ابو العبد
28-04-2011, 12:50 PM
· استخدمت الولايات المتحدة الصحوة الدينية لضرب الحركات الوطنية والقومية
· بريطانيا العظمى عقدت عدة صفقات مع عدة شياطين!
· من الذين جندتهم المخابرات الأمريكية في الخمسينات والستينات.. وحتى آخر القرن الماضي؟!
· تفاصيل دقيقة عن جذور العلاقة الغربية بأنشطة الإسلاميين قبل الحرب العالمية الأولى
إعداد: سعاد المعجل
يعتبر كتاب "لعبة الشيطان" للكاتب الأمريكي "روبرت داريفوس" مرجعا مهما للمهتمين بمتابعة المشروع الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط!!
يترجم عنوان الكتاب رؤية الكاتب لعلاقة الولايات المتحدة بالإسلام السياسي في المنطقة والتي يرى أنها بدأت من زيارة الرئيس الأمريكي "روزفلت" الشهيرة إلى الشرق الأوسط في العام 1945·· ولقائه الأشهر بالملك عبدالعزيز آل سعود في الباخرة!!
في البداية يقدم الكاتب تسلسلا دقيقا لعلاقة أمريكا وبالتحديد وكالة الاستخبارات الأمريكية بحركات الإسلام السياسي في كل المنطقة العربية·· ويبين كيف استخدمت الولايات المتحدة مشروع الصحوة الدينية في الشرق الأوسط لضرب الحركات الوطنية والقومية التي أشعلها قدوم "جمال عبدالناصر" وتبنيه لمشروع القومية العربية!! ويمضي المشروع الأمريكي في إيران وأفغانستان والمغرب العربي وسورية وفلسطين·· إلى أن هزت أحداث الحادي عشر من سبتمبر أساسات ذلك المشروع الأمريكي - الإسلامي بصورة تحولت معه إلادارة الأمريكية عن مشروعها·· وبدأت الحرب على الإرهاب ضد "معسكر الشر"· وهي الحرب التي يرى "روبرت درايفوس" أنها لن تعالج المشكلة بشكل صحيح·· وأن الولايات المتحدة تقف الآن في مواجهة تحديين·· الأول يكمن فيما تشكله "القاعدة" من خطر مباشر على أمن أمريكا·· والثاني يأتي فيما أصبح يشكله الإسلام السياسي في المنطقة من أزمات سياسية مع بروز ونمو اليمين الإسلامي في الشرق الأوسط وجنوب آسيا·
بالنسبة لروبرت درايفوس فإن المخرج السليم من هكذا مأزق لايكون إلا من خلال معالجة الأسباب التي تدفع بعض المؤسسات السياسية للجوء إلى الإخوان المسلمين وغيرها·· وأيضاً على الولايات المتحدة أن تتخلى عن طموحاتها الاستعمارية في المنطقة، وأن تكف عن التدخل في النزاعات السياسية بشكل غير عادل وغير أخلاقي!!
يبحر بنا "روبرت درايفوس" إلى أعماق وجذور العلاقة الغربية بحركات الإسلام السياسي·· يبدؤها "بجمال الدين الأفغاني" و"محمد عبده" مسترسلاً في تفاصيل دقيقة حول فكر وأنشطة الإسلاميين في المرحلة التي سبقت الحرب العالمية الأولى·· وكيف ساندت بريطانيا وفرنسا آنذاك تلك الأنشطة وإن لم يكن بشكل مباشر·· "فالأفغاني" و"عبده" مثلاً كانا يتمتعان بهامش كبير من الحرية في باريس حيث استقرا لفترة من الزمن·· بل إن الحكومة الفرنسية كانت تساعدها سراً في إصدار جريدتهما الأسبوعية ثم يتناول الكاتب نشأة الوهابيين وحركة "محمد بن عبدالوهاب"·· وكيف أعاد الإنجليز ترسيم المنطقة·· وتمكين آل سعود من إقامة مملكتهم بصورة أعطت الإسلاميين قاعدة لعقود قادمة ومع ذلك فإن "روبرت درايفوس" لايعتبر الحركة الوهابية في بداية نشأتها حركة سياسية·· وإنما دينية بحتة·· وبذلك فهو لايرى فيها مقومات الإسلام السياسي الذي يشهده العالم اليوم!!
