المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ايران ومشاكل الامن الاقليمية



ابو العبد
24-05-2011, 12:03 PM
ايران وسط الثورات العربية وعشية انسحاب القوات الامريكية من العراق ـ ماذا يعني هذا؟ فهل هذا ملاك شرير يدفع ايران الى الهلاك، او عامل يساعد على تكاتف البلدان العربية؟ تجيب عن هذين السؤالين مقالة العالم الروسي المتخصص في الشؤون الايرانية فلاديمير ساجين الذي كان تقريره اساسيا خلال الندوة الدولية الثلاثية (روسيا والمانيا وايران) بعنوان "السياسة الروسية وجمهوية ايران الاسلامية في السياق الاقليمي (اسيا الوسطى والقوقاز والشرق الاوسط)، التي جرت في معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم الروسية في 16 مايو/ايار 2011.

ونظمت الندوة ادارة المعهد وصندوق روزا لوكسمبورغ (المانيا). وشارك في الفعالية ممثل عن الصندوق بيوتر لينكه، ونواب من مجلس الدوما الروسي واعضاء من البرلمان الايراني وكذلك علماء روس وايرانيون. واثار تقرير ساجين نقاشا حادا جدا.

فقد جاء في التقرير ان ايران تلعب دورا هاما في صيانة الامن ليس في المنطقة فحسب، بل وفي كافة انحاء العالم. ويثبت هذا برنامجها النووي، الذي لا يمكن اعتباره الا عالميا. ونتوقف عند بعض الاتجاهات الاقليمية التي ترتبط بشكل وثيق بايران.

ولا ريب في ان جمهورية ايران الاسلامية التي تعتبر حاليا احدى المنغصات العالمية الرئيسية من وجهة نظر الامن ليس في منطقة الخليج العربي فحسب، بل وفي الشرقين الادنى والمتوسط. وان تحليل الدعائم النظرية للنظام الايراني الحالي وجوهره العقائدي والسياسي الايديولوجي ومشاعر الايرانيين القومية ، كل هذا يدل على ان سياسة قيادة البلد على المدى البعيد تستهدف بصورة رئيسية توحيد العالم الاسلامي حسب النموذج الايراني، واقامة "امة اسلامية عالمية" بقيادة ايران. ولتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي يعتبر تحول ايران الى دولة عظمى في المنطقة مهمة اساسية في هذا المجرى. وان حل هذه المهمة يخضع لمجموعة كبيرة من المهمات المرحلية، وهي:

•ضمان استقرار الدولة اجتماعيا وسياسيا على قاعدة الايديولوجية "الخمينية"، واقامة صناعة متطورة (وبالمرتبة الاولى عسكرية ونفط غازية وكيماوية) على اساس التكنولوجيات الراقية الحديثة، بما في ذلك انشاء بنية صناعية تحتية لدورة نووية كاملة وبناء قوات مسلحة قوية.
•تحقيق تفوق عسكري تقني وعسكري اقتصادي في المنطقة، كذلك تفوقها عسكريا.
•تحول ايران الى مركز قوة اسلامي.
وتعتبر فكرة تصدير الثورة الاسلامية حسب النموذج الايراني الى البلدان الاخرى اهم مسلمة عقائدية. وتتحقق هذه الفكرة في السياسة بثلاثة اساليب: السلمي عن طريق الدعاية، وشبه العسكري عن طريق التخريب والاعمال الارهابية، والعسكري، وقد نشط الاسلوب الشبه عسكري (وتدل على هذا الاحداث الاخيرة في البحرين واليمن والكويت).

وبعدانتخاب محمود احمدي نجاد رئيسا للدولة في عام 2005 اكتسب النظام الديني في ايران صبغة متطرفة. وساعد على هذا تأجيج التعصب الديني، وكذلك النزعة الاسلامية الشعوبية، وتضخيم العداء لاسرائيل وكذلك العداء الجلي لعملية السلام الفلسطينية - الاسرائيلية، وتزايد دعم المنظمات المتطرفة (الارهابية) في المنطقة، وخطط الهيمنة الطموحة كدولة عظمى، وتشديد الموقف في القضية النووية.

ويحظى الرئيس احمدي نجاد في هذا المجال بدعم اقوى البنى داخل البلد، والتي راهنت عليه. وهي بالمرتبة الاولى، مجموعة رجال الدين المتعصبين، والصناديق الاسلامية وفيلق حرس الثورة الاسلامية، وقوى "الباسيج" التي تخضع له.

