المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة جمعة وتعليق عليها.



ادرك اليقين1
06-08-2012, 03:50 PM
نشرت على ملتقى الخطباء في الفيس بوك، ويليها تعليق من أحد الاخوة.
الموضوع: التحذير من زلات اللسان.
الخطبة الأولى
الحمد لله العليم الخبير، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، له الملك وله الحمد وإليه ترجع الأمور. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، خلق فسوى، وقدّر فهدى، ويعلم السرّ وأخفى. "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد". ق.18. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى، ونبيه المجتبي القائل صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده". متفق عليه. اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين حسنت أقوالهم، وكملت أخلاقهم، ولانت طباعهم، وارض اللهم عّنا معهم أجمعين.
أما بعد، فقد قال تعالى: "ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد، إذا يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد". الآيات16-17-18من سورة ق.
أيها المسلمون: إذا كان هذا هو موقف الإنسان مع الله، فقد وجب عليه أن يتجمّل بالصمت جهده، وأن يتحلى بالرزانة ما أمكنه، ما دام سيحاسب على كل لفظ، ويؤاخذ على كل عبارة، وليكن فعله أكثر من قوله، وعمله أكثر من لغوه. لذا كان جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن قال له: "يا رسول الله، دلني على عمل يدخلني الجنة؟، قال: "أمسك هذا". وأشار إلى لسانــه، فأعادها عليــه فقال: "ثكلتك أمك، هل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم". رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح .
قال ابن رجب رحمه الله: "المراد بحصائد الألسنة: جزاء الكلام المحرّم وعقوباته، فإن الإنسان يزرع بقوله وعمله: الحسنات والسيئات، ثم يحصد يوم القيامة ما زرع، فمن زرع خيرا من قول أو عمل حصد الكرامة، ومن زرع شرا من قول أو عمل حصد غدا الندامة ".
إن الـسـكوت سلامــــــــة ولربما زرع الـكـلام عداوة وضـرارا
ولئن ندمت على سكوتك مرة فلتندمـنّ علـى الكــلام مرارا
قال الإمام النووي رحمه الله في رياض الصالحين ـ بعدما ذكر الآيات الواردة في هذا الباب: "اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كـلاما ظهرت فيـه المصلحـة ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنـة: الإمساك عنه، لأنه قد ينجرّ الكلام المباح إلى حرام أو مكروه وذلك كثير في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء".
لأنّ الكلمة التي لا تلقي لها بالا – أيها المسلم- قد يضيع بها حق إنسان، أو ينتقص قدره، فيضلّ وبالها عليك، وإثمها ممسكا بخناقك أمدا بعيدا. روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم".
و يا لَلأسف الشديد، ويا لَلآلام والمصائب التي حلت بأمتنا، ويا لَواقع يعيشه مجتمعنا!. كثير من الناس أصيبوا بشهوة الكلام، ومرض الحديث، ووباء اللغو والفضول، أصبح القيل والقال فيتامينا يتعاطونه لتقوية عضلة ألسنتهم. فلا يتكلمون إلا اكتسابا للإثم، ولا يسكتون إلا إمساكا عن الخير، ولا يتكلمون إلا بالزور والكذب والنفاق والملق، ولا يتحدّثون إلا نميمة واغتيابا، كم أفسدوا من علاقات، وكم خربوا من بيوتات، كم من حيّ أماتوه، وكم من مسئول أقالوه، كم من فتاة حييّة جميلة جعلوها عانسا، وكم من شاب مثقف جعلوه مهلوسا، وكم من تاجر جعلوه مفلسا، وإلى الله المشتكي ولا حول ولا قوة إلا بالله .