في أعقاب "الحرب العالمية الأولى"·· وفي محاولتها للحفاظ على إمبراطوريتها·· عقدت بريطانيا العظمى عدة صفقات مع عدة شياطين·· على حد تعبير الكاتب!! فبين عشرينيات القرن الماضي·· وتأمين قناة السويس في العام 1956·· قدمت بريطانيا دعماً غير محدود لأبرز أعلام الإسلامي السياسي·· "حسن البنا" في مصر·· و"أمين الحسيني" في القدس!! فكان أن أنشأ "حسن البنا" جماعة "الإخوان المسلمين" بدعم مباشر من شركة قناة السويس المملوكة لإنجلترا آنذاك وبدأ الإنجليز والملك آنذاك باستخدام "الإخوان المسلمين" وخاصة جناحها السري حين تستدعي الظروف ذلك!!
ينوّه الكاتب هنا إلى أن "حركة الإخوان المسلمين" التي نشأت في العام 1928 ماهي إلا امتداد لفكر ونهج "جمال الدين الأفغاني" و"محمد عبده"!! وإن الإخوان في أربعينيات القرن الماضي كانوا يتمتعون بنفوذ وحضور قوي لدى الملك·· لدرجة أنهم احتلوا مناصب قيادية وسياسية مهمة في حكومة الملك في مصر آنذاك!! بل إن الرئيس المصري السابق "أنور السادات" كان عضواً نشطاً في الإخوان المسلمين في الأربعينيات!!
أما مايتعلق "بأمين الحسيني" فقد كان هو الآخر يحظى بدعم كبير من الإنجليز·· واستطاع في العام 1946 أن يتحد مع الإخوان وأن يشكلوا "جبهة الخلاص" التي تم تجاهلها من قبل الإنجليز!!يسترسل "روبرت درايفوس" في وصف الحراك السياسي في منطقة الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية·· ويشير إلى أن الولايات المتحدة قد اتخذت أولى خطواتها في قلب الشرق الأوسط من بين حطام الحرب العالمية الثانية!! وحيث كان الإخوان المسلمين في انتظارها!!
يؤكد الكاتب أن الولايات المتحدة لم يكن لها دور يذكر في الشرق الأوسط على الرغم من دورها البارز في حسم الحرب العالمية الثانية·· فعلى المستوى السياسي·· لم يكن للإدارة الأمريكية إلمام جيد بطبيعة المنطقة·· بل إن وكالة الاستخبارات الأمريكية بقيت وإلى فترة الخمسينيات مساندة للمخابرات البريطانية!! لكن توغل الاستخبارات الأمريكية وبحسب العديد من المؤرخين بدأ في العام 1945 مع ذلك اللقاء المشهور بين روزفلت والملك عبدالعزيز آل سعود!! والذي أعلنت خلاله أمريكا مسؤوليتها في الدفاع عن السعودية، وهي السياسة التي أخذ بها فيما بعد كل الرؤساء الأمريكيين!! ولتلعب السعودية دورها البارز في مواجهة المد القومي الذي خرج من مصر عبدالناصر·· وذلك من خلال تبني حركة الإخوان المسلمين·· وبجهود بعض البارزين في الحركة مثل "سيد رمضان" زوج ابنة حسن البنا·· الذي كان بمثابة السفير غير الرسمي للإسلاميين والمولود في "شبين الكوم" إحدى قرى مصر·· والذي اشتهر بنشاطه مع الإسلاميين المتشددين خاصة في فلسطين والأردن·· وهو أيضاً صاحب الزيارة الشهيرة للمكتب البيضاوي في البيت الأبيض في العام 1953·· ولعل أجندة "رمضان" تؤكد حساسية دوره·· حيث كان عنصراً أساسياً في كل مظاهر تطرف الإسلام السياسي·· من إرهاب الإخوان في مصر في الخمسينيات والستينيات·· إلى قيام إيران الخميني في السبعينيات·· وأيضاً في أعمال العنف في الجزائر في التسعينيات!! وعلى الرغم من أن الأدلة تشير إلى تجنيد الاستخبارات الأمريكية لرمضان ليست دامغة، إلا أن حضوره لندوة برنستون ترسخ احتمال تجنيده بشكل كبير!!
