مشاهدة النسخة كاملة : كتيب محاولة اخذ القيادة
ابوعبدالرحمن حمزة
29-11-2011, 02:28 PM
محاولة أخذ قيادة الأمة
حزب التحرير
الطبعة الأولى
1420هـ / 1999م
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الخطة سياسة عامة تُرسم لتحقيق غاية من الغايات التي يقتضيها نشر المبدأ أو طريقة نشره . أما الأسلوب فهو سياسة خاصة في جزئية من الجزئيات التي تساعد على تحقيق الخطة أو تنفيذ ما يتطلبه المبدأ . والخطة والأسلوب لا يمكن أن ينتجا إنتاجا معينا إلا إذا استكملا عنصرين أحدهما : كونهما قررهما نوع العمل ، فهما واقعيان يعالجان واقعا ، وعمليان قد وضعا لمباشرة العمل بهما في الحال . أما العنصر الثاني : فهو ألا يخالفا المبدأ حتى يكونا منتجين إنتاجا معينا . وهذا يعني أن وضع الخطة ورسم الأسلوب يجب أن يستند إلى القاعدة العملية ، والتي هي أن يكون العمل مبنيا على الفكر , وأن يكون الفكر والعمل من أجل غاية معينة . على أن يكون ذلك كله مبنيا على الإيمان حتى يبقى الجو الإيماني مخيما على الحزب جماعيا .
أما تعيين الغاية من العمل فيتطلب استعراض مراحل سير الحزب من أجل تحديد الغايات المرحلية التي يهدف الحزب إلى تحقيقها في كل مرحلة من مراحل السير وصولا إلى تحقيق غايته باستئناف الحياة الإسلامية وحمل الإسلام إلى العالم بالجهاد ، ثم تحديد الغاية أو الغايات المرحلية التي تم تحقيقها والغاية أو الغايات التي لم يتمكن الحزب من تحقيقها حتى الآن . إلا أن نتائج أعمال الحزب أثناء قطعه لمراحل السير يجب أن تدرك إدراكا حسيا ، أي أن يكون الإدراك ناتجا عن حس بالواقع لا أن يكون تسليما بالنتائج التي قد تم التسليم بوجودها في وقت من الأوقات . وأما العمل فيجب أن يكون مبنيا على الفكر وأن يكون من أجل الغاية المعيّنة . لذلك كان لزاما أن يكون منطق الإحساس هو الأساس ، أي أن يكون إدراك أين وصل الحزب الآن في مراحل سيره والتفكير فيما يجب علينا القيام به ناجما عن إحساس لا عن فروض لقضايا خيالية ، وأن يكون الإحساس بواقع الأمة والمجتمع الآن مؤثرا في الدماغ موجِدا مع المعلومات السابقة الحركة الدماغية التي هي الفكر . فإذا تعينت الغاية وتحدد العمل بناء على الإدراك صار من الممكن وضع الخطة ورسم الأساليب التي تمكّن من مباشرة تنفيذها .
ابوعبدالرحمن حمزة
29-11-2011, 02:28 PM
مراحل سير الحزب
مراحل سير الحزب ثلاث : مرحلة الثقافة ، ومرحلة التفاعل ، ومرحلة الوصول إلى الحكم عن طريق الأمة .
ولكل مرحلة من مراحل السير بداية ومحتوى ونهاية ، تتكون بداية المرحلة من دور تحضيري أو أكثر من أجل تهيئة الدخول في محتوى المرحلة الذي هو لُبّ المرحلة والدور الأساس فيها ، وأما نهاية المرحلة أو الدور النهائي في المرحلة فإنه ينبغي أن تظهر فيه الأعراض أو المؤشرات التي تدل على تحقق الغاية من المرحلة ، ومنه ينتقل الحزب إلى الدور التالي من المرحلة التالية . بمعنى أن المرحلة الواحدة تتشكل من الأعمال بمجموعها يجب أن تكون مبنية على الفكر وتكون من أجل غاية معيّنة . أي أن الأدوار التي تتكون منها المرحلة الواحدة تشكل بمجموعها الكيفية العملية لتحقيق الغاية من تلك المرحلة . فكل مرحلة من مراحل السير لها غاية معيّنة وكيفية عملية لتحقيق الغاية . فالغاية من المرحلة الثقافية هي : تجسيد المبدأ في أشخاص وطريقة تحقيق الغاية هي التثقيف . أما الغاية من مرحلة التفاعل فهي : إفهام الأمة مبدأ الحزب ليكون مبدأها والتفاعل مع الأمة هو طريقة تحقيق هذه الغاية . وأما الغاية من مرحلة الحكم فهي : تطبيق المبدأ على الأمة تطبيقا كاملا وطريقة الحزب في تحقيق هذه الغاية ، هي تسلم زمام الحكم عن طريق الأمة تسلما كاملا .
تُسمّى بداية كل مرحلة والمكان الذي تبدأ فيه المرحلة نقطة ، فنقطة الابتداء هي بداية مرحلة الثقافة والمكان الذي تبدأ فيه هذه المرحلة ، ونقطة الانطلاق هي بداية مرحلة التفاعل والمكان الذي تبدأ فيه ، ونقطة الارتكاز هي بداية المرحلة الثالثة والمكان الذي تبدأ فيه ، وكل نقطة أي بداية كل مرحلة من المراحل تتكون من دور تحضيري أو أكثر بحسب ما يقتضيه الدخول في محتوى المرحلة ، ففي نقطة الابتداء يتم الاهتداء إلى الفكرة التي هي الروح لجسم الحزب ، وهي نواته ، وهي سر حياته ، إلا أنها تتجسد في إنسان من جنس الفكرة في نقائه وصفائه ، ومثل الطريقة في وضوحه واستقامته ، ومتى وُجدت هذه الأشياء الثلاثة : الفكرة العميقة ، والطريقة الواضحة ، والإنسان النقي ، فقد وُجدت " الخلية الأولى " ثم لا تلبث هذه الخلية أن تتكاثر إلى خلايا تكون هي الحلقة الأولى للحزب " قيادة الحزب " ، ومتى وُجدت الحلقة الأولى فقد نبتت الكتلة الحزبية ، لأن هذه الحلقة لا تلبث أن تتحول في محتوى المرحلة إلى كتلة . وحينئذ تحتاج هذه الكتلة إلى رابطة حزبية تجمع بين الأشخاص الذين يعتنقون الفكرة والطريقة . هذه الرابطة الحزبية هي العقيدة التي تنبثق عنها فلسفة الحزب ، والثقافة التي يتسم بمفاهيمها الحزب ، وحينئذ تكون الكتلة الحزبية قد تكونت ، وسارت في معترك الحياة .
إلا أن سير الكتلة الحزبية في معترك الحياة إنما يكون في نقطة الانطلاق ، عبر ثلاثة أدوار هي : محاولة المخاطبة ، والبدء في طرق باب المجتمع ، ثم طرق باب المجتمع . ونتيجة لسير الكتلة في نقطة الانطلاق عبر هذه الأدوار الثلاثة يجري تحوّل الكتلة الحزبية إلى حزب مبدئي متكامل ، يعمل للنهضة الصحيحة ، حيث يصبح عندما يدخل في محتوى المرحلة أي في دور التفاعل بوتقة تصهر الأمة ، وتولى في الأمة العملية الصهرية ومنها بناء القاعدة الشعبية .
وأما في نقطة الارتكاز فيتم التحضير فيها لتسلم زمام الحكم عن طريق الأمة تسلما كاملا . إلا أن عملية التحضير للتمكين من الدخول في محتوى المرحلة الثالثة والذي هو دور الحكم وتطبيق المبدأ قد تحتاج إلى دور واحد أو أكثر وذلك حسب ما تقتضيه الظروف والأوضاع .
ابوعبدالرحمن حمزة
29-11-2011, 02:29 PM
وأما محتوى المرحلة فهو لُبّ المرحلة والدور الأساس فيها ، فلكل مرحلة من مراحل السير دور أساسي يجب أن يمر به الحزب أثناء قطعه مراحل السير ، وهي على التوالي : دور الثقافة ، ودور التفاعل ، ودور الحكم وتطبيق المبدأ .
ويلاحَظ هنا أن المرحلة ومحتواها قد أُعطيا نفس الاسم المأخوذ من طريقة تحقيق الغاية من المرحلة . ولما كانت نقطتا الانطلاق والارتكاز تقع كل واحدة منهما بين دورين أساسيين ، فقد اعتُبِرتا نقطتي التقاء بين أدوار الحزب الأساسية الثلاثة ، فكانت نقطة الانطلاق ، نقطة التقاء بين دور الثقافة ودور التفاعل ، وكانت نقطة الارتكاز نقطة التقاء بين دور التفاعل ودور الحكم ، من هنا كانت نقاط الالتقاء نقطتين ، وهذه لا ضرورة لأن توجَد ، إذ قد لا يحتاج الحزب إليها من أجل الدخول في محتوى المرحلة ، وقد يضطر الحزب للمرور عبر نقطة الالتقاء ليدخل في محتوى المرحلة كما حصل بالفعل .
وهنا لا بد من بيان أن انتقال الحزب من دور إلى الدور الذي يليه من نفس المرحلة ، أو من المرحلة التالية هو انتقال وصل لا انتقال قطع بمعنى أن الحزب يضيف أعمالا جديدة إلى أعماله السابقة دون أن يتخلى عن أعماله السابقة فهو يصلها بما بعدها ولا يقطعها عنها . فالحزب كان وهو في دور الثقافة يقوم بعملين وهما : الثقافة المركَّزة في الحلقات والثقافة الجماعية ، وحين انتقل الحزب من دور الثقافة إلى نقطة الانطلاق ، أضاف عملين جديدين إلى العملين السابقين اللذين كان يقوم بهما في مرحلة الثقافة وهما تبني مصالح الأمة وكشف خطط الكفار ، وفي آخر نقطة الانطلاق جرت محاولة طرق باب المجتمع ثم صار طرق باب المجتمع من ضمن الأعمال الأربعة ، وهذا يعني أن مرحلة الثقافة قد انتهت كمرحلة لا كأعمال . وفي دور التفاعل ، أضاف إلى الأعمال الأربعة التي كان يقوم بها في نقطة الانطلاق أعمالا أخرى مثل تنزيل الأفكار على الوقائع ، ومحاولة أخذ قيادة الأمة ، وطلب النصرة . وكذلك عندما ينتقل الحزب من دور التفاعل إلى نقطة الارتكاز ، فإنه يظل يقوم بأعمال مرحلة التفاعل لكن مضافا إليها أعمال جديدة تتعلق بغاية أخرى غير غايته في إفهام مبدأ الحزب ليكون مبدأها ، وهي أعمال الوصول إلى دور الحكم وتطبيق المبدأ .
وعلى ذلك فإن الانتكاس لا يحصل بتجمد الناس والمجتمع ملا حتى بتجمد الشباب ولكن بتجمد سير الحزب بأن يبقى يدور حول عمل واحد دون إدخال أعمال أخرى تهيء للانتقال إلى المرحلة التالية أو إلى الدور التالي من نفس المرحلة . إلا أنه ليس مجرد إضافة عمل أو أعمال إلى الأعمال السابقة هو الذي يمكّن الحزب من الانتقال الطبيعي إلى المرحلة التالية أو إلى الدور التالي من نفس المرحلة ، بل لا بد من أن تكون نتائج الأعمال السابقة ـ والتي هي نتائج محسوسة ـ قد تحققت بالفعل فالذي يحمي من الانتكاس هو إضافة أعمال جديدة إلى الأعمال السابقة ، والذي يجعل الانتقال طبيعيا هو تحقق الغاية من الدور أو المرحلة التي يكون فيها الحزب قبل الانتقال إلى ما بعدها .
أما الأعراض أو المؤشرات التي دلت على أن الحزب قد نجح في تحقيق الغاية من المرحلة الثقافية فهي : أن النجاح الثقافي صار معروفا عند الناس ، وصار الناس يعرفون أن هناك دعوة ، ويعرفون عن العضو أنه يحمل دعوة ، كما أن الروح الجماعية قد تكونت أثناء التكوين الثقافي في الحلقات ، واتصال الأعضاء في المجتمع الذي يعيشون فيه ، ومحاولتهم التأثير فيه حتى إذا انتقلوا للمرحلة التالية كان الاستعداد الجماعي موجودا . وبناء على ظهور هذه الأعراض قرر الحزب سنة 1954م الانتقال من دور الثقافة إلى نقطة الانطلاق . وبما أن الغاية من نقطة الانطلاق هي استكمال تكوين الحزب بأن يجري تحوّله من كتلة إلى حزب متكامل ، يَفرض نفسه سياسيا على المجتمع كما فَرَضَ نفسه عليه فكريا ، لذلك قرر الحزب في النصف الثاني من سنة 1960م الانتقال من نقطة الانطلاق إلى دور التفاعل عندما ظهرت الأعراض التالية : صار إحساس الشباب بالتطلع إلى الحكم ملموسا ، وشوهدت نظرة الناس إلى الحزب بأنه يصارع الحكام وصارت مصارعته لهم بارزة وشيئا طبيعيا وعاديا ، وظهر إحساس الناس بخطر الحزب على الذين يحبونهم من الحكام وتحريضهم الحزب على من يبغضونهم ، فهذه الأعراض دلت على أن الحزب قد استطاع أن يفرض نفسه سياسيا على المجتمع ، فتحتّم عليه الانتقال إلى دور التفاعل فكان انتقاله انتقالا طبيعيا .
ابوعبدالرحمن حمزة
29-11-2011, 02:30 PM
وأما انتقال الحزب من دور التفاعل إلى نقطة الارتكاز انتقالا طبيعيا فيتطلب أن تكون الغاية من مرحلة التفاعل قد تحققت فعلا . والذي يدل على أن الغاية من مرحلة التفاعل قد تحققت هو نجاح الحزب في محاولة أخذ قيادة الأمة . وذلك لأن التفاعل ليس إفهام الأمة مبدأ الحزب فحسب ، بل هو إفهام الأمة مبدأ الحزب ليكون مبدأها . فالغاية من الإفهام هي أن يصبح مبدأ الحزب مبدءاً للأمة وأفكاره أفكارا لها ، وبمعنى آخر أن تلتف الأمة حول الحزب وتنقاد له وفقا لمبدئه وأفكاره . أي أن التفاعل لا يقتصر على إفهام الناس الفكر والرأي والحرص على أن يعتنقوه ويجعلوه لهم ولا يقتصر على مخاطبتهم بالفكر والرأي منزلا على وقائع ولفت نظرهم إليه ليجعلوه لهم ويعملوا به ، بل هو إلى جانب ذلك كله حمل الناس بشكل عملي على القيام بالعمل وعلى مشاركتنا القيام به . فكلمة تفاعل تعني حمل الناس بشكل مقصود وبدأب متواصل لأن يجعلوا الأفكار التي نفهمهم إياها بالمنشورات أو بالمناقشة أو بالنقد اللاذع أفكارهم بحملهم على العمل لها ومشاركة الحزب في ذلك . وحمل الناس بشكل مقصود وبدأب متواصل لأن يجعلوا فكر الحزب فكرهم وحملهم على العمل له بمشاركتنا هو المقصود بمباشرة محاولة أخذ قيادة الأمة . لذلك لما دخل الحزب في دور التفاعل أضاف عمل محاولة أخذ القيادة إلى أعماله السابقة التي كان يقوم بها في نقطة الانطلاق . ولو لم يفعل الحزب ذلك لتجمد السير وحصل الانتكاس .
فالمحاولة تكون بتسخير قوى الأمة بمجموعها لتحقيق غاية الحزب ، أي قيادة الأمة كلها بوصفها أمة لأن تحمل معنا الدعوة كما نحملها ، حتى تقوم الخلافة التي تطبق الإسلام في الداخل وتحمل دعوته بالجهاد إلى الخارج .
فإذا نجح الحزب في هذه المحاولة فقد وجدت القاعدة الشعبية ، إذ القاعدة الشعبية لا تتكون من الرأي العام المنبثق عن الوعي العام عند الأمة على الإسلام فحسب ، بل ومن حمل الناس كأفراد وجماعات على القيام بأعمال حمل الدعوة ، وبأخذ تأييد الأفراد الذين يُعتبرون أركانا في المجتمع وفي الجماعة كالتجار ورجال الأعمال والمفكرين والوجهاء وكل مَنْ له رجال يقولون بقوله ، وبعبارة أخرى أن توجَد في الأمة بمجموعها الإرادة لإيجاد الإسلام في واقع الحياة تحت قيادة الحزب .
فإذا وجد الرأي العام المنبثق عن الوعي العام على المبدأ ، واحتضنت الأمة المبدأ والحزب ، فإن الحزب يكون قد استكمل بناء القاعدة الشعبية . وباستكمال بناء القاعدة الشعبية تنتهي مرحلة التفاعل كمرحلة لا كأعمال فينتقل الحزب عندئذ إلى نقطة الارتكاز ويكون انتقاله طبيعيا .
فالحزب سيقسم الدولة بهذه القاعدة ، وسيتصدى للعملاء والمنافقين في الداخل بهذه القاعدة ، وسيواجه حرب التدخل بهذه القاعدة ، وسيحمل الدعوة دوليا إلى العالم ويصارع الدول في الموقف الدولي والمجتمع الدولي بهذه القاعدة . لذلك فإن تأييد الأشخاص الذين يُعتبرون أركانا في المجتمع والجماعة للحزب ولأفكار الحزب وللإسلام وللدولة يجب أن يتجاوز العواطف ولغة الكلام إلى التضحيات والأفعال ، وأن يكون تأييد الناس أفرادا وجماعات تأييدا يصل إلى حد الاستعداد للاستشهاد عن رضا واطمئنان وتشوق لجنات النعيم ورضوان الله . فالقاعدة الشعبية واقع يتجاوز آثار الدعاية وإيجاد الثناء وكسب التأييد ، إلى الاحتضان والإسناد والاستعداد للتضحيات وخوض الغمرات ، وهي وإن كانت طريقة مؤقتة لتمكين الحزب من استلام الحكم ولكنها طريقة دائمة لحفظ الأمة وحفظ الدولة وصيانة الإسلام ، وضمان تطبيق أحكام الشرع وإيجاد أفكار الإسلام وتركيزها .
وعليه فإن الحزب لا ينتقل إلى نقطة الارتكاز ولا يتسلم زمام الحكم إلا إذا تجاوبت الأمة مع الحزب ، بالتفافها حوله وانقيادها له وفقا لأفكاره وآرائه .
فقضيتنا ليست استلام حكم ، وإنما قضيتنا بناء دولة ، فالهدف ليس أخذ الحكم فقط حتى تجمع له قوى تستطيع أخذه ، فإنه حينئذ لا يكون حكما إسلاميا ولو جعل القوانين من الأحكام الشرعية فإنه لا يلبث أن يزيله الخصم أو يتحول إلى حكم غير إسلامي ، ويستحيل أن يستمر في تطبيق الإسلام ويحمله للعالم . وإنما الهدف بناء الدولة بإقامة الحكم على الفكرة الإسلامية ، والحكم إنما يكمن في الأمة فلا بد أن يقوم على الفكرة التي تعتنقها الأمة . لهذا فإنه من الخطأ بل العبث طلب تسلم الحكم عن غير طريق الأمة .
ابوعبدالرحمن حمزة
29-11-2011, 02:31 PM
هل كان انتقال الحزب من دور التفاعل إلى
نقطة الارتكاز انتقالا طبيعيا ؟
في أوائل سنة 1964م قام الحزب بعمل سياسي في الأمة من أجل الوقوف في وجه تدويل القدس أثناء زيارة البابا لها ، وقد وجد الحزب أن الأمة في الأردن قد استجابت له ، وبناء عليه اعتبر أن الأمة قد تجاوبت معه في جميع مجاله ، فقد ورد في جواب سؤال صادر بتاريخ 20/6/1969م ( إلا أنه في أوائل سنة 1964م وجِد تجاوب الأمة مع الحزب في الأردن أي في ولاية من ولاياته ، وبذلك يكون قد حصل التجاوب مع الحزب ككل فكأنه حصل في جميع مجاله لذلك حصر طلب النصرة في موضوع واحد من الموضوعين ، حصره في طلب النصرة لأخذ الحكم ) ، لذلك اعتبر الحزب أنه دخل فعلا في نقطة الارتكاز في تلك السنة أي في سنة 1964م .
وبالتدقيق في الدليل الذي اعتمده الحزب مؤشرا على نجاحه في محاولة أخذ القيادة نجد أنه لم تكن له الدلالة التي خرج بها الحزب في حينه ، فتجاوب الناس مع الحزب بالعمل الذي قام به آنذاك ، كان بسبب ما للقدس من مكانة عند المسلمين وارتباطه بالجانب الروحي من العقيدة الإسلامية ، وكون البابا في نظر المسلمين رمزا للصليبية الحاقدة ، فكان تجاوب الناس مع الحزب ناتجا عما أثير عندهم من مشاعر روحية مرتبطة بغريزة التدين ولم يكن التجاوب ناتجا عن وجود وعي عام على الإسلام بوصف عقيدته عقيدة سياسية ، أي بوصفه عقيدة عقلية ينبثق عنها نظامها .
