ابو العبد
03-04-2009, 10:13 AM
في الوقت الذي ينتظر فيه المراقبون للسياسة الإسرائيلية أن تتكلل المفاوضات بين أطياف اللون السياسي بتشكيل الحكومة الأكثر "يمينية" في تاريخ الدولة العبرية، لا يخفي العديد من المسؤولين في إسرائيل
خشيتهم من تدهور صورة تل أبيب في الخارج وتراجع سمعتها على المسرح العالمي.
هذا الخوف الذي تولد داخل إسرائيل والحرص على عدم فقدان التعاطف الدولي مع تل أبيب إثر الهجمة التي نفذها الجيش على قطاع غزة وصور القتل والدمار التي تسربت من هناك دفع المسؤولين في الدولة العبرية إلى إطلاق حملة علاقات عامة لتلميع صورتها في المحافل الدولية وإزالة ما علق بها من شوائب، حيث رصدت الأجهزة المعنية مليوني دولار لإنجاز المهمة وتنقية الأجواء التي خلفتها حرب إسرائيل المدمرة على قطاع غزة. والحقيقة أنه ليس واضحاً ما إذا كان المبلغ المرصود لحملة العلاقات العامة الإسرائيليةذكافياً لإخفاء الفظاعات التي ارتكبت، أو التقليل من أهميتها وحجبها عن الأنظار، لا سيما في ظل حكومة يقودها حزب "الليكود" بزاعمة بنيامين نتانياهو ومعه حزب "شاس" المتدين وإلى جانبه الحزب القومي العلماني المتطرف "إسرائيل بيتنا" برئاسة أفيجدور ليبرمان.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن، هو لماذا تختار إسرائيل حكومة "يمينية" يشارك فيها متطرفون لهم مواقف عنصرية ضد الفلسيطنيين والعرب، ثم تسعى بعد ذلك إلى تلميع صورتها؟ الجواب يعيدنا بالضرورة إلى حرب غزة التي قادت إلى هذا الواقع المعقد وأفرزت مزاجاً عاماً داخل إسرائيل يجنح نحو "اليمين" والتطرف. فقد اعتقد الائتلاف الحكومي المكون من حزب "كاديما" وحزب "العمل"، الذي قاد إسرائيل أثناء الحرب أنه بتبني الخيار العسكري ضد الفلسطينيين وشن حملة واسعة على قطاع غزة بما خلفته من القتل والدمار سيقطع الطريق على منتقديها من الأحزاب "اليمينية" وسيرسخ الانطباع لدى الرأي العام الإسرائيلي أنها ليست عاجزة أمام الصواريخ التي تطلقها "حماس"، كما يتهمها بذلك "الليكود" وباقي الخصوم السياسيين. وفيما كانت المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية جارية على قدم وساق وكان العديد من المراقبين يتوقعون قرب توقيع إيهود أولمرت اتفاقاً تاريخياً مع الفلسطينيين ينهي عقوداً طويلة من الصراع اختار بدلا من ذلك أسلوب المواجهة، وأطلق حملته العسكرية ليرسل بذلك خطاباً مزدوجاً إلى الناخبين قبيل الانتخابات البرلمانية في إسرائيل. فقد بدا للمواطن الإسرائيلي أنه إذا كان لا بد من خيار القوة في التعامل مع الفلسطينيين بدل نهج التفاوض، فإنه من الأفضل التصويت على النسخة الأصلية متمثلة في أحزاب "اليمين" المتطرف، وعلى رأسها حزب "الليكود" بمواقفه المعروفة الرافضة للتفاوض، بدل اللجوء إلى نسخة مقلدة يمثلها تحالف "كاديما" والعمل. وهكذا وفي الوقت الذي كان يسعى فيه الائتلاف الحكومي إلى كسب أصوات الناخب الإسرائيلي وجد نفسه في الأخير يخدم "اليمين"، ويفتح أمامه الطريق للفوز في انتخابات الكنيست والوصول إلى السلطة.
