مشاهدة النسخة كاملة : كتاب جديد: "مصر التحرير تشريح الثورة"...تأليف: كلود غيبال وتانجي سالون
khilafa
16-08-2011, 02:53 PM
الكتاب: مصر التحرير- تشريح الثورة
عدد الصفحات:385 صفحة
تأليف: كلود غيبال وتانجي سالون
عرض ومناقشة: د. محمد مخلوف
الناشر: سويل، باريس، 2011
الحلقة: (1)
شبان يبحثون عن المستقبل أشعلوا الثورة المصرية
التاريخ: 16 أغسطس 2011
بدأت انتفاضة الشعب المصري يوم 25 يناير ـ 2011 ، في يوم الاحتفال بعيد الشرطة نفسه. لقد أراد المصريون تحويل الاحتفال بشرطتهم إلى احتجاج على سلوكها وعلى النظام القائم برمّته عبر "يوم غضب".
جاءت الانتفاضة المصرية في أعقاب ثورة تونس . ولبّت جماهير غفيرة في القاهرة وغيرها من المدن المصرية الدعوة للتظاهر، التي أطلقتها مجموعات من الشباب على "الفيس بوك".
جابهت قوات الأمن والشرطة مظاهرات الاحتجاج بعنف شديد ومفرط . لكن موجة الغضب الشعبي تعاظمت أكثر فأكثر. وعرفت المواجهات ما أُطلقت عليه تسميات مثل "معركة الجسور" و"معركة الجمال".وجرى استخدام الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه والرصاص المطاطي والرصاص الحي.
شاركت مختلف شرائح الشعب المصري في هذه الانتفاضة الشعبية .وكان العنصر الأساسي في البداية هو أبناء الطبقة الوسطى، ثمّ شملت جميع الشرائح الاجتماعية حتى البعيدة منها تماما عن السياسة.وظهر بوضوح الأخاء في المواطنة بين المسلمين والأقباط في مصر.
قوّات الجيش حافظت منذ البداية على عدم المشاركة في قمع التحرّك الشعبي واعترف المجلس الأعلى للقوات المسلّحة بـ "شرعية المطالب الشعبية ودعمه لها".ثمّ كان الإعلان عن تخلّي الرئيس المصري السابق حسني مبارك عن رئاسة الجمهورية يوم 11 فبراير ونقل السلطة للجيش.
في فجر 25 يناير الماضي، كانت مصر تنام مجهدة من ضغط الحياة اليومية.كان يوم عطلة، فالبلاد تحتفل بعيد الشرطة.والمصريون المعروف عنهم أنهم "ملوك الدعابة" جادت قريحتهم يومها بدعابات تنمّ عن خيبة أملهم الكبيرة إزاء سلوكيات رجال شرطتهم.
قبل ثمانية شهور من ذلك التاريخ، كان اثنان من رجال الشرطة يرتديان زيّا مدنيا قد قاما بضرب شاب في الإسكندرية، وهشّما رأسه، وتركاه ملقى في مدخل بناية وهو ينزف حتى الموت. الشاب اسمه خالد سعيد، وكانت شبكات الانترنت قد بثّت بعد أربعة أيام صور وجهه المغطّى بالدماء .ثمّ قامت الصحافة الوطنية بنشر تلك الصور لتعمّ موجة الغضب أكثر.
وبمناسبة عيد الشرطة أرادت شرائح واسعة من أبناء الشعب المصري ومن أعضاء المجتمع المدني ومن الشباب ومن معارضي النظام أن يعبروا عن غضبهم ورفضهم للنظام الأمني الذي كان قائما في مصر ؛ وأن يطلقوا العنان لحناجرهم بالهتاف احتجاجا وإعلان سخطهم على واقع أن البلاد يديرها منذ حوالي ثلاثين سنة الرجل نفسه الذي بلغ 82 عاما.
ربيع في قلب الشتاء
هكذا جرى إعلان يوم 25 يناير يوما للغضب.وكانت في أذهان الجميع صورة ذلك الشاب التونسي محمد البوعزيزي ،بائع الفواكه والخضار المتجوّل ، الذي كان قد أضرم النار بنفسه يوم 17 ديسمبر الماضي احتجاجا على تلقيه صفعة من شرطيّة شابّة تعمل لحساب بلدية مدينته الصغيرة "بوزيد". كان ما فعله الشاب هو الشرارة التي أطلقت "ثورة الياسمين" في تونس، وأطاحت بزين العابدين بن علي، الذي ظلّ على رأس السلطة مدّة 23 عاما.
كان المصريون يتنشّقون رائحة الحريّة التي انطلقت من تونس،خاصّة بعد هرب الرئيس التونسي في منتصف يناير 2011 إلى المملكة العربية السعودية.هكذا سرت العدوى إلى أرض النيل ، وقام عدد من الشباب المصريين بإضرام النار بأنفسهم.وفي مثل ذلك السياق قامت مجموعة من الشبّان بإطلاق نداء عبر "الفيسبوك" يدعو إلى التظاهر.
في ذلك اليوم ، 25 يناير ، كان رجال من جهاز أمن الدولة يتجولون أمام جامعة القاهرة . وبادروا بسؤال الصحافيين الأجانب :" لماذا أنتم هنا؟ . ألا ترون أن الأمور طبيعية. وكيف وصلتكم المعلومات؟. بواسطة الانترنت؟". لقد أرادوا ،كما يشير مؤلفا الكتاب،إفهام الصحافيين أن جهاز أمن الدولة يعرف كل شاردة وواردة.كان الجو "ثقيلا" جدا.
بدأت الجموع بتلبية الدعوة للتظاهر في القاهرة ،كما في السويس والاسكندرية وأسوان وغيرها من مناطق مصر.وبسرعة كبيرة توافد على ميدان التحرير في قلب العاصمة الآلوف ممن أحاطت بهم شرطة مكافحة الشغب.وفجأة ارتفع هتاف يقول :"مبارك ،السعودية ليست بعيدة".
كان ذلك إشارة إلى هرب الرئيس التونسي إليها ،ودعوة صريحة لمبارك كي يفعل الشيء نفسه.
ضمّت الجموع المحتشدة في ميدان التحرير شرائح اجتماعية متنوعة، إذ كان فيها أساتذة جامعيون وطلبة وربّات بيوت وإسلاميون ملتحون وغيرهم. وينقل المؤلفان عن أحد الشباب قوله:" نحن من حملة المؤهلات العلمية، ولكننا دون عمل. نحن شباب بدون مستقبل .ليس هناك حريّات سياسية ولا حريات اقتصادية .
فماذا نفعل إذن؟.هل نضرم النار بأنفسنا؟". في مساء تلك الليلة وجّه وزير الداخلية حبيب العادلي تهديداته، منذرا بأنه سيتم قمع كل عمل غير مشروع بكل شدّة.وتمّ بالوقت نفسه قطع شبكات الهاتف النقّال الرئيسية، مما منع المحتجّين من التواصل فيما بينهم لمعرفة حجم التظاهر .
وتعطّلت الشبكات الاجتماعية التي كانت تشكل أدوات التعبئة لدى المحتجّين المصريين.مع ذلك ردد متظاهرون:" بن علي رحل. مبارك جاء دورك". بكل الحالات عرف ذلك اليوم سقوط أربع ضحايا ومئات الجرحى.
في الأيام التالية
هل كانت رياح تونس قد بدأت بالهبوب على القاهرة؟. ردد كثُر آنذاك ما مفاده أن " مصر ليست تونس على المستويات الجغرافية والديموغرافية والسياسية".أمّا الحكومة فقد أظهرت موقفا واضحا، هو أنها لن تسمح بعد ذلك بـ "أي عمل تحريضي وأي تجمّع احتجاجي أو مسيرة أو مظاهرة".
مع ذلك قامت مظاهرات في اليوم التالي وحرق محتجّون عجلات عربات في الشوارع . ما يؤكّده مؤلفا هذا الكتاب هو أن الكثير من المشاركين في تلك المظاهرات كانوا من أبناء الطبقة الوسطى ومن حملة الشهادات العليا وبعض العاطلين عن العمل والمثقفين.القليل منهم كانوا من أبناء الطبقات الفقيرة أو من الطبقة السياسية.وكان وزير الداخلية حبيب العادلي قد حمّل عشية اليوم الأول من الاحتجاجات مسؤوليتها للأخوان المسلمين الذين كانوا غائبين بصورة تلفت الانتباه في القاهرة عند بداية المظاهرات ،كما يؤكد مؤلفا الكتاب.
