بوفيصيل
02-06-2012, 07:17 AM
الصفحة الرئيسة > مقالات مترجمة
ثياب الإمبراطور الخفية: الفلسطينيون ونهاية عملية السلام
المصدر: مجموعة الأزمات الدولية
الملخص التنفيذي
هل ما يزال هناك ثمة من يؤمن بعملية السلام في الشرق الأوسط؟* بعد تسعة عشر عاماً من عملية أوسلو وثلاثة عشر عاماً على تسوية كان من المفترض أن يتم التوصل إليها، فإن احتمالات تحقق حل الدولتين ما تزال قاتمة كما كانت دائماً. حيث يقوم المجتمع الدولي بحركاته الآلية، بأقل قدرٍ من الطاقة والاقتناع.* الطرفان الأكثر تأثراً بهذه العملية، وهما الشعبان الإسرائيلي والفلسطيني، يبدو أنهما قد فقدا الأمل منذ أمد بعيد.* فثمة فجوات كبيرة وواسعة بين الطرفين، وقد أصبح من قبيل التحدي جمع ممثلين عنهما في غرفة واحدة.* الأخبار السيئة هي أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والربيع العربي، وتركيز إسرائيل على إيران والمصاعب المالية التي تعاني منها أوروبا جميعها تنذر بتعليق الجهود الهادفة لتحقيق السلام.* أما الأخبار الجيدة فهي أن ثمة حاجة مُلحّة لمثل هذا الجمود.* إن الركود الدبلوماسي المتوقع يمثل فرصة لإعادة النظر بالدعامات الأساسية لعملية السلام – عدم التخلي عن حل الدولتين، حيث أن ما من خيار آخر يمكن أن يجتذب موافقة الطرفين؛ ولا التخلي عن المفاوضات، حيث لن يتم فرض أي نتيجة نهائية من الخارج.* إنها فرصة لضم قضايا جديدة وإشراك مجموعات جديدة؛ وإعادة النظر بالإستراتيجية الفلسطينية لتعديل ميزان القوى؛ وتأسيس هيكلية آلية أكثر فعالية.
رغم كل الشكوك المحيطة بالأساليب التي استعملت في الماضي، فإن التخلي عنها لن يكون سهلاً.* قد يكونوا قلة أولئك الذين ما يزالون يؤمنون بعملية السلام، إلا أن كثيرين ما يزالون يرونها مفيدة للغاية.* إن المفاوضات المستمرة تساعد واشنطن في إدارة علاقاتها مع العالم العربي والتعويض عن علاقاتها الوثيقة بإسرائيل من خلال بذل جهود ظاهرية لتحقيق التطلعات الفلسطينية.* الأوروبيون عثروا على دور يتمثل في تمويل السلطة الفلسطينية ومن خلال الرباعية، الاحتفاظ بمقعد على واحدة من أهم الموائد الدبلوماسية – ما يعطيهم شعوراً بالرضا يتشاطرونه مع روسيا والأمين العام للأمم المتحدة.* محادثات السلام مفيدة للغاية لإسرائيل من حيث أنها تحرف عنها الانتقادات والضغوط الدولية.
الفلسطينيون هم الذين يتكبدون المعاناة الأكبر من الوضع الراهن، وسيخسرون أكثر إذا تم الإعلان عن وفاة هذه العملية التي تقبع حالياً في حالة غيبوبة.* السلطة الفلسطينية قد تنهار، وستنهار معها المزايا الاقتصادية والسياسية التي تولّدها وكذلك المساعدات التي تجتذبها.* بالنسبة للنخبة الفلسطينية، فإن عملية السلام وفّرت لهم راحة نسبية في الضفة الغربية واهتماماً دبلوماسياً رفيع المستوى.* دون المفاوضات، ستخسر فتح الكثير مما بات يعتقد أنه مبرر وجودها وستصبح أكثر عرضة لانتقادات حماس.
