشرعية دلت على وجوب تبليغ الإسلام وبيانه، والإسلام عقائد وأحكام شرعية،
والمسلمون مخاطبون بحمل الإسلام والدعوة له عقيدة وإحكاماً شرعية، وهذا يعني وجوب
تبليغه البلاغ المبين بشرحه وبيانه عقيدة وأحكاماً، والأحكام منها ما هو قطعي
ومنها ما هو ظني وظنية الحكم الشرعي لا تلغي وجوب البيان والشرح والتثقيف والتبليغ
لهذا الحكم الشرعي وحتى يتضح الأمر أكثر فإننا كمسلمين مخاطبون بحمل عقائد الإسلام
وشرحها وبيان أدلتها، والرد على ما يخالفها وبيان زيفها، ومخاطبون بنفس الوقت
بتبليغ أحكام الإسلام بيانها وشرحها وشرح أدلتها على وجه تمكن المخاطب من التقيد
بأوامر الله ونواهيه، وهذه الأوامر والنواهي منها ما هو قطعي ومنها ما هو ظني، بل
إن أغلب تفاصيل الأحكام التي تضبط سلوك الإنسان في جميع علاقاته هي أحكام ظنية،
وكونها ظنية لا يلغي وجوبَ بيانها؛ بل لا بد من ذلك حتى يتحقق الانضباط بأمر الله
ونهيه، وما ينطبق على غير المسلم في هذه الجزئية ينطبق على المسلم أيضاً؛ أي أنه
يجب أن ندعو الناس للتقيد بالأحكام الشرعية في أعمالهم، وهذا يعني وجوب تعليمهم
وتثقيفهم بهذه الأحكام، فالأب مثلاً يجب عليه أن يثقف ابنه بعقائد الإسلام، ولابد
أن يعلمه أحكام الإسلام بما يتعلق بأفعاله من تفاصيل الصلاة والصيام..الخ وهي
تفاصيل ظنية.
والأمة كأمة مخاطبة في
تفاصيل مصالحها كأمة بالتقيد بالإسلام، وهذه التفاصيل أغلبها ظنيات. وهكذا فكون
الحكم ظنياً وجائزاً الخلاف فيه لا يعني ولا بأي حال من الأحوال حرمة الدعوة لهذا
الفهم للانضباط به؛ أي أن بيان أوامر الله ونواهيه المستنبطة من أدلة ظنية يجوز
فيها الخلاف والدعوة لها بهذه التفاصيل ليس حراماً، وتحريم هذا البيان وهذه الدعوة
لا دليل عليه، علاوة على أن الحاصل من الصحابة والتابعين ببيان الأحكام الشرعية
المستنبطة من الأدلة التفصيلية بظن راجح والدعوة لها كان أمراً معروفاً ومشهوراً،
وشهرته تغني عن ذكر الأمثلة عليه _سيذكر لاحقاً ما يثبت ذلك_.
كما أن القول بتحريم
الدعوة إلى الأحكام التي استنبطت بغلبة الظن يعني بكل بساطة عدم انضباط الجماعة
كجماعة بأحكام الشرع؛ فمثلاً تواجه الأمة قضية تنصيب حاكم عليها، فكان لا بد من بيان حكم الشرع في
هذا الموضوع،
ومن المحتم أن يصل المجتهدون إلى آراء معينة، قد يتفقون عليها، وقد يختلفون. وفي
حال حصول الخلاف، فمن الطبيعي أن يجري حمل الناس على رأي واحد ليجري انضباط الأمة
بالإسلام، وهذا الرأي في حقيقته رأي توصل إليه المجتهد بغلبة الظن. ثم من المقرر عند أهل
العلم أن للإمام حق تبني الأحكام الشرعية، وأن رأيه يرفع الخلاف، فإذا كان للإمام
أن يحمل الناس على الانضباط باجتهاد ظني، فكيف تكون الدعوة لهذا الحكم المستنبط
باجتهاد ظني حراماً؟! وبالتالي يسقط القول بأن الدعوة لأحكام ظنية متعلقة
بالجماعة؛ أي مصالحها كجماعة، هو أمر يتضاد مع سنة الإسلام الذي أقر الخلاف.
على أنه إذا كان القصد من سنة الإسلام في الاختلاف أن سنة الله أن يحصل
الاختلاف بين المسلمين في الفهم فإن من سنة الإسلام؛ أي سنة الله، أن البشر
يخطئون، ومن سنة الله أن البشر لا يزالون مختلفين فمنهم المؤمن ومنهم الكافر، وهذا لا علاقة له بالتشريع. فلا يقال ما
دام أن سنة الله أن المسلمين سيقع منهم الاختلاف في الفهم فلا يصح محاولة توحيد
الفهم عند المسلمين بما يتعلق في قضاياهم الجماعية كجماعة، لا يقال ذلك؛ لأن كون
الأمر سنة الله لا يستنبط منه الأحكام، فلا يقال ما دام أن سنة الله أن يقع
الإنسان في الخطأ فلا يصح العمل على تقليل وقوع الأخطاء، أو لا يجوز أن ننهى الناس
عن الوقوع في الخطأ، فهذا الكلام غير صحيح.
إذ أن كون وقوع الخطأ سنة من سنن الله فإن هذه السنة لا يستنبط منها
الأحكام وكذا كون سنة الله أن البشر لا يزالون مختلفين، فمنهم المؤمن ومنهم
الكافر، لا يقال ما دام هذه هي سنة الله فلا يجوز دعوة الناس والكفار لاعتناق
الإسلام لأن هذا يتضاد مع سنة الله فهذا الكلام مردود. فكون الأمر سنة من سنن الله
فإن ذلك لا يعني استنباط تشريعات من هذه السنة أو أن تؤثر على الفهم الشرعي عند
بحث النص ودلالاته فلا علاقة بين الأمرين نهائياً.


3_ إن الحزب لا يلزم أي أحد خارج جسمه بتبني فهم الحزب بما يتعلق بتفاصيل الأحكام
بل هو يُصرِّح أن رأيه رأي إسلامي، وأن رأي غيره رأي إسلامي، فرأيه صواب يحتمل
الخطأ ورأي غيره خطأ يحتمل الصواب، بل هو يريد أن يقود الأمة على أساس الإسلام
الذي هو مبدأ الحزب ومبدأ الأمة لوضعه موضع تطبيق في الدولة والمجتمع، وهذا الأمر
لا يلزم منه أن تتبنى الأمة بمجموعها آراء الحزب التفصيلية التي هي موضع خلاف، بل
يكفي الثقة من الأمة بفهم الحزب أنه فهم شرعي معتبر، ويكفي القناعة بالأفكار
الأساسية التي يدعو لها للانقياد له، ويكفي القناعة بالأفكار الظنية المتعلقة
بموضوع ممارسة الأمة لسلطانها، وإيجاد رأي عام له في الأمة على اعتبار أنه فهم
شرعي معتبر.
4_ على أنه
قد وجد تاريخياً رأي عام لأفكار ظنية في الأمة جُمع الناس عليها مثل كون زواج
المتعة حراماً أو حرمة الخروج على الحاكم المتغلب، بل إنه وجدت أفكار باطلة وغير
صحيحة سيطرت كرأي عام وجمع الناس عليها مثل غلق باب الاجتهاد، وهذا يثبت أن الآراء
الظنية ممكن أن يجمع الناس عليها وتوجد كرأي عام بل ممكن أن تكون آراء باطلة.
يتبع

ابوعبدالرحمن حمزة
09-04-2013, 11:01 PM
ثالثاً: ورد في الموضوع
القول: (فالله سبحانه فرض علينا الاجتهاد إذ
يقول: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن
كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ
وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}
التوبة. وهذه الآية أصل في وجوب الاجتهاد على الأمة كفائيا. وفرض الاجتهاد، يعني قطعا
تباين الرأي الظني في الأمة واختلافه. ولما كان الله فرض الاجتهاد وحفَّز عليه
بالأجر العظيم، صار اختلاف أمة محمد صلى الله عليه وسلم في
الرأي الظني محمودا، بكونه ناتجا حتميا لفرض رباني. لذا كان الاختلاف بالآراء
الظنية الاجتهادية في الأمة، هو الذي أورثها مكتبتها الفقهية العظيمة، وهو الذي
جعلها تنعم برحمة من الله في سعة من التشريع الإسلامي، وهو الذي ساهم في رقيها
بشكل يفوق الخيال. فالله وإن لم يفرض في الآية الاختلاف بالرأي الظني على الأمة،
إلا أن الاختلاف في الرأي الظني هو نتيجة قطعية لما فرضه الله وهو الاجتهاد. ولما
كان الاختلاف بالرأي الظني في الأمة، هو نتيجة قطعية لقيام الأمة بفرض الاجتهاد،
ونتيجة قطعية لالتزام الأمة دينها، كان الاختلاف بالآراء الظنية الاجتهادية أمر
يدفع إليه دين الإسلام.
فدين
الإسلام هو من دفع بالأمة للاختلاف، وهو من باركه، لما فرض الله الاجتهاد وحفَٓز
عليه. وهذا ما كان عليه حال صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في
حياته، وبعد وفاته. فمازال الصحابة يختلفون في آرائهم الاجتهادية الظنية، وهم مع
ذلك متآلفون، معتصمون بحبل الله المتين، غير متفرقين. فنهج الإسلام، وطريقته، تورث
الاختلاف بين المسلمين، رحمة من الله بهم. قال المصطفى صلى الله عليه وسلم:
"اختلاف أمتي رحمة" صحيح مسلم بشرح النووي. والشركة في دعواها، وعملها،
تستهدف توحيد الآراء الظنية الاجتهادية في الأمة، والقضاء على الاختلاف بين
المسلمين، والوقوف عمليا ضد رحمة الله المشروعة، والمنزلة على المسلمين).
وهذا الكلام ليس دقيقاً،
وبيان ذلك ما يلي:
1_ القول بأن الآية أصل
في وجوب الاجتهاد على الأمة كفائياً ليس صحيحاً، والاستدلال ليس في مكانه، فالآية
لا تدل على وجوب الاجتهاد كفائياً على الأمة، بل الآية دليل على وجوب الجهاد
كفائياً وعلى وجوب التفقه في الدين ووجوب الإنذار بما تفقه به، وهذا دليل على وجوب
الدعوة بما علم من الأحكام التفصيلية يعني أن الإنذار بما علمه المتفقه من أحكام
لغيره من المسلمين فرض، وبالتالي فالآية دليل على عكس ما سيقت لأجله. فالآية توجب
على من تفقه شيئاً من الدين أن ينذر غيره به ليحذروا، وهذا عام فيما تفقهه سواءٌ
أكان قطعياً أم ظنياً ولا دليل يخصص التفقه والإنذار بالقطعي أو الظني.
وهذا لا يعني عدم وجوب
الاجتهاد كفائياً على الأمة، إذا أن هناك أدلة أخرى تدل على وجوب ذلك، ولكن هذه
الآية لا تدل على ذلك. نعم ممكن أن يستدل بهذه الآية على وجوب التفقه في الدين،
وأن هذا التفقه إذا كان لا يتم إلا بالإجتهاد فإن الإجتهاد في هذه الحالة يكون
فرضاً، ولكن ذلك متعلق بمن هو قادر على الاجتهاد، أما من هو غير قادر فإن الواجب
في حقه سؤال من يعلم حتى يتفقه في دينه في الأمر الذي اتصل به عمله.
2_ القول (ولما كان الله فرض الاجتهاد وحفَّز عليه بالأجر العظيم، صار
اختلاف أمة محمد r
في الرأي الظني محمودا، بكونه ناتجا حتميا لفرض رباني... إلى
قوله ... ونتيجة قطعية لالتزام الأمة دينها، كان الاختلاف بالآراء الظنية
الاجتهادية أمر يدفع إليه دين الإسلام).
وهذا الكلام ليس صحيحاً،
وهو ليس استدلالاً شرعياً، بل هو استدلال منطقي. فوجوب الاجتهاد بالأدلة التي دلت
على ذلك تعني فقط وجوب الاجتهاد، أما إقرار الخلاف الناتج عن الاجتهاد فإن الدليل
على هذا الإقرار نص آخر، وهو قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في غزوة
الأحزاب: (لا تُصلّوا العصر إلاّ في بني قريظة)، ففَهِم أشخاص أنه قصد الاستعجال
وصلّوا العصر في الطريق، وفَهِم أناس أنه قصد معنى الجملة فلم يُصلّوا العصر
وأخّروها حتى وصلوا بني قريظة فصلّوها هناك. ولمّا بلغ الرسول ذلك أقرّ الفريقين
كلاً على فهمه.
فهذا النص هو الذي دل على إقرار الاختلاف في الاجتهاد، وأن على كل مجتهد الانضباط
بما غلب على ظنه، وهذا يعني أن كلا الفهمين حكم شرعي. وهذا الحكم الشرعي هو حكم الله في حق من تبناه، وصار
واجباً عليه أن يعمل بموجبه وحده، ويعلّمه للناس ويدعو للإسلام بحسبه؛ لأن معنى
تبني المسلم للحكم هو العمل به وتعليمه لغيره والدعوة له حين يدعو لأحكام الإسلام
وأفكاره. وإذا تبنى المسلم حكماً معيناً صار هذا الحكم بعينه هو حكم الله في حقه.
وهذا بالفعل ما تم سواء
في حادثة بني قريظة أو فيما روي عن الصحابة فإنهم كانوا يبلغون الإسلام ويعلمونه
للناس عقائد وأحكام شرعية في القطعيات والظنيات، وكانوا يعلمونهم ما استنبطوه من
حكم على اعتبار أنه حكم الله في حقهم وكانوا يدعون لما فهموه من أحكام بناءً على
اجتهادهم وفهمهم، وهذا هو الثابت عن الصحابة وعمن بعدهم من التابعين وتابعي
التابعين أنهم كانوا يبلغون الإسلام عقائد وأحكام شرعية ويثقفونهم به سواءٌ أكان
في القطعيات أم الظنيات، وسواء اجتهدوا هم بهذا الفهم أم أخذوه عن غيرهم.
3_ القول بأن الحزب (في دعواه، وعمله،
يستهدف توحيد الآراء الظنية الاجتهادية في الأمة، والقضاء على الاختلاف بين
المسلمين، والوقوف عمليا ضد رحمة الله المشروعة، والمنزلة على المسلمين). هو قول باطل كما تقدم
4_ قوله : (قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: "اختلاف أمتي رحمة" صحيح
مسلم بشرح النووي) الحديث لم يخرجه مسلم في صحيحه وإنما ذكره النووي في شرحه لصحيح
مسلم.
يتبع

