المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحكم الشرعي في تسعير الحكومة للمواد الغذائية



ابو العبد
13-04-2009, 08:09 PM
الحكم الشرعي في تسعير الحكومة للمواد الغذائية

ما هو حكم الله تعالى في تسعير الحكومة للمواد الغذائية، وكيف يعالَج ارتفاع الأسعار حسب أحكام شرع الله تعالى ?

أمّا بالنسبة للحكم الشرعي المتعلق بالتسعير، فقد حرّم الإسلام التسعير مطلقاً لما رُوي عن أنس قال: (غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله لو سَعّرت. فقال: إن الله هو القابض الباسط الرازق المسعر، وإني لأرجو أن ألقى الله عز وجل ولا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في دم ولا مال)، ولِما رُوي عن أبي هريرة قال: (جاء رجل فقال: يا رسول الله سعِّر. فقال: بل أدعو الله. ثم جاء آخر فقال: يا رسول الله سعر. فقال: بل الله يخفض ويرفع).
وتحريم التسعير عام لجميع السلع، لا فرق في ذلك بين ما كان قوتاً وما لم يكن كذلك لأن الأحاديث تنهى عن التسعير مطلقاً فهي عامة ولا يوجد ما يخصصه بالقوت أو بغيره، فكانت حرمة التسعير عامة تشمل كل شيء.
والتسعير حجْر على الناس فيما يملكون، فمعنى ملكية السلعة أن يكون لمالكها سلطان عليها، والتسعير حجْر عليه، وهو لا يجوز إلاّ بنص شرعي، ولم يَرِد نص بذلك، فلا يجوز الحجر عليهم بوضع ثمن محدد لسلعهم.
هذا هو حكم التسعير من الناحية الشرعية. أمّا من حيث الواقع فإن التسعير فيه أشد الضرر على الأمّة في جميع الظروف، لأنه يفتح سوقاً خفية للسلع وهي ما يسمونها السوق السوداء، فترتفع الأسعار ويحوز السلع الأغنياء دون الفقراء.
أمّا كيف يعالَج ارتفاع الأسعار حسب أحكام الشرع، فذلك يكون باتباع الخطوات التالية:
1- يجب على الدولة أن تمنع الاحتكار. والمحتكر هو من يجمع السلع انتظاراً لغلائها حتى يبيعها بأسعار عالية بحيث يضيق على أهل البلد شراؤها.
والاحتكار حرام شرعاً لورود النهي الجازم عنه في صريح الحديث الشريف، فقد رُوي في صحيح مسلم عن سعيد بن المسيب عن معمر بن عبدالله العدوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحتكر إلاّ خاطئ")، ولِما رُوي عن الأثرم عن أبي أمامة قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحتكر الطعام)، وروى أيضاً بإسناده عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من احتكر فهو خاطئ).
فالنهي في الأحاديث يفيد طلب الترك، وذمُّ المحتكر بوصفه خاطئ بمعنى مذنب عاص، وقرينة تدل على أن هذا الطلب للترك يفيد الجزم.
2- على الدولة أن تلغي ضريبة الجمارك إلغاءً تاماً، ذلك لأن أخذ الجمارك من رعايا الدولة حرام، لِما رُوي عن عقبة بن عامر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يدخل الجنة صاحب مُكس)، وعن أبي الخير قال: (سمعت رويفع بن ثابت يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن صاحب المكس في النار)، قال: "يعني العاشر" والعاشر هو الذي يأخذ العُشر على التجارة التي تأتي من الخارج.
فهذه الأحاديث تدل على أنه لا يؤخذ من رعايا الدولة شيء من المُكس على تجارتهم، وقد فعل ذلك عمر بن الخطاب فلم يأخذ من التجار في الدولة الإسلامية شيئاً من المُكس، أقره الصحابة على ذلك، فكان إجماعاً سكوتياً، وهو دليل شرعي. والمُكس هو المال الذي يؤخذ على التجارة حين تمر على حدود البلاد، فتعبرها لتخرج منها أو لتدخل إليها.
وقد رُوي عن كريز بن سليمان قال: كتب عمر بن عبدالعزيز إلى عبدالله بن عوف القارئ، قال: أنِ اركب إلى البيت الذي برفح يقال له بيت المكس فاهدمه ثم احمله إلى البحر فانسفه فيه نسفاً.
وفرْضُ الجمارك على السلع قد يوجِد عذراً لدى بعض التجار لرفع أسعار سلعهم، فإلغاء ضريبة الجمارك من شأنه أن يؤدي إلى رخص الأسعار.
3- من أهم الوسائل التي يجب أن تُتبع لمعالجة ارتفاع الأسعار، جلب الدولة للسلع وبيعها في الأسواق.
لتجبِر التجار على تخفيض الأسعار، وهذا ما فعله عمر بن الخطاب الخليفة الثاني للمسلمين حين حصلت المجاعة في الحجاز فقط لندرة الطعام في تلك السنة، فقد جلب الطعام من مصر وبلاد الشام إلى الحجاز وأن العلاج الصحيح لمشكلة ارتفاع الأسعار يكمن في منع الاحتكار، وإلغاء ضريبة الجمارك، وجلب السلع من الخارج وطرحها في الأسواق وجعل البلد منتِجة للسلع لا سوقاً استهلاكية فقط
فرخص دون حاجة إلى التسعير.
والدولة بوصفها راعية لشؤون الناس، عليها أن تعالج الأساس الاقتصادي الذي تنشأ عنه مثل هذه الاضطرابات في السوق، فتعمل على ألاّ تكون البلد سوقاً استهلاكية فقط، وذلك بتوجيه السياسة الاقتصادية لإنتاج السلع محليا حتى لا يكون الناس تحت رحمة السوق العالمي.

