المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نص مترجم لتوصيات كبار المسوؤلين الأمريكان لإدارة أوباما



بوفيصيل
28-03-2012, 08:50 AM
في أواخر الفترة الرئاسية لجورج بوش الابن استشعر أقطاب السياسة الأمريكية من ساسة واقتصاديين ومستشارين مخضرمين الخطر المحدق بالمصالح الأمريكية وبمكانة الولايات المتحدة بصفتها القوة العظمى في العالم في حال استمرت في سياسة الاشاحة بوجهها عن البت في قضية فلسطين، وواصلت التعامل بفتور مع مشاكل الصراع العربي "الإسرائيلي"، فتنادى كبار القوم لتشكيل هيئة تقدم رؤيتها بهذا الخصوص، وكان على رأس مقترحي تأليف هذه اللجنة هنري سيغمان الكاتب الصحافي المخضرم والمدير التنفيذي السابق للمؤتمر اليهودي الأمريكي، والحاخام الأرثوذكسي الذي كان يرأس مجلس الكنس اليهودية في أمريكا. وقد أشرف سيغمان من خلال رئاسته لمؤسسة ومركز "المشروع الأمريكي للشرق الأوسط" الذي أشرف على عمل هذه اللجنة التي تشكلت من عشرة من كبار الشخصيات الأمريكية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي كليهما،
وأصدر البيان الذي خلصت إليه اللجنة بعد دراستها للموقف الأمريكي والأوضاع بشكل شامل وضمنته خلاصة توصياتها لاستنقاذ الفرصة الأخيرة (كما وصفوها) لإحلال السلام في الشرق الأوسط اعتماداً على تصور الدولتين الذي أفصح عنه جورج بوش عام 2002 حين تحدث عن رؤيته. وقدمت هذه اللجنة التي تألفت من مستشار الأمن القومي الأسبق زبيغنيو بريجنسكي، والبرفيسور تشاك هاغل، عضو مجلس الشيوخ الأمريكي السابق، ولي هاميلتون، مدير مركز وود رو ويلسون الدولي للدراسات، وكارلا هيلز، السفيرة الأمريكية السابقة وكبيرة وفد التفاوض التجاري الأمريكي في عهد بوش، ونانسي كاسيبوم بيكر، العضوة السابقة في مجلس الشيوخ الأمريكي، وتوماس بيكرنغ، مندوب الولايات المتحدة السابق إلى الأمم المتحدة، وبرنت سكوكروفت، مستشار الأمن القومي الأسبق في عهد الرئيس جيرالد فورد، وثيودور سوريتسن، المستشار الخاص الأسبق للرئيس جون كنيدي، وبول فولكر، رئيس المجموعة الاستشارية الاقتصادية في إدارة الرئيس باراك أوباما، وجيمس ولفنسون، الرئيس السابق للبنك الدولي، والمبعوث الأمريكي السابق إلى غزة.
وفي ما يلي التوصيات التي انتهت إليها اللجنة لانعاش فرص السلام في الشرق الأوسط وقدمتها إلى إدارة الرئيس باراك أوباما.
تقسيم مدينة القدس وحل مشكلة اللاجئين بالتعويض والتوطين
نحث الإدارة الأمريكية على بذل جهود فعالة وبإرادة قوية وتصميم، للوصول إلى حل فوري لقضية الصراع العربي "الإسرائيلي" نظراً لفشل المباردات السابقة. لا شك أن توصيات ستقدم للادارة الأمريكية الحالية لتجنب أو ارجاء المشاركة في محاولات احلال السلام، للأسباب الثلاثة التالية:
1- التركيز على الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي" سيحول اهتمام الرئيس الأمريكي، ويعطل سعيه لمجابهة تحديات حرجة ومهددة للأمن الأمريكي، فالتوصيات أو النصائح التي ستقدم للرئيس ستحثه على الاهتمام بالبؤر الساخنة في العراق وإيران وأفغانستان، وروسيا، وخطر المنظمات الارهابية.
2- السلام لا يمكن فرضه بواسطة الولايات المتحدة أو أي طرف خارجي، والحل الدائم لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال طرفي النزاع أنفسهم.
3- الضغط على طرفي الصراع للتوصل إلى اتفاق، قد يغضب الناخبين الأمريكيين.
نحن نعتقد أن كل الأسباب الجدلية الثلاثة السابقة، مجرد حجج باطلة.
والآن، في الوقت الذي يتفادى فيه أعداؤنا تفوق أمريكا العسكري عبر الارهاب وحرب المعلومات، يصبح السلام العربي "الإسرائيلي" لا غنى عنه.
وعلى الرغم من أن السلام العربي "الإسرائيلي" الشامل لن يمحو القاعدة أو يزيلها من الوجود، إلا أنه سيساعد على تجفيف المستنقع الذي تنمو فيه هي والمنظمات الارهابية العنيفة الأخرى، وحل الصراع العربي "الإسرائيلي" سيزيل مصدراً رئيسياً من مصادر عداوة المسلمين في كل العالم للولايات المتحدة، وسيقلص المكاسب الاستراتيجية التي حققتها إيران مؤخراً وحل الصراع العربي "الإسرائيلي" لن يقلل الاهتمام بأزمات الشرق الأوسط، بل على العكس، سيسهل ويدفع جهود حلحلة هذه الأزمات.
اذن، يتوجب على الولايات المتحدة أن تشارك بفعالية، وتتوسط بايجابية لحل الصراع العربي "الإسرائيلي"، وألا تخلي الساحة لأعدائها الذين يعتبرون أن هذا الصراع يغذيهم ويبقيهم على قيد الحياة، وفقاً للاستطلاعات، تؤيد غالبية الشعبين الفلسطيني و"الإسرائيلي"، التسوية العادلة، والدول العربية تقدم حالياً، دعماً غير مسبوق لمبادرة السلام العربية التي طرحت في ،2002 وإذا دعمت الولايات المتحدة مبادرة سلام جادة، سترحب بها أوروبا وسيتلقاها باقي العالم كله بحفاوة، فأي اتفاق سلام شامل ستكون له قيمة استراتيجية ثمينة، لأن ثمة خطرين محدقين يرغب كثيرون في التخلص منهما، وهذان الخطران يتمثلان في إيران والحركات الإسلامية المتشددة.
ونحن كذلك لا نعتقد أن التوصل لاتفاق سلام بين الفلسطينيين و"الإسرائيليين"، قد يغضب ناخبين أمريكيين محددين. ونحن لا نعتقد ان أي رئيس أمريكي سيكون صعباً عليه أن يشرح للشعب الأمريكي لماذا يجب انهاء هذا الصراع الطويل، ولماذا يجب انفاق أموال كثيرة، وبذل جهد دبلوماسي فائق لتحقيق مثل هذا الاتفاق والمحافظة عليه.
