ابو العبد
21-12-2011, 09:02 AM
منذ أزيد من عشرين عاماً وأنا أشعر بالذهول إزاء غباء كبار الساسة الإسرائيليين وافتقارهم للكفاءة، بغض النظر تقريباً عن الحزب السياسي الذي ينتمون إليه، وأتساءل: إلى أي مدى يعكسون في الواقع التفكير الحقيقي للأشخاص الذين انتُخبوا من أجل تمثيلهم؟ فقد باتوا يؤمنون، بعد تلقيهم الدعم المالي من الولايات المتحدة في حدود ثلاثة مليارات دولار سنوياً وإمدادات من المعدات العسكرية الحديثة، أن القوة هي الأهم، وأن القوة الساحقة تستطيع حل كل مشاكلهم الأمنية. فهم لا يعتقدون أنهم مضطرون للتفاوض بشكل جاد مع جيرانهم، ويعتقدون أنهم يستطيعون تثبيت الحدود المقبلة لدولة إسرائيل دون مراعاة لرأي جيرانهم.
وفي نهاية السنة الجارية، وهي سنة منحت تغطيةً كبيرةً للربيع العربي الذي غيَّر على نحو محير ومعقد الوجه السياسي للعالم العربي، تجد إسرائيل نفسها أكثر عزلة من أي وقت مضى في المجتمع الدولي. ذلك أنه إذا كان أصدقاؤها يميلون إلى أن يشيحوا بأوجههم محرَجين، فإن أعداءها يزدادون قوة. واليهود الذين يعيشون في "أرض إسرائيل"، باتوا واعين على نحو متزايد بازدياد مشاعر معاداة السامية في العالم لأسباب تعود في جزء منها إلى فشل إسرائيل في أخذ عملية السلام على محمل الجد؛ بل إنه حتى الزعيمين السابقين لـ"الشين بت" و"الموساد" انتقدا علناً حكام إسرائيل السياسيين وافتقارهم إلى استراتيجية سلام جدية.
ومن بين المشاكل الأساسية التي تواجه إسرائيل، وسكانها البالغ عددهم سبعة ملايين نسمة والذين يتوق العديد منهم إلى مغادرتها، وقريباً أن الفلسطينيين الذين يعيشون بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط سيفوقون اليهود عدداً، علماً بأن الإسرائيليين مصممون على أن تظل دولتهم ديمقراطية، لكن عندما تمنح الفرصة للفلسطينيين فسيصوتون ضد أن تكون إسرائيل دولة يهودية.
إن مستقبل إسرائيل بدأ يبدو قاتماً على نحو متزايد. فالمستوطنات الإسرائيلية التي تعتبر غير قانونية وفق القانون الدولي منذ أن شرعت إسرائيل في بنائها للمرة الأولى، تواصل نموها؛ بل إن بعضها يعتبر غير قانوني وفق القانون الإسرائيلي نفسه. ولذلك، فعلى الحكومة الإسرائيلية أن تتصف بالحكمة والحصافة وأن تطبق القانون الإسرائيلي على الأقل في محاولة لتحسين مكانتها الدولية السيئة جداً. غير أن إدارة أوباما تخلت على نحو مخز عن محاولتها تجميد البناء في المستوطنات؛ والحكومة الإسرائيلية سعيدة بالحديث عن السلام، بالتوازي مع العمل بشكل يومي على حرمان الفلسطينيين من مستقبل كريم وعادل.
والحال أن بناء المستوطنات لا يمكن إلا أن يكون متبوعاً بمزيد من الصراع والنزاع الذي ستنضم إليه القوى التدميرية في المنطقة. والعديد من الإسرائيليين، إن لم يكن قادتهم السياسيون، يعتقدون أنه لا وجود لضوء في نهاية النفق على اعتبار أن أي حرب ستكون متبوعة بأخرى مع ما تنطوي عليه من موت ودمار، حيث ستطير القذائف الأكبر حجماً أعلى وإلى مسافات أبعد حاملةً كميات أثقل من المتفجرات لقتل المدنيين وجرحهم.