وبالمناسبة لعب الرئيس احمدي نجاد خلال رئاسته على مدى 6 سنوات تحت راية "الخمينية" لعبته. فمن جانب بادر الرئيس الايراني بتصعيد الضغط الايديولوجي الديني الدعائي على الايرانيين بروح السنوات الاولى للثورة الاسلامية، ومن جانب آخر نفذ ثورة مضادة زاحفة تمخضت عن السيطرة على السلطة فعلا بواسطة مؤسسات القوة. ومارس احمدي نجاد سياسة ابعاد رجال الدين الثوار القدماء تدريجيا، واستبدالهم بشباب يدعون الثورية ولم يحصلوا في وقتها على امتيازات مالية اقتصادية من الثورة وحاليا يسعون للتعويض عما فات. وان كافة الذين استوظفهم احمدي نجاد بغالبيتهم من افراد او منتسبي فيلق حرس الثورة الاسلامية. وان الفيلق يشرف الآن على فروع الاقتصاد الاساسية والمجمع الصناعي الحربي والتداولات المالية.

ولذلك ان النخبة الحاكمة بشخص رئيس الدولة باكستابها قوة مالية وكذلك قوة اقتصادية هامة نسبيا، خلصت الى استنتاج انه حان الوقت للمجاهرة كمركز عسكري سياسي عالمي وكدولة عظمى في المنطقة.

ويبرز السؤال مرارا ـ لماذا تسعى ايران جدا الى الهيمنة؟ واغلب الظن ان هذا ناجم عن تأثير عدد من العوامل التي تسعر طموحات طهران.

اولا ـ العامل الجيوسياسي - فجمهورية ايران الاسلامية تلعب موضوعيا حقا احد الادوار المهيمنة في اهم منطقة على كوكبنا ـ غرب اسيا الذي يضم الخليج العربي وكل الشرقين الادنى والاوسط، والقوقاز، ومنطقة بحر قزوين، وكذلك وسط اسيا.

ثانيا ـ العامل السياسي العسكري. فايران محاطة ان لم نقل باعداء، فعلى اي حال بدول غير صديقة او حتى بخصوم محتملين.

وثالثا ـ العامل القومي النفسي الذي قد يكون رئيسيا. فجمهورية ايران الاسلامية وريثة الامبراطورية الفارسية العظمى، احدى اعرق الحضارات العالمية التي هيمنت على اكثر من نصف عالم العهود القديمة. وتحت تأثير هذه العوامل التاريخية الاساسية على مر القرون، تبلور تفكير الايرانيين الشيعة المتغطرسين المتصلبين الذين يذودون عن مصالحهم في المواجهات مع الخصوم الكثيرين الذين زاد عددهم بشكل ملموس في الوقت الحاضر. وتحولت المشاعر القومية الفارسية التي هي عبارة عن سبيكة من التعصب القومي الامبراطوري كدولة عظمى والتمسك بالمذهب الشيعي الى عامل سياسي. وهنا بالذات يكمن، كما يبدو، السبب الرئيسي لطموحات طهران "وتعنتها النووي".

ومن التناقضات ان الثوار الاسلاميون الذين اطاحوا بالشاه وهدموا كافة مؤسساته يحققون حاليا احلامه بالذات، محولين ايران الى دولة كبرى في المنطقة، ومركز "لحضارة عظمى". وهذا ما كتب عنه الشاه محمد رضا بهلوي في كتابه الطموح "نحو حضارة عظمى". وفي الحقيقة يجري الحديث الان عن حضارة اسلامية (ومع ذلك هذا ليس الجوهر). وتتحول جمهورية ايران الاسلامية حاليا بجهود انصار اية الله الخميني بصورة سلسة الى امبراطورية فارسية شيعية. وانها تقدم نفسها باصرار بهذه الصورة لا على المستوى الاقليمي فحسب، بل والعالمي.

وتلعب طهران اليوم بقواعد "حاشية" احمدي نجااد. فبجهوده اخذ يتكون في الشرقين الادنى والاسط مركز اقليمي قوى جديد يتمثل في جمهورية ايران الاسلامية. وفي المستقبل الى مركز يمتلك تكنولوجيات نووية لصنع قنبلة ذرية. وهذا وخيم بعواقب خطرة ليس بالنسبة لايران نفسها فحسب، وبل ولامن الخليج العربي وكل منطقة الشرق الاوسط.