يؤكد "روبرت درايفوس" ومن خلال أمثلة كثيرة أن الإسلام السياسي لم يشكل سداً واقياً في وجه الإلحاد ·· ففي العالم الإسلامي كله·· كانت الأغلبية المضهدة من قبل أنظمتها تجد ملاذها في الأحزاب الشيوعية اللادينية!!
يستند "روبرت درايفوس" في حجته على التغلغل الاستخباراتي وأنشطته في منطقة الشرق الأوسط على مثالين·· فشلت أجهرة المخابرات الأمريكية والبريطانية عن احتوائهما: الأول كان في الحرب الاستخباراتية المنظمة ضد الفكر القومي الذي يمثله "جمال عبدالناصر" والثاني كان في انقلاب "محمد مصدق" في إيران·· وفي كلا الحالتين·· لجأت الاستخبارات الأمريكية إلى التيار الديني المتشدد لمواجهتهما!! ومن سخرية القدر أن القوى الإسلامية الراديكالية التي استخدمتها الاستخبارات الأمريكية لوأد حركة "مصدق" في العام 1953 هي القوى نفسها التي دعمتها الاستخبارات نفسها في العام 1979 للإطاحة بعرش الشاه!! بل إن "الخميني" نفسه ساهم في تنظيم الصفوف لدعم الشاه ضد "محمد مصدق"!! يستعرض "روبرت درايفوس" وبإسهاب دور المملكة العربية السعودية في دعم حركة الإخوان المسلمين·· والذي بدأ بالدعم المالي فقط·· إلى أن تحول فيما بعد وبالتحديد بعد عام 1954 لتصبح المملكة محطة انطلاق رئيسية لجميع أنشطة الإخوان!! ومع ذلك فإن السعودية لم تكن تخفي قلقها من تنامي الحركة والتي أصبحت حليفاً وخطراً في آن واحد على الكيان السعودي!! مما اضطر السعودية إلى اتخاذ بعض الإجراءات الوقائية·· إلا أن الحركة استمرت في نشاطها وبشكل سري بحت!! ويرى "درايفوس" أن مناخ المملكة المحافظ·· ومؤسساتها التعليمية الدينية أهلتها لأن تكون الراعية للعديد من الأنشطة الإسلامية كهيئة العالم الإسلامي·· لكن "درايفوس" يعد هنا على أن الدور الأهم للسعودية في مرحلة الخمسينيات والستينيات قد كان في تشكيلها وبدعم مباشر من الولايات المتحدة لجبهة في مواجهة المد القومي الناصري الآخذ في التنامي·· وهي الواجهة التي وصلت أوجها في حرب اليمن!!
