ابوعبدالرحمن حمزة
03-06-2011, 10:58 AM
كل من يفكر على أساس الإسلام ويجعل هواه تبعاً للإسلام يكون شخصية إسلامية.
والدليل على ذلك الايات التي تصف وتبين هذه الشخصية عندما وصفت صحابة رسول الله، وحين وصفت المؤمنين، وحين وصفت عباد الرحمن، وحين وصفت المجاهدين، قال الله تعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشدّاء على الكفار رحماء بينهم)، وقال: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتّبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه)، وقال: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو مُعرِضون والذين هم للزكاة فاعلون)، وقال: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوْناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما. والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً)، وقال: (لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم)، وقال: (التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين).
ومع ذلك فقد وقعت مع الصحابة في عهد الرسول عدة حوادث كان الصحابي يخالف بعض الأوامر والنواهي، فلم تَطعن هذه المخالفات بإسلامه ولم تؤثر في كونه شخصية إسلامية. ذلك أنهم بشر وليسوا ملائكة، وأنهم كباقي الناس وليسوا معصومين، لأنهم ليسوا أنبياء. فقد أرسل حاطب بن أبي بلتعة لكفار قريش خبر غزو الرسول لهم مع أن الرسول كان حريصاً على كتمانه. ولوى الرسول عنق الفضل بن العباس حين رآه ينظر إلى المرأة التي كانت تكلم الرسول نظرة مكررة تنم عن الميل والشهوة. وتحدّث الأنصار عام الفتح عن رسول الله أنه تركهم ورجع إلى أهله مع أنه كان بايَعَهم على أن لا يتركهم. وفرّ كبار الصحابة في حُنَين وتركوا الرسول في قلب المعركة مع نفر قليل من أصحابه، إلى غير ذلك من الحوادث التي حصلت ولم يعتبرها الرسول طاعنة بإسلام مرتكبيها، ولا مؤثرة على كونهم شخصيات إسلامية.
وهذا وحده كاف لأن يكون دليلاً على أن الثغرات التي تحصل في السلوك لا تُخرِج المسلم عن الإسلام، ولا تُخرجه عن كونه شخصية إسلامية.
ولكن ذلك لا يعني إباحة مخالفة أوامر الله ونواهيه. فإن حرمة مخالفتها أو كراهتها أمرٌ لا شبهة فيه، ولا يعني أن الشخصية الإسلامية لها أن تخالف صفات المسلم المتشدد في دينه، فإن هذا لا بد منه لتكون شخصية إسلامية، وإنما يعني أن المسلمين بشر، وأن الشخصيات الإسلامية من البشر وليسوا من الملائكة، فإذا زلّوا عوملوا بما يقتضيه حكم الله من المعاقبة على الذنب إن كان مما يعاقَب عليه، ولكن لا يقال عنهم إنهم أصبحوا غير شخصية إسلامية.
فالأساس هو سلامة العقيدة الإسلامية عند الشخص وبنائه تفكيره وميوله عليها حتى يكون شخصية إسلامية. فما دام الأساس سليماً والبناء في التفكير والميول محصور في العقيدة الإسلامية فإنه لا يطعن في كون المسلم شخصية إسلامية حصول هفوات نادرة منه أي حصول ثغرات في سلوكه. فإذا طرأ خلل على العقيدة خرج الشخص عن الإسلام، ولو كانت أعماله مبنية على أحكام الإسلام، لأنها لا تكون حينئذ مبنية على الاعتقاد بل مبنية على غير الاعتقاد –إما مبنية على العادة أو على مجاراة الناس أو على كونها نافعة أو على غير ذلك- وإذا طرأ خلل على البناء بأن صار يجعل المنفعة الأساس الذي يبني عليه سلوكه أو جعل العقل الأساس الذي يبني عليه سلوكه، فإنه يكون مسلماً لسلامة عقيدته، ولكنه لا يكون شخصية إسلامية ولو كان من حملة الدعوة الإسلامية، ولو كان سلوكه كله وفق أحكام الإسلام، لأن بناء التفكير والميول على العقيدة الإسلامية بناء على الاعتقاد بها هو الذي يجعل الإنسان شخصية إسلامية.