ابوعبدالرحمن حمزة
09-04-2013, 11:02 PM
قوله: (هذا
عن المسألة الأولى الخاصة بعمل الشركة، أما عن المسألة الثانية، والعامة في جميع
الشركات الإسلامية، فإنها تكمن في آيات كريمات في سورة الروم،. وها أنا أسوقها
إليك كما فقتها، وأسوقها إلى كل من يفرد الله في عبادته، مخلصا له الدين.
يقول
الله جلّ وعلى: {منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين * من
الذين فرَّقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون}. فالمولى عز وجل، يدعونا
في الآية الأولى، أن ننوب إليه، أي نلزم على الدوام طاعته، وان نُقبل عليه
بالتوبة، ونرجع عن الذنب. ويطلب سبحانه أن نتقيه، بأن نحتمي بطاعته من غضبه. وأن
نقيم الصلاة، بمداومتنا على أدائها. كل ذلك مطلوب فعله منّا بالآية الأولى. وفيها
أيضا يطلب منّا سبحانه نحن المسلمين، بأن لا نكون من المشركين. والسؤال هو كيف
نكون مسلمين ومشركين في آن واحد. ذلك أن الآية، لم تطلب منّا أن لا نشرك، أي أن
الآية لم تقل: "ولا تشركوا"، بل قالت: (ولا تكونوا من المشركين)،
و"الواو" في كلمة "تكونوا"، تعود علينا نحن المسلمين. وعلى
ذلك، تكون الآية، قد طلبت منّا نحن المسلمين، أن لا نكون من جماعة المشركين، ولم
تطلب منّا أن لا نشرك. والفرق بين هذا وذاك كبير وشاسع. فالشرك ضلال، وهو أن تجعل
مع الله إله آخر. بينما جماعة المشركين، هم مسلمون يشركون بالله بفعلهم).
أولاً: قوله:
(وفيها أيضا يطلب منّا سبحانه نحن المسلمين، بأن لا نكون من المشركين. والسؤال هو
كيف نكون مسلمين ومشركين في آن واحد. ذلك أن الآية، لم تطلب منّا أن لا نشرك، أي
أن الآية لم تقل: "ولا تشركوا"، بل قالت: (ولا تكونوا من المشركين)).
قوله (والسؤال
كيف نكون مسلمين ومشركين في آن واحد) ما علاقة هذه الكلام بالآية؟وما علاقة أن
الإنسان لا يعقل أن يكون مسلماً ومشركاً في نفس الوقت بتفسير الآيات وبيان
دلالاتها؟! إن تفسير النص وبيان دلالاته _وبخاصة في الأحكام الشرعية_ تكون بحسب
دلالات اللغة العربية وضوابط أصول الفقه. وقرائن فهم النص متعلقة بهذه الدلالات
ومتعلقة بمناط النص والسياق الذي ورد فيه؛ أي فهمه فهماً تشريعياً. ودور العقل في
هذه الحالة منحصر بفهم دلالات النص على الوجه الآنف الذكر. فهو؛ أي العقل، لا يضع
دلالات النص أبداً، وإنما يقوم بفهم دلالات النص وفقاً للضوابط السابقة. وعليه
فهذا الكلام (والسؤال هو كيف نكون مسلمين ومشركين في آن واحد) لا علاقة له بفهم
النص وبفهم دلالته.
ثانياً: قوله
(ذلك أن الآية، لم تطلب منّا أن لا نشرك، أي أن الآية لم تقل: "ولا
تشركوا"، بل قالت: (ولا تكونوا من المشركين).
إن الآية عندما
قالت ولا تكونوا من المشركين فإنها بلا شك من حيث دلالات الألفاظ تنهى عن الشرك
فلا فرق من حيث النهي عن الشرك بين القول: لا تشرك. وبين: لا تكن من المشركين؛ أي
لا فرق بين الصيغتين من حيث الدلالة على النهي عن الشرك، والفرق إنما هو أن القول:
لا تشرك تدل على النهي المباشر عن فعل الشرك. والقول: لا تكن من المشركين نهي عن
الشرك، وفي نفس الوقت نهي أن تكون جزءاً من المشركين؛ أي أن هناك مشركين وجاء النص
ينهاه أن يكون منهم؛ أي من جماعة المشركين. وهذا النهي يتضمن بلا شك نهيه عن
الشرك.
فلا فرق من حيث
النهي عن الفعل المعين بين قولك: لا تسرق، وبين قولك: لا تكن من السارقين.
فالصيغتان تدلان بلا شك على النهي عن فعل السرقة والخلاف بين اللفظين من حيث زيادة
المعنى لا يغير من اشتراك الصيغتين في الدلالة عن النهي عن الفعل المعين. فمثلاً يقول
تعالى في كتابه العزيز: (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ
الْمُمْتَرِينَ) فالآية تنهى الرسول عن أن يكون من الممترين في القبلة؛ أي أن الحق
نهى عن أن يشك رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبلة. قال المفسرون "يقول
تعالى ذكره له: فاعمل بالحقّ الذي أتاك من ربِّك يا محمد، ولا تَكوننَّ من
الممترين.
يعني
بقوله:"فلا تكونن من الممترين"، أي: فلا تكونن من الشاكِّين في أن
القبلة التي وجَّهتك نَحوها قبلةُ إبراهيم خليلي عليه السلام وقبلة الأنبياء
غيره".
وقالوا: "عن
الربيع قال: قال الله تعالى ذكره لنبيه عليه السلام: {الحقُّ من ربك فلا تكونن من
الممترين}، يقول: لا تكنْ في شك، فإنها قبلتُك وقبلةُ الأنبياء من قبلك".
وأيضاً: "قال ابن زيد:{فلا تكونن من الممترين} قال، من الشاكين قال، لا تشكنّ
في ذلك"
وأيضاً:
"قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: أوَ كان النبي صلى الله عليه وسلم شَاكَّا
في أنّ الحق من رَبه، أو في أن القبلة التي وجَّهه الله إليها حق من الله تعالى
ذكره، حتى نُهي عن الشك في ذلك، فقيل له:{فلا تكونن من الممترين}؟قيل: ذلك من
الكلام الذي تُخرجه العرب مخُرَج الأمر أو النهي للمخاطب به، والمراد به
غيره"

فظاهر مما سبق أن قوله تعالى {فلا تكونن من الممترين} تدل على النهي عن الشك وتدل
في نفس الوقت على أن لا يكون من هؤلاء الشاكين.
وعليه فإن القول
(وعلى ذلك، تكون الآية، قد طلبت منّا نحن المسلمين، أن لا نكون من جماعة المشركين،
ولم تطلب منّا أن لا نشرك. والفرق بين هذا وذاك كبير وشاسع) هو قول غير صحيح؛
فالآية دلت بهذه الصيغة {ولا تكونوا من المشركين} على أمرين؛ النهي عن الشرك؛ أي
أن لا نشرك، وفي نفس الوقت النهي عن أن نكون من جماعة المشركين.

قوله (فالشرك
ضلال، وهو أن تجعل مع الله إله آخر. بينما جماعة المشركين، هم مسلمون يشركون بالله
بفعلهم).

