المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : منهج الحركة



أبو فارس
08-06-2008, 10:47 PM
تختلف الجماعات العاملة اليوم في حقل الدعوة اختلافاً واسعاً حول منهج الحركة الواجب اتباعه في المرحلة الراهنة. وربما لم يكن هذا الخلاف قائماً قبل ربع قرن من الزمان. فقد كانت الحركة تسير على المنهج الذي رسمه الإمام الشهيد وأقام جماعته على أساسه، ولم تكن هناك في الساحة جماعات أخرى غير تلك الجماعة.
ولكن الموقف اليوم يختلف.
تعددت الجماعات، وتعددت وجهات النظر. وتعددت المواقف بتعدد وجهات النظر.
ولكن هناك أمراً مشتركاً يجمع بين معظم هذه الجماعات، وإن اختلفت مواقفها ومناهجها. هو التعجيل!
يقولون: مضى على الدعوة أكثر من نصف قرن. ولم تنجح بعد. أي لم تصل إلى الحكم لتحقيق ما تدعو إليه من تحكيم شريعة الله، وحل مشاكل المجتمع على أساس المنهج الرباني.
وفي ذات الوقت يقولون: إن الشيوعيين ينجحون، وغيرهم من الأقليات التي ليس لها سند شعبي ولا حجم يذكر تصل إلى الحكم، والمسلمون لا يصلون! فلابد أن هناك خطأ في منهج الحركة. ولابد من التغيير. وعند هذه النقطة يبدأ الخلاف!
ولابد لنا قبل أن نبحث المنهج الذي ينبغي اتباعه في المرحلة الراهنة، أن نصحح هذا التصور ذاته: هل يصح قياس الحركة الإسلامية على الحركات الشيوعية والعلمانية والأقليات التي تصل إلى الحكم وتقهر الشعوب؟!
إننا إن لم ندرك بادئ ذي بدء أن هذه الحركات لا تنجح بجهدها الذاتي، ولا بثقلها الذاتي، إنما تُنْجَحُ من الخارج، بتحريك أعداء الإسلام لها، وإعطائها السند اللازم لها، والقوة اللازمة لقهر شعوبها وإذلالها. لا نكون جديرين بالعمل في مجال الدعوة، لأن العمل يحتاج إلى البصيرة والوعي، ويغيرها لا يقوم عمل على الإطلاق، فضلاً عن العمل الإسلامي.
{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي} [سورة يوسف 12/108]
فإن أدركنا هذه البديهية، فينبغي أن ندرك بعدها – أو معها – حقيقة أخرى ما زالت تخفي على الكثيرين.
فإذا كان لابد لكل حكم من سند يسنده لكي يقوم أولاً، ولكي يستمر في الوجود بعد ذلك. فأين هو السند الذي يقيم الحكم الإسلامي في الوقت الحاضر، ثم يظل مسانداً له لكي يستمر في الوجود؟
وإذا كان الشيوعيون والعلمانيون والأقليات التي تصل إلى الحكم تقوم أساساً بتحريك أعداء الإسلام، وتستمر في الوجود بسندهم لها، فهل أعداء الإسلام – سواء روسيا أو أمريكا – سيسمحون بقيام حكم إسلامي فضلاً عن أن يسندوه إذا قام؟ أم أنهم يتربصون بالمسلمين ليمنعوهم من تحقيق وجودهم الإسلامي، كما تفعل أمريكا في كل البلاد الواقعة تحت نفوذها؟!
لابد إذن – بداهة – أن يقوم السند للحكم الإسلامي من داخل الأمة المسلمة ما دام لا يمكن أن يجئ من خارجها. فهل هذا السند موجود في الحقيقة؟!
