المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل هي حقا بداية النهاية في سوريا؟



ابو العبد
05-08-2012, 07:07 PM
هل هي حقاً بداية النّهاية للنظام السوري؟ الجيش السوري الحر والمجلس الوطني السوري، يؤكدان ذلك، لابل ذهب الأول إلى حدِّ القول بأن هذه النهاية ستأتي في نهاية شهر رمضان المقبل، والخبراء الغربيون ليسوا بعيدين عن هذا المنطق.


فصحيفة فاينانشال تايمز الرّزينة عنْـونت افتتاحيتها ليوم الخميس 19 يوليو 2012 بهذه الجملة نفسها: بداية النهاية، وقالت: "لن يطول الوقت قبل أن يرحل بشار الأسد نفسه - بهذا الشكل أو ذلك - عن المشهد السوري".

أما صحيفة نيويورك تايمز فقالت: "إن الولايات المتحدة بدأت تضع الخُـطط لمرحلة ما بعد الأسد، متوقِّعة أن يكون سقوطه وشيكا". هذا، في حين كان الكاتب في واشنطن بوست ديفيد أغناتيوس يقول "إن الأزمة السورية تَـسير بشكل حثيث نحو نُقطة التحوّل النهائية".



إنجازات المعارضة
بالطبع، كل هذه التوقّعات لها ما يبررها. وهنا، لا نتحدث فقط عن الإنجاز الضخم الذي حقّقته المعارضة المسلّحة باختراق مقرّ الأمن القومي السوري ونسفه، مُـودية بحياة أقوى شخصية أمنية في النظام، آصف شوكت، إلى جانب وزير الدفاع ورئيس الأمن القومي ومسؤولين آخرين، بل أيضاً عن قُـدرة المقاتلين المعارضين على اجتياح أحياء عدّة في العاصمة دمشق، التي تعتبر العرين الرئيسي والحرز الحريز للنظام.

والحال، أن اختراق المقاتلين لدمشق، فاجأ الجميع بلا استثناء، سواء أكانوا من قادة النظام أم من المحلِّلين والمراقبين الخارجيين، إذ لم يكن أحد يتوقّع أن تكون قوات المعارضة قد وصلت إلى هذا الحدّ من التطوّر في قُـدراتها العملانية وفي عملية الضبط والقيادة، إلى درجة توجيه ضربات مباشرة إلى رأس النظام وفي عُـقر داره.

كما لم يكن أحد يتوقّع أن تكون الهيكلية الأمنية للنظام قد وصلت إلى هذه الدرجة من الهشاشة، بحيث تفقِد في ضربة واحدة جُـلّ قادة خلِية إدارة الأزمة، التي كانت تقود الحرب طيلة الأشهر الـ 16 الماضية.

الكثيرون أنحوا هذا التطوّر النّوعي في عمل المعارضة المسلحة، إلى استلام هذه الأخيرة لأجهزة اتصالات متطوّرة أمريكية وأوروبية، مكَّـنتها من تنسيق العمليات بين أكثر من 300 مجموعة مسلحة معارضة في البلاد، هذا إضافة إلى التضخّم الكبير الذي طرأ على عديد الجيش الحُـر (ومن يعلنون الإنتماء إليه)، حيث يُـقال أن العدد تجاوز الآن المائة ألف مقاتل.

قد يكون هذا صحيحا، لكن ثمة أيضاً ما قد يكون أهم: إرادة القِتال والتضحِية، التي تبلْـورت لدى الشبّان السوريين طيلة مرحلة الانتفاضة، والتي عبّرت عنها أمٌّ سورية لجأت مؤخراً إلى لبنان بقولها: "لدي خمسة شباب أبناء. وقد قالوا لي إن عليّ أن لا أحزن إذا ما خسرتهم جميعاً في المعركة، لأنهم قرّروا أن يعانِقوا الحرية أو الموت. لقد استشهد حتى الآن إثنان منهم وأنا راضية عنهما".



ثقافة الأمن
هذه المُعطيات لا يبدو أنها تدخل في حسابات أركان النظام السوري الرئيسيِّين، الذين لا زالوا بَعد سَـنة ونصف السَّنة من الانتفاضة، يقاربون الأزمة من زاوية أمنية بحتَـة ويرفضون أن يرَوا العوامِل الاجتماعية والطبَقية والثقافية والديموغرافية (طفرة أعداد الشباب) التي تحرّك هذه الثورة.