الخليج العربي
ان امن هذه المنطقة يعتمد على تعاون عدد من اطرافها ـ مجلس التعاضد الخليجي، وايران والعراق. كما يلعب دورا معينا في صيانة امن المنطقة تواجد قوى من "خارج منطقة الخليج". وبالمرتبة الاولى، الولايات المتحدة وقيادتها العسكرية المركزية، وكذلك بريطانيا وفرنسا والقوات الدولية في العراق. وتؤثر على امن المنطقة ليس مواقف "اطراف الخليج" المذكورة انفا ومن "خارج المنطقة" فحسب، بل الوضع السياسي في كل منها. وان تباين الدعائم الاساسية للدول يتمخض عن اختلال توازن كل نظام امن المنطقة. ولا يساعد على تعزيز الامن المتوتر المتنامي في علاقات ايران مع جيرانها العرب.

ويكتب المستشرق المعروف الكسندر ايغناتينكو ان دول شبه الجزيرة العربية (المملكة السعودية والكويت ومملكة البحرين والامارات العربة المتحدة وقطر)، انطلاقا من احداث البحرين والمملكة السعودية اختارت نهج قمع انتفاضات الشيعة بالقوة وبقسوة للاشتباه وليس بدون مسوغات، بتحريض ايران على ذلك. (واليمن خير مثال على ما يستطيع تحقيقه الثوار الشيعة، حيث قام الشيعة الزيديين بتمرد قوي وحتى نقلوا نشاطهم المسلح الى المملكة السعودية مكبدين جيش المملكة النظامي خسائر جسيمة).

وتبين ان ايران تتدخل في المواجهة بين السنة والشيعة في البحرين. وحمل مجلس التعاضد الخليجي ايران مسؤولية الاحداث في البحرين. وتتوفر معلومات تفيد بان اعضاء المجلس يدرسون قضية ابعاد مواطنين لبنانيين يتهمون بارتباطهم "بحزب الله" والمخابرات الايرنية الى ايران. وخطت القضية خطوات بعيدة اذ قطعت البحرين النقل الجوي مع ايران ولبنان والعراق. وسحب السفير البحريني من ايران، والايراني من البحرين. وتتهم طهران ايضا بالتدخل في شؤون الكويت الداخلية. وتم هناك الكشف عن شبكة تجسس تعمل لصالح ايران. وحكم على اثنين من المواطنين الايرانيين وآخر كويتي بالاعدام بتهمة التجسس، كما سحب كل من البلدين سفيره من الآخر.

واصبحت بمثابة "فتيل بيكفورد الصاعق" تصريحات رئيس هيئة اركان الجيش الايراني مؤخرا بان الخليج العربي يعود لايران. واعلن امين مجلس التعاضد الخليجي عبد اللطيف الزياني ردا على ذلك، ان الخليج يعود لكافة البلدان على سواحله، ولا يحق لطهران التاكيد على عكس ذلك. وقال الزياني ان ايران تسيطر ليس على الخليج وانما على مياهها الاقليمية. وقد تم الكشف في الآونة الاخيرة عن شبكة تجسس ايرانية في الكويت.

وتردت علاقات ايران مع المملكة السعودية التي اخذت تعتبر ايران شرا اكثر بكثير من اسرائيل. ومن اجل تعزيز مواقعها في المواجهة مع ايران دعت بلدان مجلس التعاضد الخليجي الست للانضمام الى منظمتها السياسية العسكرية كلا من الاردن والمغرب، اللذين سيحصلان في القريب على عضوية كاملة الحقوق ويشاركان في المنظومة العامة للامن الجماعي. ومن المفهوم ان كل هذا لا يساعد على تحسن وضع الامن في المنطقة.