إن الذين يقولون – بلا رؤية – نعم، يقعون في ذات الغلطة التي وقع فيها العمل الإسلامي أول مرة، وهي افتراض أن "القاعدة الإسلامية" قائمة بالفعل، وما علينا إلا أن نذكى الوجدان الدينى، وندفعه للعمل، فينتهي الإشكال!
ونكون بهذا قد أضعنا أكثر من نصف قرن من العمل في ميدان الدعوة، دون أن تأخذ العبرة، ودون أن نكتسب الخبرة اللازمة لتكوين "البصيرة" المطلوبة.
لقد أثبتت التجربة – سواء في مقتل الإمام الشهيد أو في مذابح السفاح – أن القاعدة التي توهمنا وجودها لم تكن موجودة بالفعل، وأنها في حاجة إلى الإنشاء من جديد. وإنما الموجود هو جماعة أو جماعات قائمة بالعمل الإسلامي، وليس بينها وبين "الجماهير" في الحقيقة "قضية مشتركة". وإن حدث التعاطف العارض بين الجماهير وبين هذه الجماعات حين تتعرض للقتل والتعذيب، أو حين تقع منها بطولات تهز مشاعر الجماهير.
إن هذا التعاطف العارض – أياً كان حجمه – أمر يختلف عن وجود "القضية المشتركة" بين هذه الجماعات وبين الناس. والقضية المشتركة التي ينبغي أن تكون، هي وجوب التحاكم إلى شريعة الله، ونبذ غيرها من الشرائع كما أمر الله:
{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} [سورة الأعراف 7/3]
{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)} [سورة المائدة 5/50]
وهذه القضية ما تزال – كما أثبتت التجربة – غير واضحة المعالم عند الجماهير.
نعم إن القاعدة الواعية لهذه القضية، العاملة من أجلها، قد أخذت تتسع ولا شك. وذلك من المبشرات الموجودة في حقل الدعوة اليوم. ولكنها ما تزال أضأل بكثير منا لحجم اللازم لإقامة الحكم الإسلامي، ومساندته لكي يستمر في الوجود.
إن حجم الانحراف الذي وقعت فيه الأمة خلال القرون – وفي القرن الأخير خاصة – أضخم بكثير مما يتصوره الكثيرون. إنه – كما بينا جيداً من قبل – ليس فساداً في السلوك فحسب، ولكنه فساد في التصور وفساد في السلوك. فساد في تصور كل المفاهيم الرئيسية للإسلام، بدءاً بمفهوم لا إله إلا الله، الركن الأول والأعظم في هذا الدين.
وتغيير حال هذه الأمة، وإرجاعها إلى حقيقة الإسلام، أمر لا يتم بالسهولة التي يتصورها كثير من الناس، إنما يحتاج – بحسب السنة الجارية – إلى وقت أطول بكثير، وجهد أكبر بكثير، مما تم في هذه اللحظة في جميع الميادين!
يحتاج أولاً إلى تبيين الحقائق المجهولة من هذا الدين، بدءاً بحقيقة لا إله إلا الله ( )، ويحتاج ثانياً إلى تربية الناس على ما تقتضيه هذه الحقائق من سلوك واقعي في واقع الحياة. وهو جهد طويل طويل لا يمكن – بحسب السنة الجارية – أن يتم في سنوات قصار. والسنوات التي مرت في الدعوة. بالقياس إلى عمر الأمم – قصار، جد قصار!