كان حضور رجال الشرطة كثيفا في ميدان التحرير بينما كان "البلطجية " المعروفون بزيّهم وبالهراوات التي يحملونها يتجمّعون في الشوارع القريبة منه.وعلى بعد 100 كيلو متر من القاهرة كان أهل السويس يبكون ضحاياهم، حيث جرت مواجهات عنيفة عند تشييع المتظاهرين الذين قُتلوا عشيّة اليوم الأول .لقد كانت مصر كلّها تعتريها موجة من الغضب الشديد.
ورغم تعطيل شبكات التواصل الاجتماعي نظريا، فإن الشباب عرفوا كيف يستمرّون في استخدامها عبر"مواقع مرايا" و "ممرات انترنيت". وبدأت بين الشباب والشرطة لعبة تشبه لعبة القط والفأر. وينقل المؤلفان عن الشاب عمر الذي يملك عملا ومالا وسيارة قوله:" لست وحدي في العالم فالناس حولي لا يستطيعون الوصول إلى حقوقهم.أنا لم أختر مبارك ولم يختره أحد بل جرى تعيينه".الشاب المعني عمره 30 عاما ،كما يشير المؤلفان، وبالتالي لم يعرف رئيسا سوى مبارك.
وفي يوم الجمعة 28 يناير نشب بين المحتجّين ورجال الشرطة ما سمي بـ "معركة الجسور". في ذلك اليوم جرى منذ الصباح تعطيل شبكات الانترنت وقطع شبكات الاتصال عبر الهواتف النقّالة.مع ذلك نزلت الجموع إلى الشارع رغم وابل القنابل المسيلة للدموع التي أمطرها بها رجال الأمن.
ثمّ دخلت "خراطيم المياه" في المعركة . لقد شارك في تلك المظاهرات مصريون من كل الأعمار وبينهم نساء مسنّات ومراهقون . وفي اللحظة نفسها التي كانت تمتلىء شوارع القاهرة بالمتظاهرين ضد نظام مبارك كانت الاسكندرية والسويس وأسوان ومدن مصرية أخرى تشهد مظاهرات حاشدة جرى قمعها بعنف شديد.كانت مصر كلّها تعيش حالة من الفوران .
كان المتظاهرون يريدون الوصول إلى ميدان التحرير بالقاهرة، بينما أقامت قوات الأمن حواجزها على الجسور القريبة منه.أحرق المتظاهرون مقر الحزب الوطني الحاكم آنذاك، وعاشت القاهرة ساعات من العنف لم تشهد مثلها منذ اضطرابات عام 1956 . لقد أطلقت تلك القوات رصاصا مطاطيا في البداية ثم رصاصا حقيقيا حيّا، وكانت الحصيلة عشرات الضحايا.
تحدّث مبارك في منتصف تلك الليلة عبر التلفزيون، للمرّة الأولى منذ بداية الانتفاضة الشعبية، وأعلن استقالة الحكومة .
لقد بدا بعيدا عن حقيقة ما كان يجري في الواقع.وقابلته جموع المحتجّين بشعار :"ارحل".ثمّ عرف ميدان التحرير في الأيام التالية تدفّق شرائح جديدة من أبناء مصر العاديين البعيدين عن السياسة والنشاطات العامّة .
موظفون وعاطلون عن العمل وغيرهم ممن جمع بينهم انحسار الأمل بالمستقبل نزلوا إلى ساحة ميدان التحرير وغيرها من ساحات المدن المصرية . كانوا قد واكبوا قبل فترة وجيزة أحداث تونس على شاشات التلفزيون.لم يثنهم عن النزول إلى الشارع ما كانوا قد شاهدوه من عنف الليلة الماضية. بل على العكس حفّزهم ذلك على المشاركة في الانتفاضة الشعبية.
وظهرت آنذاك شعارات جديدة لها علاقة بالخبز والتربية والتعليم والصحّة والمواطنة والكرامة للجميع. وفي الوقت الذي قتلت قوات الأمن والشرطة 17 متظاهرا في بني سويف وحدها يوم 29 يناير، كانت قوات الجيش تراقب ما يجري دون أن تتدخّل. شرعت الجموع الثائرة بتقبيل الجنود وتقديم الحلوى لهم والتقاط الصور معهم. لقد بدا المشهد غريبا بالمقارنة مع شراسة قوى الأمن.
كانت القنوات التلفزيونية الوطنية المصرية التابعة للدولة تتابع طيلة الأيام الأولى للانتفاضة برامجها ومسلسلاتها وتحقيقات وثائقية عن أصناف الحيوانات والنباتات .
وفي يوم 29 يناير قطعت بثّها فجأة كي يعلن مبارك تعيين نائبا للرئيس للمرّة الأولى منذ عام 1981 هو اللواء عمر سليمان رئيس الاستخبارات والرجل الذي كان يحظى بثقته الكاملة، بعد أن أنقذ حياته عند محاولة اغتياله في اديس ابابا عام 1995 .كماّ عيّن احمد شفيق،العسكري أيضا، رئيسا للحكومة . بدا الرجلان آنذاك على رأس قائمة من يمكن أن يخلفوا الرئيس.
.../...
يتبع
khilafa
16-08-2011, 02:54 PM
مطلب لم يتغيّر
وفي يوم الثلاثاء الأول من فبراير شهد ميدان التحرير مظاهرة مليونية . ومما ينقله المؤلفان قول أحد المشاركين فيها ما مفاده:" إذا كان مبارك يحب مصر ولو قليلا، فإن عليه أن يفهم ضرورة أن يرحل.نحن هنا مليون اليوم، وإذا لم يرحل فسوف نكون اثنين، ثلاثة، ثمانين مليونا في الشوارع يوم الجمعة كي ندلّه على طريق الجحيم".
شهدت الأيام التالية مواجهات حقيقية بين المعتصمين في ميدان التحرير بالقاهرة وبين رجال النظام السابق و"بلطجيته" من بينها ما يُعرف بـ "موقعة الجمل".
ولم تكن المواجهات أقل عنفا في العديد من المدن المصرية الأخرى. ولم يلطّف من الأجواء اعتذار أحمد شفيق عن العنف ولا تأكيد عمر سليمان ،نائب الرئيس، أن جمال مبارك لن يترشّح للانتخابات الرئاسية القادمة.
في يوم الجمعة 11 فبراير، وبعد ثمانية عشر يوما من سقوط أوّل شهداء الثورة الذين كانت صورهم تزيّن بعض اللافتات المرفوعة في ميدان التحرير الذي امتلأ تماما بالمصلّين المسلمين الذين أحاط بهم المسيحيون بكل احترام .وينقل المؤلفان عن أحد من يوصفاه بصاحب لحية قوله :" لم يعد يوجد هنا مسيحيون أو مسلمون. لم يعد هناك فرق .
نحن جميعنا مصريون.وكلنا ضحايا النظام .وجميعنا نريد مستقبلا أفضل لأولادنا" .
كان مطلب الجميع واضحا ومحددا وهو "رحيل الرئيس".وليس الاكتفاء بالوعود التي ترددت في اليومين السابقين بـ "تلبية المطالب الشعبية " التي اعتبرها المجلس الأعلى للقوات المسلحة "مشروعة وأنه يدعمها".
وكانت قد ترددت في اليومين السابقين أيضا تصريحات داخلية لرئيس الوزراء أحمد شفيق وضبّاط كبار وخارجية أدلى بها الرئيس الأميركي باراك اوباما وغيره تصبّ جميعها في القول أن الرئيس مبارك سيعلن استقالته. وزير الإعلام السابق انس الفقي كذّب ذلك بشدّة آنذاك.
ثمّ كان خطاب مبارك عشيّة يوم 10 فبراير الذي أعلن فيه أنه تخلّى عن سلطاته لنائبه عمر سليمان وأنه سيبقى في الحكم لـ "تأمين الانتقال السلمي للسلطة حتى شهر سبتمبر" ،أي حتى نهاية ولايته.لكن الجموع المحتشدة في شوارع مصر وساحاتها وميادينها أجابته بصوت واحد :"ارررررحل".
