muslem
28-05-2011, 08:39 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
أجوبة أسئلة
سؤال1: انعقدت قمة الدول الصناعية الثماني (g.8)في الفترة ما بين (9-10) من هذا الشهر، فما هو تأثير انعقاد القمة على "مشروع الشرق الأوسط الكبير" والذي طرح كبند رئيسي فيها، ولماذا امتنعت مصر والسعودية عن الحضور، وما هو تأثير مجريات القمة على قضيتي فلسطين والعراق؟ الجواب: لفهم ما جرى في القمة لا بد من تسليط الضوء على طبيعة الدول المشاركة باعتبارها أطراف القمة، وعلى العلاقات الأميركية الأوروبية وما تريده أميركا من دول أوروبا فيما يخدم السير بمشروعها للشرق الأوسط الموسع.
أما عن العلاقات الأميركية الأوروبية، فلا بد من فهم الوضع الأوروبي ولو بشكل إجمالي، حيث أن أغلب دول أوروبا مثل إيطاليا والبرتغال ودول شرق أوروبا تدور في فلك الولايات المتحدة إن لم تكن تابعة لها في سياساتها الخارجية، أما بريطانيا فهي وبعد أن طردتها أميركا من معظم مناطق نفوذها قررت مسايرة أميركا والمحافظة على البقاء بجانبها، وذلك لتحافظ على مصالحها عن طريق تأمين مصالح الدولة المتفردة في العالم، وبما يتيح لها الإبقاء على دور تحرص على وجوده _مع كونه دورا شكليا_ في الموقف الدولي. ويبقى في الساحة الأوروبية الدولتان الأبرز وهما ألمانيا وفرنسا؛ فألمانيا وإن برز أنها تعارض أميركا في بعض السياسات وخصوصا في حربها على العراق، فهذا مرده لترتيبات أميركا من أجل قطع الطريق على محاولات فرنسا التأثير على الساحتين الأوروبية والدولية.
وأما فرنسا فهي تحاول جاهدة الدفاع عن وجودها كدولة كانت حتى وقت قريب وقبل تفرد أميركا دولة مؤثرة في الموقف الدولي، لذلك فهي تحاول التأثير مجددا في مجريات الأحداث الدولية، ولو كان ذلك عن طريق اتخاذ مواقف في وجه أميركا وما تخطط له تجاه أوروبا والعالم، وقد ظهر ذلك جليا في معارضتها للعدوان على العراق، وهي مع ذلك لا تمتلك في الوقت الراهن المتطلبات اللازمة ولا حتى القدرة على الاستمرار في البقاء على مواقفها تجاه مخططات أميركا، وتكتفي في معظم الحالات بمحاولاتها للتمرد بين الحين والآخر، بل وبث الجرأة بين دول العالم على مواجهة تفرد أميركا، إضافة إلى إبراز نفسها على الساحة الدولية مما ولد حالات احتكاك تطورت إلى جفاء بينها وبين الولايات المتحدة بلغت الذروة أثناء محاولة الأميركان استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي لغزو العراق، فالإدارة الأميركية التي تواصل العمل على تقزيم أوروبا، تدأب على منع فرنسا بالذات من الارتكاز على ثقل أوروبا السياسي، ومنع خطر ذلك من التأثير في الموقف الدولي حال توحدها على الصعيد السياسي، وقد نجحت في تحقيق ذلك حتى الآن. وستبقى فرنسا مستمرة في محاولاتها للتأثير في مجريات الأحداث الدولية كلما واتتها الفرصة، مع دوام المراقبة لمصالحها ومدى الضرر الذي يمكن أن يلحقها لخروجها عن الرغبة الأميركية.
