المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جمهور الأصوليين: أخبار الآحاد ليست حجة في العقيدة



عبد الواحد جعفر
30-07-2011, 08:44 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
أخبار الآحاد وحجيتها في العقيدة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين، سيدنا وحبيبنا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم، وبعد:
الإسلام عقيدة وشريعة، فالعقيدة ما طلب التصديق بها تصديقاً جازماً؛ كالإيمان بالله وأسمائه وصفاته، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالملائكة والأنبياء والمرسلين والكتب التي أنزلها عليهم. أما الشريعة، فهي الأحكام الشرعية التي جاءت تعالج مشاكل الإنسان، من عبادات ومعاملات وعقوبات وأخلاق وغير ذلك. والعقائد هي أساس الإسلام، وعنها تنبثق المعالجات، وتبنى عليها أفكار الحياة؛ لذلك كان لا بد أن يكون هذا الأساس يقينياً، ولا بد أن يكون دليل العقيدة قطعياً، ومعنى أنه قطعي؛ أي أنه ثبت قطعاً أنه وحي من عند الله، وأن دلالة لفظه لا تحتمل إلا معنى واحداً، كقوله تعالى {قل هو الله أحد} فلفظ الله أحد لفظ قطعي دال على الوحدانية. وحرم الإسلام أخذ العقيدة بالظن قال تعالى {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً }النساء157 وقوله تعالى {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ }الأنعام148، وواضح في الآيتين وغيرها من الآيات أن الله ينعى على الذين يبنون عقيدتهم على الظن، فكان ذلك نهياً عاماً عن اتباع الظن في العقائد، لأن موضوع الآيات هو العقائد وليس الأحكام، فكان اتباع الظن في العقائد محرماً، وهو وسيلة إلى التحريف والتفرق وضياع الدين واختلاف المسلمين في عقيدتهم.
وهذا ما حصل عندما حرفت الكتب وضل الأتباع واندثرت رسالة المرسلين الذين سبقوا محمداً عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه.
أما الأحكام الشرعية فإن الله تعبدنا بالظن، بل إن غالب النصوص الشرعية التي عالجت مشاكل الإنسان قائمة على الظن، سواء ما كان ظني الثبوت، كما هو في أخبار الآحاد، أو ظني الدلالة، كما في كثير من آيات القرآن الكريم، والشرع جعل هذه النصوص أدلة على الأحكام، وطلب من المسلمين العمل بهذه الأحكام.
ومن هنا كان الاستدلال بالظني على العقيدة لا يجوز، وهو حرامٌ، وكان مبنى الأحكام الشرعية في غالبها على الظن، وفي ذلك رحمة للمسلمين في تعدد الاجتهادات.
ولما كان هذا الموضوع من المواضيع المهمة التي بها يستقيم فهم العقيدة، وفهم الإسلام، كان هذا البحث المختصر الذي جمعه أحد الباحثين ذاكراً فيه نصوصاً لبعض العلماء من أصحاب المذاهب الأربعة حول عدم جواز الاعتماد على أحاديث الآحاد في مسائل الاعتقاد:
1- قال الإمام الزبيدي في إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين ( 2 / 105- 106): (كل لفظ يرد في الشرع مما يستند إلى الذات المقدسة بأن يطلق اسما أو صفة لها، وهو مخالف العقل، ويسمى المتشابه، ولا يخلو إما أن يتواتر أو ينقل آحادا، والآحاد إن كان نصا لا يحتمل التأويل قطعا بافتراء ناقله أو سهوه أو غلطه، وأن كان ظاهرا فظاهره غير مراد، وإن كان متواترا فلا يتصور أن يكون نصا لا يحتمل التأويل، بل لابد أن يكون ظاهرا) اهـ.
2- قال القرافي في تنقيح الفصول وشرحه ( ص356- 358) الفصل الخامس في خبر الواحد، وهو العدل الواحد أو العدول المفيد للظن، ثم ذكر كلاما، ثم ذكر حجة من قال إن الآحاد لا يحتج بها في العمليات كقوله سبحانه (أن الظن لا يغني من الحق شيئا) (يونس:36) وقوله: (إن يتبعون إلا الظن) (النجم: 28)، قالوا: ( وذلك يقتضي تحريم اتباع الظن)، فأجاب عن ذلك بقوله: (وجوابها، أن ذلك مخصوص بقواعد الديانات وأصول العبادات القطعيات) اهـ.
3- قال الإمام أبو منصور عبدالقادر البغدادي في كتابه أصول الدين ( ص12):
(وأخبار الآحاد متى صح إسنادها وكانت متونها غير مستحيله في العقل، كانت موجبة العمل بها دون العلم).
4- قال الإسنوي: ( وأما السنة فالآحاد منها لا يفيد إلا الظن) وقال في موضع آخر: ( أن رواية الآحاد إن أفادت فإنما تفيد الظن، والشارع إنما أجاز الظن في المسائل العملية وهي الفروع، دون العلمية كقواعد أصول الدين) اهـ.