لذلك يخطئ كثيراً أولئك الذين يتصورون الشخصية الإسلامية بأنها مَلاك. وضرر هؤلاء في المجتمع عظيم جداً لأنهم يبحثون عن الملاك بين البشر فلا يجدونه مطلقاً، بل لا يجدونه في أنفسهم فييأسون وينفُضون أيديهم من المسلمين. وهؤلاء الخياليون إنما يبرهنون على أن الإسلام خيالي، وأنه يستحيل التطبيق، وأنه عبارة عن مُثُل عليا جميلة لا يمكن للإنسان أن يطبقها أو يصبر عليها، فيصدّون الناس عن الإسلام ويشلّون الكثيرين عن العمل. مع أن الإسلام جاء ليُطبَّق عملياً وهو واقعي أي يعالج واقعاً، لا يصعب تطبيقه. وفي متناول كل إنسان مهما بلغ تفكيره من الضعف ومهما بلغت غرائزه وحاجاته من القوة، فإنه ممكن له أن يطبق الإسلام على نفسه بسهولة ويُسْر بعد أن يدرك العقيدة ويصبح شخصية إسلامية. لأنه بمجرد جعله عقيدة الإسلام مقياساً لمفاهيمه وميوله وسار على هذا المقياس، كان شخصية إسلامية قطعاً. وما عليه بعد ذلك إلاّ أن يقوّي هذه الشخصية بالثقافة الإسلامية لتنمية عقليته، وبالطاعات لتقوية نفسيته حتى يسير نحو المرتقى السامي ويَثبُت على هذا المرتقى، بل يسير من عليّ إلى أعلى فينال رضوان الله في الدنيا والآخرة.
فلو شاء الله من البشر ان يكونوا كاملين في الدنيا لنزع منهم حب الشهوات ولكنه كرمهم بالعقل واراد منهم ان يسعوا للكمال قال تعالى ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم احسن عملا وهو العزيز الغفور ).
يتبع
والدليل على ذلك الايات التي تصف وتبين هذه الشخصية عندما وصفت صحابة رسول الله، وحين وصفت المؤمنين، وحين وصفت عباد الرحمن، وحين وصفت المجاهدين، قال الله تعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشدّاء على الكفار رحماء بينهم)، وقال: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتّبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه)، وقال: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو مُعرِضون والذين هم للزكاة فاعلون)، وقال: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوْناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما. والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً)، وقال: (لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم)، وقال: (التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين).
ومع ذلك فقد وقعت مع الصحابة في عهد الرسول عدة حوادث كان الصحابي يخالف بعض الأوامر والنواهي، فلم تَطعن هذه المخالفات بإسلامه ولم تؤثر في كونه شخصية إسلامية. ذلك أنهم بشر وليسوا ملائكة، وأنهم كباقي الناس وليسوا معصومين، لأنهم ليسوا أنبياء. فقد أرسل حاطب بن أبي بلتعة لكفار قريش خبر غزو الرسول لهم مع أن الرسول كان حريصاً على كتمانه. ولوى الرسول عنق الفضل بن العباس حين رآه ينظر إلى المرأة التي كانت تكلم الرسول نظرة مكررة تنم عن الميل والشهوة. وتحدّث الأنصار عام الفتح عن رسول الله أنه تركهم ورجع إلى أهله مع أنه كان بايَعَهم على أن لا يتركهم. وفرّ كبار الصحابة في حُنَين وتركوا الرسول في قلب المعركة مع نفر قليل من أصحابه، إلى غير ذلك من الحوادث التي حصلت ولم يعتبرها الرسول طاعنة بإسلام مرتكبيها، ولا مؤثرة على كونهم شخصيات إسلامية.
وهذا وحده كاف لأن يكون دليلاً على أن الثغرات التي تحصل في السلوك لا تُخرِج المسلم عن الإسلام، ولا تُخرجه عن كونه شخصية إسلامية.
