بوفيصيل
23-01-2013, 01:45 AM
من الصعب أن نحدد على ماذا بالضبط دارت حملة الانتخابات التي تنتهي اليوم، ولكن من المفاجيء جدا الاكتشاف كم هي هامشية فيها كانت مسائل الامن والسياسة.
اذا كانت انتخابات 2006 جرت في ظل تنفيذ فك الارتباط عن قطاع غزة (والخطة التي لم تطبق للانطواء في الضفة الغربية) وانتخابت 2009 جرت على خلفية الاحساس بالفشل النسبي في الحرب في لبنان وبعض النجاح الذي حققه الجيش الاسرائيلي في حملة 'رصاص مصبوب' في غزة، فان الانتخابات هذه المرة غاب عنها أي تركيز حقيقي.
رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، وإن كان حرص على أن تلتقط له الصور مع جنود ومجندات وهو يلبس السترة الحربية في كل فرصة في حملة الانتخابات، الا أنه أقل عن قصد في الحديث عن المشكلة الاستراتيجية الاساس التي تشغل باله الا وهي التهديد النووي الايراني.
فهل تتذكرون كل التوقعات في أن تدور هذه الانتخابات حول مسألة واحدة ووحيدة، هي ايران؟ هذا لم يحصل عمليا. فنتنياهو، الذي في ايلول الماضي فقط حذر في خطابه في الجمعية العمومية للامم المتحدة بان طهران ستقف على حافة انتاج قنبلة نووية اولى في صيف 2013، اكتفى فقط بذكر عمومي للمشكلة الايرانية في خطاباته الانتخابية. معظم منافسيه لم يفعلوا حتى هذا.
ولكن الامن يقف، مع ذلك، في قلب الرسالة الاساس التي يبثها نتنياهو للناخبين. والرسالة هي ان الهدوء الامني، النسبي جدا، الذي ساد هنا في السنوات الاربعة الاخيرة، ينبع من القوة التي تبثها حكومته تجاه الخارج ومن خوف الخصوم في المنطقة من أن يعلقوا في مسار صدام مباشر معها.
عندما يدعي الليكود في بياناته بان اسرائيل تحتاج الى رئيس وزراء قوي، فان التشديد هو على وضع اسرائيل الامني. ادعاؤه، بايجاز، هو أنه عندما تستمر الهزة العربية في الشرق الاوسط، ومتطرفو القاعدة يبدون في الحدود السورية في الجولان وفي الحدود المصرية في سيناء، فيمكن الاعتماد على نتنياهو الا يخطيء فيعرض على العرب تنازلات بعيدة المدى. واذا ما، في نهاية المطاف، سينتصر نتنياهو حقا هذا المساء، فان هذا سيحصل لان اغلبية الناخبين اشتروا هذا الزعم، وليس لانهم ينفعلون بالضرورة من سياسته الاقتصادية.
يستخلص نتنياهو ربحا سياسيا من ان خصومه في اليسار وفي الوسط يتركون هذه الساحة مهجورة تماما. فالعمل برئاسة شيلي يحيموفيتش ويوجد مستقبل برئاسة يئير لبيد يهربان كما يهرب المرء من النار من كل تناول سياسي ذي مغزى.
أما الحركة برئاسة تسيبي لفني فتدفع ضريبة لفظية لغرض احياء المسيرة السلمية مع الفلسطينيين دون أن تشرح كيف حقا سيحصل الامر في الظروف الحالية. وتكاد الاحزاب الثلاثة لا تلمس المسألة الايرانية.
عندما تكون هذه هي الصورة، يمكن لنتنياهو أن يخزن التهديد الايراني في التجميد العميق. وهذا سيمتشق بعد لحظة من الانتخابات، حين سيشرحون لنا بان هناك حاجة لحكومة واسعة (وربما ايضا لبقاء ايهود باراك في وزارة الدفاع) كي يتصدى للتهديدات غير المسبوقة وعلى رأسها ايران.