إلا أن الحزب على ضوء ظنه بأنه قد نجح في محاولة أخذ القيادة الفعلية للأمة قرر الانتقال من دور التفاعل إلى نقطة الارتكاز ، وبناء عليه قرر مباشرة القيام بالأعمال التي تمكنه من تسلم زمام الحكم ، فحصر طلب النصرة في موضوع واحد من الموضوعين وهو الوصول إلى الحكم .
ولقد كان ولاء الأمة لعبد الناصر بارزا في ذلك الوقت ، وعبد الناصر كان يخاطب الأمة بالقومية العربية ، وما أن أفاقت الأمة من خداع عبد الناصر بعد هزيمة سنة 67 حتى توجهت أنظار المسلمين صوب العمل الفدائي المسلح ، وصار الرأي العام في الأردن على وجه الخصوص إلى جانبه لا فرق بين أهل فلسطين وأهل الأردن ، وقد كان لقوة تأثير الرأي العام الذي صار للعمل الفدائي وللعمل المسلح أن صار بعض الشباب يطالبون الحزب بحمل السلاح ، واضطر الحزب لشدة تأثير الرأي العام وقوته للرد على هذا المطلب في أكثر من نشرة شارحا وموضحا أن الطريق الذي تبناه الحزب في حمل الدعوة هو الطريق السياسي لا العمل المادي ، معتبرا هذا المطلب بأنه كفر بالطريقة ، وحكم على الحزب بالضياع ، مبينا أن هذا المطلب ناتج عن ضغط الواقع وانجراف مع التيار . مع كل ذلك ظل الحزب سائرا في طريقه على أساس أنه يعمل في نقطة الارتكاز ، ويطلب النصرة لأخذ الحكم فقط ، وبناء عليه جرت المحاولة الأولى في الأردن ثم الثانية ، فكان عدم النجاح في هاتين المحاولتين إنقاذا له من خطر تسلمه الحكم قبل اكتمال التفاعل مع الأمة . ذلك أن الحزب إذا قاد الجمهور قبل أن يكتمل التفاعل معه ، وقبل أن يوجَد الوعي العام عند الأمة ، فإن قيادته لا تكون بأحكام المبدأ وأفكاره ، بل بتشخيص ما يجيش في نفس الأمة ، وبإثارة عاطفتها ، وتصوير مطالبها قريبة في متناول يدها . إلا أن الجمهور لا تنعدم منه في هذه الحالة مشاعره الأولى كالوطنية والقومية والروحية الكهنوتية .
والحزب لم يَحِدْ عما تبناه من أنه لا ينتقل إلى نقطة الارتكاز إلا إذا وُجدت له قاعدة شعبية ، لأنه لم يقرر الانتقال إلا بعد أن حصل لديه الظن بتجاوب الأمة في الأردن مع الحزب .
لكن على الرغم من أن الحزب كان قد حصل لديه الظن بأنه قد استكمل مرحلة التفاعل وأنه قد أصبح في نقطة الارتكاز ، إلا أنه استمر في القيام بأعمال مرحلة التفاعل ، من ناحية أن انتقاله من الدور الذي هو فيه إلى الدور الذي يليه هو انتقال وصل لا انتقال قطع لا من ناحية السعي لتحقيق الغاية منها ، لأن الغاية حسب ظن الحزب كانت قد تحققت ، فانشغل الشباب في ترقب وصول الحزب إلى الحكم ، مما أثر على الحزب بمجموع أجهزته ومجموع شبابه ، أي على كيانه ، وعلى سيره ، وعلى كيفية قيامه بالأعمال المتعلقة بالأمة .
واستمر الحزب على هذا الحال حتى سنة 1978م حيث أصدرت القيادة الثانية للحزب بتاريخ 20/6/1978م كتابا إلى الشباب ورد فيه " بل ران على الأمة القنوط واليأس ، وفقدت الأمل في كل شيء ، وفقدت الثقة في كل واحد بعدما وضعوها في ظروف معينة مقصودة ليوصلوها إلى درجة بحيث تفقد أملها وثقتها وتصل إلى حالة من اليأس والاستسلام ، ليسهل التحكم فيها وتمرير كل ما يريدون عليها دون أن تحرك ساكنا بعد أن يتبلد إحساسها وبعد أن تفقد كل أمل وحيوية . كل ذلك أثَّر على الشباب ، فَهُم من ناحية يترقبون قيام الخلافة ، وقد طال انتظارهم فصاروا كأنهم يرون أن القيام بطلب النصرة من الحزب يكفيهم عن القيام ببقية الأعمال الحزبية ، ومن ناحية ثانية يشاهِدون ما غلب على الأمة من الجمود وعدم المبالاة والقنوط الذي يكاد أن يصل إلى درجة اليأس والاستسلام وفقدان الثقة والأمل من كل إنسان حتى أنهم مهما حاولوا أن يحركوها فإنها لا تستجيب ولا تتحرك " . وفي هذا تأكيد على أن الأمة ليست منقادة للحزب " حتى أنهم مهما حاولوا أن يحركوها فإنها لا تستجيب ولا تتحرك " بل ليست منقادة لأحد " وفقدت الأمل في كل شيء وفقدت الثقة في كل واحد " ، لذلك كان من المفترض فيها بعد أن جسَّدت الواقع الذي عليه الأمة أن تعيد النظر في مسألة إكمال الحزب مرحلة التفاعل ، وأن تعيد النظر في انتقال الحزب من دور التفاعل إلى نقطة الارتكاز الذي تبيّن لها أنه لم يكن انتقالا طبيعيا وذلك بأن تقوم بوضع خطة عمل للحزب تستهدف استكمال مرحلة التفاعل مع الأمة بالعمل لاستكمال بناء القاعدة الشعبية ، إلا أن ذلك لم يحصل ، بل ظلَّت تسير بالحزب على أساس أنه يعمل في نقطة الارتكاز ، على أساس أن " قيام الخلافة قد تأخر حصوله إلى هذا الوقت مع أنه فات زمن طويل كان يجب أن يحصل فيه " وعلى أساس أن " لا بد قطعا أن نصل لأن الله قد وعدنا وتعهد لنا بأن نصل وأن ننتصر " ، " فلا بد أن يتحقق النصر ، إن لم يكن اليوم فغدا ، وإن لم يكن غدا فبعده " ، لذلك " لا بد أن نديم طَرْقنا لباب أهل القوة والمنعة ، وأن نكرر المحاولة بإيجادهم ، المرة تلو المرة ، حتى يتحقق نصر الله " . فبدل أن تقوم قيادة الحزب بوضع خطة عمل تَنهض بالحزب وبالشباب للقيام بتَبِعات المسؤولية الملقاة على عاتقهم نحو الأمة ، وإنجاز المهمة التي لم تُستكمل بعد ، رسَّخت في أذهان الشباب القناعة بأن الحزب قد أكمل عمله وقطع مراحل سيره ولم يتبق إلا النصر بقيام الخلافة " إن لم يكن اليوم فغدا ، وإن لم يكن غدا فبعده " ، لا بل إن " قيام الخلافة قد تأخر حصوله إلى هذا الوقت مع أنه فات زمن طويل كان يجب أن يحصل فيه " ، فظلت متأثرة بالمفهوم الخاطئ عن تأخر حصول النصر عن موعده ، وكأن الله سبحانه وتعالى قد عيَّن لها وقتا محددا لقيام الخلافة " كان يجب أن يحصل فيه " ثم أخره عنها . ثم جعلت من الحالة التي وصلت إليها الأمة من " الجمود وعدم المبالاة والقنوط الذي يكاد أن يصل إلى درجة اليأس والاستسلام وفقدان الثقة والأمل من كل إنسان " مؤشرا على قرب النصر حين استشهدت باستيئاس الرسل على حصول النصر ، حيث قالت في نفس الكتاب " وإنما وصل الحال بالرسل إلى درجة الاستيئاس ، والظن بأنهم قد كُذبوا من الناس ، وعندما وصلوا إلى هذا الحد ، جاءهم نصر الله " وبهذا المفهوم تكون قد قفزت عن التناقض الذي برز نتيجة لإقرارها بعدم تجاوب الأمة مع الحزب ، وإعلانها في نفس الوقت عن استمرار الحزب بالعمل في نقطة الارتكاز بما يقتضيه من استمرار طرق باب أهل القوة والمنعة من أجل إيصاله إلى الحكم . إذ أن الحزب يتبنى أنه لا يَنتقل إلى نقطة الارتكاز ولا يَقبل أن يتسلم زمام الحكم إلا إذا وُجدت له قاعدة شعبية ، فكان مفهوم الاستيئاس من تجاوب الأمة مسوّغا لهذا الانحراف عن الطريق . ثم لما بدأت الأعراض التي تدل على وجود الرأي العام للإسلام بالظهور من غير أن يرافق ذلك دلائل على نجاح الحزب في محاولة أخذ قيادة الأمة ، سيطر على أجواء الحزب والشباب مفهوم أن الحزب لا يشترط النجاح في محاولة أخذ القيادة حتى يتسلم الحكم ، بل سيطر مفهوم استحالة أن تنقاد الأمة للحزب قبل قيام الدولة لذلك وُجِدت قناعة بأن الحزب إنما يكتفي بوجود الرأي العام المنبثق عن الوعي العام عند الأمة على الإسلام . ولما لم يأتِ النصر مع حصول الاستيئاس من الأمة ، ولا مع تحول الرأي العام إلى الإسلام تبنت أن للنصر شروطا ، فقد ورد في نشرة صادرة بتاريخ 12 شباط 1993م " حيث أنه سبحانه قد جعل نصر المؤمنين لديِنِه شرطا في نصره لهم " وكما ورد أيضا في نشرة صادرة بتاريخ 1/1/1994م " إلا أنه يجب أن يُدرَك أن الإعداد اللازم واتخاذ جميع الأعمال والوسائل والأساليب ليس هو سبب الوصول إلى الغاية ، ولا سبب النصر ، ولكنه شرط في حصول ذلك . وفرق بين السبب وبين الشرط ، إذ السبب يَلزم من وجوده وجود المسبَّب ، أي يَلزم من وجوده وجود الوصول إلى الغاية ، والوصول إلى النصر . أما الشرط فإنه لا يلزم من حصوله حصول ما شُرط له . أي لا يلزم من حصول الإعداد اللازم حصول الوصول إلى الغاية . والوصول إلى النصر ولكنه يلزم من عدم حصول الإعداد اللازم عدم الوصول إلى الغاية ، وعدم الوصول إلى النصر " بل وصل الحال بها أن تجعل من نزول النصر كنزول الغيث كما جاء في كتاب
ابوعبدالرحمن حمزة
29-11-2011, 02:32 PM
حمل الدعوة واجبات وصفات ، وما ذلك إلا من أجل أن تقنع شباب الحزب بأن الحزب قد قام بما يجب عليه القيام به ، وأن تأخّر النصر لا يدل بالضرورة على وجود خطأ أو تقصير في العمل أو عجز في القيادة أو انحراف عن السير . وقد نصّت على ذلك بشكل صريح " وتأخُّر الوصول أيها الأخوة لا يعني أن هناك خطأ في الفكرة أو الطريقة أو السير ، فكثير من الرسل والأنبياء قد تأخر وصولهم مع أنهم مؤيدون من الله وملتزمون بأوامره في تبليغهم وفي طريقة تبليغهم وسيرهم . والتأخر يستدعي دوام البحث والتقصي لتلافي أي خطأ إن كان هناك خطأ " ثم كررت ذلك بقولها " كما يجب أن يدرَك أن تأخر الوصول إلى الغاية ، وتأخر حصول النصر لا يعني بالضرورة الخطأ في الإعداد اللازم ، أو التقصير في اتخاذ جميع الأعمال والوسائل والأساليب اللازمة ، أو الخطأ في الفكرة أو الطريقة ، أو الخطأ في حملها ، أو التقصير في أدائهما ، فالرسل عليهم الصلاة والسلام مع أنهم مؤيدون من الله بالوحي ، وملتزمون طريقة التبليغ حسب وحي الله لهم وغير مقصرين في أداء الرسالة وتبليغها فإنهم قد كُذبوا من أقوامهم ولم تستجب لهم أقوامهم وتأخر عليهم النصر " .
وتحصنت بمفهوم الطائفة الظاهرة مما صرف الشباب عن أي تفكير في احتمال وجود أخطاء أو تقصير في العمل أو عجز في القيادة أو انحراف في السير ، فتبنّت أن أوصاف الطائفة الظاهرة الواردة في الأحاديث الشريفة تنطبق على حزب التحرير انطباقا تاما ، ومن هذه الأوصاف قوامته على أمر الله سبحانه ، وتمسكه بالحق وظهوره على الدين ، وأنه سينتصر ويقيم دولة تقاتل الأعداء في آخر الزمان ، وليس كتاب حمل الدعوة واجبات وصفات هو محاولتها الأولى للحصول على العصمة الحزبية بأدلة شرعية ، بل سبق ذلك نشرة صدرت بتاريخ 10 شباط 1988م ، جاء فيها ( وقد بيّنت هذه الأحاديث أن هذه الطائفة والجماعة تكون في بيت المقدس وفي أكناف بيت المقدس ، وفي بلاد الشام . ونحن قد ابتدأنا في بيت المقدس ، وتوسعنا في أكنافه ، وفي بلاد الشام وفي غيرها ) .
وفوق ذلك عملت على جعل علم الله تعالى بوقت حصول النصر محل بحث وذلك في معظم نشرات الحث على العمل وبعث الهمم التي قامت بإصدارها ، فقد ورد في النشرة بتاريخ 12 شباط 1993م " لكنه وحده الذي يعلم وقت النصر المناسب حسب تقديره ، لا حسب تخميننا . لأن علمه هو العلم الصحيح ، وتقديره هو التقدير الصحيح " ، مع أن الحزب كان قد حذر من أن محلاحظة الإيمان بالقدر قبل القيام بالعمل أو حين القيام به من شأنه أن يأتي بالقدرية الغيبية ويشل إرادة الإنسان ، وأن هذه الملاحظة للقدر عند القيام بالفعل أو عندما يهم بالقيام به ، هي محل الخطر وهي مكمن الانزلاق .
ولأجل استكمال حلقات القدرية الغيبية في عقول الشباب تبنت أن للنصر حالات متنوعة وأوجه مختلفة ، وأن نصر الشريعة هو وجه من هذه الأوجه ، وقالت أنه يحرم على الشباب القول أو الادعاء باقتصار نزول النصر على حملة الدعوة بواحدة بالذات من هذه الأحوال ، ونفي ما سواها ، مما يعني أنه صار يحرم على الشباب أن يربطوا حملهم الدعوة بالغاية التي يسعى لتحقيقها الحزب فقط ، لأن النصر قد يكون بنجاة حملة الدعوة فحسب كما حصل مع أنبياء الله نوح وهود وصالح ، وقد يأتي النصر بعد وفاة حملة الدعوة كما حصل مع عيسى عليه السلام . مع أن عدم ربط العمل بالغاية المعينة التي يسعى لتحقيقها الحزب والتي هي استئناف الحياة الإسلامية وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم بالعمل لإيجاد الدولة الإسلامية التي تطبق الإسلام ، وتحمل رسالته للعالم من شأنه أن يؤدي إلى جعل حركة الحزب حركة لولبية تنتهي بالجمود واليأس ، فلا يجوز مطلقا أن يُفصل العمل عن الفكر أو عن الغاية المعيّنة أو عن الإيمان ، فإن في هذا الفصل ـ مهما قلّ ـ خطرا على العمل نفسه ، وعلى نتائجه ، وعلى استمراره ، ولذلك لا بد أن تكون الغاية المعيّنة مفهومة وواضحة لكل من يحاول العمل .
ولم يكن كتاب حمل الدعوة واجبات وصفات هو المحاولة الأولى على صعيد إيصال الحزب والشباب إلى الجمود واليأس ، فقد ورد في النشرة بتاريخ 12 شباط 1993م " أما الرسالة أو الفكرة فإن انتصارها يكون بكثرة المؤمنين بها ، أو بوضعها موضع التطبيق والتنفيذ ، أو بتغلبها على غيرها من الرسالات أو الأفكار ، أو بانتشارها انتشارا واسعا " كما أن هذه النشرة ذكرت جميع الأوجه والأحوال التي قد يكون نصر الله بواحدة منها .
هذا هو الطريق الذي سلكته القيادة الثانية للحزب منذ أن تسلمت القيادة ، فبدل أن يكون عمل الحزب مبنيا على الفكر الذي توصلت إليه نتيجة الإحساس بواقع الأمة والمجتمع ، وبدل أن يكون العمل والفكر من أجل غاية معينة ، أحدثت تغييرا في المفاهيم بما يتفق مع الأعمال التي أرادت أن تقود الحزب بمجموع أجهزته ومجموع شبابه إلى القيام بها ، ثم قامت بفصل هذه الأعمال عن الغاية المعيّنة ، مما جعل الحزب يسير في حركة لولبية كادت أن تصل بالشباب إلى الجمود واليأس .
أما حديثها عن أهمية العمل في الأمة التي تأتي عليه بين الحين والحين فقد كان يذهب أدراج مفاهيم اليأس والاستيئاس ، ويتم وأده في مفاهيم القدرية الغيبية . وأنه قوة الدفع الذاتي الموجودة في الحزب بسبب صفاء الفكرة التي يقوم عليها ونقائها ، ولولا أن الحزب تبنى أنه يقوم بأعمال مرحلة التفاعل في نقطة الارتكاز ، لتوقف الحزب عن السير توقفا كليا منذ زمن بعيد .
فمن أجل أن يعيد الحزب إليه جوّه الإيماني الذي يضمن له الوصول إلى تحقيق غايته باستئناف الحياة الإسلامية بالعمل لإيجاد الدولة الإسلامية التي تطبّق الإسلام ، وتحمل رسالته للعالم ، لا بد له من أن يتبع القاعدة العملية والتي هي أن يكون العمل مبنيا على الفكر ، وأن يكون الفكر والعمل من أجل غاية معينة ، وهذا يوجب أن يكون منطق الإحساس هو الأساس ، أي أن يكون الفهم والتفكير ناجمين عن إحساس لا عن مجرد فروض لقضايا خيالية ، وأن يكون الإحساس بالواقع مؤثرا في الدماغ ، موجِدا مع المعلومات السابقة الحركة الدماغية التي هي الفكر ، فهذا هو الذي يحقق العمق في التفكير والإنتاج في العمل . على أن يَصحب ذلك القيام بتصحيح جميع المفاهيم المغلوطة ، وبإيجاد المفاهيم الصحيحة التي من شأنها أن تؤدي إلى تنقية جو الحزب الإيماني تنقية تامة بإذن الله تعالى .
وسواء أصاب الحزب في ظنه سنة 1964م أم أخطأ ، فإن الحزب يدرِك قابلية المجتمعات للانتكاس سواء على صعيد الرأي العام أم على صعيد قيادة الأمة . ولمّا كان العمل لا بد أن يُبنى على الفكر الناتج عن الحس بالواقع الآن ، وأن يكون العمل والفكر من أجل تحقيق الغاية التي لم تتحقق بعد ، أو التي تحققت وانتكس المجتمع بعدها ، فإن الواجب على الحزب أن يباشر القيام بجميع الأعمال التي تؤدي إلى تحقيقها قبل أن ينتقل إلى الدور التالي . بمعنى أن الحزب لا بد أن يدرس ما عليه واقع المجتمع والناس من جهة الرأي العام ومن جهة انقياد الأمة فيبني على ما هو موجود فعلا ويَشرَع بالأعمال التي تحقق الغاية التي لم يستكمل تحقيقها . ولا ينتقل إلى الدور التالي من المرحلة التالية إلا بعد أن يتم تحقيقها بإذن الله . فإذا ما اطمأن الحزب إلى وجود القاعدة الشعبية سواء من حيث الرأي العام المنبثق عن الوعي العام أو من حيث احتضان الأمة له ولفكرته فإنه عندها يستطيع أن ينتقل إلى نقطة الارتكاز ويكون انتقاله حينئذ انتقالا طبيعيا .
ابوعبدالرحمن حمزة
29-11-2011, 02:33 PM
الرأي العام المنبثق عن الوعي العام
الرأي العام أو العرف العام هو الأفكار التي يحملها مجموع الناس عن مصالحهم ، والمشاعر المتيقظة لديهم عن هذه المصالح ، وبعبارة أخرى هو الأفكار والمشاعر السائدة في الجماعة بوصفها جماعة . وكون الرأي عاما لا يعني الغموض أو الإبهام أو الافتقار إلى البلورة ، وإنما يعني أن هذا الرأي سائد في الجماعة بوصفها جماعة . والعمل لإيجاد الرأي العام يكون بكيفية محددة وهي إيجاد الوعي العام عند الأمة على الإسلام ، فالحزب لا يعمل لإيجاد رأي عام للإسلام بشكل مطلق وإنما يعمل لإيجاد وعي عام ينبثق عنه رأي عام للإسلام .