ابو العبد
24-05-2011, 12:04 PM
العامل العراقي
من المحتمل ان يشكل العراق في المستقبل القريب خطرا معينا يهدد امن المنطقة. فمن المعروف انه يتعين على القوات الامريكية الانسحاب من العراق عام 2011. وهذا سيؤدي بلا ريب الى تغير الوضع السياسي الداخلي في البلد، ولربما الى زعزعة البلد. وستحصل ايران على تفويض مطلق لتصعيد نشاطها في هذا البلد. وستتعزز مواقع الشيعة الموالين لايران. وهذا لن يروق للمملكة السعودية. وان التواجد الامريكي حاليا يعادل نفوذ ايران، وبعد انسحاب الامريكان ستظهر لدى الايرانيين كما يبدو، امكانيات اكبر لترسيخ وضعهم في البلد الجار. وتجدر مراعاة انه لا يعيش في العراق مجرد شيعة، وانما توجد هناك العتبات المقدسة الشيعية الرئيسية وخاصة في مدينتي النجف وكربلاء الشريفتين. ويزور هذه العتبات سنويا ملايين الشيعة وبصورة رئيسية من ايران. وقامت ايران بترميم واعادة بناء خط السكة الحديد حتى الحدود العراقية. ويعتزم الايرانيون الارتباط بشبكة السكك الحديدية في سوريا ولبنان. وسينشأ بهذه الصورة خط نقل بري مباشر بين ايران وجنوب لبنان، حيث يعيش بصورة اساسية الشيعة وحيث توجد الحدود مع اسرائيل. واذا حدث هذا فستتوفر لدى ايران امكانية نقل خبراء عسكريين ومسلحين مباشرة الى لبنان عبر العراق وسورية. وهذا في حالة انسحاب القوات الامريكية من العراق. وفي ظل تنامي نشاط طهران في اقامة، ان لم يكون "جيب"، "فطابور خامس" شيعي موال لايران، قد ينشأ وضع عندما تضطر المملكة السعودية لحماية مصالح الاقلية السنية في العراق. وفي هذه الحالة لا يستبعد اصطدام المملكة السعودية وايران بصورة مباشرة او غير مباشرة (وهذا وخيم بكارثة محلية).

سورية
تؤثر الاحداث المعروفة المستمرة في البلد ونتيجتها غامضة، بشكل مباشر على امن المنطقة. ومع ذلك هذا موضوع منفصل. وعلى ما يبدو ان سقوط نظام بشار الاسد غير نافع (لمختلف الاسباب) لا لروسيا ولا لايران ولا لاسرائيل.

التسوية الفلسطينية الاسرائيلية
تعتبر ايران احدى الدول المعدودة (ان لم تكن الوحيدة) التي لا تعترف بامكانية وجود دولة اسرائيل. وعلى هذا الثابت يستند الاتجاه الفلسطيني لسياسة ايران الشرق - اوسطية. وترى طهران ان امكانية استئناف عملية السلام في الشرق الاوسط قد يؤدي الى تغيير ميزان القوى في المنطقة ليس في صالح ايران. وانها تود جدا من جانب، عدم السماح لاي طرف بعزلها عن المشاركة في اهم التطورات السياسية في الشرق الاوسط، ( بما في ذلك ما يتعلق بالقضية الفلسطينية)، ومن جانب آخر ـ تعزز على الدوام تواجدها في المنطقة. وقد اعربت طهران مرات عن عزمها على دعم المقاومة الاسلامية في جنوب لبنان وفي فلسطين، وهذا من حيث الجوهر يشكل احد اساليب ترسيخ النفوذ الايراني في المنطقة.

هذا وليس سرا ان التشكيلات المسلحة "لحزب الله" اللبناني تشكل سلاح ايران الرئيسي على الاتجاه الفلسطيني الاسرائيلي في سياستها الشرق اوسطية. ويصل عدد افرادها وفقا لتقديرات وسائل الاعلام الاجنبية الى 3 ـ 3.5 الف شخص ( بينهم 150 خبيرا من فيلق حراس الثورة الاسلامية). وتعتمد علاقات "حزب الله" مع طهران على وحدة المذهب الشيعي، وعدم الاعتراف باسرائيل. وتحمل المساعدات الايرانية للحلفاء اللبنانيين طابعا عاما ـ التمويل والدعم الدبلوماسي والسياسي، واعداد الكوادر الايديولجية والعسكرية، وتزويدهم بالسلاح والمعدات الحربية والعتاد والتجهيزات بما فيها الانسانية. وتجدر الاشارة هنا مع ذلك، الى ان المساعدات المالية السنوية "لحزب الله" تقلصت في عهد الرئيس محمد خاتمي الذي يمثل القسم المعتدل من النخبة السياسية الدينية الايرانية، من 60 ـ 100 مليون دولار الى 30 مليونا.