من فصل "منهج الحركة" في كتاب "واقعنا المعاصر" للأستاذ محمد قطب.

يتبع بإذن الله..

أبو محمد الراشد
15-06-2008, 08:44 PM
تابع ننتظر ، جزاك الله خيراً ..

أبو فارس
17-06-2008, 10:44 PM
أشكرك أخي أبو محمد على الاهتمام بهذا الموضوع، لأنه على قدر من الأهمية بالنسبة لحملة الدعوة الإسلامية..

ولنتابع بإذن الله:



وهنا – وبصبر نافد – يخرج المتعجلون – ومعظمهم من الشباب المتحمس – بسؤالين يصبان في النهاية في ملتقى واحد: وهل من المعقول أن ننتظر حتى تتربى الأمة كلها على الإسلام، وهو أمر لا يتحقق بالفعل؟ وكيف نربى والحكومات المعادية للإسلام تنقض علينا كل فترة من الزمن، كلما ربينا جيلاً من الشباب أخذوه، فعذبوه وقتلوه وقضوا عليه؟!
فأما بالنسبة للسؤال الأول، فلم يقل أحد قط إنه ينبغي الانتظار حتى تتربى الأمة كلها، فهذا أمر – بالفعل – لا يتحقق أبداً في واقع الأرض. ومجتمع الرسول  لم يكن كله على القمة السابقة التي كان عليها أصحابه رضى اله عنهم، الذين رباهم على عينه، وتعهدهم برعايته. بل هؤلاء أنفسهم لم يكونوا على مستوى واحد من العظمة والارتفاع، وقرن الرسول  هو خير القرون على الإطلاق. فما بالك بقرننا الحاضر!
إنما المقصود – كما أشرنا مراراً – أن تتربى القاعدة التي تحمل البناء، بالحجم المعقول، وبأقرب شئ إلى المواصفات المطلوبة لهذا العمل الخطير. خطير لا في حياة هذه الأمة فحسب، بل بالنسبة للبشرية كلها في زمننا هذا الذي نعيش فيه ( ).
وأما بالنسبة للسؤال الثاني فليس صحيحاً ما يتصوره بعض الناس – في نظرتهم المتعجلة – من أن أعداءنا يقضون على جهدنا كله، وعملنا كله، وكلما ربينا جيلاً من الشباب أخذوه.
إنهم بالفعل يعوقون الحركة على الانطلاق. أما القضاء على الحركة فهم أنفسهم لا يزعمون ذلك وإن تمنوه! إنما الذي يحدث دائماً – بقدر من الله، وحسب سنة من سنن الله – أنه بعد كل مذبحة بشعة يقومون بها يأتي مد جديد من الشباب، وتتسع القاعدة على الدوام – برغم كل التعذيب الوحشي، وكل التقتيل والتشريد، بقدر من الله، وحسب سنة من سنن الله:
{سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (23)} [سورة الفتح 48/23]
ويقول المتعجلون: لقد ربينا بما فيه الكفاية. وآن الأوان أن "نعمل".
وهذه القولة – على قصرها – تشتمل على قضيتين خطيرتين من قضايا العمل الإسلامي، تحتاج كل منهما إلى بيان:
الأولى: هل ربينا حقاً بما فيه الكفاية؟ وما المعيار الذي نقيس به ما تم من التربية حتى اليوم، لنعرف إن كان كافياً أم إنه يحتاج إلى مزيد.
والثانية: ما نوع "العمل" المقصود، الذي يفكر فيه المتعجلون؟
وأبدأ بالقضية الثانية لأنها قد تكون أيسر بياناً من الأولى، لأنها محددة في أذهان أصحابها، أما الأولى فما تزال تحتاج إلى تحديد.
هناك نوعان رئيسيان من التفكير، ونوعان من العمل، يفكر فيهما المتعجلون بحسب كونهم من الشباب ومن الشيوخ، بالإضافة إلى لون ثالث سنتحدث عنه، وإن كان لا يمثل حتى الآن ظاهرة في ساحة العمل الإسلامي، ولكن أصحابه يحاولون أن يجعلوا منه تلك الظاهرة، ويحاولون أن يحولوا العمل الإسلامي كله إليه.
فأما الشباب – الذين تملؤهم الحماسة وتدفعهم إلى التعجل – فتفكيرهم هو وجوب الوصول إلى الحكم بالقوة، وتربية الأمة من موقع السلطة لا من موقع الدعوة، لأن التربية من موقع الدعوة أمر يطول به الزمن ويطول به الطريق، بسبب وقوف الأعداء بالمرصاد، وتعويقهم المستمر للحركة الإسلامية، وتشتيتها كلما أرادت أن تتجمع.
