khilafa
29-08-2011, 01:32 AM
"ويكيليكس": "حماس" وغزلها المستور لواشنطن
عبد الناصر النجار
من المؤكّد أن وسائل إعلام حركة حماس بكافة أشكالها المقروءة والمسموعة والمرئية ومواقع الإنترنت لم ولن تنشر "وثيقة ويكيليكس" التي كشفت عن اتصالات بين رئيس المجلس التشريعي الدكتور عزيز الدويك والقنصل الأميركي العام السابق في القدس جاك ولاس.
قد لا تبدو الرسالة للكثيرين ذات شأن، أو ربما تفسّر على أنها جاءت في إطار العلاقات العامة لرئيس جديد للمجلس التشريعي مع مسؤول أميركي. ولكن الحقيقة هي أبعد من ذلك بما يمثله الدويك ليس كرئيس للمجلس التشريعي وإنما كأحد قادة "حماس" التي علمتنا في أدبياتها شيئاً عن رأس الكفر في العالم وعن ممارستها على أرض الواقع.
الرسالة تأتي ضمن إطار الفعل السياسي، وفي السياسة كل شيء مباح إذا ما حقق المصالح وعلى رأسها مصالح الدولة ثم مصلحة الحزب وحتى مصلحة العائلة أو الشخص!.
في الفترة التي أرسلت فيه الرسالة، وهي بعد الانتخابات التشريعية مباشرة، والتي فازت فيها حركة حماس بالأغلبية المطلقة على أساس برنامج سياسي أقل ما يمكن أن يقال عنه في حينه إنه ركّز على مفهوم استمرار ودعم المقاومة بالطريقة التي رغبت "حماس" في إيصالها للجمهور، والقائمة على أساس أنها الحركة المتمسكة بالمقاومة وغيرها هو الخائن والمستسلم الذي يقدم تنازلات دون شرعية.
كثير من المواطنين ـ وحتى من المثقفين ـ كانوا يؤكدون بل ويدعمون ـ عند مناقشة وضعنا السياسي ـ ما ورد في برنامج "حماس" الانتخابي وكأنه مقدس والذي لم يبقَ منه خلال السنوات الخمس الماضية سوى شعارات لم يعد يرددها إلاّ البعض الذي ما زال مؤمناً بها.
لقد اصطدمت شعارات الحركة الكبيرة بواقع مختلف على الأرض، بمعنى تأكّدها أنه لا بدّ من إقامة علاقات مع الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة، وأنه لا يمكن العيش من دون هذه العلاقات، وبالتالي بدأنا نلاحظ ازدواجيةً في الخطاب "الحمساوي" الموجّه إلى أوروبا وأميركا بشكلٍ خاصٍّ والخطاب الداخلي الموجّه للجماهير الفلسطينية.
حتى في إطار مفهوم المقاومة، فإن هناك فرقاً شاسعاً بين أدبيات الحركة التي هي امتداد حقيقي لأدبيات حركة "الإخوان المسلمين"، حيث إن حدّة الصوت المطلق منذ العام 1987 ـ انطلاقة حركة حماس ـ وحتى اليوم قد اختلفت بشكل كبير، في الوقت الذي احتاجت فيه الفصائل الفلسطينية الوطنية لأكثر من خمسة عقود لتغيير نظرتها لمفهوم المقاومة.
عودة إلى وثيقة "ويكيليكس" وبعض الملاحظات عليها وهي: أن الدويك لم يتحدث بصفته الاعتبارية كرئيس للمجلس التشريعي ولكن كقائد في حركة حماس، والدليل على ذلك ما ورد نصاً في الرسالة على النحو التالي: "أغتنم هذه الفرصة لأعبّر لسعادتكم عن قناعاتي وإيماني الصادق بأن التعاون القائم والعلاقات الوثيقة التي أقامها القنصل السابق، سوف يتم توطيدها، وسوف تكتسب أبعاداً جديدةً"، بمعنى أن العلاقات مع واشنطن عن طريق قنصلها العام في القدس بدأت مع القنصل الذي سبق ولاس، وعلى اعتبار أن الدويك لم يكن مضى على انتخابه أكثر من شهر، فلا يمكن أن يكون أقام علاقات وثيقة مع القنصل السابق خلال هذه الفترة، وإنما في فترة سابقة، أي بصفته قائداً ومسؤولاً في حركة "حماس"، وليس رئيساً للمجلس التشريعي.
ونحن نؤكد أنه من الجيد والمفيد أن تكون هناك علاقات بين "حماس" والغرب، وخاصةً الولايات المتحدة، ولكن ليس بطريقة الاستجداء السرّية، في وقت تصف فيه وسائل إعلام الحركة كل من يتصل مع واشنطن بأنه مشتبه به إن لم يكن أكثر من ذلك!.