وفيما يخص قمة الثماني فالولايات المتحدة تعمل على استغلال الأوربيين في إتمام مخططها الخاص بالشرق الأوسط الموسع، فمصالح الأوروبيين في المنطقة بالغة الأهمية، وهم والأميركيون متفقون على أن الإسلام المتنامي لدى المسلمين يشكل خطرا مشتركا عليهما معا، وإن كان أشد خطورة على الأوروبيين الذين يدركون أن أي تغيير في المنطقة يخصهم أكثر من غيرهم، لمجاورتهم لها. وقد بلغت محاولات أميركا استغلال الأوروبيين حد محاولة إشراك حلف شمال الأطلسي وبقيادة أميركية لتنفيذ مشروعها بدءاً بضغطها لإرسال قوات أطلسية إلى العراق، وقد لا ينتهي ذلك بحمل الحلف على اتخاذ دور أمني رئيسي ترسمه أميركا له لمراقبة القيام بـ"الإصلاحات" المطلوبة وما قد يقتضيه من تدخلات في المنطقة، حيث أصبح ظاهرا أن هناك دورا رسمته أميركا للحلف يتعلق بالمشروع، فقد نُقل عن نيكولاس بيرنز أثناء اجتماع الحلف في براغ تشرين أول/2003 "إن مستقبل حلف شمال الأطلسي هو في الشرق والجنوب أي في الشرق الأوسط الكبير"، لذلك عارض الفرنسيون بقوة التدخل المباشر للحلف بإرسال القوات إلى العراق حسب الطلب الأميركي والإلحاح العراقي بحجة أن لا تقع أوروبا في حالة الاستعداء لأهل المنطقة، وتأثير ذلك على مستقبل علاقاتهم مع جيرانهم، إضافة إلى أن فرنسا تريد المحافظة على عدم مد يد العون لتخفيف حدة اختراق أميركا لما يسمى بالشرعية الدولية، وإظهار أنها قد اضطرت للرجوع للأمم المتحدة مما يثبت صحة موقف فرنسا الذي اتخذته ودعت إليه عشية بدء الحرب. رغم عدم معارضة أعضاء الناتو ومنهم فرنسا وألمانيا لقبول دور محدود للحلف يتعلق بمشروع الشرق الأوسط الكبير، ومن المتوقع أن تنجح أميركا في حمل الحلف في مؤتمره القادم بعد أيام على الخروج بقرارات تخدم ما خططت له.
أما فيما يخص "الإصلاحات" المطروحة في مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي عرضته أميركا على دول الثماني، فهو امتداد للتغييرات المطلوبة أميركيا والموجهة أصلا لشعوب المنطقة وليس لحكامها. وقد استخدمت أميركا فور غزوها للعراق ورقة تخليص الشعوب من الحكام الديكتاتوريين حافزا لتلك الشعوب لِتَقَبُّل ما تطلبه أميركا من تغييرات، مغلِّفة جملة تلك المطالب بقوالب جذابة كإطلاق الحريات وحقوق الإنسان والمرأة والطفل والديموقراطية وتطوير التعليم...، كما استغلت رعب الحكام لتسريع السير فيما تريده من إصلاحات. ولولا وقوعها في أخطاء قاتلة في العراق، وخاصة قيامها بحل الجيش وقوات الأمن العراقيين، واستعمالها القسوة البالغة مع الناس بعد ظهور المقاومة لقواتها، لكان حدوث التغييرات في المنطقة أقل صعوبة وأكثر سرعة. أما وقد خفت حدة حالة الرعب عند الحكام فإن أميركا ما زالت تراقب تنفيذهم الواضح لما تطلبه مما تسميه "إصلاحات" موهمة إياهم بالطمأنينة على كراسيهم ما داموا ملتزمين بتنفيذ برامج "الإصلاحات" على شعوبهم، وهي في حقيقة الأمر تريد استنزافهم في فرض ما لا يرغبه الناس من تلك الإصلاحات وتوهم بالأخص جيل الشباب منهم، مشعرة إياهم بالرضى التام كلما ضربوا المثل لغيرهم بإنجازاتهم على طريق "الإصلاحات".
أما عن الاختلاف بين المشروع الأميركي وما طرحه الأوروبيون في المشروع الألماني_الفرنسي، فإنه ليس على ماهية "الإصلاحات"، وإنما على أسلوب تنفيذها، فهم يهدفون جميعا لإبعاد المسلمين عن الإسلام، ودفع أهل المنطقة لتبني وجهة النظر الغربية في الحياة وتطبيق الديموقراطية، والإدارة الأميركية كانت تريد فرض مفاهيمها بالتهديد والقوة حال لزوم ذلك لتحقيق أهدافها بشكل أسرع بغض النظر عن رأي أهل المنطقة. أما الأوروبيون وهم الأكثر إدراكا لطبيعة المنطقة وأهلها، فهم يريدون اعتماد أسلوب التسريب بحيث يتبنى أهل المنطقة الإصلاحات طواعية ودون إظهار فرضها من الخارج حتى يضمنوا نجاحها، فلا يتم بذلك استثارة أهل المنطقة، فيرفضوا الإصلاحات جملة وتفصيلا، وقد ظهر قبولُ أميركا لهذا الطرح قبل انعقاد المؤتمر بمدة.
