بوفيصيل
23-08-2012, 10:52 AM
***
الخطاب السياسي الإسلامي ومفهوم "الحركة"
الخطاب الشرعي الإسلامي هو:
المعيار الذي نحدِّد من خلاله شرعية الأعمال والأشياء مِن عدمها، وهو أداء واجب البلاغ المُبين لحقائق هذا الدِّين.
*
أما الخطاب السياسي الإسلامي:
فهو يَهدف إلى حماية مصالح المسلمين بحسب حالة ضعفهم وقوتهم، وهو - وإن كان لا يجوز له أن يُصادِم الخِطاب الشرعي - ليس مُقتصِرًا على نصوص الشرع، وإنما هو خطاب بشري يُراعي إمكانيات الواقع بشكل أساسي، ويتحرَّك في نطاق المُمكِن رعايةً لمصالح الأمة؛ ليَصل مرحلةً بعد مرحلة إلى أهدافه النهائية، والتي يَرسمها الخطاب الشرعي؛ أي: هو يَخدم الخطاب الشرعي ولا يُصادمه، فالخطاب السياسي من هذا المُنطلَق يحمل صفة "الشرعية"، فهو خطاب سياسي شرعي.
*
وإذا عُدْنا إلى السيرة النبوية، وسِيَر الصحابة - رضوان الله عليهم - نجد نماذج رائعة يَبرز من خلالها هذان الخطابان: الخطاب الشرعي، والخطاب السياسي.
*
نموذج جمع القرآن:
لقد جمع الصحابة - رضوان الله عليهم - القرآن الكريم في مصحفٍ واحدٍ، وبالعودة إلى نصوص الكتاب والسنة لا نجد نصًّا واحدًا يَأمُر بهذا الفعل، رغم أنه متعلِّق بأحد أهمِّ عناصر هذا الدِّين وهو القرآن الكريم، ولكنَّ إجماع الصحابة على جمع القرآن هو أكبر دليل على شرعيَّة الأعمال التي تَخدم الإسلام والمسلمين حتى لو لم يَرِدْ فيها نصٌّ من الكتاب أو السنة، كان إجماعهم نابعًا من مراعاة مصلحة حفْظ الدِّين ومصلحة المسلمين أجمعين؛ لِما رَأَوْا من تغيُّرات في الواقع جعلتهم يتَّخذون هذا الإجراء الخادم للدِّين، وغير المُصادِم له، رغم كونه ليس من النصوص الشرعية، ولم يأتِ نصٌّ شرعي يتحدَّث تفصيلاً عن واجب جمع القرآن، وكما قال تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].
*
حقائق الحبَشة:
لقد جاء هذا الدِّين ليُسقط شرعية كلِّ نظام قائم على غير قاعدة العبودية لله وحده، ولم يكن يخصُّ في ذلك أوضاع المشركين في الجزيرة عن غيرهم في سائر أنحاء العالم؛ فقد كان العالم آنذاك يعجُّ بالجاهلية في كل أصقاع الأرض؛ جاهلية الأفراد والجماعات في العقائد والقِيَم والأخلاق والأوضاع والنُّظُم، وكان مجرَّد الصدْع بأصل هذا الدِّين - وهو عبادة الله وحده لا شريك له - يعني في الواقع إسقاطَ شرعيَّة كلِّ هذه الجاهليات.
*
كانت الجماعة الأولى التي نزل عليها هذا الدِّين مُكلَّفةً أن تُقيمه كوضع جماعي، كما كانت مكلَّفةً به على نطاق الالتزام الفرديِّ، ولاقتْ في سبيل ذلك البطش الشديد من الجاهلية التي تُحيط بها، ومن خلال ذلك يُلاحظ الدارس للسيرة النبوية وجود خطٍّ يمكن أن نسمِّيه "خطًّا حركيًّا"، ميزته أنه يَنتقِل بحال الدعوة مرحلةً بعد مرحلة وصولاً إلى أهداف هذا الدِّين، ومنها الاستخلاف والتمكين والتأمين ونشر الدعوة على نطاق أوسع.