وعند الساعة الثامنة عشرة من يوم 11 فبراير أعلن عمر سليمان عبر شاشة التلفزيون الوطني المصري أن "الرئيس محمد حسني مبارك قرر التخلّي عن منصب رئيس الجمهورية وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلّحة بإدارة شؤون البلاد".خطاب استمرّ ثلاثين ثانية تحوّلت القاهرة بعدها إلى "محيط من الأعلام" مع هتاف واحد "تحيا مصر" ،كما يصف المؤلفان المشهد الذي عاشاه آنذاك.
http://www.albayan.ae/one-world/new-books/2011-08-16-1.1488249
khilafa
18-08-2011, 03:08 PM
الحلقة: (2)
هكذا تصدر الشباب قوى الثورة المصرية
توّجهت الأنظار صوب مصر، بعد قيام ثورة تونس . ذلك أن الواقع الاجتماعي المصري كان ينذر بالخطر، مع تعاظم حالة غضب كامن كبير، رغم ابتعاد الشباب عامّة عن السياسة وانشغالهم بحلّ مصاعب الحياة المتعلّقة بتكوين أسرة والحصول على فرصة عمل.
الشرائح ألأكثر فقرا في المجتمع هي التي عانت أكثر من غيرها من فساد النظام . وذلك في ظل استمرار العجز العام والتضخّم والبطالة.وزاد الطين بلّة الارتفاع الكبير لأسعار المواد الأولية الزراعية في السوق العالمي.
كانت الحياة السياسية مجرّد تمثيلية شكلية.لكن الأوضاع ازدادت توترا في مصر اعتبارا من عام 2008 مع الاضطرابات التي انفجرت في المحلّة الكبرى وخلّفت عشرات القتلى والجرحى.
لعب الشباب دورا مركزيا في التحرّك الشعبي المصري عبرشبكات التواصل الاجتماعي . وبعد أن أهملهم الغرب طويلا استيقظ اهتمامه بهم منذ 2008 .وشارك بعض رموزهم في نشاطات دولية، والتقوا بمسؤولين غربيين ،أميركيين وغيرهم،حيث أكّدوا أن مشروعهم هو الحريّة دون تدخل خارجي.
في منتصف شهر يناير كانت تونس في أوج ثورتها ،ولكن الأنظار كانت تتلفت ، دون قلق كبير، صوب القاهرة . الجميع ردد آنذاك أن مصر ليست تونس ومبارك ليس بن علي.
بالتأكيد كان هناك حوالي 40 % من المصريين يعيشون تحت خط الفقر ، وكان 50 % من الشباب يعانون من البطالة ، خاصة حملة الشهادات منهم. بالمقابل كانت هناك شريحة من رجال الأعمال تستفيد وحدها من النظام الفاسد، بينما عامّة الشعب تعيش معاناة حقيقية. وبالإجمال كانت هناك نسبة 65 % من المصريين الذين تقل أعمارهم عن ثلاثين سنة غاضبين ودون أي أفق مفتوح .
أمام مثل ذلك الواقع كانت الإجابات عامة تميل إلى القبول بما هو قائم، بعيدا عن روح الاحتجاج. يتم التأكيد في هذا السياق على أنه قبل ثلاثين سنة كان عدد سكان مصر 44 مليون نسمة، ووصل عام 2010 إلى 84 مليونا مع توقعات ديموغرافية تقول إن هذا العدد سيصل إلى 150 مليون نسمة عام 2050 . ويبلغ عدد سكان القاهرة وحدها اليوم بين 15 و18 مليون نسمة وربما أكثر.من هنا يأتي التخوّف من الخطر الديموغرافي، كما ردد الرئيس المصري السابق حسني مبارك. لكن دون تبنّي أية إستراتيجية حقيقية في هذا الميدان.
يقدّم مؤلفا هذا الكتاب العديد من الأمثلة لشباب مصريين تتراوح أعمارهم بين العشرين والثلاثين سنة .هؤلاء جميعا يشتركون في أنهم لم يكونوا يعيرون السياسة انتباها كبيرا. وكانوا يكتفون بالقول أن رجال السياسة في السلطة أو المعارضة يعرفون عنها ما يجهلونه هم أنفسهم.
فجر التغيير
لم تكن السياسة تثير اهتمام الشباب كثيرا، إذ كانت لديهم مشاغلهم الأخرى المتعلقة بأمور حياتهم وليس أقلّها الزواج. وفي مصر يبقى الشاب في منزل أهله ما بقي عازبا. ونسبة العازبين بين الشباب مرتفعة جدا بسبب عدم توافر المال المطلوب لتأمين شروط الزواج ،خاصّة الشقّة والعمل فالعثور على عمل يتطلّب بالضرورة توفر "واسطة".
في خريف عام 2010 اقترع البرلمان المصري لصالح زيادة في الرواتب .لكن الحكومة اشترطت أن لاتزيد عن 400 جنيه ؛ أي ما ما يزيد قليلا عن مستوى عتبة الفقر.وبالتوازي مع الزيادة ارتفعت كثيرا أسعار العديد من السلع الاستهلاكية.ذلك كله لم يمنع الصحف الوطنية المصرية من الكتابة بالخط العريض أن اقتصاد البلاد على ما يرام. ورغم الأرقام المتفائلة عن النمو الاقتصادي المصري لم ير المواطنون نتائج ذلك النمو.
ويشير المؤلفان إلى أن الحزب الوطني الحاكم في ظل التظام السابق كان قد جعل أولويته المطلقة منذ سنوات إعادة توزيع ثمرات النمو الاقتصادي ،كما قال وأقسم العديد من قادته. لكن البنك الدولي أكّد ،من جهته، أنه سينبغي الانتظار طويلا ،وربما لجيل كامل، كي يبدأ المصريون الفقراء بالاستفادة من مناسب النمو الاقتصادي لبلادهم.ذلك أنّه "لن تتم تغذية الناس بواسطة المؤشرات الاقتصادية". العجز العام والبطالة والتضخّم حقائق ظلّت سائدة.
ولم تتوقف الأسعار عن الارتفاع في مصر منذ عام 2007 . وفي عام 2008 نقص الخبز ،المادة الرئيسية للفقراء، بسبب الارتفاع الكبير الذي عرفه سعر المواد الأولية الزراعية في الأسواق العالمية ، وأيضا لتفضيل المضاربين البيع بأسعار عالية في السوق السوداء.لقد أثار نقص الخبز موجة من الهلع، وسقط عدد من الضحايا في التدافع أمام الأفران.وتذكّر المصريون ذلك العنف الذي عرفته البلاد أثناء "اضطرابات الخبز " عام 1997 .
وبرزت في مناطق قريبة من القاهرة أو في بعض بلدات وادي النيل مشكلة شحّ المياه. وقد دلّت إحصائيات تعود إلى عام 2006 أن نسبة 65 % فقط من البيوت المصرية مزوّدة بالصنابير . أمّا مياه الآبار والأقنية الجارية فإنها تعاني من التلوث عامّة. وتدلّ دراسة قام بها باحث مصري على أن " أكثر من ربع حالات وفيات الأطفال تعود مباشرة للمياه الملوّثة".
وفي نهاية شهر نوفمبر ـ تشرين الثاني من عام 2010 دُعي 41 مليون مصري للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات التشريعية.لم يكن لدى أحد أدنى شك في طبيعة النتائج التي ستؤدي أليها.وعشيّة الاقتراع لم يكلّف قادة الحزب الوطني أنفسهم عناء المحافظة على المظهر التنافسي، وفاز حزبهم من الدورة الأولى بعدد كبير من المقاعد ،لتصل نسبة تمثيلهم بالنهاية في المجلس الجديد إلى 93 % من مجموع المقاعد.
كان تسعة مصريين من أصل كل عشرة قد قاطعوا الانتخابات ولم يدل أحد منهم بصوته.وفضّل الشباب عامّة البقاء في منازلهم . لكنهم خرجوا جميعهم تقريبا بعد شهرين من الزمن ،اعتبارا من 25 يناير 2011 ، للمشاركة هذه المرّة في الثورة التي كان الشباب شرارتها وعمادها.