وفيما يتعلق بالمشروع الذي اتُّفِق على تنفيذه في قمة الثماني فهو جملة من الإجراءات المتعلقة بالمجالات الثقافية والتعليمية والسياسية والاقتصادية، بغرض تحويل الرأي العام والمناخ السياسي على المستويين الرسمي والشعبي بدرجة أكبر لتقبل مفاهيم الديموقراطية و"التسامح" وحقوق المرأة وصياغة العقول وخاصة الأجيال الصاعدة بمفاهيم الحضارة الغربية بما يضمن تغييرا جذريا للمنطقة الإسلامية، ويضمن بالتالي بقاء نفوذ الكفر عموما والنفوذ الأميركي بخاصة، كما يؤمِّن المشروع هدف تقبل ما يسمى بدولة اليهود ضمن المنطقة، ويمنع كذلك قيام أي تحرك من أهل المنطقة يؤدي إلى الانعتاق من ربقة الكفر ونفوذه، بل وتهديد الغرب والأوروبيين بالذات، وهم الذين خبروا وعلى مدى قرون المسلمين واندفاعهم بالإسلام وكيف دخلوا أوروبا واستقروا فيها لمئات السنين.
وفيما يتعلق بامتناع مصر والسعودية عن تلبية الدعوة لحضور القمة، فإن ذلك ليتناسب مع موقفها المعلن من المشروع، وعلى اعتبار أن هذه الدول هي التي رفضت أسلوب طرح المشروع الأميركي، فهي قبلت "الإصلاحات" ولكنها عارضت أن تكون مفروضة من الخارج، فهي لم تتخذ قرارا ضد المصالح الأميركية، وهي أقل من أن ترفض طلبات أميركا، التي ظهر جليا موافقتها على إظهار عدم فرض الإصلاحات من الخارج ، وقد جاء ذلك على لسان الكثير من ساستها.أما حكام الدول الذين حضروا القمة، فظاهر الأمر هو المشاركة في وضع تصور للإصلاحات تتناسب مع المنطقة وأهلها، وإبراز تمثيل المنطقة في المشاركة باتخاذ قرارات تخصها، والواقع هو للقيام بما يترتب عليهم في مجالات التغيير المتعددة، وضرب المثل بما ستناله بلدانهم لريادتها في طريق السير لإنجاز الإصلاحات.
أما قضية العراق فكان حضورها ضعيفا ما عدا طلب أميركا من الأوروبيين مشاركة قوات من حلف الأطلسي في مهمات إعادة الاستقرار للعراق، الأمر الذي جاء على لسان الياور، وتم رفض هذا الاقتراح من قبل فرنسا بشكل قاطع، ومن الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة وبعد تعثر مخططها لتحويل العراق نقطة انطلاق لمشروعها في المنطقة نتيجة أخطائها المتكررة وسوء تقديراتها، فإنها ماضية نحو السير في العمل على إحداث التغيير في المنطقة بشكل متوازي وسيرها في العراق، واتخاذ نماذج جديدة وترتيب أدوار لصنائعها وعملائها للسير حسب إرادتها.
وفيما قضية فلسطين فلم يتعد البحث فيها الدعوة لتفعيل دور الرباعية حتى يتحقق أكبر قدر من الضغط على اليهود لتمهيد الطريق أمام شارون للسير في خطته للانسحاب من غزة واعتبار ذلك جزءاً من السير حسب معطيات خارطة الطريق، وقد سبق عقد المؤتمر الإيعاز لبعض حكام المنطقة التشديد على ضرورة التقدم في حل القضية الفلسطينية، ومشاركة دول أوروبا على أن السير في حل هذه القضية هو المفتاح لما يسمى بـ"الإصلاحات" في الشرق الأوسط، مع التأكيد على أن عدم التقدم في مسألة فلسطين لا يصح أن يؤثر على تنفيذ الخطوات التي تم الاتفاق عليها والمتعلقة بالتغيير ، وكأن الولايات المتحدة جعلت الأولوية لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الموسع بمعزل عن قضايا المنطقة التي تحتاج إلى وقت لحلها مع عدم إهمالها.