صحيح
أن الشرك هو أن تجعل مع الله إلهاً آخر، والأدلة تدل على هذه المعنى بلا شك. أما
القول بأن جماعة المشركين هم مسلمون يشركون بالله بفعلهم، فهذا لم يقل به أحد من
أهل العلم، علاوة على مخالفته للنصوص الشرعية.
فكلمة
"المشركين" اسم يدل على ثبوت صفة الشرك، والشرك لفظ جاء به الشرع، وحتى
يفهم هذا اللفظ لا بد من الوقوف على دلالته الشرعية. أما دلالته الشرعية فإن الله
عز وجل يقول: {قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به} يونس36، ويقول: {تدعونني
لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم}غافر42 ويقول: {قل إنما أدعو ربي ولا أشرك
به أحداً} الجن 20. ويقول: {فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً}
الكهف110. وغير ذلك الكثير من الآيات التي تدل بشكل لا لبس فيه على أن معنى الشرك،
هو أن يعبد مع الله إلهاً آخر، وهذا المعنى هو الدلالة الشرعية للفظ الشرك. وهذه تسمى
حقيقة شرعية. وعندما يطلق لفظ الشرك، فإن الذهن ينصرف مباشرة إلى حقيقته الشرعية،
وهي أن يعبد مع الله إلهاً آخر. ومن يفعل ذلك يكون مشركاً، ولا يصح أن يطلق عليه
لفظ مسلم، فالمسلم هو من أسلم وجهه لله وحده. ومن يشرك بالله فإنه لم يسلم وجهه
لله وحده، وإنما جعل مع الله إلهاً آخر.
وما يفهم من لفظ
جماعة المشركين؛ أي الجماعة التي تجعل مع الله إلها آخر. فاليهود والنصارى
والعلمانيون والماركسيون والمجوس.. الخ، كل هؤلاء من جماعة المشركين وينطبق عليهم
أنهم جماعة المشركين.
وعندما يُنهى
مسلم أن يكون من جماعة المشركين، فإن هذا يدل على عدم موالاتهم ومناصرتهم والسير
معهم، وتدل في نفس الوقت أيضاً على أن لا يشرك، فيصبح من جماعة المشركين، فإن أشرك
مع الله إلهاً آخر خرج عن كونه من جماعة المسلمين وأصبح من جماعة المشركين، وإن
سار معهم ووالاهم وناصرهم فإنه قام بأفعال محرمة يستحق عليها العقاب الشديد، وكلا
الفعلين دلت الأدلة الشرعية على حرمتهما؛ أي على حرمة الإشراك والالتحاق بجماعة
المشركين، وعلى حرمة موالاة ونصرة والسير مع جماعة المشركين.
يتبع

ابوعبدالرحمن حمزة
09-04-2013, 11:03 PM
قوله (وصحيح أن الآية
لم تأتِ بلفظ جماعة، لكن الآية استخدمت "من"، و "من" حرف يفيد
التبعيض. كقولك "زيدٌ وعمرٌ وخالدٌ من الناس"، أي زيد وعمر وخالد بعض من
مجموع الناس، أو جماعة من الناس. وأما الشرك، فالشرك شركان. شرك عقدي، وشرك عملي.
أما العقدي منهما، فلا يقع إلا في من كفر، كمشركي مكة، وهو لا يقع في مسلم أبدا.
ذلك أن هذا النوع من الشرك بالله، ينقض ضمنيا "لا إله إلا الله"، فلا
يجتمعان في نفر بحال. إذ كيف يجتمع إفرادا لله، وإشراك به معا في قلب واحد).
وقد ورد في هذا
النص عدة أخطاء، وهي:
أولاً: القول أن
الشرك العقدي لا يقع من مسلم أبداً هو قول مخالف للواقع، ومخالف للشرع. أما أنه
مخالف للواقع فذلك أن المسلم يمكن عليه الشرك؛ أي من الممكن أن يشرك بالله ويكفر
ويرتد عن الإسلام. وأما أنه مخالف لنصوص الشرع فذلك أن اللَّهُ تَعَالَى يقول:
{كَيْفَ يَهْدِى اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} وَيقول: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنِ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} وَيقَول: {إِنَّ
الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا} وَيقول: {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ
فَسَوْفَ يَأْتِى اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}وَيقول: {وَلَكِنْ
مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا}.ويقول {ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيداً}.
ويقول {ومن يشرك
بالله فقد حرم الله عليه الجنة} {يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً} وهذه الآيات
فيها دلالة على حرمة الإتيان بالشرك، وحكم من يأتي بالشرك بعد الإيمان؛ أي من يكفر
ويرتد عن الإسلام.
وعدم اجتماع
الكفر والإيمان في نفس الوقت في قلب واحد لا يدل على أن هذا القلب لا يمكن أن يكفر
بعد أن كان مؤمناً.
على أن هذا
الموضوع لا علاقة له بكون الإسلام نهى المسلمين عن الشرك أم لم ينههم، وهذه مرة أخرى
من الوقوع في المنطق عند الاستدلال!! فما علاقة أن الإنسان لا يجتمع في قلبه في
وقت واحد الإسلام والكفر بفهم دلالات النصوص الشرعية؟!!
فكون الإنسان
المعين لا يجتمع في قلبه الإيمان والكفر في وقت واحد؛ هذا الأمر لا علاقة له بفهم
نصوص الشرع أبداً.
فكون الإنسان لا
يمكن أن يجتمع في قلبه الإيمان والكفر في وقت واحد، لا يدل على أن الإسلام لم ينه
المسلمين عن الشرك العقدي، ولا يدل على أن المسلم قد يقع منه الشرك العقدي، فيخرج
عن كونه مسلماً. على أن القول بأن الشرك العقدي لا يقع في مسلم أبداً كلام باطل
وغير صحيح سواء من حيث الاستدلال، ومن حيث مخالفته للنصوص. فإن الإسلام أمر بعقائد
الإسلام؛ أي أمر بالإيمان بها، ونهى عن عقائد الكفر؛ أي حرم اعتقادها، بل أوجب
الكفر بها، ونهى من يؤمن أن يرتد عن دينه ويشرك بالله بعد إيمانه. وهذه الأحكام
معلومة من الدين بالضرورة وقد تقدمت الأدلة على عليها أعلاه.

وجاء في الموضوع
ما نصه: (وأما الشرك العملي، فلا يقع إلا في المسلم حصرا، وهو الذي قال فيه
المصطفى في حديث للبخاري: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالُوا يَا
رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ
النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا...).
فالرسول في هذا الحديث، يخاطب المسلمين، ويطلبهم ترك الشرك بالله، ولا يصح في حال،
أن يٍطلب من مسلم ترك الشرك الأكبر بداهة، لأنه موحِّدٌ أصلا، فلا يبقى في الحديث،
إلا أنه طلب ترك الشرك الأصغر. وهذا النوع من الشرك، يقع في أعمال المسلم، وهو لا
يُخرج المسلم من إسلامه، ولا ملته، ولكنه فعل محرم، وهو من أكبر كبائر الإثم،
كالحلف بغير الله، والصلاة على حجر، والتَّطير، وغيرها من أفعال الشرك التي عيَّنها
الشرع. وهذه الأفعال الشركية لا يُحاسب عليها المشركون من الكفار، لأنه ليس بعد
الكفر ذنب، ولأنه مشرك بالأصل، ولكن يُحاسب عليها المسلم أشد الحساب. ولذا كان
الشرك الأصغر خاص بالمسلمين، لأنه من الأفعال المغلظ في تحريمها. والشرك الأصغر،
أو الشرك العملي في المسلم، يكون في أعمال كثير ذكرها الشرع)
يتبع

ابوعبدالرحمن حمزة
09-04-2013, 11:04 PM
أولاً:
القول (إن الشرك العملي لا يقع إلا في المسلم حصرا) وقوله (وهذه الأفعال الشركية
لا يُحاسب عليها المشركون من الكفار، لأنه ليس بعد الكفر ذنب، ولأنه مشرك بالأصل..)
هذا كلام غير صحيح فالكفار مخاطبون بالفروع ومحاسبون عليها؛ ذلك أنهم مخاطبون بترك
التطير والصلاة على حجر والحلف بغير الله....الخ مما هو داخل فيما يسمى الشرك الأصغر
فالحكم الشرعي هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد. فلا فرق في التكليف بأحكام
الشرع بين المسلم والكافر، فكلهم مخاطَب بخطاب الشارع، وكلهم مكلَّف بحكم الشرع.
والدليل على ذلك النصوص المتضافرة في هذا الموضوع، فكلها تدل دلالة صريحة لا تقبل
التأويل على أن المخاطَب بالشريعة الإسلامية كلها جميع الناس سواء أكانوا مسلمين
أو كفاراً، قال تعالى: (وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً)، وقال تعالى:
(قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً)، وقال عليه الصلاة والسلام:
(بُعثتُ إلى الأحمر والأسود)، أي إلى جميع الناس. فهذا خطاب عام لجميع الناس فيشمل
المسلم والكافر.
ولا يقال إن هذا
خطاب في الإيمان بالإسلام وليس بالأحكام الفرعية؛ لأنه خطاب بالرسالة وهو يعني
الإيمان بها ولا يعني العمل بالأحكام الفرعية. لا يقال ذلك لأن الرسالة عامة تشمل
الإيمان بها وتشمل العمل بالأحكام الفرعية التي جاءت بها، فتخصيصها بالإيمان تخصيص
من غير مخصص.
على أن خطاب
الناس جميعاً بالأحكام الفرعية ثابت بصريح القرآن، كخطابهم بالرسالة، قال تعالى: {وويل
للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة}، وقال تعالى: {وعباد الرحمن الذين يمشون على
الأرض هوناً وإذا خاطَبهم الجاهلون قالوا سلاماً} إلى أن يقول: {والذين إذا أنفقوا
لم يسرفوا ولم يقتروا كان بين ذلك قواماً، والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا
يقتلون النفس التي حَرَّم الله إلاّ بالحق ولا يزنون}، ثم يقول: {والذين لا يشهدون
الزور}، فهذه كلها أحكام فرعية خوطب بها عباد الرحمن، وكلمة {عباد الرحمن} تشمل
المسلمين والكافرين. وقال تعالى: {يقول الإنسان يومئذ أين المفر} إلى أن يقول: {فلا
صَدَّق ولا صَلّى}، وقال تعالى: {كل نفس بما كسبت رهينة} إلى أن يقول: {ما سلككم
في سقر، قالوا لم نكُ من المصلّين ولم نكُ نطعم المسكين}، وأيضاً فإن الله أمر
الناس جميعاً بالعبادات، فيكون الكفار مأمورين بالعبادات، قال تعالى: {يا أيها
الناس اعبدوا ربكم}، وقال تعالى:{ولله على الناس حَجُّ البيت}، فهذه الآيات صريحة
بأن الله كلفهم بالأحكام الفرعية، فهي تخاطبهم بالأحكام الفرعية، فيكونون مكلَّفين
بها. ولو لم يكونوا مكلَّفين بالفروع ما أوعدهم الله وعيداً شديداً بالعذاب على
تركها، قال تعالى: {وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة}، وقال في آيات وعباد
الرحمن: {ومن يفعل ذلك يلقَ آثاماً يضاعَف له العذاب}، فثبت بذلك أن الله خاطب
الكفار ببعض الأوامر وبعض النواهي من الأحكام الفرعية بخصوصها، فكذلك تكون باقي
الأحكام الفرعية مخاطَباً بها.
ومن ذلك يتبين أن
الكفار مخاطَبون بالشريعة كلها أصولاً وفروعاً، وأن الله سيعذبهم على عدم الإيمان
وعلى عدم القيام بالأحكام.