إلاّ أن السبب الذي يُذكر أكثر من غيره للمحافظة على عملية السلام القائمة هو القناعة بأن إيقافها يخاطر بنشوء فراغٍ سيمتلئ باليأس والفوضى.* والمحصلة النهائية هي أن عملية السلام، رغم جميع أوجه قصورها المعروفة، أصبحت بمرور الوقت إدماناً جماعياً يلبي مختلف الاحتياجات، ولم يعد التوصل إلى اتفاق هو الحاجة الرئيسية بينها.* وهكذا يستمر الوهم لأنه أصبح كنه هذه العملية.
الفلسطينيون، أكثر من أي طرف آخر، باتوا يدركون هذا الفخ، ولذلك فهم أول من يتشاغلون بمقاربات مختلفة.* لكن التشاغل هو التعبير المناسب؛ فقيادتهم في مسعاها لإعادة خلط الأوراق، تقفز من فكرة إلى أخرى وتسعى على أكثر من مسار في نفس الوقت دون أن تدرس البدائل بالعناية اللازمة أو دون أن تلتزم ببديل محدد.* لبعض الوقت، بدا أن خطاب الرئيس عباس الذي ألقاه في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر 2011 - المصمِّم والحازم – يعبر عن تحول إستراتيجي كبير.* لكن بعد أن دفن مجلس الأمن طلب فلسطين لعضوية الأمم المتحدة في عمل اللجان، فإن التتمة المنطقية – أي بذل الجهود لكسب الدعم في الجمعية العامة لقيام الدولة الفلسطينية – تم تجاهله.* بعد قبول فلسطين في إحدى وكالات الأمم المتحدة، جمّدت القيادة جهودها.* وبعد رفض المفاوضات إذا لم تقم إسرائيل بتجميد المستوطنات ودون وجود مرجعية واضحة، سيوافق عباس على المفاوضات.* بعد التهديد بحل السلطة الفلسطينية، تخلّت شخصيات محورية عن الفكرة وأعلنت أن السلطة الفلسطينية مكسب إستراتيجي.* وبعد التوصل إلى اتفاق مصالحة مع حماس، عاد الطرفان إلى المشاحنات.
يمكن للمرء أن يلوم القيادة الفلسطينية على افتقارها للرؤية، لكن ثمة أسباب مقنعة لعدم اتخاذها موقفاً حاسماً.* إن أي خيار ستتخذه سيترتب عليه ثمناً باهظاً وستكون مكاسبه غير مضمونة.* المفاوضات يُنظر إليها من قبل غالبية الفلسطينيين على أنها عبثية، وهكذا فإن قرار استئنافها دون الاستجابة لمطالب عباس (تجميد المستوطنات وإيجاد إطار مرجعي متفق عليه) يمكن أن يكون مكلفاً لمستقبل حركته.* وقد بات الآن أكثر تردداً لأنه اقتنع أن مواقف رئيس الوزراء نتنياهو لا تنسجم مع حل الدولتين.* التحرك الفلسطيني الحاسم في الأمم المتحدة (سواء في الجمعية العامة أو السعي للحصول على عضوية الوكالات المختلفة سيؤدي على الأرجح إلى قطع المساعدات الأمريكية وتعليق إسرائيل لتحويل العائدات الضريبية.* تشكيل حكومة مشتركة مع حماس يمكن أن يؤدي إلى تبعات مماثلة دون ضمانات بأن الانتخابات يمكن أن تُجرى أو أن تتم استعادة وحدة الأراضي بين الضفة الغربية وغزة. ويمكن للتخلص من السلطة الفلسطينية أن يُحدث أثراً عكسياً سيئاً، حيث سيترك ذلك عدداً كبيراً من الموظفين فيها وأسرهم دون دخل، وستؤدي في نفس الوقت إلى إجراءات إسرائيلية مضادة ومؤلمة.