ولكن ذلك لا يعني إباحة مخالفة أوامر الله ونواهيه. فإن حرمة مخالفتها أو كراهتها أمرٌ لا شبهة فيه، ولا يعني أن الشخصية الإسلامية لها أن تخالف صفات المسلم المتشدد في دينه، فإن هذا لا بد منه لتكون شخصية إسلامية، وإنما يعني أن المسلمين بشر، وأن الشخصيات الإسلامية من البشر وليسوا من الملائكة، فإذا زلّوا عوملوا بما يقتضيه حكم الله من المعاقبة على الذنب إن كان مما يعاقَب عليه، ولكن لا يقال عنهم إنهم أصبحوا غير شخصية إسلامية.
فالأساس هو سلامة العقيدة الإسلامية عند الشخص وبنائه تفكيره وميوله عليها حتى يكون شخصية إسلامية. فما دام الأساس سليماً والبناء في التفكير والميول محصور في العقيدة الإسلامية فإنه لا يطعن في كون المسلم شخصية إسلامية حصول هفوات نادرة منه أي حصول ثغرات في سلوكه. فإذا طرأ خلل على العقيدة خرج الشخص عن الإسلام، ولو كانت أعماله مبنية على أحكام الإسلام، لأنها لا تكون حينئذ مبنية على الاعتقاد بل مبنية على غير الاعتقاد –إما مبنية على العادة أو على مجاراة الناس أو على كونها نافعة أو على غير ذلك- وإذا طرأ خلل على البناء بأن صار يجعل المنفعة الأساس الذي يبني عليه سلوكه أو جعل العقل الأساس الذي يبني عليه سلوكه، فإنه يكون مسلماً لسلامة عقيدته، ولكنه لا يكون شخصية إسلامية ولو كان من حملة الدعوة الإسلامية، ولو كان سلوكه كله وفق أحكام الإسلام، لأن بناء التفكير والميول على العقيدة الإسلامية بناء على الاعتقاد بها هو الذي يجعل الإنسان شخصية إسلامية.
لذلك يخطئ كثيراً أولئك الذين يتصورون الشخصية الإسلامية بأنها مَلاك. وضرر هؤلاء في المجتمع عظيم جداً لأنهم يبحثون عن الملاك بين البشر فلا يجدونه مطلقاً، بل لا يجدونه في أنفسهم فييأسون وينفُضون أيديهم من المسلمين. وهؤلاء الخياليون إنما يبرهنون على أن الإسلام خيالي، وأنه يستحيل التطبيق، وأنه عبارة عن مُثُل عليا جميلة لا يمكن للإنسان أن يطبقها أو يصبر عليها، فيصدّون الناس عن الإسلام ويشلّون الكثيرين عن العمل. مع أن الإسلام جاء ليُطبَّق عملياً وهو واقعي أي يعالج واقعاً، لا يصعب تطبيقه. وفي متناول كل إنسان مهما بلغ تفكيره من الضعف ومهما بلغت غرائزه وحاجاته من القوة، فإنه ممكن له أن يطبق الإسلام على نفسه بسهولة ويُسْر بعد أن يدرك العقيدة ويصبح شخصية إسلامية. لأنه بمجرد جعله عقيدة الإسلام مقياساً لمفاهيمه وميوله وسار على هذا المقياس، كان شخصية إسلامية قطعاً. وما عليه بعد ذلك إلاّ أن يقوّي هذه الشخصية بالثقافة الإسلامية لتنمية عقليته، وبالطاعات لتقوية نفسيته حتى يسير نحو المرتقى السامي ويَثبُت على هذا المرتقى، بل يسير من عليّ إلى أعلى فينال رضوان الله في الدنيا والآخرة.
فلو شاء الله من البشر ان يكونوا كاملين في الدنيا لنزع منهم حب الشهوات ولكنه كرمهم بالعقل واراد منهم ان يسعوا للكمال قال تعالى ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم احسن عملا وهو العزيز الغفور ).
يتبع