الأوراسي
13-10-2011, 10:13 PM
نجل صالح سرية لـ"محيط": الحاجة زينب الغزالي أنقذتنا من الموت (2ـ 2)
حوار - عمرو عبد المنعم
الخميس: 13 اكتوبر 2011 , الساعة 5:38 مساء
في حواري مع نجل الدكتور صالح سرية صاحب عملية الفنية العسكرية أول انقلاب ضد السادات تحدث في الحلقة الأولى عن خلافه مع إخوان العراق، ومشاركته في انقلاب على أحمد حسن البكر. (أنظر الحلقة الأولى يوم الأحد 09 اكتوبر 2011، على الرابط التالي):
ابن صالح سرية قائد عملية الفنية العسكرية لـ"محيط": أبي قال لي لا تبكو علي فأدركت أن هناك مصيبة تنتظرنا (1ـ2)
http://www.moheet.com/2011/10/09/%D8%A7%D8%A8%D9%86-%D8%B5%D8%A7%D9%84%D8%AD-%D8%B3%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%82%D8%A7%D8%A6%D8%AF-%D8%B9%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1
وفي الحلقة الثانية يكشف الإبن كيف تم القبض على أبيه بعد فشل عملية الفنية العسكرية لإسقاط نظام الحكم في مصر، وكيف تدخلت الداعية الإخوانية الشهيرة الحاجة زينب الغزالي لإنقاذ أسرته من موت محقق، كما يكشف الإبن عن تفاصيل عملية بغداد التي نفذ فيها دكتور سرية عملية إغتيال ضباط الموساد الإسرائيلي داخل العراق.
واليكم نص الحوار:
محيط: البعض يردد أن والدك كان من حزب التحرير الإسلامي، ما الحقيقة ؟
- أبي كانت له علاقات بالشيخ عبد العزيز البدري بمنظمة المؤتمر الإسلامي وكذلك د.عدنان البكاء وهو شيعي أكاديمي يدرس في جامعة الكوفة، ود.صالح السامرائي قيادي في الإخوان المسلمين، وعلاقات بكل الإتجاهات لكن لا تستطيع أن تنسبه لأي تيار منهم.
محيط: التقارير الأمنية تعتبر سرية من حزب التحرير بالأردن وقادم لتخريب مصر؟
- نعم معروف ذلك ، ولكن أقول لك السبب، تقي الدين النبهاني مؤسس حزب التحرير الإسلامي بالأردن تربطنا به صلة قرابة وهو عم زوجة عمي يوسف عبدالله سرية.
والناس تخطيء في التاريخ كثيرا ، فعلي سبيل المثال الشيخ / عبد العزيز البدري منظمة بدر الشيعية، تضع صوره علي كل أماكنها في العراق الآن، فهل البدري شيعي ومن البدريين بالطبع لا.
محيط: لماذا فشلت عملية الإنقلاب على السادات ؟
- سوء التقدير من مجموعة والدي والثقة الزائدة، وقد خططوا لعملية أخرى سميت بعملية مدينة الطب وهي مسجلة في كتاب "محاولات إغتيال صدام حسين" تأليف شقيقه برزان التكريتي والذي نفذ الأمريكان فيه الإعدام مؤخرا.
وهذا الكتاب صدر في عام 1982م وسحب من الأسواق وهو يثبت أن أبي أحد قيادات الإخوان المسلمين في العراق، وهناك كتاب آخر للوالد باسم "بين الإتباع والتقليد" تحقيق د.عبد الكريم زيدان (المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين) وهو مطبوع عام 1958م يؤكد المعنى نفسه.
محيط: ما هي درجة القيادة للوالد في إخوان العراق ؟
- كان يتولي المكتب العسكري للإخوان هناك، حيث كان ضابطا برتبة نقيب في جيش التحرير الفلسطيني الذي أسسه عبد الكريم قاسم في العراق، مثل طارق الهاشمي الأمين العام للحزب الإسلامي ونائب رئيس الجمهورية الآن، والذي انشق علي الحزب الإسلامي وعمل حزب التحالف العراقي، بعد ما خرج الوالد من العراق عام 1971م ، ولو سئل من الذي قبلك في المكتب العسكري لقال صالح سرية .