أبو محمد
13-04-2009, 11:14 PM
بوركت أخي الكريم

لا يقال ما هو حكم الله في المسألة الفلانية بل يقال فقط ما هو الحكم الشرعي بالمسألة الفلانية.

القول ب "حكم الله" خطأ لذا اقتضى التنويه.

وشكرا

ابو العبد
14-04-2009, 06:59 PM
بوركت اخي الكريم وجزاك الله كل خير
اريد ان اعرف اخي اين الخطاء في العبارة ونحن نعرف ان الحكم الشرعي هو خطاب الشارع المتعلق بافعال العباد اي هو حكم الله في المسئلة
ام انك تقصد ان عبارة الحكم الشرعي ادق مت عبارة حكم الله

مؤمن
15-04-2009, 02:23 PM
لا أرى أي خطا في كلام أبو العبد
وبعض العلماء قالوا الحكم الشرعي خطاب الله .....

الرأي في حكم التسعير هو رأي الإسلام و ليس راي اسلامي
بل ورد النص في النهي عنه
فيجوز أن نقول حكم الله هو كذا و كذا
و في حالة أن يكون الأمر مستنبط
نقول هذا الحكم الشرعي في المساله لأنه بغلبة الظن/ و لا نقول حكم الله لأننا لا نجزم بهذا .

ابو العبد
16-04-2009, 10:14 AM
السلام عليكم
اقتباس من نظام الاسلام (وخطاب الشارع يفهم منه الحكم الشرعي باجتهاد صحيح ولذلك كان اجتهاد المجتهدين هو الذي يظهر الحكم الشرعي وعلى ذلك فحكم الله في حق كل مجتهد هو ما ادى اليه اجتهاده وغلب على ظنه )
اي بمعنى ان لكل مجتهد حقا فيما اداه اليه اجتهاده وهو حكم الله في حقه ما دام انه فهم الحكم الشرعي باجتهاد صحيح
والشواهد من السنة كثيرة في ان الرسول عليه افضل الصلاة والسلام اقر الاختلاف وارشد الى الاجتهاد حتى وان اخطاء المجتهد.

