ادرك اليقين1
06-08-2012, 03:50 PM
نشرت على ملتقى الخطباء في الفيس بوك، ويليها تعليق من أحد الاخوة.
الموضوع: التحذير من زلات اللسان.
الخطبة الأولى
الحمد لله العليم الخبير، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، له الملك وله الحمد وإليه ترجع الأمور. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، خلق فسوى، وقدّر فهدى، ويعلم السرّ وأخفى. "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد". ق.18. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى، ونبيه المجتبي القائل صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده". متفق عليه. اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين حسنت أقوالهم، وكملت أخلاقهم، ولانت طباعهم، وارض اللهم عّنا معهم أجمعين.
أما بعد، فقد قال تعالى: "ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد، إذا يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد". الآيات16-17-18من سورة ق.
أيها المسلمون: إذا كان هذا هو موقف الإنسان مع الله، فقد وجب عليه أن يتجمّل بالصمت جهده، وأن يتحلى بالرزانة ما أمكنه، ما دام سيحاسب على كل لفظ، ويؤاخذ على كل عبارة، وليكن فعله أكثر من قوله، وعمله أكثر من لغوه. لذا كان جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن قال له: "يا رسول الله، دلني على عمل يدخلني الجنة؟، قال: "أمسك هذا". وأشار إلى لسانــه، فأعادها عليــه فقال: "ثكلتك أمك، هل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم". رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح .
قال ابن رجب رحمه الله: "المراد بحصائد الألسنة: جزاء الكلام المحرّم وعقوباته، فإن الإنسان يزرع بقوله وعمله: الحسنات والسيئات، ثم يحصد يوم القيامة ما زرع، فمن زرع خيرا من قول أو عمل حصد الكرامة، ومن زرع شرا من قول أو عمل حصد غدا الندامة ".
إن الـسـكوت سلامــــــــة ولربما زرع الـكـلام عداوة وضـرارا
ولئن ندمت على سكوتك مرة فلتندمـنّ علـى الكــلام مرارا
قال الإمام النووي رحمه الله في رياض الصالحين ـ بعدما ذكر الآيات الواردة في هذا الباب: "اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كـلاما ظهرت فيـه المصلحـة ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنـة: الإمساك عنه، لأنه قد ينجرّ الكلام المباح إلى حرام أو مكروه وذلك كثير في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء".
لأنّ الكلمة التي لا تلقي لها بالا – أيها المسلم- قد يضيع بها حق إنسان، أو ينتقص قدره، فيضلّ وبالها عليك، وإثمها ممسكا بخناقك أمدا بعيدا. روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم".
و يا لَلأسف الشديد، ويا لَلآلام والمصائب التي حلت بأمتنا، ويا لَواقع يعيشه مجتمعنا!. كثير من الناس أصيبوا بشهوة الكلام، ومرض الحديث، ووباء اللغو والفضول، أصبح القيل والقال فيتامينا يتعاطونه لتقوية عضلة ألسنتهم. فلا يتكلمون إلا اكتسابا للإثم، ولا يسكتون إلا إمساكا عن الخير، ولا يتكلمون إلا بالزور والكذب والنفاق والملق، ولا يتحدّثون إلا نميمة واغتيابا، كم أفسدوا من علاقات، وكم خربوا من بيوتات، كم من حيّ أماتوه، وكم من مسئول أقالوه، كم من فتاة حييّة جميلة جعلوها عانسا، وكم من شاب مثقف جعلوه مهلوسا، وكم من تاجر جعلوه مفلسا، وإلى الله المشتكي ولا حول ولا قوة إلا بالله .
