ابواحمد
25-05-2012, 08:24 PM
خواطر: حول معوقات نجاح بناء القاعدة الشعبية.
الاخوة الكرام/ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
لقد كانت ومازالت قضية استكمال بناء القاعدة الشعبية للفكرة وللحزب هي، القضية التي تفرض نفسها بقوة على الحزب وعلى الشباب حتى اليوم، باعتبار أن النجاح في بنائها يعني الانتقال بشكل طبيعي من مرحلة التفاعل إلى نقطة الارتكاز.
ولأهمية ومصيرية هذه القضية فقد كانت هي الهدف المحوري لخطة عمل الحزب بعد نجاح عملية التصحيح، والتي أصدرها في كتيب المحاولة منذ ما يربوا عقد من الزمن، ومع ذلك فان الأحداث مازالت تؤكد أن الأمة بالرغم من وجود الرأي العام فيها للإسلام وأنه قد أصبح هدفها إلا أنها مازالت عرضة للتضليل وفيها القابلية للخداع، الأمر الذي يعني عدم النجاح في تركيز الرأي العام على الأفكار الأساسية في المبدأ.
وبالرغم من وضوح عمق شعور الأمة بسوء أوضاعها وانحطاطها منذ زمن، وشعورها بالحاجة لمنقذ وقيادة تكون جديرة بثقتها، وان هذه الثقة والجدارة مرتبطة في ذهنها بالإسلام إلا أن الحزب لم يحقق النجاح في محاولاته لأخذ قيادتها، بل ولم يتمكن من جعلها ترى فيه شخصية القائد فضلا عن جعلها تحتضنه وتنقاد له، وبرغم أنه الحركة السياسية الوحيدة التي تتوفر فيها كل المواصفات التي تؤهله للقيادة وتجعله جدير بالثقة والاحتضان دون سواه.
وفي المحصلة فان ما سبق لا يعني سوى أمر واحد هو إخفاق وفشل جهوده لاستكمال بناء القاعدة الشعبية، سواء على صعيد تركيز الرأي العام أو على صعيد محاولة اخذ القيادة .
ولما كان من المحتم على الحزب وعلى الشباب أن يديموا يقتضهم على ما يجري في الأمة ،وان يعوا وعيا كاملا على ميولها للأفكار، وعلى موقفها من الفكرة ومن الحزب، وان يكون إحساسهم الفكري في ارفع درجاته، وربط المسببات بأسبابها بدقة هو أساس الفهم والإدراك لتحديد المشكلة والعمل المطلوب ........الخ.
فأن السؤال المفترض هنا هو لماذا لم يتمكن من النجاح في استكمال بناء القاعدة الشعبية ؟ وما هي أسباب الإخفاق والفشل ؟
وللإجابة على السؤال في محاولة للفهم من المهم أن نلقي نظرة على علاقة الحزب بالأمة لمعرفة، هل هناك أي عوائق تمنع الحزب من الوصول إلي الأمة أو تمنعها من احتضانه والانقياد له؟ وكيف يمكن إزالتها ؟
مع ملاحظة أن بحث هذا الجانب فقط قائم على أساس أن البحث في الجوانب الأخرى أي في الفكرة والطريقة أمر مفروغ منه وليس هناك أدنى شك في صحتها وفي انطباقها على الواقع والدليل الشرعي، وصحة تجسيدها في الحزب. لهذا نحصر البحث في علاقة الحزب بالأمة.
علاقة الحزب بالأمة: التكتل السياسي المبدئي هو أداة النهضة باعتباره الجسر الذي لا يمكن أن توجد فكرة النهضة في الواقع دون أن تعبر عليه إلي الأمة. ذلك أن التكتل السياسي المبدئي هو من يتولى زرع فكرة النهضة وصهر الأمة بها لتنقيتها من أدرانها التي انحطت بها، وهو من يتولى كسر قيودها التي تمنعها من الانطلاق، وهو من يتحمل مسؤولية توحيد عقيدتها وقضيتها وهدفها في الحياة، وهو الذي يتولى قيادتها والتجسيد العملي للمبدأ ومن يرسم لها الطريق ويعطيها المثل القدوة.
