المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مصر ورؤية للخروج من النفق المظلم



بوفيصيل
23-02-2013, 03:25 AM
مصر.. ورؤية للخروج من النفق المظلم
لم يكن أمام الإسلاميّين في مصر - في ظلّ منهج الاسترضاء والتوافق المستشري بهم، وفي ظلّ الاستضعاف وافتقاد عناصر القوة والتمكين - لم يكن أمامهم في ظل هذه الظروف سوى خيارين: إما تسليم الإدارة السياسية في البلاد للفلول والفاسدين والعلمانيّين من أنصار النظام السابق، أو المدافعة في المتاح لاستلام أكبر قدر من هذه الإدارة السياسية لمحاولة الخروج من النفق المظلم.
ولقد كان الخيار الثاني هو الطريق الوحيد المتاح حاليّا، ومن ثمّ تعيّن عليهم السير في طريق الألغام الطويل لنزعها منه، وتسلّق المرتقى الصعب البعيد مع تلافي الصخور المتساقطة.
لقد فرّطت هذه الأمة لمئات السنين في الشأن العام، وأسلمته شيئا فشيئا للفاسدين والمنتفعين والموالين لأعدائها، فلا بدّ من طريق طويل يُسلك، ولا بدّ من لأواء وعذابات وجهود جبّارة تُبذل كي تعود الأمة يوما ما إلى الأوضاع الراشدة على قدر ما يُتاح لها؛ لتخرج من النفق المظلم، ولتزيل الغربة الثانية التي تعيش فيها بإذن الله.
وفي هذا المقال سوف نطرح أربعة خطوط رئيسية ينبغي العمل بها كي تخرج الأمة في مصر من هذا النفق المظلم، وسوف نفصّل في كلّ خطّ كي تتضّح الرؤية لكيفية تغيير الأوضاع المعاصرة، حتّى تصبح أوضاعًا إسلاميّة راشدة، تمهّد لانطلاقة حضارية إسلامية تنشلُ الأمّة كلّها ممّا هي فيه من وهن وضعف وانكسار، هذه الخطوط الأربعة هي:
1- كسر حلقة الاستبداد والتسلّط القاتل.
2- حشد القواعد الشعبية على مفاهيم صحيحة وأهداف واضحة، وهو ما يمكن الاصطلاح عليه بـ "الشرعية الشعبيّة".
3- بناء قوّة الدولة وتقدّمها.
4- امتلاك الرؤى التطبيقية المعاصرة لكيفية تحكيم الشريعة وإقامة الدين.
وسوف نتحدّث عن كلّ خطّ من هذه الخطوط بشكل منفرد.
(1)
كسر حلقة الاستبداد والتسلّط القاتل
ونعني به أن تعمل الأمة في البلاد التي قامت بها ثورات على منع عودة النظم المستبدة التي يتحكّم بها أفراد يهمّشون من دور الأمة في صناعة القرار السياسي، والبلاد التي لم تقم بها ثورات أو لم تنجح بعد عليها أن تعمل على إسقاط هذا الاستبداد؛ لأنّ إسقاطه شرطٌ أساسيّ لاستئناف أي مشروع للنهضة والتمكين على أسس شرعيّة.
وممّا ينبغي التأكيد عليه: رفض حكم العسكر أيّا كان؛ فقد أفضى هذا الحكم إلى إغراق البلاد العربيّة والإسلاميّة في التبعيّة على مدى عقود سابقة؛ لأنّ الانقلابيّين من العسكر يستندون غالبًا إلى قوى خارجيّة تدعم انقلابهم وتثبّت حكمهم وتضفي عليه الشرعيّة، والتخلّص من حكم العسكر واجب من واجبات المرحلة، وينبغي إعادة المؤسّسة العسكرية بأسرها لتكون مؤسّسة خدميّة تخضع للإدارة السياسية المدنيّة الحرّة للبلاد، ليس لها مخصّصات ماليّة تمتاز بها فوق ما يحقّ لها، ولا سلطة عليا في اتخاذ القرار فوق سلطة الشعب المتمثّلة باختيارها لرئيس الدولة ومجلسي النوّاب والشورى.
والخطر في بقاء الاستبداد أنّ الخروج منه في حالة ثورة قد يكون بِما هو أسوأ منه؛ أي بتدخّل خارجي دولي يُخضع البلاد مجدّدا للهيمنة الغربية بصيغة جديدة! وحينئذٍ لن ينفع التخلّص منه بهذا الطريق المرفوض شرعًا (أي الاستعانة بالغرب)؛ لأنّه سوف يجلب أوضاعًا جديدة تتحكّم بمقدّرات الأمّة وفق تبعيّة مغرقة للجهات التي تدخّلت لإسقاط النظام المستبدّ السابق.
ويتحقّق كسر حلقة الاستبداد من خلال خطّين متوازيَين:
1- المشاركة السياسية الفاعلة: وهذا يضمن تفعيل دور الأمة في صناعة القرار السياسي من خلال انتخاب ممثّلين عنها، ومنع الأفراد الفاسدين من الاستبداد بمقدّرات البلاد والعباد.
2- الضغط الشعبي الفاعل: الذي يمارس الحسبة السياسية والفكرية على النظام القائم[1]، للحفاظ على الحريّات الشرعيّة، ومنع هذا النظام من استخدام أساليب الاستبداد عن طريق البطش بالشعب أو اتّخاذ القرارات الضارّة بمصالح الامة بشكل انفرادي، ومن الأمثلة البارزة الناجحة لهذا الضغط ما مارسته تيّارات عدّة من الشعب المصري - وفي مقدّمتها التيّار الإسلامي - من حراك شعبي واسع مستمرّ لرفض حكم العسكر والمطالبة برحيله عن الإدارة السياسية للبلاد، ولئن كان هناك احتفاظ ببعض الميّزات لصالح قادة العسكر في الدستور الجديد (وهو أمر معيب مرفوض)، فإنّ الحال لولا - فضل الله بتحقّق هذا الضغط والحراك الشعبي - كان سيبدو أسوأ ممّا هو عليه الآن، بل من الواضح تواري العسكر عن الإدارة السياسية للبلاد بشكل كبير إلا في حالات معيّنة، ولعلّ ذلك عائدٌ إلى نيّة مبيّتة من الفاسدين منهم ومن أنصار النظام السابق في ترك قسم من الإدارة السياسية للإسلاميّين بعد زرع الطريق بالألغام والعراقيل[2]!