والأفكار هي حكم على واقع ، والمشاعر هي إحساسات الطاقة الحيوية ويثيرها إما أفكار تتداعى عن الشيء الذي يثير المشاعر للإشباع أو واقع محسوس يثير المشاعر للإشباع ، وأما المفاهيم فهي أفكار ارتبط التصديق بها بمشاعر الناس ، وبتعبير آخر هي الأفكار التي لها واقع مُتَصوَّر في ذهن الناس ويصدقونها ، فلا تخرج عن كونها أفكارا ومشاعر لذلك لم تدخل في تعريف الرأي العام . والفكر حتى يصير فكرا عاما لا بد أن يكون الواقع الذي عبَّر عنه واقعا محسوسا من قِبَل المجموع لا من قِبَل فرد أو أفراد أو جماعات معيَّنة ، بغض النظر عن تفاوت المجموع في دركات الإحساس ، وكما لا بد أن يكون هذا الفكر مُعبِّرا عن مصلحة من مصالح المجموع لا عن مصلحة خاصة لفرد أو أفراد أو جماعات معيَّنة فقط . وما ينطبق على الأفكار ينطبق كذلك على المشاعر .
وكَمَثَل على الأفكار التي تصلح لأن تصبح رأيا عاما العقيدة العقلية أو الفكرة الكلية عن الكون والإنسان والحياة وعن علاقتها جميعها بما قبل الحياة الدنيا وبما بعدها ، فمن ناحية فإن الفكرة الكلية تعبِّر عن واقع محسوس هو الكون والإنسان والحياة ، ومن ناحية ثانية فإن الفكرة الكلية هي التي تحل العقدة الكبرى عند الإنسان ، ومتى حُلَّت هذه العقدة حُلَّت باقي العقد ، لأنها جزئية بالنسبة لها ، أو فروع عنها . فهي القاعدة الفكرية التي يبنى عليها كل فكر فرعي عن السلوك في الحياة وعن أنظمة الحياة . من هنا كانت العقيدة العقلية أو الفكرة الكلية من أكثر الأفكار قابلية لأن تصير رأيا عاما بل وعالميا أيضا .
ومن الأمثلة على هذه الأفكار فكرة الأخوة الإسلامية ، أو رابطة العقيدة الإسلامية والنظام المنبثق عنها كرباط جامع للأمة الإسلامية ، لأن هذه الفكرة تُعبِّر عن واقع محسوس وهو ارتباط الإنسان بالإنسان في شؤون الحياة . هذا الواقع المحسوس له مساس بمصالح الناس ، لأنه يعبِّر عن حاجة الإنسان للارتباط بجماعة الناس بدافع من شعوره بالبقاء وبقاء النوع لأن الإنسان لا يستطيع أن يحيا بمعزل عن غيره من بني الإنسان .
ومن الأمثلة على هذه الأفكار ، فكرة الجهاد ، وذلك لأن الواقع الذي تعبر عنه هو مصالح الأمة في الخارج ، وأما التعبير عن هذا الواقع المحسوس فهو حمل المبدأ بالقوة المادية للعالم . فالجهاد هو الأساس أو المقياس لعلاقة الأمة مع غيرها من الشعوب والأمم .
ومن الأمثلة على الأفكار التي يوجد فيها القابلية لأن تصير رأيا عاما فكرة الخلافة الإسلامية ، لأن الواقع الذي تُعَبِّر عنه فكرة الخلافة هو مصالح الأمة كلها في الداخل وفي الخارج ، وهو واقع محسوس يقع عليه حس كل مسلم في كل شأن من شؤون حياته ، وأما التعبير عن هذا الواقع المحسوس فهو أن الخلافة هي الطريقة الدائمة لرعاية مصالح الأمة سواء بتطبيق الإسلام في الداخل أو بحمل الدعوة بالجهاد إلى الخارج .
وأما الأمثلة على المشاعر التي تصلح لأن تصبح شعورا عاما ، فهي المشاعر المتصلة بالأفكار التي تصلح لأن تصبح رأيا عاما كجميع الأفكار المذكورة .
أما مدلول الوعي العام ، فإن كلمة العام تعني عموم الناس أي مجموع الناس لا أن الوعي يكون غامضا أو مبهما أو غير محدَّد ، فكلمة العام هنا ليست وصفا لحقيقة الوعي ، بل إن غموض الفكرة يتناقض مع وجود الوعي عليها ، فلأجل فهم الفكر يجب أن يدرك واقعه كما هو إدراكا يحدده ويميزه من غيره كما يوجب أن يتصور هذا الواقع تصورا صحيحا يعطي الصورة الحقيقية عنه ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن فهم الفكر لأخذه ، لا بد أن يجري التصديق به إلى جانب إدراك واقعه وتصور مدلوله .
والوعي المطلوب إيجاده عند الأمة هو أن تدرك الأمة بمجموعها مبدأ الحزب وأن تعتنقه عقيدة عقلية ينبثق عنها نظامها ، وأن توجد القناعة عندها بصحة أفكار الإسلام وأحكامه وبصدقها ، فتحصل عندها الثقة بالأفكار والنظم المنبثقة عن العقيدة الإسلامية باعتبارها وحيا من الله علاجا لأفعال العباد لتحقيق السعادة لهم .
إلا أن القناعة بصحة أفكار الإسلام وأحكامه وبصدقها لا توجد إلا إذا أدركت الأمة بمجموعها الواقع الذي تدل عليه هذه الأفكار والأحكام وصدقت بها . ويكون ذلك بتنزيل الأفكار والأحكام المنبثقة عن العقيدة الإسلامية على الوقائع الملموسة والحوادث الجارية . وأما صحة وصدق هذه الأفكار والأحكام فآتية من صحة العقيدة التي انبثقت عنها ، أي من حيث كونها أحكاما شرعية ، بالإتيان بالدليل الشرعي لكل فكر ولكل حكم من الكتاب أو السنة أو مما أرشد إليه من أدلة . فإذا تكرر ثبوت صحة أفكار الإسلام وأحكامه وصدقها وجدت القناعة بها وتولدت عن هذه القناعة الثقة بها وحدها دون سائر الأفكار والأحكام الموجودة في العالم . فالمطلوب هو أن تعتنق الأمة العقيدة الإسلامية فكرة كلية عن الكون والإنسان والحياة ، عقيدة سياسية تتخذ أساسا ما بعده أساس للبحث عن رعاية شؤون الدنيا ، وقاعدة فكرية تبنى عليها الأفكار وتنبثق عنها أنظمة الحياة ، وقيادة فكرية تقود معتنقها إلى وجهة نظر معينة في الحياة وإلى نمط معين من العيش ، وإلى الحكم على الأفكار والوقائع والأحداث من منظار معين يصور الحياة على أنها الحلال والحرام .
هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن حصول القناعة بصحة وصدق النظام المنبثق عن العقيدة الإسلامية لا يعني حصول القناعة بصحة وصدق معالجات الإسلام لمشاكل الحياة فحسب بل يعني كذلك أن توجد القناعة عند الأمة بالكيفية التي جاء بها الإسلام لتنفيذ أحكامه . وهذا يعني أن توجد القناعة عند الأمة بمجموعها بالخلافة باعتبارها الطريقة الدائمة لتطبيق الإسلام في الداخل ولحمل دعوته بالجهاد إلى الخارج ، فيدرك واقعها من حيث هي كيان تنفيذي لمجموعة المفاهيم والمقاييس والقناعات الإسلامية ومن حيث القواعد التي يقوم عليها سلطان الإسلام فتلمس الأمة بمجموعها ضرورة وجودها .
وأما الجهاد فإنه بذل الوسع في القتال في سبيل الله مباشرة أو معاونة بمال أو رأي أو تكثير سواد أو غير ذلك . فالقتال لإعلاء كلمة الله هو الجهاد . والجهاد هو الطريقة الدائمة لحمل الإسلام إلى العالم بقتال الكفار قتالا ماديا ، وسببه كون الذين نقاتلهم كفارا رفضوا الإسلام بعد عرضه عليهم عرضا يلفت النظر . أي أن توجد الحالة التي يعرض فيها الإسلام عرضا يلفت النظر ثم يحصل الجهاد . فواقع الجهاد أنه قتال الكفار لإزالة الحواجز المادية من أمام الدعوة الإسلامية لجعل الشعوب تعتنق الإسلام وتكون مع سائر المسلمين أمة واحدة لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى . فيركز الجهاد في سبيل الله في النفوس وتوجد القناعة به بهذا الوصف وعلى هذا الاعتبار .
هذه الأفكار الأساسية الثلاثة هي التي يجب أن يعمل لتركيزها عند الأمة بمجموعها حتى يجري تركيز الإسلام عند الأمة بوصفه عقيدة عقلية ينبثق عنها نظامها ، وحتى تربط الفكرة الإسلامية في أذهان الناس بطريقة تنفيذها . إذ أن توحيد هذه الأفكار عند الأمة يؤدي إلى توحيد هدف الأمة بإقامة الخلافة وحمل الدعوة إلى العالم عن طريق الجهاد ، وتوحيد عقيدتها بربطها في واقع الحياة ووقائعها المتجددة ، وببعث الحيوية فيها ، وتوحيد وجهة نظرها في الحياة بأن يجعل مقياسها الكفر والإيمان ، والحلال والحرام . فإذا توحّد هدف الأمة وتوحّدت عقيدتها السياسية ووجهة نظرها في الحياة فقد وجدت النظرة إلى المصالح ، والتي تتمثل بوجود القناعة عند الأمة بمجموعها بثلاثة أمور : أولها أن رعاية مصالحها كلها سواء في الداخل أو الخارج يجب أن تتم بأحكام الإسلام ، وثانيها أن الخلافة هي الكيفية الدائمة لرعاية مصالحها كلها في الداخل بتطبيق الإسلام وفي الخارج بحمل الدعوة بالجهاد ، وثالث هذه الأمور أن الجهاد هو الكيفية الدائمة لحمل المبدأ للعالم أجمع .
أما الأفكار الفرعية والأحكام التي تعالج الأعمال فإنها نتيجة لتركيز الأفكار الأساسية وتعميقها ، فلا بد من غرس البذور وسقيها بما يحميها وينميها ، أي إيجاد العقيدة بأهم أفكارها وربطها بما يوجدها في معترك الحياة من سلطة وبما يحملها إلى العالم من قوة . أما تكرار تنزيل الأفكار والأحكام على الوقائع الملموسة والحوادث الجارية فليس المقصود منه جزئية هذه الأفكار والأحكام ، بل المقصود تركيز أفكار الإسلام الأساسية عن الحياة أي وجهة النظر الإسلامية في الحياة أو طريقة الإسلام الخاصة في الحياة عن طريق ربط معالجات الوقائع الجارية بالعقيدة الإسلامية مباشرة لإيجاد البرهان العقلي والشعوري الذي يوجِد القناعة بصحة أفكار الإسلام وأحكامه من حيث هي وحي من الله تعالى ، وبناء على ذلك تحصل الثقة عند الأمة بأفكار الإسلام وأحكامه باعتبارها أفكارا إسلامية مستنبطة من الكتاب أو السنة أو ما يرشد إليه الكتاب أو السنة من أدلة .
ابوعبدالرحمن حمزة
29-11-2011, 02:33 PM
فالغاية هي جعل وجهة النظر الإسلامية في الحياة هي السائدة ، وجعل طريقة الإسلام في الحياة هي طريقة الناس في العيش سواء أكانوا مسلمين أو غير مسلمين . وهذا لن يتأتى إلا بجعل العقيدة الإسلامية وحدها الأساس للحياة وجعل الحلال والحرام المقياس الوحيد للأعمال . وهذه العملية الصهرية التي يتولاها الحزب في الأمة هي " السعي بشكل مقصود لتوحيد الأفكار والآراء والمعتقدات على وجه يجعل هذا التوحيد لها مؤديا إلى توحيد هدف الأمة بإقامة الخلافة وحمل الدعوة إلى العالم عن طريق الجهاد ، وتوحيد عقيدتها بربطها في واقع الحياة ووقائعها المتجددة ، وببعث الحيوية فيها ، وتتوحد وجهة نظرها في الحياة بأن يجعل مقياسها الكفر والإيمان ، والحلال والحرام " . فالغاية منها هي تركيز أفكار الإسلام الأساسية عن الحياة وهدم ما يناقضها على وجه يزيل الأفكار العرضية الطارئة حين يجري تركيز هذه الأفكار الأساسية .
وأما الكيفية العملية للوصول إلى ذلك فيجب أن يتحقق فيها أمران : أحدهما تمكين الناس من وضع الأصبع على الواقع المحسوس الذي يدل عليه الفكر المراد هدمه والفكر المراد إعطاؤه . وثانيهما ربط الأفكار والأحكام المنزلة على واقع بالعقيدة الإسلامية من جهة ، وبالخلافة وحمل الدعوة إلى العالم بالجهاد من جهة أخرى . وبهذا يكون الحزب بوتقة تصهر الأمة ، فينقيها من الأدران والمفاسد التي أدت إلى انحطاطها والتي هي " الضعف الشديد الذي طرأ على الأذهان في فهم الإسلام " أو تولدت عندها أثناء انحطاطها والتي هي " أساس فكرة الغرب عن الحياة ، وهي فصل الدين عن الحياة ، ومنه فصل الدين عن الدولة " . يضاف إليها " ما سمم به الجو من آراء سياسية وفلسفية أفسد بها وجهة نظر المسلمين عن الحياة ، وبلبل الفكر الذي لدى المسلمين ، وما سمم به المجتمع من الوطنية والاشتراكية والقومية والديمقراطية " .
إن الرأي العام المنبثق عن وعي عام له مدلول تصوَّره البعض أنه عمل عام وليس رأيا عاما أي انضباط بالإسلام من قبل مجموع الناس ، والحقيقة أن معنى هذا القول أن تلمس الأمة بمجموعها ضرورة الاحتكام إلى الإسلام ضرورة لا تدفعهم إليها عاطفة عاصفة أو رغبة آنية ملحة وإنما يدفعهم إدراكهم بأن حياتهم وولاءهم يجب أن يكون للإسلام وحده وهو أمر لا يعني أن يباشر الناس تطبيق الأحكام الشرعية على أنفسهم ، وإنما معناه أن يوجد الولاء للإسلام لا لغيره وهذا لا يظهر أثره ملموسا في الحياة العملية إلا في التطبيق . ذلك أن المجتمع هو العلاقات الدائمية بين الناس ، والعلاقات إنما تنشأ على المصالح ، وأما الذي يحدد نوع العلاقات فهو الأفكار التي يحملها الناس عن مصالحهم والمشاعر المتيقظة لديهم عن هذه المصالح ، ثم النظام الذي ينظم هذه العلاقات بين الناس . وعليه فإن العلاقات الدائمية لا توجَد على أساس ما يحمل الناس من أفكار ومشاعر فقط ، وإنما توجَد أيضا من النظام المطبق على الناس ، أي أن المفاهيم السائدة في المجتمع لا توجِد وحدها علاقات دائمية بين الناس ، إذا لم توجَد منهم سلطة تسيطر على هذه العلاقات وتسيرها . فلا يمكن أن يتم عمليا تغيير العلاقات القائمة فعلا بعلاقات أخرى من غير إزالة السلطة التي تسيطر على هذه العلاقات وتسيرها ، حتى لو حصل بالفعل الانقلاب في الأفكار والمشاعر الموجودة في المجتمع .
ووجود الوعي العام عند الأمة على الإسلام من شأنه أن يوجِد الدافع عند الناس لتغيير العلاقات القائمة فعلا واستبدالها بعلاقات تتفق مع ما يحملون من أفكار وتجاوب مع ما لديهم من أحاسيس . ذلك أن وجود الوعي العام فوق أنه يوجِب أن تكون العقيدة الإسلامية متركزة في نفوس المسلمين فإنه يعني أيضا حصول الانقلاب الفكري والشعوري في المجتمع ، أي أن تصبح الأفكار التي يحملها الناس عن مصالحهم إسلامية ، فيوجد بذلك تناقض بين أنظمة الكفر المطبقة على الناس وبين أفكارهم ومشاعرهم ، وهذا التناقض يثير في الأمة مشاعر الغضب أو مشاعر السخط ، ومشاعر الغضب إذا وجدت في الأمة ، وجد عندها حينئذ الدافع أو الحافز للتحرك الجماعي لإزالة العامل المثير لغضبها .
هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن وجود الوعي العام يحتم أن توجد عند الأمة المفاهيم التي تعين لها المسؤولية عن حمل الدعوة لإقامة الدولة كالمفاهيم المتعلقة بالخلافة سواء من حيث أنها الطريقة الدائمة لتطبيق الإسلام في الداخل وحمل دعوته بالجهاد إلى الخارج أو من حيث القواعد التي يقوم عليها نظام الحكم في الإسلام ، كقاعدة السلطان للأمة ، وكقاعدة أن نصب رئيس دولة واحد فرض على المسلمين .
فإذا وجد الوعي العام عند الأمة على الإسلام فإن ذلك يعني أن يوجد عند الأمة بمجموعها الاستعداد للتحرك لتحويل السلطان الحاضر إلى سلطان إسلامي ، وهذا الاستعداد وإن كان لا بد من وجوده حتى توجد الإرادة في مجموع الأمة لحمل الدعوة لإقامة الدولة ، إلا أنه بدون أن يباشر الحزب محاولة أخذ قيادة الأمة فإن الأمة لن تندفع بوصفها أمة لتحويل السلطان القائم إلى سلطان إسلامي . وذلك لأن تلبس الأمة بمجموعها بالقيام بالأعمال التي من شأنها أن تؤدي إلى هدم أنظمة الكفر القائمة وإقامة الخلافة على أنقاضها يتطلب وجود قيادة تثق بها الأمة وتلتف حولها وتسير وراءها . فقوى الأمة بمجموعها لا تتوحد من تلقاء نفسها كما أن مجموع الناس لا يستطيعون بوصفهم جماعة رسم الطريق الذي يؤدي إلى الوصول للغاية . فالناس لا تتحرك كجماعة بدون قائد يرسم لها الطريق ويوجهها إلى الأعمال التي تؤدي إلى قيام سلطان الإسلام .
ووجود الرأي العام المنبثق عن الوعي العام عند الأمة على الإسلام يدل عليه ثلاثة أمور هي :
أولا : حصول الانقلاب الفكري والشعوري في المجتمع .
ثانيا : توحيد هدف الأمة وتوحيد عقيدتها السياسية ووجهة نظرها في الحياة .
ثالثا : بدء تحول فكرة إيجاد الإسلام في واقع الحياة من قوة روحية في الأمة إلى قوة مادية .
أولا : الانقلاب الفكري والشعوري :
الفكر كفكر يظهر إلى حيز الوجود إذا عُبِّرَ عنه باللسان أو القلم ، وعند ذلك يجري إدراك وجوده ومن ثم ترد إمكانية قياسه . وقياس الأفكار التي يحملها الناس عن مصالحهم يكون بملاحظة الأفكار التي تصدر عن الناس أنفسهم ، وملاحظة موقف الناس من الأفكار التي توجَّه إليهم .
أما قياس ما يصدر عن الناس فيكون بتسجيل الأفكار التي تسيطر على أحاديث الناس سواء في الأماكن الخاصة أو الأماكن العامة ، وسواء في أحاديثهم العادية أو أحاديثهم تعليقا على ما يدور بينهم من مناقشات ومحاضرات وندوات ولا يتأتى ذلك إلا عن كريق الاتصال الحي بالناس . وعن هذا الطريق يمكن معرفة أفكار الناس وآرائهم في الوقائع الملموسة والحوادث الجارية ، خاصة البارزة منها . كما أن قياس ما يصدر عن الناس يكون بتسجيل الأفكار التي تظهر فيما يكتبه الناس في الكتب أو الصحف والمجلات بشكل تلقائي أو نتيجة وجود حافز دفع الناس للتغيير عن آرائهم في قضايا من خلال وسائل النشر أو حالة الطلب من الناس بشكل مباشر للتعبير عن آرائهم في مسائل معينة تعرض عليهم .