أجوبة أسئلة
سؤال1: انعقدت قمة الدول الصناعية الثماني (g.8)في الفترة ما بين (9-10) من هذا الشهر، فما هو تأثير انعقاد القمة على "مشروع الشرق الأوسط الكبير" والذي طرح كبند رئيسي فيها، ولماذا امتنعت مصر والسعودية عن الحضور، وما هو تأثير مجريات القمة على قضيتي فلسطين والعراق؟ الجواب: لفهم ما جرى في القمة لا بد من تسليط الضوء على طبيعة الدول المشاركة باعتبارها أطراف القمة، وعلى العلاقات الأميركية الأوروبية وما تريده أميركا من دول أوروبا فيما يخدم السير بمشروعها للشرق الأوسط الموسع.
أما عن العلاقات الأميركية الأوروبية، فلا بد من فهم الوضع الأوروبي ولو بشكل إجمالي، حيث أن أغلب دول أوروبا مثل إيطاليا والبرتغال ودول شرق أوروبا تدور في فلك الولايات المتحدة إن لم تكن تابعة لها في سياساتها الخارجية، أما بريطانيا فهي وبعد أن طردتها أميركا من معظم مناطق نفوذها قررت مسايرة أميركا والمحافظة على البقاء بجانبها، وذلك لتحافظ على مصالحها عن طريق تأمين مصالح الدولة المتفردة في العالم، وبما يتيح لها الإبقاء على دور تحرص على وجوده _مع كونه دورا شكليا_ في الموقف الدولي. ويبقى في الساحة الأوروبية الدولتان الأبرز وهما ألمانيا وفرنسا؛ فألمانيا وإن برز أنها تعارض أميركا في بعض السياسات وخصوصا في حربها على العراق، فهذا مرده لترتيبات أميركا من أجل قطع الطريق على محاولات فرنسا التأثير على الساحتين الأوروبية والدولية.
وأما فرنسا فهي تحاول جاهدة الدفاع عن وجودها كدولة كانت حتى وقت قريب وقبل تفرد أميركا دولة مؤثرة في الموقف الدولي، لذلك فهي تحاول التأثير مجددا في مجريات الأحداث الدولية، ولو كان ذلك عن طريق اتخاذ مواقف في وجه أميركا وما تخطط له تجاه أوروبا والعالم، وقد ظهر ذلك جليا في معارضتها للعدوان على العراق، وهي مع ذلك لا تمتلك في الوقت الراهن المتطلبات اللازمة ولا حتى القدرة على الاستمرار في البقاء على مواقفها تجاه مخططات أميركا، وتكتفي في معظم الحالات بمحاولاتها للتمرد بين الحين والآخر، بل وبث الجرأة بين دول العالم على مواجهة تفرد أميركا، إضافة إلى إبراز نفسها على الساحة الدولية مما ولد حالات احتكاك تطورت إلى جفاء بينها وبين الولايات المتحدة بلغت الذروة أثناء محاولة الأميركان استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي لغزو العراق، فالإدارة الأميركية التي تواصل العمل على تقزيم أوروبا، تدأب على منع فرنسا بالذات من الارتكاز على ثقل أوروبا السياسي، ومنع خطر ذلك من التأثير في الموقف الدولي حال توحدها على الصعيد السياسي، وقد نجحت في تحقيق ذلك حتى الآن. وستبقى فرنسا مستمرة في محاولاتها للتأثير في مجريات الأحداث الدولية كلما واتتها الفرصة، مع دوام المراقبة لمصالحها ومدى الضرر الذي يمكن أن يلحقها لخروجها عن الرغبة الأميركية.