محيط: لماذا حدث اختلاف علي حقيقة انتماء أبيك للإخوان ؟
- والدي رفض دخول الإخوان في حكومة حزب البعث العراقي لإعتبارات عقائدية، ومسألة تولي الوزارات من الإخوان كانت ثانوية، لذلك مبدأ التعامل معهم كان مرفوضا، ولما حضرت إلي هنا (مصر) تبين لي أن كثيرين لا يعرفون حقيقة والدي.
وتحليلي الشخصي أن الوالد بعد عملية كلية الطب، والتي ينسبها الحزب الإسلامي في العراق لنفسه، عمل علي التعامل مع الواقع بشكل حذر خاصة مع الملاحقات الأمنية، وهو ما جعل الناس تتخيل أنه ترك الإخوان ونحى منحى مختلفا.
محيط: وكيف عاد سرية لمصر ؟
- بعد عام 1971استقر الوالد في مصر، بعد عملية كلية الطب، وتوجه إلي سوريا ثم إلي السعودية التي رفضت قبوله باعتباره معارض عراقي، فتوجه إلي مصر للحصول على الدكتوراه، وقد ألحقه د.مسارع الراوي المسئول بالجامعة العربية ليصبح سكرتير أول للمنظمة، وقد سافرنا نحن أسرته إليه بعد الإفراج عنا وعشنا بحي الدقي.
محيط : وكيف تواصل سرية مع الحركة الإسلامية المصرية ؟
- بدأ التواصل مع الإخوان عن طريق الحاجة زينب الغزالي وقد أعجبت بعلاقاته الواسعة بالإسلاميين أمثال الشيخ سيد سابق، فأرسلته للشيخ الهضيبي مرشد الجماعة، وتحدث معه، وقرر أبي أن يلتحق بالجناح التجديدي الثوري بجماعة الإخوان وهو الجيل الثاني، بخلاف الجيل المربي الذي لا يميل كثيرا للمواجهة مع السلطة.
والشيخ الهضيبي هو الذي عرف الوالد بطلال الأنصاري، وكان رحمه الله بارعا في اكتساب كل الأجيال للجماعة، شبابا وشيوخا، ولكنه كان لا يحب ان يكون الإخوان في الصدارة حتى لا يخسر ذوي الخبرة من أبنائه بعد تعرضهم للإعتقال والسجن الطويل.
محيط: وما طبيعة إنتمائك الإسلامي ؟
- لم أنضم لأي حزب، ولكني أقرأ عن كثب تجربة الحزب الإسلامي العراق، ولي صلات قوية بالجميع.
محيط: وما انتقادك لتجربة الحزب الإسلامي بالعراق ؟
- في مصر استطاعت جماعة الإخوان أن تكسب الشباب والشيوخ، وأن تقيم تحالفا مع الرئيس السادات ليدعم الجماعة، ولكن في العراق لم يفعل الحزب -الإسلامية الشيء نفسه، ولهذا فكر أبي في تطبيق الفكرة بالعراق فيما بعد.
محيط : ولماذا تبرأ الإخوان من والدك ؟
- كان الإتفاق بينهم أن يقفوا في صفه، ولكن على ألا يعلنوا ذلك، وكان طبيعيا أن يعلنوا تبرؤهم منه.
محيط: كيف تم القبض على والدك ؟
- أتذكر هذه اللحظة، وقد كان عمري حينها خمس سنوات. كنت وأشقائي ننتظر عودة أبينا من العمل، وفي هذا اليوم لاحظنا أنه يحمل هموم الدنيا كلها وحزين، وتركنا وجلس بمفرده، ولم يداعبنا كما كان يفعل عادة.
وفجأة شاهدنا قوات أمن كثيرة جدا تداهم شقتنا، وعدد لا حصر له من الذين يرتدون ملابس مدنية، وقد وضعوا كل من البيت في غرفة وبدأت حالة من البكاء تنتاب والدتي وأشقائي، أما أبي فقال: لا أريد أن تبكوا علي.
كانت أمي تثير الشفقة فهي تعيش ببلد غريب، وقد قبضوا على زوجها وتركوها وسط أبنائها التسعة. وأذكر أن أمن الدولة حاصرت البيت لمدة ثلاثة أيام، وقطعت المياه والكهرباء ومنعت الدخول والخروج من وإلي البيت، وكدنا نموت حقا ولا توجد وسائل للتواصل مع الناس، إلى أن حضرت الحاجة زينب الغزالي وبصحبتها فاكهة، ورأيتها تصفع ضابطا حينما حاول منعها وقالت له: "أتريد أن تقتل أطفال وأمهم .. هل هذه الرجولة"، وتكررت زياراتها لنا، حتى فكوا حصارنا.
