ابو العبد
24-05-2011, 12:03 PM
ايران وسط الثورات العربية وعشية انسحاب القوات الامريكية من العراق ـ ماذا يعني هذا؟ فهل هذا ملاك شرير يدفع ايران الى الهلاك، او عامل يساعد على تكاتف البلدان العربية؟ تجيب عن هذين السؤالين مقالة العالم الروسي المتخصص في الشؤون الايرانية فلاديمير ساجين الذي كان تقريره اساسيا خلال الندوة الدولية الثلاثية (روسيا والمانيا وايران) بعنوان "السياسة الروسية وجمهوية ايران الاسلامية في السياق الاقليمي (اسيا الوسطى والقوقاز والشرق الاوسط)، التي جرت في معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم الروسية في 16 مايو/ايار 2011.
ونظمت الندوة ادارة المعهد وصندوق روزا لوكسمبورغ (المانيا). وشارك في الفعالية ممثل عن الصندوق بيوتر لينكه، ونواب من مجلس الدوما الروسي واعضاء من البرلمان الايراني وكذلك علماء روس وايرانيون. واثار تقرير ساجين نقاشا حادا جدا.
فقد جاء في التقرير ان ايران تلعب دورا هاما في صيانة الامن ليس في المنطقة فحسب، بل وفي كافة انحاء العالم. ويثبت هذا برنامجها النووي، الذي لا يمكن اعتباره الا عالميا. ونتوقف عند بعض الاتجاهات الاقليمية التي ترتبط بشكل وثيق بايران.
ولا ريب في ان جمهورية ايران الاسلامية التي تعتبر حاليا احدى المنغصات العالمية الرئيسية من وجهة نظر الامن ليس في منطقة الخليج العربي فحسب، بل وفي الشرقين الادنى والمتوسط. وان تحليل الدعائم النظرية للنظام الايراني الحالي وجوهره العقائدي والسياسي الايديولوجي ومشاعر الايرانيين القومية ، كل هذا يدل على ان سياسة قيادة البلد على المدى البعيد تستهدف بصورة رئيسية توحيد العالم الاسلامي حسب النموذج الايراني، واقامة "امة اسلامية عالمية" بقيادة ايران. ولتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي يعتبر تحول ايران الى دولة عظمى في المنطقة مهمة اساسية في هذا المجرى. وان حل هذه المهمة يخضع لمجموعة كبيرة من المهمات المرحلية، وهي:
•ضمان استقرار الدولة اجتماعيا وسياسيا على قاعدة الايديولوجية "الخمينية"، واقامة صناعة متطورة (وبالمرتبة الاولى عسكرية ونفط غازية وكيماوية) على اساس التكنولوجيات الراقية الحديثة، بما في ذلك انشاء بنية صناعية تحتية لدورة نووية كاملة وبناء قوات مسلحة قوية.
•تحقيق تفوق عسكري تقني وعسكري اقتصادي في المنطقة، كذلك تفوقها عسكريا.
•تحول ايران الى مركز قوة اسلامي.
وتعتبر فكرة تصدير الثورة الاسلامية حسب النموذج الايراني الى البلدان الاخرى اهم مسلمة عقائدية. وتتحقق هذه الفكرة في السياسة بثلاثة اساليب: السلمي عن طريق الدعاية، وشبه العسكري عن طريق التخريب والاعمال الارهابية، والعسكري، وقد نشط الاسلوب الشبه عسكري (وتدل على هذا الاحداث الاخيرة في البحرين واليمن والكويت).
وبعدانتخاب محمود احمدي نجاد رئيسا للدولة في عام 2005 اكتسب النظام الديني في ايران صبغة متطرفة. وساعد على هذا تأجيج التعصب الديني، وكذلك النزعة الاسلامية الشعوبية، وتضخيم العداء لاسرائيل وكذلك العداء الجلي لعملية السلام الفلسطينية - الاسرائيلية، وتزايد دعم المنظمات المتطرفة (الارهابية) في المنطقة، وخطط الهيمنة الطموحة كدولة عظمى، وتشديد الموقف في القضية النووية.