5- قال ابن عبد البر في التمهيد ( 1/7):
( اختلف أصحابنا وغيرهم في خبر الواحد هل يوجب العلم والعمل جميعا أم يوجب العمل دون العلم؟ والذي عليه أكثر أهل العلم منهم أنه يوجب العمل دون العلم، وهو قول الشافعي وجمهور أهل الفقه والنظر، ولا يوجب العلم عندهم إلا ما شهد به على الله وقطع العذر بمجيئه قطعا ولا خلاف فيه، وقال قوم كثير من أهل الأثر وبعض أهل النظر: إنه يوجب العلم الظاهر والعمل جميعا، منهم الحسين الكرابيسي وغيره، وذكر ابن خويز منداد أن هذا القول يخرج على مذهب مالك. قال أبو عمر: الذي نقول به إنه يوجب العمل دون العلم كشهادة الشاهدين والأربعة سواء، وعلى ذلك أكثر أهل الفقه والأثر) وذكر ذلك أيضا في عدة مواضع فانظر مثلا ( 9 / 285)، حيث قال هناك: ( لأن أخبار الآحاد لا يقطع على عينها وإنما توجب العمل فقط) اهـ.
6- وقال البيهقي في كتاب الأسماء والصفات ( ص357) بعد كلام:
( ولهذا الوجه من الاحتمال ترك أهل النظر من أصحابنا الاحتجاج بأخبار الآحاد في صفات الله تعالى إذا لم يكن لما انفرد منها أصل في الكتاب أو الإجماع، واشتغلوا بتأويله)..
7- قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم ( 1/ 131):
( وأما خبر الواحد فهو ما لم يوجد فيه شروط المتواتر سواء كان الراوي له واحدا أو أكثر واختلف في حكمه، والذي عليه جماهير المسلمين من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من المحدثين والفقهاء وأصحاب الأصول، أن خبر الواحد الثقة حجة من حجج الشرع يلزم العمل بها ويفيد الظن ولا يفيد الشرع يلزم العمل بها ويفيد الظن ولا يفيد العلم...) إلى أن قال: ( وذهبت طائفة من أهل الحديث إلى أنه يوجب العلم، وقال بعضهم يوجب العلم الظاهر دون الباطن، وذهب بعض المحدثين إلى أن الآحاد التي في صحيح البخاري أو صحيح مسلم تفيد العلم دون غيرها من الآحاد، وقد قدمنا هذا القول وإبطاله في الفصول، وهذه الأقاويل كلها سوى قول الجمهور باطلة). إلى أن قال: ( وأما من قال يوجب العلم فهو مكابر للحس، وكيف يحصل العلم واحتمال الغلط والوهم والكذب وغير ذلك متطرف إليه؟)والله أعلم.
وقال في المجموع شرح المهذب ( 4/342): ( ومتى خالف خبر الآحاد نص القرآن أو إجماعا وجب ترك ظاهره). وانظر مقدمة صحيح مسلم.
8- قال الباجي في الإشارة ( 234):
( وأما خبر الآحاد فما قصر عن التواتر وذلك لا يقع به العلم وإنما يغلب على ظن السامع له صحته لثقة المخبر به لأن المخبر وإن كان ثقة يجوز عليه الغلط والسهو كالشاهد وقال محمد بن خويز منداد: يقع العلم بخبر الواحد والأول عليه جميع الفقهاء). وقال في تحقيق المذهب ( ص 236- 239) بعد كلام
(... إلا أنه حديث آحاد لا يوجب العلم...) إلى أن قال: ( وعلى كل حال فهو مروي من طريق الآحاد الذي لا يقع العلم بما تضمنه ولو لم يعترض عليه مما ذكرنا بوجه لم يقع لنا العلم به) اهـ.
وقال في إحكام الفصول ( ص241- 242) عند ذكره لشروط المتواتر: ( فصل إذا ثبت ذلك فلا بد أن يزيد هذا العدد على الأربعة خلافا لأحمد وابن خويز منداد وغيرهم8ا في قولهم: إن خبر الواحد يقع به العلم والدليل على ذلك: علمنا أن الواحد والاثنين يخبروننا عما شاهدوه واضطروا إليه فلا يقع لنا العلم بصدقهم ولذلك لا يقع للحاكم العلم بخبر المتداعيين ولا بد أن أحدهما صادق ول كان العلم يقع بخبر الواحد لوجب أن يضطروا إلى صدق الصادق منهما وكذب الكاذب وكذلك لايقع لنا العلم بشهادة الشهود على الزنا وإن كانوا مضطرين إلى ما أخبروا به ولو وقع العلم بخبرهم لوجب أن يعلم صدقهم من كذبهم ويضطروا إلى ذلك ولما لم يعلم ذلك ولم يقع العلم بخبرهم كانت الزيادة على هذا العدد شرطا فيما يقع العلم بخبرهم... إلخ).
وقال في ( ص234): ( وذهب النظام إلى أنه يقع العلم بخبر الواحد إذا قارنته قرائن إن عري عنها لا يقع به، والدليل على بطلان قوله: أنا نجد أنفسنا غير عالمة بما أخبرنا عنه الواحد والاثنان وإن اقترنت به القرائن التي ادعاها ومما يدل على ذلك: أن الحاكم يرى المدعي باكي لاطما ويدعي على خصمه الظلم ولا يقع له بدعواه العلم) ا.هـ. المراد منه، وله كلام في ذلك في غير ما موضع لا نطيل الكلام بذكره.