محيط: وكيف عدتم للعراق ؟
- وضعت والدتي مولودها وأصيب بنزيف حاد بعدها، وعلى الفور قررنا العودة للعراق عن طريق سوريا بالباخرة قبل بدء المحاكمة، وعدنا مرة ثانية عند بدء المحاكمة وظللنا هكذا حتى يوم النطق بالحكم.
محيط: وماذا عن يوم تنفيذ الإعدام ؟
- عرفنا بالخبر من الصحف في العراق، بعد حوالي سنة من الحكم على الوالد بالإعدام عام 1976، ومن يومها لم نستطع المجيء لمصر سوى عام 1980 لتسلم جثمان أبينا والحصول على مستحقات من البنوك وسيارة يملكها، ولكننا لم نتمكن من الحصول على أي شيء من ذلك. وقد واجهتنا مصاعب كثيرة جعلت العودة لمصر صعبة منها أن النظام العراقي نفسه منع السفر على العراقيين بعد الحرب مع إيران والكويت بعدها.
محيط: ولماذا لم تجدي الوساطات الدولية لمنع إعدامه ؟
- بالفعل تدخل حكام لمنع التنفيذ ومنهم أمير الكويت الذي توسط لدى السادات بحسب ما نشرته الصحف، وأظن أن السادات كان يفكر بالفعل حيث أبقى أبي عامين قبل تنفيذ الحكم، وقد جرب من قبل تجربة التهم السياسية ولم يرد بالإعدام أن يلهب مشاعر الشباب.
وقد توسطت السيدة جيهان السادات أيضا لتخفيف الحكم، ولكن مقابل اعتذار أبي، وهو ما رفضه، لأنه مقتنع برسالته، وقد تركنا تسعة أبناء ولكننا أكملنا تعليمنا ووفقنا الله لما يعلمه من صلاح والدنا.
محيط: وما الذي تعرفه عن وضع ليلة التنفيذ على كارم الأنضولي ؟
- ذكر لنا والده يوم الإعدام أنه أراد صلاة الفجر فرفضوا وسخروا منه بقولهم "صلها عند الله لأنك ذاهب له"، وبالفعل وجد الأب جثة ابنه على هيئة الصلاة وكفنه عليها.
محيط: هل صحيح أن إسرائيل كانت تستهدف أبيك ؟
- نعم، فقد قام بعملية ضد ضباط الموساد أيام عبد الكريم قاسم في العراق في عملية من أروع العمليات الجهادية التي عرفتها العراق وأخفت إسرائيل الموضوع حتي لا تكون فضيحة.
محيط: لماذا عدت لمصر وتركت العراق ؟
- مصر هي حصن الإسلام الدائم وشعبها متدين بفطرته ومساجدها عامرة، وبعد الثورة شاهدنا نضج ووعي شبابها، وفي العراق شاهدت 35 سنة من تدمير صورة الإسلام، وكانت العلمانية منطبعة على بغداد رغم أنها كانت عاصمة الخلافة الإسلامية لمئات السنين، وفشل صدام في تحقيق أبسط أنواع الرفاهية لشعبه ولم يحمهم من جبروت الأمريكان أيضا. وللأسف لم يستطع العراقيون خلعه كما فعل المصريين.
وفي مصر مسجونين قضوا أكثر مما قضاه نيلسون مانديلا زعيم أفريقيا لمبادئهم السياسية، ورغم أن المصريين لا يملكون ترف المال ولكنهم يتمسكون بمبادئهم.