ثم تأتي حقبة "أنور السادات"·· التي أعادت الإخوان المسلمين إلى مصر!! تلك العودة التي تمت بمباركة الاستخبارات السعودية·· والولايات المتحدة!! لكن "السادات" وبهذه الخطوة يكون قد فتح "صندوق باندورا" أو الصندوق الذي ستنطلق منه كل الشرور!! فالحضور الإسلامي في الشارع المصري كان كثيفاً بشكل لافت للنظر!! والسعودية·· وبفضل جهود "كمال أدهم" رئيس الاستخبارات السعودية أصبحت على وئام مع مصر بعد غياب عبدالناصر وبفضل سياسة السادات الجديدة التي كانت تسعى لتحجيم مسؤولي الحقبة الناصرية·· في مقابل تقريب الإسلاميين والإخوان!! ثم كانت حرب أكتوبر التي عززت العلاقة المصرية الأمريكية ومهدت لاتفاقيات فك الاشتباك، وأيضاً خلقت صورة جديدة للعلاقة المصرية السعودية خاصة في ظل الموقف السعودي إبان حرب 1973 وخطر النفط!! ولم تخل تلك العلاقة من ملامح اقتصادية ظهرت في ترحيب الإخوان المسلمين في مصر بسياسة السادات الانفتاحية وبداية حقبة البنوك الإسلامية التي دشنها في مصر بنك فيصل الإسلامي في العام 1976·· وهو البنك الذي خطا بدعم غير مسبوق من الحكومة المصرية·· وقد كان من مؤسسة "القرضاوي" الناشط في حركة الاخوان المسلمين، و"يوسف ندا" العضو في الحركة إبان الحقبة الناصرية!!
يخصص "روبرت درايفوس" فصلاً كاملاً يستعرض فيه نشأة الاقتصادي الإسلامي في المنطقة·· ويبين أثر هذا الاقتصاد على المناخ السياسي بشكل عام·· وحجم الدعم الذي تلقاه من هيئات وبنوك عالمية مثل "سيتي بانك" الذي كان أول بنك غربي يدشن نافذة إسلامية، وقد ساعد على ذلك كون الإسلام دين رأسمالي في أساسه، يؤمن بالاقتصاد الحر والمفتوح، ثم يتوقف "درايفوس" طويلاً عند بيت التمويل الكويتي، حيث يستخدمه هنا كمثال على حجم النفوذ السياسي الذي أصبحت عليه مؤسسات المال الإسلامية·· وكيف كان لبيت التمويل الكويتي الحظوة سياسياً واقتصادياً منذ بداية التعاون الحكومي - الإسلامي في الكويت مع مطلع السبعينيات!!
· بريطانيا العظمى عقدت عدة صفقات مع عدة شياطين!
· من الذين جندتهم المخابرات الأمريكية في الخمسينات والستينات.. وحتى آخر القرن الماضي؟!
· تفاصيل دقيقة عن جذور العلاقة الغربية بأنشطة الإسلاميين قبل الحرب العالمية الأولى
إعداد: سعاد المعجل
يعتبر كتاب "لعبة الشيطان" للكاتب الأمريكي "روبرت داريفوس" مرجعا مهما للمهتمين بمتابعة المشروع الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط!!
يترجم عنوان الكتاب رؤية الكاتب لعلاقة الولايات المتحدة بالإسلام السياسي في المنطقة والتي يرى أنها بدأت من زيارة الرئيس الأمريكي "روزفلت" الشهيرة إلى الشرق الأوسط في العام 1945·· ولقائه الأشهر بالملك عبدالعزيز آل سعود في الباخرة!!
في البداية يقدم الكاتب تسلسلا دقيقا لعلاقة أمريكا وبالتحديد وكالة الاستخبارات الأمريكية بحركات الإسلام السياسي في كل المنطقة العربية·· ويبين كيف استخدمت الولايات المتحدة مشروع الصحوة الدينية في الشرق الأوسط لضرب الحركات الوطنية والقومية التي أشعلها قدوم "جمال عبدالناصر" وتبنيه لمشروع القومية العربية!! ويمضي المشروع الأمريكي في إيران وأفغانستان والمغرب العربي وسورية وفلسطين·· إلى أن هزت أحداث الحادي عشر من سبتمبر أساسات ذلك المشروع الأمريكي - الإسلامي بصورة تحولت معه إلادارة الأمريكية عن مشروعها·· وبدأت الحرب على الإرهاب ضد "معسكر الشر"· وهي الحرب التي يرى "روبرت درايفوس" أنها لن تعالج المشكلة بشكل صحيح·· وأن الولايات المتحدة تقف الآن في مواجهة تحديين·· الأول يكمن فيما تشكله "القاعدة" من خطر مباشر على أمن أمريكا·· والثاني يأتي فيما أصبح يشكله الإسلام السياسي في المنطقة من أزمات سياسية مع بروز ونمو اليمين الإسلامي في الشرق الأوسط وجنوب آسيا·
بالنسبة لروبرت درايفوس فإن المخرج السليم من هكذا مأزق لايكون إلا من خلال معالجة الأسباب التي تدفع بعض المؤسسات السياسية للجوء إلى الإخوان المسلمين وغيرها·· وأيضاً على الولايات المتحدة أن تتخلى عن طموحاتها الاستعمارية في المنطقة، وأن تكف عن التدخل في النزاعات السياسية بشكل غير عادل وغير أخلاقي!!