*
كانت "حقائق الحبشة" مفصلاً هامًّا في تاريخ هذه الدعوة، فيه مِن العبر والدروس لنا ما يجب أن نَلتفِت إليه جيدًا حين نُريد التحرُّك في واقعنا المعاصر بُغيةَ إعزاز هذا الدِّين والتمكين له.
*
اشتدَّ البطش على الصحابة الكرام في مكة من قريش، فكان التوجيه النبوي: ((إن بأرض الحبشة ملكًا لا يُظلَم أحد عنده، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجًا ومخرجًا مما أنتم فيه))؛ (صحّحه الألباني).
*
وكان الخطاب السياسي الشرعي الموجَّه إلى مَلِك هذا النظام الجاهلي على لسان الصحابي الجليل جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "أيها الملك كنا قومًا أهل جاهلية؛ نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نَعرِف نسبه وصِدقَه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله عز وجل لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دون الله من الحجارة والأوثان، وأمَرنا بصدْق الحديث، وأداء الأمانة، وصِلة الرحم، وحُسن الجوار، والكفِّ عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وشهادة الزور، وأكْل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمَرنا أن نعبد الله لا نُشرك به شيئًا، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة - قالت: فعدَّد عليه أمور الإسلام - فصدَّقناه وآمنَّا به، واتَّبعناه على ما جاء به، فعبدْنا الله وحده لا نشرك به شيئًا، وحرَّمنا ما حرَّم علينا، وأحلَلْنا ما أحلَّ لنا، فغدا علينا قومنا فعذَّبونا وفتَنونا عن ديننا ليردُّونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله - عز وجل - وأن نَستحلَّ ما كنَّا نستحلُّ من الخبائث، فلما قهَرونا وظلَمونا، وشقُّوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا خرجْنا إلى بلدك، واخترناك على مَن سواك، ورغبْنا في جوارك، ورجونا ألا نُظلَم عندك أيها الملك"؛ (الهيثمي في مجمع الزوائد، ومسند أحمد، والصحيح المسند للوادعي، وهو صحيح).
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/0/43556/#ixzz24LzMjRlN
الخطاب السياسي الإسلامي ومفهوم "الحركة"
الخطاب الشرعي الإسلامي هو:
المعيار الذي نحدِّد من خلاله شرعية الأعمال والأشياء مِن عدمها، وهو أداء واجب البلاغ المُبين لحقائق هذا الدِّين.
*
أما الخطاب السياسي الإسلامي:
فهو يَهدف إلى حماية مصالح المسلمين بحسب حالة ضعفهم وقوتهم، وهو - وإن كان لا يجوز له أن يُصادِم الخِطاب الشرعي - ليس مُقتصِرًا على نصوص الشرع، وإنما هو خطاب بشري يُراعي إمكانيات الواقع بشكل أساسي، ويتحرَّك في نطاق المُمكِن رعايةً لمصالح الأمة؛ ليَصل مرحلةً بعد مرحلة إلى أهدافه النهائية، والتي يَرسمها الخطاب الشرعي؛ أي: هو يَخدم الخطاب الشرعي ولا يُصادمه، فالخطاب السياسي من هذا المُنطلَق يحمل صفة "الشرعية"، فهو خطاب سياسي شرعي.
*
وإذا عُدْنا إلى السيرة النبوية، وسِيَر الصحابة - رضوان الله عليهم - نجد نماذج رائعة يَبرز من خلالها هذان الخطابان: الخطاب الشرعي، والخطاب السياسي.
*
نموذج جمع القرآن:
لقد جمع الصحابة - رضوان الله عليهم - القرآن الكريم في مصحفٍ واحدٍ، وبالعودة إلى نصوص الكتاب والسنة لا نجد نصًّا واحدًا يَأمُر بهذا الفعل، رغم أنه متعلِّق بأحد أهمِّ عناصر هذا الدِّين وهو القرآن الكريم، ولكنَّ إجماع الصحابة على جمع القرآن هو أكبر دليل على شرعيَّة الأعمال التي تَخدم الإسلام والمسلمين حتى لو لم يَرِدْ فيها نصٌّ من الكتاب أو السنة، كان إجماعهم نابعًا من مراعاة مصلحة حفْظ الدِّين ومصلحة المسلمين أجمعين؛ لِما رَأَوْا من تغيُّرات في الواقع جعلتهم يتَّخذون هذا الإجراء الخادم للدِّين، وغير المُصادِم له، رغم كونه ليس من النصوص الشرعية، ولم يأتِ نصٌّ شرعي يتحدَّث تفصيلاً عن واجب جمع القرآن، وكما قال تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].