وإذا لم يعمل الرئيس على معالجة قضية الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي" في بدايات عهده الرئاسي، فمن غير المرجح أن نرى حلاً في مرحلة لاحقة. وإذا تلكأت الإدارة الحالية في ايجاد هذا الحل، فإن رصيدها السياسي سيتآكل، وستزداد العوائق الداخلية، وستفرض قضايا أخرى حضورها وتهيمن على الساحة السياسية الأمريكية، وستعمل الأطراف المتصارعة على اطالة أمد الحرب.

بوفيصيل
28-03-2012, 08:52 AM
والتقاعس عن التحرك بسرعة والعمل بايجابية، ستكون عواقبه وخيمة. وسيكون بمثابة لطمة تعرقل الجهود التي تبذل حالياً لاضعاف المنظمات المتطرفة، وتقوية حلفائنا المعتدلين، وسيقوض كذلك، مساعي تدعيم استقرار العراق واحتواء إيران. وليس هذا فحسب، فالتقاعس والاخفاق في ايجاد حل سريع للصراع العربي "الإسرائيلي"، من شأنه أن يعرض مبدأ "حل الدولتين" لخطر الاندثار، في ظل سياسة توسيع المستوطنات التي غدت سياسة راسخة، ومن شأنه أيضاً، تقوية قبضة المتطرفين في الجانبين العربي و"الإسرائيلي". وباختصار فإن ما تبقى من وقت في هذه المرحلة، يمثل الفرصة الأخيرة لايجاد حل عادل، ودائم، وقابل للتطبيق.
4 خطوات
ولكي نضاعف فرص ايجاد حل سلمي، نحث على أربعة إجراءات أو خطوات مفتاحية، مستلهمين الدروس والعبر من النجاحات والاخفاقات السابقة، وهذه الخطوات هي:
1- عرض رؤية أمريكية واضحة لإنهاء الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي":
من المعروف ان شقة الخلاف والنزاع بين الطرفين عميقة للغاية، والتفاوت في ميزان القوى بينهما، تفاوت هائل، ولذلك فمن الصعب عليهما حل الصراع من دون تواجد الولايات المتحدة لكي تعمل كوسيط خارجي نزيه ومنصف، يسهل ايجاد حل. وأهم خطوة ينبغي على الرئيس أوباما أن يركز عليها مبكراً، في بداية فترته الرئاسية، تمتين وتقوية الخطوط العريضة لاتفاق سلام عادل وقابل للتطبيق ودائم، وهذا الاتفاق يفترض ان يبنى على المبادئ والأسس التي سبق أن قبلها الطرفان "الإسرائيلي" والفلسطيني، بتوقيعهما على قرارات مجلس الأمن ،242 338 وتوقيعهما على اتفاقات أوسلو، وخارطة الطريق ،2003 وتفاهمات أنابوليس ،2007 وبناء على ما سبق نستطيع أن نقول، إن ادعاءات البعض التي تتلخص في أن ترقية وابراز الأسس والمبادئ السابقة، سيلقيان على عاتق الإدارة الأمريكية عبئاً ثقيلاً، لا أساس لها من الصحة.
المعايير الأمريكية ينبغي أن تركز على التسويات الجوهرية التالية:
* التأكيد على مبدأ حل الدولتين، والذي يجب أن يكون مبنياً على حدود 4 يونيو/ حزيران ،1967 بتعديلات بسيطة، ومتبادلة، ومتفق عليها وفقاً لما ورد في "البند 1" من الفقرة 1 من اتفاق تبادل الأراضي، للأخذ في الاعتبار المناطق التي يوجد بها كثافة سكانية "إسرائيلية" في الضفة الغربية.
* حل لمشكلة اللاجئين متسق مع حل الدولتين، وحل مشكلة اللاجئين ينبغي ألا يؤسس أو يكرس لحق العودة، حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين يفترض أن يعالج مشكلة احساس اللاجئين بالظلم، ويوفر لهم تعويضاً مالياً معتبراً، ويساعد على إعادة توطينهم.
* في القدس عاصمتان، بحيث تكون الأحياء اليهودية تحت السيادة "الإسرائيلية" والأحياء العربية تحت السيادة الفلسطينية، مع وضع ترتيبات خاصة للمدينة القديمة تمكن كل طرف من الاشراف على أماكنه المقدسة، وتوفر للمجتمعين "الإسرائيلي" والفلسطيني حرية الوصول للأماكن المقدسة من دون عوائق.
* أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، مع ترتيبات أمنية تأخذ المخاوف "الإسرائيلية" بعين الاعتبار وتحترم السيادة الفلسطينية، وكذلك ينبغي نشر قوات دولية بقيادة أمريكية لضمان فترة انتقالية آمنة.
وقوة حفظ السلام التي ستنشر بتفويض من الأمم المتحدة، ستكون بقيادة أمريكية، على أن يكون القوام الأساسي لها من قوات الناتو وتستكمل بقوات أردنية، ومصرية، و"إسرائيلية". ويفترض ان تعمل قوات حفظ السلام لمدة خمسة أعوام، بتفويض قابل للتجديد، وأن يكون هدفها تحقيق سيطرة أمنية فلسطينية كاملة على الشؤون الأمنية داخل الحدود الفلسطينية في 15 عاماً.
2- تشجيع المفاوضات "الإسرائيلية" السورية لاحداث تغيير جوهري في المشهد السياسي في المنطقة تكون محصلته النهائية، تخليص دمشق من شراكتها الاستراتيجية المقلقة مع إيران. ويجب أيضاً على الإدارة الأمريكية أن تشارك بفعالية في مفاوضات مباشرة بين الجانبين السوري و"الإسرائيلي"، وأن تعمل على توصلهما لاتفاق نهائي، إلى جانب مشاركتها بنشاط في المسار الفلسطيني "الإسرائيلي".
3- أن تعمل الإدارة الأمريكية على نهج أكثر براغماتية تجاه حماس وتجاه حكومة وحدة فلسطينية.
ان التوصل لاتفاق وتطبيقه من الصعب أن يتحقق إذا لم يكن الطرف الفلسطيني المفاوض موحداً، ويتمتع بالشرعية والسلطة الكافيتين. ولذلك يجب اتباع نهج جديد في التعامل مع حماس لأن اغلاق الأبواب في وجهها وعزل غزة جعلاها أقوى، وأضعف فتح، و"إسرائيل" نفسها أقرت بأن حماس مهمة للغاية ولا يمكن تجاهل قوتها.
وباختصار، ينبغي تحويل سياسة الولايات المتحدة من اقصاء حماس إلى تعديل وتحوير سلوكها، بعرض حوافز ومغريات تجعل عناصرها المعتدلة تبرز وتسود، وتوقف علاقة حماس بجهات وأطراف أخرى غير مرغوب فيها، وهذا قد يجعل الحركة تعيد النظر في رؤاها ويكون بمثابة اختبار لسلوكها.