ثانياً: قوله
(فالرسول في هذا الحديث، يخاطب المسلمين، ويطلبهم ترك الشرك بالله، ولا يصح في
حال، أن يٍطلب من مسلم ترك الشرك الأكبر بداهة، لأنه موحِّدٌ أصلا، فلا يبقى في
الحديث، إلا أنه طلب ترك الشرك الأصغر).
هذا القول غير
صحيح فهذا الخطاب عام لكل المكلفين وليس خاصاً بالمسلمين. هذه واحدة، الأمر الآخر إن
تفسير الشرك بالله هنا بأنه الشرك الأصغر لأنه لا يصح بحال أن يطلب من مسلم ترك
الشرك الأكبر بداهة لأنه موحد أصلاً، هذا القول في نفسه قول غير صحيح من حيث كيفية
الاستدلال، فضلاً عن أنه يخالف النصوص، فالنصوص طلبت من المسلمين الإيمان بعقائد الإسلام
ونهتهم عن الشرك والكفر بعد الإيمان والردة، بل إن هذا الحديث قد صرّح بـ "الشرك
بالله" وقد قال شراح الحديث "الشرك بالله، الشرك جعل أحد شريكاً لآخر
والمراد هنا اتخاذ إلَه غير الله" "قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد:
يُحْتَمَل أَنْ يُرَاد بِهِ مُطْلَق الْكُفْر، وَيَكُون تَخْصِيصه بِالذِّكْرِ
لِغَلَبَتِهِ فِي الْوُجُود، لَا سِيَّمَا فِي بِلَاد الْعَرَب، فَذَكَرَ
تَنْبِيهًا عَلَى غَيْره مِنْ أَصْنَاف الْكُفْر. وَيُحْتَمَل أَنْ يُرَاد بِهِ
خُصُوصه إِلَّا أَنَّهُ يَرِد عَلَى هَذَا الِاحْتِمَال أَنَّهُ قَدْ يَظْهَر
أَنَّ بَعْض الْكُفْر أَعْظَم مِنْ الشِّرْك وَهُوَ التَّعْطِيل فَيَتَرَجَّح
الِاحْتِمَال الْأَوَّل عَلَى هَذَا" وجاء في معاجم اللغة "وأشْرَكَ
بالله كَفَرَ، فهو مُشْرِكٌ ومُشْرِكِيٌّ، والاسْمُ الشِّرْكُ فيهما". "والشِرْكُ
أيضاً: الكفرُ. وقد أَشْرَكَ فلان بالله، فهو مُشْرِكٌ ومُشْرِكِيٌّ، بمعنىً واحد".
وقد جاء في أحاديث
أخرى (عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: سَأَلْت رَسُول
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الذَّنْب أَعْظَم عِنْد اللَّه
تَعَالَى؟قَالَ: أَنْ تَجْعَل لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَك قَالَ: قُلْت: إِنَّ
ذَلِكَ لَعَظِيم. قَالَ: قُلْت: ثُمَّ أَيّ؟قَالَ: قَالَ ثُمَّ أَنْ تَقْتُل وَلَدك
مَخَافَة أَنْ يَطْعَم مَعَك. قَالَ: قُلْت: ثُمَّ أَيّ؟قَالَ: ثُمَّ أَنْ
تُزَانِي حَلِيلَة جَارك" وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى عُثْمَان بْن أَبِي
شَيْبَة أَيْضاً عَنْ جَرِير عَنْ الْأَعْمَش عَنْ أَبِي وَائِل عَنْ عَمْرو بْن
شُرَحْبِيل عَنْ عَبْد اللَّه فَذَكَرَهُ وَزَادَ: فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى
تَصْدِيقهَا {وَاَلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر وَلَا
يَقْتُلُونَ النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ
وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ يَلْقَ آثاماً}.
ففي هذا الحديث
بيان حرمة أن تجعل لله نداً وهو خلقك _وهذا مدلول الشرك بالله_ وأنه من أكبر
الذنوب؛ أي من أكبر الكبائر.
يتبع

ابوعبدالرحمن حمزة
09-04-2013, 11:05 PM
وقال تعالى {وَإِذْ
قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ
إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كَيْفَ يَهْدِى
اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} الآيات، وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنِ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
ثُمَّ كَفَرُوا} إِلَى {سَبِيلا} وَقَالَ: {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ
فَسَوْفَ يَأْتِى اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}وَقَالَ: {وَلَكِنْ
مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً}. {ومن
يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا }.
{ومن يشرك بالله
فقد حرم الله عليه الجنة} {يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا} وبثبوت ما تقدم يسقط كل ما بُني على هذا
الفهم.
قوله
: (والآية
وإن صلحت أن تكون دليلاً على الطلب من المسلمين لترك الشرك الأصغر بشكل عام، إلا
أن الآية التي تلتها في السورة، جاءت مكملة لطلبها، لتطلب ترك فعل معين من إجمالي
أفعال الشرك الأصغر).

ثالثاً: القول أن
ترك الشرك في الآية خاص بالشرك الأصغر هو نقل من المعنى الحقيقي للفظ إلى المعنى
المجازي وهذا يلزمه قرائن، ثم إنه قال سابقاً (ذلك أن الآية، لم تطلب منّا أن لا
نشرك، أي أن الآية لم تقل: "ولا تشركوا"، بل قالت: (ولا تكونوا من
المشركين)، و"الواو" في كلمة "تكونوا"، تعود علينا نحن
المسلمين. وعلى ذلك، تكون الآية، قد طلبت منّا نحن المسلمين، أن لا نكون من جماعة
المشركين، ولم تطلب منّا أن لا نشرك. والفرق بين هذا وذاك كبير وشاسع).
فكيف أصبحت الآن
تدل على ترك الشرك؟! _طبعا هي تدل على ترك الشرك بلا شك فصيغة ولا تكونوا من
المشركين تدل على النهي عن الشرك كما تدل على النهي أن نكون من جماعة المشركين _وحمل لفظ الشرك في هذه الآية على معنى الشرك الأصغر هو
أخذ بالمعنى المجازي للفظ الشرك، والقاعدة الأصولية أنه لا يصار إلى المجاز إلاّ
إذا تعذرت الحقيقة، والحقيقة هنا لا تتعذر. والقاعدة الأصولية أيضاً أنه لا يصار
إلى المجاز إلاّ إذا وُجدت قرينة، ولا توجد قرينة هنا نقلت اللفظ للمعنى المجازي.
يتبع

ابوعبدالرحمن حمزة
09-04-2013, 11:06 PM
وبناءً على ما تقدم لنقف عند الآية وتفسيرها كما فسرها أهل التفسير الآية
هي قوله تعالى: (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا
تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا
شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)) وسياق الآيات هكذا قال
تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ
عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ
مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ
فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ
الآيات لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ
بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ
(29) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ
النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ
وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31)
مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا
لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)
الآيات من سورة الروم وهي مكية وسياق الآيات هو نقاش للكفار ودعوتهم
للإيمان وترك الشرك الذي هم فيه ودعوتهم للدين الحنيف، والله سبحانه يأمر الرسول
ومن اتبعه أن يقيموا الدين ويتمسكوا بهذا
الدين القيم وينيبوا إلى الله ويتقوه ولا يكونوا من المشركين الذين فرقوا دينهم وأصبحوا
شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون.
والآيات هذه هي صنو قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ
وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) وَإِنَّ هَذِهِ
أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) فَتَقَطَّعُوا
أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)
وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا
لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ
يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) وقوله تعالى (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا
أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ
وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)
فهذه الآيات كلها تنهى عن التفرق في الدين وتذم ذلك ذماً شديداً، فما هو
التفرق في الدين؟
فهل هو (أن نَفصل ما بين مسائل الدين، على
الوجه الذي يحملنا على الأخذ بما فُصل، من باب أنه الأولى بالأخذ من مسائل الدين
الأخرى، ونُشتت الدين ونفرقه، فنُمسي شيعاً، على أثر دعوانا لإخواننا المسلمين،
إلى ما نظن أنه الأولى من الدين، بالأخذ، والعمل، والدعوة، من سائر مسائل الدين
الأخرى.)؟؟!!!
أم أنه بمعنى
آخر؟؟
قال تعالى (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ
وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31)
مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا
لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)
قال أبو جعفر الطبري: (وتأويل الكلام: فأقم وجهك يا محمد للدين حنيفاً،
منيبين إليه، إلى الله، فالمنيبون حال من الكاف التي في وجهك.
فإن قال قائل: وكيف يكون حالاً منها، والكاف كناية عن واحد، والمنيبون صفة
لجماعة؟ قيل: لأن الأمر من الكاف كناية اسمه من الله في هذا الموضع أمر منه له
ولأمته، فكأنه قيل له: فأقم وجهك أنت وأمتك للدين حنيفاً لله، منيبين إليه.
وقوله: (واتَّقُوهُ) يقول جلّ ثناؤه: وخافوا الله وراقبوه، أن تفرّطوا في
طاعته، وتركبوا معصيته (وَلا تَكُونَوا مِنَ المُشْرِكِينَ) يقول: ولا تكونوا من
أهل الشرك بالله بتضييعكم فرائضه، وركوبكم معاصيه، وخلافكم الدين الذي دعاكم إليه.
وقوله: (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكانُوا شِيَعاً) يقول: ولا
تكونوا من المشركين الذين بدّلوا دينهم، وخالفوه ففارقوه(وكانوا شِيَعًا) يقول:
وكانوا أحزابا فرقا كاليهود والنصارى) انتهى
قال الشوكاني في تفسير قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ
وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ
ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ).
قرأ حمزة والكسائي «فارقوا دينهم» وهي قراءة عليّ بن أبي طالب أي تركوا
دينهم وخرجوا عنه. وقرأ الباقون {فرّقوا} بالتشديد إلا النخعي فإنه بالتخفيف.
والمعنى : أنهم جعلوا دينهم متفرّقاً فأخذوا ببعضه، وتركوا بعضه. قيل المراد بهم :
اليهود والنصارى. وقد ورد في معنى هذا في اليهود قوله تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ
الذين أُوتُواْ الكتاب إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ البينة}. وقيل المراد
بهم: المشركون، عبد بعضهم الصنم، وبعضهم الملائكة. وقيل الآية عامة في جميع
الكفار، وكل من ابتدع وجاء بما لم يأمر به الله، وهذا هو الصواب؛ لأن اللفظ يفيد
العموم، فيدخل فيه طوائف أهل الكتاب، وطوائف المشركين، وغيرهم ممن ابتدع من أهل
الإسلام، ومعنى {شيعاً} فرقاً وأحزاباً، فتصدق على كل قوم كان أمرهم في الدين
واحداً مجتمعاً، ثم اتبع كل جماعة منهم رأى كبير من كبرائهم، يخالف الصواب ويباين
الحق) انتهى.
ففرقوا دينهم أي تركوا دينهم ويقوي ذلك قراءة حمزة والكسائي (فارقوا) وعلى
قراءة فرقوا فالمعنى جعلوا دينهم متفرقاً فأخذوا ببعض وتركوا بعضاً، وكلا المعنيين
صحيح متقارب فكل ضالّ فلدينه مفارق، وقد
فرَّق الأحزابُ دينَ الله الذي ارتضاه لعباده، فتهود بعض وتنصر آخرون، وتمجس بعض.
وذلك هو"التفريق" بعينه، ومصير أهله شيعًا متفرقين غير مجتمعين، فهم
لدين الله الحقِّ مفارقون، وله مفرِّقون.
وعليه فتفريق دين الإسلام هو تفريق أصوله بعد اجتماعها، فكلّ تفريق يفضي
بأصحابه إلى تكفير بعضهم بعضاً، ومقاتلة بعضهم بعضاً في أمر الدّين، فهو ممّا حذّر
الله منه.
وبالتدقيق بما تقدم يتبين أن النهي متعلق بتفريق الدين الذي ينتج عنه تفرق
بين الأمة الواحدة، وهذا التفريق بهذا الوجه لا علاقة له بواقع وجود فرق وشيع
وأحزاب وحركات، فواقع إيجاد حزب أو فرقة أو شيعة ما، هو غير واقع تفريق الدين الذي
ينتج عنه أحزاب وجماعات متفرقة في الدين، فالنهي في الآيات متعلق بجماعات وأحزاب
متفرقة في الدين؛ أي أنها أصبحت أحزاباً وشيعاً بسبب تفريق الدين.
وليس النهي متعلقاً بإيجاد فرقة أو حزب أو شيعة تدعو لدين الإسلام.
وفرق كبير بين الواقعين فالله سبحانه يقول : (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ
وَالتَّقْوَى) والرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (إذا خرج ثلاثة في سفر
فليؤمروا أحدهم) (فَإِذَا كَانَ قَدْ أَوْجَبَ فِي أَقَلِّ الْجَمَاعَاتِ
وَأَقْصَرِ الِاجْتِمَاعَاتِ أَنْ يُوَلَّى أَحَدُهُمْ: كَانَ هَذَا تَنْبِيهًا
عَلَى وُجُوبِ ذَلِكَ فِيمَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ).
والقاعدة الشرعية أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ومن المعلوم أن الدعوة لاستئناف الحياة
الإسلامية بإيجاد دولة إسلامية تطبق الإسلام
وتحمله إلى العالم لا يتأتى إلا بالعمل الجماعي، فممارسة الأمة لسلطانها
ببيعة أحد أفرادها لتطبيق الإسلام هو أمر
لا يمكن أن يوجد بدون عمل جماعي وإدارة وترتيب بين الأمة وهذا يوجب العمل الجماعي
بلا شك.
يتبع