والأمم ــ كما يقول الحزب ــ لاتقاد بالفكر وحده ولا تنظر للفكرة بمعزل عن شخصية القائد. كما القيادة لا تحصل لكل من يتصدر لها سواء شخصية، طبيعية/معنوية، إلا بتوافر العوامل المؤدية للنجاح في الوصول للقيادة. هذه العوامل هي الصلات الطبيعية بين من يتصدر للقيادة وبين الناس الذين يسعى لقيادتهم، وثانيا عدم الحواجز بينه وبينهم. فإذا انعدمت الصلات الطبيعية أو وجدت الحواجز سواء أكانت فكرية/معنوية /مادية،فان النتيجة لا تكون سوى الإخفاق والفشل في الوصول إلي القيادة.
وبالنسبة لحزب التحرير كتكتل سياسي مبدئي يعمل منذ وجد للوصول لقيادة الأمة " فان الكافر المستعمرـــ كما جاء في نقطة الانطلاق ـــ لم يطمئن لما حققه من انتصار على المسلمين، بل اخذ يراقب المسلمين والإسلام والحركات الإسلامية، وقد أدته مراقبته هذه إلى أن يعي على الحزب وعيا ظاهرا منذ البداية وفي وقت مبكر، ما جعله يدرك انه التكتل المبدئي الصحيح الصادق في العالم الإسلامي، ويدرك مدى تأثير الحزب وثقافته في أوساط المسلمين، وانه خطر ماحق على وجود نفوذه وسيطرته على البلاد الإسلامية، هذا والحزب لم يكد يبدأ في مخاطبة المجتمع ولم يظهر بعد للناس الذين وجد بينهم. " لذلك فقد اعد العدو الكافر للأمر عدته فأخذ يسخر عملائه من الحكام وأجهزتهم الأمنية للتضييق على الحزب، ويسخر المرتبطين بالحكام والسياسيين من المثقفين بثقافته والمفكرين بطريقته وأخطرهم أثرا الإفراد والجماعات المحسوبة على الإسلام، فعمل على تسخيرهم لنصب الحواجز والعقبات بين الأمة والحزب وبينها وبين المبدأ، وكما قلنا من وقت مبكر والحزب لم يكن قد تمكن من العيش الطبيعي بين الناس ولم يكن قد ظهر للأمة بشخصيته القيادية ، فكان لذلك أسوء الأثر على الحزب وعلى دعوته.
وفي الخلاصة فإن الحزب قد نشأ وهو أولا يفتقد للصلات الطبيعية، وثانيا تقف في وجهه الحواجز وتقف أمام فكرته العقبات. أما ما هي هذه الحواجز والعقبات، فسنكتفي بالإشارة إلي بعضها كما يلي:
أولا: الحواجز التي نصبت بين الأمة والحزب:
1- التضييق الأمني والحصار الإعلامي على الحزب لمنعه من الظهور والعيش الطبيعي في أوساط الناس وبناء الصلات الطبيعية بالأمة.
2- ضرب فكرة العمل الجماعي بتشويه لفظة حزب وفكرة العمل الحزبي في أذهان المسلمين وتأصيل هذا التشويه باسم الإسلام.
3- تشويه صورة الحزب باستغلال بعض الأخطاء التاريخية التي وقع فيها نتيجة عدم الدقة في تشخيص الواقع، أو باستغلال بعض أرائه الاجتهادية الفقهية الفروعية، أو بتحريف بعض أقواله بتفسيرها على غير مدلولها، أو بالافتراء عليه زورا وبهتانا. ولم يكن ما كتبه المدعو صادق أمين أو ما ورد في الموسوعة الميسرة وما كتبه فتحي يكن أو قاله الحبشي أو الألباني أو مقبل الوادعي إلا، نماذج للحملة المسعورة التي سخر فيها هؤلاء لتظليل الأمة وإبعادها عن الحزب وصرفها عن مشروعه نهضتها .
هذه الحواجز كان لها الأثر السيئ على الحزب حيث حدت من قدرته على النمو والانتشار في الأمة، وبالتالي حدت من قدرته على العمل الواسع في الأمة وحالت دون تحوله إلى حزب جماهيري، ودون تمكنه من اخذ قيادة الأمة.