المشكلة مع جميع هذه التبريرات المحلية والدولية التي تساق لعدم إثارة هذه القضايا الآن هي أنها باتت أقل إقناعاً وأن المحافظة على الوضع الراهن لن يكون دون كلفة.* إن وجود عملية تتحرك بدوائر متوالية يقوّض مصداقية جميع المدافعين عنها.* لأنه لا يمكن لهذه التبريرات فعلياً أن تحمي الولايات المتحدة من النقد أو إسرائيل من الإدانة.* يمكن لأوروبا أن تموّل سلطة فلسطينية مضى تاريخ انتهاء صلاحياتها منذ أمد بعيد.* القيادة الفلسطينية تواجه مساءلة أكثر حدة على مقاربتها.* الأمر الأهم هو أن الفكرة الأساسية في هذه المقاربة، هي أن إنهاء العملية القائمة حالياً سيؤدي إلى نشوء فراغ خطير، أكبر كثيراً مما تبقى من مصداقية هذه العملية، وبالتالي يفترض أنها ما تزال تشكل بديلاً عن الفراغ – في حين تعتبر هي نفسها وعلى نطاق واسع فارغة.
إن العثور على مقاربة بديلة ليس بالأمر السهل.* على العكس مما يقوله أو يأمله البعض، فإنها لا تتمثل في حل الدولتين – الذي تدعو إليه، بنسخ مختلفة جداً، عناصر من الطيف السياسي الإسرائيلي والفلسطيني على حدٍ سواء.* إن واقع الدولة الواحدة موجود أصلاً، لكنه كحل فإنه من شبه المؤكد أنه سيواجه تحديات لا يمكن التغلب عليها – بداية بحقيقة أنه يلقى معارضة من الأغلبية الساحقة للإسرائيليين اليهود، الذين يعتبرونه نقيضاً لتطلعاتهم الأساسية.* وفي نفس السياق، ورغم وجوب السعي إلى بدائل للعملية الحالية، فإن الحل في المحصلة سيتم التوصل إليه فقط عن طريق المفاوضات.
ما ينبغي استكشافه هو مقاربة جديدة لحل الدولتين على أساس تفاوضي يسعى لزيادة الحوافز للتوصل إلى اتفاق وإزالة الحوافز للتمسك بالوضع الراهن، وفي نفس الوقت تقديم نموذج مختلف للوساطة التي يقوم بها طرف ثالث.* بهذه الروح، ثمة أربعة مجالات مهملة تقليدياً ينبغي معالجتها:
قضايا جديدة.* ينطوي جوهر عملية أوسلو على فكرة أن اتفاق السلام ينبغي أن يعالج قضايا نجمت عن حرب 1967- احتلال الضفة الغربية وغزة – وليس تلك التي نجمت عن تأسيس إسرائيل عام 1948، والصدمة المؤلمة للحرب التي صاحبتها وتهجير الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين.* لكن إذا كان ذلك المنطق مقنعاً في أي وقت من الأوقات، فإنه لم يعد كذلك الآن.* من جهة، فإن طبيعة دولة إسرائيل؛ والاعتراف بالتاريخ اليهودي؛ والمخاوف الأمنية الإقليمية التي تمتد إلى ما وراء نهر الأردن؛ والصلة مع كل أرض إسرائيل دُفعت جميعها إلى المقدمة.* ومن جهة أخرى، فإن قضية حق العودة والنكبة؛ وموقع الأقلية العربية في إسرائيل؛ وبشكل أوسع، علاقة الفلسطينيين بفلسطين التاريخية باتت أكثر أهمية.* في الأوساط اليهودية والمسلمة على حدٍ سواء، بات الدين أكثر بروزا في النقاشات السياسية، وبدا تأثيره على صنع السلام أكثر مما كان في الماضي.
رغم صعوبة تخيل حل يعالج هذه القضايا، فإن الأصعب من ذلك هو تخيل حل لا يعالجها.* إذا كان من الممكن إقناع الجانبين بالتوصل إلى اتفاق، فإن من شبه المؤكد أن هذه المسائل ينبغي معالجتها.* الإسرائيليون والفلسطينيون، بدلاً من رفض معالجة الاهتمامات الجوهرية للآخرين، فإن بوسع كليهما استعمالها كنقطة انطلاق لمعالجة اهتماماتهم.