منعطف عام 2008
في تاريخ 25 يناير 2011 اكتشف العالم كلّه أولئك الشباب المصريين الذين برعوا في ولوج العالم الرقمي عبر "الفيسبوك" و"تويتر" ،هذا دون نسيان الدور الذي لعبته الهواتف النقاّلة. وعبر الشبكات الاجتماعية كانوا قد بدأوا بالتواصل فيما بينهم منذ عدّة سنوات والتعبير عن تطلّعهم إلى الحريّة وسأمهم من ممارسات النظام القائم.كان ذلك يتم بالتوازي مع ما كانت ترسمه وسائل الإعلام الرسمية لمصر من صورة تبجيلية نمطية وحيدة الرؤية .
وبقدم مؤلفا الكتاب نوعا من الكشف بأسماء "الروّاد" من أولئك الشباب، الذين خاضوا غمار تجربة الدخول إلى عصر تكنولوجيات المعلوماتية الجديدة ويقدمان توصيفا للكيفية التي رفعوا بها علم الثورة الرقمية، التي تحوّلت في الواقع الاجتماعي إلى ثورة حقيقية.
ومن الملفت للانتباه أن السلطات المصرية لم تنجح في التغلغل إلى شبكة مستخدمي الإنترنت منذ البداية في مطلع سنوات 2000 . لقد انتشرت المواقع الالكترونية ، وأخذت بتجميع الوثائق والصور والمعلومات عن سلوكيات السلطة القائمة ورجال أمنها وشرطتها.
ولم يتم الاكتفاء بالجمع والتوثيق ،بل تطوّر ذلك إلى الدعوة والمشاركة في المظاهرات المختلفة المطالبة بالإصلاح في مصر. تتم الإشارة في هذا السياق إلى النشاط الذي قام به الشباب قبل الانتخابات التشريعية لعام 2005 .
وكان عام 2008 سنة مفصلية في نشاط "جيل الإنترنت" المصري . ذلك أنه كان عام توسّع حركة الاحتجاج الاجتماعي ،كما يؤكّد مؤلفا هذا الكتاب.لقد ارتفعت آنذاك الأسعار كثيرا وزاد التضخّم بالتوازي.إن غياب الحياة النقابية المنظمة لم يسمح بتحوّل سلسلة الإضرابات التي عرفتها المصانع إلى حالة شلل عام.
لكن تعاظم بالمقابل قلق الأجهزة الأمنية وأجهزة الشرطة من "سلطة" الإنترنت. وتعاظمت كذلك عمليات الرقابة والتفتيش على مقاهي "الشبكة العنكبوتية" التي تكاثرت في القاهرة وغيرها من المدن المصرية الكبيرة نسبيا.
وفي مارس ـ من عام 2008 كان بعض المصريين يقفون في الصفوف أمام المخابز ساعات طويلة وأحيانا حتى الفجر للحصول على "الخبز المدعّم" الذي لم يكن يشتريه سابقا سوى الشرائح الأكثر فقرا والذي لم يكن الدقيق المصنوع منه يصلح لأكثر من "تغذية الدواجن التي تتم تربيتها على سطوح القاهرة" ،كما يعبّر المؤلفان.
مع ذلك كانت الطوابير تتزايد أمام المخابز "المدعّمة" منذ أن ارتفعت أسعار الدقيق الدولية ثلاثة أضعاف في صيف عام 2007 .كان القلق عاما في العالم أمام ارتفاع سعر المواد الأولية ،لكن صدى موجة الغلاء كان أكبر اجتماعيا في البلدان النامية ،وخاصّة ذات التضخّم العالي، مثل مصر، حيث كانت هناك عاصفة حقيقية تلوح في الأفق.
ونصحت السفارات الغربية مواطني بلادها الموجودين في مصر بعدم الخروج والحرص على البقاء في بيوتهم وحذرت من خطر وقوع اضطرابات.
وفي تاريخ 6 ابريل ـ نيسان 2008 استيقظت القاهرة على الألوف من قوات الأمن المركزي المتخصصة بمكافحة الشغب وهي تملأ شوارعها وساحاتها الرئيسية .لقد انفجر يومها بركان الغضب في المحلّة الكبرى، وقامت الحشود المحتجّة بتمزيق صورة كبيرة للرئيس حسني مبارك .لم تتأخر قناة الجزيرة التلفزيونية في بثّ تلك الصورة مما أثار غضب السلطات المصرية التي قررت فرض رقابة شديدة على صور ذلك اليوم. لكن تلك الصور عرفت طريقها إلى العالم بفضل "خبراء" الإنترنت.
.../...
يتبع
khilafa
18-08-2011, 03:11 PM
حركة 6 إبريل
وعلى خلفية أحداث تلك الاحتجاجات التي أدّت إلى وقوع عدد من القتلى وعشرات الجرحى وفي سياقها وجدت "حركة 6 ابريل" جذورها. ولم تتوقف عن النشاط بعد ذلك، برغم الاعتقال المتكرر لعدد من رموزها . لقد جددت نداءاتها كل عام للانتفاض ضد النظام القائم . ووجدت تلك النداءات تجسيدها الأكبر فى شهر يناير من العام الجاري ،2011 .
واعتبارا من عام 2008 أولت الحكومات الغربية وسفاراتها في القاهرة اهتماما حقيقيا بنشطاء الإنترنت المصريين الشباب، الذين كثّر الحديث عنهم دون معرفة من هم بالفعل على أرض الواقع. وتؤكّد التحليلات المقدّمة أن الغربيين لم يكونوا يرون في البداية بهم سوى مجرّد شباب شجعان مسالمين، لكنهم أدركوا شيئا فشيئا أهميتهم وأهمية تحرّكهم. وهكذا تمّت دعوة بعضهم إلى ندوات في أوروبا والولايات المتحدة.
لكن أولئك الشباب حافظوا على حذرهم حيال مختلف أشكال الدعم الخارجي.فقد كانوا يدركون أن نظام مبارك يستغل دائما تلك الحجّة للتقليل من مصداقيتهم أمام الرأي العام المصري ،كما فعل بالنسبة لمنظمات حقوق الإنسان التي تلقت دعما ماليا من أوروبا أو الولايات المتحدة.
أولئك الشباب فهموا بالوقت نفسه أنه سيكون من الصعب عليهم تحقيق غاياتهم دون أن يتوصلوا إلى تغيير رأي الغربيين ،إذا لم يكن تغيير سياساتهم، حيال نظام يرون فيه شريكا تجاريا هاما وقطبا للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ،وخاصة عبر علاقاته مع إسرائيل.
هكذا في شهر ديسمبر ـ كانون الثاني من عام 2008 توجّه أحد مؤسسي حركة 6 ابريل ،احمد صلاح،إلى نيويورك لحضور تجمّع لحركات الشباب . هناك استغلّ الفرصة كي يلتقى بمسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية ،وساعده على ذلك الباحث الاجتماعي المصري سعد الدين إبراهيم الذي لجأ للولايات المتحدة بعد أن أمضى عدّة سنوات في السجون المصرية. لقد عرض الشاب المصري لمحدثيه من المسؤولين الأميركيين أن الهدف هو "التحضير للإطاحة بنظام مبارك وإقامة حكم ديمقراطي في مصر عام 2011" ، كما يحدد المؤلفان القول.
وهما ينقلان عن الشاب المصري تعليقه على ذلك اللقاء بالقول أنه بذل جهودا كبيرة كي يُفهم الأميركيين ما كان يجري في مصر، ويطلب منهم التوقف عن دعم مبارك وتجميد حساباته السريّة في الخارج وعدم التغاضي عن انتهاك حقوق الإنسان في مصر والتوقف عن بيع أدوات القمع مثل قنابل الغاز المسيل للدموع المستخدمة ضد المعارضين.وكذلك طلب ترك الشباب المصري والمصريين عامّة ينظّمون صفوفهم لقلب النظام دون مساعدة أحد أيضا ابتعاداعن احتمال تكرار التجربة العراقية.
العجز الأميركي عن الرؤية
لم يكن جواب المسؤولين الأميركيين "دبلوماسيا" دائما على ما سمعوه ،كما ينقل المؤلفان ايضا ،بما يشير إلى أن بعضهم رفضه. وتتم الإشارة هنا أن السفيرة الأميركية في القاهرة آنذاك، مرغريت سكوبي ، لم تتردد بوصف مشروع الإطاحة بمبارك أنه "غير واقعي". ذلك لم يمنع استيقاظ اهتمام الإدارة الأميركية على ما كان يجرى في مصر وتعاقبت دعوات المعارضين للمشاركة في نقاشات وندوات دولية .لكن الأغلبية رفضوا الدعوات بدافع عدم الرغبة في ذلك بوجود إدارة بوش السابقة .