ثانيا: العقبات أما فكرة النهضة:
1- الأطروحات الفكرية العلمانية التي تتقدم للناس مغلفة بالإسلام.
2- الحصار الإعلامي المضروب حول الفكرة الإسلامية الصحيحة، وتعمد إغراق الأمة بالأفكار المضللة المختلفة وتحت مسميات وشعارت إسلامية، لتشتيت ذهن الأمة وصرفها عن فكرة الإسلام النقي .
3- البرامج السياسية والثقافية التي صممت لتيئيس أبناء الأمة من القدرة على النهضة وجعلها تستسلم للأمر الواقع، ومن ذلك تضخيم الناحية المادية لميزان القوى بين الأمة وبين أعدائها، وجعلها تتقبل فكرة الاستناد للأجنبي إذا أرادت التغيير.
4- البرامج الإعلامية المستميتة في تضليل المسلمين وصرف أنظارهم عن حقيقة أن القيم الرأسمالية الديمقراطية وفلسفتها العلمانية هي المسئول عن معاناتهم وسوء أوضاعهم وفساد الحياة، وربط كل ذلك بالحكام كأشخاص وتعمد إثارة نقمة الناس عليهم لا على السبب الحقيقي للفساد والظلم والمتمثل بالعلمانية والدساتير والأنظمة المبنية عليها.
خلاصة ما سبق أن الحواجز التي نصبت بين الأمة والحزب وكذا العقبات التي وضعت وتوضع أمام المبدأ هي السبب الأول في أخفاق جهود الحزب لاستكمال بناء الرأي العام في الأمة، وفي أخفاق محاولاته لأخذ قيادتها.
وحتى نكشف عن المزيد من المعوقات لنا هنا أن نتساءل عن مدى فاعلية الأساليب التي ينتهجها الحزب في معالجة هذه الحواجز والعقبات.؟
الأساليب التي يعتمدها الحزب:
المدقق في الكيفية التي يسير عليها الحزب في معالجة الحواجز والعقبات التي تعيق نموه أو انتشار فكرته وتغلغلها في الأمة وكذا جهوده لأخذ قيادتها، يجد أن الحزب اعتمد الأسلوب الفكري فقط دون الأساليب العملية، ومن غير تمييز بين ما يعد حاجز بين الأمة والحزب، أي بين ما يؤثر على نمو الحزب وقدرته على العمل ولا يؤثر على الفكرة من حيث وصولها إلى الأمة، وبين ما هو عقبة أمام الفكرة ولا يؤثر على الكتلة من حيث نموها وقدرتها على العمل. هذا التفريق لا شك أن له أهميته في المعالجة ومعرفة ما يحتاج لمعالجته بالأسلوب الفكري وما يمكن أن يعالج بأساليب عملية توفر الوقت والجهد وتحقق نفس نتائج الأسلوب الفكري.
والأسلوب الفكري الذي يعتمده الحزب لا ننفي صوابه وننكر صحته، غير انه وان كان شديد الفعالية في معالجة العقبات التي وضعت وتوضع أمام الفكرة، إلا انه غير منتج غالبا في معالجة الحواجز التي وضعت بين الأمة والحزب، بل أن استخدامه في معالجتها كان يزيدها تعقيدا ما جعل الكثير من طاقات الحزب تهدر في معالجة تلك الحواجز من دون طائل، برغم انه كان يمكن تجاوزها بانتهاج أساليب عمليه اقل تكلفة وأكثر إنتاجا وتحقق نفس نتائج الأسلوب الفكري.
وحتى لا نضل في دائرة التنظير فقط، نوضح المثال التالي إذ بالمثال يتضح المقال كما يقال:
( تشوه لفظة الحزبية والعمل الحزبي في أذهان الكثير من المسلمين وتأصيل هذا التشوه باسم الإسلام لا يشكل عقبة أمام فكرة النهضة ووصولها إلى الأمة، ولكنه يمثل عائقا أمام نمو الكتلة وقدرتها على العمل في الأمة وعلى اخذ قيادتها.)