أما قياس الأفكار عن طريق رصد موقف الناس من الأفكار الموجَّهة إليهم عبر وسائل النشر المسموعة أو المقروءة ، فيكون بملاحظة إقبال الناس عليها أو إعراضهم عنها ، وذلك مثل إقبالهم على الاستماع لندوة أو محاضرة يتحدث فيها مفكر إسلامي أو يكون موضوعها له علاقة بالإسلام والمسلمين ، وعدم اكتراثهم بالمحاضرات أو الندوات التي لا تبحث في قضايا ذات صلة بالإسلام أو المسلمين ، ومثل إقبال الناس على شراء الكتب الإسلامية ، وإعراضهم عن الكتب التي تتحدث عن الفكر الاشتراكي أو الرأسمالي أو القومية . كما يدخل في هذا القياس رصد موقف الناس من المنظمات الفكرية في المجتمع كالأحزاب والتكتلات التي تقوم على أسس فكرية . فيلاحظ إقبال الناس على المنظمات الإسلامية وأن هذه المنظمات قد صار لها امتداد بين جمهرة الناس ، وفي مقابل ذلك يلاحَظ إعراض الناس عن المنظمات التي تقوم على غير أساس الإسلام ، وأن هذه المنظمات قد أصبحت هامشية ، سواء على الصعيد الفكري أو على الصعيد السياسي مما أفقدها القدرة على استقطاب جمهرة الناس ، أي صارت منفصلة عنهم . وعند قياس ما يصدر عن الناس سواء بتسجيل الأفكار التي تسيطر عليهم أو رصد موقفهم من الأفكار الموجَّهة إليهم ينبغي عدم التجريد أو التعميم أو القياس الشمولي .
على أن الاتصال الحي بالناس يبقى هو حجر الزاوية في معرفة الرأي العام ، سواء من حيث الشمولية أو من حيث الدقة في الوقوف على الأفكار الطاغية في المجتمع . والاتصال الحي بالناس يُرى أن لا وجود لأي فكر مؤثر في المجتمع غير أفكار الإسلام . لذلك نجد أن وسائل الإعلام العالمية والإقليمية صارت ترتكز في التعامل مع الرأي العام في العالم الإسلامي وفي مخاطبته على أساس أنه رأي عام إسلامي .
أما طريقة قياس المشاعر في المجتمع فتكون بتحديد العامل المثير لها سواء كان واقعا محسوسا يثير المشاعر للإشباع أو كان فكرا من الأفكار التي تعبر عن وقائع تثير المشاعر ، فإذا رضي المسلمون بما يرضي الله ، أو سخطوا بما يسخط
ابوعبدالرحمن حمزة
29-11-2011, 02:34 PM
الله كانت مشاعرهم حينئذ مشاعر إسلامية ، وأما إذا رضوا بما يسخط الله أو سخطوا لما يرضي الله كانت مشاعرهم حينئذ مشاعر غير إسلامية .
وحتى تدرك المشاعر الموجودة في المجتمع لا بد إدراك الوسائل والأساليب التي يتم بواسطتها تعبير الناس عن المشاعر المتيقظة لديهم عن مصالحهم . والمشاعر إما أن يظهر أثرها في الجو العام للجماعة أو يظهر أثرها في سلوك الجماعة ، إذ يمكن إدراك الشعور بالرضى أو الفرح أو الشعور بالطمأنينة ، كما يمكن إدراك الشعور بالغضب أو الحزن أو الشعور بالقلق من ملاحظة ما تحدثه هذه المشاعر من أثر في الأجواء العامة التي تخيِّم على مجموع الناس ، فكل شعور جماعي يفرض جوا خاصا به أو يترك أثرا متميزا عن غيره على أجواء جماعة الناس .
وأما الأثر الذي تحدثه المشاعر في سلوك الجماعة فهو تعبير الجماعة بالأقوال أو الأعمال عن المشاعر المتيقظة لديها عن مصالحها كالتذمر العام أو تشكيل الوفود أو الخروج بمظاهرات أو القيام بمسيرات أو عقد المؤتمرات أو القيام بإضراب أو اعتصام في مكان عام للتعبير عن الرفض أو التأييد أو برفع الشعارات أو اللافتات أو العرائض أو بأية وسيلة من الوسائل .
والمتتبع للواقع الذي وصلت إليه الأمة والمجتمع يدرك أن المشاعر التي باتت تسيطر على الأمة هي مشاعر إسلامية وأن معظم المشاعر غير الإسلامية التي استولت عليها قد أو ضعف تأثيرها في النفوس . إذ أن المشاعر التي تتحرك في الأمة بتأثير من الوقائع الجارية أو بتأثير من الأفكار هي مشاعر إسلامية ، أما تأثر المسلمين بالوقائع الجارية فواضح في غضبهم من المجازر الوحشية التي ارتكبها الكفار بحق المسلمين في البوسنة والهرسك وبلاد الشيشان وأفغانستان . وفي حرب الخليج الثانية وجدنا أن مشاعر السخط والغضب قد تحركت لدى المسلمين في كل مكان بسبب احتلال الغرب الكافر بلاد الإسلام واعتدائه الوحشي على المسلمين في العراق ، وقد كانت المساجد في معظم أنحاء العالم الإسلامي منطلقا للتعبير عن مشاعر الغضب طوال مسلسل الأزمات المفتعلة بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية ، والتي كان آخرها الهجوم العسكري الأمريكي البريطاني على العراق في كانون أول سنة 1998م وفي المغرب وحدها خرج نحو مائة ألف مسلم في مظاهرة عارمة تعلوها المصاحف .
وأما أثر أفكار الإسلام الأساسية في المشاعر فإنه يظهر في ارتباط شعور الأمة بفكرة الحكم بما أنزل الله ، وبأخوة الإسلام ، كما اهتز لنداء الجهاد ونداء " الله أكبر " . كما أن غالبية المسلمين تشعر بالسخط من الكيفية التي تجري على أساسها رعاية مصالحهم ، وتشعر بالغضب والكراهية للسلطات التي بيدها صلاحية رعاية هذه المصالح .
والأمثلة التي تدل على تجاوب مشاعر الأمة مع أفكار الإسلام الأساسية كثيرة كموقف الأمة من الثورة في إيران التي رفعت شعار التغيير على أساس الإسلام سواء شعار تطبيق الإسلام أو تصدير الثورة ، وكذلك موقف الأمة من الانتخابات النيابية التي أجريت في أكثر من بلد من بلدان العالم الإسلامي ، وموقف أبناء الأمة من الغزو السوفياتي لأفغانستان والروسي لبلاد الشيشان ، والأرمني لأذربيجان ، والصربي للبوسنة والهرسك . وفي هذا كله دلالة على أن مشاعر الإسلام قد وجدت عند المسلمين في رعاية شؤون الحياة الدنيا .
وفي مقابل ذلك نجد أن معظم المشاعر غير الإسلامية قد زالت أو ضعف أثرها من النفوس كالوطنية والقومية إذ لم يعد يهز المسلمين نداء الوطن ولا نداء القومية ، فلم تعد ألفاظ العرب والعروبة تثير المشاعر ولم يعد للأفكار القومية القدرة على تحريك جمهرة الناس أو هز مشاعرهم ، مثل الجامعة العربية ، أو الوحدة العربية ، أو النهضة القومية ، أو التحرر القومي ، والمشاعر التي كانت موجودة لأفكار التحرر والاشتراكية لم يعد لها تأثير على الناس .
إلا أن الانقلاب الشعوري في المجتمع لم يصل بعد في شموله وقوته إلى نفس الدرجة التي تحقق بها الانقلاب الفكري ، بمعنى أن تأثير الانقلاب في فكر المجتمع لم يؤثر في شعوره تأثيرا شاملا لكل فكرة من الأفكار التي حدث فيها الانقلاب ، وأن المشاعر التي تأثرت بهذه الأفكار أو تجاوبت معها لم تُحدِث أثرا قويا في النفوس ، ولم يحصل التجاوب معها بدرجة كافية تؤدي إلى دفع الأمة بمجموعها للتعبير عن سخطها أو غضبها كلما بدر من السلطة الحاكمة ما يمس مصالحها أو مبدأها .
ثانيا : توحيد هدف الأمة وتوحيد عقيدتها السياسية ووجهة نظرها في الحياة :
لقد دلت الوقائع والحوادث الجارية خاصة البارزة منها على تجاوب مشاعر المسلمين مع أفكار الإسلام الأساسية عن الحياة مما يعني أن الأمة الإسلامية قد تقبلت مجموع المفاهيم والمقاييس والقناعات الإسلامية ، أي دلت هذه الحوادث على توحيد هدف الأمة وتوحيد عقيدتها السياسية ووجهة نظرها في الحياة .
ومن الأمثلة على ذلك موقف الأمة الذي عبَّرت عنه في الانتخابات النيابية في أكثر من بلد كما في الجزائر أو الأردن أو مصر أو تركيا ، إذ أن الانتخابات لها دلالة سياسية ، وكون المسلمين ينتخبون المرشح الذي يرفع شعار الإسلام ، أو شعار الإسلام هو الحل ، فإن هذا يدل على أن العقيدة الإسلامية قد ارتبطت بأفكار الحياة وأنظمة التشريع أي أصبحت عند المسلمين عقيدة سياسية لا عقيدة روحية فحسب ، وقاعدة فكرية تُبنى عليها الأفكار وتنبثق عنها الأنظمة ، لأن انتخاب النائب يعني اختيارا لأفكار الحكم وليس اختيارا لإمامة الصلاة في المسجد ، ولأن شعار الإسلام هو الحل يعني أن الإسلام هو العلاج لكل مشاكل الحياة ، ولا يعني قصره على أحكام العبادات ، بل إن أحكام العبادات لا تحتاج إلى نائب يمثل الأمة في البرلمان . وهذا دليل على أن مفهوم فصل الدين عن السياسة أو عن الدولة لم يعد هو الأساس في النظرة إلى المصالح . وهذا كله يصلح مؤشرا على أن الأمة صارت تثق بما ينبثق عن عقيدتها من نظم تعالج مشاكل الحياة .
ومن الأمثلة على ذلك موقف الأمة الإسلامية من الثورة في إيران سنة 1979م ، فقد تحرك الشارع في إيران للإطاحة بحكم الشاه تحت قيادة الخميني باسم الإسلام ، وانطلقت المظاهرات والمسيرات في كبريات العواصم في بلاد الإسلام لإعلان التأييد ، وصارت هذه الثورة محط أنظار المسلمين في العالم الإسلامي كله كأمل لتحرير فلسطين من رجس اليهود . والثورة " الإسلامية " في إيران ثورة سياسية شعارها الإسلام ، وهدفها المعلن تطبيق الإسلام في الحكم على أنقاض حكم الشاه وتصدير الثورة . وموقف الأمة هذا فيه دلالة على أن العقيدة الإسلامية قد ارتبطت برعاية شؤون الحياة الدنيا ، وأنها صارت تنظر إلى الإسلام بوصفه دينا منه الدولة ، وهذا أيضا مؤشر على وجود الثقة لدى المسلمين بالنظام المنبثق عن عقيدتهم .
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإن موقف المسلمين في الانتخابات النيابية وموقفهم من في إيران يدل كذلك على أن الحكم بما أنزل الله صار هدفا للأمة الإسلامية ، وذلك لأن تطبيق الشريعة الإسلامية كان هو شعار الثورة في إيران ، وقد رفع الخميني شعار تصدير الثورة ، مما أوجد الأمل في نفوس المسلمين بإمكانية التخلص من أنظمة الكفر المطبَّقة عليهم ، ولذلك تجاوبت الأمة بإعلان التأييد في مظاهرات عارمة في جميع العالم الإسلامي . وأما شعار الإسلام هو الحل ، فإن الناس لا تفهمه إلا على أساس أن الإسلام هو العلاج لكافة نواحي الحياة ، أي رعاية مصالح الناس على أساس الإسلام ، وهذا الواقع وإن لم يعبَّر عنه باسم الخلافة أو الدولة الإسلامية ، إلا أنه يعبِّر عن واقع الخلافة ، حتى وإن لم يَقصد رافعو شعار " الإسلام هو الحل " تطبيقه بالفعل كما فهم الناس أو لم يقصدوا تطبيقه بحسب الواقع الذي يدل عليه .
ومن المؤشرات التي تدل على وحدة هدف الأمة بأنه إقامة الخلافة أن الحركات الإسلامية التي تهدف إلى أخذ قيادة جمهرة المسلمين صارت ترفع شعار الخلافة الإسلامية ، أو شعار الإسلام هو الحل ، بغض النظر عن مدى إخلاص القائمين على هذه الحركات . حتى أن الحركات الإسلامية التي ظهرت في البلاد الإسلامية التي كانت خاضعة للحكم الشيوعي فيما كان يُعرف بالاتحاد السوفياتي سابقا ، رفعت هي الأخرى شعار الخلافة ونادت به ، وكان شعار الذين قتلوا الخائن السادات ( الخلافة أو الموت ) .
ابوعبدالرحمن حمزة
29-11-2011, 02:35 PM
أما ارتباط مشاعر المسلمين بأخوة الإسلام ، فإن تجاوب المسلمين في جميع أرجاء العالم الإسلامي مع الأحداث البارزة التي حصلت في مختلف البلاد الإسلامية ليدل على أن الأمة الإسلامية مجموعة إنسانية واحدة تربطها عقيدة واحدة ينبثق عنها نظامها . ففي حرب الخليج الثانية خرجت المسيرات وعمت المظاهرات وعقدت الندوات وألقيت المحاضرات في أنحاء العالم الإسلامي تطالب الحكام بإعلان الجهاد ضد الكفرة المعتدين ، وقد انهالت المساعدات ، وهبَّ الآلاف من أبناء هذه الأمة متطوعين للجهاد .
وحمل الدعوة هو الأساس الذي تقوم عليه علاقة الأمة الإسلامية بغيرها من الشعوب والأمم وطريقة تنفيذه الجهاد ، وقد أكدت الحوادث الكثيرة حقيقة الأمة الإسلامية أنها أمة مجاهدة وأنه يوجد عندها الاستعداد للتضحية والعطاء ، وأن الشهادة في سبيل الله أغلى أمنية عند المسلمين في كل مكان . وعلى الرغم من أساليب التضليل التي مورست على الأمة عشرات السنين فيما يتعلق بحل مشكلة احتلال اليهود لفلسطين إلا أن الوقائع الجارية تدل على أن مشاعر الأمة الإسلامية إنما تتجاوب مع النداء للجهاد ولا تتجاوب مع الصلح مع إسرائيل ، فقد أعربت الأمة بأسرها عن مشاعر البهجة والسرور لمقتل الخائن السادات على يد نفر من أبناء هذه الأمة بسبب ارتكابه جريمة الصلح مع إسرائيل ، وقد تكرر موقف الأمة بالتأييد والمؤازرة لما قام به سليمان خاطر في مصر ولما قام به أحمد الدقامسه في الباقورة في الأردن ، فالأمة تؤيد كل عمل وموقف يتخذ في معاداة اليهود كما تنبذ كل حاكم يعلن الولاء أو يظهر الذل والاستخذاء أمام اليهود .
جميع هذه الوقائع والحوادث تدل على أن العقيدة الإسلامية قد أصبحت بالنسبة للمسلمين عقيدة روحية سياسية لا عقيدة روحية فقط ، وأن الإسلام قد أصبح عند المسلمين دينا منه الدولة لا مفصولا عنها ، فالمسلمون اليوم ما عادوا يرون فصل أفكار الإسلام ووجهة نظره عن شؤون الحياة الدنيا ، ولا يرون فصل التشريع الإسلامي عن الدولة ، ولم يعودوا يعتبرون هذا الفصل للأفكار والتشريع ضرورة حياتية يقتضيه وجودهم وتقدمهم بين الناس ، أي أن ثقة المسلمين بما ينبثق عن عقيدة الإسلام من أفكار عن الحياة ونظم لتنظيم العلاقات قد عادت فعلا .
كما أن الوقائع سالفة الذكر تدل على أن الأمة قد تم تنقيتها من كثير من الأدران التي أدت إلى انحطاطها أو التي تولّدت عندها أثناء انحطاطها ولا سيما أساس فكرة الغرب عن الحياة . فمفاهيم " فصل الدين عن الحياة " أو " الجهاد حرب دفاعية وليس حربا هجومية " أو " الحياد " أو " اشتراكية الإسلام " أو " السياسة كذب ودجل " أو " الاحتكام إلى أنظمة العصر " أو " الخلافة بابوية " أو " استحالة قيام الخلافة " أو " مرونة الإسلام " أو عصرنة الإسلام " و " ديمقراطية الإسلام " أو " الوطنية والقومية " لم تعد هي المفاهيم السائدة بين الناس .
ثالثا : بدء تحول فكرة إيجاد الإسلام في واقع الحياة من قوة روحية في الأمة إلى قوة مادية :
هناك عدد من المؤشرات التي تدل على أن فكرة إيجاد الإسلام في واقع الحياة قد بدأت بالتحول فعلا من قوة روحية إلى قوة مادية ، أي أن الفكرة الإسلامية بوصفها فكرة سياسية صارت قوة تقف في مواجهة القوى الأخرى المعادية . واستكمال هذا التحول هو الذي ينقل الفكرة الإسلامية إلى التطبيق الفعلي في واقع الحياة .
ويمكن إجمال الأعراض التي تشير إلى حصول هذا التحول بما يلي :
1ـ الغالبية العظمى من أبناء المسلمين باتوا يؤمنون بأن عقيدتهم لا تعني مجرد الانتماء إلى دين وإنما تفرض عليهم أن يعيشوا على أساسها ، وأن يعملوا على إيجادها في معترك الحياة ، فلا يكاد بلد إسلامي يخلو من حركة تدعو إلى تطبيق الإسلام ، بينما لم يعد للحركات أو التكتلات التي لا تقوم على الإسلام القدرة السابقة على استقطاب جمهرة الناس .
2ـ أما الخلافة فإنها أصبحت تترد على ألسنة غالبية المسلمين ، وتشكلت حركات جديدة تدعو إلى إقامة الخلافة ، وقد بلغت قوة الرأي العام للخلافة الحد الذي اضطرت معه الحركات التي لم تعنَ يوما بالخلافة إلى تملّق الرأي العام عند الحاجة .
3ـ وبالنسبة للجهاد فإنه نتيجة تعطيل الحكام لهذا الفرض ، قامت حركات تنادي بالجهاد ، وتقوم بأعمال ضد الكفار باعتبارها جهادا ، ووُجد لهذه الحركات تأييد واسع بين المسلمين .
4ـ والدلائل على أن الأمة بجملتها باتت ترى ضرورة الاحتكام إلى الإسلام وتريد العيش على أساسه كثيرة لدرجة أن الكفار بدأوا بوضع الخطط وتنفيذها لمحاربة الإسلام ، ووصم المتمسكين به والمنادين بتطبيقه بأوصاف مثل التطرف والتشدد والإرهاب والأصولية وغيرها ، كما أنهم أوعزوا إلى عملائهم بالتصدي لكل مخلص لقضية الإسلام . وراحوا يشوّهون صورة الإسلام عن طريق ربطه وربط حملة دعوته بسفك الدماء وقتل الأبرياء ، بل وهتك الأعراض كما يصوَّر الوضع في الجزائر ، وعن طريق تسليط الأضواء على الدول التي تدّعي تطبيق الإسلام والتي يقف الغرب الكافر وراءها ـ كما هو حاصل الآن في أفغانستان ، وإيران ، والسودان ، أو السعودية وباكستان .
5ـ وإدراكا من حكام بلاد المسلمين لحقيقة أن الأمة لا يرضيها إلا الإسلام صاروا يتقربون إليها بإظهار أن سياساتهم لا تتعارض مع الإسلام مستعينين في ذلك بعلماء السلاطين .
وحين نشبت أزمة الخليج ، تحول حاكم العراق بين عشية وضحاها من بعثي لا يؤمن بالإسلام ، إلى " مؤمن !! " يضع عبارة " الله أكبر " على علم العراق ويتحدث عن " جمع المؤمنين " و " جمع الكفار " .
6ـ والكفار الغربيون يدركون حقيقة أن الرأي العام في المنطقة بأسرها إلى جانب الإسلام ، وأن أي عمل سياسي في العالم الإسلامي حتى ينجح لا بد أن يتم إسناده بالإسلام سواء في إيصال العملاء إلى الحكم أو تثبيتهم في سدة الحكم أو في تنفيذ خططهم في بسط النفوذ والسيطرة ، بينما لم يكونوا يفكرون في استخدام الإسلام لهذا الغرض أيام عبد الناصر على سبيل المثال ، لأن الرأي العام لم يكن للإسلام في ذلك الوقت ، بل كان إلى جانب أفكار القومية والتحرر والاشتراكية .