وزاد في السنوات الاخيرة تدريجيا نفوذ المخابرات الايرانية في حركة حماس. الا انه يلاحظ في منظمة حماس في السنوات الاخيرة تنامي الاستياء من طهران. وبهذا الصدد لربما سيقل تأثير ايران على هذه المنظمة المتطرفة. وان ترك ايران حماس، لا يعنى على الاطلاق تغير سياسة المنظمة المعادية لاسرائيل، ولكن يبعث الامل في تزايد نفوذ سياسيي حماس البرغماتيين، وتحويل نشاط المنظمة الى المجرى السياسي. ومن المستبعد ان يحدث تغير في موقف ايران من القضية الفلسطينية الاسرائيلية خلال السنوات القادمة. وستتصدى ايران بكافة الوسائل لاي اتفاقية لحل هذا النزاع اذا روعيت فيها وحتى باقل درجة مصالح اسرائيل، ولا يروق لطهران الا استسلام تل ابيب.

افغانستان
ان تطورات الوضع في افغانستان وحوله تخلق وضعا جيوسياسيا جديدا في غرب آسيا. وتتمثل ميزته الرئيسية في توسع التواجد العسكري السياسي الامريكي في المنطقة، وتعزيز مواقعها. وهذه الحقيقة تثير استياء ايران بشكل ملموس، بالرغم من انه تم القضاء على "طالبان"، خصوم طهران الايديولوجيون والسياسيون والعسكريون الفعليون بجهود الامريكان في افغانستان. وكان من المفروض ان تشكل مكافحة العدو المشترك، طالبان، كما يبدو، الاساس لسير الولايات المتحدة وايران بشكل حثيث نحو التقارب. فسبق ان اعلن عبد الله رمضان زاده، المتحدث باسم الحكومة الايرانية في بداية الحملة العسكرية ضد طالبان في افغانستان عام 2002، انه حان الوقت للبت في قضية استئناف العلاقات الايرانية الامريكية.

ولكن المرشد الاعلى في جمهوية ايران الاسلامية اية الله علي خامنئي رفض فكرة التفاوض مع الولايات المتحدة. وخلافا لتوقعات بعض علماء السياسة ورغبات السياسيين، بمن فيهم ايرانيون، لم يحدث تقارب. كما ان ادرج الرئيس الامريكي السابق جورج بوش ايران في قائمة ما يسمى "بمحور الشر" بمصاف كوريا الشمالية، لم يبق اي امل في تحسن العلاقات الايرانية الامريكية.

وظلت طهران تعمل من بداية الحملة الافغانية على الساحة الدولية بشأن قضية افغانستان بشكل ثابت وحازم. وكانت ايران من اوائل المعترفين بحكومة افغانستان الانتقالية برئاسة حامد كرزاي. وبلا ريب ان نجاح المؤتمر بشأن مستقبل افغانستان في المانيا كان بفضل ايران. وفي مؤتمر مساعدة افغانستان ماليا في طوكيو، كانت ايران ايضا ضمن الممولين الاساسيين لنهضة افغانستان اقتصاديا. وليس من قبيل الصدفة ان احدى اوائل الزيارات الخارجية التي قام بها رئيس الحكومة الافغانية المؤقتة وقتئذ حاكد كرزاي، وتميزت بالمجاملة والاطراء المتبادل، كانت الى طهران.

وتربط البلدين حاليا علاقات في مختلف المجالات ـ المصرفي، والتجاري الاقتصادي، والزراعي، والاجتماعي وغيرها.

وتبذل ايران اقصى الجهود من اجل الحفاظ على نفوذها في افغانستان، الذي يشمل الشيعة الافغان، وبالمرتبة الاولى، الهزارة، وكذلك سكان غرب البلد وجزء من شماله. وتلعب ايران في افغانستان لعبتها. فتقوم حسب معلومات بعض وسائل الاعلام، بدعم اعداؤهات اللدودين من "طالبان´ وقوى اخرى معادية لكابول، خالقة تعقيدات لقوى الائتلاف. كما تقيم ايران رؤوس جسور لوحداتها الخاصة في المحافظات الافغانسة الغربية، وتدعم بعض التنظيمات المعادية لكابول، وتطالب بانسحاب كافة القوات الاجنبية، وتعارض سياسة القوات الدولية للمساعدة الامنية برئاسة الناتو. وبعبارة اخرى ان سياسة ايران في افغانستان سياسة معايير مزدوجة ـ من جانب تدعم نظام كرزاي، ومن جانب آخر تتصدى للتواجد العسكري الدولي في البلد عن طريق دعم القوى المعارضة لكرزاي.