أخيراً، كفوا عن اجهاض محاولات المصالحة الوطنية الفلسطينية وأوضحوا بجلاء ان الحكومة التي توافق على وقف اطلاق النار مع "إسرائيل"، وتقبل بالرئيس محمود عباس كبيراً للمفاوضين وتلتزم بقبول نتائج الاستفتاء الوطني على مستقبل اتفاقية السلام لن تتعرض للمقاطعة ولن تفرض عليها عقوبات.
توجيهات بشأن السياسة المقترحة
1- السلام العربي "الإسرائيلي" من منظور المصالح والقدرات الأمريكية:
قضى رؤساء أمريكا في الحقبة الماضية الشطر الأعظم من العقود الستة المنصرمة وهم يحاولون بذل قصارى جهدهم لصياغة النهج الأمثل لمساعدة العرب و"الإسرائيليين" على حل النزاع المرير وانهاء المعاناة التي خلفتها حروب 1948 و،1967 وما نجم عنهما من لجوء وتهجير ونزوح ومشاكل ازدادت تعقيداً وتفاقمت بعد ذلك. ورافق الانجاز الكبير المتمثل في اقامة دولة يهودية ديمقراطية والحفاظ عليها والحرص على استدامة وجودها في أعقاب "المحرقة" معاناة كبيرة قاساها الفلسطينيون ومازالت مستمرة يكابدون ويلاتها. وفي حين تحظى الصداقة الحميمة وعلاقة الود الكبير الأمريكية "الإسرائيلية" بتقدير عال جداً من قبل الأمريكيين و"الإسرائيليين" على السواء، فإن هذه الصداقة الحميمة بين أمريكا و"إسرائيل" تخلق بحد ذاتها تحديات أمنية وأخرى تتعلق بالسياسة تجابه الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط. ولا يصدق هذا على أي وقت من الأوقات منذ سنة 1948 كما يصدق على الآونة الراهنة، بعد سبع سنوات من هجمات 11 سبتمبر/ أيلول الارهابية وأكثر من خمس سنوات من غزو العراق.
ولطالما كان لنا مصالح استراتيجية بالغة الأهمية في الشرق الأوسط من عهد بعيد: بقاء "إسرائيل" في ضمان الوصول إلى الثروات الطبيعية الحيوية، وأمن خطوط النقل الاستراتيجية، وعلاقات جيدة وطيدة مع الأصدقاء والحلفاء في العالم العربي.
وجاءت هجمات الحادي عشر من سبتمبر فأضافت بعداً جديداً إلى الأمن القومي ومفاهيمه لمتابعة المصالح الأمريكية في السياق العربي "الإسرائيلي". وهذه المصالح تتسم بأنها حيوية ودائمة. ومن أهم ما يسهل تحقيق هذه المصالح ويزيل العقبات من طريقها أن ينظر إلى الولايات المتحدة على أنها تتابع بشكل جدي وتسعى حقيقة لاحلال السلام العربي "الإسرائيلي".
ولم يخطط أسامة بن لادن لهجمات 11/9 على نيويورك وواشنطن ولم يفوض من نفذها للقيام بهذه المهمة من أجل "تحرير فلسطين". ومع ذلك فإن عشرات الملايين من الشبان والشابان في العالمين العربي والإسلامي من مناطق وبقاع، وهم نتاج طفرات ديموغرافية في "تنامي فئات الشباب" في الظروف الاقتصادية التي تجابه تحديات وتواجه صعوبات يتم استهدافهم للتجنيد في صفوف تنظيم القاعدة وفروعه وما تمخض عنه من جماعات نهجت نهجه، ويعزى شطر من أسباب هذا الاستهداف إلى مشاعر الهزيمة والاحباط والاحساس بالظلم والاذلال في سياق الصراع العربي "الإسرائيلي". وبعض حملات التجنيد هذه شق طريقه وانطلق إلى العراق. ولا شك أن هناك جماعات أخرى تنتظر الفرص لتضرب المصالح الأمريكية وتضرب الأمريكيين. ومن المحزن أن أمريكا ما بعد هجمات 11 سبتمبر انتظرت حتى نهاية عهد إدارة بوش لتقوم بجهود متناغمة منسقة لتشجيع المحادثات بين الفلسطينيين و"الإسرائيليين"، وحدث هذا التراخي والتجاهل مع أن غزو العراق واحتلاله طرح المزيد من التحديات الكبرى التي واجهت الموقف الأمريكي في الشرق الأوسط.
إن جمهورية إيران الإسلامية رغم ما تقدمه من دعم مادي للفلسطينيين في المدن والقرى ومخيمات اللاجئين. فإن برنامج إيران المتمثل في اختراق العالم العربي وتحدي حكومات صديقة للولايات المتحدة يعتمد إلى حد كبير على استغلال بؤس الفلسطينيين ومعاناتهم وما يكابدونه وما يحسون به من ظلم واجحاف بحقهم. وفي الحقيقة فإن وكيل إيران المكلف في لبنان (حزب الله) انما أقام دعائم ما يسمى "مقاومته" ليس على اساس القضايا اللبنانية، بل على رغبته المعلنة في "تحرير القدس".
وفي حقبة يتفادى فيها أعداء الولايات المتحدة مجابهة الجبروت والتفوق العسكري الأمريكي ويشنون عوضاً عن ذلك حرب اعلام ومعلومات ويمارسون الارهاب، مستغلين ثغرة الدول المخفقة أو تلك الآيلة، إلى الاخفاق لقتل الأمريكيين ولدحر مصالح أمريكا وضربها فإن ما يتسم بأهمية قصوى أن تجعل الإدارة الأمريكية في صدر أولوياتها فيما يتعلق بالأمن القومي، احلال السلام العربي "الإسرائيلي"، وأن تضع هذا نصب عينيها منذ البداية. وتحقيق سلام شامل عربي "إسرائيلي" من شأنه ألا يجتث تنظيم القاعدة فحسب، بل وأن يساعد على تجفيف المستنقع الذي ينتعش فيه مرض الارهاب وتزدهر أحواله ويفرخ ويتكاثر. ومن شأن معاهدات تبرمها "إسرائيل" مع الفلسطينيين ومع سوريا ولبنان أن تجلب جامعة الدول العربية بأسرها إلى معسكر السلام تمشياً مع مبادرة السلام العربية. وستكتشف إيران التي لا تزال تعادي الولايات المتحدة و"إسرائيل" أن المزايا الاستراتيجية التي فازت بها مؤخراً في العالم العربي قد زالت أو كادت تذهب أدراج الرياح.

بوفيصيل
28-03-2012, 08:54 AM
وعلاقتنا الوطيدة المتميزة والحميمية مع "إسرائيل" هي ما يجعل من الولايات المتحدة قطباً رئيساً في التوسط لاحلال سلام شامل. ويهدف العون الأمني والحوار الاستراتيجي إلى ضمان "التفوق العسكري النوعي الساحق ل "إسرائيل" على أي حشد ضخم من الأعداء يمكن تصوره وان يوطد الشراكة الأمنية الأمريكية "الإسرائيلية". ومع ذلك فإن هناك في "إسرائيل" أقليات قوية عالية الصوت ومتنفذة تعارض السلام، ليس بالكلام فحسب بل بالفعل والتحركات والممارسة.