ولله درّ ابن دُريد الأزدي حين قال:
أرى الناسَ قد أُغرُوا ببغي وريبـة وغيِّ إذا ما ميَّــــــــــــزَ النـاسَ عاقـلُ
وقد لزموا معنى الخـلاف فكلهـم إلى نحو ما عـابَ الخليقـة مائـلُ
إذا ما رأوا خيـِّرا رمـوه بظِنَّـةٍ وإن عاينوا شرا، فكـلٌ مُناضـلُ
وليسَ امرؤٌ منهم بناجٍ مـن الأذى ولا فيـــــــــــهـمُ عـن زلَّـةٍ مُتغافِـلُ
وإن عايَنوا حبـرًا أديبًـا مُهذَّبًـا حَســــــــــيبًا يقولـوا : إنـهُ لَمُخـــــــاتِـلُ
وإن كان ذا دين يسمـوه نعجـةً وليس له عقـــــــــــــل ولا فيـه طائـلُ
وإن كان ذا صمتٍ يقولون : صورةٌ مُمَثَّــــــــلةٌ بالعِـيِّ بـل هـو جاهـلُ
وإن كان ذا شـرٍّ فويـلٌ لأمـــــه لِما عنهُ يحكي مَن تضُـمُّ المحافـلُ
وإن كان ذا أصلٍ يقولـون إنمـا يفاخـــــــر بالموتى ومـا هـو زائـــــــلُ
وإن كان ذا مالٍ يقولون: مالـه من السُّحتِ قد رابَى وبئسَ المآكلُ
وإن كان ذا فقر فقـد ذلَّ بينهـم حقـــــــــــــــــيـرًا مهينـا تزدريـه الأراذلُ
وإن يكتسب مالا يقولوا : بهيمـةٌ أتاها من المقدورِ حـظٌّ ونائـلُ
وإن جادَ قالوا مسـرفٌ ومبـذِّرٌ وإن لم يَجُد قالوا شحيحٌ وباخـــــــــلُ
وإن هوِيَ النسوان سمَّـوهُ فاجـرًا وإن عفَّ قالوا: ذاكَ خُنثى وباطلُ
وإن تابَ قالوا : لم يتب منه عادةٌ ولكن لإفلاسٍ وما ثَـمَّ حاصـلُ
وإن حجَّ قالوا : ليـس لله حجـه وذاكَ ريـاءٌ أنتجـــــــــــــــــتـه المحـافـلُ
وإن يعتلل يومـا يقولـوا عقوبـةٌ لشرِّ الذي يأتي وما هـو فاعـــــــــــــلُ
وإن مات قالوا لَم يمُت حتفَ أنفهِ لِما هو من شـرِّ المآكـــــــــــل آكـلُ
وما الناسُ إلا جاحـدٌ ومُعـــــــانـدٌ وذو حسدٍ قد بان فيـه التخــــاتُـلُ
فلا تركُنَـنْ حقا لخيفـة قائـلٍ فإنَّ الذي تخشى وتحـذرُ حاصــلُ
فيا أيها الحاصدون، ويا أبغض الناس إلى رسول الله، وأبعدهم منه يوم القيامة، عليكم بألسنتكم فاتقوا الله فيها.
عن جابر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ من أحبّكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا، وإن من أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة: الثرثارون والمتشدّقون والمتفيهقون". قالوا يا رسول الله: ما المتفيهقون؟ قال: "المتكبرون". رواه الترمذي . الثرثارون: كثيروا الكلام، والمتشدّقون: المتطاولون على الناس بكلامهم تفاصحا وتعاظما.
فيا أيها المسلم: إن ضعفت عن ثلاث، فعليك بثلاث، إن ضعفت عن الخير فأمسك عن الشر، وإن كنت لا تستطيع أن تنفع الناس فأمسك عنهم ضرّك، وإن كنت لا تستطيع أن تصوم، فلا تأكل لحوم الناس. روى الترمذي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله: ما النجاة؟ قال: "أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك". وروى أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيقول: "اللهم إنّي أعوذ بك من شرّ سمعي، ومن شرّ بصري، ومن شرّ لساني، ومن شرّ قلبي، ومن شرِّ فِيّ "
هذا رسول الله: يتعوذ من شر اللسان، وأي لسان هذا؟. إنه اللسان الذي جعله الله دليلا إلى الجنة، لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي. فكيف حال ألسنتنا؟.
