المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أبعاد تفجير فندق الماريوت في باكستان التحليل السياسي



مؤمن
05-11-2008, 10:03 PM
أبعاد تفجير فندق الماريوت في باكستان
جاءت تفجيرات يوم السبت 20/9/2008 بنزل الماريوت، وهو الموجود بأكثر المناطق أمناً في إسلام أباد في وقت مهم جداً بالنسبة لباكستان وللعلاقات الباكستانية الأميركية. لقد جاءت هذه التفجيرات في ظل ثلاثة أحداث كبيرة تمر بها باكستان:
1 ـ جاء التفجير بعد أيام من "انتخاب" آصف زرداري رئيساً للباكستان إثر إجبار برويز مشرف على الاستقالة، وسط الترحيب الغربي الذي لقيه زرداري رغم الخلاف الداخلي في انتخابه وبخاصة من شريكه في الائتلاف نواز شريف. فقد أعرب جورج بوش عن استعداده للعمل مع زرداري قائلاً: "مستعدون للعمل مع زرداري خاصة في مجال مكافحة الإرهاب". وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جوردون جوندرو: إن "الرئيس بوش متحمس للعمل معه، ومع رئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني ومع الحكومة الباكستانية حول مواضيع تهم البلدين، ولا سيما مكافحة الإرهاب ومن أجل ضمان استقرار الاقتصاد الباكستاني وصلابته".
2 ـ جاء التفجير في وقت تزايدت فيه الهجمات الأميركية داخل الحدود الباكستانية في منطقة القبائل دون إذن من الجيش الباكستاني على من تدعي أنهم يقفون وراء الهجمات التي تستهدف قوات الناتو والقوات الأميركية في أفغانستان، وهو ما يشكل في حد ذاته مبرراً كافياً لمناهضة الأميركان في باكستان نفسها. هذا بالإضافة إلى العمليات العسكرية التي ينفذها الجيش الباكستاني في المناطق نفسها، كتلك التي قام بها مؤخراً في منطقة "باجور" القبلية شمال غربي البلاد _المتاخمة للحدود الأفغانية_ والتي أسفرت عن مصرع العشرات. وقد ردت حركة تطبيق الشريعة المحمدية أو ما يعرف بحركة طالبان الباكستانية على ذلك بإعلان مسؤوليتها عن محاولة الاغتيال التي استهدفت موكب رئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني يوم 3/9/2008 في مدينة روالبندي على الطريق الرئيسي للمطار في العاصمة إسلام آباد.
3 ـ جاء التفجير في وقت أعلنت فيه الإدارة الأميركية عن القرار الرئاسي الذي اتخذه جورج بوش في شهر تموز/يوليو الماضي والذي يخول القوات الأميركية في أفغانستان القيام بضربات عسكرية داخل باكستان دون أخذ موافقة الحكومة الباكستانية. وقد جاء إعلان هذا القرار بمناسبة إحياء أميركا للذكرى السابعة لأحداث أيلول/سبتمبر 2001 ليصب الزيت على النار، إذ هدد عدد من زعماء القبائل الباكستانية بالانضمام إلى حركة طالبان إذا لم توقف الولايات المتحدة هجماتها عبر الحدود انطلاقاً من أفغانستان. فقد توعد مثلاً الزعيم القبلي مالك نصر الله في ميران شاه _وهي كبرى المدن بشمال وزيرستان_ الولايات المتحدة بتجهيز جيش لمهاجمة القوات الأميركية في أفغانستان إذا لم توقف غاراتها على مناطق القبائل. وهذا الأمر اضطر رئيس هيئة الأركان الباكستاني أشفاق كياني في اجتماع قادةِ الهيئةِ العسكرية في روالبندي في 12 أيلول/سبتمبر الحالي أن يصرح قائلاً: "إننا سندافع عن حدود وسيادة البلاد مهما كلف الأمر"، وذلك بعد أن لقي دعماً جماعياً من الهيئة بسبب شجبِه ‎ للضربات الأميركية الأخيرة داخل الباكستان.
هذا من حيث التوقيت الذي جاء فيه التفجير. أما من يقف وراءه، فرغم أن الحكومة الباكستانية وجهت الاتهام إلى طالبان الباكستان المرتبطة بالقاعدة، إلا أن هذه الأخيرة لم تتبنَ عملية التفجير. فقد صرح مستشار رئيس الوزراء للشؤون الداخلية رحمان مالك في مؤتمر صحفي "إن المسؤولين عن الاعتداءات في باكستان يأتون جميعهم من المناطق القبلية ... إن كل الخيوط تدل على المنطقة القبلية في باكستان ". وهو يشير هنا إلى المنطقة في شمال غرب باكستان المتاخمة لأفغانستان حيث يتواجد المقاتلون الإسلاميون المقربون من القاعدة وطالبان.. إلا أن مراسل محطة العربية الفضائية في العاصمة الباكستانية قال "أن مجموعة إسلامية مجهولة أطلقت على نفسها اسم "فدائيو الإسلام" أعلنت مسؤوليتها عن التفجير العنيف الذي دمر فندق ماريوت في العاصمة الباكستانية إسلام آباد. وأن الجماعة المذكورة طلبت من الحكومة الباكستانية وقف تعاونها مع الولايات المتحدة فيما يسمى محاربة الإرهاب". وقد تبنت هذه المجموعة في تسجيل صوتي الهجوم، وقالت إنها "استهدفت الفندق لطرد الأميركيين من باكستان ومنعهم من التدخل في الشؤون الحكومية والعسكرية والإعلامية والأمنية والدينية وغيرها" مؤكدة أن العملية "استهدفت 250 عسكرياً من المارينز إضافة إلى مسؤولين أميركيين وآخرين من حلف شمال الأطلسي (ناتو)".
