shareff
03-10-2008, 05:02 PM
السلام عليكم
(هذا المقال نشرته مجلة صوت الامة على مراحل ، وأظن انه يساعد في إعطاء صورة عامة للمشاكل الاقتصادية التي تحصل او ستحصل في العالم.)
المخطط المالي العالمي للقرن الواحد والعشرين
ان النظام الراسمالي يقوم على اساس فصل الدين عن الحياة وبناء على هذه القاعدة الفكرية كان الانسان هو الذي يضع نظامه في الحياة وكان لا بد من المحافظة على الحريات من حرية شخصية حرية التملك وغيرها وكانت حرية التملك ابرز ما في النظام الراسمالي وذلك يقتضي حرية حركة راس المال وضرورة تسهيل استثماره وتسهيل المحافظه عليه بسن القوانين والانظمة والاعراف الدولية والتي تحافظ على الاستثمارات وتنشئ وتهيئ المناخ الموائم( السياسي والاجتماعي والقانوني) لجلب الاستثمار الخارجي وتهيئة البنية التحتية والاجتماعية لتقبله. وراس المال هو اساس الراسمالية وهو الذي يؤثر في الحكم بل يختار من الذي سيحكم ويجعل نظام الحكم خاضعا لاصحاب روؤس الاموال حتى ليكاد يكون الراسماليون الحكام الحقيقيين في البلاد التي تعتنق المبدا الراسمالي.
والنظام الراسمالي والذي تتبناه وتطبقه معظم دول العالم وعلى راسها امريكا وهي الدولة الاولى , بل والمتفردة في الموقف الدولي وهي راس الدول الراسمالية وسوقها هو السوق الاول من حيث حجم التبادلات التجارية والمالية واقتصادها يوازي اقتصاد دول الاتحاد الاوروبي مجتمعة واسواق اورقها المالية تساوي ثلاث اضعاف اسواق الاتحاد الاوروبي , فان النظرة الى ماهية واهداف وسياسة المخطط المالي العالمي ينظر اليها من وجهة انفراد امريكيا بالموقف الدولي واقصاء خصومها عن التاثير في العلاقات الدولية واعادة هيكلة الانظمة والاعراف الاساسية والسياسات التي تحكم التبادل التجاري والمالي لتتوافق ووجة نظرها المبنية اساسا على المنفعة. لذا فانها حين تدك ابواب العالم بدعوى الحرية والديمقراطية والشفافية والراسمالية الشاملة والاقتصاد الحر فانما هي تدعوا العالم لتقبل وجهة نظرها الراسمالية والمنية على اقتصاد السوق الحر والتي تعتقد انه الحل لازالة التوترات بين الدول وانهاء للفقر المدقع والذي حل بالعالم والنهوض بالشعوب النامية وذلك عن طريق النظر واشتراك المصالح(اي مصلحتها في الهيمنة على العالم) . وهكذا تتمكن اميركا في تركيز انفرادها بالعالم . فاما سياسات السوق فان اميركا تسخر لها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي , وتتخذ من بعض الدول مواقف انتقامية ( كما فعلت مع اليابان) وتجعل من تنفيذ هذه السياسات شرطا لازما لتقديم القروض والمساعدات لمختلف الدول سواء كانت هذه بحجم روسيا او بوزن مصر والاردن .
ومن اجل سياسات السوق هدمت " الجات" وانشا ت مكانها ما تسمى " منظمة التجارة العالمية" لتجعل لها ولغيرها من الدول الراسمالية المتنفذة قولا في سياسات الدول التابعة الداخلية , كما شجعت واشنطن في هذا الاطار نشوء التكتلات الاقتصادية والتجارية والاقليمية الكبرى سواء في القارة الامريكية ذاتها , او في منطقة المحيط الهادئ ودول جنوب شرق اسيا , وفي الشرق الاوسط وشمال افريقيا مثل الاتحاد الاوروبي ومركسور ( اميركا اللاتينية) واسيان " جنوب شرق اسيا" وغيرها وهي سياسة تسعى اميركا من وراؤها الى تذويب الدول داخل تكتلات اقتصادية ومالية وربما سياسة ( مستقبلا) يسهل عليها انهاء محاولات تلك الدول في فرض نفسها على اميركا او الشروع في منافستها على المسرح الدولي بجعل مصالحها مرتبطة اقتصاديا وماليا بمصلحة التكتل مما يؤدي حتما الى فقدان تلك الدول لصبغتها الفردية وزوال قدرتها على تحديد مصيرها وزوال استقلالها المالي والسياسي . ومن ناحية جيوسياسية فان الدول الاعضاء في تلك التكتلات والتكتلات نفسها تقبل بتحديد منطقة نفوذها وسيطرتها السياسية في داخل حدود التكتل والمناطق القريبة المرتبطة بها اقتصاديا .
وهذا ما قامت به اميركا فعلا بتوجيه قدرات العولمة الى امتصاص دول كفرنسا وفرضتها عليها حتى اصبحت معظم الشركات الاربعين الكبرى الفرنسية تحت ملكية او سيطرة راس المال الامريكي مما تسبب في غربلة النظام السياسي الفرنسي والذي اعتمد كليا في الثلاثين عاما الماضية على المنح والامتيازات للسياسيين من قبل الشركات الفرنسية مقابل عقود وصفقات حكومية او تحقيق اهداف اقتصادية لدى عملائها في الخارج.
فان النظرة الفاجعة في المخطط المالي العالمي الذي تسعى اليه اميركا يظهر ان اهداف هذا المخطط في انشاء وتاسيس الروابط ما بين المؤساسات المالية والدول وبناء العلاقات والسياسات ما بين تلك المؤسسات والدول والمنظمات والشركات الراسمالية تتفاعل وتعمل معا لتامين حرية حركة راس المال وتهيئة المناخ السياسي والاقتصادي والقانوني لاستقرار الاستثمار وتسهيل حركته على اساس اقتصاد السوق الحر والراسمالية الشاملة وحرية التصرف . ولتامين ذلك يتوجب اعادة هيكلة النظام العالمي المالي ومؤسساته وتحديد اطار العمل الجديد وما يتوافق وهذا التصور وادراج القطاع الخاص في تمويل احتياجات الدول من المال والخبرات الفنيية والعملية. ولذا فقد ذكر السياسيون والمعلقون الاميركان واتباعهم بان انشاء مخطط مالي عالمي جديد موحد من اهم الاهداف الراسمالية في القرن الواحد والعشرين .
فاميركا بدات في اعداد العدة لوضع هذا التصور حيز التنفيذ من خلال شروعها في اعادة صياغة جنوب شرق اسيا وتكبيل روسيا واعداد اميركا اللاتينية عبر ما سمي بالمآزق المالية ما بين الاعوام 1998- 1999 وذلك ليكون لديها الذريعة السياسية والرائ العام العالمي لوجوب اعادة هيكلة النظام المالي العالمي ليتمكن من مجاراة العصر المالي الجديد ومتطلبات العولمة. والقارئ في توصيات اميركا وعملائها في المؤسسات المالية والنقدية العالمية لكيفية اعادة هيكلة النظام المالي العالمي يرى بكل وضوح يد اميركا في انشاء هذة المآزق المالية حتة تتمكن من ايجاد الارض الخصبة لتحقيق اهدافها المالية والاقتصادية المرجوة من النظام المالي .
فلقد ذكرت لجنة التحضير لقمة الدول الثمانية الاقتصادية الكبرى والتي انعقدت في اوكيناوا اليابانية في شهر ابريل لعام 2000 في توصيتها لجدول اعمال القمة ان " العولمة والتي تسبب في تغييرات مثيرة في اقتصاديات الدول والعالم والتي نتجت عن طريق المتغيرات الضخمة في التقنية والاتصالات وسياسات تحرير التبادل التجاري والسوق الحر والامن قد ادت فعلا الى :
- تاكيد فشل السياسات والانظمة الحكومية والكيانات السياسية والعسكرية في رد او صد المشاكل المتاقبة عليها بسبب المآزق المالية او وضع حد لانتشار الاسلحة النووية .
- عدم قدرة المؤسسات الدولية والحكومات على وضع سياسة وانظمة وقوانين لتامين الدول والنظام العالمي مقابل هذه المشاكل المتعاقبة سواء كانت من ناحية امنية او مالية او سياسية".
ولقد اجمع اعضاء اللجنة في ان الوضع العالمي ".... يتطلب انشاء مؤسسات واعراف دولية وسياسات محلية لدعم المساعي الدولية لدرء عودة مثل هذه المشاكل..." ولقد ناشدت اللجنة رؤساء الدول الثمان الى تامين هذه المطالب قائلة في توصيتها " .... ان هذا العمل يتطلب عمل سياسي جبار ورؤية سياسية واضحة واستعداد من قبلكم لتامين تحقيق وتنفيذ هذه الاعمال باسرع وقت ممكن " .
