مؤمن
25-04-2009, 02:56 PM
تقسيم العراق والفيدرالية المؤجلة!
لاشك في أن الولايات المتحدة الأمريكية عندما طَرَحَتْ خِطَّة تقسيم العراق وجدت أن الواقع في العراق منقسمٌ بين مُؤَيِّدٍ ورافض لفكرة التقسيم للعراق، وليس الأمر محصورًا بالعراق وحده، بل بدول الجوار التي سيطالها الكثير جَرَّاء تقسيم العراق، خاصةً إذا ما وصل الأمر إلى دول الخليج العربي،ـ مما يصادم المصالح الأمريكية في هذه المنطقة؛ لذا عمدت الخطط والاستراتيجيات الأمريكية إلى إرجاء مشروع تقسيم العراق، لكن دون أن تُلْغِي فكرة التقسيم؛ لأن تقسيم العراق يُحَقِّق مصالح أكثر للسياسية الدولية الأمريكية.
وفي هذا السياق تأتي خطة جوزيف بايدن، وهو النائب الحالي للرئيس الأمريكي باراك أوباما، والتي وضعها في عام 2008 وتقضي بتقسيم العراق إلى ثلاث مناطق؛ كردية وسنية وشيعية، تتمتع كُلٌّ منها بالحكم الذاتي, وهي الخطة التي واجهتْ رفضًا من قِبَلِ البيت الأبيض، على لسان المتحدث باسمه آنذاك توني سنو، الذي قال: "لا نريد بلقانًا جديدًا"، كما قوبل الاقتراح بهجومٍ كبيرٍ من قِبَلِ مجموعة دراسة العراق، برئاسة وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر، الذي اعتبر تقسيم العراق خطًّا أحمر لا يمكن تجاوزه، خاصةً وأن من شأن ذلك ما أَطْلَقَ عليه "فوضى إقليمية جديدة"، ستعطي طهران فُرْصَةً ذهبية للسيطرة على الإقليم الشيعي الجديد، كما ستُثِير حفيظة تركيا التي تَخْشَى من قيام دولة كردية جنوبها.
ورغم ظهور معارضين لخطة بايدن، إلا أن ذلك لم يَمْنَعْ من وجودِ مُؤَيِّدِين لها، ومنهم السيناتور الجمهورية كيلي بايلي هوتجيسون، التي ترى في تقسيم العراق المخرجَ الوحيد من المستنقع العراقي.
ويشير الواقع العراقي بشكلٍ واضِحٍ إلى أن الوضع في العراق سيئول في نهاية المطاف إلى التقسيم في ثلاثة أقاليم، ومما يَدُلُّ على ذلك هو إقرارُ ميزانيةٍ مُسْتَقِلَّةٍ لإقليمِ كُرْدِسْتَان العراق وبواقع 17% من الموازنة العامة للدولة العراقية, واستمرارُ النزوح الداخلي بين مدن العراق، والذي شَكَّل وضعا ديمغرافيا جديدًا؛ فاتجه السُّنَّة من أبناء العراق إلى مناطق وسط وغرب العراق، بينما نزح الشيعة على الأغلب لبغداد والجنوب.
ومن الشواهد على تعدد الرؤى الأمريكية في الشأن العراقي؛ تلك الدراسة التي أصدرها مركز سابن بمعهد بروكينجز للدراسات السياسية والإستراتيجية بواشنطن بعنوان "حالة التقسيم السهل للعراق"، وأَطْلَقَ المركز على هذه الدراسة الخطة "ب"، ويَعْنِي ذلك وجودَ أكثر من خِطَّةٍ استتراتيجيةٍ، في حال عدم نجاح خطة معينة يُلْجَأُ إلى الأخرى حتى تحقيق الهدف المرجو.
وقد أعد هذه الدراسة جوزيف إدوار، وهو باحث زائر بمعهد بروكينجز، ذو خبرة كبيرة في مجال إدارة الصراعات؛ حيث عمل عقدًا كاملًا مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بمنطقة البلقان، ولديه العديد من المؤلفات في هذا المجال، وشاركه في إعداد الدراسة مايكل هانلون الباحث المتخصص في شئون الأمن القومي الأمريكي بمعهد بروكينجز، والذي عمل مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في العديد من الدول.
