مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2011-04-08
muslem
24-04-2011, 08:40 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين.
تمهيد:
قبل أسبوعين أجريت عملاً جراحياً... يقتضي نقاهة تزيد عن أربعة أسابيع تمنعني من ممارسة أي عمل حتى ولو كان دعوياً، وهذا جواب تساؤلات كثيرة مضمونها: أين الشيخ في هذه الأيام ؟
في زحمة الأحداث، وتسارع المتغيرات، وفي خضم تداعيات النوازل والمستجدات، وكثرة الأطروحات والتحليلات، يلحظ المتأمل الغيور غياباً أو تغييباً للرؤية الصحيحة، والنظر الثاقب في فقه السنن الكونية، حتى حصل من جرّاء ذلك... زلل في الأقدام، وخطأ في الأقلام، واضطراب في الأفهام، وتشويش وحيرة عند كثير من أهل الإسلام، مما يؤكد أهمية المرجعية الواحدة الموحدة للأمة الواحدة التي ينبغي أن ترتكز في تحقيق أهدافها على صحة المعتقد، وسلامة المنهج، والعناية بمصالح الأمة الكبرى، ومقاصد الشريعة العظمى، باعتدال في الرؤى، وتوازن في النظر، وأسلوبٍ عالٍ في الطرح والحوار.
حقائق عامة:
وهأنذا أضع بين يدي إخوتي في هذا المسجد، وبين إخوتي المواطنين في هذا البلد الطيب هذه الحقائق التالية:
أولاً:
انطلاقاً من غيرتي على بلدي سورية الحبيبة، وعلى أمنها واستقرارها، ومستقبل أجيالها، ووحدة أرضها وشعبها أردت إلقاء هذه الخطبة على الرغم من أنني ما زلت في فترة النقاهة، فلعل هذه الخطبة تكون إضاءة كاشفة لما ينبغي أن نكون عليه، وأحتسبها عند الله تعالى
ثانياً:
أعزي من أعماق قلبي أهل الشهداء جميعاً من كل شرائح أبناء هذا الوطن الذين قَضَوْا من أجل الشأن العام وأرجو الله جل جلاله أن يكونوا أحياء عند ربهم يرزقون.
ثالثاً:
تتشابه الدول النامية في الأعم الأغلب في المشكلات التي تعاني منها شعوبها، وقد قلت في ندوة تلفزيونية قبل خمسة وعشرين عاماً تقريباً... أخاطب أولي الأمر: أعطِ المواطن رغيف خبزه وكرامته، وخذ منه كل شيء، ولا تغلق بابك دونهم فيأكل قويهم ضعيفهم.
تعريف الإنسان:
فالإنسان جسم يتحرك وغذاؤه الطعام والشراب
وهو عقل يدرك وغذاؤه العلم والمعرفة
وهو قلب يشعر وغذاؤه الحب والولاء.
فحينما لا تتحقق هذه الحاجات الأساسية للإنسان يختل توازنه، ويتصرف بطريقة قد لا ترضي الطرف الآخر، لأن الآخر في بعض الأحيان لا يعاني ما يعانيه.
لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبـابــة إلا من يعانــيـها
والشيء الذي يلفت النظر أن القيادة العليا صرحت: إن طلبات هؤلاء المحتجين محقه وما من موضوع إلا ويخضع للبحث والدرس وهذا موقف موضوعي من القيادة يلفت النظر، وتشكر عليه
تنويه:
ولا بد من التنويه أنّك لو أعطيت الإنسان رغيف خبزه ولم يشعر بكرامته لا تحل المشكلة لأنه كما ورد:
ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان
ومما يلفت النظر أيضاً في الأحداث الأخيرة أن المواطنين على اختلاف أطيافهم وانتماءاتهم لم يطرحوا أي طرح طائفي وهذا وسام شرف لهذه الأمة .
وإذا أردتم التأصيل الديني لوحدة الأمة على الرغم من تعدد أطيافها... أن النبي ( ص ) حينما دخل المدينة كان فيها الأوس والخزرج، وكان بعضهم مسلمون وبعضهم الآخر وثنيون، وعدد ليس بالقليل من أهل الكتاب، والموالي والأعراب، ومع ذلك قال صلى الله عليه وسلم:
( أهل يثرب أمة واحدة سلمهم واحدة وحربهم واحدة ) وهذا ما يعبّر عنه اليوم بالوحدة الوطنية، أو التعايش المشترك، أو السلم الأهلي، وهذا أصل من أصول ديننا الحنيف.
