المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ



سليم
18-04-2009, 01:14 PM
السلام عليكم
يقول الله تعالى :"لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ "...ما معنى أحسن تقويم؟؟؟
قال معظم المفسرين أن أحسن تقويم تعني أحسن صورة ,فقد قال القرطبي:" فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ " وهو اعتداله واستواء شبابه؛ كذا قال عامة المفسرين. وهو أحسن ما يكون؛ لأنه خلق كل شيء مُنْكَباً على وجهه، وخلقه هو مستوياً.
وقال الطبري:"وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: أن يقال: إن معنى ذلك: لقد خلقنا الإنسان في أحسن صورة وأعدلها لأن قوله: { أحْسَنِ تَقْوِيمٍ } إنما هو نعت لمحذوف، وهو في تقويم أحسن تقويم، فكأنه قيل: لقد خلقناه في تقويم أحسن تقويم.
ولقد لفت انتباهي تفسير إبن عاشور الذي قال غير ذلك:" فأفادت الآية أن الله كوَّن الإِنسان تكويناً ذاتياً مُتناسباً ما خلق له نوعه من الإِعداد لنظامه وحضارته، وليس تقويم صورة الإِنسان الظاهرة هو المعتبر عند الله تعالى ولا جديراً بأن يقسم عليه إذ لا أثر له في إصلاح النفس، وإصلاح الغير، والإِصلاح في الأرض، ولأنه لو كان هو المراد لذهبت المناسبة التي في القَسَمْ بالتين والزيتون وطور سينين والبلدِ الأمين. وإنما هو متمّم لتقويم النفس قال النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم " فإن العقل أشرف ما خص به نوع الإنسان من بين الأنواع.
ثم قال معقبًا:"فالمرضيّ عند الله هو تقويم إدراك الإِنسان ونظره العقلي الصحيح لأن ذلك هو الذي تصدر عنه أعمال الجسد إذ الجسم آلة خادمة للعقل فلذلك كان هو المقصود من قوله تعالى: { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم }.
والذي نأخذه من هذه الآية أنَّ الإنسان مخلوق على حالة الفطرة الإِنسانية التي فطر الله النوع ليتصف بآثارها، وهي الفطرة الإنسانية الكاملة في إدراكه إدراكاً مستقيماً مما يتأدى من المحسوسات الصادقة، أي الموافقة لحقائق الأشياء الثابتة في نفس الأمر، بسبب سلامة ما تؤديه الحواس السليمة، وما يتلقاه العقل السليم من ذلك ويتصرف فيه بالتحليل والتركيب المنتظمين، بحيث لو جانبتْه التلقينات الضالة والعوائد الذميمة والطبائع المنحرفة والتفكير الضار، أو لو تسلطت عليه تسلطاً ما فاستطاع دفاعها عنه بدلائل الحق والصواب، لجَرى في جميع شؤونه على الاستقامة، ولما صدرت منه إلا الأفعال الصالحة ولكنه قد يتعثر في ذيول اغتراره ويُرخي العنان لهواه وشهوته، فترمي به في الضلالات، أو يتغلب عليه دعاة الضلال بعامل التخويف أو الإِطماع فيتابعهم طوعاً أو كرهاً، ثم لا يلبث أن يستحكم فيه ما تقلده فيعتاده وينسى الصواب والرشد.
ويفسر هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم " ما من مولود إلا يولد على الفطرة ثم يكون أبواه هما اللذان يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه " الحديث؛ ذلك أن أبويه هما أول من يتولى تأديبه وتثقيفه وهما أكثر الناس ملازمة له في صباه، فهما اللذان يُلقيان في نفسه الأفكار الأولى، فإذا سلم من تضليل أبويه فقد سار بفطرته شوطاً ثم هو بعد ذلك عُرضة لعديد من المؤثرات فيه، إنْ خيراً فخير وإن شرّاً فشرّ، واقتصر النبي صلى الله عليه وسلم على الأبوين لأنهما أقوى أسباب الزج في ضلالتهما، وأشد إلحاحاً على ولدهما.اهـ
__وهو رأي له مكانه وقيمته__.
وقال الله تعالى بعد ذلك:"ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ",طبعًا أسفل_اسم تفضيل_ من السفالة والتي تعني انخفاض المكان على الحقيقة,وهنا استعملت على المجاز بمعنى الخسة والحقارة في النفس، فالأسفل الأشد سفالة من غيره في نوعه.
والرد حقيقته إرجاع ما أخذ من شخص أو نُقل من موضع إلى ما كان عنده، ويطلق الرد مجازاً على تصيير الشيء بحالة غير الحالة التي كانت له مجازاً مرسلاً بعلاقة الإطلاق عن التقييد كما هنا.
وعلى ما تقدم يصبح المعنى حسب العلامة إبن عاشور:"والمعنى: أن الإِنسان أخذ يغير ما فطر عليه من التقويم وهو الإِيمان بإلٰه واحد وما يقتضيه ذلك من تقواه ومراقبته فصار أسفل سافلين، وهل أسفلُ ممن يعتقد إلٰهية الحجارة والحيوانِ الأبكم مِن بقر أو تماسيح أو ثعابين أو من شجر السَّمُر، أو مَن يحسب الزمان إلٰهاً ويسميه الدهر، أو من يجحد وجود الصانع وهو يشاهد مصنوعاته ويحس بوجود نفسه قال تعالى:" وفي أنفسكم أفلا تبصرون "[الذاريات: 21].اهـ
والسؤال الذي حيّرني لماذا قال :"أسفل سافلين" ولم يقل:"اسفل السافلين؟؟؟,يعني لماذا جاء بها نكرة؟.
فما رأيكم؟