الدليل على ذلك أننا حين نطرح أفكار المبدأ في الأمة نلمس شعور الناس بالارتياح والقناعة بصحة الإسلام وعظمته ، وانه فعلا الحل لمشاكل الأمة ويلحظ تأثيرهم بالأفكار، غير أننا بمجرد أن نلفت أنظارهم للحزب ومحاولة أخذهم للعمل معه، نجد ردة فعل الكثير خاصة المتأثرين بالجماعات الإسلامية الأخرى إما النفور وإما الإهمال وعدم التحمس للأفكار.
وما ذلك إلا لتشوه تصورهم للعمل الحزبي، أو لتشوه صورة الحزب نفسه في اذهانهم، وعندما نحاول معالجة المشكلة بالأسلوب الفكري، أي بمحاولة وضع الخط المستقيم في مقابل الخط المعوج بتوضيح الحكم الشرعي ، او بمحاولة توضيح حقيقة ما قيل عن الحزب، نجد في الغالب أننا نهدر وقتا وجهدا كبيرا في معالجة هذه المواضيع دون طائل في الغالب، بل وربما جر النقاش فيها ومحاولة التأصيل الشرعي لها، إلى جدل عقيم يركز الحواجز بدل إزالتها والانشغال بها على حساب العمل لفكرة النهضة.
سقت هذا المثال فقط للتدليل على ضرورة التفريق بين ما يعيق نمو الحزب وما يؤثر على فكرة النهضة، ولألفت النظر إلي أن الأسلوب الفكري هو الأسلوب الفعال في معالجة العقبات التي تؤثر على وصول الفكرة إلي الأمة، بينما ما يؤثر على نمو الحزب وقدرته على العمل في الأمة فيبدو لي ومن وحي التجربة أنها يمكن التغلب عليه بانتهاج أساليب عملية تؤدي لتحقيق نفس نتائج الأسلوب الفكري.
ولأنبه إلي ضرورة تبني استراتيجيات جديدة في العمل على أساس أن احتضان الأمة للفكرة يؤدي إلي احتضان من يمثلها. هذا ما لدي فإن أصبت فبتوفيق الله وفضله وإن لم اصب فمن نفسي، واستغفر الله العظيم لي وللمسلمين.
دمتم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الاخوة الكرام/ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
لقد كانت ومازالت قضية استكمال بناء القاعدة الشعبية للفكرة وللحزب هي، القضية التي تفرض نفسها بقوة على الحزب وعلى الشباب حتى اليوم، باعتبار أن النجاح في بنائها يعني الانتقال بشكل طبيعي من مرحلة التفاعل إلى نقطة الارتكاز.
ولأهمية ومصيرية هذه القضية فقد كانت هي الهدف المحوري لخطة عمل الحزب بعد نجاح عملية التصحيح، والتي أصدرها في كتيب المحاولة منذ ما يربوا عقد من الزمن، ومع ذلك فان الأحداث مازالت تؤكد أن الأمة بالرغم من وجود الرأي العام فيها للإسلام وأنه قد أصبح هدفها إلا أنها مازالت عرضة للتضليل وفيها القابلية للخداع، الأمر الذي يعني عدم النجاح في تركيز الرأي العام على الأفكار الأساسية في المبدأ.
وبالرغم من وضوح عمق شعور الأمة بسوء أوضاعها وانحطاطها منذ زمن، وشعورها بالحاجة لمنقذ وقيادة تكون جديرة بثقتها، وان هذه الثقة والجدارة مرتبطة في ذهنها بالإسلام إلا أن الحزب لم يحقق النجاح في محاولاته لأخذ قيادتها، بل ولم يتمكن من جعلها ترى فيه شخصية القائد فضلا عن جعلها تحتضنه وتنقاد له، وبرغم أنه الحركة السياسية الوحيدة التي تتوفر فيها كل المواصفات التي تؤهله للقيادة وتجعله جدير بالثقة والاحتضان دون سواه.
وفي المحصلة فان ما سبق لا يعني سوى أمر واحد هو إخفاق وفشل جهوده لاستكمال بناء القاعدة الشعبية، سواء على صعيد تركيز الرأي العام أو على صعيد محاولة اخذ القيادة .