إن إصرار الحكومة الباكستانية على اتهام طالبان باكستان والقاعدة المرتبطة بها رغم تبني مجموعة "فدائيو الإسلام" المجهولة للعملية ليدل على وجود أجندة باكستانية وأميركية من وراء هذا الاتهام. كما أن الاختراق الأمني الذي حدث في تفجير الفندق يؤكد أن هناك دوراً معيناً لبعض تيارات داخل المخابرات الباكستانية في تسهيل مرور الفاعلين بل والتخطيط لهذا الانفجار بمعية المخابرات الأميركية. إن الراجح أن أميركا وعناصرها المرتبطة بها في المخابرات الباكستانية هي من يقف وراء هذه العملية الأخيرة؛ لأنها جاءت في وقت يحقق جملة من الأهداف الإستراتيجية المهمة بالنسبة للحكومة الباكستانية وللولايات المتحدة الأميركية. ويمكن إجمال هذه الأهداف في ثلاثة:
1 ـ دعم الحكومة الباكستانية الجديدة: جاءت هذه التفجيرات لتدعم الوضع الهش الذي يمر به رئيس حزب الشعب بالإنابة ورئيس الدولة الجديد آصف زرداري أمام شريكه في الحكم نواز شريف خاصة فيما يتعلق برجوع القضاة الذين عزلهم برويز مشرف إلى مناصبهم. فزرداري لا يريد عودتهم خوفاً من ملاحقته هو وبعض قيادات حزبه بتهم الفساد التي تلوث سمعته وتحد من شعبيته في الشارع الباكستاني، وبخاصة وأن خصومه يلقبونه باسم "السيد عشرة بالمائة"؛ بسبب اتهامه باختلاس عشرة بالمائة من صفقات الحكومة خلال رئاسة زوجته بنظير بوتو للحكومة الباكستانية. أضف إلى ذلك أن زرداري يرفض التخلي عن التعديلات الدستورية التي ألحقها برويز مشرف بالدستور وأعطت صلاحيات واسعة للرئيس.
ولذلك حاول زرداري استغلال هذه التفجيرات ليزيد من شعبيته في الشارع ومن دعمه داخل المؤسسة العسكرية ومن تقوية الائتلاف الحاكم وصرف قضايا الخلاف داخله. فعقب التفجير وجه آصف علي زرداري كلمة عبر التلفزة للشعب الباكستاني، (وعد فيها بالقضاء على ما وصفه بسرطان الإرهاب داعياً " القوى الديمقراطية في باكستان " إلى التكاتف لهزيمة الإرهاب). وأضاف "أريد أن أقول لشعبي إنني قادر على الإحساس بألمه لقد مررت بهذا الألم، في حزب الشعب الباكستاني دفنا الكثير من أصدقائنا وأنا شخصياً دفنت في أسرتي بينظير بوتو". وطلب زرداري من الباكستانيين" تحويل هذا الألم إلى قوة" وأضاف "إنه نذير شؤم في بلادنا إنه سرطان سنقضي عليه. لن نخاف من هؤلاء الجبناء. لن نرضخ لهذه الأعمال الجبانة، باكستان أمة شجاعة لا تتردد".
ولزيادة بعضٍ من شعبيته ومصداقيته في الشارع صرح آصف علي زرداري أن "باكستان لن تسمح لأصدقائها بانتهاك سيادتها"، وذلك بعد قليل من عملية تبادل إطلاق النيران مساء أمس (25/9) على الحدود الأفغانية الباكستانية بين قوات أميركية وأخرى باكستانية إثر إطلاق القوات الباكستانية النار على مروحيتين أميركيتين كانتا تحلقان داخل الأجواء الباكستانية.