(2)
الشرعيّة الشعبيّة
ونعني بها: حشد القواعد الشعبية الغالبة في المجتمع على مفاهيم صحيحة وأهداف واضحة، بحيث تصطبغ القيادة السياسية الإسلامية بـ "الشرعيّة الشعبيّة"؛ لأنّها تكون حينئذٍ من اختيار الشعب الحرّ، تعبّر عن إرادته وأهدافه وهويّته وطموحاته.
وهذا الخطّ على درجة قصوى من الأهمّيّة؛ لأنّ التفاف الغالبيّة في الأمّة حول القيادة الإسلامية على أساس من المفاهيم الإسلامية الصحيحة والوعي بالواقع كفيلٌ بإنجاح مشروع التمكين وضمان استمراريّته وصموده أمام التحدّيات الداخليّة والخارجيّة، كما كان الحال في مجتمع المدينة المنوّرة بوجود "القاعدة الصلبة" من المهاجرين والأنصار، والقاعدة الموسّعة ممّن التفّ حولهم من أهل المدينة مع اختلاف المستويات، فمن خلال هذه القاعدة الصلبة والقاعدة الموسّعة استطاعت الدعوة بقيادتها النبويّة الصمودَ أمام معسكرات الشرك وتحقيق التمكين، بل والتقدّم إلى مناطق أوسع، كما بيّنّا.
وسوف نشير هنا إلى أبرز النقاط الضرورية في بناء هذه القواعد الشعبيّة الإسلاميّة:
1- تصحيح المفاهيم:مفاهيم الإيمان والتوحيد وعقيدة أهل السنة والجماعة، كإفراد الله بالولاء، وإفراد الله بالنسك، وإفراد الله بالحكم، وما يقتضيه ذلك في الواقع، والتعريف بنواقض هذا التوحيد للتحذير من الوقوع فيها، وعلاقة هذه المفاهيم بالظاهر والباطن والقول والعمل.
وتصحيح المفاهيم المتعلّقة بالحكم، وعلاقة الحاكم بالمحكوم، لتعميق دور الأمّة في الرقابة والترشيد والتغيير. وكذلك ما يتعلّق بالنظام السياسي الراشد، والنظام الاقتصادي والاجتماعي على أساس من المفاهيم الإسلامية.
2- التربية وإحياء الأمّة: وذلك بإزكاء قوّة الشعور الديني، وحسن الصلة بالله - سبحانه وتعالى -، وتوقير رسوله الكريم - صلّى الله عليه وسلّم - ودينه القويم مع وعي بالواقع وترسيخ للقيم والأخلاق الإسلاميّة، ومنها: علوّ الهمة، ومضاء العزيمة وصدقها، وإرادة النهضة، والاهتمام بالشأن العام، والتجرّد والتضحية. حتى تخرج الأمة من النفق المظلم، وتخرج من التبعية والاستضعاف إلى الريادة والتمكين. مع محاربة القيم الفاشلة المتفشّية في المجتمع، من خلال عمليّة التربية بالقدوة والمتابعة والمعايشة والتوجيه، وليس بمجرّد الأسلوب الوعظي والخطب المنبريّة[3]. وذلك لإعادة صياغة الشخصيّة المسلمة على أساس صحيح يكافح أمراض "القيم" التي حلّت بالأمّة فنكّستها في الحضيض.
ولا بدّ من تكوين "قواعد شعبية ضخمة ورأي عام رافض للعلمانية والتبعية وولاء الكافرين، ورافض للفساد والضياع، ولتحقيق كلّ ذلك لابدّ من ترك التعصّب الممقوت، والبحث عن عوامل الوحدة - وليس عن مقومات التفريق - والتكامل من خلال التعدد"[4].
يقول فضيلة الشيخ عبد المجيد الشاذلي في كتابه "البلاغ المبين":
ولابدّ لحركة الإحياء والبعث الإسلامي الآن من التصحيح في أربعة مجالات:
أولاً: مجال العقيدة والتوحيد، ويترتّب عليه:
1- تحقيق النجاة الأخروية من الشرك الأعظم لمن أراد الله له النجاة.
2- إسقاط شرعية الأنظمة العلمانية.
3- إسقاط شرعية الافتراق الديني.
ثانيًا: مجال مشاركة الأمة. ويترتب عليه:
1- احترام أكبر لحقوق الإنسان.
2- إفساح مجال ومساحة أكبر لنموّ شخصية الفرد العادي.
3- التخلّي عن أساليب القولبة والتلقين، والتحوّل من روح القطيع إلى روح الفريق؛ لتحقيق استقلالية شخصية الفرد مع قوّة وعمق ارتباطه بالجماعة.

بوفيصيل
23-02-2013, 03:26 AM
4- تعميق مشاركة الأمة في التغيير وفي السلطة بعد التمكين؛ من خلال عمل أهل الحلّ والعقد وأهل النظر والاجتهاد؛ لتحقيق الشورى الملزمة والحسبة والعزل والاختيار، وإرجاع الاجتهاد إلى شورى العلماء، والاستفادة من دور الصفوة الراشدة في ملء الفراغ السياسي وتحقيق التلاحم والترابط بين السلطة والجماهير لإبعاد كل صور الاغتراب وفقدان الانتماء.