مجموعات جديدة.* لقد قاد العملية في الجزء الأكبر من العقدين الماضيين مجموعة محدودة نسبياً من اللاعبين.* إلاّ أن مصالح أولئك الذين استُبعدوا من العملية تلقى صدىً عميقاً لدى الغالبية في مجتمعهم.* في إسرائيل، ينطبق ذلك على اليمين، الديني والقومي على حدٍ سواء، وكذلك على المستوطنين.* وبين الفلسطينيين، فإن ذلك ينطبق على الإسلاميين، والمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل وفلسطينيي الشتات.* ينبغي تصحيح هذا الوضع.* يمكن لاتفاق مقترح يُلبي تطلعات المجموعات الجديدة أن يقلص المعارضة ويحظى بالدعم من أوساط غير متوقعة.
إستراتيجية فلسطينية جديدة.* لقد اختبرت القيادة الفلسطينية مياهاً ذات أعماق مختلفة لكنها تتردد في السباحة.* هذه المقاربة تصبح أقل استدامة مع مرور كل يوم، حيث تسهم في تراجع مصداقية القيادة وفي نفاد الصبر الدولي.* بدلاً من التحركات الارتجالية والمتغيرة باستمرار، فإن الحركة الوطنية الفلسطينية برمتها ينبغي أن تفكر بجدية في خياراتها المختلفة - بما ذلك المصالحة، والتدويل، والمقاومة الشعبية ومصير السلطة الفلسطينية – وأن تقرر ما إذا كانت مستعدة لدفع تكاليف المضي في هذه الخيارات.* إذا كان الجواب "لا" فسيكون من الأجدر بها التوقف عن الأحاديث الفضفاضة التي أحاطت بها مؤخراً.
آلية دولية جديدة.* يمثل لجوء الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة* في الأساس عرضا *للإخفاق الدولي في القيادة وفي توفير وساطة فعالة.* يمكن المجادلة بأن الهيئة المسؤولة عن ذلك، الرباعية، لم تقدم إلا النزر اليسير منذ تأسيسها عام 2002؛ بإنشائها لمنبر دولي يعتمد بقاؤه على إدامة العملية وينطوي نمط عمله على إسكات الأصوات المختلفة مقابل الحصول على أدنى مستوىً من الإجماع، فإن ضررها كان أكبر من نفعها.* أما ما إذا كان ينبغي إلغاء هذه الهيئة برمتها أو إعادة هيكلتها – وإذا كان هذا هو الخيار فالسؤال هو كيف؟؟ – إنها مسألة ينبغي على المجتمع الدولي معالجتها.* ومهما كان الشكل الذي تتخذه، فإن عليها أن تعالج التغييرات العميقة التي تحدث في الشرق الأوسط، والفرص التي تقدمها والمخاطر التي تشكلها.
الحقيقة التي لا فكاك منها، بعد ما يقرب من عقدين من عملية السلام، هي أن جميع اللاعبين منخرطون الآن في لعبة زائفة تقول بأن استئناف المفاوضات في السياق الراهن يمكن أن يؤدي إلى النجاح؛ وأنه يمكن التوصل إلى اتفاق ضمن فترة زمنية قصيرة؛ وأن الرباعية تمثل وسيطاً فعالاً؛ وأن القيادة الفلسطينية جادة بشأن المصالحة، أو الأمم المتحدة، أو المقاومة الشعبية، أو تفكيك السلطة الفلسطينية.* هذا لا يعني أن العملية نفسها قد استُنفدت.* إن استمرار الاجتماعات، وحتى التوصل إلى اتفاقات جزئية –يُرحَّب بها عادة بوصفها اختراقات – هي أمور ممكنة بالتحديد لأن هناك عدد كبير من الأشخاص من مصلحتهم إدامة هذه العملية.* لكنها لن تحقق السلام الدائم.* الخطوة الأولى في التخلص مما أصبح إدماناً مؤذياً على عملية عقيمة تتمثل في الاعتراف بعقمها – والإقرار، أخيراً، أن الإمبراطور لا يرتدي ثياباً.