وقد صُدمت لندن بالنبرة السلبية عندما علّق على الربيع العربي أول مرة، حيث دعا الإسرائيليين إلى التأهب لـ"أي نتيجة"، واعداً بـ"تعزيز قوة دولة إسرائيل"، كما لو كان ذلك هو الجواب المناسب على الكفاح من أجل حقوق الإنسان، والكرامة الإنسانية، والقدرة على دعم أو طرد نظام استبدادي في تونس أو مصر أو اليمن أو ليبيا. فردَّ وزير الخارجية البريطاني على رئيس الوزراء الإسرائيلي بهذه الكلمات: "لا ينبغي أن يكون هذا وقتاً للغة التصعيدية، بل هو وقت لإضافة طابع الاستعجال على عملية السلام في الشرق الأوسط". ولا شك أنه محق في ذلك، إذ يتعين على الساسة الإسرائيليين أن يبدؤوا البحث عن بعض الأصدقاء في الشرق الأوسط في مثل هذا الوقت الذي يتميز بالانتفاضات والتغيير وانعدام الاستقرار.
وفي هذه الأثناء، تزداد تركيا نفوذاً وأهمية في المنطقة، يساعدها في ذلك اقتصاد قوي؛ غير أن الطريقة التي عوملت بها من قبل السياسيين في إسرائيل تجعل المرء يصاب بالحيرة، لاسيما أن رئيس الوزراء التركي (أردوجان) أمضى ساعات كثيرة وجهداً معتبراً في محاولة الوساطة بين إسرائيل وسوريا مدعوماً من قبل الخارجية الأميركية. فقد بدا أن تركيا، بصفتها بلداً مسلماً وشريكاً استراتيجياً مهماً لإسرائيل، اختيرت بعناية لهذا الدور المهم؛ وكان يقال لنا بانتظام إن اتفاقاً حول إعادة مرتفعات الجولان إلى سوريا بات وشيكاً. ثم جاءت الحملة الإسرائيلية على غزة، والإهانة الإسرائيلية المجانية لوزير تركي على التلفزيون، والغارة على سفينة مرمرة في أعالي البحر.
وعلى هذه الخلفية ينبغي أن نلاحظ كذلك أن عدداً متزايداً من الإسرائيليين بدؤوا يعيشون في الخارج هذه الأيام، وأن التطرف الديني في إسرائيل بدأ يزداد وينتشر. ففي عام 2008، كان أكثر من 30 في المئة من الإسرائيليين قد تقدموا بطلبات الحصول على جواز سفر ثان أو كانوا ينوون القيام بذلك. ولئن كان الاقتصاد سليما ومعافى، فقد بات من الواضح أن المهاجرين الإسرائيليين يميلون إلى الحصول على شهادة جامعية وأن يكونوا أحسن تعليماً من معظم الإسرائيليين. ومما لا شك فيه أن هجرة الأدمغة إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ستزداد في القادم من الأشهر والأعوام.
السير سيريل تاونسيند
وفي نهاية السنة الجارية، وهي سنة منحت تغطيةً كبيرةً للربيع العربي الذي غيَّر على نحو محير ومعقد الوجه السياسي للعالم العربي، تجد إسرائيل نفسها أكثر عزلة من أي وقت مضى في المجتمع الدولي. ذلك أنه إذا كان أصدقاؤها يميلون إلى أن يشيحوا بأوجههم محرَجين، فإن أعداءها يزدادون قوة. واليهود الذين يعيشون في "أرض إسرائيل"، باتوا واعين على نحو متزايد بازدياد مشاعر معاداة السامية في العالم لأسباب تعود في جزء منها إلى فشل إسرائيل في أخذ عملية السلام على محمل الجد؛ بل إنه حتى الزعيمين السابقين لـ"الشين بت" و"الموساد" انتقدا علناً حكام إسرائيل السياسيين وافتقارهم إلى استراتيجية سلام جدية.
ومن بين المشاكل الأساسية التي تواجه إسرائيل، وسكانها البالغ عددهم سبعة ملايين نسمة والذين يتوق العديد منهم إلى مغادرتها، وقريباً أن الفلسطينيين الذين يعيشون بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط سيفوقون اليهود عدداً، علماً بأن الإسرائيليين مصممون على أن تظل دولتهم ديمقراطية، لكن عندما تمنح الفرصة للفلسطينيين فسيصوتون ضد أن تكون إسرائيل دولة يهودية.
