muslem
28-12-2011, 09:21 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
شرائع الرسل، ومنافع الحديد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلماً، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس السابع من سورة الحديد، ومع الآية الخامسة والعشرين، وهي قوله تعالى:
﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾
[سورة الحديد]
البينات:
أيها الإخوة الكرام.. إن الحديث عن رُسل الله صَلَوات الله عليهم، جاء بِصِيغة الجمع، وصيغة الجمع تعني أنَّ هؤلاء الرُّسل الكرام على اخْتِلاف عُصورهم واختلاف أقوامهم يأتون بِرِسالة واحدة، قال تعالى:
﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا ﴾
[سورة الحديد]
فمِن حق العباد على ربهم أن يُنَبِّهَهُم و يُحذِّرهم و يُرْشِدهم، فالله سبحانه وتعالى أرْسَل الأنبياء والمرسلين لِيَكونوا هداةً إلى الله عز وجل، ولا شكّ أنَّ الدِّين السَّماوي فيه منهَج وفيه أمر ونهي، والإنسان قد يَعْجب من كثرة أتباع هذه الأديان الوَضْعِيَّة التي هي مِن صُنع البشَر، فهناك أُناسٌ يعبدون البقر! وأناس يعبدون الموج ! وأُناس يعبدون الشمس ! وآخرون يعبدون القمر والنار !! فما سِرُّ كَثْرة أتباع هذه الأديان ؟ السرّ بسيط جداً، وهو أنَّ هذه الدَّيانات ليس لها منهَج، بل فيها: اِفْعَل ما شئْت ! ولكن أًعْلِن ولاءك لهذا الدِّين، وانتهى الأمر بعد ذلك، فلا يوجد لديهم تكاليف، لكنّ الأنبياء والرُّسُل حينما يأتون بِرِسالة من عند الله ؛ فإن مِن لوازم هذه الرِّسالة التكاليف، وكلمة تكليف تعني أنَّه شيءٌ ذو كُلفة، فهناك أمر بالصِّدْق والأمانة والاستقامة، والوفاء بالعَهد، وإنجازهُ، وأمر بِحُسن الجِوار، والكف عن المحارم والدِّماء، فقد قال سيّدنا جعفر: " كنا قوما أهل جاهلية....حتَّى بعث الله فينا...." فحينما يُرسل رسول من عند الله تعالى يأتي ومعه منهج ؛ و هذا المنهج فيه أمْرٌ ونَهْي، وهذا الأمر والنَّهي يُقيِّدُ حُريَّة الإنسان، وهو ضمانٌ لِسَلامته، ولكنَّ الكافر لا يرى هذه السَّلامة، بل يرى في الأمر الإلهي تَقييدًا لِحُريَّتِهِ، لذلك كان ردّ الفِعل الطبيعي للإنسان المُتفلِّت الشَّهواني المُقيم على مباهج الدنيا إذا جاءَتْهُ رِسالة سَمَاوِيَّة أن يقول لهذا الذي جاءهُ: أنت كاذِب !!.
ولا بدَّ مِن أن يؤيِّد الله رُسلَهُ بالبيِّنات، فحينما يقول موسى عليه السَّلام لقومه: أنا رسول الله، ُكَذِّبوه، فأعطاه الله معجزات، منها أنه إذا أمْسَكَ بالعصا كانت ثعباناً ! كما أنه كان يُخرج يده من تحت إبطِهِ فإذا بيضاء للناظرين ! أما سيدنا عيسى فقد كان يحْيي الموتى بإذن الله، ويبْرأ الأكمَه والأبرص بِإذْن الله، وسيّدنا إبراهيم ألقِيَ في النار فكانت برْداً وسلاماً عليه !! و البيِّنات هي المعجزات، وهي شيء خارِقٌ للعادات، لا يستطيعهُ إلا ربّ الأرض والسماوات، فإذا قال إنسان: أنا رسول الله، فالأصل أن تكون لديه معجزة، إلا أنّ معجزات الأنبياء السابقين كانت مُعْجزات حِسِيَّة، فهي كَعُود الثِّقاب يشتعل فيتألّق ثمّ ينطفئ !! ثم يُصبِح خبراً يُصَدِّقُهُ مَن يُصدِّقه، ويُكَذِّبُهُ من يُكَذِّبُه، إلا أنّ معجزة النبي عليه الصلاة والسلام معجزةٌ عَقليَّة بيانيَّة، فليس لها عُمر، وهي قائمة إلى يوم القيامة، فكَّما تقدَّم العِلم كشَف عن جانب من جوانب هذا القرآن العظيم، لذا كان معنى قوله تعالى:
﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ ﴾
[سورة الحديد]
إعجاز القرآن:
( البينات ): هي المعجزات التي تُبيِّن للناس أنَّ هذا الإنسان رسول الله، والنبي عليه الصلاة والسلام جاء بِكتابٍ تحدَّى الله به العرب جميعاً، فما استطاعوا أن يأتوا بِمِثله ولا بِسُورة منه ولا بِعَشر آيات فقط ! فالبرهان القوي على أنَّ هذا القرآن هو كلام الله هو إعجازه، ففيه الإعجاز العلمي، والإعجاز التربوي، والإعجاز البياني والتشريعي والإخباري، ومثال الإعجاز الإخباري هو قول الله تعالى:
﴿غُلِبَتْ الرُّومُ(2)فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ(3)﴾
[سورة الروم]
والإعجاز الإخباري أنواع ثلاثة: إخبار الماضي وإخبار الحاضر وإخبار المستقبل، وهذا موضوع طويل ولا مجال للتَّوسُّع فيه، قال تعالى:
﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ ﴾
[سورة الحديد]
البيّنات: هي الأدلّة الواضحة على أنّ هؤلاء رُسُل من عند الله عز وجل، قال تعالى:
﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ(39)﴾
[سورة يونس]
لقد قال العلماء قولاً رائعاً في تفسيرهم لكلمة (التأويل)، وهو: أن تأويل القرآن الكريم إنما هو وُقوعُ وَعْدِه ووعيده، والله عز وجل يقول:
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾
[سورة النحل]
فالشاب المؤمن الذي يصطلح مع الله يستقيم على أمره يذوق الحياة الطيّبة، فالحياة الطيّبة هي بيّنة من الله عز وجل لهذا المؤمن تثبت له أنَّ هذا القرآن كلامه، أما حينما يُعرض الإنسان عن الله عز وجل إعراضاً شديداً، ويتفلَّت من منهجه، فإن له المعيشة الضَّنك، وهذا أيضاً هو بيّنة من الله لهذا الإنسان على أنّ هذا القرآن كلامه، فلو أنَّ طالباً دخل إلى قاعة التَّدريس فرأى جملة مكتوبة على السبورة تقول: يوجد في الساعة الأولى من يوم الأحد مذاكرة ! فيتساءل: يا تُرى هل هذا الكلام هو كلام الأستاذ أم أن طالباً كتبه ؟! وما الذي يؤكِّد أنَّ هذا الكلام كلام أستاذ الرياضيات ؟ فإذا جاء يوم الأحد و دخل أستاذ الرياضيات في الساعة الأولى وقال: افتحوا أوراق الامتحان كما ذُكِر ! فهذا يؤكِّد أنّ هذا الذي كتب العبارة على السبورة هو أستاذ المادة، كذلك كانت كلّ للأحداث الواقعة مطابقة لما في كتاب الله تعالى، فلو أنّ أحداً سأل نفسَه: ما الذي يؤكِّد لي أنَّ هذا القرآن كلام الله ؟ نقول له: تحرَّك في الحياة كيفما تريد، تجدْ أنَّ أحكام الله وأفعاله تزيدك إيمانًا بهذا القرآن الكريم، فلو أنَّ أحدهم تتبَّع سلوك إنسان مؤمن، وسلوك شاب آخر متفلِّت، لوجد المؤمن موفَّقاً وسعيداً ومتوازناً ومطمئناًّ وراضٍياً بما قسمه الله له، فالمؤمن يُدافع عنه الله تعالى، فله منه التأييد والنصْر والتطمين ؛ و هذا كلّه يلْمسُهُ المؤمن لمْس اليد، فهو حينما يقرأ الآية الكريمة يصدِّقها، لأنَّ الله سبحانه وتعالى بيّن لهذا الإنسان أنَّ القرآن كلامه، فالله تعالى قد توعّد المرابي مثلاً بالمحق، فقال:
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ(276)﴾
(سورة البقرة)
فتَدمير مال المُرابي هو بيّنة من عند الله عز وجل لقارئ القرآن تثبت أنَّ هذا القرآن كلام الله تعالى، وهناك نقطة مهمّة جداً، وهي أنَّ كلّ أفعال الله تُطابِقُ كلامه، ومطابقة أفعال الله لِكَلام الله تعالى هو أكبر دليل على أنّ هذا القرآن كلام الله عز وجل، فالله تعالى يقول:
﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ ﴾