وسيعود الامن الى بؤرة الانشغال بعد تشكيل الائتلاف، بقدر لا يقل عن المشاكل الاقتصادية وذلك لان نتنياهو سيكون مطالبا بمعالجة ثلاثة شؤون عاجلة. الاول والاكثر الحاحا منها جميعا سيكون ميزانية الدفاع والمطالبة المتصاعدة لتقليصها، في ضوء العجز في ميزانية الدولية، وهبوط التهديد العسكري التقليدي على اسرائيل من جانب الدول العربية.
وفي الخلفية ستبقى تحوم ايران: التقرير التالي للوكالة الدولية للطاقة الذرية في شهر شباط سيعرض كما يبدو تقدما اضافيا في الخطط الايرانية. وحتى الصيف سيتعين على نتنياهو أن يقرر اذا كان سيتبنى النهج الامريكي والذي بموجبه لا يزال ممكنا الاكتفاء بمعالجة ايران بوسائل سياسية (وعلى رأسها تشديد العقوبات) أو الالتصاق بتعهداته السابقة، والاستعداد لعملية عسكرية في ايران والمخاطرة بصدام سياسي جبهوي مع ادارة اوباما.
الشأن الثالث، المنسي والمرضوض ولكنه ذو الصلة دوما على ما يبدو هو المسيرة السياسية مع الفلسطينيين. فالسلطة الفلسطينية حققت انجازا محدودا في تشرين الثاني الماضي مع الاعتراف بها كدولة بمكانة مراقب في الامم المتحدة. وتستعد القيادة في رام الله الى الخطوات التالية التي تبدو مؤشراتها منذ الان في الميدان في الاسابيع الاخيرة. ولن تكون هذه على ما يبدو انتفاضة مسلحة ولكن يحتمل بأن تكون مزيدا من المظاهرات الشعبية، اقامة البؤر الفلسطينية كرد على البؤر الاسرائيلية وطوفان من الالتماسات الى محكمة العدل العليا لاخراج الضفة من الجمود الحالي.
مع دعم سياسي معلن من اوروبا للفلسطينيين، مع عطف من الولايات المتحدة وتصميم فلسطيني متجدد، مشكوك أن يكون ممكنا ابقاء مسألة مستقبل المناطق على مدى الزمن في زاوية نائية فضلت ابقاءها فيها معظم الاحزاب الاسرائيلية على مدى كل حملة الانتخابات الاخيرة.
عاموس هرئيل
هآرتس 22/1/2013
اذا كانت انتخابات 2006 جرت في ظل تنفيذ فك الارتباط عن قطاع غزة (والخطة التي لم تطبق للانطواء في الضفة الغربية) وانتخابت 2009 جرت على خلفية الاحساس بالفشل النسبي في الحرب في لبنان وبعض النجاح الذي حققه الجيش الاسرائيلي في حملة 'رصاص مصبوب' في غزة، فان الانتخابات هذه المرة غاب عنها أي تركيز حقيقي.
رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، وإن كان حرص على أن تلتقط له الصور مع جنود ومجندات وهو يلبس السترة الحربية في كل فرصة في حملة الانتخابات، الا أنه أقل عن قصد في الحديث عن المشكلة الاستراتيجية الاساس التي تشغل باله الا وهي التهديد النووي الايراني.
فهل تتذكرون كل التوقعات في أن تدور هذه الانتخابات حول مسألة واحدة ووحيدة، هي ايران؟ هذا لم يحصل عمليا. فنتنياهو، الذي في ايلول الماضي فقط حذر في خطابه في الجمعية العمومية للامم المتحدة بان طهران ستقف على حافة انتاج قنبلة نووية اولى في صيف 2013، اكتفى فقط بذكر عمومي للمشكلة الايرانية في خطاباته الانتخابية. معظم منافسيه لم يفعلوا حتى هذا.
ولكن الامن يقف، مع ذلك، في قلب الرسالة الاساس التي يبثها نتنياهو للناخبين. والرسالة هي ان الهدوء الامني، النسبي جدا، الذي ساد هنا في السنوات الاربعة الاخيرة، ينبع من القوة التي تبثها حكومته تجاه الخارج ومن خوف الخصوم في المنطقة من أن يعلقوا في مسار صدام مباشر معها.