تغيّرت الأمور كثيرا مع وصول باراك اوباما إلى رئاسة الولايات المتحدة الأميركية.
http://www.albayan.ae/one-world/new-books/2011-08-17-1.1489051
khilafa
18-08-2011, 03:15 PM
الحلقة: (3)
وجه خالد سعيد المهشم أشعل شرارة الغضب
شكّل فوز باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية الأميركية درساً مهماً بالنسبة للشباب المصريين. بمعنى أنهم هم أيضاً يستطيعون الانتصار في معركتهم ضد نظامهم. وكان خطاب أوباما في جامعة القاهرة بمطلع يونيو ـ حزيران 2009 حافزاً آخر للشباب.
نشط الشباب المصريون كثيراً منذ أواخر عام 2008، على صعيد جمع المعلومات وتحضير الملفات الخاصّة بالاعتقال والقمع وعرضها على الرأي العالم العالمي، عبر وسائل الإعلام، وعلى المسؤولين السياسيين عند اللقاء بهم. وقد طالبوا بمساعدات تقنية مثل أجهزة الكمبيوتر، لكنهم رفضوا بصورة قاطعة أية مساعدات مالية من الخارج.
وكانت عملية تهشيم رأس الشاب خالد سعيد وضربه حتى الموت شرارة أطلقت موجة كبيرة من الاحتجاج في مصر. كذلك كانت الانتخابات التشريعية في نهاية عام 2010 وما عرفته من تزوير مناسبة أخرى لتصعيد الاحتجاج الشعبي.
لم يكن الرئيس السابق مبارك يتصوّر أن يعرف مصير ابن علي نفسه. لكنه ارتكب أخطاء قاتلة لم يكن أقلّها محاولة توريث ابنه وجمع الأموال الطائلة.
عاش شباب مصر انتصار باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية الأميركية خلال خريف عام 2008 كزلزال هزّهم من الأعماق. لقد وصلتهم رسالة الأمل القائلة «.. ونحن نستطيع ذلك»، ذلك الشعار الذي رفعه أوباما أثناء حملته الانتخابية الرئاسية.
وبعد ستة أشهر على انتخابه لرئاسة الولايات المتحدة قام أوباما بزيارة مصر، حيث ألقى في الرابع من شهر يونيو 2009 خطابه الشهير في جامعة القاهرة. لقد وجّه حديثه للمرّة الأولى إلى العالم الإسلامي الذي كان يعيش قطيعة حقيقية مع أميركا منذ تفجيرات 11 سبتمبر ثم اندلاع الحرب في العراق. كان الرئيس مبارك غائباً بينما حضرت شخصيات كبيرة من الطبقة السياسية المصرية وممثلي المجتمع المدني والمناضلين الديمقرطيين وجمع غفير من الشباب.
لقد وجّه أوباما حديثه للشباب قائلاً: «ليست هناك أمّة في العالم تستطيع أن تفرض على أخرى نمط الحكم . لكن هذا لا يقلل من التزامي حيال الحكومات التي تعكس إرادة شعبها (...). ولا تزعم أميركا أنها تعرف ما هو جيّد للجميع. لكنني اعتقد، دون أي تنازل ممكن، أن البشر يتمنّون أن يعبّروا عن رأيهم بالطريقة التي يتم حكمهم بها، ويثقون بدولة القانون وبعدالة يتساوى أمامها الجميع وبوجود حكومة شفافة لا تسرق شعبها وبحريّة اختيار أسلوب عيشهم. هذه ليست أفكار أميركية حصراً، ولكنها حقوق الإنسان، ولهذا السبب سوف ندعمها في كل مكان».
نشط الشباب كثيراً وقام عدد من المناضلين بينهم بجمع ملفات كاملة عن المعتقلين من المدافعين عن الحريّة في مصر. لقد وزعوا تلك الملفات أثناء زياراتهم للخارج على كل المسؤولين الذين التقوا بهم أو صادفوهم من أعضاء الكونغرس الأميركي ومستشاري السيدة هيلاري كلنتون وغيرهم. كان الهدف واضحاً ومحدداً في كل الحالات وهو أن يطالب أولئك المسؤولون بالإفراج عن المعتقلين في كل مرّة يقابلون فيها أصحاب القرار المصريين.
وردد الشباب أيضا مع الجميع حديثا واضحا أكّدوا فيه على شجب تجاوزات النظام والتعذيب والفساد، هذا إلى جانب التأكيد على مطلب التغيير. وإذا كان من المعروف أن الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي قد موّلت، عن طريق منظمات غير حكومية، برامج لنشر الديمقرطية في البلدان النامية مثل مصر، فإن الشباب المصريين رفضوا أيّة مساعدة مالية مباشرة قد تستخدمها السلطات ضدهم عبر تقديمهم كعملاء للخارج.
لقد أعلنوا بالمقابل أن مساعدتهم تكمن في أشياء ملموسة مثل شراء حواسيب محمولة. تلك الحواسيب جرى استخدامها خاصّة في نهاية عام 2010 لجمع البراهين على عمليات تزوير الانتخابات التشريعية . ويشير المؤلفان أن بعض الشباب المصريين من مستخدمي الشبكة العنكبوتية تعلّموا عند رحلاتهم إلى الخارج من مختصين بالمسائل الرقمية كيف يفلتون من الرقابة البوليسية على الإنترنت وكيف يمكنهم حماية المعلومات التي بين أيديهم.
2010 عام حاسم
في 6 يونيو 2010 دخل رجلا أمن في ساعة متأخرة من الليل إلى مقهى «إنترنت» في الاسكندرية، وانهالا بالضرب العنيف على شاب كان فيه ثم اقتاداه إلى مدخل بناية قريبة، وهشّما رأسه على أحد الجدران كي يسقط جثّة هامدة لا حراك فيها. الشاب اسمه خالد سعيد.
عندما جاءت أسرته في اليوم التالي لأخذ جثمانه من المشرحة لم يُسمح لها بالدخول. وأوضح لها المسؤولون أن خالد توفي مختنقاً بسبب تناوله كميّة من المخدرات أراد أن يخفيها عن رجال الشرطة. لكن الأسرة كانت تعرف أن ابنها لديه معلومات عن رجال شرطة كانوا يعملون هم أنفسهم بتجارة المخدرات.
وبعد أيام عُرضت صور وجه خالد التي التقطها أحد نشطاء الإنترنت من الشباب . لقد بدا فكّه مشوّهاً وأسنانه مكسّرة . وانتشرت تلك الصور سريعاً عبر فيس بوك. وكثرت الأقاويل مما دفع وزير الداخلية المصري آنذاك حبيب العادلي، تحت الضغط، إلى إصدار الأمر بإخراج الجثّة وإجراء تشريح جديد أكّد نتائج الفحص الطبي الأول. ازداد سخط المعارضة والمجتمع المدني وارتفعت الأصوات مطالبة برفع حالة الطوارئ المفروضة على البلاد منذ 30 سنة.
ولم تتأخر الصحف المستقلّة عن نشر صورة وجه خالد سعيد المشوّه وإلى جانبها صورة هويته التي يبدو فيها مبتسماً.
لقد هيّج مصيره للمرّة الأولى مشاعر المصريين كلّهم، وفيما يتجاوز كثيراً دوائر المحتجّين. لقد أصبح موضوع حديث مصر كلّها عبر «فيس بوك». وقام عدد كبير من الشباب مستخدمي الإنترنت بوضع صورهم مكان صورته. لقد غدت صفحة «كلنا خالد سعيد» عريضة احتجاج وطني يعرض فيها مستخدموا الشبكة صور التعذيب وحالات القمع. وفي عام 2010 وصل عدد المسجّلين في الصفحة إلى أكثر من ثلاثمائة ألف.
وفي شهر نوفمبر من العام 2010 نفسه، وقبل أيام قليلة من الانتخابات البرلمانية حاولت مجموعة من الشباب ومناضلي حقوق الإنسان والمعارضين وممثلي المجتمع المدني تنسيق الجهود لجمع شهادات المواطنين عن مختلف أشكال التزوير التي يشهدها يوم الاقتراع. ذلك اليوم الذي قدّمته الصحافة الرسمية المصرية على أنّه «عيد الديمقراطية الكبير».