5- إسقاط شرعية الافتراق الدنيوي.
ثالثًا: مجال التوازن في الخطاب الديني بين العقل والوجدان؛ لتحقيق قوة الشعور الديني لدى الجماهير من الأمة مع قوة البصيرة الدينية لرفض العلمانية والقومية وفصل الدين عن الدولة والإباحية والتبعية لمعسكرات الشرك الدولية من الصليبية والصهيونية وولاء الكافرين عمومًا.
رابعًا: ضرورة المحافظة على الهدف والثبات على المبدأ، مع أوضاع التكيّف مع الواقع، والتحرك من خلال الفرص المتاحة، وهذا يترتّب عليه إبراز الهوية الإسلامية، وتجريدها من الالتباسات؛ لتجتمع عليها الأمة، ويتحقق من خلال ذلك التمكين إن شاء الله[5].
وخلاصة الأمر أنّه لا بدّ من إدخال الأمّة كطرف أصيل في الصراع، وما نراه اليوم من غياب الكثير من قطاعات الأمة في مصر - على سبيل المثال - عن المشاركة في الشأن العام، بل وعن التأثير في مجريات الأحداث من خلال دعم المواقف الشرعيّة للتيّار الإسلامي، كلّ ذلك يثبت بقاء قدر كبير من عزلة الجماهير عن الأوضاع العامّة والسياسيّة بشكل خاصّ، رغم التحسّن الكبير الذي جاءت به الثورات العربيّة كإطلاق حريّة الأفراد، وتفعيل قدر جيّد من الحراك السياسي الإيجابي.
وكلّما تعمّق دور الأمّة في الحراك السياسي على أسس شرعيّة سليمة، كلّما اتّسعتْ وقويتْ القاعدة الآمنة التي تسند العمل الإسلامي المخلص الجادّ، وتساعده في تحقيق أهداف التمكين الشرعي بإذن الله[6].
(3)
بناء قوّة الدولة وتقدّمها
إنّ امتلاك "الشوكة" أو "القوّة" شرط أساسيّ لتحقيق مشروع التمكين وإقامة الدين، وتحديد معايير القوّة يختلف من عصر لآخر، وفي واقعنا المعاصر ينبغي البحث عن عناصر القوّة التي تنشئ حالة "الممانعة" الحقيقيّة، بدولة ذات سيادة تمتلك قرارها الحرّ، وتستعصي على الضرب من القوى المعادية.
وهو ما حدث فعلا حين بايع الأنصار رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في المدينة المنوّرة؛ حيث هاجر واستطاع التمكين لهذا الدين بمنعة الأنصار وشوكتهم فيها، فقد شكّلوا "القوة الضاربة" كما أنّهم شكّلوا كذلك "الإرادة الغالبة" (الشرعية الشعبية).
ولكن ثمّة فروق هائلة بين النصرة والمنعة التي تمّت في المجتمع القبلي الصغير في المدينة المنوّرة، وبين النصرة والمنعة المطلوبة في واقعنا المعاصر.
ففي واقعٍ ضخمٍ كثيفٍ شديدِ التعقيد تصبح المشكلات الداخليّة والتحدّيات الخارجية عائقًا كبيرًا يقف أمام امتلاك القوّة؛ فالابتزازات التي تحيط بالدولة من ناحية، والضعف في الجوانب الحيويّة المختلفة، كلّ ذلك يمتنع معه أن تتحقّق الشوكة الكافية لتحمّل التكاليف والتحدّيات التي ستواجه أي تفكير في تحكيم الشريعة وبناء دولة إسلامية خالصة.
ولنا في بعض التجارب المعاصرة الفاشلة خير شاهد؛ فالتجربة السودانية - بغضّ النظر عن مدى بعدها عن النموذج الراشد المطلوب - ارتبط فشلها في محاولة إعلان الشريعة والنموذج الإسلامي قبل الخروج من الابتزازات الداخليّة، وقبل بناء قوّة وتقدّم كافيَيْن لردع أيّ عدوان خارجي أو عملية تجزئة، وهذا ما حدث فعلا من خلال الحروب التي أنهكت الحكومة، ومن خلال انفصال الجنوب السوداني وانضمامه إلى التحالف الصليبي في دول شرق أفريقيا، وكذلك في تهديد السودان بل وضربه بالطيران في أرضه دون أن يتمكّن من ردّ الاعتبار!
علينا أن نتذكّر دومًا مدى الاختلاف بين الواقع المعاصر وبين واقع المدينة في عهد النبوّة، فالتحدّيات التي تواجه أيّ نموذج إسلامي ناشئ لم تكن موجودة بهذه الطبيعة وبهذا الحجم كما سيتبيّن معنا بعد قليل، وأبرز هذه التحدّيات هو الهيمنة الأمريكية والغربيّة على مصر وعلى بلدان العالم العربي والإسلامي، هذه الهيمنة الفائقة التي جاءت عقب الاستعمار القديم (المباشر)، وأتت باستعمار جديد (غير مباشر) من خلال رعاية المصالح عن بعد بوسائل وأساليب عدّة، هذه الهيمنة لم يوجد مثلها في المدينة المنوّرة إبّان الهجرة وبناء نواة الدولة الإسلامية! بل روى أبو نعيم في "دلائل النبوة" بسنده عن العباس خبر قبيلة بكر بن وائل، وسؤال النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - لهم: "كيف العدد؟"، قالوا: "كثير مثل الثرى". قال: "فكيف المنعة؟"، قالوا: "لا منعة، جاورنا فارس، فنحن لا نمتنع منهم، ولا نجير عليهم"! وهو ما يؤكّد امتناع حصول المنعة والنصرة والسلطان في ديار تقبع تحت هيمنة دول الكفر، ولاحظ التعبير "لا نمتنع منهم"، أي إنّ نقصان السيادة لحساب دول كبرى معادية للمشروع الإسلامي، يعني بالضرورة عدم قدرة هذه الديار على إقامة النصرة والتمكين للدين!