ويشير الباحث إلى أنه رغم وجود عراقيل لتطبيق خطة تقسيم العراق، ومنها التزاوُجُ مابين الطوائف بالعراق، إضافةً إلى رفض دول الجوار، وخاصةً الخليج العربي، لتقسيم العراق؛ لانعكاس ذلك عليها بالسلب, لكن تؤكد الدراسة مع كل ذلك أنّ واقع التقسيم في العراق هو الذي سيَحْدُث، خاصةً وأن الانتخابات التي جرت في العراق تُؤَكِّدُ أنّ عملية الانتخاب في غالبها تمت وَفْقَ أسس طائفية ومذهبية.
وأشارت الدراسة إلى تفاوت موقف القوى العراقية من الفيدرالية, فالأكراد يؤيدون، والسنة يعارضون بشدة، والسبب هو الخوف من سيطرة القوى الشيعية على آبار النفط التي تتركَّزُ في جنوب العراق، وحرمان السنة منها، إضافةً إلى أن السُّنَّة بات لديهم يقينٌ بأن استعادتهم للسيطرة على العراق- كما كان في عهد صدام حسين- بات أمرًا صعبًا، مما حداهم إلى التفتيش عن صيغَةٍ جديدةٍ تُنَاسِبُ الوضع السياسيَّ والديمغرافي الحالي.
وتتطرق الدراسة إلي حالة الانقسامِ والتَّشَرْذُم التي تسيطر على الكُتَلِ السياسية في العراق.
فالمشهد الشيعي، ليس لديه- حسب الدراسة- مَوْقِفٌ مُوَحَّدٌ تجاه هذه القضية؛ حيث عارض العديد منهم الخطة التي روج لها عبد العزيز باقر الحكيم رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، بشأن تقسيم العراق لأقاليم، تتمَتَّعُ كُلٌّ منها بحكمٍ ذاتيٍّ، ولاسيما التيار الصدري، الذي أبدى زعيمه مقتدى الصدر في أكثر من مناسبة معارَضَتَهُ إنشاء إقليمٍ شيعيٍّ في الجنوب.
وقد أوصتْ هذه الدراسة بأهمية وضع التقسيم للحدود على أساس جغرافيٍّ، لا على أساس طائفي، وذلك من خلال استخدام الظواهر الطبيعية، كالأنهار والجبال، ويرى الباحثان أنه ليس هناك مشكلةٌ فيما يخص المحافظاتِ الواقعةَ جنوب العراق؛ لأن معظم قاطنيها من العرب الشيعة، إلا أنّ المشكلة الحقيقة في المحافظات والمدن الرئيسية، مثل بغداد والموصل وكركوك .
لقد دُرِسَتْ قضية تقسيم العراق بشكل مكثفٍ من قِبَلِ المعاهد الأمريكية، مما يُؤَكِّدُ أن أمريكا تضع خِطَّةَ التقسيم ضِمْنَ خططها الاستراتيجية.
وهنالك دراسة أخرى لنفس المعهد، من خلال الباحِثَيْنِ كارلوس باسكوال؛ نائب رئيس مؤسسة بروكينجز، ومدير برنامج السياسة الخارجية، وكينيث بولاك؛ الخبير بمعهد سابان التابع لمؤسسة بروكينجز. وقد حملت الدراسة عنوان " فرص ضعيفة للاستقرار، أو اجتياز الخيارات السيئة في العراق".
وقد أوصى الباحثان في هذه الدراسة بأشياء كثيرة، منها: أهمية الفيدرالية في حكم العراق، وأنّ الولايات المتحدة عليها القيام بعدة أمور من أجل أن تحقق نصرًا واقعيًّا في العراق تتمثل في:
أولًا: زيادة القوات الدولية في العراق ما بين 250 – 450 ألفَ جندي، وهو ما لا تستطيع الولاياتُ المتحدة القيامَ به وحدها.
ثانيًا: إعادة توزيع عائدات النفط، وتحقيق الفيدرالية، وضمان حقوق الأقليات.
ثالثًا: ضَمَانُ تنفيذ أحكام القضاء علي الجميع، وتفعيل مبدأ حكم القانون.
رابعًا: إنفاق ملايين الدولارات من أجل إيجادِ وظائف لآلاف العراقيين.
خامسًا: ضمانُ إنجَازِ اتفاق سياسيٍّ لمدةٍ لا تَقِلُّ عن ثماني سنوات، وذلك بِدَعْمٍ من المجتمع الدولي والأمم المتحدة.