7ـ وقد أصبح الغرب الكافر يلجأ إلى تسويق أفكاره في بلاد المسلمين على اعتبار أنها أفكار إسلامية أو لا تخالف الإسلام ، فيروّج للديمقراطية على أنها الشورى ، أو أنها ضد القمع والاستبداد ، ولا يجرؤ أن يروّج لها باعتبارها تعطي حق التشريع للإنسان وتنكره على خالق الإنسان ، كما اندفع الغرب بقوة في محاولة تمييع المجتمع من ناحية الإسلام حتى يتمكن من إخراج الإسلام من المجتمع ، فإلى جانب الديمقراطية صار يروج عن طريق عملائه تحت اسم الإسلام لفكرة وحدة الأديان ، والتسامح الديني ، والوسطية الإسلامية ، والتعددية السياسية ، وكذلك لمّا أدرك الغرب الكافر أن الأمة قد توحّد هدفها بأنه الحكم بما أنزل الله ، لجأ إلى تمييع هذا الهدف سواء عن طريق بث فكرة التدرج في تطبيق الشريعة الإسلامية أو المشاركة في الحكومات القائمة في العالم الإسلامي ، أو عن طريق إظهار بعض الدول أنها تطبق الإسلام كما في الباكستان وفي إيران وفي السودان .
8ـ وفي بداية الثمانينات راحت الدوائر الغربية تهيئ رجالها وبرامجها لاحتواء الخطر الذي بدأ الغرب يستشعره من الإسلام وصار يجري تسليط الأضواء على عدد من المثقفين وبعض رجالات الحركة الإسلامية لقوموا نيابة عن الغرب بحرف حركة الوعي الحاصلة في الأمة الإسلامية نحو التيه والضياع مدّعين أنهم قادة لما يسمى بالصحوة الإسلامية وصاروا يلجأون إلى تأليف الكتب التي تتحدث عن بنية العقل العربي والعقل السياسي العربي وتجديد العقل العربي ، لتشكل حاجزا يمنع الأمة الإسلامية من أن ترى الحقيقة وهي : أنها لا نهضة لها إلا بالإسلام بعد سقوط القومية والاشتراكية والرأسمالية في بلاد المسلمين . كما صارت تُلقي المحاضرات وتعقد الندوات وتعد الدراسات لبحث واقع وأبعاد ما يسمى " الصحوة الإسلامية " ومن ذلك الندوة التي عقدها منتدى الفكر العربي في عمّان عام 1987م تحت عنوان " الصحوة الإسلامية وهموم الوطن العربي " وقد ضمت هذه الندوة أكثر من خمسين مشاركا من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية ، وما هذه الأعمال إلا من أجل رصد الاتجاهات في العالم الإسلامي حتى يجري احتواؤها وتطويعها .
ابوعبدالرحمن حمزة
29-11-2011, 02:36 PM
وما كانت الدوائر الغربية لتقوم بما قامت به لولا أن الإسلام بوصفه عقيدة عقلية ينبثق عنها نظام للحياة صار هو الفكرة الوحيدة التي تشكل تهديدا حقيقيا للأنظمة القائمة في العالم الإسلامي ، وأن تيار الإسلام بوصفه تيارا سياسيا قد فرض وجوده .
9ـ من جانب آخر فإن الغرب الكافر وعلى رأسه أميركا هو الذي يقف اليوم وراء الحرب الشرسة التي تشن على الإسلام والمسلمين ، وهو الذين يطلقون ـ ولو على ألسنة عملائه ـ صرخات التحذير من خطر ما يسمى " بالأصولية " على المنطقة برمتها وعلى العالم بأسره ، للوقوف في وجه تيار الإسلام ومقاومته بإعلان الحرب على حملة الدعوة الإسلامية في كل مكان وتأليب الرأي العام العالمي على الإسلام والمسلمين باسم " محاربة التطرف والإرهاب " أو عن طريق الأعمال السياسية .
ففي الجزائر بلغ حقد الفئة العلمانية الحاكمة مداه متمثلا بأعمال القتل وسفك الدماء وهتك الأعراض بوحشية لم يسبق لها مثيل ، وفي مصر لم تكتف السلطة بملاحقة حملة الدعوة الإسلامية وزج الآلاف منهم في السجون والمعتقلات ، بل أعطت الأوامر لأجهزتها الأمنية بإطلاق النار على حملة الدعوة في الشوارع والطرقات ، وقامت بإعدام الكثيرين منهم .
أما في تركيا فقد صرح العسكريون أن إصرارهم على تطبيق الحظر الذي فرضوه على ارتداء الحجاب في الجامعات إنما هو من أجل حماية العلمانية بكل أشكالها ومظاهرها ، ولأن الحجاب يُعَد ـ على حد تعبيرهم ـ مظهرا من مظاهر عودة الإسلام للحياة السياسية ، وأكثر من ذلك فقد طالب العلمانيون بتتريك قراءة القرآن في الصلاة وبتتريك الأدعية التي يدعى بها للميت حتى يتأتى للميت فهم هذه الأدعية !! هذا إلى جانب عمليات الإقالة الجماعية من الجيش التي تطال منذ سنوات من تصفهم المؤسسة العسكرية بأنهم ذوو ميول أصولية .
وفي إيران ينشب صراع حاد بين الفئة العلمانية الحاكمة المدعومة من الغرب وبين تيار الإسلام الذي يقف بقوة في وجه التحول نحو العلمانية باسم الانفتاح الحضاري أو الانفتاح على الثقافات الأخرى .
وما الاجتماع الدوري الذي يعقده وزراء الخارجية العرب لوضع الخطط ورسم الأساليب للحيلولة دون عودة الإسلام إلى معترك الحياة تحت شعار ( مكافحة التطرف والإرهاب ) إلا عمل من أعمال هذه الحرب الشرسة .
هذه المؤشرات البارزة تدل بشكل واضح على أن فكرة إيجاد الإسلام في واقع الحياة قد بدأت بالتحول فعلا من قوة روحية في الأمة إلى قوة مادية ، وأن تيار الإسلام أصبح يقف في وجه القوى الأخرى المعادية ، وأن الإسلام أصبح عند المسلمين دينا منه الدولة ، والعقيدة الإسلامية في نفوس المسلمين ارتبطت بأفكار الحياة وأنظمة التشريع ، أي أصبحت العقيدة الإسلامية في نفوس المسلمين عقيدة سياسية . فما على الحزب إلا أن يعمل على استكمال هذا التحول حتى يتم نقلها إلى التطبيق الفعلي في واقع الحياة .
محاولة أخذ قيادة الأمة
حتى تطبق الأفكار في واقع الحياة لا بد من تحويلها من فكر مجرد إلى قوة دافعة في الناس ، فتؤمن بها جمهرة الناس وتفهمها وتحملها ، وتكافح في سبيل تطبيقها ، وحينئذ يصبح تطبيقها أمرا حتميا ونتيجة طبيعية .
لذلك كان لزاما على الحزب أن يستكمل دور التفاعل أو دور تحويل الفكرة إلى قوة دافعة في الناس بمباشرة القيام بمحاولة قيادة الأمة الإسلامية للعمل من أجل تحقيق الفكرة الإسلامية في معترك الحياة تحت قيادته . والمحاولة تكون بقيادة الأمة كلها بوصفها أمة لأن تحمل معنا الدعوة الإسلامية لإقامة دولة الخلافة ، وتقف مع الحزب وتحت قيادته في وجه الكفر والكفار ، والعملاء والمنافقين ، فلا ينفرد الحزب في كفاح من يقفون حائلا دون تطبيق المبدأ ومن وضعوهم أمامهم من الفئات الحاكمة والظلاميين والمضبوعين بالثقافة الأجنبية ، فإذا نجح الحزب في هذه المحاولة تكون الأمة حينئذ قد اتخذت مبدأ الحزب مبدءا لها ، والحزب قائدا لها ، فينتقل الحزب إلى نقطة الارتكاز انتقالا طبيعيا ، ويقود الأمة لأخذ الحكم كطريقة لتطبيق المبدأ على الأمة ، ثم يقودها لحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم بالجهاد .
أما كيف نقود الأمة بمجموعها للعمل من أجل تحقيق الفكرة الإسلامية في معترك الحياة ؛ فإن لكل عمل يقوم به الإنسان سببين يتعاونان معا في إيجاد الإرادة التي تُعيِّن العمل ، والثاني هو السلطة التي تُنفِّذ .
والإرادة توجَد نتيجة لتحرك الطاقة الحيوية ، والاندفاع على وجه معيَّن . والذي يثير الطاقة ويحركها هو الواقع المحسوس المثير للمشاعر ، أو الفكر المعبِّر عن واقع مثير للطاقة . فإذا ثارت الطاقة تطلبت الإشباع ودفعت الإنسان لتحقيقه ؛ فكان لا بد لكل من يحاول قيادة الناس ليقوموا بأعمال معينة من تقصُّد إثارة شعور الجماعة بتطلب الإشباع ، أو مباشرة قيادتها حال شعورها بتطلب الإشباع .
أما الاندفاع للإشباع على وجه معيَّن فإنه يحصل جرّاء ارتباط المشاعر بالمفاهيم ؛ لأن الإنسان يندفع للإشباع على الكيفية التي تمليها عليه مفاهيمه ، والمفاهيم هي التي تعين للإنسان نوع المشاعر الدافعة وكيفية السير . على أن هناك فرقا بين الحماس والإرادة ينبغي التنبه له حين العمل على إيجاد الإرادة عند الأمة للقيام بأعمال حمل الدعوة لإقامة الدولة ، ذلك أن تحرك الطاقة الحيوية بمثير ما ينتج رغبة في الإشباع ، أو أمنية لتحقيق الإشباع قد ينتج عنهما حماس واندفاع للقيام بأعمال ، لكن هذا الحماس سرعان ما يخبو إذا لم توجد الإرادة ، لأن إرادة القيام بالعمل تعني التصميم على إنجاز العمل مهما كان شاقا ومضنيا ، كما تعني الثبات على ذلك والاستمرار فيه ، وحتى توجد الإرادة لا بد أن تكون إثارة المشاعر قوية ودائمة مع استمرار ربط هذه المشاعر والعامل الخارجي المثير بالمفهوم المعيَّن الذي يحصل به الإشباع ، فيصمد أصحاب هذه الإرادة للعواصف التي تستهدف إطفاء جذوتها في النفوس ، قال تعالى : الذين قال لهم الناس إنّ الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله ، والله ذو فضل عظيم ، إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين وقال تعالى : الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا .
فإذا كانت العقيدة الإسلامية حية في نفوس المسلمين فهي كفيلة بإيجاد قوة روحية هائلة تؤدي إلى إيجاد إرادة خوض الصراع وحمل الدعوة ، لكن إذا فقدت نفوسهم تصوير العقيدة لما بعد الحياة من عذاب ونعيم وانطفأت جذوتها في النفوس وأصبحت العوامل الخارجية الأخرى أشد تأثيرا في الطاقة من المفهوم المعيَّن كأن يكون عقاب السلطة أقوى تأثيرا في نفوس المسلمين من عذاب الله ، أو يكون متاع الدنيا وزخرفتها أقوى تأثيرا من ترغيب القرآن الكريم بالجنة وترهيبه من النار ، فإنه لن توجد عندهم إرادة القيام بأعمال حمل الدعوة ،
ابوعبدالرحمن حمزة
29-11-2011, 02:36 PM
قال تعالى : زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ، ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب ، قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين أتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله ، والله بصير بالعباد .
فالمسألة في إيجاد إرادة حمل الدعوة في الأمة لإقامة الدولة تكمن في تمكين الأمة من لمس الواقع الذي تدل عليه الأفكار المتعلقة بحمل الدعوة . وفي ربط هذه الأفكار بالعقيدة الإسلامية وبيان انبثاقها عنها . وفي مقابل ذلك يجب إضعاف تأثير العوامل الخارجية الأخرى في نفوس المسلمين عن طريق إعطاء المفاهيم الصحيحة عنها ؛ بجعل العقيدة هي الأساس في النظرة إليها ، قال تعالى يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض ، أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة ، فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل ، إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا ، والله على كل شيء قدير . وقال تعالى قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره ، والله لا يهدي القوم الفاسقين .
وإلى جانب القوة الروحية الهائلة التي تحدثها العقيدة الإسلامية في الأمة هناك عوامل إيجابية أخرى لا بد من الأخذ بها لإثارة الشعور بضرورة هدم أنظمة الكفر المطبقة عليهم وإقامة الخلافة على أنقاضها ، مثل إثارة الإحساس بظلم الحكام وتآمرهم وتفريطهم بمصالح الأمة الحقيقية ، وإبراز التناقض بين ما عند المسلمين من مشاعر عيّنتها مفاهيم الإسلام عن الحياة وبين الكيفية التي تجري على أساسها رعاية الشؤون من قبل السلطة ؛ فإن تقصّد مثل هذه الأمور من شأنه أن يذكي مشاعر السخط والغضب عند الأمة ويقوي الحافز الحاد عندها للتحرك الجماعي من أجل هدم أنظمة الكفر المطبقة عليها وإقامة الخلافة .
ومما يجب ملاحظته أن إيجاد الإرادة في الجماعة أسهل من إيجادها في الأفراد ، وذلك لقرب الجماعة لإثارة المشاعر أكثر من الأفراد ، والشعور هو الذي يوقظ الفكر ، وبتفاعلهما تحصل الحركة ، وتوجد في الأمة إرادة التغيير والنهوض ، والثقافة الجماعية هي أنجع الطرق في إيجاد التفاعل بين الفكر والشعور . فحتى يتسنى لنا قيادة الأمة الإسلامية لحمل الدعوة من أجل إقامة الدولة لا بد أن نسلك طريق التثقيف الجماعي ، فالثقافة الجماعية هي التي تحرك جمهرة الناس وتوجِد فيهم الفهم ، وتجعل الدعوة في المجتمع إعصارا جارفا وتيارا كاسحا . على أن يلاحَظ في الثقافة الجماعية التأثير على المشاعر حين البحث العقلي وإعطاء الأفكار العميقة ، وأن يلاحَظ فيها إثارة الأفكار العميقة حين مخاطبة المشاعر ، حتى لا تكون عقلية بحتة فتغدو جامدة غير مستساغة عند جمهور الناس ، ولا تكون عاطفية محضة فتصبح تافهة غير مقبولة عند المفكرين .
إنه وإن كانت الجماعة قادرة على أن تؤثر كليا على الأفراد ؛ لأن شعورها قوي موقِظ قادر على إيقاظ الفكر ، إلا أن الجماعة أقل قدرة على الصبر من الأفراد ، والرؤية عندها أقل وضوحا ، وأضعف منها عند الأفراد ، لذلك لا بد أن تكون الغاية التي توضع للشعوب غاية قريبة ممكنة التحقيق ، فالممكن عقلا لا تستطيع الشعوب أن تجعله غاية ، بل الممكن فعلا هو الذي يمكن أن تراه وتسعى لتحقيقه . فصار لزاما علينا أن نضع للمسلمين غايات قريبة كمرحلة من المراحل على طريق العمل لإقامة الخلافة ، كأن نحضّ المسلمين على العمل لجعل الأفكار الإسلامية هي الطاغية في المجتمع بأن يحملوها إلى غيرهم وأن يجعلوها مسيطرة على حديث الناس في كل مكان ، أو أن نحضّهم على العمل لتركيز وجود الحزب في المجتمع بأن يقوموا أولا بتهيئة الأجواء للحزب عن طريق إيجاد الثقة به وبجدارته لأن تحتضنه الأمة لوعيه وإخلاصه وللعقيدية الصلبة التي يتحلى بها ، وثانيا بجلب الأنصار والمؤيدين له ولفكرته . ومن هذه الغايات القريبة التصدي لأفكار الكفر كالديمقراطية والقومية والوطنية ، والتصدي لدعاتها وتقريعهم ونبذهم وإظهار العداء لهم ولأفكارهم الفاسدة .
وبما أننا نريد قيادة الناس للقيام بأعمال معينة ، كان لا بد من ربط الأفكار المتعلقة بأعمال حمل الدعوة لمشاعر الناس حتى تصبح مفاهيم عندهم ، فيتحركوا للإشباع بأعمال حمل الدعوة ، وما لم تقترن مشاعر الناس بالأفكار الإسلامية المتعلقة بحمل الدعوة ؛ فإنهم لن يندفعوا نحو تحقيق الفكرة الإسلامية في معترك الحياة .
فإذا أثرنا مشاعر التدين في الأمة ، أو تحرك فيها شعور التدين بتأثير الوقائع الملموسة والحوادث الجارية انفع الناس لإشباع التدين بالصلاة والصيام والصدقة أو بغير ذلك من الأعمال التي تُشبِع غريزة التديّن من غير أن يلتفتوا إلى أي عمل من أعمال حمل الدعوة ؛ لأن التديّن لم يرتبط في أذهانهم بمفاهيم حمل الدعوة كما هو مرتبط بسائر العبادات والطاعات .
فحتى يتأتى لنا قيادة الأمة لتحمل معنا مسؤولية إقامة الخلافة لا بد من جعل المسلمين يتقرّبون إلى الله تعالى بأعمال كفاح الكفر والكفار وأعوانهم كما يتقربون إليه بالنوافل ، قال تعالى ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه , ذلك بأنهم لا يصيبهم ظلما ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح , إن الله لا يضيع أجر المحسنين * ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون . ولتحقيق ذلك يُعمل على ربط مشاعر التديّت بمفهوم حمل الدعوة لإقامة الدولة وبكل الأفكار المتعلقة به . فيجب علينا مداومة العمل على تمكين المسلمين من وضع الإصبع على الواقع المحسوس الذي تدل عليه هذه الأفكار , وربطها بالعقيدة وبيان انبثاقها عنها , وربطها بالعقيدة يكون ببيان علاقة هذه الأفكار بالإيمان والطاعة , أي علاقتها برضوان الله تعالى وغضبه , وعلاقتها بالجنة والنار والثواب والعقاب . وبيان انبثاقها عن العقيدة يكون بالإتيان بالدليل الشرعي لكل فكر من هذه الأفكار ولكل حكم من هذه الأحكام .
أما الأفكار التي يراد تحويلها إلى مفاهيم دافعة للعمل عند الأمة الإسلامية فهي مسؤوليتها عن حمل الدعوة لاستئناف الحياة الإسلامية وحملها إلى العالم بالجهاد , وأن الحكم هو الطريقة لاستئناف الحياة الإسلامية وحمل الدعوة الإسلامية , وأن هذه المسؤولية تحتّم عليها أن تكافح الكفر ومن يقفون حائلا دون تطبيق الإسلام . وهذا يوجِب علينا العمل على تمكين الأمة بمجموعها من لإدراك واقع الصراع بإدراك الصعيد الأصلي للصراع وأدواته وأعماله .
أما صعيد الصراع فإنه صراع بين إسلام وكفر وبين مسلمين وكفار , فالإسلام بوصفه مبدءا أي بوصفه عقيدة عقلية ينبثق عنها نظام شامل لجميع نواحي الحياة يجب أن يأخذ موقعه في حلبة الكفاح في مواجهة الكفر المتمثل بالمبدأ الرأسمالي الذي يعتنقه الغرب الكافر برمته . والأمة كلها بوصفها أمة إسلامية يجب أن تدخل حلبة الكفاح في مواجهة هذا العدو الذي يقف حائلا دون تطبيق الإسلام , فيجب علينا أن نمكن الأمة بمجموعها من أن تدرك أن العدو الذي يتربص بنا الدوائر هو هذا الغرب الكافر , وأن موضوع الصراع بيننا وبينه هو كونه كافرا , فعلى حملة الدعوة إفهام الأمة أنه لا يجوز لأي مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمدا رسول الله اتخاذ الحياد موقفا له من معركة الإسلام مع الكفر , بل يجب أن تتخذ الأمة وكل مسلم موقف العداء من الكفر والكفار وأعوانهم , قال تعالى : إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا .
ويجب أن تدرِك الأمة أن الغرب الكافر وأعوانه يسوّقون الديمقراطية على أنها نظام حكم لا يتعارض مع الشورى وعلى أساس أن الديمقراطية تعني إعطاء الناس حق اختيار الحاكم وحق محاسبته وأن لا بديل من الديمقراطية سوى القمع والاضطهاد والاستبداد ، خداعا للمسلمين عن كفر النظام الديمقراطي وعن انبثاقه عن عقيدة الكفر عقيدة فصل الدين عن الحياة .
أما أدوات الصراع فإن الحزب المبدئي هو أداة الأمة في صراعها الكفر الكفار ، فلا بد أن تلتف الأمة حوله وأن تدخل حلبية الصراع تحت قيادته ، وهذا يتطلب منا أن نقوم بجميع الأعمال التي من شأنها أن توجِد في الأمة الثقة بالحزب وشبابه حتى تتخذه وحده أداة لها في صراعها الكفر والكفار ، وأن نبتعد في ذات الوقت عن أي قول أو عمل أو إشارة توهِم انفصال الحزب عن الأمة ، لأن هذا يبعد الأمة عن الحزب ودعوته ، وإذا ابتعدت الأمة عن الحزب فقد تخلّت عن أداتها في الصراع ، وإذا تخلّت عن دعوته فقد أبعدت الإسلام عن موقعه في حلبة الكفاح .