والذي يلفت النظر ويبعث على الطمأنينة أنني لم يصل إلى سمعي طرح طائفي إطلاقاً ولا طرح إقليمي في هذه الأزمة الحادة التي يمرُّ بها وطننا، بل هو مطلب الحرية ومحاربة الفساد
لكن البعض يكيد لبلدنا الحبيب حينما يحاول أن يعطي هذه الأزمة بعداً طائفياً وهذا خطأ شنيع، وسلوك قذر، وأنا أؤمن بكل قطرة في دمي، وبكل خلية في جسمي أن الشعبَ أيَّ شعبٍ همّه الوحيد كيف يُحكم لا من يحكمه، وهذه الحقيقة تلغي أي تفسير طائفي وحينما تتحقق للمواطن حاجاته المادية الأساسية، وحاجاته النفسية ولاسيما حريته التي تؤكد كرامته، فإن المواطن سيقدر هذا عالياً، وعندئذٍ يتفانى في خدمة وطنه، والذود عنه، والإسهام في نهضته.
وحينما فتحت جيوش المسلمين البلاد شرقاً وغرباً وأن شعوب هذه البلاد حينما رأت عدل المسلمين ورحمتهم أعطوا ولاءَهم وحبَّهم لهم وهذا يؤكده تاريخ الفتوحات الإسلامية.
يقول أحد الفرنجة الذي شهد فتح القدس من قبل صلاح الدين: إن المسلمين لم يؤذوا أحداً، ولم ينهبوا مالاً ولم يقتلوا مسالماً، ولا معاهداً، ولم نرَ منهم إلا الخير والمروءة وهم أهل حضارة وتمدُن وصدق
وصَدَقَ من قال:
ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم منهم
وهذا ما آمله من أبناء وطننا الحبيب في شتى أطيافه واتجاهاته، ولا سيما صانعوا القرار.
ولا بد من الإشارة إلى أن المقولة التي تتردد كثيراً أنناً مستهدفون لأننا أخذنا مواقف كدنا ننفرد بها من دعم للمقاومة، ورفض لكل حل استسلامي مع أعداء أمتنا وهذه المواقف هي وسام شرف لبلدنا الطيب حقَّ لنا أن نفتخرَ بها...
ولكن هذا لا يُعفينا من الحديث عن الأخطاء والبحث عن الحلول لها فهذا يعد على المدى البعيد أحد أهم الأسباب التي تعيننا على متابعة صمودنا وتصدينا لكل عدوان من قبل أعداء الأمة
المنصب القيادي:
وحينما تختار القيادة العليا مواطناً لشغل منصب قيادي حُقَّ لها أن تشترط فيه الوطنية والولاء أولاً، ولكن لا بد من أن تضيف إلى شرط الوطنية والولاء شرط الكفاءة والنزاهة
( قالت يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ) القوي ( صاحب الكفاءة ) الأمين(صاحب المبادئ والقيم ) وعندنا في هذا البلد الطيب من هذه الكفاءات العلمية والأخلاقية العدد الكبير.
كيفية الخروج من هذه الأزمة:
الناس يهدؤون من خلال عيونهم لا من خلال آذانهم:
أما الوسائل الفعالة للخروج من هذه الأزمة فأعتقد أن الناس يهدؤون من خلال عيونهم، لا من خلال آذانهم فلا بد من إنجازات تشريعية ومعاشية يراها المواطنون بأعينهم في أقرب وقت، فالوعود التي أدلت بها القيادة العليا ينبغي أن يوضع لها سقف زمني محدّد وقريب، لتصبح بعد انقضاء المدة واقعاً يعيشه المواطنون، وقد بدأت تصدر بعض المراسيم والقوانين والحمد لله.
محاسبة المسيئين:
ولا بد من الإسراع في عمل اللجنة التي شكلت لتحاسب كل مسؤول عما اقترفت يداه وأن يحال إلى القضاء لينال جزاءه العادل، فالإنسان بنيان الله في الأرض وملعون من هدم بنيان الله، وقد نظر ابن عمر رضي الله عنهما يوماً إلى الكعبة المشرفة فقال: ما أعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة منك عند الله
تحقيق المطالب:
وهناك مطالب قد تحققت تستدعي شكراً لمن تحققت هذه المطالب على يديه وبسببه، ومطالب وعد المسؤولون بتحقيقها، فالشعب ينتظر تحقيقها بفارغ الصبر.
muslem
24-04-2011, 08:41 AM
الرجوع إلى التاريخ الإسلامي:
وأتمنى على الإخوة المسؤولين أن يتطلعوا إلى خصائص العصور الذهبية في التاريخ الإسلامي هذه العصور التي سعدت بها أمتنا في مراحل تاريخها المتألق، وليس مستحيلاً أن يعيد التاريخ نفسه
قصة فاطمة مع زوجها الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز:
تروي فاطمة بنت عبد الملك، زوجة الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين " دخلت على عمر يوماً في مصلاه فرأيته واضعاً يده على خده، ودموعه تسيل، فقلـت له: ما بالك، وفيم بكاؤك ؟ فقال: دعيني وشأني، فلما ألحت عليه قال لها: ويحك يا فاطمة، إني قد وُليت هذا الأمر، ففكرت في الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعاري المجهول، واليتيم المكسور، والمظلوم المقهـور، والغريب، والأسير، والشيخ الكبير، والأرملة الوحيدة، وذي العيال الكثير، والــرزق القليل، وأشباههم في أطراف البلاد، فعلمت أن ربي سيسألني عنهم جميعاً يوم القيامة، وأن خصمي دونهم يومئذ رسول الله (ص )، فخشيت ألا تثبت لي حجة، فلذلك أبكي ".
