ابو اسيد
24-09-2012, 10:40 PM
الأبعاد الاستراتيجية لأحداث بنغازي والقاهرة؟
صحيفة "واشنطن بوست" علَّقت بالكلمات التالية على هذه الأحداث: ما أسماه الرئيس أوباما "هجوماً مشيناً وصادما"، أدى إلى مقتل السفير الأمريكي لدى ليبيا، دفع بإدارته إلى أتُـون أزمة دبلوماسية تُهدّد بتقويض استراتيجيته بعيدة المدى في العالم العربي".
وهذه، كما هو واضح، إطلالة خطيرة للغاية وسلبية للغاية، وإن كانت مصر- مرسي، حازت فيها على النصيب الأعظم من التقريع والتوبيخ في بداية الأحداث، خاصة على لسان هيلاري كلينتون، التي طالبت الرئيس المصري من دون أن تسميه بـ "رسم خط في وجه العنف، إذا ما أراد أن يكون مسؤولا"، وهذا على عكس الموقف الأمريكي الإيجابي من الحكومة الليبية.
لكن، هل هذه الصحيفة وثيقة الإطلاع والمُقرَّبة من دوائر البنتاغون، على حق في استنتاجها بأن استراتيجية اوباما الإسلامية ولجت دائرة الخطر بعد هذه الأحداث؟
كلا، أو ليس بعدُ على الأقل، خاصة بالنسبة إلى مصر. صحيح أن إدارة اوباما شعرت بحنق شديد، لأن السلطات المصرية لم تقُـم بواجبها المُعتاد في حماية مجمّع السفارة الأمريكية، الذي يُعتبر وِفق الأعراف والقوانين الدولية، أرضاً أمريكية، وصحيح أنها شعرت بغضب أكبر، لأن الرئيس مرسي كان مهتمّاً بإدانة الفيلم المسيء أكثر من اهتمامه بتوجيه إدانة قوية لمهاجمي السفارة الأمريكية.
إلا أن هذا الحنق وذاك الغضب، لم يتحولا إلى سياسة من شأنها بالفعل بدء تقويض استراتيجية أوباما، إذ يبدو أن واشنطن تفهم جيداً موقف مرسي، إذ هو، كرئيس منتخب (وقد لا يبقى منتخباً في الجولة التالية من الانتخابات، إذا لم يبلَ بلاء حسناً في السلطة)، حريص على الإنصات لما يقوله الناخبون المصريون، وهذا يعني في هذه المرحلة، حماية خاصرته من هجمات السلفيين المصريين، ثاني قوة سياسية في البلاد بعد الإخوان، الذين يترصّدون به الدوائر، بحثاً عن أي هفوة "أيديولوجية" له للانقضاض عليه، فما بالك إذا ما كانت هذه الهفوة في حجم قضية تَـطال قدسية النبي محمد (ص) نفسه؟
بكلمات أخرى: مرسي عالِـق بين فكّيْ كماشة في هذه القضية: إرضاء السلفيين وعدم إغضاب الأمريكيين، وهذا ما دفعه في آن، إلى إدانة الهجوم على السفارة الأمريكية وتعزيز الحِراسة عليها، وفي الوقت نفسه، الدعوة إلى التظاهر ضد الفيلم، ثم إلغاء هذه الدّعوة لاحقا.
قد يمُـر هذا الاختبار الأول، بين واشنطن وجماعة الإخوان، على سلام. لكنه في الوقت نفسه، يخدم كمؤشر على ما قد يطرأ على هذه العلاقات في قادم الأيام، إذا ما بدأت الولايات المتحدة تشعر بأن دعمها المُطلق للإخوان المصريين عبْـر مساعدتهم على وضع النمر العسكري (الجيش والمخابرات) في القفص، وبالتالي، تمكينهم من السيطرة على السلطتين، التنفيذية والتشريعية، لم يحقق ما قيل أنه "صفقة كبرى" بين الطرفين.
صفقة؟ أي صفقة؟
إنها تلك التي أُبْـرِمت بين الطرفين، حتى قبل اندلاع ثورة يناير المصرية والتي تعهد فيها الأمريكيون بالوقوف إلى جانب عملية الانتقال إلى الديمقراطية بقيادة الإخوان، في مقابل إلتزام هؤلاء بتنفيذ الشروط التالية: التعهّد بالحفاظ على معاهدة السلام مع إسرائيل والالتزام بالاقتصاد الحر وِفق قاعدة "إجماع واشنطن" (الليبرالية الاقتصادية المتطرفة)، وحماية المصالح الأمريكية في مصر والشرق الأوسط.