وعلينا أن نعمل على تمكين الأمة من أن تدرك إدراكا حسيا أن الفئات الحاكمة والظلاميين والمضبوعين بالثقافة الغربية هم أدوات الكفار في معركتهم ضد الإسلام والمسلمين ، عن طريق ربط جميع الأعمال التي تقوم بها الفئات الحاكمة والمضبوعين والظلاميون بالغرب الكافر ، وأنه لا تجوز موالاتهم أو تأييدهم أو التعاطف معهم ، قال تعالى : لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آبائهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه ، أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون .
ابوعبدالرحمن حمزة
29-11-2011, 02:37 PM
أما أعمال الصراع فهي أعمال حمل الدعوة لإقامة الخلافة تقوم بها الأمة تحت قيادة الحزب ، وهي تتمثل في ثلاثة أعمال رئيسية هي : أولا : القيام بحمل أفكار الإسلام الأساسية وجعلها هي الطاغية في المجتمع ، مع حمل آراء الحزب في الوقائع البارزة والأحداث الجارية . ثانيا : دعم الحزب ومساندته والالتفاف حوله ، وذلك بتهيئة الأجواء العامة له في كل الأوساط باعتباره أهلا للثقة وجديرا بأن تحتضنه الأمة ، وبجلب الأنصار والمؤيدين له ولفكرته . ثالثا : الوقوف في وجه الكفر وأنظمته ونبذ العملاء المنافقين والمضبوعين بثقافته . ومن الخطأ الاقتصار على دعوة المسلمين للدخول في الحزب ؛ لأن هذا يساعد على إبقاء الأمة محايدة في معركة الإسلام مع الكفر ولأن هذا الخطاب يجعل المسلمين بين خيارين : إما أن يكونوا أعضاء في الحزب أو أن لا يكونوا شيئا في معركة الإسلام مع الكفر .
وليس المطلوب من أجل تمكين الحزب من الوصول إلى غايته أن تصبح الأمة كلها أو أكثرها أعضاء في الحزب ، بل المطلوب هو أن نقود الأمة كلها بوصفها أمة لأن تقف في وجه الكفر والكفار وأعوانهم . ويكفي دليلا على صحة ذلك أن الذين أسلموا في بيعة العقبة الأولى كفاهم شخص واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مصعب بن عمير لأن يغيّر بهم المدينة ويقلب الأفكار والمشاعر الموجودة في مجتمعها . فالمطلوب تحقيقه الآن هو أن نقود الأمة لحمل الدعوة كما نحملها ، وهو ما يؤدي ضرورة إلى أن تنتقل الدعوة في المجتمع من حركة حزبية إلى حركة شعبية ، ومن حركة شعبية إلى دولة ، وهذا يعني نقل صراع الكفر والكفار وأدواتهم من الحزب السياسي المبدئي إلى الأمة كلها بإدخالها حلبة الكفاح .
ويجب لفت النظر إلى ما يقوم به الغرب الكافر مباشرة أو عن طريق أدواته من أعمال تتعلق بالإسلام والمسلمين وبلادهم سواء كان عملا سياسيا أو عسكريا أو اقتصاديا أو فكريا ، وأن يُربط على أنه عمل من أعمال الصراع ضد الإسلام والمسلمين ، وهذا يعني أن يبيّن الرأي السياسي الذي يعطى للأمة صعيد الصراع من أنه صراع بين إسلام وكفر وبين مسلمين وكفار .
وعلى الأمة الإسلامية أن تدرك إدراكا يقينيا أنها إن دخلت حلبة الكفاح انتصارا لدين الله واستجابة لأمره بإقامة سلطان الإسلام وحمل رسالته ، فإن الله سبحانه ناصرها على عدوّها ، قال تعالى : إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ، وأن تكون على ثقة بقدرتها على إقامة الدولة إذا خاضت الصراع وحملت الدعوة من أجلها كما أقيمت الدولة في المدينة تماما ولو كره الكافرون ولا بد كذلك أن تثق بقدرتها على حماية الدولة ولو تكاثفت قوى الكفر على هدمها ، كما حصل في غزوة الأحزاب ، وأن تثق بقدرتها على ضم جميع بلاد الإسلام رغم أنوف الكافرين ، وهو أهون من قيام الدولة الإسلامية الأولى ومدّ سلطانها على جزيرة العرب التي كانت بلاد كفر وكان أهلها كفارا ، ولا بد أن تكون الأمة واثقة بقدرتها على حمل الإسلام بالجهاد رسالة إلى العالم كله ، كما حمله الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته والمسلمون من بعدهم ولو كره المشركون .
وإلى جانب ذلك يلفت نظر الأمة إلى الثروات المادية والبشرية الهائلة التي تملكها ، وإلى الموقع الاستراتيجي لبلدانها . فعليها أن تدرك أنها من أغنى الأمم إن لم تكن أغناها ، إذا جُمعت ثروتها في دولة واحدة كما يفرض الإسلام عليها .
هذه هي أهم الأفكار المتعلقة بحمل الدعوة لإقامة الخلافة ، والتي يجب أن نعمل على جعلها مفاهيم بل قناعات عند الأمة ، حتى نتمكن من قيادتها فعلا للقيام بأعمال حمل الدعوة وخوض الصراع ضد الكفر والكفار . وذلك بالعمل على تمكين المسلمين من وضع الأصبع على الواقع المحسوس الذي تدل عليه هذه الأفكار ، وربط هذه الأفكار بالعقيدة وبيان انبثاقها عنها حتى تثبت للمسلمين صحة هذه الأفكار وصدقها . فإذا تكرر ثبوت صحة أفكار الصراع هذه وصدقها وجدت القناعة بها ، وإذا عمّت هذه القناعة وتركزت الثقة في نفوس الناس بنصر الله ، ووجد رأي عام منبثق عن وعي عام على أفكار الصراع فلا شك أن الأمة كلها ستدخل تحت قيادة الحزب ساحة الصراع ومواجهة الكفر والكفار وعملائهم حتى تقوم الخلافة بإذن الله تعالى .
أما السبب الثاني الذي يتعاون مع الإرادة في إيجاد العمل فهو السلطة التي تنفّذ ، والسلطة التي تنفذ تتمثل في ناحيتين : في سيطرة الإنسان على قواه ، ثم في تسليط هذه القوى على الوجه المعين الذي يحصل به الإشباع . وقوى الإنسان تشمل طاقته البشرية ، والوسائل والأساليب التي تلزم لتنفيذ العمل ، ومع أن قيام الإنسان بالسيطرة على قواه ثم قيامه بتسليطها نحو الوجه المعين الذي يحصل به الإشباع ناتج عن وجود الإرادة لديه إلا أنه يشترط حتى توجَد السلطة التي تنفذ أن تكون قواه الجسمية تكفي للقيام بالعمل ، كما يشترط أن تكون الوسائل والأساليب التي تلزم لتنفيذ العمل موجودة أو ممكنة الإيجاد ، ويستوي في ذلك الأفراد والشعوب والأمم ، فإنه إذا وضعت للشعوب والأمم أهداف أو غايات تحتاج إلى جهد فوق طاقة البشر ، أو تحتاج إلى وسائل وأساليب غير موجودة أو غير ممكنة الإيجاد فإنها لن تسعى لتحقيقها ، وبالتالي لن تتحرك للقيام بالأعمال التي توجدها .
لذلك كان من العبث بل ومما يدعو إلى اليأس والإحباط أن نقوم بتوجيه نداء للمسلمين بأن يعملوا لتحقيق أهداف أو غايات إذا كانت الوسائل والأساليب التي تلزم لتحقيقها غير موجودة أو غير ممكنة الإيجاد ، ذلك أن الغاية هدف يسعى إليه نفس الساعي ، ولا يسعى إليه إذا كان مسلَّما لديه أنه لن يحققه . وما دام يريد أن يسعى إليه فإنه يحتاج إلى الوسائل التي يحققه بواسطتها ، فإذا لم توجَد لديه الوسائل التي يسعى بها فإنه لن يسعى إليه ، حتى لو تظاهر بالسعي ، أو لو خدع نفسه بأنه يسعى ، وهو يسعى بطاقته البشرية ، فإذا كانت طاقته البشرية لا تكفي للسعي ، فإنه لن يسعى مطلقا ؛ لأنه لا يكلَّف الإنسان فوق طاقته ، بل لا يستطيع أن يعمل فوق طاقته .
وهنا يجب التذكير بأن الوسائل والأساليب قد تخفى على المفكرين ، فضلا عن عامة الناس ، لذلك يجب أن نحرص كل الحرص حين مخاطبة الأمة بالقيام بأعمال حمل الدعوة لإقامة الدولة وما يقتضي ذلك من أعمال مواجهة الكفر والكفار وأعوانهم على أن نمكِّن المسلمين من إدراك الوسائل والأساليب التي تلزم لتنفيذ هذه الأعمال إدراكا حسيا ، حتى لو اضطررنا للدخول مع الناس في بحث أدق التفاصيل حتى يدرِك كل من يريد مباشرة العمل الكيفية العملية التي يستطيع بواسطتها أن يقوم بالعمل ، إذ قد تكون وسائل وأساليب تنفيذ العمل موجودة بين أيدي الناس وباستطاعتهم استعمالها لكنهم لا يدركون أن هذه الوسائل والأساليب تنفع في تنفيذ العمل ، أو قد لا تكون موجود لكنها ممكنة الإيجاد إلا أنهم لا يدركون كيفية إيجادها ، لذلك لا يقومون بتنفيذ العمل .
هذه هي كيفية العمل للنجاح في محاولة أخذ قيادة الأمة للعمل مع الحزب لحمل الدعوة من أجل إقامة الخلافة ، وما يقتضي ذلك من وقوف الأمة وتصديها للكفر والكفار وأعوانهم حتى تقوم الخلافة بإذن الله ، لأن الأفكار الدينامية إذا حملتها الأمة بوصفها أمة ، تكون قادرة على نسف أكبر قوة سياسية ، وعلى تدمير كل فكر باطل وكل حكم فاسد .
ابوعبدالرحمن حمزة
29-11-2011, 02:38 PM
مقتضيات النجاح
في محاولة أخذ قيادة الأمة
أولا : وجود القصد الواعي
لا بد أن يكون لكل عمل قصد متصوَّر قبل القيام بالعمل ، وهذا القصد هو جزء من الجو الإيماني ، لأن الجو الإيماني يتكون من الإيمان بالمبدأ أي بالإسلام ، ومن القاعدة العلمية التي هي اقتران الفكر بالعمل وأن يكونا من أجل غاية ، وكون الفكر والعمل من أجل غاية معينة هو المراد من أنه يجب أن يكون لكل عمل قصد ، وهذا القصد لا بد من وجوده لدى الحزب باعتباره كلا ، ولدى كل عضو من أعضاء الحزب ، ويجب أن يربَّى هذا القصد وأن يوجَد في نفوس الناس .
فالعمل القيادي حتى يوجَد لا بد له من وجود القصد الواعي لأخذ القيادة ، وإذا لم يوجد هذا القصد الواعي عند الحزب ككل أي عند مجموع الأجهزة ومجموع الشباب ، وفي كل عمل من أعماله ، فإن العمل القيادي لن يوجَد ، وسيبقى الحزب يدور حول نفس الأعمال التي كان يقوم بها حتى الآن ، وهذا يعني أن يبقى الحزب في حالة الانتكاس ، أي يبقى السير متجمدا فلا يحصل الانتقال الطبيعي من دور التفاعل إلى نقطة الارتكاز مهما بذل الحزب من جهود في سبيل ذلك ، ومهما قام به من أعمال والقصد الواعي في هذا الدور الذي يمر به الحزب هو محاولة أخذ قيادة الأمة بآراء وأحكام وأفكار لتحمل معنا الدعوة فنقيم الخلافة ونحرسها ونحمل رايات الجهاد لنشرها في الأرض ، فمن المهم جدا أن يبقى القصد الواعي ماثلا في الأذهان والأعمال ، فيعرف كل شاب معرفة واضحة وبشكل ملفت للنظر أهمية واجباته في هذا الدور .
ولا يصح أن ينتظر الظروف وما تأتي به الظروف ، بل على الحزب وأي عضو من أعضائه أن يوجِد الظروف وأن يستغل الظروف التي تحصل ، لأن الاستسلام للتواكل وما تأتي به الظروف ، أي الاستسلام للعفوية معناه الوقوف الذي قد يؤدي إلى الانتكاس . والذي يحمي من التواكل والاعتماد على الظروف هو وجود القصد من العمل ، ودوام التفكير في الدعوة والدأب عليها ، وعدم الركون إلى كل ما يتأتى اتفاقا أو عفوا دون بذل جهد ، وأن يكون ربط الأسباب بالمسببات هو المسيطر على الأذهان ، وأن لا يركن إلى ما يشعر به الإنسان داخليا ، حتى ولو كان هذا الشعور صادقا .
فلأجل إيجاد هذا القصد الواعي يجب أن نقوم بما يلي :
أولا : اتباع القاعدة العملية ، وهي أن يكون العمل مبنيا على الفكر ، وأن يكون العمل والفكر من أجل غاية معينة .
ثانيا : أن يكون ذلك كله مبنيا على الإيمان حتى يبقى الإنسان سائرا في الجو الإيماني سيرا دائميا . وهذا الجو الإيماني علاوة على أنه يفرض طريقة من التفكير والتي يعتبر وجود القصد جزءا منها ، فإنه يوجِد الإرادة لتحقيق القصد ، وهذا ما يبقي القصد الواعي ماثلا في الأذهان والأعمال .
ثالثا : وضع الخطط ورسم الأساليب التي تمكن من الوصول إلى الغاية المعيَّنة ، وذلك لأن الغاية المعيَّنة إذا لم تُدرك الوسائل والأساليب التي تلزم لتحقيقها فإن الإنسان لن يسعى لتحقيقها .
رابعا : المتابعة ، أي متابعة تنفيذ الأعمال مربوطة بالغاية المعيَّنة . وتكون المتابعة بالحضّ والحثّ وبعث الهمم وتقوية الثقة بالنفس ، كما تكون بالمحاسبة على التقصير . والمتابعة توجِب الإحاطة بسير العمل ، وإدراك العقبات ، والعمل على تذليل الصعوبات التي تقف عائقا أمام القيام بالأعمال أو تحول دون تحقيق نتائج العمل . وهذا من شأنه أن يبقى القصد الواعي ماثلا في الأذهان والأعمال ، لأن المتابعة في حقيقتها هي متابعة تحقيق نتائج الأعمال أي متابعة تحقيق القصد من العمل .
ثانيا : الانقياد للفكرة لا ينفصل عن الانقياد لحامل الفكرة
إن تصدي الحزب لقيادة الأمة إنما يكون عن طريق شبابه الذين تتجسد فيهم شخصية الحزب المعنوية تجسدا تاما لا عن طريق شخصيته المعنوية فحسب ، وذلك لأن شخصية الحزب المعنوية مهما علت وسمت مكانتها في نظر الناس لا تستطيع أن تباشر قيادة الناس لتحقيق الفكرة في معترك الحياة ، ولم يحدث تاريخيا أو واقعيا أن انقاد الناس لأية شخصية معنوية من غير أن تكون الشخصية المعنوية مجسدة في شخص أو أشخاص حقيقيين . فالأمة لا تقاد بالفكر وحده ولا تنظر إلى الفكر بمعزل عن شخصية القائد ، وهي تعشق الكفاح والنضال وتفتتن بالرجولة وتطرب للبطولة وتتغنى بقصصها حتى لوصدرت عن قطّاع طرق ، ولذلك فهي تتفحص شخصية القائد قبل تسلمه قيادتها مفتشة عن العيوب والنقائص ومواطن الضعف ، والأمة لا تسلم قيادتها لجبان ولا لضعيف أو متخاذل .
وعلى ذلك فإن الحزب بشخصيته المعنوية وحدها لن يكون قادرا على التصدي لأخذ القيادة الفعلية للأمة ، والشباب بأشخاصهم بمعزل عن شخصية الحزب وإن كان من الممكن أن ينجحوا في أخذ قيادة الناس ، إلا أن القيادة تكون في هذه الحالة أقرب إلى مفهوم الزعامة منها إلى مفهوم القيادة ، وتكون أقرب إلى المشاعر والعواطف منها إلى أحكام المبدأ ، بمعنى أن الانقياد يكون انقيادا للأشخاص أكثر منه انقيادا للمبدأ ، مما يجعلها قيادة هشة لا تقوى على الصمود أمام العواصف ، ولذلك تكون عرضة للخطر المبدئي .
لذلك لا يجوز أن يتصدر الشباب لأخذ قيادة الأمة بأشخاصهم فقط أو باسم الحزب فحسب ، بل يجب أن يباشروا محاولة أخذ القيادة بأشخاصهم وبشخصية الحزب المعنوية المتجسدة فيهم تجسدا تاما . فمعنى قيام الحزب بقيادة الأمة هو أن يقودها بأفكاره وآرائه وبلجانه وشبابه ، وهذا يعني أن إيصال الأفكار للناس لا يكفي لقيادتهم بها وأن إيصال الكتاب أو النشرة لأكبر عدد ممكن من الناس لا يمكن أن يجعلهم ينقادون للحزب ولا للأفكار التي قرأوها ، فلا بد أن يرى الناس الأفكار مجسَّدة في كتلة أو في أفراد يعرف الناس أنهم من كتلة .
وقد كان لمحاولة الشباب التخفي من الأجهزة الأمنية عن طريق استعمال الكنى ، أو التنقل الدائم لمكان السكن أو مكان العمل أثر كبير في عدم بروز الشباب بأشخاصهم كقادة بين الناس ، والمواقف النضالية والأعمال البطولية التي كان يقوم بها شباب الحزب في مواجهة السلطات كان يعرف منها الناس أن شباب الحزب تلاحقهم السلطات وتضطهدهم وتزج بهم في السجون والمعتقلات ، وأنهم يتّصفون بالإخلاص ويتحلون بالعقيدية الصلبة لكن دون أن يعرف الناس أشخاص هؤلاء الشباب إلا قلة قليلة ممن تربطهم صلة بهذا الشاب أو ذاك .
والحزب لم يتقصد تعريف الناس بأشخاص الشباب ، بل إن الشباب أنفسهم قد تقصّدوا عدم إبراز أشخاصهم بين الناس ، ولم يكن ذلك بسبب الناحية الأمنية فقط بل نتيجة للتطبيق المغلوط لما قاله الحزب من أن الدعوة يجب أن تكون باسم الحزب وعن طريق الحزب ، ونتيجة للفهم المغلوط لمعنى وجوب الانصهار في الحزب انصهارا تاما . ثم إن شخصية الحزب قد أدركها الناس من خلال نشرات الحزب أكثر بكثير من إدراكهم لها من خلال أشخاص شبابه ، فقد اعتمد الحزب في الوصول إلى الناس على النشرة أكثر مما اعتمد على وجود شبابه بين الناس ، لذلك نستطيع القول إن الناس قد أدركوا وجود حزب سياسي يقوم على مبدأ الإسلام إلا أن القادة السياسيين الذين يرعون شؤون أمتهم بأفكار الإسلام وأحكامه ليس لهم حتى هذه اللحظة وجود مؤثر بين الناس .
ولقد كانت هذه الأسباب من جملة الأسباب التي أدت إلى أن ترتفع شخصية الحزب المعنوية وتسمو في نظر الناس دون أن يرافق ذلك بروز أشخاص الشباب سواء على صعيد الأوساط التي يعيشون فيها عيشا طبيعيا أو على صعيد الأمة ، وإذا كان للنشرة تلك الفاعلية وذلك التأثير في الرأي العام ، فإن نجاح الحزب في
ابوعبدالرحمن حمزة
29-11-2011, 02:38 PM
محاولة أخذ القيادة الفعلية للأمة يتوقف على عيش أعضاء الحزب عيشا طبيعيا كحملة دعوة بين الناس ، تماما كما كان عيش مصعب بن عمير رضي الله عنه في وسط أهل المدينة .
وبناءً عليه يجب أن يكون من أولى المهمات التي يجب أن يضطلع بها الحزب بشكل عام واللجان المحلية بشكل خاص هي تجسيد شخصية الحزب المعنوية تجسيدا تاما في مجموع شبابه ، حتى تصبح صورة كل خلية من خلاياه هي صورة الحزب في الوسط الذي تشتغل فيه لأخذ قيادته .
فعلى كل شاب من شباب الحزب أن يباشر العمل في محاولة أخذ قيادة الأمة دون أن يكون مجهول الهوية في الوسط الذي يشتغل فيه لمحاولة أخذ قيادته . وعلى كل شاب أن يعمل على تمكين الوسط الذي يتصدى لأخذ قيادته من أن يدرك في شخصيته شخصية الحزب المعنوية إدراكا حسيا بالاتصال الحيّ أو من خلال العيش الطبيعي كحامل دعوة تسير في طريقها السياسي .