رام الله/مدينة غزة/القاهرة/القدس/بروكسل، 7 أيار/مايو 2012
ثياب الإمبراطور الخفية: الفلسطينيون ونهاية عملية السلام
المصدر: مجموعة الأزمات الدولية
الملخص التنفيذي
هل ما يزال هناك ثمة من يؤمن بعملية السلام في الشرق الأوسط؟* بعد تسعة عشر عاماً من عملية أوسلو وثلاثة عشر عاماً على تسوية كان من المفترض أن يتم التوصل إليها، فإن احتمالات تحقق حل الدولتين ما تزال قاتمة كما كانت دائماً. حيث يقوم المجتمع الدولي بحركاته الآلية، بأقل قدرٍ من الطاقة والاقتناع.* الطرفان الأكثر تأثراً بهذه العملية، وهما الشعبان الإسرائيلي والفلسطيني، يبدو أنهما قد فقدا الأمل منذ أمد بعيد.* فثمة فجوات كبيرة وواسعة بين الطرفين، وقد أصبح من قبيل التحدي جمع ممثلين عنهما في غرفة واحدة.* الأخبار السيئة هي أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والربيع العربي، وتركيز إسرائيل على إيران والمصاعب المالية التي تعاني منها أوروبا جميعها تنذر بتعليق الجهود الهادفة لتحقيق السلام.* أما الأخبار الجيدة فهي أن ثمة حاجة مُلحّة لمثل هذا الجمود.* إن الركود الدبلوماسي المتوقع يمثل فرصة لإعادة النظر بالدعامات الأساسية لعملية السلام – عدم التخلي عن حل الدولتين، حيث أن ما من خيار آخر يمكن أن يجتذب موافقة الطرفين؛ ولا التخلي عن المفاوضات، حيث لن يتم فرض أي نتيجة نهائية من الخارج.* إنها فرصة لضم قضايا جديدة وإشراك مجموعات جديدة؛ وإعادة النظر بالإستراتيجية الفلسطينية لتعديل ميزان القوى؛ وتأسيس هيكلية آلية أكثر فعالية.
رغم كل الشكوك المحيطة بالأساليب التي استعملت في الماضي، فإن التخلي عنها لن يكون سهلاً.* قد يكونوا قلة أولئك الذين ما يزالون يؤمنون بعملية السلام، إلا أن كثيرين ما يزالون يرونها مفيدة للغاية.* إن المفاوضات المستمرة تساعد واشنطن في إدارة علاقاتها مع العالم العربي والتعويض عن علاقاتها الوثيقة بإسرائيل من خلال بذل جهود ظاهرية لتحقيق التطلعات الفلسطينية.* الأوروبيون عثروا على دور يتمثل في تمويل السلطة الفلسطينية ومن خلال الرباعية، الاحتفاظ بمقعد على واحدة من أهم الموائد الدبلوماسية – ما يعطيهم شعوراً بالرضا يتشاطرونه مع روسيا والأمين العام للأمم المتحدة.* محادثات السلام مفيدة للغاية لإسرائيل من حيث أنها تحرف عنها الانتقادات والضغوط الدولية.
الفلسطينيون هم الذين يتكبدون المعاناة الأكبر من الوضع الراهن، وسيخسرون أكثر إذا تم الإعلان عن وفاة هذه العملية التي تقبع حالياً في حالة غيبوبة.* السلطة الفلسطينية قد تنهار، وستنهار معها المزايا الاقتصادية والسياسية التي تولّدها وكذلك المساعدات التي تجتذبها.* بالنسبة للنخبة الفلسطينية، فإن عملية السلام وفّرت لهم راحة نسبية في الضفة الغربية واهتماماً دبلوماسياً رفيع المستوى.* دون المفاوضات، ستخسر فتح الكثير مما بات يعتقد أنه مبرر وجودها وستصبح أكثر عرضة لانتقادات حماس.