وفيما يخص قمة الثماني فالولايات المتحدة تعمل على استغلال الأوربيين في إتمام مخططها الخاص بالشرق الأوسط الموسع، فمصالح الأوروبيين في المنطقة بالغة الأهمية، وهم والأميركيون متفقون على أن الإسلام المتنامي لدى المسلمين يشكل خطرا مشتركا عليهما معا، وإن كان أشد خطورة على الأوروبيين الذين يدركون أن أي تغيير في المنطقة يخصهم أكثر من غيرهم، لمجاورتهم لها. وقد بلغت محاولات أميركا استغلال الأوروبيين حد محاولة إشراك حلف شمال الأطلسي وبقيادة أميركية لتنفيذ مشروعها بدءاً بضغطها لإرسال قوات أطلسية إلى العراق، وقد لا ينتهي ذلك بحمل الحلف على اتخاذ دور أمني رئيسي ترسمه أميركا له لمراقبة القيام بـ"الإصلاحات" المطلوبة وما قد يقتضيه من تدخلات في المنطقة، حيث أصبح ظاهرا أن هناك دورا رسمته أميركا للحلف يتعلق بالمشروع، فقد نُقل عن نيكولاس بيرنز أثناء اجتماع الحلف في براغ تشرين أول/2003 "إن مستقبل حلف شمال الأطلسي هو في الشرق والجنوب أي في الشرق الأوسط الكبير"، لذلك عارض الفرنسيون بقوة التدخل المباشر للحلف بإرسال القوات إلى العراق حسب الطلب الأميركي والإلحاح العراقي بحجة أن لا تقع أوروبا في حالة الاستعداء لأهل المنطقة، وتأثير ذلك على مستقبل علاقاتهم مع جيرانهم، إضافة إلى أن فرنسا تريد المحافظة على عدم مد يد العون لتخفيف حدة اختراق أميركا لما يسمى بالشرعية الدولية، وإظهار أنها قد اضطرت للرجوع للأمم المتحدة مما يثبت صحة موقف فرنسا الذي اتخذته ودعت إليه عشية بدء الحرب. رغم عدم معارضة أعضاء الناتو ومنهم فرنسا وألمانيا لقبول دور محدود للحلف يتعلق بمشروع الشرق الأوسط الكبير، ومن المتوقع أن تنجح أميركا في حمل الحلف في مؤتمره القادم بعد أيام على الخروج بقرارات تخدم ما خططت له.
أما فيما يخص "الإصلاحات" المطروحة في مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي عرضته أميركا على دول الثماني، فهو امتداد للتغييرات المطلوبة أميركيا والموجهة أصلا لشعوب المنطقة وليس لحكامها. وقد استخدمت أميركا فور غزوها للعراق ورقة تخليص الشعوب من الحكام الديكتاتوريين حافزا لتلك الشعوب لِتَقَبُّل ما تطلبه أميركا من تغييرات، مغلِّفة جملة تلك المطالب بقوالب جذابة كإطلاق الحريات وحقوق الإنسان والمرأة والطفل والديموقراطية وتطوير التعليم...، كما استغلت رعب الحكام لتسريع السير فيما تريده من إصلاحات. ولولا وقوعها في أخطاء قاتلة في العراق، وخاصة قيامها بحل الجيش وقوات الأمن العراقيين، واستعمالها القسوة البالغة مع الناس بعد ظهور المقاومة لقواتها، لكان حدوث التغييرات في المنطقة أقل صعوبة وأكثر سرعة. أما وقد خفت حدة حالة الرعب عند الحكام فإن أميركا ما زالت تراقب تنفيذهم الواضح لما تطلبه مما تسميه "إصلاحات" موهمة إياهم بالطمأنينة على كراسيهم ما داموا ملتزمين بتنفيذ برامج "الإصلاحات" على شعوبهم، وهي في حقيقة الأمر تريد استنزافهم في فرض ما لا يرغبه الناس من تلك الإصلاحات وتوهم بالأخص جيل الشباب منهم، مشعرة إياهم بالرضى التام كلما ضربوا المثل لغيرهم بإنجازاتهم على طريق "الإصلاحات".
أما عن الاختلاف بين المشروع الأميركي وما طرحه الأوروبيون في المشروع الألماني_الفرنسي، فإنه ليس على ماهية "الإصلاحات"، وإنما على أسلوب تنفيذها، فهم يهدفون جميعا لإبعاد المسلمين عن الإسلام، ودفع أهل المنطقة لتبني وجهة النظر الغربية في الحياة وتطبيق الديموقراطية، والإدارة الأميركية كانت تريد فرض مفاهيمها بالتهديد والقوة حال لزوم ذلك لتحقيق أهدافها بشكل أسرع بغض النظر عن رأي أهل المنطقة. أما الأوروبيون وهم الأكثر إدراكا لطبيعة المنطقة وأهلها، فهم يريدون اعتماد أسلوب التسريب بحيث يتبنى أهل المنطقة الإصلاحات طواعية ودون إظهار فرضها من الخارج حتى يضمنوا نجاحها، فلا يتم بذلك استثارة أهل المنطقة، فيرفضوا الإصلاحات جملة وتفصيلا، وقد ظهر قبولُ أميركا لهذا الطرح قبل انعقاد المؤتمر بمدة.