محيط: ما الذي تذكره من كلمات الوالد ؟
- أذكر أنه كان يقول أن تمنيك فقط للشهادة أنانية، فالتضحية الحقيقية أن تعيش لعقود وتضحي من اجل مبادئك كما يفعل رجال مصر اليوم.
http://www.moheet.com/2011/10/13/%D9%86%D8%AC%D9%84-%D8%B5%D8%A7%D9%84%D8%AD-%D8%B3%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%80%D9%85%D8%AD%D9%8A%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A7%D8%AC%D8%A9-%D8%B2%D9%8A%D9%86%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B2-2/#&panel1-9
حوار - عمرو عبد المنعم
الخميس: 13 اكتوبر 2011 , الساعة 5:38 مساء
في حواري مع نجل الدكتور صالح سرية صاحب عملية الفنية العسكرية أول انقلاب ضد السادات تحدث في الحلقة الأولى عن خلافه مع إخوان العراق، ومشاركته في انقلاب على أحمد حسن البكر. (أنظر الحلقة الأولى يوم الأحد 09 اكتوبر 2011، على الرابط التالي):
ابن صالح سرية قائد عملية الفنية العسكرية لـ"محيط": أبي قال لي لا تبكو علي فأدركت أن هناك مصيبة تنتظرنا (1ـ2)
http://www.moheet.com/2011/10/09/%D8%A7%D8%A8%D9%86-%D8%B5%D8%A7%D9%84%D8%AD-%D8%B3%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%82%D8%A7%D8%A6%D8%AF-%D8%B9%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1
وفي الحلقة الثانية يكشف الإبن كيف تم القبض على أبيه بعد فشل عملية الفنية العسكرية لإسقاط نظام الحكم في مصر، وكيف تدخلت الداعية الإخوانية الشهيرة الحاجة زينب الغزالي لإنقاذ أسرته من موت محقق، كما يكشف الإبن عن تفاصيل عملية بغداد التي نفذ فيها دكتور سرية عملية إغتيال ضباط الموساد الإسرائيلي داخل العراق.
واليكم نص الحوار:
محيط: البعض يردد أن والدك كان من حزب التحرير الإسلامي، ما الحقيقة ؟
- أبي كانت له علاقات بالشيخ عبد العزيز البدري بمنظمة المؤتمر الإسلامي وكذلك د.عدنان البكاء وهو شيعي أكاديمي يدرس في جامعة الكوفة، ود.صالح السامرائي قيادي في الإخوان المسلمين، وعلاقات بكل الإتجاهات لكن لا تستطيع أن تنسبه لأي تيار منهم.
محيط: التقارير الأمنية تعتبر سرية من حزب التحرير بالأردن وقادم لتخريب مصر؟
- نعم معروف ذلك ، ولكن أقول لك السبب، تقي الدين النبهاني مؤسس حزب التحرير الإسلامي بالأردن تربطنا به صلة قرابة وهو عم زوجة عمي يوسف عبدالله سرية.
والناس تخطيء في التاريخ كثيرا ، فعلي سبيل المثال الشيخ / عبد العزيز البدري منظمة بدر الشيعية، تضع صوره علي كل أماكنها في العراق الآن، فهل البدري شيعي ومن البدريين بالطبع لا.
محيط: لماذا فشلت عملية الإنقلاب على السادات ؟
- سوء التقدير من مجموعة والدي والثقة الزائدة، وقد خططوا لعملية أخرى سميت بعملية مدينة الطب وهي مسجلة في كتاب "محاولات إغتيال صدام حسين" تأليف شقيقه برزان التكريتي والذي نفذ الأمريكان فيه الإعدام مؤخرا.
وهذا الكتاب صدر في عام 1982م وسحب من الأسواق وهو يثبت أن أبي أحد قيادات الإخوان المسلمين في العراق، وهناك كتاب آخر للوالد باسم "بين الإتباع والتقليد" تحقيق د.عبد الكريم زيدان (المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين) وهو مطبوع عام 1958م يؤكد المعنى نفسه.
محيط: ما هي درجة القيادة للوالد في إخوان العراق ؟
- كان يتولي المكتب العسكري للإخوان هناك، حيث كان ضابطا برتبة نقيب في جيش التحرير الفلسطيني الذي أسسه عبد الكريم قاسم في العراق، مثل طارق الهاشمي الأمين العام للحزب الإسلامي ونائب رئيس الجمهورية الآن، والذي انشق علي الحزب الإسلامي وعمل حزب التحالف العراقي، بعد ما خرج الوالد من العراق عام 1971م ، ولو سئل من الذي قبلك في المكتب العسكري لقال صالح سرية .