إلاّ أن السبب الذي يُذكر أكثر من غيره للمحافظة على عملية السلام القائمة هو القناعة بأن إيقافها يخاطر بنشوء فراغٍ سيمتلئ باليأس والفوضى.* والمحصلة النهائية هي أن عملية السلام، رغم جميع أوجه قصورها المعروفة، أصبحت بمرور الوقت إدماناً جماعياً يلبي مختلف الاحتياجات، ولم يعد التوصل إلى اتفاق هو الحاجة الرئيسية بينها.* وهكذا يستمر الوهم لأنه أصبح كنه هذه العملية.
الفلسطينيون، أكثر من أي طرف آخر، باتوا يدركون هذا الفخ، ولذلك فهم أول من يتشاغلون بمقاربات مختلفة.* لكن التشاغل هو التعبير المناسب؛ فقيادتهم في مسعاها لإعادة خلط الأوراق، تقفز من فكرة إلى أخرى وتسعى على أكثر من مسار في نفس الوقت دون أن تدرس البدائل بالعناية اللازمة أو دون أن تلتزم ببديل محدد.* لبعض الوقت، بدا أن خطاب الرئيس عباس الذي ألقاه في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر 2011 - المصمِّم والحازم – يعبر عن تحول إستراتيجي كبير.* لكن بعد أن دفن مجلس الأمن طلب فلسطين لعضوية الأمم المتحدة في عمل اللجان، فإن التتمة المنطقية – أي بذل الجهود لكسب الدعم في الجمعية العامة لقيام الدولة الفلسطينية – تم تجاهله.* بعد قبول فلسطين في إحدى وكالات الأمم المتحدة، جمّدت القيادة جهودها.* وبعد رفض المفاوضات إذا لم تقم إسرائيل بتجميد المستوطنات ودون وجود مرجعية واضحة، سيوافق عباس على المفاوضات.* بعد التهديد بحل السلطة الفلسطينية، تخلّت شخصيات محورية عن الفكرة وأعلنت أن السلطة الفلسطينية مكسب إستراتيجي.* وبعد التوصل إلى اتفاق مصالحة مع حماس، عاد الطرفان إلى المشاحنات.
يمكن للمرء أن يلوم القيادة الفلسطينية على افتقارها للرؤية، لكن ثمة أسباب مقنعة لعدم اتخاذها موقفاً حاسماً.* إن أي خيار ستتخذه سيترتب عليه ثمناً باهظاً وستكون مكاسبه غير مضمونة.* المفاوضات يُنظر إليها من قبل غالبية الفلسطينيين على أنها عبثية، وهكذا فإن قرار استئنافها دون الاستجابة لمطالب عباس (تجميد المستوطنات وإيجاد إطار مرجعي متفق عليه) يمكن أن يكون مكلفاً لمستقبل حركته.* وقد بات الآن أكثر تردداً لأنه اقتنع أن مواقف رئيس الوزراء نتنياهو لا تنسجم مع حل الدولتين.* التحرك الفلسطيني الحاسم في الأمم المتحدة (سواء في الجمعية العامة أو السعي للحصول على عضوية الوكالات المختلفة سيؤدي على الأرجح إلى قطع المساعدات الأمريكية وتعليق إسرائيل لتحويل العائدات الضريبية.* تشكيل حكومة مشتركة مع حماس يمكن أن يؤدي إلى تبعات مماثلة دون ضمانات بأن الانتخابات يمكن أن تُجرى أو أن تتم استعادة وحدة الأراضي بين الضفة الغربية وغزة. ويمكن للتخلص من السلطة الفلسطينية أن يُحدث أثراً عكسياً سيئاً، حيث سيترك ذلك عدداً كبيراً من الموظفين فيها وأسرهم دون دخل، وستؤدي في نفس الوقت إلى إجراءات إسرائيلية مضادة ومؤلمة.