رفضت السلطات المصرية حضور مراقبين دوليين لضمان حسن سير عملية الاقتراع، وصرّح رئيس الوزراء آنذاك احمد نظيف بقوله: «سوف نثبت للعالم أننا قادرون على إجراء العملية الانتخابية بكل نزاهة». وذكّر وزير الداخلية حبيب العادلي أن المظاهرات لا تشكل إحدى أدوات الحملة الانتخابية وهدد بأن الشرطة سوف تتدخّل بحزم ضد كل من يحاول المساس بسير الانتخابات.
أمام رفض السلطات أية رقابة على العملية الانتخابية قرر الناشطون السياسيون تشكيل شبكتهم الخاصّة للمراقبة. وطلبوا من المصريين مساعدتهم عبر إطلاعهم بواسطة «تويتر» و«الرسائل الالكترونية» على ما يرونه. وفي الدورة الأولى للانتخابات يوم 28 نوفمبر كان ناشطو الإنترنت قد بثّوا قبل إغلاق صناديق الاقتراع تسجيلات مصوّرة على «يوتيوب» لعمليات تزوير جرى تصويرها بواسطة الهواتف المحمولة.
تتالت التعليقات حول التزوير في الصحافة الدولية، التي جرى إخطارها بواسطة الشبكة الاجتماعية، مما دفع الإدارة الأميركية للتحرّك والإعراب عن «احتجاجها». لقد كسب النشطاء المعارضون في ذلك اليوم «معركة صغيرة»، ولكن ذات عواقب مهمّة، كما يعبّر مؤلّفا الكتاب.
كان حجم التزوير كبيراً في الدورة الانتخابية الأولى، بحيث إن القوى السياسية المعارضة قررت عدم المشاركة في الدورة الثانية، التي جرت بين متنافسين من أعضاء الحزب الوطني الحاكم. بالمقابل لم تعترف اللجنة الانتخابية الرسمية بوقوع أكثر من «أحداث طفيفة لم تؤثّر على مجمل العملية الانتخابية». وألغت النتائج في بعض الصناديق فقط. لكن الفوز الساحق لمرشحي السلطة قلل من مصداقية التوجّه الإصلاحي الذي كان قد قال به جمال مبارك، نجل الرئيس وخليفته المحتمل آنذاك.
.../...
يتبع
khilafa
18-08-2011, 03:18 PM
السقوط المدوي
تحت عنوان «سقوط بيت مبارك» وترجمة لشعار «هو يمشي، مش هنمشي» الذي رفعته الجماهير المحتشدة في ميدان التحرير، يشرح مؤلفا هذا الكتاب السياق الذي «رحل» فيه الرئيس المصري السابق حسني مبارك عن السلطة.
في يوم 10 فبراير كان مبارك لا يزال يعتقد بإمكانية البقاء على رأس الدولة. لكن لم يكن هناك بالمقابل ما يمكن أن يهزّ تصميم الألوف في ميدان التحرير الذين أثارهم عجز الرئيس عن رؤية إرادة شعبه.
لم يكن المصريون يريدون إذلال مبارك، كما يؤّكد المؤلفان، بل كان كثير منهم قد تأثروا بما كان قد قاله قبل أيام عن نضاله من أجل مصر في زمن السلم والحرب وإعلانه عن رغبته في الموت بأرض مصر. لكن المصريين أرادوا أن «يرحل» بعد ثلاثين سنة «طويلة» من البقاء على رأس السلطة.
البقاء على رأس السلطة مدّة ثلاثين سنة في أكبر دولة عربية ليس بمحض الصدفة، كما نقرأ. وعندما علم حسني مبارك من مستشاريه في مطلع فبراير أن الأوضاع أكثر خطورة مما يبدو، اعتقد أنه يعرف الأوتار التي ينبغي العزف عليها: وتر الكلام العاطفي ووتر التخويف من المستقبل ووتر الاحترام المفروض حيال الكبار والإعجاب بقدماء المحاربين.
ويشرح المؤلفان أن مبارك يعرف شعبه جيّداً بالتأكيد. لكنه لا يقدّره حقّ قدره. ويقلل خاصّة من قيمة الشباب الذين لم يتصوّر مدى قوّة غضبهم. لقد رأى ما جرى في تونس لزين العابدين بن علي، لكنه لم يتصوّر أبداً أن يلقى مصيراً مماثلاً. مع ذلك عاشت مصر خلال 18 يوماً مشاهد تفوق التصوّر، مزّق أو أحرق فيها المتظاهرون في عموم المدن المصرية صور مبارك الكبيرة الموزعة في الساحات أو على جوانب الطرق.
المصريون الذين كانوا يطلقون حتى الأمس القريب على رئيسهم السابق توصيف «البقرة الضاحكة» اشارة إلى الابتسامة المرتسمة على وجهه باستمرار، لم يترددوا بوصفه في مظاهراتهم الأخيرة بـ«الطاغية». وأطلقوا توصيفات قاسية أخرى طالت زوجته سوزان وولديه علاء، رجل الأعمال، وجمال، الذي كان حتى قيام ثورة الشباب الخلف المحتمل لوالده. لقد سقط هؤلاء جميعاً كما حصل في «التراجيديات» القديمة. لقد استطاع الشعب المصري الغاضب أن يطيح بـ«فرعونه»، حسب التعبير المستخدم، للمرّة الأولى خلال 7000 آلاف سنة من التاريخ.
ومن أخطاء مبارك الكبرى التي تذكرها التحليلات المقدّمة عمله على توريث ابنه جمال السلطة، كما كانت تشير معطيات كثيرة.
تلك الإرادة التي جسدتها موجة «كفاية» في جميع التظاهرات. لقد ارتفعت موجة الغضب ضد «التوريث» الذي كانت تعمل له خاصّة سوزان مبارك تحت نظر الرئيس وسمعه. أمّا المعني جمال مبارك فكان يكتفي في كلّ مرّة يتم فيها سؤاله عن طموحه الرئاسي بنفي ذلك عبر حركة بظاهر يده. بالتوازي أولت البلدان الغربية اهتمامها بجمال مبارك، واستقبله مسؤولون كبار في واشنطن وباريس، فالرئيس طاعن في السن ومريض ولا بدّ من تحضير المستقبل.
لا يهم كثيراً إذا كان «الريّس» قد «أغلق» النظام السياسي وقمع المعارضة وسجن خصومه. لكن مصر كلّها كانت غاضبة بشدّة من ذلك التوريث القسري للسلطة، بعيداً عن اهتمام المجموعة الدولية التي تغضّ نظرها.
وكان الخبر الذي نشرته صحيفة «غارديان» البريطانية في خضم موجة الاحتجاج الشعبي عن امتلاك مبارك وأسرته مبلغ 70 ملياراً من الدولارات ذا وقع هائل على عامّة الشعب الذي يعاني قسم كبير منه من حالة فقر حقيقي.
وينقل المؤلفان أنه عند سقوط مبارك يوم 11 فبراير نشرت صحيفة «الأخبار» المصرية أنباء عن مشاجرة «ملحميّة» بين ولدي حسني مبارك وراء أسوار المنزل الرئاسي، صرخ أثناءها علاء في وجه اخيه جمال ما مفاده: «لقد أفسدت البلاد عندما فتحت الباب لأصحابك من رجال الأعمال، وهذه هي النتيجة.
وفي الوقت الذي كان ينبغي فيه تكريم أبينا في نهاية حياته قمتَ بتلطيخ صورته». بقية ما جرى روته صحيفة «المصري اليوم» عندما كتبت أن سوزان مبارك أُصيبت بالإغماء، عندما سمعت الملاسنة بين ولديها. أمّا الرئيس مبارك فقد التفت صوب جمال وقال له: «أنت ووالدتك مسؤولان عن كل هذا، لقد شوهتما صورتي في التاريخ». ليس المهم واقع حدوث تلك المشاجرة، لكنها غنيّة بالدلالات، كما يشرح المؤلفان.
http://www.albayan.ae/one-world/new-books/2011-08-18-1.1489569
khilafa
19-08-2011, 11:57 PM
الحلقة: (الأخيرة)
أنصار النظام القديم يواصلون التربص مع كل خطوة
رحيل مبارك بداية مرحلة بناء صعبة في مصر
لعب الجيش المصري دورا مركزيا في حسم الأمر وانتصار الثورة المصرية وإرغام الرئيس المصري السابق حسني مبارك على الرحيل . وقد حرص المجلس الأعلى للقوات المسلّحة على التأكيد مرارا وتكرارا أنه سوف يسلّم السلطة للمدنيين مباشرة بعد تنظيم الانتخابات.
