muslem
10-08-2012, 09:54 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
http://www.nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=11591&id=205&sid=802&ssid=909&sssid=1591
مقدمة :
مستمعينا الأكارم نعود إليكم مرة أخرى عبر أثير إذاعة الصوت الإسلامي؛ لنواصل معكم البرنامج الصباحي.
يسعدنا ويشرفنا أن نستقبل معنا في هذا الصباح فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، ويحزننا أن يكون هذا آخر لقاء لنا معكم فضيلة الدكتور، أهلاً وسهلاً بكم فضيلة الدكتور.
الدكتور:
نلتقي إن شاء الله في مرات قادمة.
المذيعة:
إن شاء الله تعالى.
حقيقة بركة كبيرة عمت في مدينتي سدني و أستراليا بوجودكم، وحضوركم، أنت وزوجتك، وإن شاء الله يتجدد هذا اللقاء بإذن الله.
فضيلة الدكتور، اليوم سوف نفتح الخط للأخوة والأخوات؛ لمشاركتنا بطرح الأسئلة بإذن الله تعالى، هذه - فرصة لهم خلال البرنامج إن شاء الله.
لكن بداية أود أن أطرح عليك سؤالاً حول موضوع التربية، نحن نعلم بأن لكم سلسلة طويلة وقد أذيعت عبر أثير إذاعة الصوت الإسلامي مرات عدة، وهي سلسة مهمة عن تربية الأولاد في الإسلام.
وقد استمعت إلى اللقاء الذي أجريته مع زميلنا أنور عبر الإذاعة؛ وتحدثتم بشكل كبير عن التربية؛ لكن عندي سؤالاً حول موضوع تربية الأولاد أود أن أطرحه، فضيلتكم؛ تربية الأولاد في عصرنا الحالي، عصر التكنولوجيا، عصر الفضائيات، قديماً كانت تربية الأطفال تعتمد على الأبوين، على المدرسة، أما الآن فالشارع يربي، المدرسة والتلفزيون بكل قنواته الهائلة؛ ومنها المخصصة للأطفال، كل هذا الكم للطفل الذي هو صاف الذهن، ولكن حوله الكثير الكثير من الأمور التي يأخذ منها تربيته وتعامله مع الآخرين.
نحن - كمسلمين - نريد جيلاً مسلماً واضحاً ليس مشوشاً، كيف أربي طفلي أنا في خضم كل هذه الأمور التي حوله ؟
لا يكلف الله نفساً إلا وسعها :
الدكتور:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته وارض عنا وعنهم يا رب العالمين.
أختنا الكريمة جزاك الله خيراً، هناك حقيقة مركزية وأساسية في هذا الموضوع؛ وهي حقيقة يجب أن ننطلق منها؛ هل صواب أن يقول الإنسان: هذا شيء لا أستطيعه؟ الرد الإلهي: لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، الإله هو الخالق، هو الخبير، هو العليم، لولا أن الذي كلفنا به ضمن استطاعتنا لما كنا مؤاخذين، هناك حقيقة مبدئية عقدية أساسية: لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فالتكاليف الإسلامية في أي مكان في العالم. إلا أن الحقيقة الثانية هي أن الشيء الذي نتوهم أننا لا نستطيع فعله هو الشيء الذي لا نريد أن نفعله، الشيء الذي نتوهم أنه فوق طاقتنا، ولا نستطيع أن نفعله، هو الشيء الذي لا نريد أن نفعله.
المذيعة:
أي التقصير منا؟!