يبحر بنا "روبرت درايفوس" إلى أعماق وجذور العلاقة الغربية بحركات الإسلام السياسي·· يبدؤها "بجمال الدين الأفغاني" و"محمد عبده" مسترسلاً في تفاصيل دقيقة حول فكر وأنشطة الإسلاميين في المرحلة التي سبقت الحرب العالمية الأولى·· وكيف ساندت بريطانيا وفرنسا آنذاك تلك الأنشطة وإن لم يكن بشكل مباشر·· "فالأفغاني" و"عبده" مثلاً كانا يتمتعان بهامش كبير من الحرية في باريس حيث استقرا لفترة من الزمن·· بل إن الحكومة الفرنسية كانت تساعدها سراً في إصدار جريدتهما الأسبوعية ثم يتناول الكاتب نشأة الوهابيين وحركة "محمد بن عبدالوهاب"·· وكيف أعاد الإنجليز ترسيم المنطقة·· وتمكين آل سعود من إقامة مملكتهم بصورة أعطت الإسلاميين قاعدة لعقود قادمة ومع ذلك فإن "روبرت درايفوس" لايعتبر الحركة الوهابية في بداية نشأتها حركة سياسية·· وإنما دينية بحتة·· وبذلك فهو لايرى فيها مقومات الإسلام السياسي الذي يشهده العالم اليوم!!
في أعقاب "الحرب العالمية الأولى"·· وفي محاولتها للحفاظ على إمبراطوريتها·· عقدت بريطانيا العظمى عدة صفقات مع عدة شياطين·· على حد تعبير الكاتب!! فبين عشرينيات القرن الماضي·· وتأمين قناة السويس في العام 1956·· قدمت بريطانيا دعماً غير محدود لأبرز أعلام الإسلامي السياسي·· "حسن البنا" في مصر·· و"أمين الحسيني" في القدس!! فكان أن أنشأ "حسن البنا" جماعة "الإخوان المسلمين" بدعم مباشر من شركة قناة السويس المملوكة لإنجلترا آنذاك وبدأ الإنجليز والملك آنذاك باستخدام "الإخوان المسلمين" وخاصة جناحها السري حين تستدعي الظروف ذلك!!
ينوّه الكاتب هنا إلى أن "حركة الإخوان المسلمين" التي نشأت في العام 1928 ماهي إلا امتداد لفكر ونهج "جمال الدين الأفغاني" و"محمد عبده"!! وإن الإخوان في أربعينيات القرن الماضي كانوا يتمتعون بنفوذ وحضور قوي لدى الملك·· لدرجة أنهم احتلوا مناصب قيادية وسياسية مهمة في حكومة الملك في مصر آنذاك!! بل إن الرئيس المصري السابق "أنور السادات" كان عضواً نشطاً في الإخوان المسلمين في الأربعينيات!!