ابوعبدالرحمن حمزة
09-04-2013, 11:08 PM
أما اعتبار أن قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) دليلاً
على حرمة العمل الجماعي فهو قول غير دقيق ومرجوح. فمنطوق الآية يوجب أن نعتصم بحبل
الله وحبل الله هو الإسلام، أو هو لا اله إلا الله. والإسلام جعل العمل الجماعي مشروعاً بما تقدم، فالآية لا تدل بمنطوقها على حرمة العمل الجماعي
أبداً وإنما دلت بمنطوقها على حرمة التفرق، والتفرق المحرم كما تقدم هو التفرق والاختلاف
فيما هو ثابت بين المسلمين بدليل ما تقدم
وبدليل سياق الآيات وسبب نزولها، فالآيات هكذا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ
بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى
عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ
فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
(102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا
نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ
قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا
حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ
آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ
إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا
وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ
عَذَابٌ عَظِيمٌ).
وقد نزلت هذه الآيات في نفر من الأوس والخزرج _ والأوس والخزرج هم (شيعة،
فرقة، حزب، جماعة) من المسلمين فلكل منهم زعماء يسمع لهم وينقاد لهم _كانوا جلوساً
يتحدثون، فمر بهم شاس بن قيس اليهودي فغاظه تألفهم واجتماعهم فأمر شاباً من اليهود
أن يجلس إليهم ويذكرهم يوم بعاث وينشدهم بعض ما قيل فيه، وكان الظفر في ذلك اليوم
للأوس، ففعل، فتنازع القوم وتفاخروا وتغاضبوا وقالوا السلاح السلاح، واجتمع مع
القبيلتين خلق عظيم، فتوجه إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقال (يا
معشر المسلمين الله الله أبدعوى الجاهلية، وأنا بين أظهركم؟بعد إذ هداكم الله إلى
الإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف به
بينكم، ترجعون إلى ما كنتم عليه كفاراً؟) فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيد
من عدوهم لهم، فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا، وعانق الرجال بعضهم بعضاً، ثم
انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين قد أطفأ الله عنهم كيد عدو
الله شاس.
فالآيات تأمرهم بأن يجتمعوا على
التمسك بدين الإسلام، أو بالقرآن، وتنهاهم عن التفرق الناشئ عن الاختلاف في الدين
_وهذا قطعاً يخرج منه الخلاف في الظنيات، فالخلاف في الظنيات الناتج عن الاجتهاد
في الفهم هو خلاف أقره الشرع وجعل الأفهام الناتجة عن الاجتهاد أفهاماً شرعية
وأحكاماً شرعية وأوجب على كل مجتهد أن يلتزم بما أداه إليه اجتهاده_، ثم أمرهم بأن
يذكروا نعمة الله عليهم، وبين لهم من هذه النعمة ما يناسب المقام، وهو أنهم كانوا
أعداء مختلفين يقتل بعضهم بعضاً، وينهب بعضهم بعضاً، فأصبحوا بسبب هذه النعمة
إخواناً وكانوا على شفا حفرة من النار بما كانوا عليه من الكفر، فأنقذهم الله من
هذه الحفرة بالإسلام.
وقد يظن أن العمل الجماعي على أساس الإسلام تفرق وهذا الكلام غير صحيح ولا يصلح دليلاً على
حرمة العمل الجماعي، وإنما يصلح دليلاً على أن العمل الجماعي إذا كان يؤدي للتفرق
بين المسلمين فهذا العمل هو الحرام، تماماً مثل حرمة الغش فحرمة الغش لا تعني أن
البيع أصبح حراماً، وإنما البيع الذي فيه الغش فقط هو الحرام، والغش أعم من أن
يكون في البيع، فهو قد يكون في البيع ويكون في غير البيع. وكذا التفرق المنهي عنه
فإنه أعم من أن يكون في العمل الجماعي فهو
يكون من الأفراد كذلك.
وقد بقي الأوس والخزرج كما هم أعني بقي الأوس جماعة وفرقة شيعة من المسلمين
لهم زعماؤهم المطاعون وبقي الخزرج كذلك، وحتى لا يقال أن الأوس والخزرج بقوا جماعة كقبائل وليس
بوصف الجماعة؛ أي كحزب أو شيعة_ مع أن هذا واقعهم
وينطبق عليه هذا الوصف أنهم جماعة أو فرقة أو شيعة داخل المسلمين، ولو كان حراماً
لما سكت الرسول عن بقائه ولعمل على إزالته، ولكنه لم يفعل بل ما فعله هو أنه نهاهم
عن العصبية والدعوات الجاهلية، فهو نهاهم عن الفعل الموجد للعداوة والبغضاء
والتفرق، ولم ينه عن وجود جماعات وفرق _ فقد وجد في عصر الرسول جماعتان من
المسلمين هم المهاجرون والأنصار، فكان لكل منهم زعماء حتى أن الرسول عندما كان
يستشير المسلمين كان حريصاً على استشارة الجماعتين كما حصل في بدر وغيرها وعندما
وقع الخلاف بينهم أي المهاجرين والأنصار على وجه محرم موجد للفرقة والعصبية نهى الرسول
عن ذلك، ولم ينه عن وجود المهاجرين والأنصار كجماعات بين المسلمين، فعن جابر بن
عبدالله قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فكسع رجل من المهاجرين
رجلاً من الأنصار فقال الأنصاري يا للأنصار وقال المهاجري يا للمهاجرين فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم ما بال دعوى الجاهلية؟ قالوا يا رسول الله كسع رجل من
المهاجرين رجلاً من الأنصار فقال دعوها فإنها منتنة).
فالإسلام نهى عن العصبية وعن
القبلية وعن التدابر والتباغض بين المسلمين أفراداً وجماعات ولم ينه عن وجود
جماعات وفرق وأحزاب بين المسلمين.
لذلك فالأدق هو القول أن الدعوة إذا كانت للفرق والمذاهب فهي حرام، أما إذا
كانت الدعوة للإسلام سواء أكان يقوم بذلك فرد أو جماعة فإنه عمل مشروع بل واجب
فنأمل التدقيق في هذا. إذ هناك فرق بين الدعوة للإسلام من خلال جماعة، وبين الدعوة
للجماعة وللفرق وللمذهب سواء بشكل فردي أو جماعي، فالعمل الأول مشروع بل واجب في الأصل
على الفرد والجماعة والعمل الثاني حرام لا يجوز للفرد والجماعات ولا بأي حال من الأحوال.
ولا يقال إن الدعوة لما اختلف فيها المجتهدون من أفهام مستنبطة مما أنزل
الله هو من التفرق في الدين المذموم لا يقال ذلك؛ لأنه لا يوجد دليل شرعي معتبر
يدل على أن دعوة المجتهد _أي البيان والشرح والتعليم والتثقيف بما فهم من تفاصيل
هي موضوع خلاف بين المسلمين_ هو فعل حرام، بل إن الأدلة تدل على وجوب ذلك عليه،
وهو ما كان حاصلاً أيام الصحابة والتابعين، فقد كانوا يدعون إلى الإسلام بشكل عام ويشرحون ويبينون تفاصيل أحكامه بناءً
على اجتهادهم ويدعون لأفهامهم على اعتبار أنها أفهام شرعية.
يتبع

ابوعبدالرحمن حمزة
09-04-2013, 11:09 PM
ثم كيف يتسق هذا الكلام وهو تفسير الآيات بأن التفرق في الدين
يدخل فيه الدعوة لما هو موضع خلاف بين
المجتهدين في الظنيات أثناء الدعوة للإسلام _فوق أن هذا التفسير يخالف حقيقة
دلالات النصوص كما تقدم_ مع وجود النصوص التي توجب الاجتهاد ووجود النصوص التي تقر
الخلاف بين المسلمين_النتائج عن الاجتهاد_ كما
تقدم في البحث؟
أي أن الإسلام أوجب الاجتهاد ثم أقر الخلاف في الاجتهاد وجعل كل الأفهام
حكماً شرعياً في حق من فهم وفي حق من أخذ بهذا الفهم قناعة أو تقليداً، وجعل واجباً
على من فهم وعلم بيان ما فهم وما علم. وأوجب الإسلام على من علم
مسألة تعليمها وحرم كتم العلم، وهذه الأحكام لها نصوص كثيرة فكل النصوص
التي توجب البلاغ المبين إنما توجب إبلاغ الإسلام عقائد وأحكام قطعيات وظنيات. وكل
النصوص التي توجب الإنذار بالإسلام فإنها توجب الإنذار بالإسلام عقائد وأحكاماً
قطعية وظنية. فبعد كل هذا كيف يقال إن الدعوة لتفاصيل من الإسلام هي موضع خلاف بين المسلمين أثناء الدعوة للإسلام،
والتي هي نتيجة الاجتهاد الذي أوجبه الشرع، والذي أقر أن الأفهام المختلفة هي أحكام
شرعية في حق من توصل لهذا الفهم أو اقتنع بهذا الفهم أو أخذه بناءً على تقليد شرعي
داخل كيف يقال أنها تفريق للدين؟!!
يقول الشافعي في كتابه الأم
(الاختلاف وجهان فما كان لله فيه نص حكم أو لرسوله سنة أو للمسلمين فيه إجماع لم
يسع أحداً علم من هذا واحداً أن يخالفه وما لم يكن فيه من هذا واحد كان لأهل العلم
الاجتهاد فيه بطلب الشبهة بأحد هذه الوجوه الثلاثة فإذا اجتهد من له أن يجتهد وسعه
أن يقول بما وجد الدلالة عليه بأن يكون في معنى كتاب أو سنة أو إجماع فإن ورد أمر
مشتبه يحتمل حكمين مختلفين فاجتهد فخالف اجتهاده اجتهاد غيره وسعه أن يقول بشيء
وغيره بخلافه وهذا قليل إذا نظر فيه قال فما حجتك فيما قلت؟ قلت له الاستدلال
بالكتاب والسنة والإجماع قال فاذكر الفرق بين حكم الاختلاف قلت له قال الله عز وجل
(ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعدما جاءهم البينات) وقال (وما تفرق الذين
أوتوا الكتاب إلا من بعدما جاءتهم البينة) فإنما رأيت الله ذم الاختلاف في الموضع
الذي أقام عليهم الحجة ولم يأذن لهم فيه).