أي مكان حال بين الإنسان و بين عبادته عليه أن يتركه :
الدكتور:
طبعا! والحقيقة الثالثة أنا حينما أذهب إلى باريس من أجل الدكتوراه، هذه المدينة العملاقة الكبيرة، فيها جامعات.. فيها ملاه.. فيها دور سينما.. فيها مسارح.. فيها بيوت ساقطة.. فيها شوارع منحرفة.. فيها مظاهر حضارية.. فيها حدائق.. أنا كطالب في هذه المدينة؛ لي فيها علة وجود واحدة؛ هي الدراسة؛ أنا أرسلني والدي فرضاً لكي أنال الدكتوراه في هذه الجامعة فإن لم ألتحق بهذه الجامعة؛ لا معنى لبقائي فيها، أي المكان الذي لا يستطيع الإنسان أن يحقق علة وجوده فيه ينبغي أن يتركه، و علة وجودي في الدنيا عبادة الله، هذه الحقيقة الثالثة، أنا علة وجودي في الدنيا أن أعبد الله؛ فأي مكان حال بيني و بين العبادة يجب أن أهاجر، أي أن أعود إلى بلدي.
هذه الحقائق؛ أنه لا يوجد شيء كلفنا الله به إلا ضمن استطاعتنا؛ لكن لو توهمنا أن هذا الشيء صعب علينا -في الحقيقة - أننا لا نريد أن نفعله.
الشيء الثالث، أية بيئة، أية مدينة، أي قطر إذا حال بيني وبين طاعة الله، وعلة وجودي في الدنيا طاعة الله ينبغي أن أغادره، لكن المشكلة ضعف الإيمان، فالإله العظيم يقول:
﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً*﴾
[النساء: 100]
ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه :
أنا أعرف أخوة لي أطباء كبار في أمريكا، في أوربا، حينما اقتنعوا أن يعودوا إلى بلدهم، والمسافة كبيرة جداً بين العالم الغربي والشرق الأوسط، كبيرة جداً؛ لكنهم آثروا طاعة الله، آثروا إنقاذ أولادهم، آثروا سلامة دينهم، والله هُيئت لهم ظروف في بلدهم أفضل مما كانوا فيه.
﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً*﴾
[النساء: 100]
معنى مراغماً أي يرغم من انتقده بالهجرة، كثيراً وسعة: الأمر بيد الله عز وجل، هذا من ضعف إيماننا، هناك قصص كثيرة جداً، أنا أعيش مع أكبر طبقة أطباء في دمشق؛ يحضر درسي مئات لهم جلسات خاصة، هؤلاء الأطباء عاشوا في بلاد الغرب بحياة تفوق حدّ الخيال، لكنهم خافوا على أولادهم، خافوا على مستقبل بناتهم، خافوا من ضياع أسرتهم، فآثروا أن يعودوا إلى بلد نامٍ، تلك بلاد متقدمة جداً، عادوا إلى بلدهم، فكانت ظروف حياتهم تفوق ما كانوا فيه؛ هذا الرد الإلهي، بتعبير آخر:
(( ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))
[ الجامع الصغير عن ابن عمر ]
قال رسول الله عليه الصلاة والسلام:
((إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا أبدلك الله به ما هو خير لك منه))
[صحيح رواه أحمد عن أبي قتادة وأبي الدهماء]
هذه قاعدة، والقصة هي قصة إيمان.
هذا الإله العظيم، حينما تترك مكاناً فيه بحبوحة وسعة ورخاء - أي بالتعبير العامي حليب العصفور يؤمن مباشرة - ومع ذلك تتركه حفاظاً على دين أولادك؛ مستحيل وألف ألف مستحيل ألا تجد في المكان الذي اخترته إرضاءً لله ما يفوق ما كنت فيه.
كل إنسان حريص على سلامة و كمال و استمرار وجوده :
أنا قبل سنوات جاءني رجل؛ عرّف نفسه أنه طبيب كبير جراح في ألمانيا، قال لي: بدأت ابنتي الصغيرة - عمرها عشر سنوات - تقول لنا: أنتم. من نحن؟ أنتم، تلقت توجيهاً معيناً: نحن متخلفون. من نحن؟ أنتم.