اللهم قنا شر ألسنتنا، وقنا عثرات ألسنتنا، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ويقولون للناس حسنا. بارك الله لي ولكم القرآن الكريم ....

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليّ الصالحين. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فيا أيها المسلمون: إن هذا الدّين دقيق وعظيم، والتزامات المنتسب إليه شاقة وعويصة، ولكنها لن تنتهي بصاحبها إلا إلى السموّ والرفعة. وإن شئت فقارن بين رجل هادئ، حلو الكلمة، عذب الروح، منزّه عن القبيح في قوله وعمله، لا ينطق هجرا، ولا يقول إلا خيرا. أليس ذلك صاحب المكانة في القلوب، والهيمنة على الناس؟. إن دعا الناس أجابوه، وإن استعان بهم أعانوه، وإن غاب عنهم تفقدوه. ورجل آخر، مؤذ بلسانه، خبيث كلامه، يتناول الأعراض، ويذيع السيئات، ويفسد بين الأحبة بالنميمة، ويبذل الضغينة بلسانه. ألستم ترونه مكروها سيئ المنزلة، مبغوضا إلى الناس أجمعين؟.
فيا عبد الله: إن كنت تسمعني، فأيّ الرجلين تكون؟. فاتق الله والزم المحافظة على لسانك ليسلم لك دينك، ولتبق لك مروءتك، واعـلم بأنه: "إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفّر اللسان، فتقول: "اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا". بهذا أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
فاتقوا الله، أيها المسلمون، وقولوا قولا سديدا. وقولوا للناس حسنا. ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: "ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا..." الإسراء: 36.

فاللهم إنـا نسألك أن تعيننا على الكلمة الطيبة، وأن تجنّبنا الكلمة الخبيثة، متّعنا – اللهم – بأسماعنا وأبصارنا وقوّتنا أبدا ما أحييتنا، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وحبّب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين .اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام ، اللهم واجعل بلدنا آمنا وسائر بلاد المسلمين، واغفر لنا ولجميع المؤمنين والمؤمنات، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وصل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. آمين.

التالي تعليق على الخطبة:

الرابط http://www.facebook.com/#!/groups/311137528982001/permalink/313984402030647/

ادرك اليقين1
06-08-2012, 03:52 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

ملاحظات على خطبة الجمعة (التحذير من زلات اللسان.)

الأخ الفاضل/ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:-

قرأت الخطبة بعنوان(التحذير من زلات اللسان.) لغرض التعليق على ما موضوعها بناء على طلب...
كم. فأقول:
في البداية لابد من الاعتراف أن الخطبة من حيث الشكل رائعة، وأسلوب الطرح وجمال العبارة والتعبير ممتاز كثيرا، ولاشك أن ذلك مما يطرب المستمع ويكسب الفكرة التأثير مهما كانت قيمتها من الناحية الموضوعية.
غير أنني خاصة وقد طلبت رأيي ـــ بطلبك قراءة الموضوع والتعليق عليه ـــ أحب أن أشاركك التأكيد ومن باب النصح الواجب لكل مسلم، إلى أن الكلمة مسؤولية كبيرة، وبها قد يستحق المرء رضوان الله وسعادة الدنيا ورفيع درجات الجنة، وقد يستحق بها سخط الله وغضبه وشقاء الدنيا وعذاب الآخرة. لان الكلمة قد تعلو بها كلمة الحق وينقذ الناس من الضلال والكفر والظلم، وبكلمة قد يضل الناس عن الحق، ويضيع من ضلوا عنه. و جزى الله الخطيب الخير على مقدمته الرائعة وما أورده من الأدلة .
وفي الموضوع أوضح الأتي:
أولا: ألفت النظر إلى أن اللسان في الإنسان عضو من أعضائه التي تخضع في حركتها لإرادته ــ حال كونه عاقلا ــ للتعبير عن مكنون نفسه من المعاني والمقاصد ـــ التي بلورها في نفسه مفاهيمه عن الحياة (العقيدة)، ومفاهيمه عن الأشياء والأفعال ـــ لضرورة الاجتماع البشري.