إن مستقبل إسرائيل بدأ يبدو قاتماً على نحو متزايد. فالمستوطنات الإسرائيلية التي تعتبر غير قانونية وفق القانون الدولي منذ أن شرعت إسرائيل في بنائها للمرة الأولى، تواصل نموها؛ بل إن بعضها يعتبر غير قانوني وفق القانون الإسرائيلي نفسه. ولذلك، فعلى الحكومة الإسرائيلية أن تتصف بالحكمة والحصافة وأن تطبق القانون الإسرائيلي على الأقل في محاولة لتحسين مكانتها الدولية السيئة جداً. غير أن إدارة أوباما تخلت على نحو مخز عن محاولتها تجميد البناء في المستوطنات؛ والحكومة الإسرائيلية سعيدة بالحديث عن السلام، بالتوازي مع العمل بشكل يومي على حرمان الفلسطينيين من مستقبل كريم وعادل.
والحال أن بناء المستوطنات لا يمكن إلا أن يكون متبوعاً بمزيد من الصراع والنزاع الذي ستنضم إليه القوى التدميرية في المنطقة. والعديد من الإسرائيليين، إن لم يكن قادتهم السياسيون، يعتقدون أنه لا وجود لضوء في نهاية النفق على اعتبار أن أي حرب ستكون متبوعة بأخرى مع ما تنطوي عليه من موت ودمار، حيث ستطير القذائف الأكبر حجماً أعلى وإلى مسافات أبعد حاملةً كميات أثقل من المتفجرات لقتل المدنيين وجرحهم.
وقد صُدمت لندن بالنبرة السلبية عندما علّق على الربيع العربي أول مرة، حيث دعا الإسرائيليين إلى التأهب لـ"أي نتيجة"، واعداً بـ"تعزيز قوة دولة إسرائيل"، كما لو كان ذلك هو الجواب المناسب على الكفاح من أجل حقوق الإنسان، والكرامة الإنسانية، والقدرة على دعم أو طرد نظام استبدادي في تونس أو مصر أو اليمن أو ليبيا. فردَّ وزير الخارجية البريطاني على رئيس الوزراء الإسرائيلي بهذه الكلمات: "لا ينبغي أن يكون هذا وقتاً للغة التصعيدية، بل هو وقت لإضافة طابع الاستعجال على عملية السلام في الشرق الأوسط". ولا شك أنه محق في ذلك، إذ يتعين على الساسة الإسرائيليين أن يبدؤوا البحث عن بعض الأصدقاء في الشرق الأوسط في مثل هذا الوقت الذي يتميز بالانتفاضات والتغيير وانعدام الاستقرار.
وفي هذه الأثناء، تزداد تركيا نفوذاً وأهمية في المنطقة، يساعدها في ذلك اقتصاد قوي؛ غير أن الطريقة التي عوملت بها من قبل السياسيين في إسرائيل تجعل المرء يصاب بالحيرة، لاسيما أن رئيس الوزراء التركي (أردوجان) أمضى ساعات كثيرة وجهداً معتبراً في محاولة الوساطة بين إسرائيل وسوريا مدعوماً من قبل الخارجية الأميركية. فقد بدا أن تركيا، بصفتها بلداً مسلماً وشريكاً استراتيجياً مهماً لإسرائيل، اختيرت بعناية لهذا الدور المهم؛ وكان يقال لنا بانتظام إن اتفاقاً حول إعادة مرتفعات الجولان إلى سوريا بات وشيكاً. ثم جاءت الحملة الإسرائيلية على غزة، والإهانة الإسرائيلية المجانية لوزير تركي على التلفزيون، والغارة على سفينة مرمرة في أعالي البحر.
وعلى هذه الخلفية ينبغي أن نلاحظ كذلك أن عدداً متزايداً من الإسرائيليين بدؤوا يعيشون في الخارج هذه الأيام، وأن التطرف الديني في إسرائيل بدأ يزداد وينتشر. ففي عام 2008، كان أكثر من 30 في المئة من الإسرائيليين قد تقدموا بطلبات الحصول على جواز سفر ثان أو كانوا ينوون القيام بذلك. ولئن كان الاقتصاد سليما ومعافى، فقد بات من الواضح أن المهاجرين الإسرائيليين يميلون إلى الحصول على شهادة جامعية وأن يكونوا أحسن تعليماً من معظم الإسرائيليين. ومما لا شك فيه أن هجرة الأدمغة إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ستزداد في القادم من الأشهر والأعوام.
السير سيريل تاونسيند