9- قال إمام الحرمين في البرهان ( 1/606):
( ذهبت الحشوية من الحنابلة وكتبه الحديث إلى أنخبر الواحد العدل يوجب العلم، وهذا خزي ى لا يخفى مدركه على ذي لب، فنقول لهؤلاء: أتجوزون أن يزل العدل الذي وصفتموه ويخطيء؟ فإن قالوا: لا ؛ كان بهتا وهتكا وخرقا لحجاب الهيبة، ولا حاجة إلى مزيد البيان فيه.
والقول القريب فيه أنه قد زل من الرواة الأثبات جمع لا يعدون كثرة، ولو لم يكن الغلط متصورا لما رجع زاو عن روايته، والأمر بخلاف ما تخيلوه، فإذا تبين إمكان الخطأ فالقطع بالصدق مع ذلك محال، ثم هذا في العدل في علم الله تعالى، ونحن لا نقطع بعدالة واحد بل يجوز أن يضمر خلاف ما يظهر، ولا متعلق لهم إلا ظنهم أن خبر الواحد يوجب العمل، وقد تكلمنا عليه بما فيه مقنع).
وقال في الورقات ( 184): ( والآحاد وهو مقابل المتواتر، وهو الذي يوجب العمل ولا يوجب العلم، لاحتمال الخطأ فيه) اهـ. مع زيادة من شرح المحلي عليه، وقد نص على ذلك في عدة مواضع من التلخيص.
10- قال الإمام الغزالي في المستصفى ( 1/145):
( اعلم أنا نريد بخبر الواحد في هذا المقام ما لا ينتهي من الأخبار إلى حد التواتر المفيد للعلم، فما نقله جماعة من خمسة أو سته مثلا فهو خبر الواحد). إلى أن قال: ( وإذا عرفت هذا، فنقول خبر الواحد لا يفيد العلم وهو معلوم بالضرورة، فإنا لا نصدق بكل ما نسمع، ولو صدقنا وقدرنا تعارض خبرين، فكيف نصدق بالضدين، وما حكي عن المحدثين من أنت ذلك يوجب العلم، فلعلهم أرادوا أنه يفيد العلم بوجوب العمل إذ يسمى الظن علما، لهذا قال بعضهم: يورث العلم الظاهر والعلم ليس له ظاهر وباطن وإنما هو الظن) اهـ.
11- قال أبو إسحاق الشيرازي في التبصرة ( ص298):
( أخبار الآحاد لا توجب العلم. وقال بعض أهل الظاهر: توجب العلم. إلى أن قال: لنا هو أنه لو كان خبر الواحد يوجب العلم، لأوجب خبر كل واحد، ولو كان كذلك لوجب أن يقع العلم بخبر من يعي النبوة من غير معجزة، ومن يدعي ولا على غيره.
ولما لم يقل هذا أحد دل على أنه ليس فيه ما يوجب العلم، ولأنه لو كان خبر الواحد يوجب العلم لما اعتبر فيه صفات المخبر من العدالة والإسلام والبلوغ وغيرها، كما لم يعتبر في أخبار التواتر، ولأنه لو كان يوجب العلم لوجب أن يقع التبري بين العلماء فيما فيه خبر واحد، كما يقع بينهم التبري فيما فيه خبر المتواتر، ولأنه لو كان يوجب العلم لوجب إذا عارضه خبر متواتر أن يتعارضا، ولما ثبت أنه يقدم عليه المتواتر دل على أنه غير موجب للعلم، وأيضا هو يجوز السهو والخطأ والكذب على واحد فيما نقاه، فلا يجوز أن يقع العلم بخبره). اهـ
وقال في اللمع ( ص72): ( والثاني يوجب العمل ولا يوجب العلم، وذلك مثل الأخبار المروية في السنن والصحاح وما أشبهها)، ثم حكى الخلاف في ذلك ثم ذكر الدليل على نحو ما ذكر في التبصرة.
12- قال الخطيب البغدادي في الكافة في علم الرواية ( ص432) باب: ذكر ما يقبل فيه خبر الواحد وما لا يقبل فيه:
( خبر الواحد لايقبل في شيء من أبواب الدين المأخوذ على المكلفين العلم بها والقطع عليها ؛ والعلة في ذلك أنه إذا لم يعلم أن الخبر قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان أبعد من العلم بمضمونه، فأما ماعدا ذلك من الأحكام التي لم يوجب علينا العلم بأن النبي (صلى الله عليه وسلم) قررها وأخبر عن الله عز وجل بها، فإن خبر الواحد فيها مقبول والعمل به واجب) اهـ.

عبد الواحد جعفر
30-07-2011, 08:44 AM
13- قال الفخر الرازي في المعالم ( ص138):
(اعلم أن المراد في أصول الفقه بخبر الواحد الخبر الذي لا يفيد العلم واليقين) وقال في أساس التقديس: ( والعجب من الحشوية أنهم يقولون: الاشتغال بتأويل الآيات المتشابهة غير جائز لأن تعيين ذلك التأويل مظنون والقول بالظن في القرآن لا يجوز ثم إنهم يتكلمون في ذات الله تعالى وصفاته بأخبار الآحاد مع أنها في غاية البعد عن القطع واليقين وإذا لم يجوزوا تفسير ألفاظ القرآن بالطريق المظنون فلأن يمتنعوا عن الكلام في ذات الحق تعالى وفي صفاته بمجرد الروايات الضعيفة أولى) اهـ المراد منه.