فذهب إلى المدرسة التقى مع المعلمة، قالت له: نعم أنتم متخلفون أنا أقول هذا الكلام، قال لي: هذه البنت انفصلت عنا انفصالاً نفسياً، ابنته.. قطعة من فؤاده، انفصلت، فقرر أن يعود إلى الشام، قال لي: والله لا أعرف مضى سنة، اثنتين، ثلاث، خمس، و لم تلغِ كلمة أنتم؟!!!! لم تعد ابنته، انفصلت.
فهنا المشكلة مشكلة أولاد، من يهمه أولاده أن يبقوا استمراراً له؟
أنا مرة حضرت في الشام تعزية في الأموي، توفي خطيب المسجد، عالم كبير، هو صديق حميم، لكن الذي لفت نظري في اليوم الثالث من التعزية، قام ابنه وألقى خطبة كأبيه تماماً، فبكيت أنا، وقلت: إذاً لم يمت الأب!.
فأنا كإنسان حريص على سلامة وجودي، وحريص على كمال وجودي، وحريص على استمرار وجودي؛ سلامة وجودي بطاعة الله، لا يوجد مال حرام، ولا علاقة عدوان، و لا علاقة خطأ، مادمت مستقيماً فأنا في سلام مع الله، لكن السلام غير السعادة، أحدهم لا يوجد لديه مشكلة، وليس عليه مذكرة بحث، و لا يوجد عنده مرض عضال، هذا بسلام، لكنني أنا أريد السعادة فوق السلامة، السعادة بالعمل الصالح، أما ثلاثة شروط: سلامة وجودي، كمال وجودي، استمرار وجودي؛ السلامة بالاستقامة، والسعادة بالعمل الصالح، والاستمرار بأولادي:
﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ*﴾
[سورة الطور:21]
ألحقنا بهم أعمال ذريتهم.
خسارة الآخرة أكبر خسارة تلحق الإنسان :
الإنسان عندما يكون طموحه الدنيا لا يوجد مشكلة، بقي هنا في بلده طموحه الدنيا فقط، والدنيا في هذه البلاد ميسّرة أكثر بكثير من بلادنا، لكنه إذا أيقن أنه مخلوق للآخرة وضيع الآخرة:
﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾
[الزمر: 15]
أكبر خسارة على الإطلاق حينما أخسر آخرتي.
المذيعة:
كلام مخيف يا دكتور، كلام مخيف جداً جداً.
تعريف الأبد :
الدكتور:
أبد: ما الأبد؟ الأبد صعب تعريفه، لكننا لو فرضنا واحداً هنا أمام هذا اللاقط و أمامه ثلاثة أصفار يصبح ألفاً، ثلاثة أخر مليون، ثلاثة ثالثة ألف مليون، ثلاثة رابعة مليون مليون، ثلاثة خامسة ألف مليون مليون، ثلاثة سادسة مليون مليون مليون، هذا من هنا إلى هنا؛ انظري؛ تقريباً عشرة سنتمتر، للحائط؟ للقطب الشمالي؟ للشمس؟ مئة و ستة و خمسون مليون كيلو متراً، وكل مليمتر صفر، هذا الرقم ضعيه صورة لكسر عشري والمخرج لا نهائي النتيجة صفر؛ في الدنيا تملك مليار مليار مليار دولار، تسكن بمئة قصر، تركب ألف سيارة، عندك مئة طائرة، عندك ثروة لا تأكلها النيران؛ أمام الآخرة صفر، فالإنسان عندما يضيع الآخرة يكون أحمقاً، يكون غبياً، يكون مجنوناً.