الصور التي نقلتها المواقع الإلكترونية على نطاق واسع قربت معاناة الفلسطينيين إلى الرأي العام الغربي ليصبح أكثر وعياً بانتهاكات إسرائيل ومعاقبتها للمدنيين.
بيد أن الحرب في غزة لم تنحصر تداعياتها على السياسة الإسرائيلية، بل تعدتها إلى الرأي العام الدولي، فإذا كان الشارع العربي قد اطلع عن كثب على صور مروعة لمعاناة الفلسطينيين أثناء الحرب بثتها قنوات تلفزيونية عربية، فإن الرأي العام الغربي وجد نفسه مصدوماً أمام الصور التي تم نقلها على الإنترنت، وأظهرت حجم الخراب الذي لحق بالقطاع. وبالطبع تضررت صورة إسرائيل كثيراً في أعين الغربيين، لا سيما على المستوى الشعبي في وقت مازالت فيه صور حرب لبنان حية وعالقة في أذهان الناس، وهو ما قوض التعاطف الواسع الذي كانت تحظى به الدولة العبرية في الأوساط الغربية، بحيث لم يبقَ أمامها سوى الدعم الرسمي، الذي تعبر عنه في كل مرة الحكومات الأوروبية والإدارة الأميركية دون أن ينسحب ذلك إلى الفئات الواسعة من الجماهير الغربية. وقد رأينا كيف اجتاحت المدن الأوروبية مظاهرات حاشدة شارك فيها الآلاف من المواطنين تعبيراً عن احتجاجهم على القتل الجماعي في غزة والتنكيل الواسع الذي تعرض له المدنيون، لتتعالى دعوات مقاطعة البضائع الإسرائيلية والمطالبة بمحاكمة القادة الإسرائيليين المسؤولين عن الانتهاكات والتجاوزات التي تخللت الحرب المدمرة على قطاع غزة. وفي هذا الإطار أيضاً رأينا كيف تمت مقاطعة العديد من التظاهرات الرياضية والثقافية التي نظمتها الدولة العبرية، وحذرت تل أبيب العديد من مسؤوليها من السفر إلى الخارج خوفاً من مذكرات الاعتقال، التي قد تصدرها بعض الدول في حقهم وفي مقدمتها بلجيكا.
والأكثر من ذلك، بدأت إسرائيل تستشعر أن خناق العدالة الدولية يضيق حول عنقها بعد التقارير المتتالية التي تكشف تجاوزات خطيرة ارتكبها الجيش الإسرائيلي خلال حربه على غزة وانتهاكه لقواعد الحرب المنصوص عليها في المواثيق الدولية. وإذا كان الإعلام الغربي قد حرص على عدم بث المشاهد المروعة في غزة وأخفى الكثير من الفظاعات، إلا أن الصور التي نقلتها المواقع الإلكترونية وتم تداولها على نطاق واسع قربت معاناة الفلسطينيين إلى الرأي العام الغربي ليصبح أكثر وعياً بانتهاكات إسرائيل وأسلوبها المفرط في استخدام العنف ومعاقبة المدنيين. ولا بد أن تململ الرأي العام الأوروبي وشعوره بفداحة المجازر التي ارتكبت في غزة سيؤثر على المواقف الرسمية، وربما يقود إلى مراجعة السياسات الخارجية لتلك الدول تجاه الشرق الأوسط وممارسة ضغوط أكبر على إسرائيل للتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين. وقد يكون الظرف الحالي الذي تتجه فيه السياسة الإسرائيلية إلى "اليمين" وتشارك فيه عناصر متطرفة ضمن الحكومة الجديدة فرصة للحكومات الأوروبية لإبداء مواقف أكثر حزماً والافتراق قليلا عن سياسات تل أبيب وإعادة ترتيب علاقتها مع الدول العربية. وسيكون من الصعب على الحكومات الغربية تبرير انتقاداتها المبررة للرئيس الإيراني وتصريحاته المناهظة لإسرائيل والداعية إلى محوها من الخريطة وفي الوقت نفسه التغاضي على تصريحات أفيجدور ليبرمان المشارك في الحكومة والذي طالب في إحدى هلوساته بإلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة.