أما مايتعلق "بأمين الحسيني" فقد كان هو الآخر يحظى بدعم كبير من الإنجليز·· واستطاع في العام 1946 أن يتحد مع الإخوان وأن يشكلوا "جبهة الخلاص" التي تم تجاهلها من قبل الإنجليز!!يسترسل "روبرت درايفوس" في وصف الحراك السياسي في منطقة الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية·· ويشير إلى أن الولايات المتحدة قد اتخذت أولى خطواتها في قلب الشرق الأوسط من بين حطام الحرب العالمية الثانية!! وحيث كان الإخوان المسلمين في انتظارها!!
يؤكد الكاتب أن الولايات المتحدة لم يكن لها دور يذكر في الشرق الأوسط على الرغم من دورها البارز في حسم الحرب العالمية الثانية·· فعلى المستوى السياسي·· لم يكن للإدارة الأمريكية إلمام جيد بطبيعة المنطقة·· بل إن وكالة الاستخبارات الأمريكية بقيت وإلى فترة الخمسينيات مساندة للمخابرات البريطانية!! لكن توغل الاستخبارات الأمريكية وبحسب العديد من المؤرخين بدأ في العام 1945 مع ذلك اللقاء المشهور بين روزفلت والملك عبدالعزيز آل سعود!! والذي أعلنت خلاله أمريكا مسؤوليتها في الدفاع عن السعودية، وهي السياسة التي أخذ بها فيما بعد كل الرؤساء الأمريكيين!! ولتلعب السعودية دورها البارز في مواجهة المد القومي الذي خرج من مصر عبدالناصر·· وذلك من خلال تبني حركة الإخوان المسلمين·· وبجهود بعض البارزين في الحركة مثل "سيد رمضان" زوج ابنة حسن البنا·· الذي كان بمثابة السفير غير الرسمي للإسلاميين والمولود في "شبين الكوم" إحدى قرى مصر·· والذي اشتهر بنشاطه مع الإسلاميين المتشددين خاصة في فلسطين والأردن·· وهو أيضاً صاحب الزيارة الشهيرة للمكتب البيضاوي في البيت الأبيض في العام 1953·· ولعل أجندة "رمضان" تؤكد حساسية دوره·· حيث كان عنصراً أساسياً في كل مظاهر تطرف الإسلام السياسي·· من إرهاب الإخوان في مصر في الخمسينيات والستينيات·· إلى قيام إيران الخميني في السبعينيات·· وأيضاً في أعمال العنف في الجزائر في التسعينيات!! وعلى الرغم من أن الأدلة تشير إلى تجنيد الاستخبارات الأمريكية لرمضان ليست دامغة، إلا أن حضوره لندوة برنستون ترسخ احتمال تجنيده بشكل كبير!!
يؤكد "روبرت درايفوس" ومن خلال أمثلة كثيرة أن الإسلام السياسي لم يشكل سداً واقياً في وجه الإلحاد ·· ففي العالم الإسلامي كله·· كانت الأغلبية المضهدة من قبل أنظمتها تجد ملاذها في الأحزاب الشيوعية اللادينية!!