فالمستوطنون اليهود المسلحون ومؤيدوهم من السياسيين يقولون إنهم لا شأن لهم البتة بهذه الاتفاقيات ولا تعنيهم مثل هذه التسويات أي "التنازلات المؤلمة" على حد تعبير أرييل شارون التي يمكن أن تنشئ دولة فلسطينية قابلة للحياة وتضمن السلام مع سوريا ولبنان. وداخل أدمغة هؤلاء وعقولهم تصورات ورؤى عن صراع أبدي حول التوسع الجغرافي وتوسع المستوطنات اليهودية. والمفارقة تكمن في أن الحرب تحظى بترحاب باعتبارها هبة نفيسة لا تقدر بثمن من قبل أعداء الولايات المتحدة و"إسرائيل". ومع ذلك يدرك معظم "الإسرائيليين" ويقدرون انه في نهاية المطاف ما يهم حقيقة بالنسبة لأمن "إسرائيل" انما هي علاقة ثقة متبادلة وصداقة وود مع الولايات المتحدة. والحكومة "الإسرائيلية" التي تقرر تقديم التنازلات الصعبة والمؤلمة من أجل السلام ينبغي وببساطة أن تكون قادرة على أن تقول، انطلاقاً من غاية الصمود والبقاء السياسي المحلي، "الرئيسي وبالتالي الولايات المتحدة كلها معنا وتريد منا القيام بهذا من أجل قضية السلام".
إن المجموعات التي تحاور "إسرائيل"، من فلسطينيين وسوريين ولبنانيين تريدنا هي الأخرى وتحتاجنا "على المائدة"، والسبيل الأوحد الذي يمكننا من خلاله أن نؤذي "إسرائيل" إنما هو عندما نغيب من دون إذن أو عذر أو نغيب أنفسنا ونتنكب عن مهمة المساعدة في إقامة سلام شامل دائم لا يتزعزع بين "إسرائيل" وجيرانها.
وما يحتاجه الفرقاء العرب منا هو بالضبط ما يحتاجه صناع السلام "الإسرائيليون" الذين يمثلون غالبية "الإسرائيليين"، ألا وهو: دعم أمريكي مادي ومعنوي راسخ ومناصرة لا تتزعزع للحكومة "الإسرائيلية" التي تبدي رغبتها في القيام بما ينبغي القيام به من أجل إحلال السلام مع كل جيرانها. والطبيعة الحميمة جداً للعلاقة الأمريكية "الإسرائيلية" هي التي تجعل من الولايات المتحدة ورئيسها قطب الرحى والعامل الأهم في مساعدة "إسرائيل" على حل القضايا المستعصية على الحل بينها وبين جيرانها.
وثمة في صلب هذا الصراع وقلبه شعبان، هما الشعب الفلسطيني والشعب "الإسرائيلي" وهما شعبان يريدان ويستحقان السلام بعد كل هذه السنين من الصراع. ويعتقد كل فريق منهم أن الفريق الآخر هو الذي بيده مفتاح السلام وأن الطرف الآخر هو من ينبغي أن يتخذ الخطوة الحاسمة الأولى. والثقة بين الطرفين، التي ظلت طيلة عهدها مهتزة متداعية على مدى 60 عاماً تهاوت إلى الحضيض في هذه الآونة. والدور الأمريكي في هذه الظروف الصعبة يتمثل في بذل الولايات المتحدة كل ما يمكنها للمساعدة في استعادة الثقة حتى يأمن الجانبان بعضهما بعضاً وذلك بمد جسور تعاون فعال والحد من عمليات انهيار السلام. ومع ذلك فإن مما يتسم بأهمية قصوى كذلك أن تتولى الولايات المتحدة إقناع كل طرف من الأطراف بأن التنازلات أمر ضروري بالغ الأهمية. وينبغي على الولايات المتحدة أن تقوم بهذا بإصرار وبصورة منهجية يصحبها تصميم على بلوغ الأهداف ومتابعة، وذلك لأن هناك تنازلات مؤلمة مطلوبة من كافة الأطراف. وهذا يتطلب مزجاً دقيقاً ومتوازناً بين الإقناع والمكافأة والإغراء والضغط والترغيب والترهيب الهادف إلى تغيير آلية "إخسر أخسر" إلى ديناميكية تعكس المنافع المشتركة والفوائد المتبادلة.
وثمة مقولة مأثورة يرددها الجميع ويكررونها حتى ابتذلوها، إلا أنها لاتزال تعكس لب الحقيقة وهي أن "كل امرئ يعرف بشكل أو بآخر ما سوف تقوله معاهدات السلام، والجزء الصعب إنما هو الوصول إلى توقيع الاتفاقيات".
ولم يكن هناك في يوم من الأيام نقص في عدد مسودات لغة "المعاهدات" الثنائية غير الرسمية. وهذه ليست ب "عجلة" جديدة يتم اختراعها. وفي الحقيقة، فإنه قد جرى وضع الخطوط العريضة لاتفاق فلسطيني "إسرائيلي" خلال الأيام الختامية من عهد إدارة كلينتون. ومع ذلك فالوصول إلى نهاية اللعبة وتحقيق المأمول لن يكون سهلاً البتة.
دور حاسم للرئيس
وسيكون أمام الرؤساء القادمين أولويات كثيرة (خارجية وداخلية) وهم عرضة بشكل كامل لتفجر أزمة غير متوقعة ولحدوث طوارئ لم يجر التخطيط لمواجهتها. وفي حين عثرت إدارة بوش التي رحلت على طرق لتفادي المشاركة الثابتة المستمرة فإن المقام المركزي للرئيس في الوصول إلى "قول نعم" يطرح أمام الرئيس قضية الوقت والجهد الحثيث المطلوب من البيت الأبيض ألا يدخره للتوصل إلى حل لهذا الصراع. وكان هذا الشعور هو الذي دفع بعض أعضاء إدارة بوش في أول عهده إلى أن ينعت كلينتون بأنه "الضابط المسؤول عن قضية الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي"" وذلك بسبب محاولاته في اللحظة الأخيرة لإبرام سلام وإحلاله، ولا يمكن تفادي الدور الحاسم الذي يضطلع به الرئيس، أو تجاهل الضرورة الملحة للمشاركة إذا كان الهدف هو حماية مصالح أمريكا. ومع ذلك فليس بمقدور أي رئيس، لا سيما الذي ورث حربين مازلنا نخوض غمارهما، أن ينغمس بكليته في قضية تحقيق السلام العربي "الإسرائيلي" على حساب بقية العالم.