14- قال ابن الأثير في مقدمة جامع الأصول:
( وخبر الواحد لا يفيد العلم، ولكنا متعبدون به، وما حكى عن المحدثين من أن ذلك يورث العلم ؛ فلعلهم أرادوا أنه يفيد العلم بوجوب العمل، وأسموا الظن علما ؛ ولهذا قال بعضهم: يورث العلم الظاهر، والعلم ليس له ظاهر وباطن ؛ وإنما هو الظن، وقد أنكر قوم جواز التعبد بخبر الواحد عقلا فضلا عن وقوعه سماعا، وليس بشيء. وذهب قوم إلى أن العقل يدل على وجوب العمل بخبر الواحد وليس بشيء. فإن الصحيح من المذهب، والذي ذهب إليه الجماهير من سلف الأمة من الصحابة والتابعين والفقهاء والمتكلفين، أن لا يستحيل التعبد بخبر الواحد عقلا ولا يجب التعبد عقلا، وأن التعبد واقع سماعا بدليل قبول الصحابة خبر الواحد وعملهم به في وقائع شتى لا تنحصر)ا.هـ..
15- قال ابن الحاجب في منتهى الوصول ( ص 71) - بعد أن ذكر الخلاف في المسألة - محتجا بأن خبر الآحاد يفيد الظن دون العلم:
(لنا لو حصل العلم به دون قرينة لكان عاديا، ولو كان كذلك لاطرد كخبر التواتر، وأيضا لو حصل به لأدى إلى تناقض المعلومين عند إخبار العدلين بالمتناقضين، وأيضا لو حصل العلم به لوجب تخطئة مخالفه بالاجتهاد، ولعورض به التواتر، ولامتنع التشكيك بما يعارضه، وكل ذلك خلاف الإجماع) اهـ.
وانظر كلامه في مختصر المنتهى مع شرح الواسطي عليه ( 1 / 656).
16- قال الإمام البخاري في كتاب أخبار الآحاد من صحيحه ( 13 / 290) بشرح الفتح:
(باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام) ا.هـ.. قال الحافظ ابن حجر في شرحه عليه: ( وقوله الفرائض بعد قوله في الأذان والصلاة والصوم من عطف العام على الخاص، وأفراد الثلاثة بالذكر للاهتمام بها)، قال الكرماني: ( ليعلم إنما هو في العمليات لافي الاعتقاديات) اهـ. وأقره الحافظ على ذلك.
17- قال الإمامان صدر الشريعة في "التنقيح" وشرحه "التوضيح"، والسعد التفتازاني في "التلويح" ( 2 / 4 - 3):
(الثالث: وهو خبر الواحد يوجب العمل دون علم اليقين، وقيل لا يوجب شيئا منهما، وقيل يوجبهما جميعا، ووجه ذلك أن الجمهور ذهبوا إلى أنه يوجب العمل دون العلم). إلى أن قالا: ( بل العقل شاهد بأن الواحد العدل لا يوجب اليقين، وأن احتمال الكذب قائم وإن كان مرجوحا، وإلا لزم القطع بالنقيضين عند إخبار العدلين بهما) اهـ.
18- قال السمرقندي الحنفي في ميزان الأصول ( 2 / 642 - 643):
( ومنها - أي شروط الخبر الآحاد - أن يكون موافقا لكتاب الله تعالى والسنة المتواترة والإجماع، فأما إذا خالف واحدا من هذه الأصول القاطعة فإنه يجب رده أو تأويله على وجه يجمع بينهما... ولأن خبر الواحد يحتمل الصدق والكذب والسهو والغلط، والكتاب دليل قاطع فلا يقبل المحتمل بمعارضة القاطع بل يخرج على موافقة بنوع تأويل.
ومنها أن يرد الخبر في باب العمل فإذا ورد الخبر في باب الاعتقادات - وهي مسائل الكلام - فإنه لا يكون حجة لأنه يوجب الظن وعلم غالب الرأي لا علما قطعيا فلا يكون حجة فيما يبتني على العلم القطعي والاعتقاد حقيقة) اهـ.

19- قال البزدوي:
( أما دعوى علم اليقين - يريد في أحاديث الآحاد - فباطلة بلا شبهة لأن العيان يرده، وهذا لأن خبر الواحد محتمل لا محالة، ولا يقين مع الاحتمال، ومن أنكر هذا فقد سفه نفسه وأضل عقله).
وقال تفريعا على أن خبر الواحد لا يفيد العلم: ( خبر الواحد لما لم يفد اليقين لا يكون حجة فيما يرجع إلى الاعتقاد، لأنه مبني على اليقين، وإنما كان حجة فيما قصد فيه العمل). وقال قبل ذلك: ( ولا يوجب العلم يقينا عندنا)، قال شارحه عبدالعزيز البخاري: ( أي لا يوجب علم يقين ولا علم طمأنينة وهو مذهب أكثر أهل العلم وجملة الفقهاء) اهـ المراد منه.