عندما يدعي الليكود في بياناته بان اسرائيل تحتاج الى رئيس وزراء قوي، فان التشديد هو على وضع اسرائيل الامني. ادعاؤه، بايجاز، هو أنه عندما تستمر الهزة العربية في الشرق الاوسط، ومتطرفو القاعدة يبدون في الحدود السورية في الجولان وفي الحدود المصرية في سيناء، فيمكن الاعتماد على نتنياهو الا يخطيء فيعرض على العرب تنازلات بعيدة المدى. واذا ما، في نهاية المطاف، سينتصر نتنياهو حقا هذا المساء، فان هذا سيحصل لان اغلبية الناخبين اشتروا هذا الزعم، وليس لانهم ينفعلون بالضرورة من سياسته الاقتصادية.
يستخلص نتنياهو ربحا سياسيا من ان خصومه في اليسار وفي الوسط يتركون هذه الساحة مهجورة تماما. فالعمل برئاسة شيلي يحيموفيتش ويوجد مستقبل برئاسة يئير لبيد يهربان كما يهرب المرء من النار من كل تناول سياسي ذي مغزى.
أما الحركة برئاسة تسيبي لفني فتدفع ضريبة لفظية لغرض احياء المسيرة السلمية مع الفلسطينيين دون أن تشرح كيف حقا سيحصل الامر في الظروف الحالية. وتكاد الاحزاب الثلاثة لا تلمس المسألة الايرانية.
عندما تكون هذه هي الصورة، يمكن لنتنياهو أن يخزن التهديد الايراني في التجميد العميق. وهذا سيمتشق بعد لحظة من الانتخابات، حين سيشرحون لنا بان هناك حاجة لحكومة واسعة (وربما ايضا لبقاء ايهود باراك في وزارة الدفاع) كي يتصدى للتهديدات غير المسبوقة وعلى رأسها ايران.
وسيعود الامن الى بؤرة الانشغال بعد تشكيل الائتلاف، بقدر لا يقل عن المشاكل الاقتصادية وذلك لان نتنياهو سيكون مطالبا بمعالجة ثلاثة شؤون عاجلة. الاول والاكثر الحاحا منها جميعا سيكون ميزانية الدفاع والمطالبة المتصاعدة لتقليصها، في ضوء العجز في ميزانية الدولية، وهبوط التهديد العسكري التقليدي على اسرائيل من جانب الدول العربية.
وفي الخلفية ستبقى تحوم ايران: التقرير التالي للوكالة الدولية للطاقة الذرية في شهر شباط سيعرض كما يبدو تقدما اضافيا في الخطط الايرانية. وحتى الصيف سيتعين على نتنياهو أن يقرر اذا كان سيتبنى النهج الامريكي والذي بموجبه لا يزال ممكنا الاكتفاء بمعالجة ايران بوسائل سياسية (وعلى رأسها تشديد العقوبات) أو الالتصاق بتعهداته السابقة، والاستعداد لعملية عسكرية في ايران والمخاطرة بصدام سياسي جبهوي مع ادارة اوباما.
الشأن الثالث، المنسي والمرضوض ولكنه ذو الصلة دوما على ما يبدو هو المسيرة السياسية مع الفلسطينيين. فالسلطة الفلسطينية حققت انجازا محدودا في تشرين الثاني الماضي مع الاعتراف بها كدولة بمكانة مراقب في الامم المتحدة. وتستعد القيادة في رام الله الى الخطوات التالية التي تبدو مؤشراتها منذ الان في الميدان في الاسابيع الاخيرة. ولن تكون هذه على ما يبدو انتفاضة مسلحة ولكن يحتمل بأن تكون مزيدا من المظاهرات الشعبية، اقامة البؤر الفلسطينية كرد على البؤر الاسرائيلية وطوفان من الالتماسات الى محكمة العدل العليا لاخراج الضفة من الجمود الحالي.
مع دعم سياسي معلن من اوروبا للفلسطينيين، مع عطف من الولايات المتحدة وتصميم فلسطيني متجدد، مشكوك أن يكون ممكنا ابقاء مسألة مستقبل المناطق على مدى الزمن في زاوية نائية فضلت ابقاءها فيها معظم الاحزاب الاسرائيلية على مدى كل حملة الانتخابات الاخيرة.
عاموس هرئيل
هآرتس 22/1/2013