كما يجب أن نقوم باستعمال كافة الوسائل والأساليب التي من شأنها أن تبقي على كل من يُعتقل من أعضاء الحزب قيادة حية في أذهان الناس ، فبدلا من أن يكون السجن بمنزلة المقبرة يجب أن نجعل من السجن والاعتقال أداة فاعلة في ترسيخ ثقة الأمة بالحزب وشبابه ، وبالعقيدية الصلبة التي يتحلّون بها ، وبثباتهم على المبدأ ، وبكفاحهم الدؤوب لإقامة دولة الخلافة . وحتى نأخذ قيادة الأمة لا بد أن تكون شخصية القائد السياسي هي شخصية كل شاب من شباب الحزب عند الناس ، لتأخذ الأمة عنا صورة القائد ، صورة السياسي ، صورة المفكر ، صورة الحاكم القوي ، أي تكون شخصية كل حزبي عند الناس شخصية سياسية نضالية ، تحاول أخذ قيادة الناس لخوض غمرات الكفاح ، وأن يكون تصرف كل حزبي تصرف نضال واعٍ من أجل تركيز الراية وتحقيق الغاية .
وإن أخوف ما يُخاف على الحزب تسرّب الضعف للعقيدية الصلبة التي يتحلى بها ، ولذلك فإن على اللجان والشباب أن تكون العقيدية فيهم سجية من السجايا ، تصدر عفوية وببساطة . وتلمسها الأمة في تصرفاتهم كلها أعمالا وأفكارا لمس اليد ، وإلا لن يتمكنوا من جعل عقيدية الأمة صلبة لا تلين ، ولن يستطيعوا قيادة الأمة نحو الهدف الذي يقودونها إليه .
إن العمل القيادي ليس بالأمر السهل لكل من يريد أن يتصدى له بل هو عمل شاق يحتاج إلى ثبات ووعي وإخلاص ومثابرة . وأما الثبات فلأن الأمة لا تعطي قيادتها لجبان متلوِّن ، وأما الوعي فلأن الأمة أيضا لا تمنح قيادتها لجاهل يقودها إلى متاهات ومخاطر ويمرّغ بخيانته أعراضها ومقدساتها وأهلها بالوحل مستهترا بكل القيم كما فعل حكامها ، وأما المثابرة فلأن الناس لا يعطون انقيادهم لكل من أراد بسهولة ويسر خاصة إذا كان يدغدغ فيهم مشاعرهم ولا يرضي فيهم غرورهم ولا يستجيب لمطالبهم الآنية وكانت المهام المنوطة بهم مصيرية .
ثالثا : الانفراد بقيادة الأمة
إن الحزب لا يصبح قائدا للأمة إلا إذا انقادت له وأطاعته ، ولا يبقى القائد قائدا إذا لم يكن لديه من يقودهم ، ولا يكون القائد قائدا إلا إذا كانت القيادة له وحده ، لأن فكرة القيادة توجِب وجود مقودين ، وتنفي إمكان قبول قائدين في آن واحد . وعلى ذلك لا يبقى الحزب قائدا إلا إذا كانت الأمة مقودة له ، ولا يتمكن من القيادة إلا إذا كان وحده القائد المطاع ، فعلى الحزب أن يقوم بما يجعل الأمة تسير في طاعته عن رضى واطمئنان ، وأن يحعل أفكاره تسيطر على المجتمع سيطرة تؤدي إلى حل أو شل القيادات الأخرى فينفرد بقيادة الأمة .
ولا يقوم الحزب بأي عمل من شأنه أن يعطي الشرعية في القيادة لأية قيادة من القيادات السياسية التي تسعى إلى تصدر قيادة الأمة سواء كانت فردا أو حزبا ، وسواء كانت مخلصة أم مأجورة . ولا يتعاون ولا ينساق ولا يشترك مع أية قيادة من هذه القيادات في أي عمل سواء كان كبيرا أم صغيرا . إلا أن الحزب في تصدّيه لقيادة الأمة أو في سعيه للانفراد بقيادتها لا يعمل بل لا يهدف إلى شطب قادة الناس أو ممثليهم الحقيقيين أو المؤثرين فيهم . كما لا يهدف إلى الدخول في صراع معهم أو منافستهم على أخذ قيادة من يمثلونهم ، وإنما يسعى إلى أخذ قيادة الأمة عن طريق أخذ أمثال هؤلاء إلى جانبه ، فالحزب يعمل في الأمة ويريد أن يصل إلى قيادة الأمة ، ولتحقيق ذلك يعمل على أخذ قادة الناس وعلى أخذ من يمثلون الناس تمثيلا حقيقيا . لكن إذا وجَدَ الحزب أن جميع هؤلاء أو بعضهم أو واحدا منهم يعلن عن رفضه الانقياد للمبدأ أو يعمل على الوقوف في وجه الدعوة أو يقف عقبة أمام قيام الخلافة ، فإن على الحزب أن يعمل حينئذ على إسقاط كل من يتصدى للدعوة وكل من يقف في وجه إقامة الخلافة وكل من يتصدى لقيادة الأمة بغير حق .
رابعا : توطيد صلة الشباب بالناس
لإدراك أهمية الصلات الطبيعية في نجاح الشباب في محاولة أخذ القيادة الفعلية للأمة نعرض للدور البارز لها في سير الدعوة في المدينة ، وهي نجاح مصعب بن عمير في الوصول إلى أخذ القيادة الفعلية لأهل المدينة ، فقد كان لعمل مصعب في المدينة بواسطة أهل المدينة أنفسهم الأثر الكبير في تجاوب الناس على نطاق واسع مع الدعوة كما كان له الأثر الأكبر في تجاوب سادة المدينة وقادتها .
ويكفي دليلا على ذلك أهمية الصلة التي كانت تربط أسعد بن زرارة بسعد بن معاذ في تمكين مصعب من كسب سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وهما يومئذ سيدا قومهما من بني عبد الأشهل ، فقد ورد في السيرة : أن سعد بن معاذ قال لأسيد بن حضير عندما دخل مصعب بن عمير وأسعد بن زرارة ومعهما جمع ممن كان قد أسلم إلى بستان من بساتينهم : " لا أبا لك ، انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارينا ليسفِّها ضعفاءنا ، فازجرهما وانْهَهُما عن أن يأتيا دارينا ، فإنه لولا لأن أسعد بن زرارة مني حيث قد علمت كفيتُك ذلك ، هو ابن خالتي ولا أجد عليه مقدما " .
ثم إن أسيد بن حضير بعد أن شرح الله صدره للإسلام وقد أدرك ما رمى إليه سعد بن معاذ من تذكيره إياه بالصلة التي تربطه بأسعد بن زرارة استعمل الصلة الخاصة التي تربطهما معا حافزا محركا لسعد بن معاذ للوقوف على حقيقة الدعوة التي يحملها مصعب وآمن بها ابن خالته أسعد بن زرارة فذهب إليه وكان مما قاله : " وقد حُدِّثْتُ أن بني حارثة قد خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه ، وذلك أنهم قد عرفوا أنه ابن خالتك ليُخفروك " لذلك فإنه لما سمع منه ما سمع : " قام مُغْضبا مبادرا ، تخوّفا للذي ذُكر له من بني حارثة " ثم إن سعدا لما رآهما مطمئنين عرف أن أسيدا إنما أراد أن يسمع منهما فوقف عليهما متشتّما ، ثم قال لأسعد بن زرارة : " يا أبا أمامة ، لولا ما بيني وبينك من قرابة ما رُمتَ هذا مني ، أتغشانا في دارَيْنا بما نكره " ، فكان أن سار الحوار بينهم بالطريق الموصل لإدراك الحق تماما كما سار مع أسيد بن حضير .
ابوعبدالرحمن حمزة
29-11-2011, 02:39 PM
والصلات الطبيعية بين الناس هامّة ؛ لأن وجود الصلة يعني وجود الثقة ، وذلك أن الناس لا يمكن أن يسيروا وراء من لا يثقون بإخلاصه أو مقدرته على الوصول بهم ومعهم إلى تحقيق الغاية ، والثقة لا تأتي اعتباطا ، بل تحتاج إلى تكرار ثبوت الإخلاص ، وإلى تكرار ثبوت الجدارة والأهلية لأن ينقاد الناس له ، وهذا يتحقق بأحد طريقين :
أولاهما : أن يعيش القائد عيشا طبيعيا في الوسط الذي يريد أن يباشر محاولة أخذ قيادته ، وعن هذا الطريق يدرك الناس إدراكا حسيا سجايا القائد التي من شأنها أن تدفعهم للانقياد له . وهذا هو الطريق الأشق والأطول لأنه يحتاج إلى صبر ومثابرة .
وثانيهما : التوثيق ، أي أن يثق الناس بك عن طريق توثيقك من قِبَل من يثقون به ، وهذا هو الطريق الأسهل والأقصر ، وبواسطته يتمكن القائد من الحصول على ثقة أكبر عدد ممكن من الناس وذلك لأن الحصول على ثقة من يثق الناس به ، يضمن الحصول على ثقة جميع الناس الذين يثقون به ، فقد كان يكفي أن يحصل مصعب على ثقة سعد بن معاذ وأسيد بن حضير حتى يحوز ثقة جميع الناس الذين يمثلهم سعد أو يمثلهم أسيد .
ومع أن هذا الطريق هو الأسهل والأقصر إلا أنه يتطلب الحصول على ثقة الموثِّق بالطريق الأصعب ، لذلك كان لا بد أن يكون لكل شاب وسطه الذي يعيش فيه عيشا طبيعيا كحامل دعوة تسير في طريقها السياسي .
وما يجب إدراكه أن مباشرة الشباب محاولة أخذ قيادة الأمة باسم الحزب وعن طريقه من شأنه أن يضفي على شخصية الشباب الشخصية القيادية ؛ لأن شخصية الحزب المبدئي السياسي وإن كانت شخصية معنوية إلا أنها شخصية قيادية فإذا تجسدت شخصية الحزب المعنوية في شخصية حقيقية جعلت منها طبيعيا شخصية قيادية .
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإنه إذا كانت صورة الحزب في أذهان الناس هي صورة القائد والسياسي والمفكر والحاكم ، فإن هذه الصورة سوف تنتقل طبيعيا لتكون هي صورة كل شاب من شباب الحزب في أذهان الناس ، وذلك أن تفكير الناس يغلب عليه القياس الشمولي والاستنتاجات المنطقية ، وهذا من شأنه أن يقصر الطريق التي يحتاج الشاب أن يقطعها من أجل الحصول على ثقة الناس ، لا سيما الثقة بوعيه وإخلاصه . وبما أن الصلة بالناس هي الجسر الذي لا بد من أن يمر من فوقه كل من يريد الوصول إلى أخذ قيادة الأمة ، فإن على كل شاب أن يبادر إلى توطيد صلته بالوسط الذي يريد أن يباشر العمل في محاولة أخذ قيادته ، ويكون ذلك إما بإحياء صلات قديمة أو تمتين صلات قائمة أو بناء صلات جديدة أو بكل ذلك . أما الصلات الجديدة فيحتاج بناؤها إلى إبداع في الوسائل والأساليب ، وغالبا ما تكون العلاقات القديمة أو القائمة فعلا هي الأسلوب الفعال في إقامتها . وتوطيد الصلة بالناس تكون بتفقد أحوالهم والاهتمام بهم وبقضاياهم اهتمام رعاية وغيرة وأخوة ومؤازرة ومناصرة ، وبمشاركتهم أفراحهم وأتراحهم والوقوف إلى جانبهم في الملمات .
خامسا : الأسلوب يقرره نوع العمل
في أعمال محاولة أخذ القيادة يجب إتباع الأساليب التي ينتج عنها أخذ الناس للأفكار أو للحزب أو مؤيدين . لأن الغاية هي أخذ الناس لا الدخول معهم في صراع ، وهذا لا يعني مطلقا أن نجامل الناس على حساب المبدأ أو ننحني أمام الرأي العام في مسألة ما إذا كان خاطئا ، بل يعني أننا إذا لاحظنا في الأمة تنكبا نبّهنا فيها إيمانها وعبقريتها ، ثم نصحح ما يحتاج لديها إلى تصحيح من مفاهيم مغلوطة ، أو آراء فاسدة أو أفكار سقيمة ، لكن ليس بالهجوم العنيف أو النقد اللاذع أو القدح والتجريح أو الحط من قدر الناس ، أو تقصد إظهار تفاهة آرائهم وسخافة عقولهم ، إذ لا يعني عدم تملق الناس توجيه النقد اللاذع إليهم وتسفيه عقولهم ، كما لا يعني عدم الدخول في صراع معهم مداهنتهم أو إقرارهم على الباطل .
وقد أدرك المسلمون الذين هاجروا إلى الحبشة أن الأسلوب قرره نوع العمل ، وأن العمل يجب أن يكون مبنيا على الفكر ، وأن يكون الفكر والعمل من أجل غاية معينة ، فلم يروَ عنهم أنهم دخلوا في صراع مع النجاشي وبطارقته ، لكن دون أن يمنعهم ذلك من قول كلمة الحق . والحوار المشهور الذي دار بينهم وبين النجاشي يدل على ذلك أوضح دلالة ، لأن القصد من الهجرة لم يكن سوى اللجوء إلى بلد يأمنون فيه على دينهم فرارا من أذى قريش .
أما في المدينة فقد كان الناس يشعرون بخطأ الأفكار التي يحملونها ويبحثون عن أفكار أخرى ونظام آخر لحياتهم ، أي أن الأفكار الفاسدة لم تكن تتحكم في مجتمعهم كما كان الحال في مكة . لذا لم يجد مصعب حاجة إلى استعمال الأسلوب الهجومي العنيف لصهر المجتمع في المدينة في بوتقة الإسلام ، كما لم يستعمله في أي عمل من الأعمال التي قام بها من أجل الوصول إلى أخذ القيادة الفعلية لأهل المدينة ، وإن ما ورد في كتب السيرة ليدل على ذلك أتم دلالة ، إذ روي أن أسيد بن حضير وقف على مصعب بن عمير وأسعد بن زرارة متشتّما ومعه حربته ، فقال مصعب : أوَتجلس فتسمع فإن رضيت أمرا قبلته ، وإن كرهته كُفَّ عنك ما تكره ،
ابوعبدالرحمن حمزة
29-11-2011, 02:40 PM
فقال أسيد : أنصفت " ثم ركز حربته وجلس إليهما فكلمه مصعب بالإسلام وقرأ عليه القرآن ، وذُكر عنهما أنهما قالا : والله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتسهّله " . وبنفس الأسلوب حقق ما كان يطمح إليه في أخذ سعد بن معاذ ، فمصعب لم يقابل التحدي بتحد مثله ، ولم تُحدِث الحربة في نفسه أثرا ، فلم يتراجع ولم يتخلّ عما جاء من أجله ، بل قال : " أوَتقعد فتسمع " ، فلا هو أخذه الغضب ، ولا تملكه الخوف فجبن عن المواجهة ، وإنما واجه الموقف بعقلية القائد السياسي المبدع وبنفسية المسلم الذي لا يخشى في الله لومة لائم .
وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل في مواسم الحج يدعوهم إلى الله ، ويخبرهم أنه نبي مرسل ويسألهم أن يصدّقوه ويمنعوه حتى يبين عن الله ما بعثه به ، من غير أن يقرن ذلك بالصراع ، خلافا لما كان يخوضه من صراع داخل مجتمع مكة ذلك المجتمع الذي كان مرتاحا إلى ما هو عليه ، حريصا على بقائه . ففي سيرة ابن هشام : " ورسول الله يقف على منازل القبائل من العرب ، فيقول : يا بني فلان ، إني رسول الله إليكم ، يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد ، وأن تؤمنوا بي ، وتصدقوا بي ، وتمنعوني ، حتى أبين عن الله ما بعثني به " . وقد روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم حين سمع بسويد بن الصامت الذي كان يسميه قومه الكامل ، لجلَده وشعره وشرفه ونسبه حين قدم مكة حاجا أو معتمرا تصدى له : " فدعاه إلى الله وإلى الإسلام ، فقال له سويد : فلعل الذي معك مثل الذي معي ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما الذي معك ؟ قال : مجلة لقمان ـ يعني حكمة لقمان ـ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إعرضها عليَّ ، فعرضها عليه ، فقال له : إن هذا الكلام حسن ، والذي معي أفضل من هذا ، قرآن أنزله الله تعالى عليَّ ، هو هدى ونور . فتلا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ، ودعاه إلى الإسلام . فلم يبعد منه ، وقال : إن هذا لقول حسن " .
سادسا : العناية الفائقة بالتثقيف الجماعي
من أجل تحقيق النجاح في محاولة أخذ القيادة الفعلية للأمة لا بد من القيام بالتثقيف السياسي الجماعي على أوسع نطاق وبمختلف الوسائل والأساليب الممكنة ، على أن تتميز الثقافة الجماعية بالبساطة وسهولة الفهم ، والقدرة على تحريك الناس ، تشيع فيهم التلهب والحماس ، لحفزهم على نصرة قضية الإسلام بجدية وصدق ، والوقوف في وجه الكفر والكفار وأعوانهم ، وتوجِد عند الأمة إرادة العمل للخلافة وتدفعها لاحتضان الحزب والعمل تحت قيادته لإقامتها .
إلا أنه يجب التفريق بين الثقافة الجماعية والخطاب الجماهيري ، لأن الخطاب الجماهيري يعني التحدث إلى الجماعات المتعددة المتجمعة تجمعا آنيا ، وأما الثقافة الجماعية فتعني تثقيف الناس من غير أعضاء الحزب كجماعات ، بغض النظر عن المكان الذي تجري فيه عملية التثقيف سواء كان المكان عاما كالمسجد والسيارة أو كان خاصا كالبيت ، وبغض النظر عن كون تجمع الناس كجماعات متعددة كالمستشفى والعيادة الطبية ، أو كونه جماعة واحدة كالطلبة في المدرسة والجامعة وأفراد العشيرة الواحدة ، وبغض النظر أيضا عن كون تجمع الناس عفويا كالوجود في المسجد أو في مكان تقديم التعزية ، أو مقصودا كأن نقوم بدعوتهم للاستماع إلى حديث عن قضية معينة في مكان محدد .
وعلى ذلك فإن الخطاب الجماهيري يندرج تحت التثقيف الجماعي ، فكل خطاب جماهيري يعتبر من الثقافة الجماعية ، لكن ليس كل تثقيف جماعي خطابا جماهيريا . لذلك إذا كان المقصود من الخطاب التأثير في الرأي العام فقط فلا بد في هذه الحالة أن يكون خطابا جماهيريا ، لكن إذا أريد منه محاولة أخذ القيادة الفعلية للأمة فلا بد من أن يصحب الخطاب الجماهيري تثقيف جماعي للناس في كل مكان مستطاع ، وبكل وسيلة من الوسائل المتاحة في التثقيف الجماعي ، وقد كان هذا العمل من أهم أعمال حمل الدعوة في المدينة ، وكان له الأثر العظيم في نجاح مصعب في محاولة أخذ القيادة الفعلية لأهل المدينة . والكيفية المنتجة في التثقيف الجماعي هي الموعظة الحسنة أو التذكير الجميل ، ويعني إثارة مشاعر الناس حين مخاطبة عقولهم وإثارة أفكارهم حين مخاطبة مشاعرهم ، حتى تكون المشاعر مرتبطة مع الأفكار فينتج العمل إنتاجا كاملا . فإذا أردنا مثلا أن نبين للمسلمين فساد المبدأ الرأسمالي فإننا يجب أن نبين مناقضة عقيدة هذا المبدأ للفطرة ، وفي نفس الوقت نبين فيه عدم موافقتها للعقل حتى يتصل إدراك المسلمين لفساد الديمقراطية بمشاعر غريزة التدين ، ويكون ذلك بأن نبين للمسلمين بوضوح تام وبساطة متناهية أن الديمقراطية تقرر أن الشرع الذي يضعه الإنسان لنفسه ، هو الشرع الذي يجب أن يسير عليه الناس لا شرع الخالق عز وجل ، والله سبحانه وتعالى يقول في محكم تنزيله : وأن احكم بينهم بما أنزل الله ويقول : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ، وعلينا أن نبين للمسلمين بنفس الوضوح والبساطة أن الذين يؤمنون بالديمقراطية قد كفروا بافترائهم على الخالق عز وجل حين قالوا إن صلته بعباده يجب أن لا تتجاوز حد دار العبادة إلى تنظيم شؤون الحياة ، فالديمقراطية كفر ، وكل من يؤمن بها كافر حقا ، قال تعالى : إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا ، ولما كانت كلمة كفر وكافر وكفار لها مدلول يثير مشاعر غريزة التدين عند المسلمين فإن ربط الديمقراطية بهذه الكلمات من شأنه أن يثير مشاعر السخط والاشمئزاز في نفوس المسلمين ، وإذا تكررت عملية الربط امتزجت حينئذ الديمقراطية بهذه المشاعر بشكل حتمي .