[سورة الحديد]
شرائع الرسل، ومنافع الحديد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلماً، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس السابع من سورة الحديد، ومع الآية الخامسة والعشرين، وهي قوله تعالى:
﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾
[سورة الحديد]
البينات:
أيها الإخوة الكرام.. إن الحديث عن رُسل الله صَلَوات الله عليهم، جاء بِصِيغة الجمع، وصيغة الجمع تعني أنَّ هؤلاء الرُّسل الكرام على اخْتِلاف عُصورهم واختلاف أقوامهم يأتون بِرِسالة واحدة، قال تعالى:
﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا ﴾
[سورة الحديد]
فمِن حق العباد على ربهم أن يُنَبِّهَهُم و يُحذِّرهم و يُرْشِدهم، فالله سبحانه وتعالى أرْسَل الأنبياء والمرسلين لِيَكونوا هداةً إلى الله عز وجل، ولا شكّ أنَّ الدِّين السَّماوي فيه منهَج وفيه أمر ونهي، والإنسان قد يَعْجب من كثرة أتباع هذه الأديان الوَضْعِيَّة التي هي مِن صُنع البشَر، فهناك أُناسٌ يعبدون البقر! وأناس يعبدون الموج ! وأُناس يعبدون الشمس ! وآخرون يعبدون القمر والنار !! فما سِرُّ كَثْرة أتباع هذه الأديان ؟ السرّ بسيط جداً، وهو أنَّ هذه الدَّيانات ليس لها منهَج، بل فيها: اِفْعَل ما شئْت ! ولكن أًعْلِن ولاءك لهذا الدِّين، وانتهى الأمر بعد ذلك، فلا يوجد لديهم تكاليف، لكنّ الأنبياء والرُّسُل حينما يأتون بِرِسالة من عند الله ؛ فإن مِن لوازم هذه الرِّسالة التكاليف، وكلمة تكليف تعني أنَّه شيءٌ ذو كُلفة، فهناك أمر بالصِّدْق والأمانة والاستقامة، والوفاء بالعَهد، وإنجازهُ، وأمر بِحُسن الجِوار، والكف عن المحارم والدِّماء، فقد قال سيّدنا جعفر: " كنا قوما أهل جاهلية....حتَّى بعث الله فينا...." فحينما يُرسل رسول من عند الله تعالى يأتي ومعه منهج ؛ و هذا المنهج فيه أمْرٌ ونَهْي، وهذا الأمر والنَّهي يُقيِّدُ حُريَّة الإنسان، وهو ضمانٌ لِسَلامته، ولكنَّ الكافر لا يرى هذه السَّلامة، بل يرى في الأمر الإلهي تَقييدًا لِحُريَّتِهِ، لذلك كان ردّ الفِعل الطبيعي للإنسان المُتفلِّت الشَّهواني المُقيم على مباهج الدنيا إذا جاءَتْهُ رِسالة سَمَاوِيَّة أن يقول لهذا الذي جاءهُ: أنت كاذِب !!.
ولا بدَّ مِن أن يؤيِّد الله رُسلَهُ بالبيِّنات، فحينما يقول موسى عليه السَّلام لقومه: أنا رسول الله، ُكَذِّبوه، فأعطاه الله معجزات، منها أنه إذا أمْسَكَ بالعصا كانت ثعباناً ! كما أنه كان يُخرج يده من تحت إبطِهِ فإذا بيضاء للناظرين ! أما سيدنا عيسى فقد كان يحْيي الموتى بإذن الله، ويبْرأ الأكمَه والأبرص بِإذْن الله، وسيّدنا إبراهيم ألقِيَ في النار فكانت برْداً وسلاماً عليه !! و البيِّنات هي المعجزات، وهي شيء خارِقٌ للعادات، لا يستطيعهُ إلا ربّ الأرض والسماوات، فإذا قال إنسان: أنا رسول الله، فالأصل أن تكون لديه معجزة، إلا أنّ معجزات الأنبياء السابقين كانت مُعْجزات حِسِيَّة، فهي كَعُود الثِّقاب يشتعل فيتألّق ثمّ ينطفئ !! ثم يُصبِح خبراً يُصَدِّقُهُ مَن يُصدِّقه، ويُكَذِّبُهُ من يُكَذِّبُه، إلا أنّ معجزة النبي عليه الصلاة والسلام معجزةٌ عَقليَّة بيانيَّة، فليس لها عُمر، وهي قائمة إلى يوم القيامة، فكَّما تقدَّم العِلم كشَف عن جانب من جوانب هذا القرآن العظيم، لذا كان معنى قوله تعالى:
﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ ﴾