بوفيصيل
23-02-2013, 03:27 AM
ولمّا كان الحال اليوم أنّه ليس ثمّة من هو خارج عن الهيمنة الغربيّة داخل العالم الإسلامي مترامي الأطراف، وعلى وجه الخصوص في العالم العربي، فقد استوجبَ الأمر العملَ للخروج من هذه الهيمنة الغربية، وامتلاك السيادة الحرّة، وهذا ممكن، وقد حدث فعلا في دول خرجت من كونها دولاً "أجيرة" لتصبح دولاً "مالكة" بتعبير بعض الدارسين.
*
وينبغي التنويه على وجوب التخلّص من الوقوع في نوعين من الثقافات المدمّرة، التي لا يمكن أن يحصل في مصر قوّة وتقدّم وسيادة في ظلّ وجودها، وهي:
• ثقافة كامب ديفيد: المبنيّة على ضرورة الحفاظ على الهوّة الاستراتيجية بين مصر وإسرائيل لصالح الأخيرة، وذلك - بزعمهم - للحفاظ على أمن مصر؛ فمصر لو قويت وتقدّمت - في نظرهم - فستكون عرضة للضرب؛ بسبب حساسيّة مجالها الجغرافي، الذي يحوي مصالح حيوية مهمّة للإدارة الأمريكية. وتتميّز هذه الثقافة بأنّها تسعى إلى إيجاد رؤساء يدورون في فلك أمريكا، وأنّها تمتنع من إنشاء المشروعات التي تحقّق الطفرة النوعيّة والنهضة للبلاد، وتنفق خزينة الدولة في مشروعات عملاقة لا تنقل العلم والتكنولوجيا، ولا تحقق تقدّم الصناعة، مثل المشروعات الزراعية والعمرانية والسياحيّة، التي تستهلك الأراضي دون مردود كبير يحقق التقدّم، مع الإبقاء على الفساد وحكم العسكر والاقتصاد اللبرالي الحرّ (اللبراليّة المتوحّشة)، وزواج المال مع السلطة، وقيام جمعيّة المنتفعين والإقطاعيّين، بحيث تزيد الهوّة الاقتصادية في المجتمع، بين فئة قليلة تمتلك الثروات الهائلة، وفئات كبيرة مهمّشة لا تمتلك إلا الفتات، تُفني أعمارها في البحث عن لقمة العيش!
*
• ثقافة العولمة: تؤمن هذه الثقافة بأنّ العالم "قرية صغيرة"، تقوده أمريكا والدول الكبرى والهيئات الدولية كمجلس الأمن والأمم المتّحدة، وأنّه لا بدّ من العيش في كنف هذه القوى العظمى، وفي ظلّ الدعم والحماية الدولية، بحيث يتدخّل المجتمع الدولي في حلّ القضايا والشؤون المحليّة، على أساس الإيمان بمقولة "الإنسانيّة"، التي تهمّش فكرة الولاء الوطني أو القومي فضلا عن الولاء الإسلامي الشرعي!
*
ولا بأس عند حملة هذا الفكر بدعوة المجتمع الدولي للتدخّل في الشؤون الداخليّة عند التعرّض لأيّ مشكلة - صغرت أو كبرت - بهدف حماية الأقليّات أو مكافحة الإرهاب، ومثل ذلك ما حدث في "السودان" ومشكلة الجنوب التي أدّت إلى انفصاله بدعم هذه القوى الكبرى ورعايتها، وكذلك مشكلة دارفور وجنوب كردفان. ومثله كذلك ما يحدث اليوم في "مالي" من إدخال القوّات الفرنسيّة بتعاون دول عربية منتسبة للإسلام ودعمها كالإمارات والجزائر والمغرب وغيرها! ومثله كذلك ما حدث في ليبيا من تدخّل قوّات "الناتو" الأوروبيّة بترحيب بعض الفئات من الداخل الليبي. ومثله عمليّة تدويل الأزمة السورية لاحتواء الثورة وضمان حلّ يضمن مصالح الغرب في سورية، وذلك بمسار يمرّ بالجامعة العربيّة على أساس قومي، ثم على أساس إقليمي من خلال تركيا، ثمّ دولي عولمي من خلال فرنسا!
*
ويتميّز هذا التيّار بتدويل القضايا الداخليّة بهدف السعي لتحصيل مكاسب شخصيّة أو حزبيّة، وممّن يمثّل هذا التوجّه في مصر تيّار الدكتور محمد البرادعي، ونعزو ذلك إلى اختلاطه الطويل بالعمل من خلال وكالة الطاقة الذريّة والمجاميع الدولية واستمرائه لهذه المفاهيم حتّى النخاع!
*
بالإضافة إلى هذه الثقافات المدمّرة، التي ينبغي الحذر منها، والعمل للقضاء عليها، علينا أن نعدّد أبرز الألغام والابتزازات التي تهدّد عملية امتلاك السيادة الكاملة على مفاصل الدولة في مصر، وهي:
1- ابتزاز الأمن والداخلية والقضاء الموالي للنظام السابق: التي لا زال قسم كبير منها مواليًا للنظام السابق، وهو ما يسمّى "الدولة العميقة للفساد"، فإذا كان رأس النظام (مبارك) قد سقط، فإنّ عقودًا طويلة من حياة هذا النظام الفاسد أدّت إلى تغلغل الفساد وتمكّن أجهزته من مفاصل الدولة العميقة، هذه الأجهزة تعمل بعد تواريها على تفجير الشارع وصناعة الأزمات، وهو ظاهرٌ بادٍ لكلّ متابع للحالة المصرية. وهذا يتطلّب من الإدارة السياسية الجديدة جهدًا كبيرًا تبذله لخلخلة هذا التغلغل والرسوخ، وتفكيك هذه الأجهزة وبنائها من جديد على أساس صحيح متصالح مع الهويّة الإسلامية للبلاد، والإمساك المحكم بمفاصل الدولة، وصولا إلى مستوى "صناعة القرار" بحريّة دون ضغط هذه الأجهزة الموروثة بعد تفكيكها وإبطال تأثيرها.