وأكدت الدراسة في نهاية الأمر على أن أي تقسيم للعراق دون اتفاقٍ سياسي بين الأطراف العراقية، من شأنه أن يزيد العنف في العراق بشكل لا يُمْكِنُ السيطرة عليه
لاشك في أن الولايات المتحدة الأمريكية عندما طَرَحَتْ خِطَّة تقسيم العراق وجدت أن الواقع في العراق منقسمٌ بين مُؤَيِّدٍ ورافض لفكرة التقسيم للعراق، وليس الأمر محصورًا بالعراق وحده، بل بدول الجوار التي سيطالها الكثير جَرَّاء تقسيم العراق، خاصةً إذا ما وصل الأمر إلى دول الخليج العربي،ـ مما يصادم المصالح الأمريكية في هذه المنطقة؛ لذا عمدت الخطط والاستراتيجيات الأمريكية إلى إرجاء مشروع تقسيم العراق، لكن دون أن تُلْغِي فكرة التقسيم؛ لأن تقسيم العراق يُحَقِّق مصالح أكثر للسياسية الدولية الأمريكية.
وفي هذا السياق تأتي خطة جوزيف بايدن، وهو النائب الحالي للرئيس الأمريكي باراك أوباما، والتي وضعها في عام 2008 وتقضي بتقسيم العراق إلى ثلاث مناطق؛ كردية وسنية وشيعية، تتمتع كُلٌّ منها بالحكم الذاتي, وهي الخطة التي واجهتْ رفضًا من قِبَلِ البيت الأبيض، على لسان المتحدث باسمه آنذاك توني سنو، الذي قال: "لا نريد بلقانًا جديدًا"، كما قوبل الاقتراح بهجومٍ كبيرٍ من قِبَلِ مجموعة دراسة العراق، برئاسة وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر، الذي اعتبر تقسيم العراق خطًّا أحمر لا يمكن تجاوزه، خاصةً وأن من شأن ذلك ما أَطْلَقَ عليه "فوضى إقليمية جديدة"، ستعطي طهران فُرْصَةً ذهبية للسيطرة على الإقليم الشيعي الجديد، كما ستُثِير حفيظة تركيا التي تَخْشَى من قيام دولة كردية جنوبها.
ورغم ظهور معارضين لخطة بايدن، إلا أن ذلك لم يَمْنَعْ من وجودِ مُؤَيِّدِين لها، ومنهم السيناتور الجمهورية كيلي بايلي هوتجيسون، التي ترى في تقسيم العراق المخرجَ الوحيد من المستنقع العراقي.
ويشير الواقع العراقي بشكلٍ واضِحٍ إلى أن الوضع في العراق سيئول في نهاية المطاف إلى التقسيم في ثلاثة أقاليم، ومما يَدُلُّ على ذلك هو إقرارُ ميزانيةٍ مُسْتَقِلَّةٍ لإقليمِ كُرْدِسْتَان العراق وبواقع 17% من الموازنة العامة للدولة العراقية, واستمرارُ النزوح الداخلي بين مدن العراق، والذي شَكَّل وضعا ديمغرافيا جديدًا؛ فاتجه السُّنَّة من أبناء العراق إلى مناطق وسط وغرب العراق، بينما نزح الشيعة على الأغلب لبغداد والجنوب.
ومن الشواهد على تعدد الرؤى الأمريكية في الشأن العراقي؛ تلك الدراسة التي أصدرها مركز سابن بمعهد بروكينجز للدراسات السياسية والإستراتيجية بواشنطن بعنوان "حالة التقسيم السهل للعراق"، وأَطْلَقَ المركز على هذه الدراسة الخطة "ب"، ويَعْنِي ذلك وجودَ أكثر من خِطَّةٍ استتراتيجيةٍ، في حال عدم نجاح خطة معينة يُلْجَأُ إلى الأخرى حتى تحقيق الهدف المرجو.
وقد أعد هذه الدراسة جوزيف إدوار، وهو باحث زائر بمعهد بروكينجز، ذو خبرة كبيرة في مجال إدارة الصراعات؛ حيث عمل عقدًا كاملًا مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بمنطقة البلقان، ولديه العديد من المؤلفات في هذا المجال، وشاركه في إعداد الدراسة مايكل هانلون الباحث المتخصص في شئون الأمن القومي الأمريكي بمعهد بروكينجز، والذي عمل مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في العديد من الدول.