باسكال يونيفاس
خشيتهم من تدهور صورة تل أبيب في الخارج وتراجع سمعتها على المسرح العالمي.
هذا الخوف الذي تولد داخل إسرائيل والحرص على عدم فقدان التعاطف الدولي مع تل أبيب إثر الهجمة التي نفذها الجيش على قطاع غزة وصور القتل والدمار التي تسربت من هناك دفع المسؤولين في الدولة العبرية إلى إطلاق حملة علاقات عامة لتلميع صورتها في المحافل الدولية وإزالة ما علق بها من شوائب، حيث رصدت الأجهزة المعنية مليوني دولار لإنجاز المهمة وتنقية الأجواء التي خلفتها حرب إسرائيل المدمرة على قطاع غزة. والحقيقة أنه ليس واضحاً ما إذا كان المبلغ المرصود لحملة العلاقات العامة الإسرائيليةذكافياً لإخفاء الفظاعات التي ارتكبت، أو التقليل من أهميتها وحجبها عن الأنظار، لا سيما في ظل حكومة يقودها حزب "الليكود" بزاعمة بنيامين نتانياهو ومعه حزب "شاس" المتدين وإلى جانبه الحزب القومي العلماني المتطرف "إسرائيل بيتنا" برئاسة أفيجدور ليبرمان.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن، هو لماذا تختار إسرائيل حكومة "يمينية" يشارك فيها متطرفون لهم مواقف عنصرية ضد الفلسيطنيين والعرب، ثم تسعى بعد ذلك إلى تلميع صورتها؟ الجواب يعيدنا بالضرورة إلى حرب غزة التي قادت إلى هذا الواقع المعقد وأفرزت مزاجاً عاماً داخل إسرائيل يجنح نحو "اليمين" والتطرف. فقد اعتقد الائتلاف الحكومي المكون من حزب "كاديما" وحزب "العمل"، الذي قاد إسرائيل أثناء الحرب أنه بتبني الخيار العسكري ضد الفلسطينيين وشن حملة واسعة على قطاع غزة بما خلفته من القتل والدمار سيقطع الطريق على منتقديها من الأحزاب "اليمينية" وسيرسخ الانطباع لدى الرأي العام الإسرائيلي أنها ليست عاجزة أمام الصواريخ التي تطلقها "حماس"، كما يتهمها بذلك "الليكود" وباقي الخصوم السياسيين. وفيما كانت المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية جارية على قدم وساق وكان العديد من المراقبين يتوقعون قرب توقيع إيهود أولمرت اتفاقاً تاريخياً مع الفلسطينيين ينهي عقوداً طويلة من الصراع اختار بدلا من ذلك أسلوب المواجهة، وأطلق حملته العسكرية ليرسل بذلك خطاباً مزدوجاً إلى الناخبين قبيل الانتخابات البرلمانية في إسرائيل. فقد بدا للمواطن الإسرائيلي أنه إذا كان لا بد من خيار القوة في التعامل مع الفلسطينيين بدل نهج التفاوض، فإنه من الأفضل التصويت على النسخة الأصلية متمثلة في أحزاب "اليمين" المتطرف، وعلى رأسها حزب "الليكود" بمواقفه المعروفة الرافضة للتفاوض، بدل اللجوء إلى نسخة مقلدة يمثلها تحالف "كاديما" والعمل. وهكذا وفي الوقت الذي كان يسعى فيه الائتلاف الحكومي إلى كسب أصوات الناخب الإسرائيلي وجد نفسه في الأخير يخدم "اليمين"، ويفتح أمامه الطريق للفوز في انتخابات الكنيست والوصول إلى السلطة.
الصور التي نقلتها المواقع الإلكترونية على نطاق واسع قربت معاناة الفلسطينيين إلى الرأي العام الغربي ليصبح أكثر وعياً بانتهاكات إسرائيل ومعاقبتها للمدنيين.