ولما كان من المحتم على الحزب وعلى الشباب أن يديموا يقتضهم على ما يجري في الأمة ،وان يعوا وعيا كاملا على ميولها للأفكار، وعلى موقفها من الفكرة ومن الحزب، وان يكون إحساسهم الفكري في ارفع درجاته، وربط المسببات بأسبابها بدقة هو أساس الفهم والإدراك لتحديد المشكلة والعمل المطلوب ........الخ.
فأن السؤال المفترض هنا هو لماذا لم يتمكن من النجاح في استكمال بناء القاعدة الشعبية ؟ وما هي أسباب الإخفاق والفشل ؟
وللإجابة على السؤال في محاولة للفهم من المهم أن نلقي نظرة على علاقة الحزب بالأمة لمعرفة، هل هناك أي عوائق تمنع الحزب من الوصول إلي الأمة أو تمنعها من احتضانه والانقياد له؟ وكيف يمكن إزالتها ؟
مع ملاحظة أن بحث هذا الجانب فقط قائم على أساس أن البحث في الجوانب الأخرى أي في الفكرة والطريقة أمر مفروغ منه وليس هناك أدنى شك في صحتها وفي انطباقها على الواقع والدليل الشرعي، وصحة تجسيدها في الحزب. لهذا نحصر البحث في علاقة الحزب بالأمة.
علاقة الحزب بالأمة: التكتل السياسي المبدئي هو أداة النهضة باعتباره الجسر الذي لا يمكن أن توجد فكرة النهضة في الواقع دون أن تعبر عليه إلي الأمة. ذلك أن التكتل السياسي المبدئي هو من يتولى زرع فكرة النهضة وصهر الأمة بها لتنقيتها من أدرانها التي انحطت بها، وهو من يتولى كسر قيودها التي تمنعها من الانطلاق، وهو من يتحمل مسؤولية توحيد عقيدتها وقضيتها وهدفها في الحياة، وهو الذي يتولى قيادتها والتجسيد العملي للمبدأ ومن يرسم لها الطريق ويعطيها المثل القدوة.
والأمم ــ كما يقول الحزب ــ لاتقاد بالفكر وحده ولا تنظر للفكرة بمعزل عن شخصية القائد. كما القيادة لا تحصل لكل من يتصدر لها سواء شخصية، طبيعية/معنوية، إلا بتوافر العوامل المؤدية للنجاح في الوصول للقيادة. هذه العوامل هي الصلات الطبيعية بين من يتصدر للقيادة وبين الناس الذين يسعى لقيادتهم، وثانيا عدم الحواجز بينه وبينهم. فإذا انعدمت الصلات الطبيعية أو وجدت الحواجز سواء أكانت فكرية/معنوية /مادية،فان النتيجة لا تكون سوى الإخفاق والفشل في الوصول إلي القيادة.
وبالنسبة لحزب التحرير كتكتل سياسي مبدئي يعمل منذ وجد للوصول لقيادة الأمة " فان الكافر المستعمرـــ كما جاء في نقطة الانطلاق ـــ لم يطمئن لما حققه من انتصار على المسلمين، بل اخذ يراقب المسلمين والإسلام والحركات الإسلامية، وقد أدته مراقبته هذه إلى أن يعي على الحزب وعيا ظاهرا منذ البداية وفي وقت مبكر، ما جعله يدرك انه التكتل المبدئي الصحيح الصادق في العالم الإسلامي، ويدرك مدى تأثير الحزب وثقافته في أوساط المسلمين، وانه خطر ماحق على وجود نفوذه وسيطرته على البلاد الإسلامية، هذا والحزب لم يكد يبدأ في مخاطبة المجتمع ولم يظهر بعد للناس الذين وجد بينهم. " لذلك فقد اعد العدو الكافر للأمر عدته فأخذ يسخر عملائه من الحكام وأجهزتهم الأمنية للتضييق على الحزب، ويسخر المرتبطين بالحكام والسياسيين من المثقفين بثقافته والمفكرين بطريقته وأخطرهم أثرا الإفراد والجماعات المحسوبة على الإسلام، فعمل على تسخيرهم لنصب الحواجز والعقبات بين الأمة والحزب وبينها وبين المبدأ، وكما قلنا من وقت مبكر والحزب لم يكن قد تمكن من العيش الطبيعي بين الناس ولم يكن قد ظهر للأمة بشخصيته القيادية ، فكان لذلك أسوء الأثر على الحزب وعلى دعوته.