*
2- ابتزاز رجال الأعمال وجمعيّة المنتفعين، أصحاب المصالح منذ عهد النظام السابق: وهم وراء الكثير من الاضطرابات وأعمال الشغب، ويظهر هذا جليّا في بعض القنوات والصحف الإعلامية التي يملكها رجال أعمال كانت تربطهم علاقات وثيقة ومصالح مصيرية مع النظام المصري السابق.
*
3- الابتزاز الطائفي: من قبل أقباط مصر، والضرب على وتر تهميشهم إذ يزعمون - زورًا - أنهم أقليّة دينيّة مضطهدة، ويكمن الابتزاز في وقوف دول الغرب الصليبي وراءهم ودعمهم سياسيّا، ممّا يجعل الفتنة الطائفية نارًا خامدة قد تؤدّي - إن لم يتمّ التعامل معها بحكمة - إلى اضطرابات وأعمال عنف، وإلى مطالبات بالانفصال عن كيان الدولة كما حدث في السودان، وإلى الاستقواء بالغرب، وهو ما يتمّ التلويح به دائمًا من قبل بعض الشخصيّات (رجل الأعمال القبطي نجيب ساويرس نموذجا).
*
4- ابتزاز أوضاع الأقليّات كالنوبة وبدو سيناء: إذ تمّ العمل على تهميش هذه الأقليّات في العهود السابقة، وهناك توجّه ينادي بانفصال النوبة عن مصر، ممّا يستدعي إلى زيادة التنمية في هذه الأطراف، وربطها بالمركز اقتصاديّا، مع التوزيع العادل للأراضي والثروات عليهم.
*
5- ابتزاز مائي من الحبشة وغيرها من دول حوض النيل: حيث يتمّ العمل على بناء سدّ كبير من قبل الحبشة يخفّض من كميّة مياه النّيل الواصلة إلى مصر لعدّة سنوات، ولا تضمن بعدها مصر ما سوف يحدث، ممّا يحتّم وضع خطّ سياسي حكيم يتابع القضيّة مع الحبشة وبلدان حوض النيل، وإيجاد حلول علميّة تطبيقيّة لمشكلة المياه التي قد تنشأ، سواء عن طريق تحلية مياه البحر أو غيرها من الوسائل التي يحدّدها أهل الاختصاص.
*
ومع العمل الجادّ في إزالة الألغام والخروج من الابتزازات والمخاطر التي يمتنع مع وجودها الوصول للقوّة والتقدّم، مع ذلك ينبغي تحقيق العناصر التي تؤدّي إلى بناء قوّة الدولة وتقدّمها، هذه العناصر هي:
*
إصلاح الاقتصاد: اقتصاد تنموي مبني على "المشاركة" لا "الإقراض"، وعلى "الرعاية الاجتماعية"، يخرج بالدولة من الارتهان لصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومؤسّسات التمويل الأخرى، ويمتنع عن نظام السوق الحرّ الفاسد أو "اللبراليّة المتوحّشة"، ويمتنع عن سوق البورصة والمضاربات الوهميّة، وعن الخصخصة، وذلك بأن تشرف الدولة على الاقتصاد وتوجّهه وتراقبه، ويمتنع كذلك عن إعطاء الامتيازات الواسعة للاستثمار الأجنبي الغربي وعن بيع الأراضي للأجانب، وإحكام معادلة الاقتصاد الناجح التي تضمن تساوي "النموّ النقدي" مع "الإنتاج العيني" وهي:
(النموّ النقدي) = (معدّل الادّخار) + (النموّ الإنتاجي)
(النموّ النقدي) - (معدّل الادّخار + النموّ الإنتاجي) = (صفر)

ولو زاد الناتج عن (صفر) فهذا هو معدّل التضخّم الذي ترتفع معه الأسعار، وتضعف القوة الشرائيّة للعملة المحليّة، ويصبح الاقتصاد في خطر.
*


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/0/50336#ixzz2Lg41sZbj

بوفيصيل
23-02-2013, 03:28 AM
إصلاح النظام التعليمي: الاهتمام بالعلوم الهندسية والصناعات التطبيقية، وهي "التقنيات" التي تصنع الإنتاج وتطوّر الصناعة، وعدم الاكتفاء بتدريس العلوم النظريّة البحتة؛ فهي لا تحدث تقدّما ولا تساعد في نقل التكنولوجيا، والثروة الحقيقية للبلاد هي الغطاء الإنتاجي، ممّا يضمن معادلة النقد بالإنتاج.
*
والمراحل التعليمية هي: التعليم الثانوي، والتعليم الجامعي، والتعليم ما بعد الجامعي، وعدم الاكتفاء بذلك، بل الوصول إلى مستوى "بيوت الخبرة" و"مراكز البحث العلمي" المتخصّصة في الصناعات التطبيقية، وليس في مجرّد العلم الأكاديمي النظري[7].
*
وينبغي التأكيد على نقطتين على غاية في الأهمّيّة:
أ‌- الهويّة والثقافة: وهي معتمدة على الهويّة والثقافة الإسلاميّة.
*
ب‌- التربية: تعتمد على التوأمة بين التربية الإسلامية والأساليب الغربية الحديثة في التربية ممّا لا يتناقض مع الإسلام[8].
*
ومستويات التعليم المتقدّمة أربعة مستويات هي:
1- المعرفة والتلقين.
*
2- البحث واستخراج المعلومات من المراجع (نظام الكتاب المفتوح).