وأكثر من ذلك فإن وسائل إعلام الحركة بمناسبة أو من دون مناسبة تلعن وتسبّ وتكفّر أولئك الذين يرمون أنفسهم في حضن واشنطن.
ويضيف الدويك في رسالته، حسب "ويكيليكس": "كما أغتنم هذه الفرصة لأجدد التأكيد على أن التضامن القائم بين الولايات المتحدة الأميركية وفلسطين، اللتين تتقاسمان الآراء نفسها من أجل الحفاظ على الحرية والعدالة والسلام سوف تستمر في التطور في السنوات المقبلة". ألا يحق لنا التساؤل: هل هناك فعلاً آراء مشتركة بين أميركا والفلسطينيين حول الحرية والعدالة والسلام؟! أشك في ذلك؛ لأن هناك تبايناً شاسعاً وعميقاً، خاصةً في هذه القضايا. السلام الأميركي واضح كعين الشمس، والسلام الذي ينشده الفلسطينيون أوضح، وما بين السلام الأميركي والسلام الفلسطيني بون شاسع لا يمكن أن يلتقيا، وحرية أميركا ليست هذه الحرية التي نبحث عنها. نحن نطالب بحريتنا المطلقة القائمة على الخلاص من الاحتلال، وليس على تغيير صورة الاحتلال أو تجميل شكله؟!.
أما العدالة، فلا أرغب في التطرق إليها لأن العدالة الموجودة الآن ترتكز إلى أساس القوة، وواشنطن تملك قوةً مطلقةً ونحن لا نملك شيئاً، فكيف ستتحقق هذه العدالة أو نشترك مع واشنطن فيها؟!
لحركة "حماس" أن تبني ما تشاء من علاقات، ولكنها يجب أن تكون في العلن، وأن تخاطب الناس بمثل ما تفعل وليس العكس، وربما لنا في قضية الصواريخ وإطلاقها عبرة، رحم الله الزعيم الشهيد ياسر عرفات، الذي كان موقفه واضحاً، ثم جاء الرئيس أبو مازن والذي كان يصف تلك الصواريخ بالعبثية لتنطلق أبواق "حماس" مكفّرةً ومخوّنةً ولاغيةً حتى وصلنا اليوم إلى مفهوم الصواريخ الخائنة. وبين العبثية والتخوين، أيضاً، فرق شاسع، فهل نتعلّم من الأخطاء أم أننا مصرّون على التجربة في كل مرة؟!.
تاريخ نشر المقال 27 آب 2011
http://www.al-ayyam.ps/article.aspx?did=173548&date=
عبد الناصر النجار
من المؤكّد أن وسائل إعلام حركة حماس بكافة أشكالها المقروءة والمسموعة والمرئية ومواقع الإنترنت لم ولن تنشر "وثيقة ويكيليكس" التي كشفت عن اتصالات بين رئيس المجلس التشريعي الدكتور عزيز الدويك والقنصل الأميركي العام السابق في القدس جاك ولاس.
قد لا تبدو الرسالة للكثيرين ذات شأن، أو ربما تفسّر على أنها جاءت في إطار العلاقات العامة لرئيس جديد للمجلس التشريعي مع مسؤول أميركي. ولكن الحقيقة هي أبعد من ذلك بما يمثله الدويك ليس كرئيس للمجلس التشريعي وإنما كأحد قادة "حماس" التي علمتنا في أدبياتها شيئاً عن رأس الكفر في العالم وعن ممارستها على أرض الواقع.
الرسالة تأتي ضمن إطار الفعل السياسي، وفي السياسة كل شيء مباح إذا ما حقق المصالح وعلى رأسها مصالح الدولة ثم مصلحة الحزب وحتى مصلحة العائلة أو الشخص!.
في الفترة التي أرسلت فيه الرسالة، وهي بعد الانتخابات التشريعية مباشرة، والتي فازت فيها حركة حماس بالأغلبية المطلقة على أساس برنامج سياسي أقل ما يمكن أن يقال عنه في حينه إنه ركّز على مفهوم استمرار ودعم المقاومة بالطريقة التي رغبت "حماس" في إيصالها للجمهور، والقائمة على أساس أنها الحركة المتمسكة بالمقاومة وغيرها هو الخائن والمستسلم الذي يقدم تنازلات دون شرعية.
كثير من المواطنين ـ وحتى من المثقفين ـ كانوا يؤكدون بل ويدعمون ـ عند مناقشة وضعنا السياسي ـ ما ورد في برنامج "حماس" الانتخابي وكأنه مقدس والذي لم يبقَ منه خلال السنوات الخمس الماضية سوى شعارات لم يعد يرددها إلاّ البعض الذي ما زال مؤمناً بها.