ولله درّ ابن دُريد الأزدي حين قال:
أرى الناسَ قد أُغرُوا ببغي وريبـة وغيِّ إذا ما ميَّــــــــــــزَ النـاسَ عاقـلُ
وقد لزموا معنى الخـلاف فكلهـم إلى نحو ما عـابَ الخليقـة مائـلُ
إذا ما رأوا خيـِّرا رمـوه بظِنَّـةٍ وإن عاينوا شرا، فكـلٌ مُناضـلُ
وليسَ امرؤٌ منهم بناجٍ مـن الأذى ولا فيـــــــــــهـمُ عـن زلَّـةٍ مُتغافِـلُ
وإن عايَنوا حبـرًا أديبًـا مُهذَّبًـا حَســــــــــيبًا يقولـوا : إنـهُ لَمُخـــــــاتِـلُ
وإن كان ذا دين يسمـوه نعجـةً وليس له عقـــــــــــــل ولا فيـه طائـلُ
وإن كان ذا صمتٍ يقولون : صورةٌ مُمَثَّــــــــلةٌ بالعِـيِّ بـل هـو جاهـلُ
وإن كان ذا شـرٍّ فويـلٌ لأمـــــه لِما عنهُ يحكي مَن تضُـمُّ المحافـلُ
وإن كان ذا أصلٍ يقولـون إنمـا يفاخـــــــر بالموتى ومـا هـو زائـــــــلُ
وإن كان ذا مالٍ يقولون: مالـه من السُّحتِ قد رابَى وبئسَ المآكلُ
وإن كان ذا فقر فقـد ذلَّ بينهـم حقـــــــــــــــــيـرًا مهينـا تزدريـه الأراذلُ
وإن يكتسب مالا يقولوا : بهيمـةٌ أتاها من المقدورِ حـظٌّ ونائـلُ
وإن جادَ قالوا مسـرفٌ ومبـذِّرٌ وإن لم يَجُد قالوا شحيحٌ وباخـــــــــلُ
وإن هوِيَ النسوان سمَّـوهُ فاجـرًا وإن عفَّ قالوا: ذاكَ خُنثى وباطلُ
وإن تابَ قالوا : لم يتب منه عادةٌ ولكن لإفلاسٍ وما ثَـمَّ حاصـلُ
وإن حجَّ قالوا : ليـس لله حجـه وذاكَ ريـاءٌ أنتجـــــــــــــــــتـه المحـافـلُ
وإن يعتلل يومـا يقولـوا عقوبـةٌ لشرِّ الذي يأتي وما هـو فاعـــــــــــــلُ
وإن مات قالوا لَم يمُت حتفَ أنفهِ لِما هو من شـرِّ المآكـــــــــــل آكـلُ
وما الناسُ إلا جاحـدٌ ومُعـــــــانـدٌ وذو حسدٍ قد بان فيـه التخــــاتُـلُ
فلا تركُنَـنْ حقا لخيفـة قائـلٍ فإنَّ الذي تخشى وتحـذرُ حاصــلُ
فيا أيها الحاصدون، ويا أبغض الناس إلى رسول الله، وأبعدهم منه يوم القيامة، عليكم بألسنتكم فاتقوا الله فيها.
عن جابر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ من أحبّكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا، وإن من أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة: الثرثارون والمتشدّقون والمتفيهقون". قالوا يا رسول الله: ما المتفيهقون؟ قال: "المتكبرون". رواه الترمذي . الثرثارون: كثيروا الكلام، والمتشدّقون: المتطاولون على الناس بكلامهم تفاصحا وتعاظما.
فيا أيها المسلم: إن ضعفت عن ثلاث، فعليك بثلاث، إن ضعفت عن الخير فأمسك عن الشر، وإن كنت لا تستطيع أن تنفع الناس فأمسك عنهم ضرّك، وإن كنت لا تستطيع أن تصوم، فلا تأكل لحوم الناس. روى الترمذي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله: ما النجاة؟ قال: "أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك". وروى أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيقول: "اللهم إنّي أعوذ بك من شرّ سمعي، ومن شرّ بصري، ومن شرّ لساني، ومن شرّ قلبي، ومن شرِّ فِيّ "
هذا رسول الله: يتعوذ من شر اللسان، وأي لسان هذا؟. إنه اللسان الذي جعله الله دليلا إلى الجنة، لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي. فكيف حال ألسنتنا؟.
اللهم قنا شر ألسنتنا، وقنا عثرات ألسنتنا، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ويقولون للناس حسنا. بارك الله لي ولكم القرآن الكريم ....