وحركة اللسان قد تكون نطقا، أكان المنطوق به حقا(معروف) أو كان باطلا(منكر). وقد تكون حركتها سكوتا، أي امتناع عن قول حق(معروف) أو عن قول باطل(منكر). وهذه الحركة سواء في مظهرها الايجابي أو السلبي هي فعل للإنسان، ومما يحاسب عليه شرعا.
فيثاب المسلم على التلفظ قولا بحق(المعروف) في الله لا يخاف لومة لائم، كما يثاب على إمساك لسانه عن التلفظ بالباطل(المنكر) تحرزا من غضب الله. ويأثم ويقع في سخط الله ويهوي في جهنم على التلفظ بقول باطل(منكر)، كما يأثم على إمساك لسانه عن قول الحق(المعروف) والأمر به.
ثانيا: لابد من ملاحظة أن عنوان خطبة الجمعة، هو(التحذير من زلات اللسان.) فهو عنوان عام يتناول كل زلات اللسان وليس بعضها. بدليل أن ألفاظ العنوان جاءت عامة ولم يرد ما يخصصها. (فمن: حرف جر لبيان الجنس. زلات: لفظ عام يشمل كل زلة.) وهكذا فعنوان الخطبة عام لعموم ألفاظه وعدم إيراد ما يخصصها من ألفاظ التبعيض أو غيرها.
الثا: برغم أن عنوان الخطبة عام يتناول كل زلات اللسان، غير أن السامع أو القارئ يجد أن الخطيب قد أدار الخطبة كلها حول جزئية فقط من منكرات اللسان، هي وقوع المسلم في عرض مسلم ــــ دون غيرها من زلات اللسان ومنكرات القول التي تهدم الدين أو تهدم ...
الأمة وتفرقها، وتعين أهل الباطل على كفرهم وضلالهم ــــ فيكون الخطيب بذلك أي باختزال الحقائق اللغوية والشرعية في جزئيات من دلالتها، قد عمل دون قصد على تمييع ألفاظ اللغة ودلالات نصوص الوحي وحقائق الشرع، وميع ذهن السامع أو القارئ خاصة غير العالم بدين الله ــ وهم كثر في وقتنا الحاضرــ بإيهامه أن زلات أو منكرات اللسان المحذر منها شرعا هي فقط الوقوع في عرض أخيه المسلم، وكأن ما دون ذلك له الخوض فيه وإطلاق لسانه في كل شيء ما دام أن المحذر منه فقط هو الخوض في عرض المسلم الأخر. مع أن زلات اللسان حقيقة، ليست منحصرة في الوقوع في عرض المسلم فقط، بل تشمل كل ما يزل به اللسان من منكرات القول ،والسكوت.
فكما أن زلة اللسان بالخوض في عرض مسلم هو منكر يأثم عليه المسلم ومما يجب أن يحذره لأنه يسخط عليه ربه ويغضبه، فإن زلة اللسان بقول ما يخالف ما جاء من عند الله من الحق هو أيضا منكر يجب أن يحذر منه.
والتلفظ بما يفرق وحدة المسلمين أو يعمق فرقتهم ويحول دون نهضتهم ووحدتهم كأمة هو منكر، وان زلة اللسان بالسكوت عن قول الحق الذي بينه الله في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كترك الدعوة لإعلاء كلمة الله والقعود عن العمل لتحكيم شرع الله وإعلاء كلمته، وكالسكوت عن منكر جعل الحاكمية للبشر، وكالسكوت والقعود عن الدعوة لوحدة الأمة وعن العمل لتوحيدها، وكالسكوت عن بيان حرمة تفرق المسلمين إلى دويلات، فكل ذلك من زلات اللسان ومنكرتها التي يجب أن يحذر منها، لأنه وقع في سخط الله بل ويضيع الأمة كلها.
فإلى متى يظل من ورثوا منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، يدورون ويديرون الأمة حول الجزئيات الفردية من الدين فقط ويقزمون الحقائق دلالات نصوص الشرع، بعيدا عن الدين كله وعن النظرة الشمولية إليه والإحاطة به من جوانبه، بوصفه عقيدة توحيد ووحدة فكرة نهضة ونظام دولة، ورسالة خير أمة. أي بوصفه مبدأ للحياة، عقيدة سياسية روحية.