أما القول: (يظنون أن الأخذ بمسألة إقامة الخلافة
الإسلامية هي الأولى، ففصلوها عمليا عن سائر مسائل الدين، وتكتلوا للأخذ بها،
والعمل لها، والدعوة إليها، فأمسوا شيعة في عموم جماعة المسلمين. وجماعة السلفيين
أيضاً، صاروا شيعة في جماعة المسلمين، لما ظنوا أن العقيدة الإسلام ية هي الأولى
بالأخذ والحمل والدعوة. وكذلك جماعة الإخوان المسلمين، لما ظنوا أن إصلاح الفرد في
المجتمع هي المسألة الأولى، فتكتلوا عليها، ودعوا لها. وغيرهم من الجماعات،
والتكتلات، والأحزاب، ذات الأجندات الإسلامية، صاروا شيعاً. ويلاحظ أن هذه الفرق
كلها، تستهدف بدعوتها المسلمين ليس غير. وعندما تصطدم واحدة من تلك الحركات
الإسلامية بغير المسلمين، فإنها تدعوهم إلى الإسلام أولا، ثم تدعوهم بعد ذلك ليتشيَّعوا، فيكونون
أفرادا منها. فحقيقة حال دعوتهم، أنها ليست إلى الإسلام، وإنما إلى ما يظنون أنه
الأولى بالأخذ، والعمل، والدعوة، من الإسلام
عن سائر مسائل الإسلام. وإلا لما كانوا يستهدفون بدعوتهم المسلمين خاصة.
ومن هنا، ومن فعلتهم هذه، صار رسول الله r ليس
منهم في شيء. ذلك أن رسول الله كان يدعو كفارا إلى الإسلام، ولا يدعو مسلمين. وإذا
دعا الكفار، فإنه يدعوهم إلى الإسلام
بمجمله القطعي، أي إلى كتاب الله وسنة رسوله، وليس لما هو ظني في الإسلام.
أما الجماعات، والأحزاب، والحركات الإسلام ية، فإنها تدعوا مسلمين ليس غير. وإذا
دعوا المسلمين، فإنهم يدعونهم إلى ما يظنون أنه الأولى في الإسلام عن سائر الدين الإسلامي.
فدعوة
رسول الله r، دعوة كفار إلى الدخول في الإسلام، أي
دعوة إلى سبيل الله، فلا يأتيها الباطل من بين يديها، ولا من خلفها، لأنها الحق من
عند الله. ودعوة الجماعات الإسلامية، دعوة مسلمين إلى تبني رأي إسلامي، ظن كلا من
الحركات، أنها الدعوة لأولى المسائل من الإسلام. فهي دعوة مسلمين لمسلمين، إلى ما
هو ظن، وشك، رجَّحوا أصحاب الدعوة أنه الأولى. وشتان بين الدعوة إلى الحق، وبين
الدعوة إلى الظن والشك. فالأولى لله وحده، والثانية لفهم من هو دون الله.)
هذا قول خطأ من
عدة وجوه:
أولاً: الدعوة لإقامة الدولة الإسلامية ولإزالة
دول الكفر هي من الأحكام القطعية، فوجوب تطبيق الإسلام من المسلمين هو من المعروف
الذي يجب إيجاده وهو من الدعوة للإسلام فهي دعوة للانضباط بما أوجبه الإسلام على
المسلمين، فليت شعري هل أصبحت هذه الدعوة دعوة محرمة ؟!!

ألم يدعُ الرسول إلى ذلك؟!! ألم يدعُ الرسول ويعمل على تطبيق الإسلام من خلال
دولة؟!! أم أن هذا الأمر ليس من فعل الرسول وليس من الوحي الذي يجب التقيد به؟!
وهل يمكن
للمسلمين العمل لإيجاد دولة تطبق الإسلام وتحمله للعالم بالجهاد بالعمل الفردي؟!

ثانياً: لنفرض أن
العمل الجماعي لإيجاد دولة الإسلام الذي تطبق الإسلام وتحمله للعالم حرامٌ لا يجوز،
فهل يعني ذلك حرمة العمل لإيجاد دولة الإسلام من خلال العمل الفردي؟! وكيف سيقوم
الفرد بالعمل لإيجاد الإسلام كدولة تطبقه وتحمله للعالم؟! وهذه الدعوة والعمل كيف
سيقوم به ومن الذي سيدعوهم هل سيدعو نفسه لذلك؟! أم أنه سيدعو بقية المسلمين
للقيام بهذا العمل؟! وهنا ما الفرق بين أن يقوم شخص بدعوة المسلمين للعمل لإيجاد
الإسلام في معترك الحياة؛ أي دولة الإسلام التي تطبق الإسلام وتحمله للعالم، وبين دعوة جماعة لنفس الأمر؟!
إن هذا القول
يعني بكل بساطة حرمة العمل للإسلام بحجة أن الدعوة للإسلام ولحكم من أحكامه حرام لأنه
تفريق بين المسلمين!!!!
ليت شعري وكيف
سيعمل ويدعى للإسلام حينئذ؟!
ثالثاً: القول ( أن رسول الله كان يدعو كفارا إلى الإسلام، ولا يدعو
مسلمين. وإذا دعا الكفار، فإنه يدعوهم إلى الإسلام بمجمله القطعي، أي إلى كتاب الله وسنة رسوله،
وليس لما هو ظني في الإسلام).
وهذا القول أيضاً
خطأ، فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يدعو الكفار ويدعو المسلمين، ذلك أنه
صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكن يتوقف في دعوته عند اعتناق الكافر للإسلام، وإنما كان
يدعوهم أيضاً للتقيد بأحكام الإسلام فيما يتعلق بهم بوصفهم أفراداً وجماعات،
فالإسلام هو عقائد وأحكام، والدعوة للإسلام هي دعوة لاعتناق عقائد الإسلام
وللانضباط بأحكام الإسلام، وهذا يعني وجوب بيان عقائد الإسلام ووجوب بيان أحكام
الإسلام، والدعوة لاعتناق عقائد الإسلام
والدعوة للتقيد بعقائد الإسلام وهذا هو الثابت قطعاً عن الرسول صلى الله عليه وعلى
آله وسلم وعن الصحابة فإن الرسول لم يكن يكتف بأن يعتنق المشرك عقائد الإسلام
ويعلم الأحكام القطعية المجملة فقط! بل كان يدعوهم أيضاً للتقيد بكل ما نزل من
أحكام وبتفصيل هذه الأحكام، ذلك أن الأحكام المجملة مجملة ولا تكف للانضباط بها
فوجوب الصدق وحرمة الكذب ووجوب الصلاة ووجوب الزكاة...الخ من شرائع الإسلام
المجملة لا تكفي للانضباط بهذه الأحكام، بل لا بد من معرفة كيفية الصلاة وأدائها
لمن يعتنق الإسلام _وهذه دعوة للمسلم
للانضباط بالأحكام وهي من الدعوة للإسلام_ وكذا بقية الأحكام؛ لذلك فإن الرسول صلى
الله عليه وعلى آله وسلم لم يكن يكتف باعتناق الإسلام ومعرفة المعتنق للإسلام الأحكام
بمجملها القطعي بل كان يرسل من المسلمين من يفقههم ويدعوهم للانضباط بالتفاصيل،
وهذه قطعاً دعوة لظنيات. قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: (إنك ستأتي قوماً من أهل الكتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن
يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن
الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن
الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوا لك بذلك
فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب)
يتبع

ابوعبدالرحمن حمزة
09-04-2013, 11:10 PM
فالدعوة لا تتوقف
عند اعتناق الكفار للإسلام ولا تنحصر بدعوة الكفار لاعتناق الإسلام بل الدعوة للإسلام
اعم واشمل فهي دعوة للاعتناق وللانضباط وهي دعوة للقطعيات وللظنيات.
وبالتالي يسقط كل
الكلام وما بني عليه.
وإنه مما يجب أن
يكون واضحاً أنه لا يصح شرعاً
إلاّ اتباع أحكام الله، فلا يجوز شرعاً اتباع الأشخاص. غير أن واقع التقليد قد جعل
المسلمين يقلدون أحكام مجتهد من المجتهدين، ويجعلونه إماماً لهم، ويجعلون ما ذهب
إليه في الاجتهاد من أحكام مذهباً لهم، فصار موجوداً واقعياً بين المسلمين
الشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة والجعفريون والزيديون إلى غير ذلك. وهؤلاء
إن كانوا يتّبعون الأحكام الشرعية التي استنبطها هذا المجتهد، فعملهم شرعي لأنه
اتّباع حكم شرعي، وإن كانوا يتبعون شخص المجتهد لا استنباطه، فعملهم غير شرعي، وما
يتبعونه لا يعتبر حكماً شرعياً، لأنه كلام شخص وليس من أوامر الله أو نواهيه التي
أتانا بها رسول الله محمد عليه السلام. ومن هنا يجب أن يَفهم أتباع المذاهب جميعاً
أنهم إنما يتبعون أحكام الله التي استنبطها هؤلاء الأئمة، وإذا فهموا غير ذلك
كانوا مسؤولين أمام الله تعالى عن ترك أحكام الله واتباع أشخاص هم عبيد الله.
وهذا ما ينطبق تماماً على الجماعات والحركات فالأخذ بآرائها والعمل معها
يجب أن يكون واضحاً أنه على اعتبار أنه فهم شرعي _وطبعاً هذا في الأمور الظنية لأن
الدعوة هي للإسلام بقطعياته وظنياته_ وهو رأي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ
يحتمل الصواب.
رابعاً: القول أن حزب التحرير (يظنون أن الأخذ
بمسألة إقامة الخلافة الإسلامية هي الأولى، ففصلوها عملياً عن سائر مسائل الدين،
وتكتلوا للأخذ بها، والعمل لها، والدعوة إليها،) هو قول غير
صحيح فالحزب قام على المبدأ الإسلامي فكرة وطريقة عقيدة عقلية ينبثق عنها نظام وهو
يدعو للإسلام بهذا الوصف ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر على أساس الإسلام بهذا الوصف، وبالتالي فهو يدعو للإسلام ويتصدى لأفكار
الكفر ببيان الإسلام عقيدة وأحكاماً ببيان واقعها ودليلها وشرحها، ويعمل في نفس
الوقت بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على أساس الإسلام أفراداً وجماعات حكاماً ومحكومين وهذا الأمر
بهذا الوجه أمر واجب قطعاً بمجمله على المسلمين أفراداً وجماعات وكذا حكاماً
ومحكومين وعلماء وعوام.
أما مسألة العمل
لإيجاد الدولة الإسلامية لحمل الدعوة للعالم فإنه أمر أوجبه واقع المسلمين؛ أي أن
واقع المسلمين الآن أن هناك منكر موجود وهناك فرض ضائع يجب إيجاده وهو الدولة التي
تطبق الإسلام، وتحمله للعالم. وهذا الفرض فرض على المسلمين والعمل لهذا الفرض فرض
على المسلمين جميعاً أفراداً وجماعات علماء وعوام حكاماً ومحكومين. وهذا الحكم
الشرعي لا بد من الانضباط به بحسب الشرع، وبالتالي لا بد من استنباط الأحكام
المتعلقة بهذا الفرض للانضباط بها، ووجود عدة أفهام ظنية لا تلغ ولا بوجه من
الوجوه وجوب القيام بهذا الواجب ووجوب التقيد به بحسب الشرع. وإذا كان تفصيل
القيام بهذا العمل بحسب الشرع ممكن أن يكون ظنياً فإن من يدعو للعمل للإسلام؛ أي لإيجاد
دولة الإسلام، بحسب هذا الفهم لا بد أن يقدر إمكانية الخلاف في تفاصيل هذا العمل
ويعتبر عمله صواباً يحتمل الخطأ وعمل غيره خطأ يحتمل الصواب مثلها مثل بقية تفاصيل
الأحكام الشرعية عند الانضباط بها، وهذا ما يعالج نقطة الوقوع في التعصب والتباغض
والتدابر والتحاسد وهو في نفس الوقت يلغي وجود الدعوة للفرق والمذاهب فالدعوة للفرقة والمذهب لا تجوز، أمّا إن كان داعياً
للإسلام ويشرح الأفكار التي يتبناها بأدلتها، فأنه يكون حينئذ داعياً للإسلام.


بقيت مسألة وهي ما يتعلق بالاستدلال على مشروعية قيام أحزاب سياسية من قوله تعالى:
{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ
وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ}
يقول (ذلك أن الآية تقول: "يدعون إلى الخير"، وعرّفتَ الخير
في الآية، بأنه الإسلام. فيُفهم بداهةً أنها دعوة للكفار، وهو ما فعله محمد r، وليست لمسلمين، كحال دعوة الحركات
الإسلامية، هذا أولا. أما ثانيا، فإن مطلع الآية التي سبقتها تقول: ]واعتصموا بحبل
الله جميعا ولا تفرقوا[، فيلزم أن ينضبط فهم طلب آية "ولتكن منكم أمة"
وفق الاعتصام بحبل الله، وعدم التفرق.)