وفيما يتعلق بالمشروع الذي اتُّفِق على تنفيذه في قمة الثماني فهو جملة من الإجراءات المتعلقة بالمجالات الثقافية والتعليمية والسياسية والاقتصادية، بغرض تحويل الرأي العام والمناخ السياسي على المستويين الرسمي والشعبي بدرجة أكبر لتقبل مفاهيم الديموقراطية و"التسامح" وحقوق المرأة وصياغة العقول وخاصة الأجيال الصاعدة بمفاهيم الحضارة الغربية بما يضمن تغييرا جذريا للمنطقة الإسلامية، ويضمن بالتالي بقاء نفوذ الكفر عموما والنفوذ الأميركي بخاصة، كما يؤمِّن المشروع هدف تقبل ما يسمى بدولة اليهود ضمن المنطقة، ويمنع كذلك قيام أي تحرك من أهل المنطقة يؤدي إلى الانعتاق من ربقة الكفر ونفوذه، بل وتهديد الغرب والأوروبيين بالذات، وهم الذين خبروا وعلى مدى قرون المسلمين واندفاعهم بالإسلام وكيف دخلوا أوروبا واستقروا فيها لمئات السنين.
وفيما يتعلق بامتناع مصر والسعودية عن تلبية الدعوة لحضور القمة، فإن ذلك ليتناسب مع موقفها المعلن من المشروع، وعلى اعتبار أن هذه الدول هي التي رفضت أسلوب طرح المشروع الأميركي، فهي قبلت "الإصلاحات" ولكنها عارضت أن تكون مفروضة من الخارج، فهي لم تتخذ قرارا ضد المصالح الأميركية، وهي أقل من أن ترفض طلبات أميركا، التي ظهر جليا موافقتها على إظهار عدم فرض الإصلاحات من الخارج ، وقد جاء ذلك على لسان الكثير من ساستها.أما حكام الدول الذين حضروا القمة، فظاهر الأمر هو المشاركة في وضع تصور للإصلاحات تتناسب مع المنطقة وأهلها، وإبراز تمثيل المنطقة في المشاركة باتخاذ قرارات تخصها، والواقع هو للقيام بما يترتب عليهم في مجالات التغيير المتعددة، وضرب المثل بما ستناله بلدانهم لريادتها في طريق السير لإنجاز الإصلاحات.
أما قضية العراق فكان حضورها ضعيفا ما عدا طلب أميركا من الأوروبيين مشاركة قوات من حلف الأطلسي في مهمات إعادة الاستقرار للعراق، الأمر الذي جاء على لسان الياور، وتم رفض هذا الاقتراح من قبل فرنسا بشكل قاطع، ومن الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة وبعد تعثر مخططها لتحويل العراق نقطة انطلاق لمشروعها في المنطقة نتيجة أخطائها المتكررة وسوء تقديراتها، فإنها ماضية نحو السير في العمل على إحداث التغيير في المنطقة بشكل متوازي وسيرها في العراق، واتخاذ نماذج جديدة وترتيب أدوار لصنائعها وعملائها للسير حسب إرادتها.
وفيما قضية فلسطين فلم يتعد البحث فيها الدعوة لتفعيل دور الرباعية حتى يتحقق أكبر قدر من الضغط على اليهود لتمهيد الطريق أمام شارون للسير في خطته للانسحاب من غزة واعتبار ذلك جزءاً من السير حسب معطيات خارطة الطريق، وقد سبق عقد المؤتمر الإيعاز لبعض حكام المنطقة التشديد على ضرورة التقدم في حل القضية الفلسطينية، ومشاركة دول أوروبا على أن السير في حل هذه القضية هو المفتاح لما يسمى بـ"الإصلاحات" في الشرق الأوسط، مع التأكيد على أن عدم التقدم في مسألة فلسطين لا يصح أن يؤثر على تنفيذ الخطوات التي تم الاتفاق عليها والمتعلقة بالتغيير ، وكأن الولايات المتحدة جعلت الأولوية لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الموسع بمعزل عن قضايا المنطقة التي تحتاج إلى وقت لحلها مع عدم إهمالها.