يقف بعض الخطباء على المنبر، يزبد ويرعد ويبكي ما آلت إليه أحوال المسلمين معللا أن ذلك راجع إلى البعد عن شرع الله ـــ وهو قول صحيح قطعا ـــ وداعيا إلى الرجوع إلى دين الله. لكنه حين يعرض شرع الله الذي يدعو للرجوع إليه حتى تنكشف غمة الأمة، تجده...
يقزم دين الله ويحصر شرعه في الفرائض والإحكام الجزئية الفردية كالصلاة والصوم والنوافل والحجاب وبر الوالدين والإحسان للجار والصدقة على الفقراء، واجتناب الزنا والربا والسرقة، وقول الزور، وعدم النذر والذبح لغير الله، ونحو ذلك من الجزئيات. فيضل بقوله السامعين من عوام المسلمين، بإيهامهم أن ذلك فقط هو شرع الله، ويظنون أن الاقتصار على ذلك منج لهم في الآخرة وموجبا لهم الجنة.
هذا بعض صنيع خطباء زماننا في الوقت الذي من البدهيات أن الاسلام لا يقبل التجزئة، ولا يستقيم التدين ويصح الإيمان إلا بالدخول في الاسلام كله والإحاطة به من جوانبه.
والأخطر من هؤلاء من إذا اضطر للحديث عن علاقة الاسلام بالسياسة ونظامها، يتهم الله ــ بعلم أو بجهل ــ بأنه لم ينظم كل جوانب الحياة ومشاكل عصرنا . بل ويفتري الكذب على الاسلام بتصوير أن معنى صلاحية الاسلام لك زمان ومكان تكمن في أنه يتفاعل مع ثقافات العصر ــ من ديمقراطية علمانية شركية، أو اشتراكية شيوعية ملحدة ــ فيتقبلها ويؤسلمها . أو بالقول أن أحكام الاسلام تتغير بتغير الزمان والمكان. أو بالقول أنه حيث تكون المصلحة يكون شرع الله، ولا يقصد هنا طبعا المصلحة التي قررتها نصوص الشرع، بل التي يقررها العقل.
وإذا وجد الواحد من هؤلاء من يتصدى لجهله أو تجهيله للناس بكشف ما يلقيه من أفكار مسمومة للناس، ويعرفه وغيره بحقيقة الاسلام كنظام كامل شامل للحياة، وتأثر المستمعين بالحق، تراه يقر بالحق. ولكنه لا يلبث أن يعود لتضليل هؤلاء بالقول: صحيح أن ذلك هو الحق، ولكن لا يمكن المطالبة بتطبيق الاسلام كله دفعة واحدة بل بالتدرج. خاصة وان ميزان القوى المادية يميل لصالح الكفار ـــ فيخوفهم من الغرب المخلوق الذي لا يضر ولا ينفع، و يضعف خوفهم من الله الذي بيده الضر والنفع والهزيمة والنصر والغنى والفقر ـــ ويتخذ من ذلك مبررا للاقتصار على تعليم الناس العقيدة كفكرة نظرية يحفظونها ويرددونها تقليدا دون وعي، بالإضافة لبعض الفرائض والمحرمات والطقوس الفردية. ويحشوهم في نفس الوقت بالأفكار والمفاهيم الثقافية العلمانية ـــ من ديمقراطية وحريات وحقوق إنسان، ووطنية وقومية ومذهبية وطائفية ومناطقية وقبلية وغيرها ـــ التي يدعي أنه يسعى للتدرج في هدمها وتطبيق الاسلام مكانها.؟؟؟
فوالله انه ليستغرب حال ومقال الكثير ممن يعتلون منبر رسول الله، ويحار العقل في أمرهم، كيف يضلون ويضلون الناس.
تجد أخي الكريم، البعض منهم يقيم الدنيا ولا يقعدها، لوقوع مسلم في منكر الغيبة لأخر(وذلك حقا منكر)، أو ترك مندوب كصلاة التراويح جما...