ونعتقد أن مبعوثاً رئاسياً خاصاً إلى المنطقة، وينبغي أن يكون هذا الموفد شخصاً يوليه الرئيس ثقة عالية جداً، يمكن أن يحافظ على حضور رئاسي نشط ومتأهب للتصدي للحظات الحاسمة حقيقة، في ذات الوقت يضغط على الأطراف في المفاوضات في اللحظة الملائمة لاختتام النقاش والتوصل إلى نتائج وإقفال الملف. وينبغي أن تكون هناك ثقة لدى الأطراف المعنية بحيادية مثل هذا الشخص الذي يضطلع بهذه المهمة وأن يروا فيه أو فيها شخصاً يتحدث من منطق من لديه السلطات والصلاحيات ليتحدث نيابة عن الرئيس، وإلا فستكون هناك محاولات ناجحة لإجهاض مهمة المبعوث ورمي جهود التسهيل الأمريكية في هوة الفوضى والعبثية، وعملية الضبط والربط الصارمة أمر جوهري غاية في الأهمية.
إذ ينبغي أن ترى الأطراف المعنية في المبعوث الخاص شخصاً يعمل ويتحرك ويتمتع بكافة الصلاحيات والدعم من الرئيس ومن الفرع التنفيذي بأسره.
وبغض النظر عن الكيفية التي سترتب بها الإدارة الجديدة أمورها وتنظم العمل للتعامل مع القضايا العربية "الإسرائيلية" ومعالجتها فإنها لن تتجنب الجدل السياسي والخلافات المحلية السياسية. فثمة يهود أمريكان، كما هناك جماعات نصرانية صهيونية تشعر بارتياح عظيم حين تضخم من أهمية ومكانة سياسيين "إسرائيليين" معادين لسياسة تقديم تنازلات مؤلمة. وفي بعض الأحيان ربما تتخذ الإدارة مواقف تقوم بتنسيقها مع رئيس الوزراء "الإسرائيلي"، الذي ربما انتابه مع ذلك شعور بأنه غير قادر، لأسباب سياسية محلية، على المشاركة في هذا التوجه والضلوع بهذا التحرك. وفوق ذلك، هناك في الحقيقة طرق لا حصر لها ويمكن من خلالها أن تجعل التصرفات والكلمات التي تصدر عن الأطراف العربية السلوك الأمريكي البناء يبدو أضحوكة ومهزلة سخيفة. وقد تتسبب مقاربة دبلوماسية أمريكية صارمة ومنضبطة بغفلة ومن دون قصد في نوبات من الكره والبغض والشحناء التي يمكن أن تؤثر في أولويات أخرى.
غير أننا، على أية حال لا نعتقد أن مما يتجاوز قدرات أي رئيس أمريكي أن يفسر للشعب الأمريكي السبب الوجيه الذي ينبغي لأجله إنهاء هذا النزاع الذي طال أمده وحل هذه القضية بنهاية المطاف، ولماذا يتطلب الأمر بذل جهود دبلوماسية جبارة وإنفاق ما يلزم من مال الخزينة لبلورة الأمور وجعل هذا الحل ممكناً.
وفي آخر المطاف، فإن هناك مخاطر جمة تحدق بنا إن نحن أشحنا بوجوهنا عن هذه القضية ولم نشارك في حلها مشاركة فعالة جداً، أو إن نحن تراخينا وأظهرنا فتوراً حيالها ولم نكن صارمين متمسكين بضرورة الحسم. ويعول المتطرفون والأعداء الإرهابيون، الذين يناصبون كل المثل والقيم والحضارة الأمريكية العداء على الصراع العربي "الإسرائيلي" ويعتبرونه منحة كبرى لا ينضب عطاؤها بالنسبة لهم. وينبغي أن ندرك تمام الإدراك أن الإحجام وتجنب الاضطلاع بالمهام الصعبة المتجسدة في التسهيلات الفعالة وتذليل العقبات والوساطة إنما يعني أن نخلي الميدان لأعداء أمريكا ليصولوا فيه ويجولوا. فإذا ما نظرنا للمسألة على ضوء هذه المعطيات فسيتضح لنا أن ما يبدو في أغلب الأحيان من أوجه مزعجة لعملية إحلال السلام العربي "الإسرائيلي" إنما هي جوانب أقل كلفة بكثير من الإهمال: سواء أكان هذا الإهمال والإعراض لطيفاً حميداً أو غير ذلك.

بوفيصيل
28-03-2012, 08:56 AM
لو كانت المساعدة والوساطة ومد يد العون وتقديم التسهيلات من أجل تحقيق السلام العربي "الإسرائيلي" سهلة ميسورة لكان السلام قد تحقق منذ عهد بعيد وأنجز. وتتسم القائمة التالية التي عرضنا فيها للعقبات التي قد تعترض سبيل إجراء مفاوضات ناجحة بالأهمية، وإن لم تكن شاملة تحيط بكل تلك العراقيل.
الشكوك العميقة الأغوار بين الشعبين وانعدام الثقة إلى حد كبير على الصعيد الشعبي.
فالفلسطينيون يعانون ويئنون تحت وطأة الاحتلال "الإسرائيلي" الذي يكاد ثقله يسحقهم ويحطم معنوياتهم ويلقي بهم في غياهب الفوضى والتشوش، لذا تكاد ثقتهم تكون معدومة تماماً في رغبة "إسرائيل" ونيتها في رفع هذه المعاناة وإنهاء هذا الاحتلال طواعية. ويرى "الإسرائيليون" فيما يصدر عن الجانب الفلسطيني من عنف وإرهاب استمراراً لتاريخ طويل من استهداف اليهود لأنهم يهود. ويرى السوريون و"الإسرائيليون" بعضهم بعضاً باعتبارهم غرباء متغايرين مختلفين أشد الاختلاف وكأن كل طرف جاء من كوكب مختلف. وأما الفكرة التي تذهب إلى أن "الإسرائيليين" واللبنانيين يمكن أن يتفاهموا ويتناغموا ويتفقوا لو تركهم الآخرون بحالهم من دون أن يتدخلوا فلربما تهاوت منذ زمن بعيد واندثرت ولم يعد لها مصداقية. فحتى في يومنا هذا حيث لم تكتمل دائرة السلام التي اقتصرت على مصر و"إسرائيل" والأردن ثمة نزر يسير من الدفء النفيس على الصعيد الشعبي، فالشعب العربي ظلت الشكوك تراوده والهواجس تحاصره بشأن اليهود ونواياهم وصدق توجههم نحو السلام.
حكومات ضعيفة والهلهلة والوهن في صفوف الشعب "الإسرائيلي" وتشتت آراء اليهود "الإسرائيليين" والتفكك المزمن في وحدتهم في الفكر والتصورات.