المشكلة مع جميع هذه التبريرات المحلية والدولية التي تساق لعدم إثارة هذه القضايا الآن هي أنها باتت أقل إقناعاً وأن المحافظة على الوضع الراهن لن يكون دون كلفة.* إن وجود عملية تتحرك بدوائر متوالية يقوّض مصداقية جميع المدافعين عنها.* لأنه لا يمكن لهذه التبريرات فعلياً أن تحمي الولايات المتحدة من النقد أو إسرائيل من الإدانة.* يمكن لأوروبا أن تموّل سلطة فلسطينية مضى تاريخ انتهاء صلاحياتها منذ أمد بعيد.* القيادة الفلسطينية تواجه مساءلة أكثر حدة على مقاربتها.* الأمر الأهم هو أن الفكرة الأساسية في هذه المقاربة، هي أن إنهاء العملية القائمة حالياً سيؤدي إلى نشوء فراغ خطير، أكبر كثيراً مما تبقى من مصداقية هذه العملية، وبالتالي يفترض أنها ما تزال تشكل بديلاً عن الفراغ – في حين تعتبر هي نفسها وعلى نطاق واسع فارغة.
إن العثور على مقاربة بديلة ليس بالأمر السهل.* على العكس مما يقوله أو يأمله البعض، فإنها لا تتمثل في حل الدولتين – الذي تدعو إليه، بنسخ مختلفة جداً، عناصر من الطيف السياسي الإسرائيلي والفلسطيني على حدٍ سواء.* إن واقع الدولة الواحدة موجود أصلاً، لكنه كحل فإنه من شبه المؤكد أنه سيواجه تحديات لا يمكن التغلب عليها – بداية بحقيقة أنه يلقى معارضة من الأغلبية الساحقة للإسرائيليين اليهود، الذين يعتبرونه نقيضاً لتطلعاتهم الأساسية.* وفي نفس السياق، ورغم وجوب السعي إلى بدائل للعملية الحالية، فإن الحل في المحصلة سيتم التوصل إليه فقط عن طريق المفاوضات.
ما ينبغي استكشافه هو مقاربة جديدة لحل الدولتين على أساس تفاوضي يسعى لزيادة الحوافز للتوصل إلى اتفاق وإزالة الحوافز للتمسك بالوضع الراهن، وفي نفس الوقت تقديم نموذج مختلف للوساطة التي يقوم بها طرف ثالث.* بهذه الروح، ثمة أربعة مجالات مهملة تقليدياً ينبغي معالجتها:
قضايا جديدة.* ينطوي جوهر عملية أوسلو على فكرة أن اتفاق السلام ينبغي أن يعالج قضايا نجمت عن حرب 1967- احتلال الضفة الغربية وغزة – وليس تلك التي نجمت عن تأسيس إسرائيل عام 1948، والصدمة المؤلمة للحرب التي صاحبتها وتهجير الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين.* لكن إذا كان ذلك المنطق مقنعاً في أي وقت من الأوقات، فإنه لم يعد كذلك الآن.* من جهة، فإن طبيعة دولة إسرائيل؛ والاعتراف بالتاريخ اليهودي؛ والمخاوف الأمنية الإقليمية التي تمتد إلى ما وراء نهر الأردن؛ والصلة مع كل أرض إسرائيل دُفعت جميعها إلى المقدمة.* ومن جهة أخرى، فإن قضية حق العودة والنكبة؛ وموقع الأقلية العربية في إسرائيل؛ وبشكل أوسع، علاقة الفلسطينيين بفلسطين التاريخية باتت أكثر أهمية.* في الأوساط اليهودية والمسلمة على حدٍ سواء، بات الدين أكثر بروزا في النقاشات السياسية، وبدا تأثيره على صنع السلام أكثر مما كان في الماضي.
رغم صعوبة تخيل حل يعالج هذه القضايا، فإن الأصعب من ذلك هو تخيل حل لا يعالجها.* إذا كان من الممكن إقناع الجانبين بالتوصل إلى اتفاق، فإن من شبه المؤكد أن هذه المسائل ينبغي معالجتها.* الإسرائيليون والفلسطينيون، بدلاً من رفض معالجة الاهتمامات الجوهرية للآخرين، فإن بوسع كليهما استعمالها كنقطة انطلاق لمعالجة اهتماماتهم.