رئاسة مرسي حقّـقت على ما يبدو الشرطيْن الأوليْن: فهي أعادت بهدوء السفير المصري إلى إسرائيل وبدأت سحب القوات المصرية الإضافية من سيناء، كما وافقت على طلب قروض من صندوق النقد الدولي (الذي يُشرف على تنفيذ قاعدة "إجماع واشنطن"). لكن مرسي بدا في الأحداث الأخيرة، وكأنه يخلّ إخلالاً فادحاً بالشرط الثالث، وهو حماية المصالح الأمريكية، وهذا ما سيكون عليه تدبّر أمره سريعاً، إذا ما أراد الحفاظ على الدِّرع الأمريكي، الذي لا يزال يحميه من أنياب النمر العسكري المتربّص به.
كيف يجب أن يفعل ذلك؟
ليس فقط بفرض حماية فعلية للسفارة الأمريكية ولا فقط بالاعتذار (كما فعلت ليبيا) من واشنطن، بل أولاً وأساساً، بالانخراط في الحرب ضد الإسلاميين المتطرّفين الذين يجاهرون بعدائهم لأمريكا ولمصالحها في المنطقة، سواء أكانوا جهاديين او قاعديين أو سلفيين عنيفين. فهل في مقدوره ذلك؟
هو أقدَمَ على هذا الأمر في سيناء، حين شنّ الحرب فيها ولا يزال على الجهاديين. بقي عليه أن يستكمل هذه الحرب ضد بقية السِّرب الإسلامي المتشدّد، أي أن ينفذ ما تطالب به كلينتون: رسم خط ضد العنف.
هذا ما قصده على الأرجح أوباما، حين قال إن مصر - مرسي "ليست دولة حليفة ولا عدُوة"، فهو عنى أن جمهورية الإخوان لا تزال قيْد الاختبار والتحرّي الأمريكييْن، إلى أن تُلبّى باقي شروط الصفقة السرّية.
وما لم يفعل مرسي ذلك، سيرى في مرحلة غير بعيدة واشنطن تفتح باب القفص للنمر العسكري الحبيس (الجيش وأجهزة المخابرات)، لمعاقبته على خرق شروط الصفقة ولتقويضه استراتيجية أوباما الإسلامية.
الكرة الآن في ملعب الإخوان، وهي، بالمناسبة كرة ملتهبة، ملتهبة للغاية في الواقع.
سعد محيو -
صحيفة "واشنطن بوست" علَّقت بالكلمات التالية على هذه الأحداث: ما أسماه الرئيس أوباما "هجوماً مشيناً وصادما"، أدى إلى مقتل السفير الأمريكي لدى ليبيا، دفع بإدارته إلى أتُـون أزمة دبلوماسية تُهدّد بتقويض استراتيجيته بعيدة المدى في العالم العربي".
وهذه، كما هو واضح، إطلالة خطيرة للغاية وسلبية للغاية، وإن كانت مصر- مرسي، حازت فيها على النصيب الأعظم من التقريع والتوبيخ في بداية الأحداث، خاصة على لسان هيلاري كلينتون، التي طالبت الرئيس المصري من دون أن تسميه بـ "رسم خط في وجه العنف، إذا ما أراد أن يكون مسؤولا"، وهذا على عكس الموقف الأمريكي الإيجابي من الحكومة الليبية.
لكن، هل هذه الصحيفة وثيقة الإطلاع والمُقرَّبة من دوائر البنتاغون، على حق في استنتاجها بأن استراتيجية اوباما الإسلامية ولجت دائرة الخطر بعد هذه الأحداث؟
كلا، أو ليس بعدُ على الأقل، خاصة بالنسبة إلى مصر. صحيح أن إدارة اوباما شعرت بحنق شديد، لأن السلطات المصرية لم تقُـم بواجبها المُعتاد في حماية مجمّع السفارة الأمريكية، الذي يُعتبر وِفق الأعراف والقوانين الدولية، أرضاً أمريكية، وصحيح أنها شعرت بغضب أكبر، لأن الرئيس مرسي كان مهتمّاً بإدانة الفيلم المسيء أكثر من اهتمامه بتوجيه إدانة قوية لمهاجمي السفارة الأمريكية.