*
3- مستوى اتّخاذ القرار وحلّ المشكلات وإدارة الأزمات، وعدم الاكتفاء بالحفظ وحشو الدماغ بالمعلومات.
*
4- مستوى الإبداع والابتكار، وضربُ العراق كمركز للإبداع والتوهّج الحضاري وقتل العلماء هناك نموذجٌ لأساليب محاربة المسلمين بهدف إسقاطهم في التخلّف والانحطاط العلمي.
*
نقل التكنولوجيا:
"ميكانيكية وحيوية، زراعية وغير زراعية، وكيميائية، وإلكترونية، وإلكتروميكانيكية، وفيزيائية. وامتلاك هذه التكنولوجيا وليس فقط استهلاكها، وتوطينها وتطويرها"[9]، ويكون ذلك من خلال:
1- مراكز بحوث عالية جدا غير ربحية في الصناعات المتقدمة؛ لنقل التكنولوجيا وتوطينها وتطويرها، كما في كوريا الجنوبيّة نموذجا.
*
2- وبيوت خبرة تجارية: لتشغيل الإنتاج وإنشاء الشركات المؤهّلة لبناء المصانع وتأهيل الكوادر بهدف إحداث النقلة النوعيّة في التكنولوجيا على جميع الأصعدة. ومن ذلك شركات الهندسة والشركات الاستشارية، وهذا موجود في الدول الصناعيّة المتقدّمة كألمانيا وإنجلترا وغيرها.
*
والصناعة هي قاطرة التقدّم في العصر الحديث، والصناعات المدنيّة هي أساس الصناعات الحربيّة؛ لأنّ النموّ في الصناعات المدنيّة يجعل النقلة من "المدني" إلى "العسكري" أكثر سهولة، ويمهّد لبناء القوّة العسكريّة الحديثة وصولا إلى مستوى "الاستعصاء على الضرب"، كما حدث في دول أخرى، والاستعصاء على الضرب لا يستلزم إقامة قوّة كبيرة كالقوى العظمى في العالم في وقت قصير، بل يكفي في ذلك بناء قوّة "الردع"؛ كي لا تجرؤ أيّ دولة كبرى على التدخّل في الشؤون الداخليّة للبلاد، أو تفكّر في ضربة عسكرية للوقوف في وجه المشروع الإسلامي، وهذا ضروريّ لتحقيق سيادة الدولة.
*
• إصلاح الصحّة والبيئة: التخلّص من الأوبئة والأمراض المتفشيّة، كالفشل الكلوي والسرطان والتهابات الكبد الوبائيّة، والاهتمام بإصلاح البيئة بتصحيح مسار التخلّص من المخلّفات، وضمان جودة المياه، ونزع الألغام في المناطق الصحراويّة، ومقاومة التصحّر، وخصوبة الأرض وانهيارها، وهو مجال واسع يحتاج كغيره للمتخصّصين.
*
• إصلاح الزراعة: لتوفير الأيدي العاملة، ومواجهة مشكلة البطالة، وذلك باستخدام أحدث التقنيّات في الزراعة، والتي تضمن زيادة الانتاج بأقلّ تكلفة ممكنة.
*
• إصلاح البنية التحتية: بنية تحتيّة قوية، تتفادى بناء المشروعات على أساس فاسد يؤدّي إلى تكاليف باهظة، مع افتقاد مستوى المعايير المهنية المطلوبة.
وأخيرًا: لا بدّ من تشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسّطة كذلك، والشركات كثيفة العمالة، مع الزراعة والإنتاج الحيواني؛ وذلك لإيجاد فرص العمل ومحاربة البطالة[10].
*
هذه العناصر مجتمعة لو نجحت الإدارة السياسية في تحقيق قدر كافٍ منها، يمكن حينئذٍ الخروج من التبعيّة للغرب، وفرض سيادة الدولة وإقامة الدين بثقة وحزم، بالتوازي مع سائر الخطوط الأخرى، ومن أهمّها "الشرعيّة الشعبيّة"؛ أي التفاف قواعد شعبية غالبة في المجتمع حول القيادة الإسلامية، واحتشادها خلف أهداف التمكين الشرعي.
*
ولا بدّ من الإشارة إلى جهد الجمعيات والمؤسّسات خارج نطاق إدارة الدولة في فتح الملفّات المتعلّقة بكل مجال من المجالات التي ذكرناها، بحيث تعمل هذه المؤسّسات على تأهيل الكوادر المتخصّصة لتشغيلها مستقبلا، وامتلاك آخر ورقة في كلّ ملف سواء على مستوى حلّ المعضلات الاستراتيجية والأزمات المختلفة: سياسيّا واقتصاديّا واجتماعيّا وعلميّا.. إلخ، أو على مستوى نقل العلوم والتكنولوجيا والصناعات من الدول المتقدّمة، وهي تجربة تحقّقت فعلا في دول متقدّمة كتركيا على سبيل المثال، حيث تمّ نقل الكثير من التكنولوجيا من عند الألمان.
*
فالجهد المطلوب للنهضة بالبلاد ليس مقصورًا على جهد الدولة، بل هو جهد الدولة وجهد الأمة، وهذا ملمح أصيل عند الأمة عبر التاريخ الإسلامي؛ فالمتتبّع لتاريخ العصور المزدهرة حضاريّا كما في أوج العصر العبّاسي أو الأندلسي، سوف يجد فاعليّة كبيرة بل مركزيّة للأمّة في بناء الحضارة من خلال علمائها ومبتكريها وحرفيّيها ممّن لم تكن لهم مناصب رسميّة في الدولة، بل كانت المؤسّسات الاجتماعية والعلميّة المختلفة تُدار من خلال أبناء الأمّة، وليس بالضرورة تحت إشراف أجهزة الدولة وإدارتها، فتأمّل!