وفي هذا الوضع يتوقف الكثير لا على قيادة افغانسان الحالية والجديدة فحسب، بل وعلى سياسة اللاعبين الاجانب على الساحة الافغانية. ومن الصعب من هذه الناحية الاستخفاف بدور ايران في مصير افغانستان، لانه من المتعذر حل قضية اعادة الاستقرار والامن في افغانستان بدون جمهورية ايران الاسلامية. وبالمناسبة، كما بدون البلدان المعنية الاخرى. والشيئ الرئيسي عدم السماح بتحول التنافس الطبيعي وحتى النافع لكابول في بعض الاحيان، الى مواجهة مدمرة وعداء في كل الساحة الافغانية.

ايران ـ ماذ بعد؟
من الممكن الاشارة الى ان التطورات الاقليمية متباينة. ومختلف خيارات تطور الاحداث ممكنة. وحتى الحرب. ومن حيث المبدأ، لا يود اي شخص الحرب. ولكن الاعمال الاستفزازية ( ليس مهما كانت مدبرة او عفوية) كما حدث عشية بدء الحرب العالمية الاولى، من الممكن ان تؤدى الى انفجار. وايران لا تنفي امكانية التدخل العسكري في المملكة السعودية. وان المملكة السعودية السنية، كما اشار الكسندر ايغناتينكو المذكور انفا، تتهيأ بدورها للمواجهة مع ايران، ولربما حتى عسكريا، واذا بدأت فمن السديد القيام بهذا في المستقبل القريب، قبل ان يظهر لدى ايران سلاح نووي. واعتذر عن الاجابة هل سيتوفر هذا السلاح، وهل لدى دول الجزيرة العربية الاستعداد للمبادرة بضرب ايران. فلا تستطيع الاجابة عن هذه الاسئلة الا ايران وهذه الدول. ومع ذلك كل شيء سيحدث وفقا لثقة انظمة الجزيرة العربية السنية في ان ايران ستمتلك قنبلة ذرية، وتوفر اطماع توسعية لدى ايران في شبه الجزيرة العربية وكل العالم العربي، التي تعرضها بصراحة.

وتجدر الاشارة بهذا الصدد الى انه نشأ في الشرق الاوسط الكبير في الاشهر الاخيرة من جانب وضع جديد يساعد ايران على تحقيق خططها للهيمنة، من جانب آخر ـ تكاتف البلدان العربية في التصدي للهيمنة الفارسية الشيعية. ويقصد "بالوضع المساعد" انسحاب الامريكان وحلفائهم المفترض من العراق وافغانستان.، وكذلك تنامي حركات الاحتجاج في عدد من الدول العربية. وتعتبر طهران على المستوى الرسمي تحركات العرب الاجتماعية السياسية بمثابة استمرار للثورة الاسلامية عام 1979. وتبذل ايران الجهود، مستخدمة مختلف الوسائل الممكنة (هيئات التخريب والاستطلاع وقاعدة وكلاء واسعة من العرب ـ الشيعة والفرس اثنيا الذين يعيشون في بلدان الخليج العربي)، لزعزعة الانظمة التي لا تروق لطهران. وان الانتفاضات التي حرضت عليها ايران ودعمتها او حتى الحروب الاهلية في البحرين واليمن تعقد وضع المملكة العربية بمحافظتها الشيعية الشرقية وتوسع امكانيات ايران التخريبية.

ومع ذلك ان سياسة طهران الحالية توفر في نفس الوقت اسس فعلية لتكاتف الدول العربية في التصدي للممارسات الايرانية.

وان قضية امن الخليج العربي بهذه الصورة، حيوية للغاية ومتعددة الاوجه ومتباينة. وهي تمس مصالح لا الدول الاقليمية فحسب، بل ومعظم البلدان الاخرى، خاصة اذا راعينا اهمية المنطقة كمنتج للوقود وطرق نقلها الى كافة انحاء العالم.

وفي الختام يجدر الاعتراف بان امن المنطقة تردى بكل جلاء في الآونة الاخيرة وبذنب ايران ايضا.