محيط: لماذا حدث اختلاف علي حقيقة انتماء أبيك للإخوان ؟
- والدي رفض دخول الإخوان في حكومة حزب البعث العراقي لإعتبارات عقائدية، ومسألة تولي الوزارات من الإخوان كانت ثانوية، لذلك مبدأ التعامل معهم كان مرفوضا، ولما حضرت إلي هنا (مصر) تبين لي أن كثيرين لا يعرفون حقيقة والدي.
وتحليلي الشخصي أن الوالد بعد عملية كلية الطب، والتي ينسبها الحزب الإسلامي في العراق لنفسه، عمل علي التعامل مع الواقع بشكل حذر خاصة مع الملاحقات الأمنية، وهو ما جعل الناس تتخيل أنه ترك الإخوان ونحى منحى مختلفا.
محيط: وكيف عاد سرية لمصر ؟
- بعد عام 1971استقر الوالد في مصر، بعد عملية كلية الطب، وتوجه إلي سوريا ثم إلي السعودية التي رفضت قبوله باعتباره معارض عراقي، فتوجه إلي مصر للحصول على الدكتوراه، وقد ألحقه د.مسارع الراوي المسئول بالجامعة العربية ليصبح سكرتير أول للمنظمة، وقد سافرنا نحن أسرته إليه بعد الإفراج عنا وعشنا بحي الدقي.
محيط : وكيف تواصل سرية مع الحركة الإسلامية المصرية ؟
- بدأ التواصل مع الإخوان عن طريق الحاجة زينب الغزالي وقد أعجبت بعلاقاته الواسعة بالإسلاميين أمثال الشيخ سيد سابق، فأرسلته للشيخ الهضيبي مرشد الجماعة، وتحدث معه، وقرر أبي أن يلتحق بالجناح التجديدي الثوري بجماعة الإخوان وهو الجيل الثاني، بخلاف الجيل المربي الذي لا يميل كثيرا للمواجهة مع السلطة.
والشيخ الهضيبي هو الذي عرف الوالد بطلال الأنصاري، وكان رحمه الله بارعا في اكتساب كل الأجيال للجماعة، شبابا وشيوخا، ولكنه كان لا يحب ان يكون الإخوان في الصدارة حتى لا يخسر ذوي الخبرة من أبنائه بعد تعرضهم للإعتقال والسجن الطويل.
محيط: وما طبيعة إنتمائك الإسلامي ؟
- لم أنضم لأي حزب، ولكني أقرأ عن كثب تجربة الحزب الإسلامي العراق، ولي صلات قوية بالجميع.
محيط: وما انتقادك لتجربة الحزب الإسلامي بالعراق ؟
- في مصر استطاعت جماعة الإخوان أن تكسب الشباب والشيوخ، وأن تقيم تحالفا مع الرئيس السادات ليدعم الجماعة، ولكن في العراق لم يفعل الحزب -الإسلامية الشيء نفسه، ولهذا فكر أبي في تطبيق الفكرة بالعراق فيما بعد.
محيط : ولماذا تبرأ الإخوان من والدك ؟
- كان الإتفاق بينهم أن يقفوا في صفه، ولكن على ألا يعلنوا ذلك، وكان طبيعيا أن يعلنوا تبرؤهم منه.
محيط: كيف تم القبض على والدك ؟
- أتذكر هذه اللحظة، وقد كان عمري حينها خمس سنوات. كنت وأشقائي ننتظر عودة أبينا من العمل، وفي هذا اليوم لاحظنا أنه يحمل هموم الدنيا كلها وحزين، وتركنا وجلس بمفرده، ولم يداعبنا كما كان يفعل عادة.
وفجأة شاهدنا قوات أمن كثيرة جدا تداهم شقتنا، وعدد لا حصر له من الذين يرتدون ملابس مدنية، وقد وضعوا كل من البيت في غرفة وبدأت حالة من البكاء تنتاب والدتي وأشقائي، أما أبي فقال: لا أريد أن تبكوا علي.
كانت أمي تثير الشفقة فهي تعيش ببلد غريب، وقد قبضوا على زوجها وتركوها وسط أبنائها التسعة. وأذكر أن أمن الدولة حاصرت البيت لمدة ثلاثة أيام، وقطعت المياه والكهرباء ومنعت الدخول والخروج من وإلي البيت، وكدنا نموت حقا ولا توجد وسائل للتواصل مع الناس، إلى أن حضرت الحاجة زينب الغزالي وبصحبتها فاكهة، ورأيتها تصفع ضابطا حينما حاول منعها وقالت له: "أتريد أن تقتل أطفال وأمهم .. هل هذه الرجولة"، وتكررت زياراتها لنا، حتى فكوا حصارنا.