*
(4)
امتلاك الرؤى التطبيقية المعاصرة لكيفية تحكيم الشريعة وإقامة الدين
ممّا تحتاجه أيّ حركة إسلامية تسعى للتمكين امتلاك رؤى تطبيقيّة معاصرة لكيفية تحكيم الشريعة وإقامة الدين في مختلف مجالات الحياة؛ السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
*
إنّ طرح "النظريّات" المتعدّدة في هذه المجالات لا يكفي؛ لأنّ المطلوب هو نماذج جاهزة للتطبيق[11]، تستوعب مستجدّات العصر، والفرق بين النظرية والتطبيق أنّ النظريّة تطرح المبادئ والأسس العامّة للنظام الإسلامي في مجال ما، وكنموذج على ذلك كتابات الشيخ القاضي عبد القادر عودة - رحمه الله - في النظام السياسي الإسلامي والتشريع الجنائي الإسلامي وغيرها، ولكنّ هذه الكتابات لا تصلح للتطبيق الفوري ومعالجة الأوضاع المعاصرة معالجة عملية؛ فهي عبارة عن مبادئ وأسس عامّة تضع الخطوط العريضة للنظام الإسلامي.
*
إنّ أهميّة وجود الرؤى التطبيقية المعاصرة عند الحركات العاملة للتمكين تنبع من ضرورة وضوح الأوضاع التي تريدها للأمّة أولا، ولها ثانيًا؛ بحيث لا تتخبّط بين النماذج الفاشلة أو المخالفة للإسلام حين تصل إلى استلام الإدارة السياسية لبلد ما، وهو ما حدث ولا زال يحدث لدى بعض الحركات التي ضمر عندها هذا الجانب!
*
وتكمن أهميّتها كذلك في التأسيس للأوضاع الراشدة التي بشّر بها النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - في أحاديثه، فلا يصحّ أن تعود الأمّة بعد هذه القرون الطويلة من الملك العضوض والملك الجبريّ إلى ذات الأسباب التي أدّت إلى هذه الأوضاع الجائرة المخالفة للمنهج الراشدي!
*
وهناك فعلا من لا زال ينظّر لأفكار تخالف الأوضاع الراشدة؛ كالكلام عن أنّ السمع والطاعة للمتغلّب أيّا كان ما دام مسلمًا، وهو مخالف لقول الخليفة الراشد عمر بن الخطّاب - رضي الله عنه - المرويّ عنه من عدّة طرق إذ قال: "ألا من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فإنه لا يبايع لا هو ولا من بويع له تغرّة أن يقتل"[12].
*
أو كمن يجعل صلاحيّات الدولة الواسعة بيد رجل واحد هو "الخليفة" أو "الإمام"، فيُقال[13]: الخليفة هو الدولة! وهو ما يخالف الأوضاع الراشدة التي كان للجماعة المسلمة فيها دور فاعل كبير في صناعة القرار وأَطْرِ الحاكم على الحقّ والعدل ومنعه من الانحراف، بل وإسقاط شرعيّته وخلعه من قبل الأمة - لا بمحكمة خاصّة يعيّن قضاتها الحاكم! - كما تدلّ الأحاديث الصحيحة[14].


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/0/50336#ixzz2Lg4GQd25

بوفيصيل
23-02-2013, 03:33 AM
وفي طرح هذه الرؤى التطبيقية ينبغي التأكيد على ثوابت في المجالات المختلفة:
• في مجال شرعيّة الحكم والحاكم: شرعية الوضع وشرعية الحكم، وهي التي تحدد علاقة الحاكم بالمحكوم، والضوابط التي تحدد وتحكم تصرّفاته في الدماء والأموال. ومتى تتحقق شرعية حكمه ومتى تسقط، وشروط توليته وآليات عزله من خلال قنوات شرعية تؤمن الاستقرار.
ولأنّ هناك مفهومات مغلوطة تطلق سلطة الحكم وتغُلّ يد الأمة عن التصحيح والرقابة والترشيد والمشاركة وحق التغيير.
كذلك هناك مفهومات مغلوطة تطلق يد الحاكم في التصرف في الأموال وأحيانا في الدماء، فأصبح توضيح هذه الأمور وتصحيح المفاهيم فيها من أوجب الواجبات وذلك حتى لا يحسب على الإسلام وشريعته اجتهادات موروثة مغلوطة هو منها بريء.
• في مجال النظام السياسي الإسلامي الراشد: تحقيق التعددية من خلال قواعد شعبية إسلامية راسخة البنيان تغطي مساحتها مجمل الأمة، وكذلك الحفاظ على الثوابت وجعل "المدني" فوق "العسكري"، وتحقق التداول السلمي للسلطة من خلال القنوات الشرعيّة، ومنع شرعيّة التغلّب.
والتعاون الدائم بين من هو في السلطة ومن هو خارجها وليس كنظام المعارضة الغربي، بل الجميع يدٌ واحدة لا تناحر فيها ولا تآمر ولا خداع، وذلك كلّه في إطار أهل السنة والجماعة، مع الحفاظ على الحريات والعدل وحقوق الإنسان، وتحقيق التوازن بين السلطة والأمة والأجهزة، فطغيان السلطة لا يُؤمن معه الاختراق والخيانة وتعطيل الشرع وضياع الحقوق. وقوة الأجهزة وضعف السلطة يعدو الأمر معها كما قيل:
خَلِيفَةٌ فِي قَفَصٍ
بَيْنَ وَصِيفٍ وَبُغَا
يَقُولُ مَا قَالاَ لَهُ
كَمَا تَقُولُ البَبَّغَا!
وشيوع الفتن في الأمة نتيجة لضعف السلطة والأجهزة يعود بنا إلى عهد ما قبل الدولة، وقيام الدولة وقوّتها أمر مهم جدا في التعاليم الإسلامية.