ويحظى الرئيس احمدي نجاد في هذا المجال بدعم اقوى البنى داخل البلد، والتي راهنت عليه. وهي بالمرتبة الاولى، مجموعة رجال الدين المتعصبين، والصناديق الاسلامية وفيلق حرس الثورة الاسلامية، وقوى "الباسيج" التي تخضع له.
وبالمناسبة لعب الرئيس احمدي نجاد خلال رئاسته على مدى 6 سنوات تحت راية "الخمينية" لعبته. فمن جانب بادر الرئيس الايراني بتصعيد الضغط الايديولوجي الديني الدعائي على الايرانيين بروح السنوات الاولى للثورة الاسلامية، ومن جانب آخر نفذ ثورة مضادة زاحفة تمخضت عن السيطرة على السلطة فعلا بواسطة مؤسسات القوة. ومارس احمدي نجاد سياسة ابعاد رجال الدين الثوار القدماء تدريجيا، واستبدالهم بشباب يدعون الثورية ولم يحصلوا في وقتها على امتيازات مالية اقتصادية من الثورة وحاليا يسعون للتعويض عما فات. وان كافة الذين استوظفهم احمدي نجاد بغالبيتهم من افراد او منتسبي فيلق حرس الثورة الاسلامية. وان الفيلق يشرف الآن على فروع الاقتصاد الاساسية والمجمع الصناعي الحربي والتداولات المالية.
ولذلك ان النخبة الحاكمة بشخص رئيس الدولة باكستابها قوة مالية وكذلك قوة اقتصادية هامة نسبيا، خلصت الى استنتاج انه حان الوقت للمجاهرة كمركز عسكري سياسي عالمي وكدولة عظمى في المنطقة.
ويبرز السؤال مرارا ـ لماذا تسعى ايران جدا الى الهيمنة؟ واغلب الظن ان هذا ناجم عن تأثير عدد من العوامل التي تسعر طموحات طهران.
اولا ـ العامل الجيوسياسي - فجمهورية ايران الاسلامية تلعب موضوعيا حقا احد الادوار المهيمنة في اهم منطقة على كوكبنا ـ غرب اسيا الذي يضم الخليج العربي وكل الشرقين الادنى والاوسط، والقوقاز، ومنطقة بحر قزوين، وكذلك وسط اسيا.
ثانيا ـ العامل السياسي العسكري. فايران محاطة ان لم نقل باعداء، فعلى اي حال بدول غير صديقة او حتى بخصوم محتملين.
وثالثا ـ العامل القومي النفسي الذي قد يكون رئيسيا. فجمهورية ايران الاسلامية وريثة الامبراطورية الفارسية العظمى، احدى اعرق الحضارات العالمية التي هيمنت على اكثر من نصف عالم العهود القديمة. وتحت تأثير هذه العوامل التاريخية الاساسية على مر القرون، تبلور تفكير الايرانيين الشيعة المتغطرسين المتصلبين الذين يذودون عن مصالحهم في المواجهات مع الخصوم الكثيرين الذين زاد عددهم بشكل ملموس في الوقت الحاضر. وتحولت المشاعر القومية الفارسية التي هي عبارة عن سبيكة من التعصب القومي الامبراطوري كدولة عظمى والتمسك بالمذهب الشيعي الى عامل سياسي. وهنا بالذات يكمن، كما يبدو، السبب الرئيسي لطموحات طهران "وتعنتها النووي".
ومن التناقضات ان الثوار الاسلاميون الذين اطاحوا بالشاه وهدموا كافة مؤسساته يحققون حاليا احلامه بالذات، محولين ايران الى دولة كبرى في المنطقة، ومركز "لحضارة عظمى". وهذا ما كتب عنه الشاه محمد رضا بهلوي في كتابه الطموح "نحو حضارة عظمى". وفي الحقيقة يجري الحديث الان عن حضارة اسلامية (ومع ذلك هذا ليس الجوهر). وتتحول جمهورية ايران الاسلامية حاليا بجهود انصار اية الله الخميني بصورة سلسة الى امبراطورية فارسية شيعية. وانها تقدم نفسها باصرار بهذه الصورة لا على المستوى الاقليمي فحسب، بل والعالمي.