ومن ناحية أخرى يمكن أن نعمل على ربط فساد الديمقراطية بمشاعر غريزة النوع ، وذاك بأن نبين خطر النظام الديمقراطي على أعراض المسلمين بقوله بالحرية الشخصية وبأن الدولة تكفل هذه الحرية لكل فرد من أفراد المجتمع ، وأن القانون يعاقب كل من يحاول أن يمنع الأفراد من ممارسة حريتهم الشخصية حتى لو كانت الحرية تتمثل باقتراف جريمة الزنا . وكذلك يمكن ربط فساد الديمقراطية بمشاعر غريزة البقاء ، بأن نبين صلة النظام الديمقراطي بشيوع الجريمة بمختلف أشكالها ، وذلك بسبب جعله النفعية هي المقياس للأعمال وبسبب إطلاقها العنان للحريات . وبهذه الكيفية لا نكون قد أوجدنا القناعة بفساد الديمقراطية فحسب بل وأوجدنا كذلك الحافز المحرك لدى المسلمين لأن يتصدوا للديمقراطية ولأن يقفوا في وجه دعاة الكفر في بلاد الإسلام .
وقد سار القرآن على هذا النهج ، فكان في الوقت الذي يخاطب فيه الفكر يثير المشاعر ، قال تعالى : ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون وقال تعالى : إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا لابثين فيها أحقابا لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا جزاءً وفاقا ، ذلك أن الخطاب إذا اقترن بالجنة والنار والثواب والعقاب من شأنه أن يثير في النفس الشعور بالتدين ؛ لأن دخول الجنة والنجاة من النار بيد الله تعالى فيتحرك نتيجة لذلك الشعور بالعجز والاحتياج إلى الخالق المدبر ، فيدفعه هذا الشعور إلى التفكير وإعمال الذهن .
ابوعبدالرحمن حمزة
29-11-2011, 02:41 PM
هذه الكيفية في التثقيف الجماعي تحتم علينا أن نقوم بتثقيف المسلمين بأفكار الإسلام وأحكامه مقترنة بالنصوص الشرعية التي دلت عليها فترتبط الأفكار أو الأحكام التي دل عليها النص الشرعي بوجدان الناس ، وبذلك يحصل التفاعل بين الفكر والشعور ، كما أن هذه الكيفية في التثقيف الجماعي تحتم علينا أن نعيد للمجتمع استعمالات الإسلام للجمل والكلمات ؛ لأن الواقع المتصور في ذهن المسلمين لمدلول هذه الجمل والكلمات يثير المشاعر ، وهذا لا يتأتى إلا إذا تقصدنا هذه الكلمات ، فنستعمل كلمة فاسق وفساق لمن يرتكبون عدة محرَّمات ، ومنافق للسياسي الذي يتظاهر بالإسلام أمام المسلمين ويتنكر له أمام الكفار ، واستعمال كلمة كفر وكفار عند الحديث عن الكفر والكفار .
هذه من ناحية ، ومن ناحية أخرى فإن الثقافة الجماعية يجب أن تتضمن الكلمات والمعاني التي من شأنها أن تثير في المسلمين الإحساس بانتمائهم إلى الأمة الإسلامية أو تقوي فيهم الشعور بأنهم جزء من كلٍّ هو الأمة الإسلامية . والكلمات الدالة على الإحساس بخير المسلمين والعمل للمسلمين .
ويجب التشديد على المعنى الموجود في دعاء عمر رضي الله عنه في صلاة الفنوت " اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، وأصلح ذات بينهم ، وألف بين قلوبهم ، واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة ، وثبِّتهم على ملة رسولك ، وأوزعهم أن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه ، وانصرهم على عدوّك وعدوّهم ، إله الحق ، واجعلنا منهم " . ولمّا كان الدعاء عبادة لقوله صلى الله عليه وسلم : " الدعاء هو العبادة " . وجب أن نعمل على جعل الخلافة والعمل من أجلها جزءا من الدعاء الذي يدعو به المسلم ربه ، ويكون ذلك أعمق أثرا إذا كان الدعاء مع الجماعة وفي أجواء الجماعة حتى ترتبط الخلافة والعمل لها وما يقتضيه العمل لإقامتها ـ من مواجهة الكفر والكفار وأعوانهم ـ بالمشاعر الروحية التي تنشأ عن إدراك المسلم صلته بربه .
سابعا : تمكين الشباب حتى يكونوا سياسيين فعليين
من أجل جعل الشباب سياسيين فعليين ، لا بد من أن يتتبعوا الأخبار السياسية والأعمال السياسية والأحداث السياسية في العالم تتبع معرفة وإدراك ليعطوا رأيهم فيها ويرعوا شؤون الناس حسب هذه الآراء ، فعلى الشخص حتى يكون سياسيا أن يتتبع الأخبار السياسية وأن يحلل هذه الأخبار وأن يعطي رأيه فيها للناس على شرط أن يكون هذا الرأي صادرا عن وعي أو مرتكزا إلى وعي ولا يكون الرأي كذلك إلا إذا كان صادرا عن زاوية خاصة تتعلق بوجهة النظر في الحياة أو مرتكزا إلى هذه الزاوية ، وهذا يعني أن الرأي لا يكون سياسيا إلا إذا أعطي للناس من زاوية خاصة في الحدث أو الواقعة الجارية ، أي يُعطى منزَّلاً على الواقع ولا يجوز أن ينفصل عن البحث في الواقع .
والسياسيون الفعليون هم الذين يقومون برعاية الشؤون عن طريق ربط الفكر المنزَّل على واقعٍ بالدولة الحاضرة ، وأعمال الدولة الحاضرة والحكام ، وهذا يقتضي أن تتجسد السياسة بالشباب فعلا بإيصالهم الأفكار والآراء إلى الناس عن طريق الاتصال الحي ورعاية شؤونهم بها ، وأن يحسنوا وجودهم بين الناس في رعاية شؤونهم بأفكار الإسلام وأحكامه . ذلك أن شباب حزب التحرير حملة دعوة ، وأصحاب فكر ، فعليهم حمل الدعوة الإسلامية والعمل لاستئناف الحياة الإسلامية ، وفي حالة استئنافها يكونون قوامين على المجتمع للحيلولة دون اندحاره أو تغييره ، فعملهم هو العمل لفكرتهم سواء كان بحملها للناس أو بتثقيفهم بها أو بهدايتهم لما تحويه وتهدف إليه ، إلا أن هذا العمل إنما هو في ذاته رعاية شؤون الناس ، أي هو في ذاته سياسة لذلك لا بد أن يكون شباب حزب التحرير سياسيين ، وما لم يكونوا سياسيين ، فإنهم لا يمتّون لحزبهم بصلة ولو انتسبوا إليه .
إلا أنه مما يجب أن يكون واضحا أن السياسة ليست هي الأخبار السياسية ولا المعلومات السياسية وإن كانت السياسة لا توجد إلا بهذه الأخبار والمعلومات ، لأن السياسي يرعى الشؤون وهذه الشؤون لا يعرفها إلا عن طريق الأخبار ، ورعاية الشؤون التي يقوم بها سباب الحزب ليست مجرد رعاية شؤون لما فيه مصلحة الناس ، وما فيه الصلاح لهم حسبما يرون ، بل هي رعاية شؤون الناس بمبدأ الإسلام لأن المصلحة هي ما يقول بها الإسلام ، ولأن الصلاح إنما هو بما جاء به الإسلام فهم إذن سياسيون من نوع معين خاص ، وليسوا تجار سياسة .
وهذا وحده هو الذي يجعل الناس ينظرون إلى الشباب على أنهم سياسيون ، ولا يجوز لهم الاتكال على النشرة في ذلك ، لأن النشرة تجسد شخصية الحزب المعنوية التي أصدرت النشرة ، ولا تجعل من شخصية الشاب ، شخصية سياسية ، وحتى يكون للرأي أثر أو تأثير في نظرة الناس إلى الوقائع والأحداث وحتى يكون لهم قيمة أو وزن في رعاية شؤون الناس ، لا بد من جعل الناس ينظرون إلى الوقائع والأحداث من نفس الزاوية الخاصة التي صدر عنها الرأي أو ارتكز إليها ، وإذا صار الرأي صادرا من نفس الزاوية الخاصة التي تنظر الأمة من خلالها إلى الوقائع والأحداث أصبح لرأينا السياسي وزن في المجتمع وقيمة حقيقية بين الناس ، وإلا تحوَّل الحزب عن رعاية الشؤون إلى تخدير الناس بالأماني والوعود .
وحتى نمكن الشباب من التحول إلى سياسيين فعليين لا بد من تثقيفهم بالمفاهيم السياسية وتزويدهم بتحاليل سياسية متتابعة تساعد على فهم كيفية التحليل السياسي وتوفير المعلومات السياسية وإثرائها بالمناقشة .
ابوعبدالرحمن حمزة
29-11-2011, 02:41 PM
أسلوب تنفيذ خطة عمل الحزب
إن خطة عمل الحزب تهدف إلى استكمال بناء القاعدة الشعبية بتحقيق النجاح في محاولة أخذ قيادة الأمة حتى ينتقل الحزب من مرحلة التفاعل إلى نقطة الارتكاز انتقالا طبيعيا ، ولا يتم بناء القاعدة الشعبية إلا بأسلوب عملي وقوي .
والواقع يُري أن الناس مهما تعددت فئاتهم ومهما اختلفت أحوالهم ومهنهم يعيشون عيشا طبيعيا بصلات متعددة يتصل بعضها ببعض ، ويسيطر عليهم مجموعة من المفاهيم والمقاييس والقناعات ، فالصلات الطبيعية ممتدة ومتشعبة وليست محصورة في جهة معينة ، مما يعني إمكانية الوصول إلى أي وسط عبر الصلات الطبيعية التي بين الأوساط ، كما يعني أن التأثير في أي وسط يؤثر طبيعيا أو ينعكس صدى تأثيره على سائر الأوساط .
ولا يكون العيش طبيعيا إلا بوجود أمر مشترك ودائم بين الناس كالجوار أو القرابة أو المهنة أو العمل الحزبي . ومن خلال العيش الطبيعي تتكشف السجايا وتحصل الثقة ، لذلك كان على كل من يحاول أخذ قيادة الناس أن يعمل في وسطه الطبيعي ، أي في الجهة التي يكون فيها وجوده طبيعيا غير مصطنع ، وتربطه بأهلها صلات طبيعية ، فالقيادة لا تحصل لقائد إلا إذا كان عيشه في الوسط الذي يحاول أخذ قيادته عيشا طبيعيا ، تبرز من خلال هذا العيش سجايا القائد والثقة بإخلاصه وأهليته للقيادة .
والقيادة لا تحصل بوجود الحواجز التي تفصل بين من يحاول القيادة وبين الناس ، سواء كانت هذه الحواجز مادية أو معنوية أو فكرية ، فمن يُفرض عليه مباشرة محاولة أخذ القيادة في منطقة محددة لا تربطه بأهلها صلة طبيعية ، لا يمكن أن ينجح في محاولته مهما بذل من جهود ومهما كان النظام الذي ينظم عمله دقيقا وصارما .
من هنا كان إخفاق أسلوب نظام المناطق الذي وضعه الحزب عام 1959م في إيصال الحزب إلى أخذ قيادة الأمة رغم متابعته الدؤوبة لتنفيذه حتى الثلث الأخير من السبعينات ، ورغم أثره الكبير في إيجاد وعي عام انبثق عنه رأي عام للإسلام .
لهذا كله يُترك لكل شاب اختيار الوسط الذي يسهل عليه قيادته والعمل فيه ، من غير إلزام بجهة معينة على أن يُسار في العمل على النحو التالي :
أولا : يجب أن تتم دراسة كل وسط دراسة واقعية ، فيكون فهم واقع الوسط ناتج عن منطق الإحساس لا عن استنتاج منطقي وفرض نظري .
ثانيا : معرفة القادة والمؤثرين في الأمة بناء على إدراك واقع كل وسط إدراكا حسيا بعيدا عن التعميم أو القياس الشمولي ، فلا يقال أن النواب كلهم قياديون أو أن شيوخ العشائر كلهم مؤثرون ، ولا يقال إن صغار السن ليسوا قياديين ، أو ليسوا مؤثرين ، فقد يكون نائب مؤثرا وآخر ليس مؤثرا .
وقد يكون شيخ عشيرة ممثلا حقيقيا لأبناء عشيرته ، وغيره ليس كذلك ، إذ قد تكون الدولة هي التي فرضته شيخا للعشيرة ، كما أنه يوجد أشخاص ذوو تأثير في أوساطهم ولكن لا تلتفت الأنظار إليهم ، كمن هم في سن الشباب ، مع أن الناظر أو العارف بأحوال الأحياء الشعبية بشكل خاص يدرك أن في كل حي تجمعا شبابيا طبيعيا بحكم الجوار ، ويكون في الغالب من بينهم شخص أو أكثر له عندهم مكانة وكلمته مسموعة من قِبَلِهم ، كما أن بعض الأوساط في المساجد والحارات تكون ملتفة حول شخص أو أشخاص من كبار السن ، وهكذا يجب أن ندرس واقع كل منطقة وواقع كل وسط على حِدة وبناء عليه نستطيع معرفة القادة والمؤثرين معرفة حسية .
ثالثا : العمل من داخل كل وسط بقوى الحزب الموجودة فيه من شباب وأنصار ، وفي حال عدم وجود قوى للحزب فيه يعمل على دخول الوسط بالتأثير على أفراد منه لجعلهم من قوى الحزب ، وإذا لم تكن قوى الحزب كافية لإحداث التأثير توضع الوسائل والأساليب اللازمة لإيجادها .
رابعا: العمل في الوسط يجب أن يجري في اتجاهين متوازيين : الأول في الوسط بشكل عام ، وأما الثاني فيوجه إلى قادة الوسط والمؤثرين فيه بشكل خاص ، وفي حالة عدم تجاوب قادة الوسط مع الحزب ، فإن علينا في هذه الحالة أن نعمل على أن يكونوا على أقل تقدير إلى جانب الإسلام ، أما إذا اتخذوا موقفا معاديا للإسلام أو للحزب فإن علينا العمل في هذه الحالة على تقصد إبراز قادة جدد للوسط ممن يعتبرون من قوى الحزب . وبغض النظر عن نتائج العمل في القادة والمؤثرين يجب أن يبقى العمل في الاتجاه الأول قائما .
وفي كل الأحوال يجب أن يسير العمل في أخذ قيادة هذه الأوساط على قاعدة أن التأثير في الأجواء العامة للوسط يؤدي إلى التأثير في قادة الوسط ، وأن أخذ قادة الوسط يؤدي إلى أخذ غالبية الوسط .
خامسا : تقوم قوى الحزب بتثقيف الناس تثقيفا سياسيا جماعيا بأفكار الإسلام الأساسية والمفاهيم المتعلقة بحمل الدعوة منزَّلة على الوقائع والحوادث الجارية ، على أن تكون هذه الثقافة سهلة وخالية من التعقيد ، ويصطنع لذلك الوسائل والأساليب المناسبة مثل الانترنت والقنوات الفضائية وأشرطة الفيديو والكاسيت وغيرها .
سادسا : تحديد أعمال حمل الدعوة التي يراد قيادة الوسط للقيام بها وهي أولا : حمل أفكار الإسلام الأساسية من عقيدة وخلافة وجهاد ، مضافا إليها آراء الحزب في الوقائع والأحداث وجعلها المسيطرة على أجواء الوسط . ثانيا : دعم الحزب ومساندته والالتفاف حوله بإيجاد الثقة بالحزب وأهليته للقيادة وبجلب الأنصار والمؤيدين له ولفكرته . ثالثا : التصدي لأفكار الكفر وأنظمته ونبذ العملاء والمنافقين . وتتم ترجمة هذه الأعمال بحسب واقع كل وسط وما يمكن أن يقدمه ، فيطلب من خطيب المسجد تضمين خطبته أفكارا وآراءً معينة ، ويطلب من الصحفي نشر مقال أو تعليق ، ويطلب من النقابي ترتيب ندوة أو محاضرة ، ويطلب من شيخ العشيرة تهيئة أجواء عشيرته للحزب وفكرته .
سابعا : تمكين كل وسط من إدراك الوسائل والأساليب اللازمة لتنفيذ هذه الأعمال .
ثامنا : جعل الأمة تدرك أنها باستجابتها للحزب توجد القاعدة الشعبية كتلك التي أوجدها مصعب في المدينة ، وهي بذلك تقوم بدور الأنصار ، أهل المدينة الذين رهنوا حياتهم كلها ووضعوا قواهم كلها لإقامة سلطان الإسلام ، هذا الدور الذي لهم فيه الأجر والثواب إلى يوم القيامة ، وهم يستطيعون ذلك إن أرادوا أن يكونوا رجالا كما استطاع الأنصار ذلك ، هذا الدور المتمثل بتهيئة الأجواء للإسلام ولاحتضان الحزب الذي يعمل لإيجاده في الحياة ، وهذا يماثل احتضان الأنصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد بايعوه بيعة الثبات والطاعة ، ومن ثم أقبل رجالاتهم سيدا سيدا لنصرة دين الله حتى بايعوه بيعة الحرب ، البيعة التي عرَّضوا أنفسهم فيها لأخطار هائلة هانت في نظرهم لأن ثمنها أعظم منها ، ( الجنة ) .
إن الحزب لا يصل إلى الحكم إلا إذا أصبح قوة سياسية كبيرة في البلاد وقوة مؤثرة في المجتمع برأيه العام وبقيادته للأمة وبصوته الذي يعلو على كل صوت ، ولا يأخذ الحزب الحكم إلا بقوة الأمة وإرادتها ، ولا يأخذه بغير ذلك مطلقا .
والحزب لا يكون قوة سياسية كبيرة إلا بقوة شخصيات شبابه المتمثلة بقوة عقلياتهم وقوة نفسياتهم ، وذلك لا يكون إلا بانصهارهم في الدعوة انصهارا تاما ، حتى يظل المبدأ متجسدا فيهم تجسدا تاما ، فلا بد أن يحدث ذلك ليس في الحزب وأجهزته فحسب ، وإنما في كل شاب من شبابه .
لذلك فإن على كل شاب من شباب الحزب أن يستعد من الآن لأن يكون هو مصعب بن عمير في الوسط الذي يشتغل فيه لأخذ قيادته ، ولأن يجعل الوسط الذي يشتغل فيه لأخذ قيادته كأنصار المدينة الذين نصروا الدعوة وأقاموا الدولة . وعلى كل شاب أن يسير في العمل لأخذ القيادة الفعلية للأمة على أساس أن المستحيل ليس هو أخذ القيادة الفعلية للأمة قبل قيام الدولة ، بل على أساس أن المستحيل هو قيام الدولة الإسلامية من دون أخذ القيادة الفعلية للأمة .
وبعد :
فهذه هي كيفية العمل للنجاح في محاولة أخذ قيادة الأمة بمجموعها للعمل مع الحزب لحمل الدعوة لإقامة الخلافة ، وما يقتضي ذلك من وقوف الأمة وتصديها للكفر والكفار وأعوانهم ، لكن هذا من ناحية ما نحن مكلفون ، أو ما نحن مسؤولون عنه كبشر ، إلا أنه لا يجوز أن يغيب عن البال لحظة أن الله سبحانه محيط بكل شيء وأنه سبحانه قد وعد عباده المؤمنين بالنصر إن هم نصروه ، والله سبحانه لا يخلف الميعاد . قال تعالى :
إنا لَنَنْصُرُ رُسلَنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد
نائل سيد أحمد
09-07-2015, 01:17 AM
هل وصل الحزب والشباب إلى الجمود واليأس ؟ .
رمضان 1436هـ .
عبد الواحد جعفر
18-07-2015, 12:15 PM
وما الذي يدعوك إلى مثل هذا الكلام أخ نائل؟!
وهل ييأس المسلم من حمل الدعوة؟! وهل يصح له ذلك؟!
وكيف لمن يتصدى لفضح المؤامرات على هذه الأمة ويبذل أقصى الطاقة في وقف فتنة كبرى، كالفتنة المذهبية، أن يُحس منه اليأس؟!!
اليأس ليس طريقاً لا للشباب ولا للحزب.. ولا لهذه الأمة التي تعيش تدافعاً شرساً بين نهجين، نهج الإسلام ونهج الحضارة الغربية بكافة أسمائها ومسمياتها!!
الأمة في حراك.. يخطئ وجهته حيناً ويكون صائباً أحياناً، وحملة الدعوة عليهم التوجه إلى الأعمال التي يقتضيها الدور الذي هم فيه.. والمعركة حامية الوطيس.. وليأخذ كلٌّ موقعه..
vBulletin® v4.0.2, Copyright ©2000-2024, Jelsoft Enterprises Ltd.