لقد اصطدمت شعارات الحركة الكبيرة بواقع مختلف على الأرض، بمعنى تأكّدها أنه لا بدّ من إقامة علاقات مع الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة، وأنه لا يمكن العيش من دون هذه العلاقات، وبالتالي بدأنا نلاحظ ازدواجيةً في الخطاب "الحمساوي" الموجّه إلى أوروبا وأميركا بشكلٍ خاصٍّ والخطاب الداخلي الموجّه للجماهير الفلسطينية.
حتى في إطار مفهوم المقاومة، فإن هناك فرقاً شاسعاً بين أدبيات الحركة التي هي امتداد حقيقي لأدبيات حركة "الإخوان المسلمين"، حيث إن حدّة الصوت المطلق منذ العام 1987 ـ انطلاقة حركة حماس ـ وحتى اليوم قد اختلفت بشكل كبير، في الوقت الذي احتاجت فيه الفصائل الفلسطينية الوطنية لأكثر من خمسة عقود لتغيير نظرتها لمفهوم المقاومة.
عودة إلى وثيقة "ويكيليكس" وبعض الملاحظات عليها وهي: أن الدويك لم يتحدث بصفته الاعتبارية كرئيس للمجلس التشريعي ولكن كقائد في حركة حماس، والدليل على ذلك ما ورد نصاً في الرسالة على النحو التالي: "أغتنم هذه الفرصة لأعبّر لسعادتكم عن قناعاتي وإيماني الصادق بأن التعاون القائم والعلاقات الوثيقة التي أقامها القنصل السابق، سوف يتم توطيدها، وسوف تكتسب أبعاداً جديدةً"، بمعنى أن العلاقات مع واشنطن عن طريق قنصلها العام في القدس بدأت مع القنصل الذي سبق ولاس، وعلى اعتبار أن الدويك لم يكن مضى على انتخابه أكثر من شهر، فلا يمكن أن يكون أقام علاقات وثيقة مع القنصل السابق خلال هذه الفترة، وإنما في فترة سابقة، أي بصفته قائداً ومسؤولاً في حركة "حماس"، وليس رئيساً للمجلس التشريعي.
ونحن نؤكد أنه من الجيد والمفيد أن تكون هناك علاقات بين "حماس" والغرب، وخاصةً الولايات المتحدة، ولكن ليس بطريقة الاستجداء السرّية، في وقت تصف فيه وسائل إعلام الحركة كل من يتصل مع واشنطن بأنه مشتبه به إن لم يكن أكثر من ذلك!.
وأكثر من ذلك فإن وسائل إعلام الحركة بمناسبة أو من دون مناسبة تلعن وتسبّ وتكفّر أولئك الذين يرمون أنفسهم في حضن واشنطن.
ويضيف الدويك في رسالته، حسب "ويكيليكس": "كما أغتنم هذه الفرصة لأجدد التأكيد على أن التضامن القائم بين الولايات المتحدة الأميركية وفلسطين، اللتين تتقاسمان الآراء نفسها من أجل الحفاظ على الحرية والعدالة والسلام سوف تستمر في التطور في السنوات المقبلة". ألا يحق لنا التساؤل: هل هناك فعلاً آراء مشتركة بين أميركا والفلسطينيين حول الحرية والعدالة والسلام؟! أشك في ذلك؛ لأن هناك تبايناً شاسعاً وعميقاً، خاصةً في هذه القضايا. السلام الأميركي واضح كعين الشمس، والسلام الذي ينشده الفلسطينيون أوضح، وما بين السلام الأميركي والسلام الفلسطيني بون شاسع لا يمكن أن يلتقيا، وحرية أميركا ليست هذه الحرية التي نبحث عنها. نحن نطالب بحريتنا المطلقة القائمة على الخلاص من الاحتلال، وليس على تغيير صورة الاحتلال أو تجميل شكله؟!.
أما العدالة، فلا أرغب في التطرق إليها لأن العدالة الموجودة الآن ترتكز إلى أساس القوة، وواشنطن تملك قوةً مطلقةً ونحن لا نملك شيئاً، فكيف ستتحقق هذه العدالة أو نشترك مع واشنطن فيها؟!
لحركة "حماس" أن تبني ما تشاء من علاقات، ولكنها يجب أن تكون في العلن، وأن تخاطب الناس بمثل ما تفعل وليس العكس، وربما لنا في قضية الصواريخ وإطلاقها عبرة، رحم الله الزعيم الشهيد ياسر عرفات، الذي كان موقفه واضحاً، ثم جاء الرئيس أبو مازن والذي كان يصف تلك الصواريخ بالعبثية لتنطلق أبواق "حماس" مكفّرةً ومخوّنةً ولاغيةً حتى وصلنا اليوم إلى مفهوم الصواريخ الخائنة. وبين العبثية والتخوين، أيضاً، فرق شاسع، فهل نتعلّم من الأخطاء أم أننا مصرّون على التجربة في كل مرة؟!.
تاريخ نشر المقال 27 آب 2011
http://www.al-ayyam.ps/article.aspx?did=173548&date=