ساهمت القوى السياسية المصرية في الانتفاضة الشعبية. وكان الاخوان المسلمون ،أحد أكثر الجماعات المصرية تنظيما، قد انخرطوا في صفوفها بقوّة منذ يومها الثامن.
وشارك المصريون بأعداد كبيرة وبنسبة لا سابق لها في التاريخ المصري الحديث في استفاء 15 مارس ـ آذار 2011 على تعديل الدستور.
يتفق الجميع على أن الصعوبات كبيرة أمام مصر . لكن البلاد تمتلك ثروات وقدرات بشرية تسمح لها بالنهوض إذا تمّ استثمارها بشكل صحيح .إن رحيل مبارك ليس نهاية لكنه بداية مرحلة بناء صعبة، خاصّة أن أنصار النظام القديم يترصدون في " الكواليس".
"الشعب والجيش يد واحدة"، هذا هو أحد الشعارات التي رددتها جموع المتظاهرين في مختلف أرجاء مصر طيلة أيام الثورة. وأكّدت الجماهير المحتجّة منذ بداية الانتفاضة الشعبية أن الجيش سوف يعيد لمصر عزّتها.
وفي المحصّلة بدا هذا الجيش في موقع من لعب دورا ثوريا، حيث كان القوّة الوحيدة التي يمكنها إرغام مبارك على التخلّي عن الحكم. هذا رغم أنه كان قد تردد كثيرا قبل استلام السلطة وأقسم عند توليها أنه لن يظلّ فيها سوى الفترة الضرورية لتنظيم انتخابات ينقلها بعدها إلى المدنيين.
ويشير المؤلفان إلى أنه ليس من المعروف أبدا أنّ للمشير محمد حسين طنطاوي أيّة طموحات سياسية . وهو أحد أقدم ضباط الجيش المصري حاليا، وربما أحد أكثرهم تكريما بالأوسمة، إذ خاض حروب 1956 و1967 و1973 وحرب الخليج الأولى عام 1991 . بعد هذه الحرب الأخيرة عيّنه الرئيس المصري السابق حسني مبارك وزيرا للدفاع ليحتفظ بالمنصب حتى اليوم.
تتمّ الإشارة أن الرئيس السابق حسني مبارك كان ضابطا في الجيش وأنه اعتمد كثيرا طيلة فترة حكمه على عناصر من القوات المسلّحة . وكان آخر رئيس حكومة عيّنه احمد شفيق، قائد سلاح الطيران المصري سابقا. وضابط آخر لعب دورا كبيرا إلى جانبه هو اللواء عمر سليمان رئيس جهاز الاستخبارات السابق والرجل الذي قرر مبارك أن ينقل له سلطاته قبل إرغامه على الرحيل.
ويكرّس المؤلفان عددا من الصفحات للذين يدعونهم بـ " جيش الظل" ويقصدان بذلك الأخوان المسلمين. ويؤكّدان أنهم موجودون في كل مكان بمصر وأنهم إحدى أكثر القوى السياسية المصرية تنظيما وأنهم معروفون بانضباطهم.أمّا مشاركتهم الفعلية الظاهرة في الانتفاضة الشعبية ضد الرئيس المصري السابق حسني مبارك، فقد بدأت واقعيا بعد أسبوع من انطلاقها.
وكان عدد من شبابهم قد أسسوا مواقع انترنت، مثل "أخوان اون لاين" و"أخوان اوف لاين"،عرفت نقاشات مستفيضة حول شتى المواضيع. وقد أكّد الأخوان قبل رحيل مبارك أنهم لا يتطلعون للرئاسة في مصر ولن يرشحوا أحدا منهم للمنصب. ويتعرّض المؤلفان بالتحليل لمختلف التيارات التي تتألف منها حركة الاخوان المسلمين في مصر اليوم. والشعار الذي رفعه الأقباط المصريون في مواجهة صعود قوّة الاخوان هو "الدين لله والوطن للجميع ،للكل".
نريد الحريّة
في تاريخ 15 مارس ـ آذار 2011 قام عدد كبير من المصريين بالتوجّه لصناديق الاقتراع للمرّة الأولى في حياتهم بمناسبة الاستفتاء الذي قرره المجلس العسكري الأعلى حول الإصلاح الدستوري. وفي ظل النظام القديم كانت نسبة 10 % بالكاد من مجموع السكان يمارسون الاقتراع بحكم أنّهم موظفون تقلّهم حافلات تابعة لأرباب عملهم ،الأعضاء غالبا في الحزب الوطني الحاكم آنذاك.وكثير منهم كانوا "يتقاضون" ورقة مالية لوضع البطاقة الانتخابية التي سلمت لهم في صندوق الاقتراع.
على العكس ،في الاستفتاء الأخير ـ 15 مارس ـ على الإصلاح الدستوري توجّه 18 مليون ناخب مصري ،دون حملة انتخابية حقيقية، للإدلاء بأصواتهم وهم يشعرون بالفخر بالتعبير عن صوتهم بكل حريّة . ووصول نسبة المقترعين إلى 41 % من مجموع المسجّلين على اللوائح الانتخابية يشكّل سابقة لا مثيل لها في التاريخ المصري الحديث. لقد مرّ الاختبار الديمقراطي بنجاح.
وكانت النقاشات السياسية قد عمّت قبل الاقتراع في مقاهي مصر وشوارعها، حول الدستور وتعديلاته المقترحة من قبل لجنة قانونيين شكّلها المجلس الأعلى للقوات المسلّحة. كانت الأسئلة المطروحة على المصريين متفرّعة من السؤال السياسي التالي:هل ينبغي الإصلاح على مراحل،كما يقترح الجيش أم يتم ترك الماضي تماما والانطلاق بدستور جديد؟. بكل الحالات فاز اقتراح تعديل الدستور القائم بنسبة 77 % من أصوات المقترعين.
تشير تحليلات المؤلفين إلى أن نتائج الاقتراع تركت مرارة لدى "الثوريين" ممن اعتصموا خلال الانتفاضة في ميدان التحرير. ولم يترددوا في شجب موقف الاخوان المسلمين وبعض الأئمة الذين قدّموا الاقتراع لصالح التعديل الدستوري كـ "واجب ديني". إن نتائج الاقتراع ذكّرت الجميع أن مصر فيها غير ميدان التحرير وأن هناك أغلبية تتطلّع للتغيير لكنها بحاجة لنقاط ارتكاز ثابتة.
وبعد التأكيد على الصعوبات الحقيقية والكبيرة التي تواجهها مصر، يتم التأكيد على أن الصورة ليست قاتمة تماما. التضخّم بقي كما كان قبل الانتفاضة ولم تحصل زيادة كبيرة في الأسعار، والجنيه المصري الذي واجه عقبات حقيقية لم يصل إلى الانهيار، والأمر نفسه بالنسبة للبورصة رغم أنّها استأنفت نشاطها بكثير من العسر في نهاية شهر مارس الماضي. مع ذلك تخلص التحليلات إلى القول إن عجلة البلاد تدور ببطء كبير وغالبية المصريين قلقين حيال المستقبل.
في مثل هذه الظروف كيف يمكن إقناع المصريين بضرورة أن يثقوا بالديمقراطية؟، يتساءل المؤلفان. ويجيبان أن هذا يشكّل التحدّي الهائل الذي تواجهه القوى الفاعلة الجديدة في اللعبة السياسية. ذلك أن الجميع يدركون جيّدا أن الرهان الخاص بمستقبل الديمقراطية في مصر يتعلّق بموقف الأغلبية الصامتة.
الخطوة الأولى والجوهرية الملحّة تحددها التحليلات المقدّمة بالعمل على نشر وعي سياسي في المناطق الفقيرة بشكل خاص، للقطيعة مع الممارسات القديمة. وهذا يتطلّب بالضرورة وقتا طويلا. وسيكون من المطلوب تقديم أجوبة ملموسة على ما ينتظره المصريون الذين تحظى المسائل الاجتماعية ـ الاقتصادية لديهم بالأولوية على جميع المسائل الأخرى.