20- قال الإمام السرخسي في أصوله ( ص329) بعدما ذكر قول من قال إن خبر الواحد يوجب العلم وذكر بعض ما يستدلون به: قال ما نصه:
(ولكنا نقول هذا القائل كأنه خفي عليه الفرق بين سكون النفس وطمأنينة القلب وبين علم اليقين، فإن بقاء احتمال الكذب في خبر غير المعصوم معاين لايمكن إنكاره، ومع الشبهة والاحتمال لا يثبت اليقين وإنما يثبت سكون النفس وطمأنينة القلب بترجح جانب الصدق ببعض الأسباب، وقد بينا فيما سبق أن علم اليقين لا يثبت بالمشهور من الأخبار بهذا المعنى فكيف يثبت بخبر الواحد وطمأنينة القلب نوع علم من حيث الظاهر فهو المراد بقوله: ( ثم أعلمهم)، ويجوز العمل باعتباره كما يجوز العمل بمثله في باب القبلة عند الاشتباه، ويتبقى باعتبار مطلق الجهالة لأنه يترجح جانب الصدق بظهور العدالة بخلاف خبر الفاسق فإنه يتحقق فيه المعارضة من غير أن يترجح أحد الجانبين...).
وقال ( ص 313): (... ودون هذا بدرجة أيضا الإجماع بعد الاختلاف في الحادثة إذا كان مختلفا فيها في عصر ثم اتفق أهل عصر آخر بعدهم على أحد القولين فقد قال بعض العلماء: هذا لا يكون إجماعا وعندنا هو إجماع ولكن بمنزلة خبر الواحد في كونه موجبا للعمل غير موجب للعلم).
هذا كلامه وهو صريح كل الصراحة في أن خبر الآحاد لا يفيد العلم، وبذلك تعرف ما في نقل ابن تيميه، حيث زعم أن السرخسي يقول إن خبر الآحاد يفيد العلم، وبذلك تعرف أيضا أن هذا الرجل لا يمكن أن يوثق بشيء من نقوله، والله المستعان.
21- قال الإمام الجصاص في الفصول في الأصول ( 3 / 53):
(قال أبو بكر: وليس لما يقع العلم به من الأخبار عدد معلوم من المخبرين عندنا، إلا أنا قد تيقنا: أن القليل لا يق ع العلم بخبرهم، ويقع بخبر الكثير إذا جاءوا متفرقين لا يجوز عليهم التواطؤ في مجرى العادة، وليس يمتنع أن يقع العلم في بعض الأحوال بخبر جماعة ولا يقع بخبر مثلهم في حال أخرى حتى يكونوا أكثر على حسب ما يصادف خبرهم من الأحوال، وقد علمنا يقينا أنه لا يقع العلم بخبر والاثنين ونحوهما إذا لم يقم الدلالة على صدقهم من غير جهة خبرهم، لأنا لما امتحنا أحوال الناس لم نر العدد القليل يوجب خبرهم العلم، والكثير يوجبه إذا كان بالوصف الذي ذكرنا).
وقال بعد كلام طويل يرد به على من رد قبول خبر الآحاد ( ص93) ما نصه: ( وأما أخبار الآحاد في أحكام الشرع فإنما الذي يلزمنا بها العمل دون العلم، فالمستدل بأخبار النبي (صلى الله عليه وسلم) على نفي خبر الواحد معتقد لما وصفنا، وأيضا فإن هذا القول منتقض على قائله في الشهادات وأخبار المعاملات في الفتيا، وحكم الحاكم ونحوها. لأن هذه الأخبار مقبول عند الجميع مع تفردها من الدلائل الموجبة لصحتها...).
ثم قال في نفس الصفحة في معرض الرد: ( فأما إذا قلنا يقبل خبر الواحد المخبر غيره عن النبي عليه السلام في لزوم العمل به، دون وقوع العلم بصحته والقطع على عينه، وقلنا: إن خبر النبي عليه السلام لما اقتضى وقوع العلم بصحة خبره وما دعى إليه احتاج إلى الدلائل الموجبة لصدقه ؛ فلم نجعل المخبر عن النبي عليه السلام أعلى منزلة منه عليه السلام في خبره...) إلخ كلامه.
22- قال القاسم محمد بن أحمد بن جزي الكلبي في تقريب الوصول إلى علم الأصول ( ص121):
(وأما نقل الآحاد فهو خبر الواحد أو الجماعة الذين لا يبلغون حد التواتر وهو لا يفيد العلم وإنما يفيد الظن وهو حجة عند مالك وغيره بشروط منها...إلخ).
23- قال ابن برهان في الوصول إلى الأصول ( 2 / 172 – 174):
(خبر الواحد لا يفيد العلم، خلافا لبعض أصحاب الحديث فإنهم زعموا أن ما رواه مسلم والبخاري مقطوع بصحته، وعمدتنا أن العلم لو حصل بذلك لحصل بكافة الناس كالعلم بالأخبار المتواترة، ولأن البخاري ليس معصوما عن الخطأ، فلا نقطع بقول ؛ ولأن أهل الحديث وأهل العلم غلطوا مسلما والبخاري وأثبتوا أوهامهما، ولو كان قولهما مقطوعا به لاستحال عليهما ذلك، ولأن الرواية كالشهادة ولا خلاف أن شهادة البخاري ومسلم لا يقطع بصحتها، ولو انفرد الواحد منهم بالشهادة لو يثبت الحق به، فدل على أن قوله ليس مقطوعا به، وإن أبدوا في ذلك منعا كان خلاف إجماع الصحابة فإن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما كانوا يقضون بإثبات بشهادة شاهدين...إلخ).