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليّ الصالحين. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فيا أيها المسلمون: إن هذا الدّين دقيق وعظيم، والتزامات المنتسب إليه شاقة وعويصة، ولكنها لن تنتهي بصاحبها إلا إلى السموّ والرفعة. وإن شئت فقارن بين رجل هادئ، حلو الكلمة، عذب الروح، منزّه عن القبيح في قوله وعمله، لا ينطق هجرا، ولا يقول إلا خيرا. أليس ذلك صاحب المكانة في القلوب، والهيمنة على الناس؟. إن دعا الناس أجابوه، وإن استعان بهم أعانوه، وإن غاب عنهم تفقدوه. ورجل آخر، مؤذ بلسانه، خبيث كلامه، يتناول الأعراض، ويذيع السيئات، ويفسد بين الأحبة بالنميمة، ويبذل الضغينة بلسانه. ألستم ترونه مكروها سيئ المنزلة، مبغوضا إلى الناس أجمعين؟.
فيا عبد الله: إن كنت تسمعني، فأيّ الرجلين تكون؟. فاتق الله والزم المحافظة على لسانك ليسلم لك دينك، ولتبق لك مروءتك، واعـلم بأنه: "إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفّر اللسان، فتقول: "اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا". بهذا أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
فاتقوا الله، أيها المسلمون، وقولوا قولا سديدا. وقولوا للناس حسنا. ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: "ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا..." الإسراء: 36.
فاللهم إنـا نسألك أن تعيننا على الكلمة الطيبة، وأن تجنّبنا الكلمة الخبيثة، متّعنا – اللهم – بأسماعنا وأبصارنا وقوّتنا أبدا ما أحييتنا، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وحبّب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين .اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام ، اللهم واجعل بلدنا آمنا وسائر بلاد المسلمين، واغفر لنا ولجميع المؤمنين والمؤمنات، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وصل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. آمين.
التالي تعليق على الخطبة:
الرابط http://www.facebook.com/#!/groups/311137528982001/permalink/313984402030647/
الموضوع: التحذير من زلات اللسان.
الخطبة الأولى
الحمد لله العليم الخبير، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، له الملك وله الحمد وإليه ترجع الأمور. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، خلق فسوى، وقدّر فهدى، ويعلم السرّ وأخفى. "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد". ق.18. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى، ونبيه المجتبي القائل صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده". متفق عليه. اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين حسنت أقوالهم، وكملت أخلاقهم، ولانت طباعهم، وارض اللهم عّنا معهم أجمعين.
أما بعد، فقد قال تعالى: "ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد، إذا يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد". الآيات16-17-18من سورة ق.
أيها المسلمون: إذا كان هذا هو موقف الإنسان مع الله، فقد وجب عليه أن يتجمّل بالصمت جهده، وأن يتحلى بالرزانة ما أمكنه، ما دام سيحاسب على كل لفظ، ويؤاخذ على كل عبارة، وليكن فعله أكثر من قوله، وعمله أكثر من لغوه. لذا كان جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن قال له: "يا رسول الله، دلني على عمل يدخلني الجنة؟، قال: "أمسك هذا". وأشار إلى لسانــه، فأعادها عليــه فقال: "ثكلتك أمك، هل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم". رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح .
قال ابن رجب رحمه الله: "المراد بحصائد الألسنة: جزاء الكلام المحرّم وعقوباته، فإن الإنسان يزرع بقوله وعمله: الحسنات والسيئات، ثم يحصد يوم القيامة ما زرع، فمن زرع خيرا من قول أو عمل حصد الكرامة، ومن زرع شرا من قول أو عمل حصد غدا الندامة ".
إن الـسـكوت سلامــــــــة ولربما زرع الـكـلام عداوة وضـرارا
ولئن ندمت على سكوتك مرة فلتندمـنّ علـى الكــلام مرارا
قال الإمام النووي رحمه الله في رياض الصالحين ـ بعدما ذكر الآيات الواردة في هذا الباب: "اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كـلاما ظهرت فيـه المصلحـة ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنـة: الإمساك عنه، لأنه قد ينجرّ الكلام المباح إلى حرام أو مكروه وذلك كثير في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء".