2 ـ إيجاد مبررات للمؤسسة العسكرية الباكستانية: أريد لهذه التفجيرات الأخيرة أن تعيد للجيش الباكستاني شيئاً من قيمته وكرامته المفقودة بسبب تهم الخيانة والتخاذل أمام الهجمات الجوية التي يقوم بها الجيش الأميركي في منطقة القبائل. فهذه التفجيرات سوف تعطي المؤسسة العسكرية المبررات لتزيد من حربها ضد ما تصفه "بالإسلام الجهادي والأصولي" في سوات أو وزيرستان من ناحية، ولتعيد له بعضاً من "استقلاليته" أمام أميركا ولتعطيه دفعة قوية للتخلص من عناصره المحسوبة على التيار الإسلامي في داخله من ناحية أخرى، وبخاصة وأن هذه التفجيرات جاءت بين حدثين. فقبل هذه التفجيرات جاءت تصريحات رئيس هيئة الأركان إشفاق كياني التي شجب فيها الغارات الجوية الأميركية على منطقة القبائل دون الرجوع إلى إذن من الجيش الباكستاني. أما بعد التفجيرات فقد ذكرت بعض وكالات الأنباء في إسلام آباد عن مصادر أمنية قولها إن القوات الباكستانية أطلقت النار على مروحيتين أميركيتين اخترقتا الأجواء الباكستانية في منطقة لاوارى مندي شمال إقليم وزيرستان في وقت متأخر من مساء الأحد 21 أيلول/سبتمبر، ونسبت هذه الوكالات إلى ضابطين في المخابرات الباكستانية -طلبا عدم الكشف عن هويتهما- قولهما إن بعض سكان القبائل شاركوا في الهجوم على الطائرتين الأميركيتين.
إن المؤسسة العسكرية الباكستانية تقع بين ضغطين كبيرين: ضغط الشارع الباكستاني الذي يطالبها بالوقوف إلى جانب الأمة وعقيدتها وهو الأساس الذي انفصلت عليه باكستان عن الهند وكذلك يطالبها بالتصدي للولايات المتحدة في حربها على الإسلام والمسلمين في باكستان وفي أفغانستان أيضاً. هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى فهناك ضغط من الإدارة الأميركية على الجيش الباكستاني "بتنقية" الجيش من العناصر المحسوبة على الإسلام والمتعاطفة مع طالبان والقاعدة وكذلك بدمج منطقة القبائل وكل المناطق الحدودية ضمن حدود الحرب الدائرة في أفغانستان واعتبار كل هذه المناطق ساحة حرب فعلية. وهذا يعني أن القوات الأميركية ومعها قوات الناتو في أفغانستان لا يلزمها طلب الإذن من الجيش الباكستاني في قصفها الجوي أو عملياتها العسكرية الخاصة في منطقة القبائل.
3 ـ دعم الحزب الجمهوري الأميركي في سباقه الانتخابي نحو البيت الأبيض: فقد قوبل الهجوم على فندق الماريوت بإدانة دولية واسعة النطاق وبخاصة من قبل الولايات المتحدة الأميركية. فالناطق باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جوردون جوندرو قال إن الهجوم يذكر الجميع بما أسماه بخطر التطرف الذي واجهه العالم. وأضاف أن بوش يقدم تعازيه لعائلات الضحايا وأن واشنطن "تقف إلى جانب الحكومة الباكستانية المنتخبة بشكل ديمقراطي في مواجهة هذا التحدي". إن إدارة جورج بوش تحاول استغلال تفجير الماريوت في الأسابيعِ الأخيرة والحاسمةِ قبل الانتخابات الرئاسية الأميركيةِ، لتثبت للرأي العام الأميركي وتبرر له السنوات الطويلة من حربها على ما تسميه "الإرهاب" وأنها ما زالت جادة في ملاحقة عناصر طالبان والقاعدة. ولدعم موقف الإدارة الأميركية في هذا المنحى قارنت السلطات الباكستانية بين الهجوم على فندق الماريوت في العاصمة إسلام آباد وبين هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 على الولايات المتّحدةِ وتفجيرات لندن ومدريد.
إن قادة أميركا السياسيين والعسكريين وكذا قادة الناتو يكررون التصريح تلو الآخر في الفترة الأخيرة من أن تحقيق النصر على طالبان وحلفائهم في أفغانستان أمر مستحيل ما دامت هناك قواعد آمنة لهم داخل المناطق العشائرية الباكستانية والتي يتعذر الوصول إليها، إلى درجة أن وزير الدفاع الأميركي صرح قبل يومين "أن منطقة وزيرستان تمثل أكبر تهديد للأمن القومي الأميركي". ويبدو من خلال هذه التصريحات وتفجير فندق الماريوت ومن خلال قرار بوش بقصف المناطق الحدودية دون إذن من الجيش الباكستاني أن الولايات المتحدة الأميركية تخطط لتدخل عسكري مباشر في الباكستان ونصب قواعد في المناطق الحدودية بحجة ملاحقة طالبان وعناصر تنظيم القاعدة في باكستان. ولعل أميركا تبدأ خطة الغزو هذه في المرحلة الأولى بدفع قوات باكستانية خاصة ذات تدريب أميركي إلى تلك المناطق الحدودية، مدعومة بمستشارين أميركيين وقوة جوية أميركية، تستطيع بعدها نشر معدات تكنولوجية ووسائل اتصال أميركية أكثر تعقيدًا، تمكنها من تحقيق نقطة ارتكاز على الأرض تسهل لها الضربات الجوية والتوغل البري في المناطق الجبلية بفضل إدارة أحسن للمعلومات الإستخبارية ووجود قواعد عسكرية لها في المنطقة.


حزب التحرير