24- قال صفي الدين الهندي في نهاية الوصول ( 6 / 2801- 2802):
( إن أرادوا بقولهم: يفيد العلم إنه يفيد العلم بوجوب العمل، أو أنه يفيد اللم بمعنى الظن، فلا نزاع فيه لتساويهما، وبه أشعر كلام بعضهم، أو قالوا: يورث العلم الظاهر، ومعلوم أن العلم ليس له ظاهر، فالمراد منه الظن، وإن أرادوا منه أنه يفيد الجزم بصدق مدلوله، سواء كان على وجه الاطراد، كما نقل بعضهم عن الإمام أحمد وبعض الظاهرية أو لا على وجه الاطراد، بل في بعض أخبار الآحاد دون الكل، كما نقل عن بعضهم فهو باطل) اهـ.
25- قال الإمام ابن السبكي في جمع الجوامع و المحلى في شرحه ( 2 / 157) بحاشية العطار: (خبر الواحد لا يفيد العلم إلا بقرينه، كما في إخبار الرجل بموت ولده المشرف على الموت مع قرينه البكاء وإحضار الكفن والنعش، وقال الأكثر: لا يفيد مطلقا) اهـ.
26- قال أبو بكر ابن عاصم في مرتقى الوصول:
وخبر الواحد ظنا حصلا *** وهو بنقل واحد فما علا
قال شارحه الولاتي في نيل السول ( ص57): ( ومذهب الجمهور أن خبر الآحاد لا يفيد العلم ولو اختلف به القرائن وكان راويه عدلا) اهـ المراد منه.

عبد الواحد جعفر
30-07-2011, 08:45 AM
27- قال الشيخ ابن عبدالشكور في مسلم الثبوت (2 / 121 - 122) بشرح فواتح الرحموت:
( الأكثر من أهل الأصول ومنهم الأئمة الثلاثة، على أن خبر الواحد إن لم يكن معصوما لا يفيد العلم مطلقا، سواء اختلف بالقرائن أو لا، وقيل: يفيد بالقرينة، وقيل: خبر العدل يفيد مطلقا، فعن الإمام أحمد مطرد؛ فيكون كلما أخبر العدل حصل العلم، وهذا بعيد عن مثله، فإنه مكابرة ظاهره)، ثم ذكر كلام البزدوي المتقدم، إلى أن قال: ( ولو أفاد خبر الواحد العلم لأدى إلى التناقض إذا أخبر عدلان بمتناقضين ؛ إذ لو أفاد لاطرد، إذ تخصيص البعض دون البعض تحكم، ولو اطرد لأفاد هذان المتناقضان العلم أيضا، فليزم تحقق مضمونهما وهو التناقض)، إلى أن قال: ( وذلك - أي إخبار عدلين بمتناقضين - جائز بل واقع، كما لا يخفى على المستقري في الصحاح والسنن والمسانيد) إلى أن قال: ( واستدل في المشهور أيضا، لو أفاد خبر الواحد العلم لوجب تخطئة المخالف للخبر بالاجتهاد ؛ لأنه حينئذ اجتهاد على خلاف القاطع فيكون خطأ، وهو خلاف الإجماع، فإنه لم يخطئ أحد المفتي بخلاف خبر الواحد بالاجتهاد) اهـ المراد منه، مع زيادة من شرحه فواتح الرحموت للعلامة الأنصاري.
28- قال أبو الخطاب الحنبلي في التمهيد ( 3/78):
(خبر الواحد لا يقتضي العلم. قال - أي أحمد - في رواية الأثرم: ( إذا جاء الحديث عن النبي (صلى الله عليه وسلم) بإسناد صحيح، فيه حكم، أو فرض، عملت به ودنت الله تعالى به، ولا أشهد أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال ذلك) فقد نص على أنه لا يقطع به، وبه قال جمهور العلماء) اهـ المراد منه.
29- قال صفي الدين البغدادي الحنبلي في قواعد الأصول ( ص16):
(والآحاد مالم يتواتر، والعلم لا يحصل به في إحدى الروايتين، وهو قول الأكثرين ومتأخري أصحابنا، والأخرى بلى، وهو قول جماعة من أهل الحديث، والظاهرية) اهـ المراد منه.
30- قال ابن قدامة الحنبلي في روضة الناظر( 1/260):
(القسم الثاني: أخبار الآحاد، وهي ماعدا المتواتر، اختلفت الرواية عن إمامنا في حصول العلم بخبر الواحد، فروي أنه لا يحصل به، وهو قال الأكثرين، والمتأخرين من أصحابنا، لأنا نعلم ضرورة أنا لا نصدق كل خبر نسمعه، ولو كان مفيدا للعلم لما صح ورود خبرين متعارضين، لاستحالة اجتماع الضدين، ولجاز نسخ القرآن والأخبار المتواترة به، لكونه بمنزلتهما في إفادة العلم، ولوجب الحكم بالشاهد الواحد ولاستوى في ذلك العدل والفاسق كما في التواتر).