درجت العادة على ألا تظهر في "إسرائيل" على الساحة السياسية سوى حكومات تتشكل من ائتلاف عدة أحزاب لا يوحد بينها في أغلب الأحيان إلا الرغبة في تجنب الانتخابات الوطنية لأطول وقت ممكن، كي تحتفظ بسيطرتها على الوزارات الرئيسية. ففي حين تملي الرغبة في استدامة النفوذ والقوة داخل الدائرة الانتخابية والاحتفاظ بالمكاسب السياسية المتفرعة عن هذا، تدفع هذه الرغبة الكتل السياسية وتحثها على التشدد في مسألة الضبط والربط داخل كياناتها الحزبية فإن انعدام الولاء يشكل ظاهرة واسعة النطاق تنتشر في أوساط هذه الأحزاب التي تتفشى فيها الخيانة والطعن في الظهر لا سيما في الوزارات حيث تطفح هذه البيئات السياسية بالشحناء والبغضاء وتدبير المكائد. ورئيس الوزراء الذي يهتم بشكل مخلص في إنجاز مرحلة حاسمة من التحرك السياسي الهادف إلى تحقيق سلام شامل يحتاج إلى مهارات سياسية هائلة ومتميزة جداً وإلى دعم أمريكي ومناصرة دائمة ثابتة ومطردة على طول الخط (يتميز أحياناً ويتبدى بشكل ضغط) وتعاون وحسن نوايا من قبل الأطراف العربية المتشككة إلى حد كبير جداً بالنوايا "الإسرائيلية"، كما يحتاج كذلك إلى توفيق وحظ سعيد كي تتكلل هذه المساعي بالنجاح.
الشقاق والانشقاق الفتحاوي الحمساوي في الضفة وغزة
والجانب الفلسطيني يعاني أيضاً من تفكك وحدته الوطنية. فمنذ يونيو/ حزيران 2007 وحماس، التي رفضت شروط الرباعية الدولية، تتولى حكم قطاع غزة. وفتح تحكم السلطة الوطنية الفلسطينية من الضفة الغربية، إلا أنه من غير الواضح المدى الذي تمتد إليه سلطتها خارج نطاق رام الله. ويحاول رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس الحفاظ على توازن حرج غير مستقر بين رئيس وزراء إصلاحي يتمتع بالخبرة والكفاءة، وهو سلام فياض وبين حرس قديم فاسد لا يتمتع بالكفاءة. وينسف العنف "الإسرائيلي" الفلسطيني داخل غزة وحولها الآمال في نجاح المفاوضات ويقوض الطموحات ويسد الآفاق ويجعل من المحال تقريباً تنفيذ أي اتفاقية يتم التوصل إليها بشكل كامل.
وغياب الوحدة الوطنية الفلسطينية، على الأقل على شكل مد حكم السلطة الوطنية الفلسطينية ليشمل جميع المناطق المحتلة، يجعل من عملية التفاوض، في أحسن الأحوال معضلة عويصة مشحونة بالإشكاليات. ف "إسرائيل" لا تستطيع إبرام سلام مع طيف واحد من أطياف التركيبة السياسية الفلسطينية، وليس من الواضح إلى أي مدى يصمد القادة الفلسطينيون الذين يجنحون للسلام ويحتفظون بمناصبهم ونفوذهم.
التأثيرات السلبية الخارجية
تبتغي سوريا وإيران، من خلال دعمهما لحماس والجماعات الفلسطينية الأخرى المحسوبة على جبهة "الرفض" و"الممانعة" وحزب الله، الحفاظ على استمرارية المحادثات الفلسطينية "الإسرائيلية" بشكل عقيم والحيلولة دون انتهائها وتوصلها إلى حلول تقفل ملف النزاع. فأما بالنسبة لسوريا فالقول المأثور والمثل السائر الذي كاد يتحول إلى شعار وعنوان لسياستها (وإلى خوف مستساغ مستمرأ) منذ اتفاقية أوسلو في العام 1993 فيما يتعلق باسترداد الأراضي المحتلة كان وببساطة: "فلسطين أولاً، سوريا أبداً". وأما بالنسبة لإيران فإن العنف المتواصل والمستعر بين "الإسرائيليين" والفلسطينيين وبين العرب و"إسرائيل" يتيح فرصة ذهبية لاختراق العالم العربي سياسياً (كما صنعت وحالفها نجاح باهر في لبنان وسوريا) ولتهميش الولايات المتحدة استراتيجياً.
*
تسهيلات وتيسيرات أمريكية غير فعالة ولا تتسم بالإخلاص ولا تؤدي الغرض منها
جاءت مبادرة أنابولس المتأخرة فكانت بمثابة جهد مخلص لكنه مليء بالأخطاء للتعويض عن سبع سنوات عجاف من الغياب الأمريكي عن محادثات سلام جوهرية تتسم بأهمية كبيرة. أتت مبادرة أنابولس لتطلب من الفلسطينيين و"الإسرائيليين" أن ينهمكوا في التفاوض مقدمين حسن النوايا وأن ينفذوا سوية وبشكل متزامن التوجيهات الإلزامية التي صدرت عن اللجنة الرباعية الدولية فيما يخص "خريطة الطريق" من دون أن يكون هناك حضور للأمريكيين في غرفة التفاوض للمساعدة في أن تسير المحادثات بصورة سلسة، هذا مع الافتقار الشديد إلى الحد الأدنى من المساعي والجهود الأمريكية غير المتفرغة التي تضطلع بمهمة "مراقبة" تنفيذ خريطة الطريق، وتذلل بعض الصعاب وتزيد بعض العقبات من الطريق. وهذا النقص والقصور يؤدي إلى إحباط الجهود الدبلوماسية الرامية إلى تحديد معالم سبل وطرق إن وجدت لجلب عناصر من حركة حماس "إلى الخيمة".
وفي حقيقة الأمر فإن مبادرة أنابولس، بالشكل الذي أخرجت به تمنح حق الرفض "الفيتو" للإرهابيين والمتطرفين!
الفتور الشديد في التحركات الدبلوماسية الأمريكية في المرحلة السابقة أيام بوش الابن فيما يتعلق بقضية الشرق الأوسط والتوسط بشأن التوصل إلى تسويات حولها، والتقاعس عن الاضطلاع بمهمة رأب الصدع وسد الثغرات خلال مسيرة المفاوضات الثنائية بين الفلسطينيين لحل الإشكالات وتمهيد السبل أمام التوصل إلى اتفاق فيما يتعلق بقضايا جزئية تتسم بالأهمية.
تهلهل الوضع السياسي الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة الناجم عن الانقسامات الحادة في صفوف الفصائل الفلسطينية والخلاف الدامي المزمن المستعصي على الحل بين حماس وفتح نتيجة استيلاء حماس على قطاع غزة وتفاقم النزاع بين الفريقين وغياب الموقف الفلسطيني الموحد الذي يمكن أن يتبنى سياسة موحدة.