[سورة الحديد]
إعجاز القرآن:
( البينات ): هي المعجزات التي تُبيِّن للناس أنَّ هذا الإنسان رسول الله، والنبي عليه الصلاة والسلام جاء بِكتابٍ تحدَّى الله به العرب جميعاً، فما استطاعوا أن يأتوا بِمِثله ولا بِسُورة منه ولا بِعَشر آيات فقط ! فالبرهان القوي على أنَّ هذا القرآن هو كلام الله هو إعجازه، ففيه الإعجاز العلمي، والإعجاز التربوي، والإعجاز البياني والتشريعي والإخباري، ومثال الإعجاز الإخباري هو قول الله تعالى:
﴿غُلِبَتْ الرُّومُ(2)فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ(3)﴾
[سورة الروم]
والإعجاز الإخباري أنواع ثلاثة: إخبار الماضي وإخبار الحاضر وإخبار المستقبل، وهذا موضوع طويل ولا مجال للتَّوسُّع فيه، قال تعالى:
﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ ﴾
[سورة الحديد]
البيّنات: هي الأدلّة الواضحة على أنّ هؤلاء رُسُل من عند الله عز وجل، قال تعالى:
﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ(39)﴾
[سورة يونس]
لقد قال العلماء قولاً رائعاً في تفسيرهم لكلمة (التأويل)، وهو: أن تأويل القرآن الكريم إنما هو وُقوعُ وَعْدِه ووعيده، والله عز وجل يقول:
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾
[سورة النحل]
فالشاب المؤمن الذي يصطلح مع الله يستقيم على أمره يذوق الحياة الطيّبة، فالحياة الطيّبة هي بيّنة من الله عز وجل لهذا المؤمن تثبت له أنَّ هذا القرآن كلامه، أما حينما يُعرض الإنسان عن الله عز وجل إعراضاً شديداً، ويتفلَّت من منهجه، فإن له المعيشة الضَّنك، وهذا أيضاً هو بيّنة من الله لهذا الإنسان على أنّ هذا القرآن كلامه، فلو أنَّ طالباً دخل إلى قاعة التَّدريس فرأى جملة مكتوبة على السبورة تقول: يوجد في الساعة الأولى من يوم الأحد مذاكرة ! فيتساءل: يا تُرى هل هذا الكلام هو كلام الأستاذ أم أن طالباً كتبه ؟! وما الذي يؤكِّد أنَّ هذا الكلام كلام أستاذ الرياضيات ؟ فإذا جاء يوم الأحد و دخل أستاذ الرياضيات في الساعة الأولى وقال: افتحوا أوراق الامتحان كما ذُكِر ! فهذا يؤكِّد أنّ هذا الذي كتب العبارة على السبورة هو أستاذ المادة، كذلك كانت كلّ للأحداث الواقعة مطابقة لما في كتاب الله تعالى، فلو أنّ أحداً سأل نفسَه: ما الذي يؤكِّد لي أنَّ هذا القرآن كلام الله ؟ نقول له: تحرَّك في الحياة كيفما تريد، تجدْ أنَّ أحكام الله وأفعاله تزيدك إيمانًا بهذا القرآن الكريم، فلو أنَّ أحدهم تتبَّع سلوك إنسان مؤمن، وسلوك شاب آخر متفلِّت، لوجد المؤمن موفَّقاً وسعيداً ومتوازناً ومطمئناًّ وراضٍياً بما قسمه الله له، فالمؤمن يُدافع عنه الله تعالى، فله منه التأييد والنصْر والتطمين ؛ و هذا كلّه يلْمسُهُ المؤمن لمْس اليد، فهو حينما يقرأ الآية الكريمة يصدِّقها، لأنَّ الله سبحانه وتعالى بيّن لهذا الإنسان أنَّ القرآن كلامه، فالله تعالى قد توعّد المرابي مثلاً بالمحق، فقال:
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ(276)﴾
(سورة البقرة)
فتَدمير مال المُرابي هو بيّنة من عند الله عز وجل لقارئ القرآن تثبت أنَّ هذا القرآن كلام الله تعالى، وهناك نقطة مهمّة جداً، وهي أنَّ كلّ أفعال الله تُطابِقُ كلامه، ومطابقة أفعال الله لِكَلام الله تعالى هو أكبر دليل على أنّ هذا القرآن كلام الله عز وجل، فالله تعالى يقول:
﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ ﴾
[سورة الحديد]