وتلعب طهران اليوم بقواعد "حاشية" احمدي نجااد. فبجهوده اخذ يتكون في الشرقين الادنى والاسط مركز اقليمي قوى جديد يتمثل في جمهورية ايران الاسلامية. وفي المستقبل الى مركز يمتلك تكنولوجيات نووية لصنع قنبلة ذرية. وهذا وخيم بعواقب خطرة ليس بالنسبة لايران نفسها فحسب، وبل ولامن الخليج العربي وكل منطقة الشرق الاوسط.
الخليج العربي
ان امن هذه المنطقة يعتمد على تعاون عدد من اطرافها ـ مجلس التعاضد الخليجي، وايران والعراق. كما يلعب دورا معينا في صيانة امن المنطقة تواجد قوى من "خارج منطقة الخليج". وبالمرتبة الاولى، الولايات المتحدة وقيادتها العسكرية المركزية، وكذلك بريطانيا وفرنسا والقوات الدولية في العراق. وتؤثر على امن المنطقة ليس مواقف "اطراف الخليج" المذكورة انفا ومن "خارج المنطقة" فحسب، بل الوضع السياسي في كل منها. وان تباين الدعائم الاساسية للدول يتمخض عن اختلال توازن كل نظام امن المنطقة. ولا يساعد على تعزيز الامن المتوتر المتنامي في علاقات ايران مع جيرانها العرب.
ويكتب المستشرق المعروف الكسندر ايغناتينكو ان دول شبه الجزيرة العربية (المملكة السعودية والكويت ومملكة البحرين والامارات العربة المتحدة وقطر)، انطلاقا من احداث البحرين والمملكة السعودية اختارت نهج قمع انتفاضات الشيعة بالقوة وبقسوة للاشتباه وليس بدون مسوغات، بتحريض ايران على ذلك. (واليمن خير مثال على ما يستطيع تحقيقه الثوار الشيعة، حيث قام الشيعة الزيديين بتمرد قوي وحتى نقلوا نشاطهم المسلح الى المملكة السعودية مكبدين جيش المملكة النظامي خسائر جسيمة).
وتبين ان ايران تتدخل في المواجهة بين السنة والشيعة في البحرين. وحمل مجلس التعاضد الخليجي ايران مسؤولية الاحداث في البحرين. وتتوفر معلومات تفيد بان اعضاء المجلس يدرسون قضية ابعاد مواطنين لبنانيين يتهمون بارتباطهم "بحزب الله" والمخابرات الايرنية الى ايران. وخطت القضية خطوات بعيدة اذ قطعت البحرين النقل الجوي مع ايران ولبنان والعراق. وسحب السفير البحريني من ايران، والايراني من البحرين. وتتهم طهران ايضا بالتدخل في شؤون الكويت الداخلية. وتم هناك الكشف عن شبكة تجسس تعمل لصالح ايران. وحكم على اثنين من المواطنين الايرانيين وآخر كويتي بالاعدام بتهمة التجسس، كما سحب كل من البلدين سفيره من الآخر.
واصبحت بمثابة "فتيل بيكفورد الصاعق" تصريحات رئيس هيئة اركان الجيش الايراني مؤخرا بان الخليج العربي يعود لايران. واعلن امين مجلس التعاضد الخليجي عبد اللطيف الزياني ردا على ذلك، ان الخليج يعود لكافة البلدان على سواحله، ولا يحق لطهران التاكيد على عكس ذلك. وقال الزياني ان ايران تسيطر ليس على الخليج وانما على مياهها الاقليمية. وقد تم الكشف في الآونة الاخيرة عن شبكة تجسس ايرانية في الكويت.