وعلى سبيل المثال، ظهر خالد الحمود، أمين سِـر مجلس الشعب السوري، على تلفزيون الدنيا يوم الخميس 19 يوليو 2012 وأمضى ساعة ونصف الساعة وهو يتحدّث باستفاضة مُذهلة عن الإنتفاضة السورية، بصِفَتها حَدثاً أمنياً – استخبارياً، لا يُواجَـه إلا بقمع أمني - استخباري. هذا الحديث تطرّق إلى أدقّ التفاصيل المخابراتية من جانب طرف يُـفترض أنه يمثّل أعلى هيئة سياسية وتشريعية في البلاد، الأمر الذي ربّما يفسّـر في جانب منه، أسباب استعصاء الأزمة السورية على الحلول السياسية.

فالسياسة، بما هي تسويات وصراع بلا عُـنف، انعَدمت في بلاد الشام بعد أن أقام بشار الأسد كل صرح دولته على هياكل أجهزة الاستخبارات وقواعد العنف العاري والثقافة الأمنية الكاملة. هذا الصّرح الذي يبدو قوياً من الخارج، يُـصبح هشّـاً للغاية من الداخل، إذا ما فقدت الثقافة الأمنية أهم ركيزة لها: الخوف أو التخويف، وهذا بالتحديد ما حدث ويحدُث في الانتفاضة السورية: سقوط عامل الخوف، الأمر الذي جعل من الحديث عن بداية النهايات بعد تدمير مقرّ الأمن القومي، تحليلاً واقعياً وموضوعيا.



نحو الفدرالية؟
لكن مهلا. تهاوي ركائز أسُـس النظام، قد لا تعني بالضرورة سقوطه السريع. صحيح أنه يمكن من الآن فصاعداً توقّع حدوث طَـفرة في الانشِقاقات العسكرية والمدنية، بعد أن أدّى تدمير مقر الأمن القومي إلى زلزال سيكولوجي ضخم، هَـزّ كل أركان النظام، لكن الصحيح أيضاً أن النظام سيُـقاتل الآن بكل الشّراسة المُـمكنة، وقد يستخدِم أسلحة دمار، كان يتجنَّـب استخدامها حتى الآن، خوفاً من التدخلات الخارجية، هذه نقطة.

وثمة نقطة ثانية لا تقل أهمية: ما لم يحدُث انشِقاق سريع في صفوف النّخبة العسكرية - الأمنية العَـلوية الحاكِمة، يُـمهِّد لتسوية تاريخية جديدة بين السُـنّة والعلويين في سوريا، فإن الحصيلة الوحيدة المُحتمة هي تراجُع القِوى العلوية إلى معاقِلها الجغرافية في جبال العلويين واللاّذقية وطرطوس، ومن ثَـم "عرقنة" كل الوضع السوري. وهكذا تقوم دول فدرالية، إسماً وانقسامية فعلاً، للعلَويين والأكراد والدروز والسُنّة، فيما يحدَّد مصير المسيحيين السوريين في إطار مصير الكِيان اللّبناني. (بالمناسبة، عرض الانتِداب الفرنسي في أوائل القرن العشرين، دمج نصارى سوريا مع موارنة لبنان في دولة واحدة، لكن هؤلاء الأخيرين رفضوا آنذاك، لأن الأوائل أرثوذكس).

الإنشقاق العلوي، يعني رحيل الرئيس بشار الأسد إلى موسكو. وعدم الانشقاق، يعني انتِقاله إلى مسقط رأس عائلته في قرية القرداحة في جبال العلويين. ومن هناك، سيقاتل بشار لرسم حدود "الدولة العلوية" وهو يدَّعي امتِلاك شرعية الدولة السورية، الأمر الذي سيدشِّن بدوره حروب تطهير طائفي ومعارك رسم حدود بين جميع مكوِّنات الوطن السوري بإشراف تدخّلات إقليمية ودولية واسعة.

هل لا زال بالإمكان تجنُّب هذا السيناريو الدّموي؟ أجل، لكن فسحة الوقت باتت ضيِّقة للغاية، وهي بعد أحداث دِمشق المفاجِئة، أصبحت تضيق كل يوم وكل ساعة بفعل التطوّرات المتسارِعة في أرض المعارك.
فما لم يحدُث الانشقاق أو الإنقِلاب العلوي خلال شهر من الآن، ستكون كل المداخل أمام مرحلة انتقالية سِلمية في البلاد، قد أوصدت بإحكام، وستفتح أبواب جهنّم على مصراعيها أمام حرب أهلية طائفية، ترقص على إيقاع فدرالية سورية دموية على النّمط العراقي.

لقد دخلنا بداية النهاية بالفعل في سوريا، لكن لا أحد في الواقع يعرِف كيف ستكون طبيعة هذه النهاية.. لا أحد!



سعد محيو - بيروت-