عة، أو كعدم إعفاء اللحية، ولكنه لا يقيم الدنيا ويقعدها لترك المسلمين لواجب الدعوة لوحدة الأمة والعمل لتوحيدها حتى تعود كما أراد الله لها أن تكون خير امة أخرجت للناس.
يقيم الدنيا ولا يقعدها على من يدخل التلفاز بيته أوينظر للصور العارية، ولا يقيم الدنيا ويقعدها لتركهم واجب الدعوة لإعادة الحاكمية لله، والعمل على منابذة الكفر من ديمقراطية ورأسمالية ووطنية وقومية ومذهبية ومناطقية، وحريات غربية، حتى تعود سيادة الاسلام في واقع الحياة والمجتمع والدولة.
يقيم الدنيا ويقعدها على اقتراف الفرد لمنكر السرقة أو الزنا، بينما لا يقيم الدنيا ويقعدها على الحاكم الذي طبق الكفر وعطل تطبيق حدود الله، وأفقر الناس وفتح عليهم أبواب الزيغ والظلال والكفر بتطبيقه للنظم الاقتصادية الرأسمالية العلمانية، وفكرة الحريات الغربية.....الخ. وفوق ذلك يلوي أعناق نصوص كلام الله ورسوله ليفتي بوجوب طاعة الحاكم الذي يطبق ذلك ويوالي أعداء الأمة ودينها، ما دام أنه لم يتلفظ بكلمة الكفر. وإذا حدث أن لفظ الحاكم بكلمة الكفر، أفتى بوجوب طاعته مادام أن قلبه لم يستيقن .
يقيم الدنيا ويقعدها على من يقع في شتم أخر أو يؤذي الجارو هي منكرات فعلا، ولكنه لا يقيم الدنيا، ويقعدها على وحين يجد المسلم يرتكب منكر تفريق الأمة بالدعوة لأفكار الجاهلية، من وطنية منحطة أو قومية عنصرية أو عصبية طائفية مذهبية، ونحو ذلك من الأفكار التي تركز الفرقة بين أبناء الاسلام وتحول دون وحدة الأمة.
فبالله عليك ما الفرق بين قوله تعالى: ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا" وبين قوله تعالى: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ...الخ) وقوله تعالى: قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة" وبين قوله: ولله على الناس حج البيت..." وبين قولة : واقيموا الصلاة وآتو الزكاة " وبين قوله: وقضى ربك الا تعبدوا الا إياه وبالوالدين إحسانا" وقوله: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا" بين قوله: ولا تقربوا الزنا " وقوله: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا طائفة من دونكم لا يألونكم خبالا...." أو قوله :يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا آبائكم وإخوانكم أولياء ان استحبوا الكفر على الإيمان." .............الخ.
أخوي الكريم، لو أن الامة كانت ناهضة لما تفشت الاخلاق السيئة في أفرادها. أتدري لماذا؟ لان الامة الناهضة يكون لها اهداف عليا تطاول الدنيا كلها ...فتشد هذه الاهداف والغايات افردها وتولف بينهم وتوجد فيهم التفكير الراقي ... ولا ينشغلو بتتبع عورات ومعايب بعضهم.... ولكن حين تنحط أمة من الامة تنحط أهداف ابنائها.....
فاعطوا للانسان المسلم معنى الحياة وغايتها لينهض ويدرك مسؤوليته في الحياة، وتخلص من حالة الانحطاط التي يعيشها.
هذا ما احببت لفت إخواني الكرام من متسلقي المنابر بعلم أوبجهل. وأرجو الله أن أكون قد وفقت في بيان المراد من النصيحة. كما نسأله تعلى أن يلهمنا صواب الفهم والقول والعمل، وان يوفقنا جميعا لنرة دينه واعلاء كلمته، بإعادة السيادة للاسلام في هذه الحياة وتوحيد الامة في ظل خلافة راشدة يرضى عنها ساكن الارض والسماء ويسعد المسلمون ويسعدوا بها غيرهم من بني الانسان.