كما اكدت اللجنة ان هذه المطالب اساسية من حيث قدرة النظام العالمي على استغلال القدرات الكامنة في العولمة ونشرها الى الدول في العالم الثالث وللدول ذات الاقتصاديات المتاخرة وخصت بالذكر "... اعادة هيكلة المخطط المالي العالمي والذي تكمن فيه امكانيات ضخمة مثل تحرير الاسواق المالية العالمية وحرية حركة راس المال ...." ومن اجل تنفيذ هذه التوصيات وضعت اللجنة توصيات بوضع " ... معونات تعليمية وثقافية وتامين ميزانيات لدعم تحول اقتصاد الدول الى اقتصاد السوق الحر وذلك حتى تتكون نظرة عالمية ورأي عام عالمي يسند ويدعم استمرار المسيرة نحو توسيع تاثير العولمة ". اما بالنسبة للدول الفقيرة فلقد اوصت اللجنة ضرورة عدم قبول فشلها في اعادة صياغة انظمتها بل وجب على النظام العالمي تقديم المعونات لاصلاح سياساتها حتى تتمكن من الاستفادة من العولمة مؤكدة ضرورة تقديم المعونات لدعم هذه المساعي من ناحية مالية وسياسية وتهيئة الراي العام المحلي للمطالبة بالتغيير ودعم هذه المساعي عند تنفيذها .
واهمية المخطط المالي العالمي هو انه يوضح الخطه اي السياسة المالية العامة التي تخدم مصالح اميركا وتمكنها من فرض مبدئها الراسمالي على العالم . فالمخطط المالي يشمل السياسة المالية والتي يتبين منها ما وضعتة امريكا من اولويات واهداف واسس التعامل والتبادل التجاري والمالي والاقتصادي ما بين التكتلات والدول والافراد وتحديد اهداف المؤسسات الدولية والمنظمات غير الحكومية في تامين سلامة واستقرار النظام العالمي وتسخير اقتصاد السوق الحر نحو ترسيخ هيمنتها وتغذية جشع وطمع شركاتها الراسمالية وتامين احتياجات الافراد . وعلية فان المخطط المالي العالمي هو الخطة او السياسة العامة التي وضعتها امريكا بجانب مخططاتها الاخرى السياسية والاقتصادية مراعية تداخلاتها لتتمكن من تنفيذ خطتها الرئيسية الا وهي تفردها في قيادة العالم لهذا القرن على اساس النظام الراسمالي حسب مفهومها له .
ان الراسمالية مبدا اساسه عقيدة فصل الدين عن الحياة وابرز ما فيها تحكم اصحاب روؤس الاموال, وتحقيق المنفعة لهم. ولكن الراسمالية وبعد اقصاء " الانظمة الشمولية " اصبحت عارية وفي امس الحاجة لتغطية عورها , وهذا ظاهر من كثرة ذكر سياسات مثل التنمية ((development sustainable ) ومحاولة عدة شركات عالمية الظهور بمظهرالمهتم بالبيئة والتعليم والاستثمار في البنية التحتية المحلية ومطالبة المعلقين السياسيين بما سمي بسياسات " الراسمالية المسؤولة" والتي تدعو الى اخفاء العنجهية والاستبداد والجشع الظاهر من قبل الشركات الراسمالية . وهذه المحاولة ليست الاولى للنظام الراسمالي, فقد نجح الراسماليون بسبب اتباعهم فكرة " الحل الوسط" والنفعية بوضع ترقيعات كثيرة منها تغيير شكل الاستعمار وفكرة النظام الدولي والتي تضفي شرعية دولية على الاستعمار للمحافظة على مصالح الراسمالية. فمعتعاظم مد الفكرة الاشتراكية في منتصف القرن الماضي ادخلت الترقيعات عبر ما سمي ب" العدالة الاجتماعية" واشتراكية الدولة عمليا مما اظهر الفكرة الراسمالية في بعض مناطق نفوذها مسايرة لدعاوي التطور ونجحت في ان تحجب عن غير السياسيين القدرة على رؤية الوجه القبيح والجشع وبشاعة الاستعمار حتى وان تغيرت اشكاله ليصبح سياسيا واقتصاديا وثقافيا بدلا من الوجه العسكري والذي كان هو الابرز ما قبل الحرب العالمية الثانية .
وهذا الوجه المتجدد القبيح للراسمالية يحتاج دوما للغطاء الذي يستره , وهذا يفسر ما ذكره بول اوئيل وزير المالية الاميركي الحالي في خطاب امام نادي ديترون الاقتصادي ان هيكلة المخطط المالي العالمي يعود للحاجة لرفع الفقر ومنح الاطفال مستقبلا آملا مبنيا على التعليم والحرية كما سعد ابناء اميركا في الماضي . لذا فاميركا تعتزم بل باشرت في تنفيذ مخططها المالي بعد إضفاء غطاء براق جديد للنظام الراسمالي علر الاساليب والوسائل التالية:-
أ- انشاء هلة حول ما اشتهر باسم الرسمالية الشاملة inclusive capitalism
فالراسمالية للجميع تدخل ضمن دعوى جورج بوش الابن لسياسة اليمين المشفقة والمتعاطفة مع احتياجات الفقراء والطبقات العاملة . ولقد جندت اميركا لهذا الاسلوب اكبر شركاتها في المجال التقني والادوية والصناعات , والهدف من ذلك هو جعل شعوب العالم تتبنى وتربط مصالحها بالراسمالية ونجاحها , مما يؤدي الى تحقيق اهداف اصحاب رؤوس الاموال من الهيمنة على الطبقة العاملة وجعلها تضاغف جهدها من اجل حفنة من الحوافز . ولٳحراز النجاح في ذلك طرحت اﻵتي:
1. منح الموظفين في الشركات الراسمالية حق استلام اسهم في شركاتها حتى تجعل منهم مساهمين وتشبع نفسيتهم من الحاجة للملكية , وبذلك تشكل من هؤلاء جسما يدافع عن الراسمالية وشركاتها ومبدئها بعدما ربطت مصدر الرزق بنجاح الراسمالية . وقد لاقى هذا رواجا عالميا , بما في ذلك بعض بلاد المسلمين وخاصة الشباب المتخرج من الجامعات الامريكية , والذين يعملون لدىالشركات العالمية في بلاد اسلامية.
2. دأبت الشركات الرسمالية على اظهار التفاني في ابتكار المشاريع لخدمة البيئة والمحافظة على تراث العالم الثالث وتقديم المنح والمساعدات التقنية والفنية , والاسهام في انشاء البنية التحتية من مدارس وشبكات كمبيوتر وانترنت كما فعلت شركة هيوليت باكارد الاميركية من انشاء البنية التحتية وشبكة الانتر نت لدولة السينغال , وانه وان كان في ذلك عوائد وفوائد تسويقية واعلانية للشركاتالراسمالية , الا انه ينتج منها انشاء هالة اعلامية لدى دول وشعوب العالم الثالث , تصب ضمن نطاق المحاولات لجعل الراسمالية والاستعمار يظهران بصورة الحل لمل سمي بالمشكلة الثلاثية الابعاد ( الاجتماعية والبيئة والاقتصادية) وتدفع تلك الدول الى الدخول في العولمة بٳقصاء اية اسباب يكمن لتلك الدول اتخاذها للمماطلة في فتح اقتصادياتها وتقبلها لسياسة السوق الحر وتمنح الشركات الاميركية السيطرة على البنية التحتية لتلك الدول.
3. تجنيد الطاقات البشرية الكامنة في الجمعيات الخيرية والتجمعات الانسانية والبيئة والمؤسسات والمنظمات غير الحكومية , والتي تستمد قوتها من النزعة الانسانية وقوة العمل التبشيري في الدول الغربية. ولقد ظهرت هذه الجمعيات على الساحة العالمية ٳبان ما سمي بالمجاعة الافريقية في منتصف الثمانيات من القرن المنصرم وتطورت حتى ظهر عليها المطالب السياسية من خلال مقاومتها لجشع الدول الراسمالية ومحاباتها للدول الفقيرة والنامية , وظهرت من خلال اجتماعات قمة منظمة التجارة العالمية في مدينة سياتل منذ اكثر من ثلاث اعوام واستمرت تلك المظاهرات في كل لقاء يجمع قادة ومفكري النظام الراسمالي في اوكيناوا ( اليابان) وبراغ( التشيك) ودافوس(سويسرا) وجوتنبرغ(السويد) وغيرها حيث عمدت اميركا الى ابراز الغضب الجماهيري ومساندة المطالب الرئيسية الشاملة والمسؤولة وسياسة التنمية development sustainable
4. عمدت اميركا الى ابراز وجه جديد للراسمالية في دول العالم الثالث والدول الراسمالية المتقدمة وذلك عبر ابراز شخصيات جديدة تظهر للعالم يوميا عن طريق شبكات وقنوات الاعلام وهؤلاء هم الحلم الراسمالي المتمثل في العمل والمثابرة في ظل اقتصاد السوق الحر وحرية الاختيار والتي تمنح كل فرد القدرة على النجاح الفردي كتجار وصناعيين او الصمود الى اعلى المراكز الوظيفية في الشركات الراسمالية .وهؤلاء منهم الابيض والاسود والاسيوي جعلت منهم اميركا مثالا للشاب الطموح فلقد ظهر علينا في الاعوام العشر الماضية شخصيات مثل بل جيتس( مايكروسوفت) ومايكل ديل (ديل للكبيوتر) والوليد بن طلال وغيرهم من الشخصيات التي اصبح تاريخ حياتهم وكفاحهم قراءة اساسية لكل شاب طموح في ظل النظام الراسمالي . ومن هؤلاء الكثير من ابناء المسلمين ومنهم الجراحون والعلماء والمهندسون والتجار الذي جعل الغرب منهم مثالا لفشل الانظمة في بلاد الاسلام ومنهم دعاة للغرب واسلوب حياتها . وهذه الشخصيات اصبحت هي النخبة من الراسماليين الجدد الذين يخدمون ويحققون مصالح الراسمالية وينفذون مخططاتهال عبر المطالبة بتنفيذ سياسات السوق الحر وحرية الفكر وحرية حركة راس المال واهمية تحرير الاستثمار حتى يتكون للشاب في العالم الثالث نفس المناخ الذي يمكنهم من حيازة نفس المميزات والمكانه التي وصلوا اليها بسبب سياسات السوق الحر.