الأحمق من يضيع آخرته :
الناس يعيشون الدنيا فقط، لكنه لم ينتبه أنه في يوم سيشعر بألم في قلبه، احتشاء؛ صار مصبحاً ممسياً، أخطر شيء يؤلم الناس بالمستقبل أنهم كانوا يعيشون لحظتهم فقط، يقول لك: أنا الآن ساكن ببيت؛ عندي زوجة، عندي أولاد، عندي دخل، عندي نزهات، عندي لقاءات، عندي ولائم، عندي سفر، عندي سياحة، يعيش لحظته؛ لكنه ما فكر في أخطر حدث ينتظره وهو مغادرة الدنيا، من بيت إلى قبر، بيت مئتا متر؛ خمس غرف أو ست، أولاد، كنائن، بنات، أصهار، ولائم، زيارات، سهرات، سفر سياحي؛ كل هذه المتع تنتهي بلحظة، حينما يقف القلب ماذا بعد الموت؟ أؤكد لك - وأنا أعني ما أقول – لا يوجد بالألف إنسان إنسان يفكر بما بعد الموت، يعيش الناس لحظتهم؛ وهذا أغبى موقف يقع به الإنسان، ماذا ينتظرني بعد الموت؟ أنا دخلت إلى بيت بدمشق، يغلب على الظن أن ثمنه مئتا مليون؛ هذا رقم البيوت عشرة ملايين، ، اثنا عشر، خمسة عشر، هذه أسعارها، بيت ثمنه مئتا مليون، أربعمئة متر، له إطلالات، من أرقى أنواع الكسوة، صاحبه مات! يوم دفن - سبحان الله لحكمة أرادها الله – هناك مياه سوداء تمشي إلى القبر؛ أي بعض المجارير تسربت إلى القبر، فلما سألوا ابنه ماذا نفعل؟ قال: ادفنوه، ماذا سنفعل؟ أنا أعرفه، و أعرف بيته، و أعرف مستواه الراقي بالمعيشة، هذا انتقل من هذا المكان، من هذا الرفاه، من هذه الوسائل، من هذه اللقاءات الممتعة- دنيا بأعلى مستوى - فإذا هو في قبر، في مياه مجارير؛ هذه القصة هنا..... الذي يعيش لحظته؛ لا يوجد مشكلة الذي يريد أن يعيش المستقبل؛ هناك موت، مرة كنت في أمريكا؛ رأيت شيئاً يفوق حدّ الخيال، الحد المعقول يفوقه، بيت ألف متر مثلاً، هناك وسائل، وإنجازات، ومتع تفوق حدّ الخيال، سألتهم: أتموتون أنتم؟ قالوا: طبعاً. قلت:إذاً انتهى؛ ستمشون:
﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌٌ﴾
[النساء 77]
خالق الأكوان، خالق الكون ينصحك:
﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ﴾
[النساء: 77]
بالمقابل لما أعده الله لنا في الجنة من نعيم مقيم:
﴿مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ﴾
[النساء 77]
المذيعة:
فضيلتكم؛ أعلم الآن أن كثيراً من المستمعين الذين يتابعونا الآن في قلوبهم ليسوا راضين عن وجودهم هنا؛ لأسباب معينة وخوفهم على أولادهم، لكن ضرورة وجودهم هنا متعلقة بأسباب معينة قد تكون سياسية...إلى غير ذلك، أي العودة إلى بلادهم صعبة جداً، الآن هم هنا يحافظون قدر الإمكان على أولادهم، يحاولون تربيتهم، تعليمهم القرآن، المحافظة على أخلاقهم، دينهم، لكن المجتمع؛ مثلاً ظاهرة الشذوذ الجنسي المتواجدة في الدول الأوربية، و الآن انتشرت في بلادنا العربية، إذا أنا كنت في السوق، ومعي أولادي، وقد شاهدوا رجلان أو امرأتان يقبلان بعضهما البعض، كيف أشرح هذا الأمر لأولادي؟ طبعاً هذا يخالف شرع الله، ويخالف الإسلام.
المنهج الإسلامي يحقق للإنسان كل حاجاته :
الدكتور:
بل ويخالف الفطرة.