محيط: وكيف عدتم للعراق ؟
- وضعت والدتي مولودها وأصيب بنزيف حاد بعدها، وعلى الفور قررنا العودة للعراق عن طريق سوريا بالباخرة قبل بدء المحاكمة، وعدنا مرة ثانية عند بدء المحاكمة وظللنا هكذا حتى يوم النطق بالحكم.
محيط: وماذا عن يوم تنفيذ الإعدام ؟
- عرفنا بالخبر من الصحف في العراق، بعد حوالي سنة من الحكم على الوالد بالإعدام عام 1976، ومن يومها لم نستطع المجيء لمصر سوى عام 1980 لتسلم جثمان أبينا والحصول على مستحقات من البنوك وسيارة يملكها، ولكننا لم نتمكن من الحصول على أي شيء من ذلك. وقد واجهتنا مصاعب كثيرة جعلت العودة لمصر صعبة منها أن النظام العراقي نفسه منع السفر على العراقيين بعد الحرب مع إيران والكويت بعدها.
محيط: ولماذا لم تجدي الوساطات الدولية لمنع إعدامه ؟
- بالفعل تدخل حكام لمنع التنفيذ ومنهم أمير الكويت الذي توسط لدى السادات بحسب ما نشرته الصحف، وأظن أن السادات كان يفكر بالفعل حيث أبقى أبي عامين قبل تنفيذ الحكم، وقد جرب من قبل تجربة التهم السياسية ولم يرد بالإعدام أن يلهب مشاعر الشباب.
وقد توسطت السيدة جيهان السادات أيضا لتخفيف الحكم، ولكن مقابل اعتذار أبي، وهو ما رفضه، لأنه مقتنع برسالته، وقد تركنا تسعة أبناء ولكننا أكملنا تعليمنا ووفقنا الله لما يعلمه من صلاح والدنا.
محيط: وما الذي تعرفه عن وضع ليلة التنفيذ على كارم الأنضولي ؟
- ذكر لنا والده يوم الإعدام أنه أراد صلاة الفجر فرفضوا وسخروا منه بقولهم "صلها عند الله لأنك ذاهب له"، وبالفعل وجد الأب جثة ابنه على هيئة الصلاة وكفنه عليها.
محيط: هل صحيح أن إسرائيل كانت تستهدف أبيك ؟
- نعم، فقد قام بعملية ضد ضباط الموساد أيام عبد الكريم قاسم في العراق في عملية من أروع العمليات الجهادية التي عرفتها العراق وأخفت إسرائيل الموضوع حتي لا تكون فضيحة.
محيط: لماذا عدت لمصر وتركت العراق ؟
- مصر هي حصن الإسلام الدائم وشعبها متدين بفطرته ومساجدها عامرة، وبعد الثورة شاهدنا نضج ووعي شبابها، وفي العراق شاهدت 35 سنة من تدمير صورة الإسلام، وكانت العلمانية منطبعة على بغداد رغم أنها كانت عاصمة الخلافة الإسلامية لمئات السنين، وفشل صدام في تحقيق أبسط أنواع الرفاهية لشعبه ولم يحمهم من جبروت الأمريكان أيضا. وللأسف لم يستطع العراقيون خلعه كما فعل المصريين.
وفي مصر مسجونين قضوا أكثر مما قضاه نيلسون مانديلا زعيم أفريقيا لمبادئهم السياسية، ورغم أن المصريين لا يملكون ترف المال ولكنهم يتمسكون بمبادئهم.
محيط: ما الذي تذكره من كلمات الوالد ؟
- أذكر أنه كان يقول أن تمنيك فقط للشهادة أنانية، فالتضحية الحقيقية أن تعيش لعقود وتضحي من اجل مبادئك كما يفعل رجال مصر اليوم.
http://www.moheet.com/2011/10/13/%D9%86%D8%AC%D9%84-%D8%B5%D8%A7%D9%84%D8%AD-%D8%B3%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%80%D9%85%D8%AD%D9%8A%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A7%D8%AC%D8%A9-%D8%B2%D9%8A%D9%86%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B2-2/#&panel1-9