ب- الشفافية:
ان المطالبة بالشفافية ليس بالعنوان الجديد على العالم . ولكن بالنسبة للمخطط المالي العالمي فقد ذكر المعلقون الماليون والسياسيون الاميركان ان انظمة المعلومات والتقنية والادوات المالية المستجدة قد تمكنت من هز قدرة الدول- ذات الاقتصاد المغلق- على بناء حواجز وسدود في وجه زحف راس مال الاجنبي , وهذه المحاولات الفاشلة ادت الى انهاء وشل أية توجهات وحوافز لتأمين حرية حركة راس المال والتجارة الحرة .
واما الحل لهذه المعضلة فقد ذكر الان جرينسبان رئيس مجلس ادارة البنك المركزي الاميركي قي تعليق قدمه الى مجلس الشيوخ في 20/5/1999 انه "... لا بد من انشاء اسس وقوانيين وانظمة مالية وبنكية وقانونية وفرضها على كافة الدول المتطلعه للانضمام الى مجتمع دولي مبني على اسس حرية حركة راس المال وحرية التجارة العالميه ...." واسلف في القول ".... ان المتعاملين الاساسيين في المجتمع المالي العالمي قد شرعوا على مدى سنوات عديدة في بناء الاسس المالية والقانونية والتي تمكن من التفاعل والتعامل مع الصدمات المالية . واما بالنسبة للدول المتلقية للصدمات المالية فلم تكن المؤسسات الحكومية او البنكية ذات عمق وقوة كافية لتحمل مثل تلك الصدمات , حيث لم تكن المؤسسات والسياسات المختصة بالمتابعة والمراقبة تتمتع بالكفاءة اللازمة " . واستخلص الان جرينسبان انه حتى يتمكن النظام العالمي من الاستفاده من العولمة والاقتصاد الحر فان ذلك يكمن في تفعيل دفع الدول النامية والفقيرة للانضمام الى المجتمع الدولي الذي وصفه آنفا وتفعيل العولمه عن طريق وضع الشروط والنظم التاليه على ان تكون هذه الشروط والنظم ملزمة لكل دولة وهي :-
1- زيادة حجم وشفافية المؤسسات المشرفة والمنفذة للسياسات والاعمال المالية ويشمل ذلك المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة فقد ذكر مايكل موسكو رئيس البنك المركزي الفدرالي لشيكاغوا ان الدول ذات البنية المالية القوية متمثلة في انظمة عملية للاشراف على المراكز المالية واطار قانوني صلب وحقوق لافراد الشعب والمستثمر كانت دوما محمية من الصدمات المالية وتتمتع بدرجات نمو اكثر استقرار. وذكر الان جرينسبان انه يجب عدم السماح بوضع سياسات تخدم حماية المضاربين والمتهورين والمغامرين . وهذه الشفافية هي عينها المطالب بها من قبل أية دولة أو مؤسسة عامة تأمل بالتعامل مع الاسواق المالية العالمية وهي شروط وضعتها اللجنة الخاصة " أنشر المعلومات الخاصة " والتي اشرف عليها صندوق النقد الدولي وتعارفت عليها البنوك المركزية الكبرى والقطاع المالي الخاص في اسواق الاوراق المالية الكبرى.
2- وضع قانون ونظم تعامل وتبادل تجاري تؤمن تأسيس بنية قانونية قادرة على التعامل مع الفشل الاقتصادي والٳفلاس اللازم الحدوث في ظل المناخ الدولي والنظام التجاري المعقد بحيث يتم النظر وحل هذه المشاكل بشكل يضمن عدم هز النظام وتقليل مخاطر انتشار الفشل الى باقي النظام. فلقد ذكر مايكل موسكو ان كافة الدول التي واجهت ازمات مالية "... اظهرت نفس الاسباب ومنها التدخل الحكومي في(مسألة) السلف البنكية, سوء الاشراف والمراقبة على النظام المالي , عدم وجود نظام قانوني واطار تجاري قادر على مواجهة التحديات وحماية المستثمرين وتوثيق العقود وضرب الفساد المالي والاداري, صغر حجم والرؤية الداخلية الضيقة للاسواق المالية, عدم وجود انظمة لشفافية المعاملات المالية والافراج عن المعلومات المحاسبية والتعاملات النقدية" ولقد استطرد قائلا ان "... استقرار النظام المالي يؤدي الى بناء الثقة اللازمة والحجر الاساس لعمليات النظام المالي الحر والمفتوح" وهذه عينها الاسس المطلوبة لتأمين الاستفادة الكاملة من العولمة.
3- زيادة كم وحجم ونوعية المعلومات المفرج عنها للاسواق المالية والمستثمرين في المجال المالي والمعاملات البنكية لكلا القطاعين العام والخاص . فلقد ذكر الان جرينسبان في حديثه الى مجلس الشيوخ قائلا ".... لا بد من التركيز على شفافية المعاملات المالية والبنكية المحلية وكيفية الاشراف على المؤسسات المحلية... حيث ان نظام السوق الحر لا يمكن له الوصول الى نقطة التوازن الا اذا كانت المؤشرات والاشارات الواصلة الى المستثمرين صادقة وكافية حتى يتمكن المستثمر من الانهاء الى استنتاجات صحيحة...." وهذة المطالب جميعها قد وضعت حيز التنفيذ بعد اجتماعات لجنة بازل للاشراف البنكي وللجان المنبثقة عن الدول الثلاثين الكبرى لادارة المخاطر المالية والؤسسة العلمية للمضاربات المالية وتمخض عنها الاتفاق على تبادل المعلومات المالية والمحاسبية ما بين الاطراف المتعاقدة والاشرافية وهذه قد تتعدى حدود الدولة التي يتم فيها العقد ليشمل الدولة الام لاحد الاطراف وذلك حتى يتم فرض قوانين ونظم الاشراف والمراقبة المتشددة في الدول الخمس الكبرى على كافة الاطراف المستلفة او المقيمة في الدول النامية والفقيرة.
ج- المسائلة والمحاكمة
شرعت اميركا في ظل النظام العالمي الجديد في التسعينات من القرن الماضي الى الدعوة الى الديمقراطية , وذلك كمطلب اساسي تزعم فيه انه النظام الوحيد الذي يضمن الحريات للشعوب ويقصي الدكتاتورية والانظمة الشمولية الى الابد. ولا يخفى على المتبصر ان المراد من الدعوة الى الديمقراطية هو ".... إزالة الانظمة التي تعيق فرض القيم الاميركية لاحكام السيطرة على العالم , ويراد منها ايضا اعطاء شرعية للانظمة( المستحدثة او المجددة ) التابعة للولايات المتحدة, وبقاء استمرارها في الحكم, واتقاء خطر الشعوب على تلك الانظمة, واعطاء الشرعية كذلك لما يتمخض من معاهدات سياسية واتفاقيات اقتصادية بين تلك الانظمة وبين الدول والشركات التي تحقق المصالح الامريكية , بٳعتبار تلك الاتفاقيات والمعاهدات قد ابرمت مع انظمة ديموقراطية وحظيت بموافقة ممثلي الشعوب..." تمخض عن هذا المطلب امور اخرى تسعى لها اميركا وبينت لها الادلة من جراء ما حصل في اندونيسيا والبرازيل واليابان والصين وكوريا وغيرها من دول العالم وذلك من اجل محاربة الفساد المالي والتي تدعى انه من اهم الاسباب التي تؤدي الى تأخر الشعوب وعدم القضاء على الفقر. ولا يخفى علينا ان محاربة الفساد المالي والاداري خاصة في العلاقات التجارية يهدف الى حرق الاوساط السياسية المناوئة لاميركا او التي انتهت صلاحيتها عن طريق اتهامها بالفساد والتواطؤ على صفقات مشبوهة مع شركات اجنبية , وكذلك بهدف اقصاء الشركات المنافسة للشركات الاميركية من العطاءات الاستثمارية الضخمة- كما حصل في المملكة المغربية من اقصاء للشركات الفرنسية بحجة الشفافية- وايضا من اجل اعطاء مصداقية لبعض عملائها في ادائهم السياسي ورعايتهم لمصالح الناس واعطاء المصداقية كذلك لشركاتها المنتفعة وإضفاء الشرعية على استثماراتها في تلك الدول, بالاضافة الى المحافظة على شئ من التوازن في توزيع الثروة في تلك البلاد لضمان عدم تركز الاموال في يد طبقة من الناس على حساب غالبية الشعب , والذي من شأنه ان يؤدي الى قيام ثورات شعبية بسبب فساد الانظمة ويهدد بالتالي المصالح الاميركية في تلك الدول. ولقد ذكر الان جرينسبان انه " .... لا يمكن لنا قبول نظام يحمي المستثمرين والمضاربين من اتخاذ قرارات خاطئة بحيث ينتهي بنا القيام بعمليات شديدة تؤدي الى التأثير على الابرياء في الشعوب المتضررة وتحميلهم كلفة إنقاذ المضاربين والمستثمرين وتصحيح أخطاء السياسيين والمنتفعين . كما ذكر سدني وينتراب الكاتب والمعلق السياسي ان "... العالم ينظر الى الراسمالية وكأنها شر بسبب انتشار العولمة وتفرع الشركات العالمية والتي تزيد الاثرياء والرسماليين غنى على حساب الابرياء والفقراء...." فأميركا قائمة بالعمل وتسعى جاهدة لتنفيذ مخططها السياسي لجعل دعوى الديمقراطية والحرية واقتصاد السوق الحر في حيز التنفيذ عن طريق اعادة هيكلة النظم والقوانيين والاعراف القانونية والاقتصادية والمالية والمحاسبية والتي تقف كحاجز امام تفشي وإنتشار العولمة في دول العالم الثالث والاتحاد الاوروبي بالمطالية بالشفافية والمسائلة والمحاكمة كستار لاعادة هيكلة وضع تلك الدول والاقاليم وما يتماشى ورؤيتها الاستراتيجية.