التشكك والريبة والهواجس وانعدام الثقة بين الولايات المتحدة وسوريا
من الناحية الظاهرية على الأقل، لم تكن العلاقات بين واشنطن ودمشق دافئة أبداً، وتراكم جليد كثيف سد طرق تحسين هذه العلاقات إثر غزو الولايات المتحدة وبريطانيا للعراق واحتلاله، وما لبثت هذه العلاقات أن ولجت طور التجميد المرعب الذي ينذر بأسوأ العواقب بعد اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري. ومع أن ابرام معاهدة سلام بين سوريا و"إسرائيل" كان من الممكن أن يستميل دمشق وينتزعها من الدوران في فلك إيران والالتصاق بحلفها ويمهد السبيل أمام "إسرائيل" لإقامة سلام مع الفلسطينيين ولبنان غاب الدعم والتأييد الأمريكي لمقاربة "إسرائيل" هذه الخاصة بهذه القضية، واتسم الموقف الأمريكي بالتذمر وعدم الرضا وإظهار الاستياء وذلك بسبب ما نتفهمه وندرك أنه عداوة تكنها واشنطن لدمشق (وطهران)، وغياب الشهية أو النية لمد جسور تحركات دبلوماسية جادة وصارمة تعتمد استراتيجية الأخذ والعطاء. وظلت واشنطن تتشبث بوجهة نظرها التي ترى أن سوريا ارتمت في أحضان طهران بصورة لا رجعة فيها ولا محيد عنها وأن دمشق لا ترغب بالانعتاق من نير العبودية لإيران وأنها أدمنت انتهاج سياسة رعاية الدولة للإرهاب وأنها عدو دائم ولدود لاستقلال لبنان ورسوخ الديمقراطية في ربوعه. وكانت الإدارة الأمريكية تأمل بأن تعمل المحكمة الخاصة بمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري بشكل أو بآخر على تركيع النظام في دمشق وترويضه لا سيما بعدما أصابه من هلع من شبح تقديمه للعدالة الدولية، وهو رأي تحليلي لم تشارك "إسرائيل" واشنطن فيه.
قضايا جوهرية لا بد من حلها
فلسطين "إسرائيل" (الأراضي)
سوف تستند حدود الدولتين إلى خطوط الهدنة ووقف إطلاق النار في حرب سنة 1967. ومع ذلك يحتمل تعديلها بالاتفاق المتبادل كي تأخذ في الحسبان المناطق التي تسكنها كثافة يهودية "إسرائيلية" في الضفة الغربية منذ عام ،1967 ومناطق تعادلها يتم التنازل عنها لفلسطين بالتبادل. وأما قطاع غزة فليس موضع خلاف، لكن مقدار ما يتم التخلي عنه من أراضي الضفة الغربية ل "إسرائيل" وطبيعة أي "مقايضة" و"تبادل" لتعويض الجانب الفلسطيني سيكون محل خلاف وجدل. وسيكون الهدف هو استيعاب كتل استيطانية ضخمة وضمها إلى "إسرائيل" وصهرها في كيانها، في حين يتم الحفاظ على الامتداد والتجاور الفلسطيني المتصل سواء ضمن الضفة الغربية أو بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث يتحقق هذا بشأن قطاع غزة عن طريق ممر "كوريدور" (مازالت مواصفاته تنتظر التحديد والتعريف) يصل بين غزة والضفة، في محاولة لتزويد كل دولة من الدولتين بمساحة من المناطق وحجم من الأراضي ومساحة حددها خط سنة 1967.
الأمـن
يجب أن تكون الحدود بين الدولتين آمنة سالمة بالمعنى الكامل المحسوس، وأن تكون السيطرة عليها محكمة على طول الحدود بأسرها. وربما تكون مرابطة قوات متعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة أمراً بالغ الأهمية لفترة انتقالية فور إبرام اتفاقية سلام. ومن المرجح أن تكون فلسطين المقترحة هذه دولة منزوعة السلاح. ولا شك أن القدس تقتضي نشوء نظام أمني وإداري خاص بها كما يتطلب وضعها استحداث ترتيبات خاصة تمس الحاجة إليها بالنسبة لاستخدام المجال الجوي الفلسطيني وتنظيم شؤونه، كما أن وضع القدس برمته يحتاج إلى تدابير خاصة.
القدس
يقتضي الوضع المثالي للقدس أن تظل المدينة وحدة متكاملة غير مقسمة في ذات الوقت الذي تؤوي فيه القدس الموحدة هذه عاصمتين وطنيتين، على أن تدار الأماكن التي يقدسها اليهود من قبل "إسرائيل"، أما الأماكن الإسلامية والنصرانية المقدسة فتتولى فلسطين إدارتها. ومع ذلك، فإن الأوضاع الأمنية المتردية التي استجدت وصاحبت "انتفاضة الأقصى" والتي بدأت تداعياتها في سبتمبر/ أيلول عام 2000 ربما جعلت من المحتم (لفترة انتقالية على الأقل) قيام نظام تحكم وهيمنة مادية محسوسة لضمان أمن المناطق "الإسرائيلية" والفلسطينية. وعلى وجه الإجمال، ربما تؤدي الغرض في هذه المرحلة صيغة تحكم فيها "إسرائيل" وتتحكم بالأحياء اليهودية في حين تتحكم فلسطين بالأحياء العربية. وسوف يحتاج الأمر إلى ترتيبات خاصة بالنسبة للمدينة القديمة و(الحوض التاريخي) الذي يشكل جزءاً من القدس. وفي بعض الحالات (وبالأخص "جبل الهيكل" والحرم الشريف) سيتطلب الأمر استحداث مقاربات مبتكرة مبدعة لمعالجة هذا الموضوع.
اللاجئون
بالنسبة ل "الإسرائيليين" يمثل "حق العودة" وما يتعلق بقضيته "الطريق الثالث" النهائي. وبالنسبة للفلسطينيين فإن تمكين أربعة ملايين لاجئ فلسطيني من نيل العدالة وأن يعيشوا بكرامة أمر مطلق لا يقبل النقاش. لذا ينبغي التوصل إلى صيغة لحماية "إسرائيل" من سيل عرم من اللاجئين ومساعدة فلسطين على استيعاب أكبر عدد من اللاجئين يمكنها استيعابه وطرح خيارات أمام الفلسطينيين من أجل أن يحيوا حياة كريمة منتجة سواء في فلسطين، أو في أماكن أخرى، وإغلاق مخيمات اللجوء أينما وجدت. وستكون هذه مهمة تتطلب موارد ضخمة. وفي حين أن الدعم والمناصرة العربية مهمة جداً في هذا السياق وحاسمة، فإن الأمر يتطلب كذلك قيادة أمريكية وتعاوناً "إسرائيلياً".