يستند "روبرت درايفوس" في حجته على التغلغل الاستخباراتي وأنشطته في منطقة الشرق الأوسط على مثالين·· فشلت أجهرة المخابرات الأمريكية والبريطانية عن احتوائهما: الأول كان في الحرب الاستخباراتية المنظمة ضد الفكر القومي الذي يمثله "جمال عبدالناصر" والثاني كان في انقلاب "محمد مصدق" في إيران·· وفي كلا الحالتين·· لجأت الاستخبارات الأمريكية إلى التيار الديني المتشدد لمواجهتهما!! ومن سخرية القدر أن القوى الإسلامية الراديكالية التي استخدمتها الاستخبارات الأمريكية لوأد حركة "مصدق" في العام 1953 هي القوى نفسها التي دعمتها الاستخبارات نفسها في العام 1979 للإطاحة بعرش الشاه!! بل إن "الخميني" نفسه ساهم في تنظيم الصفوف لدعم الشاه ضد "محمد مصدق"!! يستعرض "روبرت درايفوس" وبإسهاب دور المملكة العربية السعودية في دعم حركة الإخوان المسلمين·· والذي بدأ بالدعم المالي فقط·· إلى أن تحول فيما بعد وبالتحديد بعد عام 1954 لتصبح المملكة محطة انطلاق رئيسية لجميع أنشطة الإخوان!! ومع ذلك فإن السعودية لم تكن تخفي قلقها من تنامي الحركة والتي أصبحت حليفاً وخطراً في آن واحد على الكيان السعودي!! مما اضطر السعودية إلى اتخاذ بعض الإجراءات الوقائية·· إلا أن الحركة استمرت في نشاطها وبشكل سري بحت!! ويرى "درايفوس" أن مناخ المملكة المحافظ·· ومؤسساتها التعليمية الدينية أهلتها لأن تكون الراعية للعديد من الأنشطة الإسلامية كهيئة العالم الإسلامي·· لكن "درايفوس" يعد هنا على أن الدور الأهم للسعودية في مرحلة الخمسينيات والستينيات قد كان في تشكيلها وبدعم مباشر من الولايات المتحدة لجبهة في مواجهة المد القومي الناصري الآخذ في التنامي·· وهي الواجهة التي وصلت أوجها في حرب اليمن!!
ثم تأتي حقبة "أنور السادات"·· التي أعادت الإخوان المسلمين إلى مصر!! تلك العودة التي تمت بمباركة الاستخبارات السعودية·· والولايات المتحدة!! لكن "السادات" وبهذه الخطوة يكون قد فتح "صندوق باندورا" أو الصندوق الذي ستنطلق منه كل الشرور!! فالحضور الإسلامي في الشارع المصري كان كثيفاً بشكل لافت للنظر!! والسعودية·· وبفضل جهود "كمال أدهم" رئيس الاستخبارات السعودية أصبحت على وئام مع مصر بعد غياب عبدالناصر وبفضل سياسة السادات الجديدة التي كانت تسعى لتحجيم مسؤولي الحقبة الناصرية·· في مقابل تقريب الإسلاميين والإخوان!! ثم كانت حرب أكتوبر التي عززت العلاقة المصرية الأمريكية ومهدت لاتفاقيات فك الاشتباك، وأيضاً خلقت صورة جديدة للعلاقة المصرية السعودية خاصة في ظل الموقف السعودي إبان حرب 1973 وخطر النفط!! ولم تخل تلك العلاقة من ملامح اقتصادية ظهرت في ترحيب الإخوان المسلمين في مصر بسياسة السادات الانفتاحية وبداية حقبة البنوك الإسلامية التي دشنها في مصر بنك فيصل الإسلامي في العام 1976·· وهو البنك الذي خطا بدعم غير مسبوق من الحكومة المصرية·· وقد كان من مؤسسة "القرضاوي" الناشط في حركة الاخوان المسلمين، و"يوسف ندا" العضو في الحركة إبان الحقبة الناصرية!!
يخصص "روبرت درايفوس" فصلاً كاملاً يستعرض فيه نشأة الاقتصادي الإسلامي في المنطقة·· ويبين أثر هذا الاقتصاد على المناخ السياسي بشكل عام·· وحجم الدعم الذي تلقاه من هيئات وبنوك عالمية مثل "سيتي بانك" الذي كان أول بنك غربي يدشن نافذة إسلامية، وقد ساعد على ذلك كون الإسلام دين رأسمالي في أساسه، يؤمن بالاقتصاد الحر والمفتوح، ثم يتوقف "درايفوس" طويلاً عند بيت التمويل الكويتي، حيث يستخدمه هنا كمثال على حجم النفوذ السياسي الذي أصبحت عليه مؤسسات المال الإسلامية·· وكيف كان لبيت التمويل الكويتي الحظوة سياسياً واقتصادياً منذ بداية التعاون الحكومي - الإسلامي في الكويت مع مطلع السبعينيات!!