-- الخطة المالية العالمية
كانت التجارة هي اساس خروج اميركا الى العالم منذ الحرب العالمية الاولى حيث بينت بعض الابحاث مؤخرا ان سياسة اميركا البحرية بنيت على اساس انشاء سفن حربية تتفوق على تلك التي بحوزة البحرية البريطانية , ثم بناء خطط واستراتيجيات لمواجهة بحرية ما بين الدولتين , لان اميركا كانت تري ان بريطانيا سوف تقوم بحماية مستعمراتها ومصالحها التجارية ومواجهةاميركا والتي ظهرت كاكبر اقتصاد في العالم في ذلك الوقت , وقد أخذت تعمل على الخروج من قوقعتها حيث دخلت بعد ذلك فعلا حلبة الصراع على التجارة العالمية. اما بالنسبة للقرن الواحد والعشرين , فان اميركا تروج لفكرة ان تسهيل التجارة الحرة هو السبيل الوحيد امام بناء عالم موحد مبني على اساس حرية التبادل التجاري ورفع الجواجز امام الاستثمار والذي سيؤدي الى إنتاج ومردود ضخم للشركات الراسمالية . وحرية التجارة العالمية وتسهيل الاستثمار وتنفيذ مخططات اقتصاد السوق الحر هو الاسلوب لتسهيل هذا التفاعل, والدور الاساسي في تفعيل هذا التصور يعود حسب قول أونيل الى"... وجود مؤسسات مالية قادرة على نشر بذور اقتصاديات السوق الحر " ولذا فان اميركا جعلت من العولمة والتجارة العالمية هالة سياسية سميت بالضربة العالمية ومنها سياسيا حق التدخل في شؤون الدول الفقيرة والنامية والمتضررة بحجة ان اية اخطاء في اصغر دولة سنسبب مشاكل ومآزق مالية للدول المجاورة وربما للنظام المالي العالمي كما حصل في جنوب شرق آسيا في الفترة 1997-1998م.
فمن خلال هذة النظرة يتبين ان الهدف من اعادة هيكلة المخطط المالي العالمي تصب في المطالبة بٳنشاء السياسات والنظم والقوانيين والاعراف القانونية والسياسية والاشرافية والمحاسبية لتسهيل عمل وتشغيل السوق الحر. ان اقتصاد السوق وسياسة السوق الحر هما راس الحربة السياسية لاميركا منذ عهد ريغان, والتي عن طريقها تنفذ ارادة الراسماليين من اصحاب الاملاك والشركات التي الكبرى, والذين يقفون وراء تنصيب الرؤساء في بلادهم , وهي السياسة التي تلبي اطماع الراسماليين في الشراء اللامحدود من اجل نهب ثروات وقدرات دول وشعوب العالم.
إن اهم ادوات تنفيذ الخطة المالية العالمية هي المؤسسات المالية العالمية*** وهي, صندوق النقد الدولي, والبنك الدولي, ومنظمة التجارة العالمية, أخطر ثلاث ادوات تسخرها الولايات المتحدة في تحطيم سيادة الدول وإذلال شعوبها وإخضاعها لسيطرتها وتحكمها , وهذا ما جعل اميركا تواظب باستمرار على دفع مساهماتها في صندوق النقد والبنك الدوليين, وهو ما يبرز اهمية صندوق النقد والبنك الدوليين للولايات المتحدة في تحقيق اهدافها وفرض سياساتها على العالم.
لقد عمدت اميركا في السنوات العشر الاخيرة على إحداث هزات مالية عالمية الصدى محدودة الهدف حتى تحقق اهدافها واطماعها الاستراتيجية وكان لهذه الهزات أبعاد مأساوية على العديد من الدول4 الفقيرة والنامية. والنتائج التي تمخضت عن هذه الهزات المالية , والسياسات المعلنة من قبل اميركا وعملائها ووسائلها من المؤسسات المالية ورؤساء الحكومات والدول التابعة انما بينت رسما موضحا لما تخطط له اميركا على مستوى المؤسسات المالية والتي ستزيد اميركا من الاعتماد عليها لتنفيذ مخططاتها . أما المطالبة بإعادة هيكلة وإصلاح هذه المؤسسات المالية فيمكن تصنيفها في الاطار التالي:-
• تحوي الإفادة من القروض الممنوحة للأجل الطويل لغرض الدعم الفني والمالي للدول النامية من الحكومات والمؤسسات العالمية الى القطاع الخاص اي الشركات والمؤسسات الخاصة في الدول المقترضة بدلا من توجيهها نحو القطاع العام في تلك الدول , وذلك بغية جعل القطاع الخاص هو الاصل وليست الانظمة ( مع استمرار الصندوق والبنك في المساندة القصيرة الأجل للدول المحتاجة)
• إعادة صياغة الدور الاساسي للصندوق ليأخذ دور الشرطي الدولي الذي يعتمد عليه في تحويل الدول النامية والفقيرة الى العولمة وتبني سياسات السوق الحر واقتصاد السوق, وذلك من قبل الحكومات العالمية ومن قبل المؤسسات والشركات الراسمالية الخاصة, بالاضافة الى دوره الذي يتقمص المحافظة على استقرار النظام المالي العالمي بمتابعة التزام الدول بالسياسات المالية والاقتصادية المطلوبة, والتي تجعل من هذه الدول محطة لاستثمارات الراسماليين.
• تنفيذ سياسات الشفافية والاشراف والمراقبة المالية والمحاسبية على كافة المؤسسات العامة والخاصة والراغبة في الاستفادة من اسواق الاوراق المالية والاستثمار الاجنبي , وجعل ذلك شرطا اساسيا في منح الدولة شهادة التزام بالسياسات الجديدة من قبل الصندوق, ومنح الدول الدعم الفني والمالي لوضع هذه السياسات حيز التنفيذ وعبر الصندوق, مع مشاركة ودعم المنظمات غير الحكومية كمرجع غير متحيز.
• وضع دور التمويل المالي من القطاع الدولي في يد وتحت إدارة البنوك الاقليمية التابعة للمناطق التجارية والمالية , مثل بنك التنمية الافريقي وبنك التنمية والتطوير لاميركا اللاتينية وبنك إعادة الاعمار والانشاء الاوروبي, والذي انشأته اميركا خصيصا لإعداد دول النظام الشمولي سابقا للتحول نحو سياسة السوق الحر واقتصاد السوق , وبذلك يكون نظام مارشال جديد تتحكم اميركا عبره بدول اوروبا الشرقية.
• تحويل السيلسات النقدية وإدارة النقد وسعر الصرف تجاه التعويم دون الربط بسعر صرف معين بالدولار بعد تركيز جعل الدولار العملة العالمية دون منافس( الدولرة)
• توجيه السياسات نحو محو الفقر و"النهوض" بالدول اقتصاديا على اساس صناعات يكون لها "... مصنوعات فعلية لمستهلكين فعليين في الاسواق العالمية..." حسب طلب بول أونيل وزير المالية الاميركي , ويتمخض عن ذلك حث الدول النامية والفقيرة على المطالبة بحقوق وحرية التجارة مع المناطق التجارية العالمية مثل الاتحاد الاوروبي واليابان , وتأليب رؤساء الدول والحكومات الاعضاء في منظمة التجارة للمطالبة بحقوق التجارة لبلادهم اوالانسحاب وإفشال الدورات التحضيرية والتفاوضية كما حصل في القمة التجارية في سياتل.