وتردت علاقات ايران مع المملكة السعودية التي اخذت تعتبر ايران شرا اكثر بكثير من اسرائيل. ومن اجل تعزيز مواقعها في المواجهة مع ايران دعت بلدان مجلس التعاضد الخليجي الست للانضمام الى منظمتها السياسية العسكرية كلا من الاردن والمغرب، اللذين سيحصلان في القريب على عضوية كاملة الحقوق ويشاركان في المنظومة العامة للامن الجماعي. ومن المفهوم ان كل هذا لا يساعد على تحسن وضع الامن في المنطقة.
ونظمت الندوة ادارة المعهد وصندوق روزا لوكسمبورغ (المانيا). وشارك في الفعالية ممثل عن الصندوق بيوتر لينكه، ونواب من مجلس الدوما الروسي واعضاء من البرلمان الايراني وكذلك علماء روس وايرانيون. واثار تقرير ساجين نقاشا حادا جدا.
فقد جاء في التقرير ان ايران تلعب دورا هاما في صيانة الامن ليس في المنطقة فحسب، بل وفي كافة انحاء العالم. ويثبت هذا برنامجها النووي، الذي لا يمكن اعتباره الا عالميا. ونتوقف عند بعض الاتجاهات الاقليمية التي ترتبط بشكل وثيق بايران.
ولا ريب في ان جمهورية ايران الاسلامية التي تعتبر حاليا احدى المنغصات العالمية الرئيسية من وجهة نظر الامن ليس في منطقة الخليج العربي فحسب، بل وفي الشرقين الادنى والمتوسط. وان تحليل الدعائم النظرية للنظام الايراني الحالي وجوهره العقائدي والسياسي الايديولوجي ومشاعر الايرانيين القومية ، كل هذا يدل على ان سياسة قيادة البلد على المدى البعيد تستهدف بصورة رئيسية توحيد العالم الاسلامي حسب النموذج الايراني، واقامة "امة اسلامية عالمية" بقيادة ايران. ولتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي يعتبر تحول ايران الى دولة عظمى في المنطقة مهمة اساسية في هذا المجرى. وان حل هذه المهمة يخضع لمجموعة كبيرة من المهمات المرحلية، وهي:
•ضمان استقرار الدولة اجتماعيا وسياسيا على قاعدة الايديولوجية "الخمينية"، واقامة صناعة متطورة (وبالمرتبة الاولى عسكرية ونفط غازية وكيماوية) على اساس التكنولوجيات الراقية الحديثة، بما في ذلك انشاء بنية صناعية تحتية لدورة نووية كاملة وبناء قوات مسلحة قوية.
•تحقيق تفوق عسكري تقني وعسكري اقتصادي في المنطقة، كذلك تفوقها عسكريا.
•تحول ايران الى مركز قوة اسلامي.
وتعتبر فكرة تصدير الثورة الاسلامية حسب النموذج الايراني الى البلدان الاخرى اهم مسلمة عقائدية. وتتحقق هذه الفكرة في السياسة بثلاثة اساليب: السلمي عن طريق الدعاية، وشبه العسكري عن طريق التخريب والاعمال الارهابية، والعسكري، وقد نشط الاسلوب الشبه عسكري (وتدل على هذا الاحداث الاخيرة في البحرين واليمن والكويت).
وبعدانتخاب محمود احمدي نجاد رئيسا للدولة في عام 2005 اكتسب النظام الديني في ايران صبغة متطرفة. وساعد على هذا تأجيج التعصب الديني، وكذلك النزعة الاسلامية الشعوبية، وتضخيم العداء لاسرائيل وكذلك العداء الجلي لعملية السلام الفلسطينية - الاسرائيلية، وتزايد دعم المنظمات المتطرفة (الارهابية) في المنطقة، وخطط الهيمنة الطموحة كدولة عظمى، وتشديد الموقف في القضية النووية.
ويحظى الرئيس احمدي نجاد في هذا المجال بدعم اقوى البنى داخل البلد، والتي راهنت عليه. وهي بالمرتبة الاولى، مجموعة رجال الدين المتعصبين، والصناديق الاسلامية وفيلق حرس الثورة الاسلامية، وقوى "الباسيج" التي تخضع له.