وأما الشيوخ – الذين أجهدهم المشوار الطويل، والضربات المتوالية على الطريق – فتفكيرهم هو الدعوة السلمية التي لا تصطدم مع السلطة أبداً، والتي تتخذ جناحاً من أجنحتها الدخول في البرلمانات والانتخابات، ومحاولة التأثير على مجرى السياسة من داخله، أو على الأقل إعلان صوت الإسلام من داخل الأجهزة السياسية التي تسيطر اليوم على حياة الناس، حتى يكون لهذا الصوت وقع في حس الناس.
ونحن نفترض – بادئ ذي بدء – الإخلاص الكامل في كل من الفريقين (والفريق الثالث كذلك الذي سنتكلم عنه فيما بعد) ولكن الإخلاص وحده لا يكفي! بل لابد معه من البصيرة، لأن عدم البصيرة حري أن يفسد ثمرة الإخلاص!
ونعيد ما قلناه من قبل. إن الحكم الإسلامي لن يتلقى سنداً من أعداء الإسلام في الخارج – لا من روسيا ولا من أمريكا. لا من الصليبية ولا من الصهيونية، ولا من معسكر الشرك كله – فلابد أن يكون سنده من الداخل. فأين هي "القاعدة الإسلامية" التي تسند الحكم حين يقوم، وتسنده بعد ذلك لكي يستمر في الوجود؟
نفترض جدلاً أن مجموعة من الشباب المتحمس قد أحكمت التدبير، فقامت "بانقلاب" وأقامت حكومة إسلامية في أي بقعة من العالم الإسلامي. فمن يسندها؟!
ولنأخذ مصر مثلاً. وقد تحدثنا عن "التجربة المصرية" من قبل. و"القاعدة الإسلامية" في مصر هي أوسع قاعدة حتى الآن في العالم الإسلامي كله، فهل تكفي هذه القاعدة لسند الحكم الإسلامي، وحمايته من العدوان الصليبي الصهيوني المتوقع في جميع الأحوال؟
ولنفترض أن أمريكا لم تتدخل بعدوان مباشر كما تحدثها نفسها الشريرة في بعض الأحيان، ولا حرضت إسرائيل على العدوان كما تفعل في كل الأحيان. وإنما فقط مُنع القمح عن الشعب المصري!
هل يصبر الشعب المصري – في حالته الراهنة – على الجوع من أجل إقامة الحكم الإسلامي؟ أم تسير المظاهرات – بقيادة الشيوعيين والعلمانيين والملحدين، ومن ورائها "الجماهير" الجائعة – تقول: نريد الخبز والحرية؟!
فلنكن واقعيين. ولنقل إن "القاعدة الإسلامية" لم تزل بعد اصغر من حجم العمل المطلوب!
وقبل أن تقوم القاعدة بالصورة الصحيحة، فكل محاولة للصدام مع السلطة للوصول إلى الحكم عبث غير مبنى على بصيرة ولا تدبر. وقمته هو ما حدث في مذبحة حماة. نموذجاً بارزاً ينبغي أن تتدبره الحركة الإسلامية جيداً لتعرف كل أبعاده، ولا تقع في مثله مرة أخرى مهما كانت الأسباب.
فإن قال المتعجلون من الشباب: كيف نقعد "بلا عمل" حتى تتكون مثل تلك القاعدة؟ فنقول إن القاعدة تتكون، ببطء، نعم، ولكنها تتسع على الدوام، ولا تتوقف على النمو، وينضم لها على الدوام شباب جديد، يعلم سلفاً عقبات الطريق، وعذابات الطريق، فيوطن نفسه على ملاقاة الموت، واحتمال العذاب، ويوطن نفسه كذلك على المشوار الطويل. وذات يوم – لا يعلمه إلا الله سبحانه – ستنضح القاعدة وتتسع، وتصبح بندقة صعبة الكسر. وعندئذ – بسنة من سنن الله الجارية – سيدخل الناس فيها أفواجاً، وسيجد العدو نفسه لا أمام جماعة منعزلة يحصدها حصداً وهو مطمئن، إنما أمام أمة قد اجتمعت على إرادة موحدة. فيجرى قدر الله بما تفرح به قلوب المؤمنين.
أما القول بأن الشباب سيقعد "بلا عمل" حتى تتكون تلك القاعدة، فهو صادر عن تصور معين للعمل، يملأ قلوب هؤلاء الشباب وأفكارهم، فلا يتصورون "العمل" إلا حمل السلاح وملاقاة الأعداء‍ ويتصورون أي شئ غير ذلك قعوداً بلا عمل!
فتقول لهم: من إذن الذي سيبنى القاعدة؟! إن لم يكن هؤلاء الشباب أنفسهم؟! وكيف يكونون بلا عمل إذا كانوا منهمكين في البناء؟!
إنما تصدر هذه المقولة عن الشباب المتعجل نتيجة أمرين معاً: عدم إدراك الأبعاد الحقيقية المطلوبة لعملية التربية، والاعتقاد – من ثم – بأن التربية قد تمت، وأننا ينبغي إذن أن ننقل إلى الخطوة التالية، وهي حمل السلاح وملاقاة الأعداء.


يتبع بإذن الله..

أبو محمد الراشد
18-06-2008, 07:35 AM
جزاك الله خيراً .. قرأت وسأعمل على القراءة مرة أخرى ..