(هذا المقال نشرته مجلة صوت الامة على مراحل ، وأظن انه يساعد في إعطاء صورة عامة للمشاكل الاقتصادية التي تحصل او ستحصل في العالم.)
المخطط المالي العالمي للقرن الواحد والعشرين
ان النظام الراسمالي يقوم على اساس فصل الدين عن الحياة وبناء على هذه القاعدة الفكرية كان الانسان هو الذي يضع نظامه في الحياة وكان لا بد من المحافظة على الحريات من حرية شخصية حرية التملك وغيرها وكانت حرية التملك ابرز ما في النظام الراسمالي وذلك يقتضي حرية حركة راس المال وضرورة تسهيل استثماره وتسهيل المحافظه عليه بسن القوانين والانظمة والاعراف الدولية والتي تحافظ على الاستثمارات وتنشئ وتهيئ المناخ الموائم( السياسي والاجتماعي والقانوني) لجلب الاستثمار الخارجي وتهيئة البنية التحتية والاجتماعية لتقبله. وراس المال هو اساس الراسمالية وهو الذي يؤثر في الحكم بل يختار من الذي سيحكم ويجعل نظام الحكم خاضعا لاصحاب روؤس الاموال حتى ليكاد يكون الراسماليون الحكام الحقيقيين في البلاد التي تعتنق المبدا الراسمالي.
والنظام الراسمالي والذي تتبناه وتطبقه معظم دول العالم وعلى راسها امريكا وهي الدولة الاولى , بل والمتفردة في الموقف الدولي وهي راس الدول الراسمالية وسوقها هو السوق الاول من حيث حجم التبادلات التجارية والمالية واقتصادها يوازي اقتصاد دول الاتحاد الاوروبي مجتمعة واسواق اورقها المالية تساوي ثلاث اضعاف اسواق الاتحاد الاوروبي , فان النظرة الى ماهية واهداف وسياسة المخطط المالي العالمي ينظر اليها من وجهة انفراد امريكيا بالموقف الدولي واقصاء خصومها عن التاثير في العلاقات الدولية واعادة هيكلة الانظمة والاعراف الاساسية والسياسات التي تحكم التبادل التجاري والمالي لتتوافق ووجة نظرها المبنية اساسا على المنفعة. لذا فانها حين تدك ابواب العالم بدعوى الحرية والديمقراطية والشفافية والراسمالية الشاملة والاقتصاد الحر فانما هي تدعوا العالم لتقبل وجهة نظرها الراسمالية والمنية على اقتصاد السوق الحر والتي تعتقد انه الحل لازالة التوترات بين الدول وانهاء للفقر المدقع والذي حل بالعالم والنهوض بالشعوب النامية وذلك عن طريق النظر واشتراك المصالح(اي مصلحتها في الهيمنة على العالم) . وهكذا تتمكن اميركا في تركيز انفرادها بالعالم . فاما سياسات السوق فان اميركا تسخر لها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي , وتتخذ من بعض الدول مواقف انتقامية ( كما فعلت مع اليابان) وتجعل من تنفيذ هذه السياسات شرطا لازما لتقديم القروض والمساعدات لمختلف الدول سواء كانت هذه بحجم روسيا او بوزن مصر والاردن .
ومن اجل سياسات السوق هدمت " الجات" وانشا ت مكانها ما تسمى " منظمة التجارة العالمية" لتجعل لها ولغيرها من الدول الراسمالية المتنفذة قولا في سياسات الدول التابعة الداخلية , كما شجعت واشنطن في هذا الاطار نشوء التكتلات الاقتصادية والتجارية والاقليمية الكبرى سواء في القارة الامريكية ذاتها , او في منطقة المحيط الهادئ ودول جنوب شرق اسيا , وفي الشرق الاوسط وشمال افريقيا مثل الاتحاد الاوروبي ومركسور ( اميركا اللاتينية) واسيان " جنوب شرق اسيا" وغيرها وهي سياسة تسعى اميركا من وراؤها الى تذويب الدول داخل تكتلات اقتصادية ومالية وربما سياسة ( مستقبلا) يسهل عليها انهاء محاولات تلك الدول في فرض نفسها على اميركا او الشروع في منافستها على المسرح الدولي بجعل مصالحها مرتبطة اقتصاديا وماليا بمصلحة التكتل مما يؤدي حتما الى فقدان تلك الدول لصبغتها الفردية وزوال قدرتها على تحديد مصيرها وزوال استقلالها المالي والسياسي . ومن ناحية جيوسياسية فان الدول الاعضاء في تلك التكتلات والتكتلات نفسها تقبل بتحديد منطقة نفوذها وسيطرتها السياسية في داخل حدود التكتل والمناطق القريبة المرتبطة بها اقتصاديا .
وهذا ما قامت به اميركا فعلا بتوجيه قدرات العولمة الى امتصاص دول كفرنسا وفرضتها عليها حتى اصبحت معظم الشركات الاربعين الكبرى الفرنسية تحت ملكية او سيطرة راس المال الامريكي مما تسبب في غربلة النظام السياسي الفرنسي والذي اعتمد كليا في الثلاثين عاما الماضية على المنح والامتيازات للسياسيين من قبل الشركات الفرنسية مقابل عقود وصفقات حكومية او تحقيق اهداف اقتصادية لدى عملائها في الخارج.
فان النظرة الفاجعة في المخطط المالي العالمي الذي تسعى اليه اميركا يظهر ان اهداف هذا المخطط في انشاء وتاسيس الروابط ما بين المؤساسات المالية والدول وبناء العلاقات والسياسات ما بين تلك المؤسسات والدول والمنظمات والشركات الراسمالية تتفاعل وتعمل معا لتامين حرية حركة راس المال وتهيئة المناخ السياسي والاقتصادي والقانوني لاستقرار الاستثمار وتسهيل حركته على اساس اقتصاد السوق الحر والراسمالية الشاملة وحرية التصرف . ولتامين ذلك يتوجب اعادة هيكلة النظام العالمي المالي ومؤسساته وتحديد اطار العمل الجديد وما يتوافق وهذا التصور وادراج القطاع الخاص في تمويل احتياجات الدول من المال والخبرات الفنيية والعملية. ولذا فقد ذكر السياسيون والمعلقون الاميركان واتباعهم بان انشاء مخطط مالي عالمي جديد موحد من اهم الاهداف الراسمالية في القرن الواحد والعشرين .
فاميركا بدات في اعداد العدة لوضع هذا التصور حيز التنفيذ من خلال شروعها في اعادة صياغة جنوب شرق اسيا وتكبيل روسيا واعداد اميركا اللاتينية عبر ما سمي بالمآزق المالية ما بين الاعوام 1998- 1999 وذلك ليكون لديها الذريعة السياسية والرائ العام العالمي لوجوب اعادة هيكلة النظام المالي العالمي ليتمكن من مجاراة العصر المالي الجديد ومتطلبات العولمة. والقارئ في توصيات اميركا وعملائها في المؤسسات المالية والنقدية العالمية لكيفية اعادة هيكلة النظام المالي العالمي يرى بكل وضوح يد اميركا في انشاء هذة المآزق المالية حتة تتمكن من ايجاد الارض الخصبة لتحقيق اهدافها المالية والاقتصادية المرجوة من النظام المالي .
فلقد ذكرت لجنة التحضير لقمة الدول الثمانية الاقتصادية الكبرى والتي انعقدت في اوكيناوا اليابانية في شهر ابريل لعام 2000 في توصيتها لجدول اعمال القمة ان " العولمة والتي تسبب في تغييرات مثيرة في اقتصاديات الدول والعالم والتي نتجت عن طريق المتغيرات الضخمة في التقنية والاتصالات وسياسات تحرير التبادل التجاري والسوق الحر والامن قد ادت فعلا الى :
- تاكيد فشل السياسات والانظمة الحكومية والكيانات السياسية والعسكرية في رد او صد المشاكل المتاقبة عليها بسبب المآزق المالية او وضع حد لانتشار الاسلحة النووية .
- عدم قدرة المؤسسات الدولية والحكومات على وضع سياسة وانظمة وقوانين لتامين الدول والنظام العالمي مقابل هذه المشاكل المتعاقبة سواء كانت من ناحية امنية او مالية او سياسية".
ولقد اجمع اعضاء اللجنة في ان الوضع العالمي ".... يتطلب انشاء مؤسسات واعراف دولية وسياسات محلية لدعم المساعي الدولية لدرء عودة مثل هذه المشاكل..." ولقد ناشدت اللجنة رؤساء الدول الثمان الى تامين هذه المطالب قائلة في توصيتها " .... ان هذا العمل يتطلب عمل سياسي جبار ورؤية سياسية واضحة واستعداد من قبلكم لتامين تحقيق وتنفيذ هذه الاعمال باسرع وقت ممكن " .