ويشير الباحث إلى أنه رغم وجود عراقيل لتطبيق خطة تقسيم العراق، ومنها التزاوُجُ مابين الطوائف بالعراق، إضافةً إلى رفض دول الجوار، وخاصةً الخليج العربي، لتقسيم العراق؛ لانعكاس ذلك عليها بالسلب, لكن تؤكد الدراسة مع كل ذلك أنّ واقع التقسيم في العراق هو الذي سيَحْدُث، خاصةً وأن الانتخابات التي جرت في العراق تُؤَكِّدُ أنّ عملية الانتخاب في غالبها تمت وَفْقَ أسس طائفية ومذهبية.
وأشارت الدراسة إلى تفاوت موقف القوى العراقية من الفيدرالية, فالأكراد يؤيدون، والسنة يعارضون بشدة، والسبب هو الخوف من سيطرة القوى الشيعية على آبار النفط التي تتركَّزُ في جنوب العراق، وحرمان السنة منها، إضافةً إلى أن السُّنَّة بات لديهم يقينٌ بأن استعادتهم للسيطرة على العراق- كما كان في عهد صدام حسين- بات أمرًا صعبًا، مما حداهم إلى التفتيش عن صيغَةٍ جديدةٍ تُنَاسِبُ الوضع السياسيَّ والديمغرافي الحالي.
وتتطرق الدراسة إلي حالة الانقسامِ والتَّشَرْذُم التي تسيطر على الكُتَلِ السياسية في العراق.
فالمشهد الشيعي، ليس لديه- حسب الدراسة- مَوْقِفٌ مُوَحَّدٌ تجاه هذه القضية؛ حيث عارض العديد منهم الخطة التي روج لها عبد العزيز باقر الحكيم رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، بشأن تقسيم العراق لأقاليم، تتمَتَّعُ كُلٌّ منها بحكمٍ ذاتيٍّ، ولاسيما التيار الصدري، الذي أبدى زعيمه مقتدى الصدر في أكثر من مناسبة معارَضَتَهُ إنشاء إقليمٍ شيعيٍّ في الجنوب.
وقد أوصتْ هذه الدراسة بأهمية وضع التقسيم للحدود على أساس جغرافيٍّ، لا على أساس طائفي، وذلك من خلال استخدام الظواهر الطبيعية، كالأنهار والجبال، ويرى الباحثان أنه ليس هناك مشكلةٌ فيما يخص المحافظاتِ الواقعةَ جنوب العراق؛ لأن معظم قاطنيها من العرب الشيعة، إلا أنّ المشكلة الحقيقة في المحافظات والمدن الرئيسية، مثل بغداد والموصل وكركوك .
لقد دُرِسَتْ قضية تقسيم العراق بشكل مكثفٍ من قِبَلِ المعاهد الأمريكية، مما يُؤَكِّدُ أن أمريكا تضع خِطَّةَ التقسيم ضِمْنَ خططها الاستراتيجية.
وهنالك دراسة أخرى لنفس المعهد، من خلال الباحِثَيْنِ كارلوس باسكوال؛ نائب رئيس مؤسسة بروكينجز، ومدير برنامج السياسة الخارجية، وكينيث بولاك؛ الخبير بمعهد سابان التابع لمؤسسة بروكينجز. وقد حملت الدراسة عنوان " فرص ضعيفة للاستقرار، أو اجتياز الخيارات السيئة في العراق".
وقد أوصى الباحثان في هذه الدراسة بأشياء كثيرة، منها: أهمية الفيدرالية في حكم العراق، وأنّ الولايات المتحدة عليها القيام بعدة أمور من أجل أن تحقق نصرًا واقعيًّا في العراق تتمثل في:
أولًا: زيادة القوات الدولية في العراق ما بين 250 – 450 ألفَ جندي، وهو ما لا تستطيع الولاياتُ المتحدة القيامَ به وحدها.
ثانيًا: إعادة توزيع عائدات النفط، وتحقيق الفيدرالية، وضمان حقوق الأقليات.
ثالثًا: ضَمَانُ تنفيذ أحكام القضاء علي الجميع، وتفعيل مبدأ حكم القانون.
رابعًا: إنفاق ملايين الدولارات من أجل إيجادِ وظائف لآلاف العراقيين.
خامسًا: ضمانُ إنجَازِ اتفاق سياسيٍّ لمدةٍ لا تَقِلُّ عن ثماني سنوات، وذلك بِدَعْمٍ من المجتمع الدولي والأمم المتحدة.
وأكدت الدراسة في نهاية الأمر على أن أي تقسيم للعراق دون اتفاقٍ سياسي بين الأطراف العراقية، من شأنه أن يزيد العنف في العراق بشكل لا يُمْكِنُ السيطرة عليه