وبالمناسبة لعب الرئيس احمدي نجاد خلال رئاسته على مدى 6 سنوات تحت راية "الخمينية" لعبته. فمن جانب بادر الرئيس الايراني بتصعيد الضغط الايديولوجي الديني الدعائي على الايرانيين بروح السنوات الاولى للثورة الاسلامية، ومن جانب آخر نفذ ثورة مضادة زاحفة تمخضت عن السيطرة على السلطة فعلا بواسطة مؤسسات القوة. ومارس احمدي نجاد سياسة ابعاد رجال الدين الثوار القدماء تدريجيا، واستبدالهم بشباب يدعون الثورية ولم يحصلوا في وقتها على امتيازات مالية اقتصادية من الثورة وحاليا يسعون للتعويض عما فات. وان كافة الذين استوظفهم احمدي نجاد بغالبيتهم من افراد او منتسبي فيلق حرس الثورة الاسلامية. وان الفيلق يشرف الآن على فروع الاقتصاد الاساسية والمجمع الصناعي الحربي والتداولات المالية.
ولذلك ان النخبة الحاكمة بشخص رئيس الدولة باكستابها قوة مالية وكذلك قوة اقتصادية هامة نسبيا، خلصت الى استنتاج انه حان الوقت للمجاهرة كمركز عسكري سياسي عالمي وكدولة عظمى في المنطقة.
ويبرز السؤال مرارا ـ لماذا تسعى ايران جدا الى الهيمنة؟ واغلب الظن ان هذا ناجم عن تأثير عدد من العوامل التي تسعر طموحات طهران.
اولا ـ العامل الجيوسياسي - فجمهورية ايران الاسلامية تلعب موضوعيا حقا احد الادوار المهيمنة في اهم منطقة على كوكبنا ـ غرب اسيا الذي يضم الخليج العربي وكل الشرقين الادنى والاوسط، والقوقاز، ومنطقة بحر قزوين، وكذلك وسط اسيا.
ثانيا ـ العامل السياسي العسكري. فايران محاطة ان لم نقل باعداء، فعلى اي حال بدول غير صديقة او حتى بخصوم محتملين.
وثالثا ـ العامل القومي النفسي الذي قد يكون رئيسيا. فجمهورية ايران الاسلامية وريثة الامبراطورية الفارسية العظمى، احدى اعرق الحضارات العالمية التي هيمنت على اكثر من نصف عالم العهود القديمة. وتحت تأثير هذه العوامل التاريخية الاساسية على مر القرون، تبلور تفكير الايرانيين الشيعة المتغطرسين المتصلبين الذين يذودون عن مصالحهم في المواجهات مع الخصوم الكثيرين الذين زاد عددهم بشكل ملموس في الوقت الحاضر. وتحولت المشاعر القومية الفارسية التي هي عبارة عن سبيكة من التعصب القومي الامبراطوري كدولة عظمى والتمسك بالمذهب الشيعي الى عامل سياسي. وهنا بالذات يكمن، كما يبدو، السبب الرئيسي لطموحات طهران "وتعنتها النووي".
ومن التناقضات ان الثوار الاسلاميون الذين اطاحوا بالشاه وهدموا كافة مؤسساته يحققون حاليا احلامه بالذات، محولين ايران الى دولة كبرى في المنطقة، ومركز "لحضارة عظمى". وهذا ما كتب عنه الشاه محمد رضا بهلوي في كتابه الطموح "نحو حضارة عظمى". وفي الحقيقة يجري الحديث الان عن حضارة اسلامية (ومع ذلك هذا ليس الجوهر). وتتحول جمهورية ايران الاسلامية حاليا بجهود انصار اية الله الخميني بصورة سلسة الى امبراطورية فارسية شيعية. وانها تقدم نفسها باصرار بهذه الصورة لا على المستوى الاقليمي فحسب، بل والعالمي.