أبو محمد
17-04-2009, 04:38 AM
السلام عليكم

التعليق كان عن طريقة السؤال بالقول ما هو "حكم الله" والأصل القول ما هو الحكم الشرعي، والذي أشار أليه مؤمن من أن القول بالتسعير هو رأي الأسلام وليس رأيا أسلاميا يجعل هذا الحكم الشرعي حكم الله في حق كل مسلم لأنه ليس ظنيا على فرض صحة رأي مؤمن، ولكن الرأي الظني يبقى حكم الله في حق مجتهده ومقلده فقط، لذلك يكون السؤال دائما ما هو الحكم الشرعي في كذا.

ودمتم

ابو عمر الحميري
30-05-2010, 04:28 PM
الحكم الشرعبي هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد طلبا او تخييرا او وضعا صحيح ان الشارع بمعنى المشرع وهو الله سبحانه وتعالى ولكن تبنى استخدام لفظة الشارع حتى لا يتبادر الى الذهن ان القرآن هو فقط مصدر التشريع بل ليشمل الكتاب والسنة والادلة الاخرى من اجماع صحابة وقياس .
اما لماذا نقول الحكم الشرعي في المسألة الفلانية هو كذا ولا نقول حكم الله هو كذا فالسبب هو لأن الحكم الشرعي يكون مستنبطا من النصوص وفي الغالب يكون الحكم الشرعي بناء على غلبة الظن اي ان الاحكام الشرعية غالبيتها ظنية اي فيها قابلية الخطأ حيث كان المجتهد يقول رأيي صحيح ويحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ ويحتمل الصواب اما بالنسبة للاحكام القطعية التي لا اجتهاد فيها مثل وجوب الصلاة والصيام فيجوز ان نقول حكم الله في الصلاة بأنها فرض حيث لا خلاف فيها هذا ما عندي ومن كان عنده غير ذلك فليدلني عليه .

ابو كفاح
30-05-2010, 09:15 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الاخوه الكرام : ـ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
هناك فرق بين رأي الاسلام , والرأي الاسلامي , فلا يطلق مصطلح رأي الاسلام الا على الحكم القطعي في ثبوته ودلالته , اما الحكم الظني من حيث الدلاله والثبوت فهو رأي اسلامي , فلا يطلق عليه انه رأي الاسلام مطلقا , فقولنا ان هذا رأي الاسلام , اي ان غيره ليس رأيا اسلاميا اي انه رأي كفر , وانه لم ينبثق من الكتاب او السنه , فمصطلح رأي الاسلام لا يطلق الا على القطعي في ثبوته ودلالته , اما مصطلح الرأي الاسلامي فانه يطلق على الحكم الظني سواء في ثبوته او دلالته , فلا يطلق مصطلح رأي الاسلام على الحكم الذي ورد بدليل قطعي الثبوت ولكنه ظني الدلاله , وكذلك لا يطلق على الحكم القطعي الدلاله ولكنه ظني الثبوت , واما لفظ حكم الله فهي استخدام صحيح سواء اكان الحكم قطعيا ام ظنيا , اما استخدام لفظ الشارع بدل لفظ الجلاله , فانه للدقه حتى لا يتصور احد ان الحكم الشرعي هو ما ورد في القرآن فقط .