سفير الإسلام
27-04-2009, 11:50 PM
السلام عليكم

إليك ما جاء أخي في البحر المحيط لإبي حيان الأندلسي :
وقرأ الجمهور: سافلين منكراً؛ وعبد الله: السافلين معرفاً بالألف واللام. وأخذ الزمخشري أقوال السلف وحسنها ببلاغته وانتفاء ألفاظه فقال: في أحسن تعديل لشكله وصورته وتسوية أعضائه، ثم كان عاقبة أمره حين لم يشكر نعمة تلك الخلقة الحسنة القويمة السوية، إذ رددناه أسفل من سفل خلقاً وتركيباً، يعني أقبح من قبح صورة وأشوهه خلقة، وهم أصحاب النار. وأسفل من سفل من أهل الدركات. أو ثم رددناه بعد ذلك التقويم والتحسين أسفل من سفل في حسن الصورة والشكل، حيث نكسناه في خلقه، فقوس ظهره بعد اعتداله، وابيض شعره بعد سواده، وتشنن جلده وكان بضاً، وكلّ سمعه وبصره وكانا حديدين، وتغير كل شيء فيه، فمشيه دلف، وصوته خفات، وقوته ضعف، وشهامته خرف،. انتهى، وفيه تكثير. وعلى أن ذلك الرد هو إلى الهرم، فالمعنى: ولكن الصالحين من الهرمي لهم ثواب دائم غير منقطع على طاعتهم وصبرهم على ابتلاء الله بالشيخوخة والهرم. وفي الحديث: " إذا بلغ مائة ولم يعمل كتب له مثل ما كان يعمل في صحته ولم تكتب عليه سيئة " ، وفيه أيضاً: " أن المؤمن إذا رد لأرذل العمر كتب له ما كان يعمل في قوته " ، وذلك أجر غير ممنون وممنوع مقطوع، أي محسوب يمن به عليهم . انتهى كلامه رحمه الله .

فما رأيكم أخي برأي الزمخشري الذي ساقه أبو حيان ؟

سليم
28-04-2009, 07:11 PM
السلام عليكم
بارك الله بك أخي سفير الإسلام على مداخلتك...وأما وجه التنكير في سافلين فهو للتحقير حيث يصبح المعنى أسفل من كل سافل,ومسألة قرائتها معرفة لم يقرها إلا عبدالله ولم أدر أي عبدالله أهو بن مسعود أم غيره؟, وعليه فقراءتها نكرة هي المجمع عليها.
وأما ما ذكرته من تفسير "أحسن تقويم" لا أراه يستقيم للأسباب التي ذكرتها سابقًا ,ولو أراد حسن الصورة لقال :"أحسن صورة" ولكنه سبحانه وتعالى قال:"أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ",وكذلك لورود الإستثناء في السياق الذي يلي حيث قال الله تعالى:"إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ",فقد استثنى الذين امنوا وعملوا الصالحات من الردة إلى أسفل سافلين, فهذا يدعم القول أن المقصود من الآية هو تغير الفطرة السليمة التي خلق الله الإنسان عليها, إذ لا يعقل أن يستثني أن يصل المؤمنون إلى أرذل العمر حيث أن الواقع يشهد عكس ذلك, وكما وأن كثير من المؤمنين لا يصلون إلى الشيخوخة ويموتون شبابًا فكيف يكون الإستثناء في حق هؤلاء؟.
هذا عدا عن وجود معنى اخر للتقويم وهو الإستقامة كما في حديث الرسول عليه الصلاة والسلام:قل امنت ثم استقم", وكذلك ورورد القيّم في القرآن الكريم بمعى الإستقامة التي لا زيغ فيها كما في قوله تعالى:"وذلك دِين القَيِّمة" وفي الحديث:" ذلك الدين القَيِّمُ "أي المستقيم الذي لا زَيْغ فيه ولا مَيْل عن الحق. وقوله تعالى: فيها كُتب قيِّمة؛ أَي مستقيمة تُبيّن الحقّ من الباطل على اسْتِواء وبُرْهان.
والله أعلم