كما اكدت اللجنة ان هذه المطالب اساسية من حيث قدرة النظام العالمي على استغلال القدرات الكامنة في العولمة ونشرها الى الدول في العالم الثالث وللدول ذات الاقتصاديات المتاخرة وخصت بالذكر "... اعادة هيكلة المخطط المالي العالمي والذي تكمن فيه امكانيات ضخمة مثل تحرير الاسواق المالية العالمية وحرية حركة راس المال ...." ومن اجل تنفيذ هذه التوصيات وضعت اللجنة توصيات بوضع " ... معونات تعليمية وثقافية وتامين ميزانيات لدعم تحول اقتصاد الدول الى اقتصاد السوق الحر وذلك حتى تتكون نظرة عالمية ورأي عام عالمي يسند ويدعم استمرار المسيرة نحو توسيع تاثير العولمة ". اما بالنسبة للدول الفقيرة فلقد اوصت اللجنة ضرورة عدم قبول فشلها في اعادة صياغة انظمتها بل وجب على النظام العالمي تقديم المعونات لاصلاح سياساتها حتى تتمكن من الاستفادة من العولمة مؤكدة ضرورة تقديم المعونات لدعم هذه المساعي من ناحية مالية وسياسية وتهيئة الراي العام المحلي للمطالبة بالتغيير ودعم هذه المساعي عند تنفيذها .
واهمية المخطط المالي العالمي هو انه يوضح الخطه اي السياسة المالية العامة التي تخدم مصالح اميركا وتمكنها من فرض مبدئها الراسمالي على العالم . فالمخطط المالي يشمل السياسة المالية والتي يتبين منها ما وضعتة امريكا من اولويات واهداف واسس التعامل والتبادل التجاري والمالي والاقتصادي ما بين التكتلات والدول والافراد وتحديد اهداف المؤسسات الدولية والمنظمات غير الحكومية في تامين سلامة واستقرار النظام العالمي وتسخير اقتصاد السوق الحر نحو ترسيخ هيمنتها وتغذية جشع وطمع شركاتها الراسمالية وتامين احتياجات الافراد . وعلية فان المخطط المالي العالمي هو الخطة او السياسة العامة التي وضعتها امريكا بجانب مخططاتها الاخرى السياسية والاقتصادية مراعية تداخلاتها لتتمكن من تنفيذ خطتها الرئيسية الا وهي تفردها في قيادة العالم لهذا القرن على اساس النظام الراسمالي حسب مفهومها له .
ان الراسمالية مبدا اساسه عقيدة فصل الدين عن الحياة وابرز ما فيها تحكم اصحاب روؤس الاموال, وتحقيق المنفعة لهم. ولكن الراسمالية وبعد اقصاء " الانظمة الشمولية " اصبحت عارية وفي امس الحاجة لتغطية عورها , وهذا ظاهر من كثرة ذكر سياسات مثل التنمية ((development sustainable ) ومحاولة عدة شركات عالمية الظهور بمظهرالمهتم بالبيئة والتعليم والاستثمار في البنية التحتية المحلية ومطالبة المعلقين السياسيين بما سمي بسياسات " الراسمالية المسؤولة" والتي تدعو الى اخفاء العنجهية والاستبداد والجشع الظاهر من قبل الشركات الراسمالية . وهذه المحاولة ليست الاولى للنظام الراسمالي, فقد نجح الراسماليون بسبب اتباعهم فكرة " الحل الوسط" والنفعية بوضع ترقيعات كثيرة منها تغيير شكل الاستعمار وفكرة النظام الدولي والتي تضفي شرعية دولية على الاستعمار للمحافظة على مصالح الراسمالية. فمعتعاظم مد الفكرة الاشتراكية في منتصف القرن الماضي ادخلت الترقيعات عبر ما سمي ب" العدالة الاجتماعية" واشتراكية الدولة عمليا مما اظهر الفكرة الراسمالية في بعض مناطق نفوذها مسايرة لدعاوي التطور ونجحت في ان تحجب عن غير السياسيين القدرة على رؤية الوجه القبيح والجشع وبشاعة الاستعمار حتى وان تغيرت اشكاله ليصبح سياسيا واقتصاديا وثقافيا بدلا من الوجه العسكري والذي كان هو الابرز ما قبل الحرب العالمية الثانية .
وهذا الوجه المتجدد القبيح للراسمالية يحتاج دوما للغطاء الذي يستره , وهذا يفسر ما ذكره بول اوئيل وزير المالية الاميركي الحالي في خطاب امام نادي ديترون الاقتصادي ان هيكلة المخطط المالي العالمي يعود للحاجة لرفع الفقر ومنح الاطفال مستقبلا آملا مبنيا على التعليم والحرية كما سعد ابناء اميركا في الماضي . لذا فاميركا تعتزم بل باشرت في تنفيذ مخططها المالي بعد إضفاء غطاء براق جديد للنظام الراسمالي علر الاساليب والوسائل التالية:-
أ- انشاء هلة حول ما اشتهر باسم الرسمالية الشاملة inclusive capitalism
فالراسمالية للجميع تدخل ضمن دعوى جورج بوش الابن لسياسة اليمين المشفقة والمتعاطفة مع احتياجات الفقراء والطبقات العاملة . ولقد جندت اميركا لهذا الاسلوب اكبر شركاتها في المجال التقني والادوية والصناعات , والهدف من ذلك هو جعل شعوب العالم تتبنى وتربط مصالحها بالراسمالية ونجاحها , مما يؤدي الى تحقيق اهداف اصحاب رؤوس الاموال من الهيمنة على الطبقة العاملة وجعلها تضاغف جهدها من اجل حفنة من الحوافز . ولٳحراز النجاح في ذلك طرحت اﻵتي:
1. منح الموظفين في الشركات الراسمالية حق استلام اسهم في شركاتها حتى تجعل منهم مساهمين وتشبع نفسيتهم من الحاجة للملكية , وبذلك تشكل من هؤلاء جسما يدافع عن الراسمالية وشركاتها ومبدئها بعدما ربطت مصدر الرزق بنجاح الراسمالية . وقد لاقى هذا رواجا عالميا , بما في ذلك بعض بلاد المسلمين وخاصة الشباب المتخرج من الجامعات الامريكية , والذين يعملون لدىالشركات العالمية في بلاد اسلامية.
2. دأبت الشركات الرسمالية على اظهار التفاني في ابتكار المشاريع لخدمة البيئة والمحافظة على تراث العالم الثالث وتقديم المنح والمساعدات التقنية والفنية , والاسهام في انشاء البنية التحتية من مدارس وشبكات كمبيوتر وانترنت كما فعلت شركة هيوليت باكارد الاميركية من انشاء البنية التحتية وشبكة الانتر نت لدولة السينغال , وانه وان كان في ذلك عوائد وفوائد تسويقية واعلانية للشركاتالراسمالية , الا انه ينتج منها انشاء هالة اعلامية لدى دول وشعوب العالم الثالث , تصب ضمن نطاق المحاولات لجعل الراسمالية والاستعمار يظهران بصورة الحل لمل سمي بالمشكلة الثلاثية الابعاد ( الاجتماعية والبيئة والاقتصادية) وتدفع تلك الدول الى الدخول في العولمة بٳقصاء اية اسباب يكمن لتلك الدول اتخاذها للمماطلة في فتح اقتصادياتها وتقبلها لسياسة السوق الحر وتمنح الشركات الاميركية السيطرة على البنية التحتية لتلك الدول.
3. تجنيد الطاقات البشرية الكامنة في الجمعيات الخيرية والتجمعات الانسانية والبيئة والمؤسسات والمنظمات غير الحكومية , والتي تستمد قوتها من النزعة الانسانية وقوة العمل التبشيري في الدول الغربية. ولقد ظهرت هذه الجمعيات على الساحة العالمية ٳبان ما سمي بالمجاعة الافريقية في منتصف الثمانيات من القرن المنصرم وتطورت حتى ظهر عليها المطالب السياسية من خلال مقاومتها لجشع الدول الراسمالية ومحاباتها للدول الفقيرة والنامية , وظهرت من خلال اجتماعات قمة منظمة التجارة العالمية في مدينة سياتل منذ اكثر من ثلاث اعوام واستمرت تلك المظاهرات في كل لقاء يجمع قادة ومفكري النظام الراسمالي في اوكيناوا ( اليابان) وبراغ( التشيك) ودافوس(سويسرا) وجوتنبرغ(السويد) وغيرها حيث عمدت اميركا الى ابراز الغضب الجماهيري ومساندة المطالب الرئيسية الشاملة والمسؤولة وسياسة التنمية development sustainable
4. عمدت اميركا الى ابراز وجه جديد للراسمالية في دول العالم الثالث والدول الراسمالية المتقدمة وذلك عبر ابراز شخصيات جديدة تظهر للعالم يوميا عن طريق شبكات وقنوات الاعلام وهؤلاء هم الحلم الراسمالي المتمثل في العمل والمثابرة في ظل اقتصاد السوق الحر وحرية الاختيار والتي تمنح كل فرد القدرة على النجاح الفردي كتجار وصناعيين او الصمود الى اعلى المراكز الوظيفية في الشركات الراسمالية .وهؤلاء منهم الابيض والاسود والاسيوي جعلت منهم اميركا مثالا للشاب الطموح فلقد ظهر علينا في الاعوام العشر الماضية شخصيات مثل بل جيتس( مايكروسوفت) ومايكل ديل (ديل للكبيوتر) والوليد بن طلال وغيرهم من الشخصيات التي اصبح تاريخ حياتهم وكفاحهم قراءة اساسية لكل شاب طموح في ظل النظام الراسمالي . ومن هؤلاء الكثير من ابناء المسلمين ومنهم الجراحون والعلماء والمهندسون والتجار الذي جعل الغرب منهم مثالا لفشل الانظمة في بلاد الاسلام ومنهم دعاة للغرب واسلوب حياتها . وهذه الشخصيات اصبحت هي النخبة من الراسماليين الجدد الذين يخدمون ويحققون مصالح الراسمالية وينفذون مخططاتهال عبر المطالبة بتنفيذ سياسات السوق الحر وحرية الفكر وحرية حركة راس المال واهمية تحرير الاستثمار حتى يتكون للشاب في العالم الثالث نفس المناخ الذي يمكنهم من حيازة نفس المميزات والمكانه التي وصلوا اليها بسبب سياسات السوق الحر.