إلا أن هذا الحنق وذاك الغضب، لم يتحولا إلى سياسة من شأنها بالفعل بدء تقويض استراتيجية أوباما، إذ يبدو أن واشنطن تفهم جيداً موقف مرسي، إذ هو، كرئيس منتخب (وقد لا يبقى منتخباً في الجولة التالية من الانتخابات، إذا لم يبلَ بلاء حسناً في السلطة)، حريص على الإنصات لما يقوله الناخبون المصريون، وهذا يعني في هذه المرحلة، حماية خاصرته من هجمات السلفيين المصريين، ثاني قوة سياسية في البلاد بعد الإخوان، الذين يترصّدون به الدوائر، بحثاً عن أي هفوة "أيديولوجية" له للانقضاض عليه، فما بالك إذا ما كانت هذه الهفوة في حجم قضية تَـطال قدسية النبي محمد (ص) نفسه؟
بكلمات أخرى: مرسي عالِـق بين فكّيْ كماشة في هذه القضية: إرضاء السلفيين وعدم إغضاب الأمريكيين، وهذا ما دفعه في آن، إلى إدانة الهجوم على السفارة الأمريكية وتعزيز الحِراسة عليها، وفي الوقت نفسه، الدعوة إلى التظاهر ضد الفيلم، ثم إلغاء هذه الدّعوة لاحقا.
قد يمُـر هذا الاختبار الأول، بين واشنطن وجماعة الإخوان، على سلام. لكنه في الوقت نفسه، يخدم كمؤشر على ما قد يطرأ على هذه العلاقات في قادم الأيام، إذا ما بدأت الولايات المتحدة تشعر بأن دعمها المُطلق للإخوان المصريين عبْـر مساعدتهم على وضع النمر العسكري (الجيش والمخابرات) في القفص، وبالتالي، تمكينهم من السيطرة على السلطتين، التنفيذية والتشريعية، لم يحقق ما قيل أنه "صفقة كبرى" بين الطرفين.
صفقة؟ أي صفقة؟
إنها تلك التي أُبْـرِمت بين الطرفين، حتى قبل اندلاع ثورة يناير المصرية والتي تعهد فيها الأمريكيون بالوقوف إلى جانب عملية الانتقال إلى الديمقراطية بقيادة الإخوان، في مقابل إلتزام هؤلاء بتنفيذ الشروط التالية: التعهّد بالحفاظ على معاهدة السلام مع إسرائيل والالتزام بالاقتصاد الحر وِفق قاعدة "إجماع واشنطن" (الليبرالية الاقتصادية المتطرفة)، وحماية المصالح الأمريكية في مصر والشرق الأوسط.
رئاسة مرسي حقّـقت على ما يبدو الشرطيْن الأوليْن: فهي أعادت بهدوء السفير المصري إلى إسرائيل وبدأت سحب القوات المصرية الإضافية من سيناء، كما وافقت على طلب قروض من صندوق النقد الدولي (الذي يُشرف على تنفيذ قاعدة "إجماع واشنطن"). لكن مرسي بدا في الأحداث الأخيرة، وكأنه يخلّ إخلالاً فادحاً بالشرط الثالث، وهو حماية المصالح الأمريكية، وهذا ما سيكون عليه تدبّر أمره سريعاً، إذا ما أراد الحفاظ على الدِّرع الأمريكي، الذي لا يزال يحميه من أنياب النمر العسكري المتربّص به.
كيف يجب أن يفعل ذلك؟
ليس فقط بفرض حماية فعلية للسفارة الأمريكية ولا فقط بالاعتذار (كما فعلت ليبيا) من واشنطن، بل أولاً وأساساً، بالانخراط في الحرب ضد الإسلاميين المتطرّفين الذين يجاهرون بعدائهم لأمريكا ولمصالحها في المنطقة، سواء أكانوا جهاديين او قاعديين أو سلفيين عنيفين. فهل في مقدوره ذلك؟
هو أقدَمَ على هذا الأمر في سيناء، حين شنّ الحرب فيها ولا يزال على الجهاديين. بقي عليه أن يستكمل هذه الحرب ضد بقية السِّرب الإسلامي المتشدّد، أي أن ينفذ ما تطالب به كلينتون: رسم خط ضد العنف.
هذا ما قصده على الأرجح أوباما، حين قال إن مصر - مرسي "ليست دولة حليفة ولا عدُوة"، فهو عنى أن جمهورية الإخوان لا تزال قيْد الاختبار والتحرّي الأمريكييْن، إلى أن تُلبّى باقي شروط الصفقة السرّية.
وما لم يفعل مرسي ذلك، سيرى في مرحلة غير بعيدة واشنطن تفتح باب القفص للنمر العسكري الحبيس (الجيش وأجهزة المخابرات)، لمعاقبته على خرق شروط الصفقة ولتقويضه استراتيجية أوباما الإسلامية.
الكرة الآن في ملعب الإخوان، وهي، بالمناسبة كرة ملتهبة، ملتهبة للغاية في الواقع.
سعد محيو -