وتلعب طهران اليوم بقواعد "حاشية" احمدي نجااد. فبجهوده اخذ يتكون في الشرقين الادنى والاسط مركز اقليمي قوى جديد يتمثل في جمهورية ايران الاسلامية. وفي المستقبل الى مركز يمتلك تكنولوجيات نووية لصنع قنبلة ذرية. وهذا وخيم بعواقب خطرة ليس بالنسبة لايران نفسها فحسب، وبل ولامن الخليج العربي وكل منطقة الشرق الاوسط.
الخليج العربي
ان امن هذه المنطقة يعتمد على تعاون عدد من اطرافها ـ مجلس التعاضد الخليجي، وايران والعراق. كما يلعب دورا معينا في صيانة امن المنطقة تواجد قوى من "خارج منطقة الخليج". وبالمرتبة الاولى، الولايات المتحدة وقيادتها العسكرية المركزية، وكذلك بريطانيا وفرنسا والقوات الدولية في العراق. وتؤثر على امن المنطقة ليس مواقف "اطراف الخليج" المذكورة انفا ومن "خارج المنطقة" فحسب، بل الوضع السياسي في كل منها. وان تباين الدعائم الاساسية للدول يتمخض عن اختلال توازن كل نظام امن المنطقة. ولا يساعد على تعزيز الامن المتوتر المتنامي في علاقات ايران مع جيرانها العرب.
ويكتب المستشرق المعروف الكسندر ايغناتينكو ان دول شبه الجزيرة العربية (المملكة السعودية والكويت ومملكة البحرين والامارات العربة المتحدة وقطر)، انطلاقا من احداث البحرين والمملكة السعودية اختارت نهج قمع انتفاضات الشيعة بالقوة وبقسوة للاشتباه وليس بدون مسوغات، بتحريض ايران على ذلك. (واليمن خير مثال على ما يستطيع تحقيقه الثوار الشيعة، حيث قام الشيعة الزيديين بتمرد قوي وحتى نقلوا نشاطهم المسلح الى المملكة السعودية مكبدين جيش المملكة النظامي خسائر جسيمة).
وتبين ان ايران تتدخل في المواجهة بين السنة والشيعة في البحرين. وحمل مجلس التعاضد الخليجي ايران مسؤولية الاحداث في البحرين. وتتوفر معلومات تفيد بان اعضاء المجلس يدرسون قضية ابعاد مواطنين لبنانيين يتهمون بارتباطهم "بحزب الله" والمخابرات الايرنية الى ايران. وخطت القضية خطوات بعيدة اذ قطعت البحرين النقل الجوي مع ايران ولبنان والعراق. وسحب السفير البحريني من ايران، والايراني من البحرين. وتتهم طهران ايضا بالتدخل في شؤون الكويت الداخلية. وتم هناك الكشف عن شبكة تجسس تعمل لصالح ايران. وحكم على اثنين من المواطنين الايرانيين وآخر كويتي بالاعدام بتهمة التجسس، كما سحب كل من البلدين سفيره من الآخر.
واصبحت بمثابة "فتيل بيكفورد الصاعق" تصريحات رئيس هيئة اركان الجيش الايراني مؤخرا بان الخليج العربي يعود لايران. واعلن امين مجلس التعاضد الخليجي عبد اللطيف الزياني ردا على ذلك، ان الخليج يعود لكافة البلدان على سواحله، ولا يحق لطهران التاكيد على عكس ذلك. وقال الزياني ان ايران تسيطر ليس على الخليج وانما على مياهها الاقليمية. وقد تم الكشف في الآونة الاخيرة عن شبكة تجسس ايرانية في الكويت.
وتردت علاقات ايران مع المملكة السعودية التي اخذت تعتبر ايران شرا اكثر بكثير من اسرائيل. ومن اجل تعزيز مواقعها في المواجهة مع ايران دعت بلدان مجلس التعاضد الخليجي الست للانضمام الى منظمتها السياسية العسكرية كلا من الاردن والمغرب، اللذين سيحصلان في القريب على عضوية كاملة الحقوق ويشاركان في المنظومة العامة للامن الجماعي. ومن المفهوم ان كل هذا لا يساعد على تحسن وضع الامن في المنطقة.