بيد أن الحرب في غزة لم تنحصر تداعياتها على السياسة الإسرائيلية، بل تعدتها إلى الرأي العام الدولي، فإذا كان الشارع العربي قد اطلع عن كثب على صور مروعة لمعاناة الفلسطينيين أثناء الحرب بثتها قنوات تلفزيونية عربية، فإن الرأي العام الغربي وجد نفسه مصدوماً أمام الصور التي تم نقلها على الإنترنت، وأظهرت حجم الخراب الذي لحق بالقطاع. وبالطبع تضررت صورة إسرائيل كثيراً في أعين الغربيين، لا سيما على المستوى الشعبي في وقت مازالت فيه صور حرب لبنان حية وعالقة في أذهان الناس، وهو ما قوض التعاطف الواسع الذي كانت تحظى به الدولة العبرية في الأوساط الغربية، بحيث لم يبقَ أمامها سوى الدعم الرسمي، الذي تعبر عنه في كل مرة الحكومات الأوروبية والإدارة الأميركية دون أن ينسحب ذلك إلى الفئات الواسعة من الجماهير الغربية. وقد رأينا كيف اجتاحت المدن الأوروبية مظاهرات حاشدة شارك فيها الآلاف من المواطنين تعبيراً عن احتجاجهم على القتل الجماعي في غزة والتنكيل الواسع الذي تعرض له المدنيون، لتتعالى دعوات مقاطعة البضائع الإسرائيلية والمطالبة بمحاكمة القادة الإسرائيليين المسؤولين عن الانتهاكات والتجاوزات التي تخللت الحرب المدمرة على قطاع غزة. وفي هذا الإطار أيضاً رأينا كيف تمت مقاطعة العديد من التظاهرات الرياضية والثقافية التي نظمتها الدولة العبرية، وحذرت تل أبيب العديد من مسؤوليها من السفر إلى الخارج خوفاً من مذكرات الاعتقال، التي قد تصدرها بعض الدول في حقهم وفي مقدمتها بلجيكا.
والأكثر من ذلك، بدأت إسرائيل تستشعر أن خناق العدالة الدولية يضيق حول عنقها بعد التقارير المتتالية التي تكشف تجاوزات خطيرة ارتكبها الجيش الإسرائيلي خلال حربه على غزة وانتهاكه لقواعد الحرب المنصوص عليها في المواثيق الدولية. وإذا كان الإعلام الغربي قد حرص على عدم بث المشاهد المروعة في غزة وأخفى الكثير من الفظاعات، إلا أن الصور التي نقلتها المواقع الإلكترونية وتم تداولها على نطاق واسع قربت معاناة الفلسطينيين إلى الرأي العام الغربي ليصبح أكثر وعياً بانتهاكات إسرائيل وأسلوبها المفرط في استخدام العنف ومعاقبة المدنيين. ولا بد أن تململ الرأي العام الأوروبي وشعوره بفداحة المجازر التي ارتكبت في غزة سيؤثر على المواقف الرسمية، وربما يقود إلى مراجعة السياسات الخارجية لتلك الدول تجاه الشرق الأوسط وممارسة ضغوط أكبر على إسرائيل للتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين. وقد يكون الظرف الحالي الذي تتجه فيه السياسة الإسرائيلية إلى "اليمين" وتشارك فيه عناصر متطرفة ضمن الحكومة الجديدة فرصة للحكومات الأوروبية لإبداء مواقف أكثر حزماً والافتراق قليلا عن سياسات تل أبيب وإعادة ترتيب علاقتها مع الدول العربية. وسيكون من الصعب على الحكومات الغربية تبرير انتقاداتها المبررة للرئيس الإيراني وتصريحاته المناهظة لإسرائيل والداعية إلى محوها من الخريطة وفي الوقت نفسه التغاضي على تصريحات أفيجدور ليبرمان المشارك في الحكومة والذي طالب في إحدى هلوساته بإلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة.
باسكال يونيفاس