ب- الشفافية:
ان المطالبة بالشفافية ليس بالعنوان الجديد على العالم . ولكن بالنسبة للمخطط المالي العالمي فقد ذكر المعلقون الماليون والسياسيون الاميركان ان انظمة المعلومات والتقنية والادوات المالية المستجدة قد تمكنت من هز قدرة الدول- ذات الاقتصاد المغلق- على بناء حواجز وسدود في وجه زحف راس مال الاجنبي , وهذه المحاولات الفاشلة ادت الى انهاء وشل أية توجهات وحوافز لتأمين حرية حركة راس المال والتجارة الحرة .
واما الحل لهذه المعضلة فقد ذكر الان جرينسبان رئيس مجلس ادارة البنك المركزي الاميركي قي تعليق قدمه الى مجلس الشيوخ في 20/5/1999 انه "... لا بد من انشاء اسس وقوانيين وانظمة مالية وبنكية وقانونية وفرضها على كافة الدول المتطلعه للانضمام الى مجتمع دولي مبني على اسس حرية حركة راس المال وحرية التجارة العالميه ...." واسلف في القول ".... ان المتعاملين الاساسيين في المجتمع المالي العالمي قد شرعوا على مدى سنوات عديدة في بناء الاسس المالية والقانونية والتي تمكن من التفاعل والتعامل مع الصدمات المالية . واما بالنسبة للدول المتلقية للصدمات المالية فلم تكن المؤسسات الحكومية او البنكية ذات عمق وقوة كافية لتحمل مثل تلك الصدمات , حيث لم تكن المؤسسات والسياسات المختصة بالمتابعة والمراقبة تتمتع بالكفاءة اللازمة " . واستخلص الان جرينسبان انه حتى يتمكن النظام العالمي من الاستفاده من العولمة والاقتصاد الحر فان ذلك يكمن في تفعيل دفع الدول النامية والفقيرة للانضمام الى المجتمع الدولي الذي وصفه آنفا وتفعيل العولمه عن طريق وضع الشروط والنظم التاليه على ان تكون هذه الشروط والنظم ملزمة لكل دولة وهي :-
1- زيادة حجم وشفافية المؤسسات المشرفة والمنفذة للسياسات والاعمال المالية ويشمل ذلك المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة فقد ذكر مايكل موسكو رئيس البنك المركزي الفدرالي لشيكاغوا ان الدول ذات البنية المالية القوية متمثلة في انظمة عملية للاشراف على المراكز المالية واطار قانوني صلب وحقوق لافراد الشعب والمستثمر كانت دوما محمية من الصدمات المالية وتتمتع بدرجات نمو اكثر استقرار. وذكر الان جرينسبان انه يجب عدم السماح بوضع سياسات تخدم حماية المضاربين والمتهورين والمغامرين . وهذه الشفافية هي عينها المطالب بها من قبل أية دولة أو مؤسسة عامة تأمل بالتعامل مع الاسواق المالية العالمية وهي شروط وضعتها اللجنة الخاصة " أنشر المعلومات الخاصة " والتي اشرف عليها صندوق النقد الدولي وتعارفت عليها البنوك المركزية الكبرى والقطاع المالي الخاص في اسواق الاوراق المالية الكبرى.
2- وضع قانون ونظم تعامل وتبادل تجاري تؤمن تأسيس بنية قانونية قادرة على التعامل مع الفشل الاقتصادي والٳفلاس اللازم الحدوث في ظل المناخ الدولي والنظام التجاري المعقد بحيث يتم النظر وحل هذه المشاكل بشكل يضمن عدم هز النظام وتقليل مخاطر انتشار الفشل الى باقي النظام. فلقد ذكر مايكل موسكو ان كافة الدول التي واجهت ازمات مالية "... اظهرت نفس الاسباب ومنها التدخل الحكومي في(مسألة) السلف البنكية, سوء الاشراف والمراقبة على النظام المالي , عدم وجود نظام قانوني واطار تجاري قادر على مواجهة التحديات وحماية المستثمرين وتوثيق العقود وضرب الفساد المالي والاداري, صغر حجم والرؤية الداخلية الضيقة للاسواق المالية, عدم وجود انظمة لشفافية المعاملات المالية والافراج عن المعلومات المحاسبية والتعاملات النقدية" ولقد استطرد قائلا ان "... استقرار النظام المالي يؤدي الى بناء الثقة اللازمة والحجر الاساس لعمليات النظام المالي الحر والمفتوح" وهذه عينها الاسس المطلوبة لتأمين الاستفادة الكاملة من العولمة.
3- زيادة كم وحجم ونوعية المعلومات المفرج عنها للاسواق المالية والمستثمرين في المجال المالي والمعاملات البنكية لكلا القطاعين العام والخاص . فلقد ذكر الان جرينسبان في حديثه الى مجلس الشيوخ قائلا ".... لا بد من التركيز على شفافية المعاملات المالية والبنكية المحلية وكيفية الاشراف على المؤسسات المحلية... حيث ان نظام السوق الحر لا يمكن له الوصول الى نقطة التوازن الا اذا كانت المؤشرات والاشارات الواصلة الى المستثمرين صادقة وكافية حتى يتمكن المستثمر من الانهاء الى استنتاجات صحيحة...." وهذة المطالب جميعها قد وضعت حيز التنفيذ بعد اجتماعات لجنة بازل للاشراف البنكي وللجان المنبثقة عن الدول الثلاثين الكبرى لادارة المخاطر المالية والؤسسة العلمية للمضاربات المالية وتمخض عنها الاتفاق على تبادل المعلومات المالية والمحاسبية ما بين الاطراف المتعاقدة والاشرافية وهذه قد تتعدى حدود الدولة التي يتم فيها العقد ليشمل الدولة الام لاحد الاطراف وذلك حتى يتم فرض قوانين ونظم الاشراف والمراقبة المتشددة في الدول الخمس الكبرى على كافة الاطراف المستلفة او المقيمة في الدول النامية والفقيرة.
ج- المسائلة والمحاكمة
شرعت اميركا في ظل النظام العالمي الجديد في التسعينات من القرن الماضي الى الدعوة الى الديمقراطية , وذلك كمطلب اساسي تزعم فيه انه النظام الوحيد الذي يضمن الحريات للشعوب ويقصي الدكتاتورية والانظمة الشمولية الى الابد. ولا يخفى على المتبصر ان المراد من الدعوة الى الديمقراطية هو ".... إزالة الانظمة التي تعيق فرض القيم الاميركية لاحكام السيطرة على العالم , ويراد منها ايضا اعطاء شرعية للانظمة( المستحدثة او المجددة ) التابعة للولايات المتحدة, وبقاء استمرارها في الحكم, واتقاء خطر الشعوب على تلك الانظمة, واعطاء الشرعية كذلك لما يتمخض من معاهدات سياسية واتفاقيات اقتصادية بين تلك الانظمة وبين الدول والشركات التي تحقق المصالح الامريكية , بٳعتبار تلك الاتفاقيات والمعاهدات قد ابرمت مع انظمة ديموقراطية وحظيت بموافقة ممثلي الشعوب..." تمخض عن هذا المطلب امور اخرى تسعى لها اميركا وبينت لها الادلة من جراء ما حصل في اندونيسيا والبرازيل واليابان والصين وكوريا وغيرها من دول العالم وذلك من اجل محاربة الفساد المالي والتي تدعى انه من اهم الاسباب التي تؤدي الى تأخر الشعوب وعدم القضاء على الفقر. ولا يخفى علينا ان محاربة الفساد المالي والاداري خاصة في العلاقات التجارية يهدف الى حرق الاوساط السياسية المناوئة لاميركا او التي انتهت صلاحيتها عن طريق اتهامها بالفساد والتواطؤ على صفقات مشبوهة مع شركات اجنبية , وكذلك بهدف اقصاء الشركات المنافسة للشركات الاميركية من العطاءات الاستثمارية الضخمة- كما حصل في المملكة المغربية من اقصاء للشركات الفرنسية بحجة الشفافية- وايضا من اجل اعطاء مصداقية لبعض عملائها في ادائهم السياسي ورعايتهم لمصالح الناس واعطاء المصداقية كذلك لشركاتها المنتفعة وإضفاء الشرعية على استثماراتها في تلك الدول, بالاضافة الى المحافظة على شئ من التوازن في توزيع الثروة في تلك البلاد لضمان عدم تركز الاموال في يد طبقة من الناس على حساب غالبية الشعب , والذي من شأنه ان يؤدي الى قيام ثورات شعبية بسبب فساد الانظمة ويهدد بالتالي المصالح الاميركية في تلك الدول. ولقد ذكر الان جرينسبان انه " .... لا يمكن لنا قبول نظام يحمي المستثمرين والمضاربين من اتخاذ قرارات خاطئة بحيث ينتهي بنا القيام بعمليات شديدة تؤدي الى التأثير على الابرياء في الشعوب المتضررة وتحميلهم كلفة إنقاذ المضاربين والمستثمرين وتصحيح أخطاء السياسيين والمنتفعين . كما ذكر سدني وينتراب الكاتب والمعلق السياسي ان "... العالم ينظر الى الراسمالية وكأنها شر بسبب انتشار العولمة وتفرع الشركات العالمية والتي تزيد الاثرياء والرسماليين غنى على حساب الابرياء والفقراء...." فأميركا قائمة بالعمل وتسعى جاهدة لتنفيذ مخططها السياسي لجعل دعوى الديمقراطية والحرية واقتصاد السوق الحر في حيز التنفيذ عن طريق اعادة هيكلة النظم والقوانيين والاعراف القانونية والاقتصادية والمالية والمحاسبية والتي تقف كحاجز امام تفشي وإنتشار العولمة في دول العالم الثالث والاتحاد الاوروبي بالمطالية بالشفافية والمسائلة والمحاكمة كستار لاعادة هيكلة وضع تلك الدول والاقاليم وما يتماشى ورؤيتها الاستراتيجية.