*
حقائق الحبَشة:
لقد جاء هذا الدِّين ليُسقط شرعية كلِّ نظام قائم على غير قاعدة العبودية لله وحده، ولم يكن يخصُّ في ذلك أوضاع المشركين في الجزيرة عن غيرهم في سائر أنحاء العالم؛ فقد كان العالم آنذاك يعجُّ بالجاهلية في كل أصقاع الأرض؛ جاهلية الأفراد والجماعات في العقائد والقِيَم والأخلاق والأوضاع والنُّظُم، وكان مجرَّد الصدْع بأصل هذا الدِّين - وهو عبادة الله وحده لا شريك له - يعني في الواقع إسقاطَ شرعيَّة كلِّ هذه الجاهليات.
*
كانت الجماعة الأولى التي نزل عليها هذا الدِّين مُكلَّفةً أن تُقيمه كوضع جماعي، كما كانت مكلَّفةً به على نطاق الالتزام الفرديِّ، ولاقتْ في سبيل ذلك البطش الشديد من الجاهلية التي تُحيط بها، ومن خلال ذلك يُلاحظ الدارس للسيرة النبوية وجود خطٍّ يمكن أن نسمِّيه "خطًّا حركيًّا"، ميزته أنه يَنتقِل بحال الدعوة مرحلةً بعد مرحلة وصولاً إلى أهداف هذا الدِّين، ومنها الاستخلاف والتمكين والتأمين ونشر الدعوة على نطاق أوسع.
*
كانت "حقائق الحبشة" مفصلاً هامًّا في تاريخ هذه الدعوة، فيه مِن العبر والدروس لنا ما يجب أن نَلتفِت إليه جيدًا حين نُريد التحرُّك في واقعنا المعاصر بُغيةَ إعزاز هذا الدِّين والتمكين له.
*
اشتدَّ البطش على الصحابة الكرام في مكة من قريش، فكان التوجيه النبوي: ((إن بأرض الحبشة ملكًا لا يُظلَم أحد عنده، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجًا ومخرجًا مما أنتم فيه))؛ (صحّحه الألباني).
*
وكان الخطاب السياسي الشرعي الموجَّه إلى مَلِك هذا النظام الجاهلي على لسان الصحابي الجليل جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "أيها الملك كنا قومًا أهل جاهلية؛ نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نَعرِف نسبه وصِدقَه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله عز وجل لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دون الله من الحجارة والأوثان، وأمَرنا بصدْق الحديث، وأداء الأمانة، وصِلة الرحم، وحُسن الجوار، والكفِّ عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وشهادة الزور، وأكْل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمَرنا أن نعبد الله لا نُشرك به شيئًا، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة - قالت: فعدَّد عليه أمور الإسلام - فصدَّقناه وآمنَّا به، واتَّبعناه على ما جاء به، فعبدْنا الله وحده لا نشرك به شيئًا، وحرَّمنا ما حرَّم علينا، وأحلَلْنا ما أحلَّ لنا، فغدا علينا قومنا فعذَّبونا وفتَنونا عن ديننا ليردُّونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله - عز وجل - وأن نَستحلَّ ما كنَّا نستحلُّ من الخبائث، فلما قهَرونا وظلَمونا، وشقُّوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا خرجْنا إلى بلدك، واخترناك على مَن سواك، ورغبْنا في جوارك، ورجونا ألا نُظلَم عندك أيها الملك"؛ (الهيثمي في مجمع الزوائد، ومسند أحمد، والصحيح المسند للوادعي، وهو صحيح).
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/0/43556/#ixzz24LzMjRlN