مؤمن
01-06-2010, 04:14 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

عدل الإسلام وجوْر الرأسمالية

إن فساد آلية النظام الرأسمالي في جعله الثمن هو الدافع على الإنتاج والتوزيع والاستهلاك هو المتسبب في جملة المشاكل الدائمية التي يعيشها الناس والتي يسمونها "مشاكل اجتماعية" من غلاء للمعيشة، وتدهور مستمر في القدرة الشرائية، وعجز دائم عن إشباع الحاجات الأساسية فضلاً عن الحاجات الكمالية، وهذا ما دفع الناس للخروج إلى الشارع للمطالبة بتدخل الدولة والزيادة في الأجور بالنسبة للأجراء وتهديد بإضرابات تضر بمصالح العامة والخاصة وما نتج عنه من أحقاد بين العمال وأصحاب العمل وتدهور في الإنتاج.. مما يدفعنا إلى النظر بعمق واستنارة في واقع هذه المشاكل للتوصل إلى حل جذري يحل المشكلة وينهيها.
إلاّ أن الذي عليه المشرفون على معالجة شؤون الاقتصاد عندنا وإدارته والذين يدرسون نظم الاقتصاد وعلومه، يضعون عقولهم على الرف قبل أن يبدأوا دراستهم أو إدارتهم، ذلك أنهم لا يفكرون تفكيرا أصيلاً ولا يفطنون إلى علاج جذري بل يأخذون عن الغرب ويردّدون كالببغاوات ويقلّدون كالقرود. وقد آن لكل ذي عقل أن يدرك فشل النظام الرأسمالي الغربي وفساده وأنه هو المتسبب في هذه المشاكل التي يأخذ بعضها برقاب بعض.
اليوم في تونس، أصبح الغلاء فاحشاً وأصبح الناس في ضيق من أمرهم، يشتكون من عدم قدرتهم على سد حاجاتهم، فما هو الحل؟ الوصفة معروفة: يُضرِب العمال للضغط على أرباب العمل حتى يستجيبوا لرغبتهم بالزيادة في أجورهم فيضطر أصحاب العمل للزيادة في أثمان منتوجاتهم ليستردوا النسبة التي أعطوها للأجراء فيجد الأجير نفسه بعد أيام وقد زادت أجرته ولكن وضعه عاد إلى ما كان عليه إن لم يزدد سوءاً، فيعود ليطالب بالزيادة.. وهكذا إلى ما لا نهاية.
هذا بالنسبة للأُجراء الذين زادت أجرتهم ولم تُحل مشاكلهم، فما قولكم بالعاطلين عن العمل والعاجزين، كيف يعملون لمواجهة وحش الغلاء؟ وأين الدولة في كل ذلك؟ أليست هي المسؤولة عن كل فرد في البلاد؟ طبعاً هي موجودة ولكن دورها في النظام الرأسمالي أن تلعب دور الوسيط، فهي تجمع من تسميهم "بالأطراف الاجتماعية" والمتمثلة في اتحاد الشغل واتحاد الصناعة والتجار واتحاد الفلاحين وترضي الجميع بحل وسط يضمن مصالح فئة معينة على حساب جميع الناس، فإنْ هدأ الناس فبها وإلاّ فالوصفة الثانية معروفة، ولمثل هذا وُجدت الشرطة والجيش (جانفي 1984)، وما هو إلاّ وقت قصير ونعود إلى نفس الوضعية: ارتفاع مُشِط في الأسعار وتدهور للقدرة الشرائية للناس ومطالبة بالزيادة في الأجور.. الخ.
ومع أن واقع الإجارة غير ثمن السلعة، ومع أن المحدِّد لأجرة الأجير غير المحدِّد لأثمان السلع -وهذا كله غير ضمانة الحاجات الأساسية لجميع الناس- نجد المشرفين على شؤون الاقتصاد عندنا يصرون على ربط أجرة الأجير بأثمان السلع وجعل الأساس الذي بموجبه تقدَّر أجرة الأجير هو مستوى المعيشة عند أدنى حدها، هذا فضلاً عن انعدام التفكير عندهم في تأمين الحاجات الأساسية لجميع الناس، ولكن عقولهم موضوعة على الرف كما قلنا.
إن الدواء الناجع والبلسم الشافي نجده في نظام الإسلام، يقول ربنا الحكيم: {فإما يأتينّكم مني هدى فمن اتّبع هدايَ فلا يَضِل ولا يشقى ومَن أعرض عن ذِكري فإن له معيشة ضنكاً}.