المذيعة:
والفطرة؛ فماذا أفعل؟
http://www.nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=11591&id=205&sid=802&ssid=909&sssid=1591
مقدمة :
مستمعينا الأكارم نعود إليكم مرة أخرى عبر أثير إذاعة الصوت الإسلامي؛ لنواصل معكم البرنامج الصباحي.
يسعدنا ويشرفنا أن نستقبل معنا في هذا الصباح فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، ويحزننا أن يكون هذا آخر لقاء لنا معكم فضيلة الدكتور، أهلاً وسهلاً بكم فضيلة الدكتور.
الدكتور:
نلتقي إن شاء الله في مرات قادمة.
المذيعة:
إن شاء الله تعالى.
حقيقة بركة كبيرة عمت في مدينتي سدني و أستراليا بوجودكم، وحضوركم، أنت وزوجتك، وإن شاء الله يتجدد هذا اللقاء بإذن الله.
فضيلة الدكتور، اليوم سوف نفتح الخط للأخوة والأخوات؛ لمشاركتنا بطرح الأسئلة بإذن الله تعالى، هذه - فرصة لهم خلال البرنامج إن شاء الله.
لكن بداية أود أن أطرح عليك سؤالاً حول موضوع التربية، نحن نعلم بأن لكم سلسلة طويلة وقد أذيعت عبر أثير إذاعة الصوت الإسلامي مرات عدة، وهي سلسة مهمة عن تربية الأولاد في الإسلام.
وقد استمعت إلى اللقاء الذي أجريته مع زميلنا أنور عبر الإذاعة؛ وتحدثتم بشكل كبير عن التربية؛ لكن عندي سؤالاً حول موضوع تربية الأولاد أود أن أطرحه، فضيلتكم؛ تربية الأولاد في عصرنا الحالي، عصر التكنولوجيا، عصر الفضائيات، قديماً كانت تربية الأطفال تعتمد على الأبوين، على المدرسة، أما الآن فالشارع يربي، المدرسة والتلفزيون بكل قنواته الهائلة؛ ومنها المخصصة للأطفال، كل هذا الكم للطفل الذي هو صاف الذهن، ولكن حوله الكثير الكثير من الأمور التي يأخذ منها تربيته وتعامله مع الآخرين.
نحن - كمسلمين - نريد جيلاً مسلماً واضحاً ليس مشوشاً، كيف أربي طفلي أنا في خضم كل هذه الأمور التي حوله ؟
لا يكلف الله نفساً إلا وسعها :
الدكتور:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته وارض عنا وعنهم يا رب العالمين.
أختنا الكريمة جزاك الله خيراً، هناك حقيقة مركزية وأساسية في هذا الموضوع؛ وهي حقيقة يجب أن ننطلق منها؛ هل صواب أن يقول الإنسان: هذا شيء لا أستطيعه؟ الرد الإلهي: لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، الإله هو الخالق، هو الخبير، هو العليم، لولا أن الذي كلفنا به ضمن استطاعتنا لما كنا مؤاخذين، هناك حقيقة مبدئية عقدية أساسية: لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فالتكاليف الإسلامية في أي مكان في العالم. إلا أن الحقيقة الثانية هي أن الشيء الذي نتوهم أننا لا نستطيع فعله هو الشيء الذي لا نريد أن نفعله، الشيء الذي نتوهم أنه فوق طاقتنا، ولا نستطيع أن نفعله، هو الشيء الذي لا نريد أن نفعله.
المذيعة:
أي التقصير منا؟!