إن رحيل مبارك لم يكن نهاية ، لكن بالأحرى بداية . هذا مضمون ما ينقله المؤلفان عن عدد من سياسيي مصر ومثقفيها. وفي الفترة التي تبدأ لا بدّ من توفّر ممثلين للشعب يتمتعون بالمصداقية . كذلك لا ينبغي تبديد الوقت فأنصار النظام القديم لا زالوا موجودين ويترصّدون في "الكواليس" من أجل تكسير الثورة المنطلقة أو حرفها عن مسارها.
ومن الهام جدا المحافظة على قبول التنوّع كما كان الأمر في ميدان التحرير، حيث ناضل اليساريون والإسلاميون جنبا إلى جنب، وحمى المسيحيون المسلمين عندما كانوا يؤدّون الصلاة ،والأمر نفسه فعله المسلمون حيال المسيحيين، وتآخت سيدات محجّبات مع أخريات سافرات. لقد قامت الثورة، لكن بدأت مهمّة قد تكون أكثر صعوبة وهي المحافظة على "روح ميدان التحرير".
.../...
يتبع
khilafa
20-08-2011, 12:00 AM
مصر تستيقظ
"ارفع رأسك أنت مصري" ،هذه الجملة وضعها المؤلفان في صدر الصفحات الأخيرة من الكتاب المكرّسة لـ "اليقظة المصرية". وهي أيضا الجملة التي رددتها ملايين الحناجر التي استعاد أصحابها الأمل بغد أفضل.
ما يؤكّده المؤلفان كذلك هو أنهما شاهدا بريق الإحساس بالفخر في عيون أبناء الشعب المصري، خلال الثمانية عشر يوما من انتفاضة ثورية أعادت البلاد خلالها اكتشاف نفسها. ذلك على خلفية "امتلاك إرث كبير من الذكريات" و"رغبة العيش المشترك ".
لقد التقى في مصر ـ ميدان التحرير فلاّحون قدموا من دلتا النيل وأغنياء من حي الزمالك وشباب وكهول وعلماء أزهريون ومسلمون وأقباط ونوبيون وبدو . هؤلاء جميعهم وحّد بينهم عداؤهم للنظام الذي كان قائما ونقص الحريّة للجميع ونقص الخبز ـ العيش ـ لقسم هام منهم. الجميع في مصر كانوا ضحايا باستثناء حفنة من الموجودين في قمّة هرم السلطة والمتسلّقين حولها. باختصار كان الفساد عاما ومعمما في ظل قمع بوليسي معمم هو الآخر، كما يشرح المؤلفان. ولم تكن مصر خلال السنوات الطويلة الماضية سوى"ظلّ نفسها".
ذلك الاندفاع الذي أبدته الحشود الشعبية في ميدان التحرير كان صادقا.لكنه كان هشّا ،ذلك أن مصاعب ما بعد الثورة وإعادة تعمير البلاد برزت بسرعة، وبددت نشوة الانتصار. لكن مصر تملك موارد طبيعية هامّة وكفاءات وثروة بشرية لا تتطلّب سوى استثمارها للنهوض. وكانت قد عرفت كيف تفرض نفسها خلال سنوات قليلة في موقع متقدّم إقليميا، بل على مستوى القارّة الإفريقية كلّها، بمجال الاتصالات والتكنولوجيات الجديدة .
هذا الموقع معترف به دوليا، كما يشير المؤلفان، كي يؤكّدا مباشرة أن التحديات التي تواجهها مصر كبيرة. لقد كانت كبيرة قبل الثورة، وهي كبيرة بعدها وعلى رأسها المسألة الديموغرافية والبطالة والتفاوت الاجتماعي الهائل. وهناك أيضا تحدي المياه التي قد يتفاقم شحّها خلال السنوات القريبة المقبلة ، خاصّة أن دول حوض النيل الأخرى قد وقّعت منذ فترة وجيزة اتفاقا فيما بينها لاقتسام مياه النهر. وهو اتفاق يبدو جائرا بالنسبة لمصر.
والسياق الإقليمي لا يبشّر باستقرار أكبر، بل هو على عكس ذلك، ويعتبره مؤلفا الكتاب "متفجرا". والوضع الاقتصادي للبلاد يعاني من مصاعب حقيقية، رغم أن البلاد تجاوزت بنجاح نسبي مشهود الأزمة المالية العالمية التي انطلقت في خريف عام 2008 .
لكن سياق ما بعد الثورة تميّز بغياب مصدر دخل وطني حقيقي، يتمثّل بالسياحة التي ساهمت بنسبة 6 % من الدخل الوطني المصري عام 2010، حيث بلغ عدد السائحين 15 مليونا . تجدر الإشارة إلى أن عودة السائحين إلى مصر لا تلوح في الأفق القريب وأنه لا بدّ من انتظارهم شهورا طويلة تستقرّ فيها الأوضاع بشكل نهائي بعد فترة انتقالية لا بدّ منها هي الأخرى.
إن الورشة السياسية الجديدة بدأت بالعمل منذ وقت غير بعيد، بعد تفكيك الأجهزة الأمنية التي كانت تسيطر على البلاد والعباد. لكن فترة السماح والتعاطف الكبرى مع الجيش، ممثّلا بالمجلس الأعلى للقوات المسلّحة قد انتهت . والسير نحو الأمام يتطلّب بالضرورة إيجاد حالة جديدة من الثقة حيال المؤسسات كي تستعيد شرعيتها بالواقع وبالفعل. ثمّ ليس من السهل تعلّم قواعد اللعبة الديمقراطية.
وينتهي مؤلفا هذا الكتاب في تحليلاتهما إلى القول إنه في مصر، التي استيقظت بعد ثبات طويل، كل شيء ممكن ،الأفضل والأسوأ. ويركزان بأشكال مختلفة على القول إن أمرا جوهريا قد تغيّر، وربما لفترة طويلة من الزمن هو أن الخوف الذي لجم الحياة السياسية المصرية قد زال . لقد فُتحت أبواب السجن الذي كان العقل حبيسه لفترة طويلة من الزمن. والمعارضون "التقليديون" لم يعودوا هم وحدهم الذين "يحتكرون" التجرؤ على انتقاد النظام وتحدي السلطة القائمة.
لقد انتهت "عقدة فرعون" . ذلك أنّه بعد سبعة آلاف سنة من الخضوع التام للسلطة قام المصريون بثورتهم الشعبية الأولى . لقد عاشت مصر 18 يوما اعتبارا من 25 يناير من التعبئة والأمل والعنف انتهت يوم 11 فبراير برحيل الرئيس السابق حسني مبارك بعد ثلاثين سنة تقريبا من الحكم. لقد خرج الشعب المصري من "القمقم" ليتجه نحو دروب جديدة. ولا شكّ أن الانتقال نحو "الجديد" لن يكون سهلا فالنظام السابق خلّف وراءه فراغا سياسيا هائلا.
وتقول الكلمات الأخيرة من هذا الكتاب إن المصريين يدركون جيّدا هشاشة انتصارهم . لكنهم يرددون جميعهم أيضا أنهم أصبحوا يعرفون الطريق، وإذا لزم الأمر سيعودون إلى ميدان التحرير، فمصر قد استيقظت.
المؤلفان في سطور
كلود غيبال ،صحافية فرنسية تبلغ من العمر سبعة وثلاثين عاما ،وهي اختصاصية في شؤون منطقة الشرق الأوسط . تقيم في العاصمة المصرية ،القاهرة، منذ عام 1997 . وتعمل مع الإذاعة الفرنسية "راديو فرانس" ومع صحيفة "ليبيراسيون" الباريسية منذ عام 2000 .
وتانجي سالون صحافي فرنسي، عمره 38 عاما . يعمـل مراسلا في مصر لصحـيفة "الفيغارو" ولمجلة "الاكسبرس " وراديو وتلفزيون لوكسمبورغ . وهو يقوم بتغطية أحداث الشرق الأوسط منذ 14 سنة.
http://www.albayan.ae/one-world/new-books/2011-08-19-1.1489918
vBulletin® v4.0.2, Copyright ©2000-2024, Jelsoft Enterprises Ltd.