وهذه بعض الأفكار التي تعالج مشكلة الإجارة وتؤمّن حاجات الناس الأساسية، وهي أحكام شرعية مستنبَطة من كتاب الله وسنّة رسوله وما أرشدا إليه من أدلة:
أ- تقدّر الأجرة على أساس منفعة الجهد الذي يقوم به الأجير، وهذه المنفعة للجهد لها سوق تُطلب فيها ويجري التبادل داخلها وتُقدر أسعارها بأسعار تلك السوق، ولا بد أن يُترك تقدير ثمن منفعة الجهد -أي أجرة الأجير- لما تفرضه السوق لمنافع الجهود، تماماً كما يجري تقدير أثمان السلع في السوق العامة لها، وكما أن أسعار السلع في السوق تتغير تبعاً للعرض والطلب فإن أسعار الجهود (أي منافع الجهود أو الأجرة) في السوق تتغير حسب العرض والطلب والإتقان.
ولا يصح أن تقدَّر أجرة الأجير على أساس الإنتاج لا كمّاً ولا كيفاً ولا على أساس مستوى المعيشة الذي يعيش فيه الأجير أو مقدار حاجاته.
فقد عرّف الفقهاء الإجارة بأنها عقد المنفعة بعِوَض، فجعلوا العقد مسلطاً على المنفعة وجعلوا العِوَض مقابل تلك المنفعة، أي جعلوا المنفعة أساساً لتقدير الأجرة، وقالوا إن الإجارة تمليك من الأجير للمستأجر منفعة وتمليك من المستأجر للأجير مالاً، وقد استُنبط ذلك من الأدلة الشرعية على جواز الإجارة، قال تعالى: {فإن أرضعنَ لكم فآتوهن أجورهن}، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: قال الله عزّ وجلّ: {ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة... ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يوفّه أجره}، فجعل استيفاء المنفعة يلزم بإيفاء الأجر، فتكون المنفعة أساساً لتقدير الأجرة.
ب- في الإسلام الدولة هي الراعي، أي أن الخليفة هو المسؤول عن رعاية شؤون الناس، قال صلى الله عليه وسلم: {الإمام راعٍ وهو مسؤول عن رعيّته}، وهذا يعني أن صاحب العمل أو المستأجِر ليس مسؤولاً عن العمال أو الموظفين الذين يعملون عنده، فربّ العمل يعطي العامل أجرته التي يستحقها بحسب العمل الذي يؤديه، فإن كانت الأجرة تكفي العامل أو تزيد عن كفايته فلا مشكلة، وأمّا إن كانت أقل من كفايته فإن صاحب العمل ليس هو المسؤول عن تأمين كفايته، لأن هذا يصبح من الرعاية، والرعاية واجبة على الإمام. ولهذا لا يجوز أن تكون هناك نقابات تقوم برعاية شؤون أية جماعة بشكل إلزامي (الرعاية بشكل غير إلزامي أي بشكل تطوعي جائزة، أمّا الرعاية الإلزامية فقد حصرها الإسلام بالدولة وهي الحكم)، فلا نقابات تنظم الإضرابات ولا مسيرات تُتلف الأموال العامة والخاصة، بل تُحاسَب الدولة إن قصّرت في رعاية الشؤون، ويقع تحصيل حق العامل من رب العمل، فالمحاسبة أمر لازم وتحصيل الحقوق أمر لازم، ولكن كل هذا يتم بالطرق التي حددها الشرع.
ج- السياسة الاقتصادية في الإسلام هي ضمان الإشباع لجميع الحاجات الأساسية لكل فرد إشباعاً كلياً وتمكينه من إشباع الحاجات الكمالية بقدر الإمكان باعتباره يعيش في مجتمع معيّن له طراز خاص من العيش. فالإسلام ينظر إلى كل فرد بعينه لا إلى مجموع الأفراد، وينظر إليه باعتباره إنساناً أولاً لا بد من إشباع جميع حاجاته الأساسية إشباعاً كلياً، ثم باعتباره شخصاً معيناً بذاته ثانياً بتمكينه من إشباع حاجاته الكمالية، وينظر إليه في نفس الوقت باعتباره مرتبطاً مع غيره بعلاقات معينة تسير تسييراً معيناً حسب طراز خاص.