• في مجال النظام الاقتصادي الإسلامي: تحقيق الحلال والازدهار، وإخراج بلاد الإسلام من سيطرة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومؤسسات التمويل الأخرى؛ للحفاظ على استقلال الأمة، وحتّى لا تدفعها القروض والديون إلى مرحلة الإفلاس ووضع خيراتها تحت سيطرة الدائنين لتحصيل حقوقهم، فلا تخلص من النهب والفساد والفقر والإفلاس والبطالة والعنوسة والجريمة والضياع وتفكيك الأسرة وإدمان المخدرات وفتك الأمراض والسياحة الجنسية وتجارة الأطفال والغلمنة والرقيق الأبيض. وتحقيق الاقتصاد الذي يراعي التوزيع العادل للثروة، وتوسيع قاعدة الملكية والإنتاجية والانتفاع وتداول الأموال.
• في مجال النظام الاجتماعي الإسلامي: سلوك فردي مستقيم، وأسرة صالحة متماسكة، وحقوق متوارثة بين الأم والأب والأبناء تحفظ تماسك الأسرة وقيامها بدورها وفق أحكام الشرع. ونظام فعّال وقضاء سريع لمواجهة ما يطرأ من خصومات؛ حتى تعود الأمور سريعًا إلى البيئة الصالحة والمناخ الطيب للتربية الإسلامية التي تربط الدنيا بالدين والعاجلة بالآجلة[15].
[1] إقرأ إن شئت كتاب "الحسبة السياسية والفكرية" لفضيلة الشيخ محمد بن شاكر الشريف حفظه الله.
[2] سوف نتحدّث بعد قليل عن بعض أنواع هذه الألغام والعراقيل التي وضعت في طريق التيّار الإسلامي ومن يريد الإمساك بإدارة البلاد السياسية.
[3] راجع كتاب "منهج التربية الإسلامية" بجزئيه لفضيلة الشيخ الأستاذ محمد قطب حفظه الله.
[4] من مقال "نحو نهضة أمّة" لفضيلة الشيخ عبد المجيد الشاذلي، وهو منشور في موقعه على الشبكة.
[5] من كتاب "البلاغ المبين" للشيخ عبد المجيد الشاذلي بتصرّف يسير.
[6] يمكن مراجعة بعض الكتب والدراسات في هذه المجالات مثل كتاب "كيف ندعو الناس؟" للأستاذ محمد قطب حفظه الله، وكتابي "الأمة الإسلامية من التبعيّة إلى الريادة" و"نحو مجتمع الحريّة" للدكتور محمد محمد بدري حفظه الله.
[7] سوف نتحدّث عنها بعد قليل في بند منفرد لاهمّيّتها.
[8] اقرأ إن شئت كتاب "اللمسة الإنسانية" حول تربية الأبناء للأستاذ الدكتور محمد محمد بدري حفظه الله، كنموذج طيّب لذلك.
[9] مقال "نحو نهضة أمّة"، للشيخ عبد المجيد الشاذلي، وهو منشور على موقعه في الشبكة.
[10] استفدنا في عرض هذه العناصر لبناء قوّة الدولة بمحاضرات لفضيلة الشيخ عبد المجيد الشاذلي، راجع على يوتيوب محاضرة بعنوان "الخلفية التاريخية لاجتياز الهوة الحضارية مع الغرب".
[11] ولا نعني بالتطبيق "البرامج" الجاهزة، فهذه توضع في حال استلام الإدارة السياسية ومواجهة العمل مباشرة؛ لأنّ البرنامج - كما يقول الشيخ رفاعي سرور رحمه الله - خطة تفصيلية موقوتة منبثقة عن تصوّر ومحقّقة في واقع، فكيف يتحدد برنامج بغير واقع؟
[12] مسند البزار ج1، ص 48.
[13] وقد قيل!
[14] راجع لبيان ذلك دراسة للكاتب بعنوان "المناطات المختلفة لعلاقة المحكومين بالحكّام"، منشورة على مواقع إلكترونية كموقع "صيد الفوائد" وغيره على الشبكة، وراجع كذلك نموذجا تطبيقيا معاصرًا للنظام السياسي الإسلامي المنشود في مقال "بين الديمقراطية والآليات الشرعية الإسلامية" بجزئيه، وهو منشور على موقع "الألوكة"
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/0/50336#ixzz2Lg5XnK62

بوفيصيل
23-02-2013, 04:23 AM
تعليق

لكن هناك امر لا بد من إدراجه الا وهو ان ما تفضل به الكاتب هو وجهة نظر فيما لو ان هذه الثورات التي تحصل في عالمنا العربي هي ذاتيه وان الحكام حقيقة همهم هو التغيير نحو الاسلام وليس لباسا يلبسونه ولكن الذي حصل ان هذه الثورات هي في الحقيقة ما هي الا ذر للرماد في عيون الشعوب وهي إحقاق للديمقراطية الغربية وان من أوصل من هم بالحكم أسيادهم وان من قام بهذا ودعمها ما هي الا الدول التي بيدها الموقف الدولي وهي امريكا من خلال أدواتها وهي حقيقة قامت بهذا لإحراق طواقم الحكم العربي لانها هرمت ولم يعد لها اي لزوم عند سيدهم فهم مثل الكلاب عندما تهرم وتتساقط أنيابها فما علي سيدها الا ان يتركها لتموت او ان يتخلص منها بالقتل ورميها لمزابل التاريخ وان الحكام الجدد ما هم الا عملاء استبدلتهم امريكا لتحقيق مشروع الشرق الاوسط الكبير من خلال ما يسمى بالحركات الاسلامية المعتدلة والتي تجعل من أفكار الكفر والأفكار الاسلامية سواء وان من هم في سدة الحكم لا يملكون السيادة علي مقاليد الحكم ولا علي مجتمعهم والله المستعان