وفي الخلاصة فإن الحزب قد نشأ وهو أولا يفتقد للصلات الطبيعية، وثانيا تقف في وجهه الحواجز وتقف أمام فكرته العقبات. أما ما هي هذه الحواجز والعقبات، فسنكتفي بالإشارة إلي بعضها كما يلي:
أولا: الحواجز التي نصبت بين الأمة والحزب:
1- التضييق الأمني والحصار الإعلامي على الحزب لمنعه من الظهور والعيش الطبيعي في أوساط الناس وبناء الصلات الطبيعية بالأمة.
2- ضرب فكرة العمل الجماعي بتشويه لفظة حزب وفكرة العمل الحزبي في أذهان المسلمين وتأصيل هذا التشويه باسم الإسلام.
3- تشويه صورة الحزب باستغلال بعض الأخطاء التاريخية التي وقع فيها نتيجة عدم الدقة في تشخيص الواقع، أو باستغلال بعض أرائه الاجتهادية الفقهية الفروعية، أو بتحريف بعض أقواله بتفسيرها على غير مدلولها، أو بالافتراء عليه زورا وبهتانا. ولم يكن ما كتبه المدعو صادق أمين أو ما ورد في الموسوعة الميسرة وما كتبه فتحي يكن أو قاله الحبشي أو الألباني أو مقبل الوادعي إلا، نماذج للحملة المسعورة التي سخر فيها هؤلاء لتظليل الأمة وإبعادها عن الحزب وصرفها عن مشروعه نهضتها .
هذه الحواجز كان لها الأثر السيئ على الحزب حيث حدت من قدرته على النمو والانتشار في الأمة، وبالتالي حدت من قدرته على العمل الواسع في الأمة وحالت دون تحوله إلى حزب جماهيري، ودون تمكنه من اخذ قيادة الأمة.
ثانيا: العقبات أما فكرة النهضة:
1- الأطروحات الفكرية العلمانية التي تتقدم للناس مغلفة بالإسلام.
2- الحصار الإعلامي المضروب حول الفكرة الإسلامية الصحيحة، وتعمد إغراق الأمة بالأفكار المضللة المختلفة وتحت مسميات وشعارت إسلامية، لتشتيت ذهن الأمة وصرفها عن فكرة الإسلام النقي .
3- البرامج السياسية والثقافية التي صممت لتيئيس أبناء الأمة من القدرة على النهضة وجعلها تستسلم للأمر الواقع، ومن ذلك تضخيم الناحية المادية لميزان القوى بين الأمة وبين أعدائها، وجعلها تتقبل فكرة الاستناد للأجنبي إذا أرادت التغيير.
4- البرامج الإعلامية المستميتة في تضليل المسلمين وصرف أنظارهم عن حقيقة أن القيم الرأسمالية الديمقراطية وفلسفتها العلمانية هي المسئول عن معاناتهم وسوء أوضاعهم وفساد الحياة، وربط كل ذلك بالحكام كأشخاص وتعمد إثارة نقمة الناس عليهم لا على السبب الحقيقي للفساد والظلم والمتمثل بالعلمانية والدساتير والأنظمة المبنية عليها.
خلاصة ما سبق أن الحواجز التي نصبت بين الأمة والحزب وكذا العقبات التي وضعت وتوضع أمام المبدأ هي السبب الأول في أخفاق جهود الحزب لاستكمال بناء الرأي العام في الأمة، وفي أخفاق محاولاته لأخذ قيادتها.