فالأساس في سياسة الاقتصاد في الإسلام هو النظر إلى هذه الأمور الأربعة:
- النظرة إلى كل فرد بعينه، فهو فردي في إشباع الحاجات.
- النظرة إلى إشباع الحاجات الأساسية إشباعاً كلياً، فهو إنساني في ضمان المحافظة على حياة كل فرد سواء أكان محمداً أم بول، فاطمة أم مارية.
- النظرة إلى إباحة السعي للرزق والمساواة في الإباحة لكل من محمد وبطرس وفاطمة وجوليات لإفساح الطريق لكل منهم يأخذ من الثروة ما يشاء: فهو آخذ بالأيدي نحو الرفاهية.
- النظرة إلى سيادة القيم الرفيعة على العلاقات القائمة بين الأفراد.
ولضمان تحقيق هذه السياسة حدد الإسلام الحاجات الأساسية للأفراد والحاجات الأساسية للرعية كلها وأمّن إشباعها وقرر تأمينها بالمعروف -لا عند أدنى حد لها- أي يجب تأمين الحاجات الأساسية لكل فرد والحاجات الكمالية حسب ما هو معروف لأمثاله في المجتمع الذي يعيش فيه.
وقد جاءت الأحكام الشرعية تبين الحاجات الأساسية لكل فرد بأنها المأكل والملبس والمسكن، ووردت في ذلك أدلة كثيرة منها قوله تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف}، وقوله جل شأنه: {أسكِنوهن من حيث سكنتم}.
أمّا الحاجات الأساسية للرعية كلها فهي الأمن والتعليم والتطبيب، وهي واجبة على الدولة وهي من أهم شؤون الرعية ورعاية الشؤون واجبة على الإمام أي على الدولة.
وقد عيّن الشرع الجهة التي يجب عليها تأمين الحاجات الأساسية للأفراد، فجعل العمل فرضاً على القادر من الذكور إذا كان محتاجاً للنفقة ولم يجعل الكسب فرضاً على المرأة بل فرض لها النفقة، وكذلك بالنسبة للعاجزين من الذكور فعلاً أو حكماً لعدم توفر الشغل، وجعل نفقة الزوجة على الزوج ونفقة الأولاد والبنات على الأب وجعل نفقة الأب والأم على أولادهما ونفقة القريب ذي الرحم المحرم على قريبه.. أمّا إذا عجز من تجب عليه النفقة عن الإنفاق ففي هذه الحالة أوجب الشرع النفقة على بيت المال أي على الدولة، قال صلى الله عليه وسلم: {من ترك كَلاً فإلينا...} الحديث، وقال: {أنا ولي من لا وليّ له}.
هذا هو الضمان لإشباع جميع الحاجات الأساسية لجميع أفراد الرعية فرداً فرداً إشباعاً كلياً وإشباع الحاجات الأساسية اللازمة لجميع الناس، وبهذا تكون السياسة الاقتصادية في الإسلام قد تحققت بهذه الأحكام كلها، فضمان إيجاد العمل للقادرين وضمان نفقة الفقراء للعاجزين حقيقة أو فعلاً والعاجزين حكماً يتم به تحقيق السياسة الاقتصادية في الإسلام.

أيها المسلمون،
هذه جملة من الأحكام التي جاء بها الإسلام والتي بها يتحقق العيش الهنيء والوحدة بين مختلف فئات المجتمع من عمال وأجراء وأصحاب عمل وغيرهم، ويستبان منها أن النظام الإسلامي وحده القادر على حل كل المشكلات الإنسانية وعلى حسن التنظيم والرعاية التي تبعِد وقوع المشاكل والشقاق بين الناس، {ومن أحسن من الله حكماً لقوم يؤقنون}، فأين هذا من جحيم الرأسمالية ونارها التي يصطلي بلَظاها الناس؟ وهي نتيجة حتمية لكل نظام وضعي بشري.
فإلى نظام الإسلام ندعوكم أيها المسلمون، فبه نسعد في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتّبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم}.
اللجنة المسؤولة لحزب التحرير - تونس
13 من ذي الحجة 1409هـ
16 جويلية 1989م