-- الخطة المالية العالمية
كانت التجارة هي اساس خروج اميركا الى العالم منذ الحرب العالمية الاولى حيث بينت بعض الابحاث مؤخرا ان سياسة اميركا البحرية بنيت على اساس انشاء سفن حربية تتفوق على تلك التي بحوزة البحرية البريطانية , ثم بناء خطط واستراتيجيات لمواجهة بحرية ما بين الدولتين , لان اميركا كانت تري ان بريطانيا سوف تقوم بحماية مستعمراتها ومصالحها التجارية ومواجهةاميركا والتي ظهرت كاكبر اقتصاد في العالم في ذلك الوقت , وقد أخذت تعمل على الخروج من قوقعتها حيث دخلت بعد ذلك فعلا حلبة الصراع على التجارة العالمية. اما بالنسبة للقرن الواحد والعشرين , فان اميركا تروج لفكرة ان تسهيل التجارة الحرة هو السبيل الوحيد امام بناء عالم موحد مبني على اساس حرية التبادل التجاري ورفع الجواجز امام الاستثمار والذي سيؤدي الى إنتاج ومردود ضخم للشركات الراسمالية . وحرية التجارة العالمية وتسهيل الاستثمار وتنفيذ مخططات اقتصاد السوق الحر هو الاسلوب لتسهيل هذا التفاعل, والدور الاساسي في تفعيل هذا التصور يعود حسب قول أونيل الى"... وجود مؤسسات مالية قادرة على نشر بذور اقتصاديات السوق الحر " ولذا فان اميركا جعلت من العولمة والتجارة العالمية هالة سياسية سميت بالضربة العالمية ومنها سياسيا حق التدخل في شؤون الدول الفقيرة والنامية والمتضررة بحجة ان اية اخطاء في اصغر دولة سنسبب مشاكل ومآزق مالية للدول المجاورة وربما للنظام المالي العالمي كما حصل في جنوب شرق آسيا في الفترة 1997-1998م.
فمن خلال هذة النظرة يتبين ان الهدف من اعادة هيكلة المخطط المالي العالمي تصب في المطالبة بٳنشاء السياسات والنظم والقوانيين والاعراف القانونية والسياسية والاشرافية والمحاسبية لتسهيل عمل وتشغيل السوق الحر. ان اقتصاد السوق وسياسة السوق الحر هما راس الحربة السياسية لاميركا منذ عهد ريغان, والتي عن طريقها تنفذ ارادة الراسماليين من اصحاب الاملاك والشركات التي الكبرى, والذين يقفون وراء تنصيب الرؤساء في بلادهم , وهي السياسة التي تلبي اطماع الراسماليين في الشراء اللامحدود من اجل نهب ثروات وقدرات دول وشعوب العالم.
إن اهم ادوات تنفيذ الخطة المالية العالمية هي المؤسسات المالية العالمية*** وهي, صندوق النقد الدولي, والبنك الدولي, ومنظمة التجارة العالمية, أخطر ثلاث ادوات تسخرها الولايات المتحدة في تحطيم سيادة الدول وإذلال شعوبها وإخضاعها لسيطرتها وتحكمها , وهذا ما جعل اميركا تواظب باستمرار على دفع مساهماتها في صندوق النقد والبنك الدوليين, وهو ما يبرز اهمية صندوق النقد والبنك الدوليين للولايات المتحدة في تحقيق اهدافها وفرض سياساتها على العالم.
لقد عمدت اميركا في السنوات العشر الاخيرة على إحداث هزات مالية عالمية الصدى محدودة الهدف حتى تحقق اهدافها واطماعها الاستراتيجية وكان لهذه الهزات أبعاد مأساوية على العديد من الدول4 الفقيرة والنامية. والنتائج التي تمخضت عن هذه الهزات المالية , والسياسات المعلنة من قبل اميركا وعملائها ووسائلها من المؤسسات المالية ورؤساء الحكومات والدول التابعة انما بينت رسما موضحا لما تخطط له اميركا على مستوى المؤسسات المالية والتي ستزيد اميركا من الاعتماد عليها لتنفيذ مخططاتها . أما المطالبة بإعادة هيكلة وإصلاح هذه المؤسسات المالية فيمكن تصنيفها في الاطار التالي:-
• تحوي الإفادة من القروض الممنوحة للأجل الطويل لغرض الدعم الفني والمالي للدول النامية من الحكومات والمؤسسات العالمية الى القطاع الخاص اي الشركات والمؤسسات الخاصة في الدول المقترضة بدلا من توجيهها نحو القطاع العام في تلك الدول , وذلك بغية جعل القطاع الخاص هو الاصل وليست الانظمة ( مع استمرار الصندوق والبنك في المساندة القصيرة الأجل للدول المحتاجة)
• إعادة صياغة الدور الاساسي للصندوق ليأخذ دور الشرطي الدولي الذي يعتمد عليه في تحويل الدول النامية والفقيرة الى العولمة وتبني سياسات السوق الحر واقتصاد السوق, وذلك من قبل الحكومات العالمية ومن قبل المؤسسات والشركات الراسمالية الخاصة, بالاضافة الى دوره الذي يتقمص المحافظة على استقرار النظام المالي العالمي بمتابعة التزام الدول بالسياسات المالية والاقتصادية المطلوبة, والتي تجعل من هذه الدول محطة لاستثمارات الراسماليين.
• تنفيذ سياسات الشفافية والاشراف والمراقبة المالية والمحاسبية على كافة المؤسسات العامة والخاصة والراغبة في الاستفادة من اسواق الاوراق المالية والاستثمار الاجنبي , وجعل ذلك شرطا اساسيا في منح الدولة شهادة التزام بالسياسات الجديدة من قبل الصندوق, ومنح الدول الدعم الفني والمالي لوضع هذه السياسات حيز التنفيذ وعبر الصندوق, مع مشاركة ودعم المنظمات غير الحكومية كمرجع غير متحيز.
• وضع دور التمويل المالي من القطاع الدولي في يد وتحت إدارة البنوك الاقليمية التابعة للمناطق التجارية والمالية , مثل بنك التنمية الافريقي وبنك التنمية والتطوير لاميركا اللاتينية وبنك إعادة الاعمار والانشاء الاوروبي, والذي انشأته اميركا خصيصا لإعداد دول النظام الشمولي سابقا للتحول نحو سياسة السوق الحر واقتصاد السوق , وبذلك يكون نظام مارشال جديد تتحكم اميركا عبره بدول اوروبا الشرقية.
• تحويل السيلسات النقدية وإدارة النقد وسعر الصرف تجاه التعويم دون الربط بسعر صرف معين بالدولار بعد تركيز جعل الدولار العملة العالمية دون منافس( الدولرة)
• توجيه السياسات نحو محو الفقر و"النهوض" بالدول اقتصاديا على اساس صناعات يكون لها "... مصنوعات فعلية لمستهلكين فعليين في الاسواق العالمية..." حسب طلب بول أونيل وزير المالية الاميركي , ويتمخض عن ذلك حث الدول النامية والفقيرة على المطالبة بحقوق وحرية التجارة مع المناطق التجارية العالمية مثل الاتحاد الاوروبي واليابان , وتأليب رؤساء الدول والحكومات الاعضاء في منظمة التجارة للمطالبة بحقوق التجارة لبلادهم اوالانسحاب وإفشال الدورات التحضيرية والتفاوضية كما حصل في القمة التجارية في سياتل.