وقد تكرر مراراً بطلان هذا الاستدلال من حيث أنه استدلال منطقي لفهم دلالة النص،
ومن جهة أخرى تكرر بيان أن الإسلام هو عقائد وأحكام شرعية، والدعوة إلى الإسلام هي
بيان الإسلام وشرحه عقائد وأحكام، وهذا واجب للناس كافة وليس محصوراً في الكفار
فقط، ولا تتوقف الدعوة للكفار عند اعتناقهم لعقائد الإسلام وقد بينت ذلك سابقاً بأدلته.
وعليه
فإن معنى الدعوة للخير؛ أي الإسلام عامة للناس كافة كفار ومسلمين.
قوله
(وإنشاء الحركات الإسلامية يُفضى إلى عدم الاعتصام، والى تفرق المسلمين، وهذا
تباين في الفهم.)
هذا
الكلام بحث في مآل الفعل والبحث هنا متعلق بمشروعية الفعل نفسه من عدمه وبحث مآل
الفعل بحث آخر يوضحه أن بر الوالدين فرض شرعاً
فإن كان مآله للحرام فهل يحرم ذلك أم لا؟
وهذا
البحث كما هو معلوم لا يغير من أن بر الوالدين فرض، وكون مآله لحرام هل يحرمه أم لا؟ فهذا بحث آخر،
على أن حرمته تكون فقط في حالة كونه مآلاً للحرام كطاعتهم
بقطيعة رحم، ولا يُجعل نفس الفعل حراماً، والبحث هنا هو في نفس الفعل لا مآله.
على
أن حرمة الدعوة للفرقة متعلق بالأفراد والجماعات فحرام على الأفراد والجماعات أن
يفعلوا أي فعل من أفعال التفرقة، فهذا الفعل الذي من الممكن أن يقع من الأفراد أو
الحركات، هذا الفعل هو الحرام شرعاً، ولا علاقة للفعل هذا بمشروعية الدعوة للإسلام أفراداً وجماعات، فالإسلام
أوجب الدعوة للإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الأفراد والجماعات وحتى
على الدولة بمباشرتها بذلك، ووقوع بعض المخالفات من المخاطبين أفراداً وجماعات أو
دولة لا يغير من فرضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما يجعل الفعل المحرم
حراماً فقط وبالتالي فإن الحركات الإسلامية يجب أن تدعو للإسلام، ويحرم عليها
الدعوة للفرقة، ويحرم عليها الوقوع بالتباغض والتحاسد والتدابر تماماً مثل الأفراد.
وبهذا تسقط حجة القول بحرمة العمل على قيام أحزاب سياسية في الإسلام بحجة أنها
تفضي إلى التفرق، ويوضح ذلك أيضاً أن الدعوة من الحركات للاعتصام بالإسلام وتحكيمه
في الحياة أفراداً وجماعات ودول، والتثقيف بهذا الإسلام بهذا الوجه مع فهم وتقدير إمكانية
الخلاف في الفهم _وإقراره_ والدعوة للأخوة الإسلامية..الخ مما أوجبه الإسلام وندب إليه
أقول أن هذه الدعوة بهذا الوجه من الأفراد والحركات هي الدعوة الواجبة والمطلوبة
شرعاً، ومخالفتها هو وقوع في الحرام من الأفراد والجماعات.
قوله
(وثالثا، أن الآية في قولها "ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر"، جاء
"المعروف" و "المنكر" فيها معرفان بالألف واللام. فالآية لم
تقل "يأمرون بمعروف وينهون عن منكر" بل عرَّفتهما بالألف واللام. وهذا
التعريف يفيد أن الأمر بالمعروف الذي طلبته الآية، يلزم أن يكون معروفا عند جميع
المسلمين، كوجوب الصلوات الخمس. وكذلك المنكر الذي طلبت الآية النهي عنه، فأنه يجب
أن يكون منكرا عند جميع المسلمين، كحرمة الزنا. أي أن الأمر بالمعروف، والنهي عن
المنكر، اللذان طلبت الآية القيام بهما، يجب أن ينحصرا بالمقطوع من الأحكام
الشرعية، وما هو معلوم من الدين بالضرورة. وهذا ما كان يفعله الصحابة فيما بينهم،
وفي المسلمين).
يتبع

ابوعبدالرحمن حمزة
09-04-2013, 11:11 PM
هذا
الكلام خطأ من وجهين:
أولاً:
المعروف والمنكر هي أسماء جنس مُحَلاة بالألف
واللام، فهي من صيغ العموم، أما مدلول المعروف والمنكر فيقال أمرت بالمعروف: أي
بالخير والإحسان. هذا في اللغة، أما شرعاً فالمعروف اسم جامع لكلّ ما عرف من طاعة
اللّه والتّقرّب إليه، والإحسان إلى النّاس، وكلّ ما ندب إليه الشّرع من
المحسّنات، ونهى عنه من المقبّحات. وهو من الصّفات الغالبة؛ أي معروف بين النّاس
إذا رأوه لا ينكرونه.
وعليه فالأمر بالمعروف: هو الأمر باتّباع محمّدٍ صلى الله عليه وسلم ودينه
الّذي جاء به من عند اللّه، وأصل المعروف:
كلّ ما كان معروفاً فعله جميلاً غير مستقبحٍ عند أهل الإيمان، ولا يستنكرون
فعله.
وهذا عام فيما كان قطعياً أم ظنياً فإن حصر المعروف فيما كان قطعياً فإن
هذا يعني أن أغلب الواجبات والمندوبات وهي
ظنية ليست من المعروف.
والمنكر لغةً: الأمر القبيح. وفي الاصطلاح: المنكر ما ليس فيه رضى اللّه من
قولٍ أو فعلٍ. وعليه فالنّهي عن المنكر في: طلب الكفّ عن فعل ما ليس فيه رضى اللّه
تعالى. وهذا عام أيضاً فيما كان قطعياً أم ظنياً فإن حصر المنكر فيما كان قطعياً
فإن هذا يعني أن أغلب المحرمات وهي ظنية ليست من المنكر.
وحتى يتضح قبح هذا الفهم فإن الشرع أمرنا أن نأتمر بالمعروف وننتهي عن المنكر
كما نأمر به وننهى عنه وقد توعد الشرع من يخالف ذلك بالعذاب قال صلى الله عليه
وعلى آله وسلم: "يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه في
النار فيدور كما يدور الحمار برحاه فيجتمع أهل النار عليه فيقولون أي فلانا ما
شأنك؟ أليس كنت تأمرننا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال كنت آمركم بالمعروف ولا
آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه".
فعلى تفسير أن المعروف والمنكر هو فقط ما كان قطعياً غير مختلف فيه فإن هذا
يعني أن إتيان الشخص بما يخالف الشرع أو العمل بما أمر به الشرع من الظنيات ليس من
المنكر ولا من المعروف _وهذا ما صرح به الباحث فقال (كما
أنها لا تأمر بالمعروف، ولا تنهى عن المنكر. لأن كلا منها، تأمر -على عموم ما تأمر
به- بتبني رأيها الإسلامي، الذي غلب على ظن كلا منها أنه الواجب، والأولى بالعمل.
ولأن كلا منها، تنهى -على عموم ما تنهى عنه- عن ما غلب على ظن كلا منها أنه
الحرام. فمثلا، حزب التحرير يدعو المسلمين للعمل معه على طريقته، التي يظن هو أنها
واجبة لإقامة الخلافة. والحزب يظن أنه بفعله هذا يأمر المسلمين بالمعروف ! وهو حين
ينهى المسلمين عن عدم التلبس بالعمل لإقامة الخلافة، يظن أنه بفعله هذا ينهى
المسلمين عن المنكر ! والحقيقة أن الحزب يعلم يقينا، أن رأيه الإسلامي هذا، ظني،
يحتمل الصواب، كما يحتمل الخطأ. فتكون حقيقة عمله أنه لا يدعو إلى الإسلام، ولا هو
يأمر بالمعروف، ولا هو ينهى عن المنكر. وكذالك سائر الحركات الإسلامية. هذا فيما
يتعلق بنشاط، وعمل الحركات الإسلامية، من حيث عدم انطباق الآية عليه). !!
وكون الشرع أقر الخلاف في الفهم وبالتالي وجد الخلاف في أفعال أنها من
المعروف أو المنكر فإن هذا لا يعني أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محصور فقط
فيما هو مقطوع فيه، فهذا الكلام غير صحيح، ولا دليل عليه، بل الصواب أن الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر عام فيما هو قطعي وفيما هو ظني فإن كان الأمر متفق عليه
_ في الظنيات وجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر_ يوضحه أن المسلم إذا علم أن
شخصاً يتفق معه في الفهم فيما يأمره وينهاه فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
يبقى واجباً، هذا وجه، والوجه الآخر في الظنيات إن كان مسلم ما يتبنى أن لمس
المرأة يفسد الوضوء_ وآخر يخالفه في الفهم _ ثم لمس ولم يتوضأ، فإنه يجب على الآخر
أن يأمره بالمعروف؛ أي أن يأمره بأن يتوضأ لأنه أحدث بلمسه للمرأة.
أما إن رأى مسلم مسلماً يقدم على ما هو محرم مما هو مختلف فيه فإن عليه
أمره بالمعروف بحسب ما يغلب على ظنه فإن أبدى المخالف أن له فهماً شرعياً آخر فإنه
في هذه الحالة يتحول الأمر للتناصح فيما يغلب على الظن، وفي هذه الحالة لا يجوز لأي
طرف أن يطعن في الطرف المقابل، وإنما يجب أن يعترف بإمكانية الخلاف حتى لو كان
بعيداً، وطبعاً هذا لا يلغ نقاش الفهم وتخطئته بناءً على ما هو راجح لدى أي منهما،
فرأي كل منهما ظني يحتمل الخطأ والصواب. وكل في نظر الآخر رأيه صواب يحتمل الخطأ،
ورأي مخالفه خطأ يحتمل الصواب.
ثانياً: القول ( وهذا ما كان يفعله الصحابة فيما بينهم، وفي المسلمين.) أي أن
الصحابة لم يأمروا ولم ينهوا إلا بما كان متفقاً عليه!! وهذا الكلام غير صحيح، فقد
ثبت عن الصحابة مراجعتهم لبعض وتخطئتهم لبعض في الظنيات كما خطأت عائشة رضي الله
عنها من قال بأن الميت يعذب ببكاء أهله وأن الرسول رأى ربه. كما خطأ أبو ذر رضي
الله عنه معاوية وناقشه في موضوع كنز المال. وخطأ ابن عباس علياً رضوان الله عليهم
أجمعين في قتل المرتدين حرقاً. وناقش بلالُ عمرَ رضوان الله عليهم في السواد. وغير
ذلك كثير، فالقول بأنهم كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فقط فيما كان
قطعياً هو قول مردود يخالف الثابت عنهم رضوان الله عليهم أجمعين.
قوله:
( أما فيما يتعلق برأيهم من أن الآية بقولها: (ولتكن منكم أمة) توجب قيام الحركات
والجماعات الإسلامية، فإنه أيضاً فهم خاطئ، ومخالف لدفع الإسلام. ذلك أن الآية لم
تقل: "ولتكن منكم شيعاً"، لأن الشيعة لغة، كما أسلفنا، هم القوم الذين
يجتمعون على أمر، يتبع بعضهم بعضاً. ولو قالت الآية كذلك، لصلحت أن تكون دليلا
لهم. ولكن الآية قالت "أمة". و"الأمة" لغة، وإن كانت من
معانيها الجماعة، ولكن إذا وقع معناها على الجماعة فإنها تعني الجماعة بمجموعها،
لا بتكتلها. وهذا على خلاف دلالة مفردة "الشّيعة" لغة، والتي تعني
الجماعة المتكتلة. ومن هنا كان قول الله جل وعلى: (كنتم خير أمة). أي بمجموع
المسلمين كُنا خير الأمم، سواء بتكتلنا، أم بتفرقنا. فلغةً، يصح أن تطلق على ركاب
سفينة ما، أنهم "جماعة"، رغم تباين الفكر والدين والعرق والجنسية في ما
بينهم. ويصح لغةً أيضاً، أن تطلق على "حزب التحرير" مثلا، أنهم
"جماعة". ولكن لغةً، لا يصح أن يكون أصحاب السفينة "شيعة"،
فلا يوجد ما يجمعهم سوى السفينة، وهم لا يتبع بعضهم بعضاً. بينما "حزب
التحرير"، وسائر الحركات الإسلامية، هم شيعاً لغةً، فهم يتبع بعضهم بعضا.
فلغة، كل شيعة جماعة، وليس كل جماعة، شيعة. ذلك أن الجماعة تدل
لغةً على تضام الشيء. والجماعة أيضاً، عدد كل شيء، وكثرته. كقولك: "ذهبت
جماعة من المسلمين". فهم جماعة بصفتهم العددية، لا بصفتهم التكتلية. وهم
"جماعة" لأنهم كثرة، وليس لأنهم يتبع بعضهم بعضاً. هذا إذا ما أخذنا
بقولهم، من أن كلمة "أمة"، في الآية "ولتكن منكم أمة"، تعني:
"ولتكن منكم جماعة متكتلة". لكن الصحيح، والراجح لغةً، أن كلمة
"أمة"، تعني: "أَتْباعُ الأنبياء"، كما جاء في لسان العرب.
وعلى هذا، يكون معنى الآية: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون
بالمعروف وينهون عن المنكر"، أي: "ولينتصب منكم، أيها المسلمون، عدد، هم
أتباعُ الأنبياء، يدعون الكفار للإسلام، ويأمرون المسلمين، بالتزام، وأداء الواجب
الذي تعارفوا عليه أنه الحق الذي لا يطاله الشك من الإسلام. وينهونهم المسلمين عن
المعاصي، التي تعارف المسلمون عليها أنها الحرام القطعي من الإسلام". هذا هو
الفهم الصحيح للآية.)
يتبع