وحتى نكشف عن المزيد من المعوقات لنا هنا أن نتساءل عن مدى فاعلية الأساليب التي ينتهجها الحزب في معالجة هذه الحواجز والعقبات.؟
الأساليب التي يعتمدها الحزب:
المدقق في الكيفية التي يسير عليها الحزب في معالجة الحواجز والعقبات التي تعيق نموه أو انتشار فكرته وتغلغلها في الأمة وكذا جهوده لأخذ قيادتها، يجد أن الحزب اعتمد الأسلوب الفكري فقط دون الأساليب العملية، ومن غير تمييز بين ما يعد حاجز بين الأمة والحزب، أي بين ما يؤثر على نمو الحزب وقدرته على العمل ولا يؤثر على الفكرة من حيث وصولها إلى الأمة، وبين ما هو عقبة أمام الفكرة ولا يؤثر على الكتلة من حيث نموها وقدرتها على العمل. هذا التفريق لا شك أن له أهميته في المعالجة ومعرفة ما يحتاج لمعالجته بالأسلوب الفكري وما يمكن أن يعالج بأساليب عملية توفر الوقت والجهد وتحقق نفس نتائج الأسلوب الفكري.
والأسلوب الفكري الذي يعتمده الحزب لا ننفي صوابه وننكر صحته، غير انه وان كان شديد الفعالية في معالجة العقبات التي وضعت وتوضع أمام الفكرة، إلا انه غير منتج غالبا في معالجة الحواجز التي وضعت بين الأمة والحزب، بل أن استخدامه في معالجتها كان يزيدها تعقيدا ما جعل الكثير من طاقات الحزب تهدر في معالجة تلك الحواجز من دون طائل، برغم انه كان يمكن تجاوزها بانتهاج أساليب عمليه اقل تكلفة وأكثر إنتاجا وتحقق نفس نتائج الأسلوب الفكري.
وحتى لا نضل في دائرة التنظير فقط، نوضح المثال التالي إذ بالمثال يتضح المقال كما يقال:
( تشوه لفظة الحزبية والعمل الحزبي في أذهان الكثير من المسلمين وتأصيل هذا التشوه باسم الإسلام لا يشكل عقبة أمام فكرة النهضة ووصولها إلى الأمة، ولكنه يمثل عائقا أمام نمو الكتلة وقدرتها على العمل في الأمة وعلى اخذ قيادتها.)
الدليل على ذلك أننا حين نطرح أفكار المبدأ في الأمة نلمس شعور الناس بالارتياح والقناعة بصحة الإسلام وعظمته ، وانه فعلا الحل لمشاكل الأمة ويلحظ تأثيرهم بالأفكار، غير أننا بمجرد أن نلفت أنظارهم للحزب ومحاولة أخذهم للعمل معه، نجد ردة فعل الكثير خاصة المتأثرين بالجماعات الإسلامية الأخرى إما النفور وإما الإهمال وعدم التحمس للأفكار.
وما ذلك إلا لتشوه تصورهم للعمل الحزبي، أو لتشوه صورة الحزب نفسه في اذهانهم، وعندما نحاول معالجة المشكلة بالأسلوب الفكري، أي بمحاولة وضع الخط المستقيم في مقابل الخط المعوج بتوضيح الحكم الشرعي ، او بمحاولة توضيح حقيقة ما قيل عن الحزب، نجد في الغالب أننا نهدر وقتا وجهدا كبيرا في معالجة هذه المواضيع دون طائل في الغالب، بل وربما جر النقاش فيها ومحاولة التأصيل الشرعي لها، إلى جدل عقيم يركز الحواجز بدل إزالتها والانشغال بها على حساب العمل لفكرة النهضة.
سقت هذا المثال فقط للتدليل على ضرورة التفريق بين ما يعيق نمو الحزب وما يؤثر على فكرة النهضة، ولألفت النظر إلي أن الأسلوب الفكري هو الأسلوب الفعال في معالجة العقبات التي تؤثر على وصول الفكرة إلي الأمة، بينما ما يؤثر على نمو الحزب وقدرته على العمل في الأمة فيبدو لي ومن وحي التجربة أنها يمكن التغلب عليه بانتهاج أساليب عملية تؤدي لتحقيق نفس نتائج الأسلوب الفكري.
ولأنبه إلي ضرورة تبني استراتيجيات جديدة في العمل على أساس أن احتضان الأمة للفكرة يؤدي إلي احتضان من يمثلها. هذا ما لدي فإن أصبت فبتوفيق الله وفضله وإن لم اصب فمن نفسي، واستغفر الله العظيم لي وللمسلمين.
دمتم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.