لأنّ الكلمة التي لا تلقي لها بالا – أيها المسلم- قد يضيع بها حق إنسان، أو ينتقص قدره، فيضلّ وبالها عليك، وإثمها ممسكا بخناقك أمدا بعيدا. روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم".
و يا لَلأسف الشديد، ويا لَلآلام والمصائب التي حلت بأمتنا، ويا لَواقع يعيشه مجتمعنا!. كثير من الناس أصيبوا بشهوة الكلام، ومرض الحديث، ووباء اللغو والفضول، أصبح القيل والقال فيتامينا يتعاطونه لتقوية عضلة ألسنتهم. فلا يتكلمون إلا اكتسابا للإثم، ولا يسكتون إلا إمساكا عن الخير، ولا يتكلمون إلا بالزور والكذب والنفاق والملق، ولا يتحدّثون إلا نميمة واغتيابا، كم أفسدوا من علاقات، وكم خربوا من بيوتات، كم من حيّ أماتوه، وكم من مسئول أقالوه، كم من فتاة حييّة جميلة جعلوها عانسا، وكم من شاب مثقف جعلوه مهلوسا، وكم من تاجر جعلوه مفلسا، وإلى الله المشتكي ولا حول ولا قوة إلا بالله .
ولله درّ ابن دُريد الأزدي حين قال:
أرى الناسَ قد أُغرُوا ببغي وريبـة وغيِّ إذا ما ميَّــــــــــــزَ النـاسَ عاقـلُ
وقد لزموا معنى الخـلاف فكلهـم إلى نحو ما عـابَ الخليقـة مائـلُ
إذا ما رأوا خيـِّرا رمـوه بظِنَّـةٍ وإن عاينوا شرا، فكـلٌ مُناضـلُ
وليسَ امرؤٌ منهم بناجٍ مـن الأذى ولا فيـــــــــــهـمُ عـن زلَّـةٍ مُتغافِـلُ
وإن عايَنوا حبـرًا أديبًـا مُهذَّبًـا حَســــــــــيبًا يقولـوا : إنـهُ لَمُخـــــــاتِـلُ
وإن كان ذا دين يسمـوه نعجـةً وليس له عقـــــــــــــل ولا فيـه طائـلُ
وإن كان ذا صمتٍ يقولون : صورةٌ مُمَثَّــــــــلةٌ بالعِـيِّ بـل هـو جاهـلُ
وإن كان ذا شـرٍّ فويـلٌ لأمـــــه لِما عنهُ يحكي مَن تضُـمُّ المحافـلُ
وإن كان ذا أصلٍ يقولـون إنمـا يفاخـــــــر بالموتى ومـا هـو زائـــــــلُ
وإن كان ذا مالٍ يقولون: مالـه من السُّحتِ قد رابَى وبئسَ المآكلُ
وإن كان ذا فقر فقـد ذلَّ بينهـم حقـــــــــــــــــيـرًا مهينـا تزدريـه الأراذلُ
وإن يكتسب مالا يقولوا : بهيمـةٌ أتاها من المقدورِ حـظٌّ ونائـلُ
وإن جادَ قالوا مسـرفٌ ومبـذِّرٌ وإن لم يَجُد قالوا شحيحٌ وباخـــــــــلُ
وإن هوِيَ النسوان سمَّـوهُ فاجـرًا وإن عفَّ قالوا: ذاكَ خُنثى وباطلُ
وإن تابَ قالوا : لم يتب منه عادةٌ ولكن لإفلاسٍ وما ثَـمَّ حاصـلُ
وإن حجَّ قالوا : ليـس لله حجـه وذاكَ ريـاءٌ أنتجـــــــــــــــــتـه المحـافـلُ
وإن يعتلل يومـا يقولـوا عقوبـةٌ لشرِّ الذي يأتي وما هـو فاعـــــــــــــلُ
وإن مات قالوا لَم يمُت حتفَ أنفهِ لِما هو من شـرِّ المآكـــــــــــل آكـلُ
وما الناسُ إلا جاحـدٌ ومُعـــــــانـدٌ وذو حسدٍ قد بان فيـه التخــــاتُـلُ
فلا تركُنَـنْ حقا لخيفـة قائـلٍ فإنَّ الذي تخشى وتحـذرُ حاصــلُ
فيا أيها الحاصدون، ويا أبغض الناس إلى رسول الله، وأبعدهم منه يوم القيامة، عليكم بألسنتكم فاتقوا الله فيها.