ابوعبدالرحمن حمزة
09-04-2013, 11:12 PM
الكلام
هنا غير صحيح، فالآية تقول {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير..} الخ. فالآية لم
تذكر كلمة شيعاً، فلا علاقة للفظ شيعاً في تفسير الآية، فكما أن لفظ فرق وطائفة
وجماعة وفئة لا علاقة لها بالآية، فكذا لفظ شيعٍ لا علاقة له بفهم مدلول الآية، فالآية
لم تذكر لفظ شيعٍ أبداً.
وكذا
قوله (فلغةً، يصح أن تطلق على ركاب سفينة ما، أنهم "جماعة"، رغم تباين
الفكر والدين والعرق والجنسية في ما بينهم. ويصح لغةً أيضاً، أن تطلق على
"حزب التحرير" مثلا، أنهم "جماعة". ولكن لغةً، لا يصح أن يكون
أصحاب السفينة "شيعة"، فلا يوجد ما يجمعهم سوى السفينة، وهم لا يتبع
بعضهم بعضاً. بينما "حزب التحرير"، وسائر الحركات الإسلامية، هم شيعاً
لغةً، فهم يتبع بعضهم بعضا) وهذا الكلام لا علاقة له بتفسير الآية لا من قريب ولا
من بعيد. فالآية لم تقل {ولتكن منكم جماعة} بل قالت {ولتكن منكم أمة} وتفسير لفظ الأمة
بأنها جماعة من الناس أم لا في النص لا علاقة له بكل ما تقدم من إطلاق لفظ الجماعة
على ركاب السفينة وعلى عدم صحة إطلاق لفظ شيعة على ركاب السفينة كل هذا الكلام لا
علاقة له بالآية التي بين أيدينا وعلى معنى كلمة أمة.
على
أنه ممكن أن يطلق لفظ شيعة على ركاب السفينة إن كانوا من شيعة واحدة فيقال إن ركاب
السفينة من شيعة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهنا دل لفظ الشيعة على أنهم
جماعة من الناس من المؤمنين بالإسلام لا على اعتبار أنهم شيعٌ داخل ملة المسلمين،
ويمكن أن يطلق لفظ الجماعة على اعتبار أنهم
يتبعون بعضهم؛ أي بمدلول لفظ شيعة فيقال مثلاً في السفينة جماعة من السلفية،
فلا يقصد هنا مطلق الجمع، ويقال في السفينة جماعات مختلفة ويقصد بذلك أن كل جماعة
متباينة عن الأخرى، على أنه لا يقال إن ركاب السفينة أمة _ويقصد بها مطلق الجمع من
الناس_ إلا على الوجه نفسه الذي يطلق عليهم شيعة فيقال ركاب السفينة من أمة محمد
صلى الله عليه وسلم.
وعلى
كل الأحوال كل هذا الكلام لا علاقة له بتفسير الآية ولا هو قرينة تتعلق بفهم الآية.
أما
بالنسبة للفظ أمة فإنه لفظ مشترك فيقال للجماعة من
الناس: أمَّة، وللحين من الزمان: أمَّة، وللرجل المتعبِّد المطيع لله: أمّة،
وللدين والملة: أمّة.
جاء في لسان العرب: (وقال ابن القطاع الأُمَّةُ المُلْك والأُمة أَتْباعُ الأنبياء والأُمّةُ
الرجل الجامعُ للخير والأُمَّةُ الأُمَمُ والأُمَّةُ الرجل المُنْفَرد بدينه لا يَشْرَكُه
فيه أَحدٌ والأُمَّةُ القامةُ والوجهُ قال الأَعشى وإنَّ مُعاوية الأَكْرَمِي نَ
بيضُ الوُجوهِ طِوالُ الأُمَمْ أي طِوالُ القاماتِ ومثله قول الشَّمَرْدَل بن شريك
اليَرْبوعي طِوال أَنْصِية الأَعْناقِ والأُمَمِ قال ويروى البيت للأَخْيَلِيَّة
ويقال إنه لحسَنُ الأُمَّةِ أي الشَّطاطِ وأُمَّةُ الوجه سُنَّته وهي مُعظَمه
ومَعْلم الحُسْن منه أبو زيد إنه لَحَسن أُمَّة الوجه يَعْنُون سُنَّته وصُورَته
وإنه لَقَبيحُ أُمَّةِ الوجه وأُمَّة الرجل وَجْهُه وقامَتُه والأُمَّة الطاعة
والأُمَّة العالِم وأُمَّةُ الرجل قومُه والأُمَّةُ الجماعة) انتهى
ويلاحظ
أن معنى أمة ليس اتباع الأنبياء بل هو لفظ مشترك. ويلاحظ أن ما جاء في لسان العرب أن
من معاني أمة اتباع الأنبياء لا أنه معناها. ويلاحظ أنه لم يذكر الآية؛ أي أنه لم
يفسر لفظ امة في آية {ولتكن منكم أمة} !!
أما
استخدام هذه المعاني في القران فجاء في غريب القرآن للأصفهاني (والأمة كل جماعة يجمعهم أمر ما إما دين واحد أو زمان
واحد أو مكان واحد، سواء كان ذلك الأمر الجامع تسخيراً أو اختياراً وجمعها أمم.
وقوله تعالى {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم}
أي كل نوع منها على طريقة قد سخرها الله عليها بالطبع فهي من بين ناسجة كالعنكبوت
وبانية كالسرفة ومدخرة كالنمل ومعتمدة على قوت وقته، كالعصفور والحمام إلى غير ذلك
من الطبائع التي تخصص بها كل نوع، وقوله تعالى: {كان الناس أمة واحدة} أي صنفاً
واحداً وعلى طريقة واحدة في الضلال والكفر وقوله: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة
واحدة} أي في الإيمان وقوله {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير} أي جماعة يتخيرون
العلم والعمل الصالح يكونون أسوة لغيرهم، وقوله: {إنا وجدنا آباءنا على أمة} أي
على دين مجتمع قال: * وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع * وقوله تعالى {وادكر بعد أمة} أي
حين وقرئ بعد أمه أي بعد نسيان، وحقيقة ذلك بعد انقضاء أهل عصر أو أهل دين.
وقوله: {إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله} أي قائماً مقام جماعة في عبادة
الله نحو قولهم فلان في نفسه قبيلة.
وروى أنه يحشر زيد بن عمرو ابن نفيل أمة وحده وقوله تعالى {ليسوا سواء من
أهل الكتاب أمة قائمة} أي جماعة وجعلها الزجاج ههنا للاستقامة وقال تقديره ذو
طريقة واحدة فترك الإضمار)
والعجب
أنه كما قيل فسر الماء بعد الجهد بالماء فقال أمة يعني اتباع الأنبياء! وهل خرج
بهذا الكلام عن كون الأمة (هم القوم الذين يجتمعون على أمر، يتبع بعضهم بعضاً) وهو
عين معنى الشيعة قال تعالى : {وَإِنَّ مِنْ
شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ}.

وبعد فإنه ليس هناك مفسر إلا وفسر لفظ أمة بالجماعة من الناس وهو ما ينطبق على الأمة
كأمة وينطبق على جزء منها، والذي جعلهم يختلفون بذلك دلالة من في لفظ منكم ولم يختلفوا
بمعنى لفظ أمة، فمن رجح أن لفظ منكم للتبعيض، وهو الراجح عند جمهور المفسرين قال إن
أمة هنا بمعنى جماعة خاصة من المسلمين مثل معنى أمة في قوله تعالى: {ليسوا
سواء من أهل الكتاب أمة قائمة} ومن رجح أن من هنا للبيان قال إن أمة هنا بمعنى كل
المسلمين على اعتبار أنهم أمة من دون الناس وحتى على هذا التفسير فإن ذلك لا يدل أبداً
على حرمة إيجاد الأحزاب والحركات والمنظمات السياسية. أما ما توهم من مناقضتها
لمدلول الاعتصام والتفرق التي ذكرت في الآيات فقد تقدم بيان عدم صحة ذلك.
وبعد فإن أول من ناقض هذا الفهم هو صاحب البحث فكيف يدعو لأمر هو ظني وينهى
عن أمر هو ظني فيكون بذلك قد وقع في الحرام الذي أسس عليه كل هذا الفهم ولا أبطل
من هكذا فهم.
انتهى
عذرا لطول البحث

بوفيصيل
09-04-2013, 11:46 PM
السلام عليكم اخي ابوعبدالرحمن وباقي الاخوة الكرام
في ردك هذا يكون ردا على كل الاخوة الذين كانوا في الحزب وخرجوا منه ومنهم من صمت ومنهم من قام بمحاولة ضرب افكار الحزب وكانه صحى من سبات والله المستعان
الله يفتح عليك وعلى الاخوة الكرام وجزاك الله كل الخير على شرحك القيم
ودمتم في امان الله ورعايته

أبو أيمن
22-04-2013, 04:18 PM
السلام عليكم
لأهمية النقاش المثمر الحاصل في هذا الموضوع أرتأيت أن أجمعها بصورة مرتبة في ملف وورد كي يسهل على كل من يريد الاطلاع الاستفادة القصوى منه وجزى الله الأخ أبو عبدالرحمن على هذا الرد العلمي الاصولي الرصين وهذا رابط تحميل الملف

http://arabsh.com/files/0d32414d62fb/هل-وجود-الأحزاب-تفرق-الأمة-docx.html