مجموعات جديدة.* لقد قاد العملية في الجزء الأكبر من العقدين الماضيين مجموعة محدودة نسبياً من اللاعبين.* إلاّ أن مصالح أولئك الذين استُبعدوا من العملية تلقى صدىً عميقاً لدى الغالبية في مجتمعهم.* في إسرائيل، ينطبق ذلك على اليمين، الديني والقومي على حدٍ سواء، وكذلك على المستوطنين.* وبين الفلسطينيين، فإن ذلك ينطبق على الإسلاميين، والمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل وفلسطينيي الشتات.* ينبغي تصحيح هذا الوضع.* يمكن لاتفاق مقترح يُلبي تطلعات المجموعات الجديدة أن يقلص المعارضة ويحظى بالدعم من أوساط غير متوقعة.
إستراتيجية فلسطينية جديدة.* لقد اختبرت القيادة الفلسطينية مياهاً ذات أعماق مختلفة لكنها تتردد في السباحة.* هذه المقاربة تصبح أقل استدامة مع مرور كل يوم، حيث تسهم في تراجع مصداقية القيادة وفي نفاد الصبر الدولي.* بدلاً من التحركات الارتجالية والمتغيرة باستمرار، فإن الحركة الوطنية الفلسطينية برمتها ينبغي أن تفكر بجدية في خياراتها المختلفة - بما ذلك المصالحة، والتدويل، والمقاومة الشعبية ومصير السلطة الفلسطينية – وأن تقرر ما إذا كانت مستعدة لدفع تكاليف المضي في هذه الخيارات.* إذا كان الجواب "لا" فسيكون من الأجدر بها التوقف عن الأحاديث الفضفاضة التي أحاطت بها مؤخراً.
آلية دولية جديدة.* يمثل لجوء الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة* في الأساس عرضا *للإخفاق الدولي في القيادة وفي توفير وساطة فعالة.* يمكن المجادلة بأن الهيئة المسؤولة عن ذلك، الرباعية، لم تقدم إلا النزر اليسير منذ تأسيسها عام 2002؛ بإنشائها لمنبر دولي يعتمد بقاؤه على إدامة العملية وينطوي نمط عمله على إسكات الأصوات المختلفة مقابل الحصول على أدنى مستوىً من الإجماع، فإن ضررها كان أكبر من نفعها.* أما ما إذا كان ينبغي إلغاء هذه الهيئة برمتها أو إعادة هيكلتها – وإذا كان هذا هو الخيار فالسؤال هو كيف؟؟ – إنها مسألة ينبغي على المجتمع الدولي معالجتها.* ومهما كان الشكل الذي تتخذه، فإن عليها أن تعالج التغييرات العميقة التي تحدث في الشرق الأوسط، والفرص التي تقدمها والمخاطر التي تشكلها.
الحقيقة التي لا فكاك منها، بعد ما يقرب من عقدين من عملية السلام، هي أن جميع اللاعبين منخرطون الآن في لعبة زائفة تقول بأن استئناف المفاوضات في السياق الراهن يمكن أن يؤدي إلى النجاح؛ وأنه يمكن التوصل إلى اتفاق ضمن فترة زمنية قصيرة؛ وأن الرباعية تمثل وسيطاً فعالاً؛ وأن القيادة الفلسطينية جادة بشأن المصالحة، أو الأمم المتحدة، أو المقاومة الشعبية، أو تفكيك السلطة الفلسطينية.* هذا لا يعني أن العملية نفسها قد استُنفدت.* إن استمرار الاجتماعات، وحتى التوصل إلى اتفاقات جزئية –يُرحَّب بها عادة بوصفها اختراقات – هي أمور ممكنة بالتحديد لأن هناك عدد كبير من الأشخاص من مصلحتهم إدامة هذه العملية.* لكنها لن تحقق السلام الدائم.* الخطوة الأولى في التخلص مما أصبح إدماناً مؤذياً على عملية عقيمة تتمثل في الاعتراف بعقمها – والإقرار، أخيراً، أن الإمبراطور لا يرتدي ثياباً.
رام الله/مدينة غزة/القاهرة/القدس/بروكسل، 7 أيار/مايو 2012