بوفيصيل
28-03-2012, 08:59 AM
المياه
كان خبراء الشؤون المائية من المسؤولين الفلسطينيين و"الإسرائيليين" يجدون من الممكن، حتى في أسوأ الأوقات، أن يتحدثوا ويتصرفوا بطرق شتى تتماشى مع الإدارة القويمة للموارد الحيوية الشحيحة التي يتقاسمها الطرفان. ومع هذا ينبغي التوصل إلى اتفاق وشروط لحماية أمن "إسرائيل" المائي وضمان وصول "إسرائيل" إلى الطبقات الصخرية المائية الجوفية التي يقع معظمها تحت الأراضي الفلسطينية لتنال نصيبها من هذا المخزون المائي، في حين يتاح لفلسطين أيضاً أن تطور مواردها المائية لدعم التوسع والزيادة في عدد السكان إضافة إلى تلبية
الاحتياجات الزراعية والتطور الصناعي. ويمكن أن تلعب تحلية المياه وتقنياتها دوراً مهماً في زيادة الموارد المائية التابعة للبلديات بالنسبة للفريقين، ويمكن للتعاون في القطاع المائي أن يقوي عرى العلاقة بين "إسرائيل" وفلسطين والأردن.
"إسرائيل" - سوريا - الأراضي
ترغب سوريا باستعادة كل ما خسرته من أراض احتلتها "إسرائيل" في يونيو/ حزيران من عام 1967. فإذا ما استجابت "إسرائيل" لهذا فسوف تسترد سوريا مرتفعات الجولان إضافة إلى 12 ميلاً مربعاً من الأراضي في وادي الأردن، تشتمل على ملكية على واجهة شاطئ البحر في الساحل الشمالي الشرقي من بحر الجليل (الخزان الاحتياطي الطبيعي ل "إسرائيل").
المياه
تأمل "إسرائيل" أن تبسط حمايتها وسلطانها القضائي الكامل على الموارد المائية في الجزء "الإسرائيلي" من وادي الأردن (بما فيه بحر الجليل) وأن تضمن ألا تخلق عودة مرتفعات الجولان إلى سوريا مشاكل بيئية تؤثر في المياه الحيوية بالنسبة ل "إسرائيل". كما تريد "إسرائيل" أيضاً أن تجري موارد نهر الأردن خارج نطاق سلطتها وسيادتها من دون إعاقة أو عراقيل. وأساس معادلة التعامل هنا هو قاعدة: "سوريا تحصل على خط المياه، و"إسرائيل" تحصل على المياه".
الأمن
تكون منطقة مرتفعات الجولان منزوعة السلاح، وترابط قوات محدودة في المناطق على كلا الجانبين، وعلى الأرجح تسيطر على هذه المناطق قوات متعددة الجنسيات تتولى الولايات المتحدة قيادتها، وربما تطلب الأمر أن تكون هذه الصيغة إلزامية.
الوصول الآمن
بغض النظر عن مواضع الحدود الرسمية وأماكنها ينفر "الإسرائيليون" من فكرة التخلي عن مرتفعات الجولان ويكرهونها أشد الكره، ويبغضون عودتها إلى سوريا مهما كان الثمن، لذا سوف يطلب "الإسرائيليون" حق الوصول إلى محيط بحر الجليل بأكلمه.
إيران لبنان حماس
تريد "إسرائيل" أن تضمن ألا تكون عودة الأراضي إلى سوريا قبل إبرام معاهدة سلام، وسيكون استرداد سوريا لهذه الأراضي متماشياً مع مثل هذه الاتفاقية، ويتطلب هذا اتخاذ سوريا لقرار استراتيجي بألا تشارك في أي تحالفات مناوئة ل "إسرائيل" من أي نوع كان. وفوق ذلك، يتوقع من سوريا أن تستخدم نفوذها لتشجيع لبنان على التوصل إلى سلام رسمي مع "إسرائيل" وأن ينهي أي تهديدات ل "إسرائيل" من أراضيه (من الأراضي اللبنانية)، وأخيراً (مع افتراض سنياريو "سوريا أولاً") تريد تل أبيب من دمشق أن تستخدم نفوذها مع حركة حماس وغيرها من المنظمات الفلسطينية لتسهيل عملية السلام الفلسطيني "الإسرائيلي".
ملحق: معالجة تحديات "إسرائيل" الأمنية
السلام بين الفلسطينيين و"الإسرائيليين" لن يتحقق من دون حل الدولتين، وعلى الرغم من أن تحمل المخاطر عنصر أساسي لا يمكن تجاهله في حل وتسوية الصراعات الطويلة، إلا أن "إسرائيل" ليس لديها أي استعداد للمساومة على أمنها إذا أفضت أية اتفاقية سلام لإقامة دولة فلسطينية. وهذا يعني أن الخروج بخطة مفصلة ودقيقة للترتيبات الأمنية، تكون مقبولة للطرفين، أمر لا بد منه ولازم للمساعدة في توجيه وضبط العلاقات الفلسطينية "الإسرائيلية".
تعريف الدولة يتضمن احتكاراً وسلطة مطلقة على الاستخدام الشرعي والقانوني للعنف. غير أن العناصر الإجرامية - حتى في الدول القوية، الراسخة - تقوم بنشاطات غير قانونية - بعض هذه النشاطات يتضمن العنف - وتعبر الحدود للدول المجاورة. وعلى الرغم من أن "إسرائيل" قد تواجه تحديات فيما يتعلق بقضية العنف إذا طبق حل الدولتين، إلا أن الطرف الذي يحتاج للمساعدة الخارجية في المجال الأمني هو الطرف الفلسطيني "الذي بالفعل يتلقى حالياً مساعدات أمنية من الخارج". وفي حالة اتفاق تام بين الأطراف، نحن نتوقع جهوداً دولية نشطة تشارك فيها جيوش خارجية لفترة غير محددة لمساعدة السلطات الفلسطينية على مباشرة والقيام بتنفيذ مسؤولياتها في المجال الأمني، وإعانة السلطات الفلسطينية على بناء قدراتها الأمنية لكي تتمكن في النهاية من العمل من دون مساعدة خارجية.
في النهاية إما أن تصبح الدولة الفلسطينية مسؤولة بالكامل، وكفؤة وقادرة على تحمل مسؤولياتها الأمنية تجاه جيرانها "خاصة "إسرائيل""، أو يصبح "حل" الدولتين عاجزاً عن حل المشكلات الأمنية وبالتالي يتضرر الفلسطينيون و"الإسرائيليون".
وبالتأكيد ستكون الترتيبات الأمنية المؤقتة - بخلاف الترتيبات التي قُبلت من الطرف الفلسطيني في سياق الاتفاق الكامل مع "إسرائيل" - تقتضي تدخلات كثيرة، وهذه الترتيبات المؤقتة قد تشمل سيناريوهات متنوعة، وتشكيلات مختلفة من اللاعبين: هيمنة "إسرائيلية" متواصلة على المشهد الأمني، مشاركة أمريكية، أدوار "إسرائيلية" وفلسطينية في الترتيبات الأمنية المؤقتة، أو دور فلسطيني أولي يكمل بتعاون وتنسيق