وقد أوضح كلامه هذا العلامة ابن بدران في حواشيه "نزهة الخاطر العاطر" ( 1 ص261) حيث قال: ( هذه أدلة القائلين بأن خبر الواحد لا يحصل به العلم، وبيانها من وجوه نسردها على طبق ما هنا:-
أحدهما: لو أفاد خبر كل واحد العلم لصدقنا كل خبر نسمعه، لكنا لا نصدق كل خبر نسمعه فهو لا يفيد العلم، فالمصنف طوى المقدم في القياس وذكر التالي وانتقاء اللازم والملازمة، وهو تصديقنا كل خبر نسمعه...ظاهران غنيان عن البيان.
ثانيها: لو أفاد خبر الواحد العلم لما تعارض خبران ؛ لأن العلمين لا يتعارضان، لكنا رأينا التعارض كثيرا في أخبار الآحاد، فدل على أنها لا تفيد العلم.
ثالثها: لو أفاد خبر الواحد العلم لجاز نسخ القرآن ومتواتر السنة به ؛ لكونه بمنزلتهما في إفادة العلم، لكن نسخ القرآن ومتواتر السنة به لايجوز لضعفه عنهما، فدل أنه لا يفيد العلم.
رابعها: لو أفاد خبر الواحد العلم لجاز الحكم بشاهد واحد، ولم يحتج معه إلى شاهد ولا إلى يمين عند عدمه، ولا إلى زيادة على الواحد في الشهادة في الزنا واللواط لأن العلم بشهادة الواحد حاصل، وليس بعد حصول العلم مطلوب، لكن الحكم بشهادة واحد بمجرده لايجوز، وذلك يدل على أنه لا يفيد العلم.
خامسها: لو أفاد خبر الواحد العلم لاستوى العدل والفاسق في الإخبار، لاستوائهما في حصول العلم بخبرهما، كما استوى خبر التواتر في كون عدد المخبرين به عدولا أو فساقا مسلمين أو كفارا، إذ لا مطلوب بعد حصول العلم، وإذا حصل بخبر الفاسق لم يكن بينه وبين العدل فرق من جهة الإخبار، لكن الفاسق والعدل لا يستويان بالإجماع والضرورة، وما ذاك إلا لأن المستفاد من خبر الواحد إنما هو الظن، وهو حاصل من خبر العدل دون الفاسق) اهـ.
31- قال الطوفي في البلبل في أصول الفقه على مذهب أحمد بن حنبل ( 2 ص103) بشرح المختصر:
(الثاني: الآحاد وهو ما عدم شروط التواتر أو بعضها، عن أحمد في حصول العلم به قولان: الأظهر لا، وهو قول الأكثرين، ثم ذكر القول الثاني، ثم ذكر دليل القول الأول وهو الراجح عنده فقال الأولون: لو أفاد العلم لصدقنا كل خبر نسمعه، ولما تعارض خبران، ولجاز الحكم بشاهد واحد، ولاستوى العدل والفاسق كالتواتر، واللوازم باطلة، والاحتجاج بنحو (وأن تقولوا على الله مالا تعلمون) غير مجد لجواز ارتكاب المحرم) اهـ.
32- قال السفاريني الحنبلي في لوائح الأنوار السنية ( 1/133)، وفي لوامع الأنوار ( 1/5): (وأما تعريفه - يعني علم التوحيد - فهو العلم بالعقائد الدينية عن الأدلة اليقينية أي العلم بالقواعد الشرعية الاعتقادية، والمكتسب من أدلتها اليقينية، والمراد بالدينية المنسوبة إلى دين محمد (صلى الله عليه وسلم) من السمعيات، وغيرها، سواء كانت من الدين في الواقع ككلام أهل الحق، أو لا ككلام أهل البدع، واعتبروا في أدلتها اليقين لعدم الاعتقاد بالظن في الاعتقاديات) اهـ.
33- قال الإمام محمد عبده في المنار ( 1 / 135):
( والطريق الأخرى خبر الصادق المعصوم بعد أن قامت الدلائل على صدقه وعصمته عندك، ولا يكون الخبر طريقان لليقين حتى تكون سمعت الخبر من نفس المعصوم (صلى الله عليه وسلم) أو جاءك عنه من طريق لا تحتمل الريب وهي طريق التواتر دون سواها، فلا ينبوع لليقين بعد طول الزمن بيننا وبين النبوة إلا سبيل المتواترات التي لم يختلف أحد في وقوعها) اهـ.
وقال أيضا: ( ولو أراد مبتدع أن يدعو إلى هذه العقيدة فعليه أن يقيم عليها الدليل الموصل إلى اليقين، إما بالمقدمات العقلية البرهانية أو بالأدلة السمعية المتواترة، ولا يمكنه أن يتخذ حديثا من حديث الآحاد دليلا على العقيدة مهما قوي سنده، فإن المعروف عند الأئمة قاطبة أن أحاديث الآحاد لا تفيد إلا الظن ( وإن الظن لا يغني من الحق شيئا) اهـ، انظر تفسير القاسمي ( 13 / 492).
وقال في تفسير سورة الفلق من تفسير جزء عم ( ص186): ( وأما الحديث فعلى فرض صحته هو آحاد، والآحاد لا يؤخذ بها في باب العقائد، وعصمة النبي (صلى الله عليه وسلم) من تأثير السحر في عقله عقيدة من العقائد، لا يؤخذ في نفيها عنه إلا باليقين، ولا يجوز فيها بالظن والظنون، على أن الحديث الذي يصل إلينا من طريق الآحاد إنما يحصل الظن عند من صح عنده، أما من قامت له الأدلة على أنه غير صحيح فلا تقوم به عليه حجة، وعلى أي حال فلنا بل علينا أن نفوض الأمر في الحديث، ولا نحكمه في عقيدتنا، ونأخذ بنص الكتاب وبدليل العقل) ا.هـ..