أي مكان حال بين الإنسان و بين عبادته عليه أن يتركه :
الدكتور:
طبعا! والحقيقة الثالثة أنا حينما أذهب إلى باريس من أجل الدكتوراه، هذه المدينة العملاقة الكبيرة، فيها جامعات.. فيها ملاه.. فيها دور سينما.. فيها مسارح.. فيها بيوت ساقطة.. فيها شوارع منحرفة.. فيها مظاهر حضارية.. فيها حدائق.. أنا كطالب في هذه المدينة؛ لي فيها علة وجود واحدة؛ هي الدراسة؛ أنا أرسلني والدي فرضاً لكي أنال الدكتوراه في هذه الجامعة فإن لم ألتحق بهذه الجامعة؛ لا معنى لبقائي فيها، أي المكان الذي لا يستطيع الإنسان أن يحقق علة وجوده فيه ينبغي أن يتركه، و علة وجودي في الدنيا عبادة الله، هذه الحقيقة الثالثة، أنا علة وجودي في الدنيا أن أعبد الله؛ فأي مكان حال بيني و بين العبادة يجب أن أهاجر، أي أن أعود إلى بلدي.
هذه الحقائق؛ أنه لا يوجد شيء كلفنا الله به إلا ضمن استطاعتنا؛ لكن لو توهمنا أن هذا الشيء صعب علينا -في الحقيقة - أننا لا نريد أن نفعله.
الشيء الثالث، أية بيئة، أية مدينة، أي قطر إذا حال بيني وبين طاعة الله، وعلة وجودي في الدنيا طاعة الله ينبغي أن أغادره، لكن المشكلة ضعف الإيمان، فالإله العظيم يقول:
﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً*﴾
[النساء: 100]
ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه :
أنا أعرف أخوة لي أطباء كبار في أمريكا، في أوربا، حينما اقتنعوا أن يعودوا إلى بلدهم، والمسافة كبيرة جداً بين العالم الغربي والشرق الأوسط، كبيرة جداً؛ لكنهم آثروا طاعة الله، آثروا إنقاذ أولادهم، آثروا سلامة دينهم، والله هُيئت لهم ظروف في بلدهم أفضل مما كانوا فيه.
﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً*﴾
[النساء: 100]
معنى مراغماً أي يرغم من انتقده بالهجرة، كثيراً وسعة: الأمر بيد الله عز وجل، هذا من ضعف إيماننا، هناك قصص كثيرة جداً، أنا أعيش مع أكبر طبقة أطباء في دمشق؛ يحضر درسي مئات لهم جلسات خاصة، هؤلاء الأطباء عاشوا في بلاد الغرب بحياة تفوق حدّ الخيال، لكنهم خافوا على أولادهم، خافوا على مستقبل بناتهم، خافوا من ضياع أسرتهم، فآثروا أن يعودوا إلى بلد نامٍ، تلك بلاد متقدمة جداً، عادوا إلى بلدهم، فكانت ظروف حياتهم تفوق ما كانوا فيه؛ هذا الرد الإلهي، بتعبير آخر:
(( ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))
[ الجامع الصغير عن ابن عمر ]
قال رسول الله عليه الصلاة والسلام:
((إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا أبدلك الله به ما هو خير لك منه))
[صحيح رواه أحمد عن أبي قتادة وأبي الدهماء]
هذه قاعدة، والقصة هي قصة إيمان.
هذا الإله العظيم، حينما تترك مكاناً فيه بحبوحة وسعة ورخاء - أي بالتعبير العامي حليب العصفور يؤمن مباشرة - ومع ذلك تتركه حفاظاً على دين أولادك؛ مستحيل وألف ألف مستحيل ألا تجد في المكان الذي اخترته إرضاءً لله ما يفوق ما كنت فيه.
كل إنسان حريص على سلامة و كمال و استمرار وجوده :
أنا قبل سنوات جاءني رجل؛ عرّف نفسه أنه طبيب كبير جراح في ألمانيا، قال لي: بدأت ابنتي الصغيرة - عمرها عشر سنوات - تقول لنا: أنتم. من نحن؟ أنتم، تلقت توجيهاً معيناً: نحن متخلفون. من نحن؟ أنتم.