عن جابر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ من أحبّكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا، وإن من أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة: الثرثارون والمتشدّقون والمتفيهقون". قالوا يا رسول الله: ما المتفيهقون؟ قال: "المتكبرون". رواه الترمذي . الثرثارون: كثيروا الكلام، والمتشدّقون: المتطاولون على الناس بكلامهم تفاصحا وتعاظما.
فيا أيها المسلم: إن ضعفت عن ثلاث، فعليك بثلاث، إن ضعفت عن الخير فأمسك عن الشر، وإن كنت لا تستطيع أن تنفع الناس فأمسك عنهم ضرّك، وإن كنت لا تستطيع أن تصوم، فلا تأكل لحوم الناس. روى الترمذي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله: ما النجاة؟ قال: "أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك". وروى أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيقول: "اللهم إنّي أعوذ بك من شرّ سمعي، ومن شرّ بصري، ومن شرّ لساني، ومن شرّ قلبي، ومن شرِّ فِيّ "
هذا رسول الله: يتعوذ من شر اللسان، وأي لسان هذا؟. إنه اللسان الذي جعله الله دليلا إلى الجنة، لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي. فكيف حال ألسنتنا؟.
اللهم قنا شر ألسنتنا، وقنا عثرات ألسنتنا، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ويقولون للناس حسنا. بارك الله لي ولكم القرآن الكريم ....
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليّ الصالحين. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فيا أيها المسلمون: إن هذا الدّين دقيق وعظيم، والتزامات المنتسب إليه شاقة وعويصة، ولكنها لن تنتهي بصاحبها إلا إلى السموّ والرفعة. وإن شئت فقارن بين رجل هادئ، حلو الكلمة، عذب الروح، منزّه عن القبيح في قوله وعمله، لا ينطق هجرا، ولا يقول إلا خيرا. أليس ذلك صاحب المكانة في القلوب، والهيمنة على الناس؟. إن دعا الناس أجابوه، وإن استعان بهم أعانوه، وإن غاب عنهم تفقدوه. ورجل آخر، مؤذ بلسانه، خبيث كلامه، يتناول الأعراض، ويذيع السيئات، ويفسد بين الأحبة بالنميمة، ويبذل الضغينة بلسانه. ألستم ترونه مكروها سيئ المنزلة، مبغوضا إلى الناس أجمعين؟.
فيا عبد الله: إن كنت تسمعني، فأيّ الرجلين تكون؟. فاتق الله والزم المحافظة على لسانك ليسلم لك دينك، ولتبق لك مروءتك، واعـلم بأنه: "إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفّر اللسان، فتقول: "اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا". بهذا أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
فاتقوا الله، أيها المسلمون، وقولوا قولا سديدا. وقولوا للناس حسنا. ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: "ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا..." الإسراء: 36.
فاللهم إنـا نسألك أن تعيننا على الكلمة الطيبة، وأن تجنّبنا الكلمة الخبيثة، متّعنا – اللهم – بأسماعنا وأبصارنا وقوّتنا أبدا ما أحييتنا، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وحبّب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين .اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام ، اللهم واجعل بلدنا آمنا وسائر بلاد المسلمين، واغفر لنا ولجميع المؤمنين والمؤمنات، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وصل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. آمين.
التالي تعليق على الخطبة:
الرابط http://www.facebook.com/#!/groups/311137528982001/permalink/313984402030647/