وقال في تفسير المنار (3 / 317): (ولصاحب هذه الطريقة في حديث الرفع والنزول في آخر الزمان تخريجان: أحدهما:
أنه حديث آحاد متعلق بأمر اعتقادي لأنه من أمور الغيب، والأمور الاعتقادية لا يؤخذ فيها إلا بالقطع لأن المطلوب فيها هو اليقين، وليس في الباب حديث متواتر) اهـ.
34- قال السيد محمد رشيد رضا في المنار ( 1 / 138):
(إن بعض أحاديث الآحاد تكون حجة عند من ثبتت عنده واطمأن قلبه بها، ولا تكون حجة على غيره يلزم العمل بها، ولذلك لم يكن الصحابة (رضي الله عنهم) يكتبون جميع ما سمعوه من الأحاديث ويدعون إليها، مع دعوتهم إلى إتباع القرآن والعمل به وبالسنة العملية المتبعة له، إلا قليلا من بيان السنة - كصحيفة علي - كرم الله وجهه- المشتملة على بعض الأحكام كالدية وفكاك الأسير وتحريم المدينة كمكة - ولم يرض الإمام مالك من الخليفتين المنصور والرشيد أن يحملا الناس على العمل بكتبه حتى الموطأ، وإنما يجب العمل بأحاديث الآحاد على من وثق بها رواية ودلالة) اهـ.
هذه بعض أقوال العلماء من أصحاب المذاهب الأربعة حول قضية الاستدلال بأحاديث الآحاد في مسائل العقيدة، ولهم نصوص أخرى كثيرة لا داعي لذكرها الآن، وبما ذكرناه كفاية، وهذا كله إذا لم يعارضها نص من الكتاب أو حديث متواتر من السنة.
وبعض العلماء الف فيها كتابا ولكنه مختصرٌ نوعاً ما..
والله اعلم..

عبد الواحد جعفر
30-07-2011, 09:07 AM
أما القول:

لا شك أن خبر الآحاد لا يفيد العلم في ذاته.. ولكنه إذا تلقته الأمة بالقبول واجمع العلماء على صحته أصبح في حكم قطعي الثبوت.
يقول ابن تيمية رحمه الله: وخبر الواحد المتلقى بالقبول يوجب العلم عند جمهور العلماء، فإنه وإن كان في نفسه لا يفيد إلا الظن، لكن لما اقترن به إجماع أهل العلم بالحديث على تلقيه بالتصديق كان بمنزلة إجماع أهل العلم بالفقه على حكم مستندين في ذلك الى ظاهر أو قياس أو خبر واحد، فإن ذلك الحكم يصير قطعياً عند الجمهور، وإن كان بدون الإجماع ليس بقطعي .
فقد رد عليه الإمام النووي في مقدمة شرح صحيح مسلم 1/20، بما نصه:
"وهذا آخر ما ذكره الشيخ أبو عمرو رحمه الله _يقصد ابن الصلاح_ وقال في جزء له: ما اتفق البخاري ومسلم على إخراجه فهو مقطوع بصدق مخبره ثابت يقيناً لتلقي الأمة ذلك بالقبول وذلك يفيد العلم النظري وهو في إفادة العلم كالمتواتر إلا أن المتواتر يفيد العلم الضروري وتلقي الأمة بالقبول يفيد العلم النظري وقد اتقفت الأمة على أن ما اتفق البخاري ومسلم على صحته فهو حق وصدق. قال الشيخ في علوم الحديث وقد كنت أميل إلى أن ما اتفقا عليه فهو مظنون وأحسبه مذهباً قوياً، وقد بان لي الآن أنه ليس كذلك وأن الصواب أنه يفيد العلم وهذا الذي ذكره الشيخ في هذه المواضع خلاف ما قاله المحققون والأكثرون فإنهم قالوا أحاديث الصحيحين التي ليست بمتواترة إنما تفيد الظن فإنها أخبار آحاد والآحاد إنما الظن على ما تقرر لا فرق بين البخاري ومسلم وغيرهما في ذلك، وتلقي الأمة بالقبول إنما أفادنا وجوب العمل بما فيهما وهذا متفق عليه فإن أخبار الآحاد التي في غيرهما يجب العمل بها إذا صحت أسانيدها ولا تفيد إلا الظن، فكذا الصحيحان. وإنما يفترق الصحيحان وغيرهما من الكتب في كون ما فيهما صحيحاً لا يحتاج إلى النظر فيه بل يجب العمل به مطلقاً، وما كان في غيرهما لا يعمل به حتى ينظر ونوجد فيه شروط الصحيح. ولا يلزم من إجماع الأمة على العمل بما فيهما إجماعهم على أنه مقطوع بأنه كلام النبي صلى الله عليه وسلم".
مع خالص التحيات

سيفي دولتي
30-07-2011, 09:32 AM
جزاك الله خيرا ..

أستأذنك بالنقل للمنتديات العامة حتى تعم الفائدة ..