فذهب إلى المدرسة التقى مع المعلمة، قالت له: نعم أنتم متخلفون أنا أقول هذا الكلام، قال لي: هذه البنت انفصلت عنا انفصالاً نفسياً، ابنته.. قطعة من فؤاده، انفصلت، فقرر أن يعود إلى الشام، قال لي: والله لا أعرف مضى سنة، اثنتين، ثلاث، خمس، و لم تلغِ كلمة أنتم؟!!!! لم تعد ابنته، انفصلت.
فهنا المشكلة مشكلة أولاد، من يهمه أولاده أن يبقوا استمراراً له؟
أنا مرة حضرت في الشام تعزية في الأموي، توفي خطيب المسجد، عالم كبير، هو صديق حميم، لكن الذي لفت نظري في اليوم الثالث من التعزية، قام ابنه وألقى خطبة كأبيه تماماً، فبكيت أنا، وقلت: إذاً لم يمت الأب!.
فأنا كإنسان حريص على سلامة وجودي، وحريص على كمال وجودي، وحريص على استمرار وجودي؛ سلامة وجودي بطاعة الله، لا يوجد مال حرام، ولا علاقة عدوان، و لا علاقة خطأ، مادمت مستقيماً فأنا في سلام مع الله، لكن السلام غير السعادة، أحدهم لا يوجد لديه مشكلة، وليس عليه مذكرة بحث، و لا يوجد عنده مرض عضال، هذا بسلام، لكنني أنا أريد السعادة فوق السلامة، السعادة بالعمل الصالح، أما ثلاثة شروط: سلامة وجودي، كمال وجودي، استمرار وجودي؛ السلامة بالاستقامة، والسعادة بالعمل الصالح، والاستمرار بأولادي:
﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ*﴾
[سورة الطور:21]
ألحقنا بهم أعمال ذريتهم.
خسارة الآخرة أكبر خسارة تلحق الإنسان :
الإنسان عندما يكون طموحه الدنيا لا يوجد مشكلة، بقي هنا في بلده طموحه الدنيا فقط، والدنيا في هذه البلاد ميسّرة أكثر بكثير من بلادنا، لكنه إذا أيقن أنه مخلوق للآخرة وضيع الآخرة:
﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾
[الزمر: 15]
أكبر خسارة على الإطلاق حينما أخسر آخرتي.
المذيعة:
كلام مخيف يا دكتور، كلام مخيف جداً جداً.
تعريف الأبد :
الدكتور:
أبد: ما الأبد؟ الأبد صعب تعريفه، لكننا لو فرضنا واحداً هنا أمام هذا اللاقط و أمامه ثلاثة أصفار يصبح ألفاً، ثلاثة أخر مليون، ثلاثة ثالثة ألف مليون، ثلاثة رابعة مليون مليون، ثلاثة خامسة ألف مليون مليون، ثلاثة سادسة مليون مليون مليون، هذا من هنا إلى هنا؛ انظري؛ تقريباً عشرة سنتمتر، للحائط؟ للقطب الشمالي؟ للشمس؟ مئة و ستة و خمسون مليون كيلو متراً، وكل مليمتر صفر، هذا الرقم ضعيه صورة لكسر عشري والمخرج لا نهائي النتيجة صفر؛ في الدنيا تملك مليار مليار مليار دولار، تسكن بمئة قصر، تركب ألف سيارة، عندك مئة طائرة، عندك ثروة لا تأكلها النيران؛ أمام الآخرة صفر، فالإنسان عندما يضيع الآخرة يكون أحمقاً، يكون غبياً، يكون مجنوناً.
الأحمق من يضيع آخرته :
الناس يعيشون الدنيا فقط، لكنه لم ينتبه أنه في يوم سيشعر بألم في قلبه، احتشاء؛ صار مصبحاً ممسياً، أخطر شيء يؤلم الناس بالمستقبل أنهم كانوا يعيشون لحظتهم فقط، يقول لك: أنا الآن ساكن ببيت؛ عندي زوجة، عندي أولاد، عندي دخل، عندي نزهات، عندي لقاءات، عندي ولائم، عندي سفر، عندي سياحة، يعيش لحظته؛ لكنه ما فكر في أخطر حدث ينتظره وهو مغادرة الدنيا، من بيت إلى قبر، بيت مئتا متر؛ خمس غرف أو ست، أولاد، كنائن، بنات، أصهار، ولائم، زيارات، سهرات، سفر سياحي؛ كل هذه المتع تنتهي بلحظة، حينما يقف القلب ماذا بعد الموت؟ أؤكد لك - وأنا أعني ما أقول – لا يوجد بالألف إنسان إنسان يفكر بما بعد الموت، يعيش الناس لحظتهم؛ وهذا أغبى موقف يقع به الإنسان، ماذا ينتظرني بعد الموت؟ أنا دخلت إلى بيت بدمشق، يغلب على الظن أن ثمنه مئتا مليون؛ هذا رقم البيوت عشرة ملايين، ، اثنا عشر، خمسة عشر، هذه أسعارها، بيت ثمنه مئتا مليون، أربعمئة متر، له إطلالات، من أرقى أنواع الكسوة، صاحبه مات! يوم دفن - سبحان الله لحكمة أرادها الله – هناك مياه سوداء تمشي إلى القبر؛ أي بعض المجارير تسربت إلى القبر، فلما سألوا ابنه ماذا نفعل؟ قال: ادفنوه، ماذا سنفعل؟ أنا أعرفه، و أعرف بيته، و أعرف مستواه الراقي بالمعيشة، هذا انتقل من هذا المكان، من هذا الرفاه، من هذه الوسائل، من هذه اللقاءات الممتعة- دنيا بأعلى مستوى - فإذا هو في قبر، في مياه مجارير؛ هذه القصة هنا..... الذي يعيش لحظته؛ لا يوجد مشكلة الذي يريد أن يعيش المستقبل؛ هناك موت، مرة كنت في أمريكا؛ رأيت شيئاً يفوق حدّ الخيال، الحد المعقول يفوقه، بيت ألف متر مثلاً، هناك وسائل، وإنجازات، ومتع تفوق حدّ الخيال، سألتهم: أتموتون أنتم؟ قالوا: طبعاً. قلت:إذاً انتهى؛ ستمشون:
﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌٌ﴾
[النساء 77]
خالق الأكوان، خالق الكون ينصحك:
﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ﴾
[النساء: 77]
بالمقابل لما أعده الله لنا في الجنة من نعيم مقيم:
﴿مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ﴾
[النساء 77]
المذيعة:
فضيلتكم؛ أعلم الآن أن كثيراً من المستمعين الذين يتابعونا الآن في قلوبهم ليسوا راضين عن وجودهم هنا؛ لأسباب معينة وخوفهم على أولادهم، لكن ضرورة وجودهم هنا متعلقة بأسباب معينة قد تكون سياسية...إلى غير ذلك، أي العودة إلى بلادهم صعبة جداً، الآن هم هنا يحافظون قدر الإمكان على أولادهم، يحاولون تربيتهم، تعليمهم القرآن، المحافظة على أخلاقهم، دينهم، لكن المجتمع؛ مثلاً ظاهرة الشذوذ الجنسي المتواجدة في الدول الأوربية، و الآن انتشرت في بلادنا العربية، إذا أنا كنت في السوق، ومعي أولادي، وقد شاهدوا رجلان أو امرأتان يقبلان بعضهما البعض، كيف أشرح هذا الأمر لأولادي؟ طبعاً هذا يخالف شرع الله، ويخالف الإسلام.
المنهج الإسلامي يحقق للإنسان كل حاجاته :
الدكتور:
بل ويخالف الفطرة.
المذيعة:
والفطرة؛ فماذا أفعل؟