إنما تنصرون بضعفائكم:
وقد قال عليه الصلاة والسلام: " إنما تنصرون بضعفائكم "، وفي الحديث الشريف هذا ملمحان دقيقان... الأول ملمح توحيدي: وهو أن القوي الذي مكنه الله في الأرض إذا نصر الضعيف أطعمه إن كان جائعاً، وكساه إن كان عارياً، وآواه إن كان مشرداً، ووفر له عملاً إن كان عاطلاً، وعالجه إن كان مريضاً، وهيأ له سبل المعرفة إن كان جاهلاً، ونصره إن كان مظلوماً، منحه أسباب كرامته إن كان مضطهداً... عندئذ يكافئ الله القوي مكافأة من جنس عمله، فينصره على أعدائه الأقوى منه، والملمح الثاني واقعي: وهو أن الأمة بنصرة الضعيف تتماسك وتجتمع وتصبح سداً منيعاً، فلا يستطيع العدو الخارجي أن يخرقها، ولا أن يفتت وحدتها، ولا أن يشق صفوفها.
أعط الإنسان رغيف خبزه وكرامته وخذ منه كل شيء ولا تغلق بابك دونهم فيأكل قويهم ضعيفهم
معالجة المشكلات من أسبابها لا من نتائجها:
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعالج المشكلات من أسبابها، لا من نتائجها، فقد دخل رجل بستان أنصاري، وأكل من شجرة من دون إذنه فساقه إلى النبي صلى الله عليه وسلم على أنه سارق، فقال عليه الصلاة والسلام:
هلا علمته إن كان جاهلاً، وهلا أطعمته إن كان جائعاً
ما أروع هذا الكلام لقد عالج النبي الكريم المسألة من أسبابها
وأتمنى على الإخوة المسؤولين في القيادة العليا أن يؤكدوا للمواطنين مرات ومرات أن المواطن ما لم يكن مذنباً فهو آمن في بيته، وفي عمله، وفي حله وترحاله، وأن أحداً مهما يكن قوياً لا يستطيع أن يسلبه حريته وأمنه واستقراره
وأتمنى على الإخوة المسؤولين في القيادة العليا أن يأخذوا بالقاعد الذهبية، مالم يكافأ المحسن، وما لم يعاقب المسيء فلن ينضبط الناس انضباطاً ذاتياً يسهم في ازدهار الوطن ورفعة شأنه.
عمر بن الخطاب:
سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه... كان إذا أراد إنفاذ أمر، جمع أهله وخاصته، وقال إني قد أمرت الناس بكذا، ونهيتهم عن كذا، والناس كالطير، إن رأوكم وقعتم وقعوا... وايم الله... لا أوتين بواحد وقع في ما نهيت الناس عنه إلا ضاعفت له العقوبة لمكانه مني... فصارت القرابة من عمر مصيبة
وقال عمر رضي الله عنه لأحد ولاته : إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسد جوعتهم، ونستر عورتهم، ونوفر لهم حرفتهم، فإذا وفينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً، التمست في المعصية أعمالاً، فاشغلها بالطاعة، قبل أن تشغلك بالمعصية، ولا تغلق بابك دونهم فيأكل قويهم ضعيفهم
أتمنى:
أولاً:
وأتمنى على الإخوة المسؤولين في القيادة العليا أن يقدموا للمواطنين في أقرب وقت ممكن انجازاً ملموساً يرونه بأعينهم ولا يسمعونه بآذانهم، يحقق لهم حاجاتهم الأساسية ويحقق لهم أيضاً تطلعاتهم إلى الحرية، ولاسيما تلك البنود التي أدلت بها القيادة في بداية الأزمة، وقد بدأت بعض القرارات تصدر تباعاً تحقيقاً للوعود التي قطعتها القيادة العليا للمواطنين.
ثانياًً:
وأتمنى على الإخوة المسؤولين في القيادة العليا أن يباشروا في محاسبة الذين تسببوا في الذي جرى في بعض المحافظات السورية قال تعالى:
﴿ ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب ﴾
[ سورة البقرة الآية: 179 ]
وعندئذ تكون محاسبتهم شفاء لما في الصدور.
﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ﴾
[ سورة المائدة الآية: 32 ]
ثالثاًً:
وأتمنى على الإخوة المواطنين... أن يعتقدوا أن إنكار المنكر ينبغي ألا يؤدي إلى فتنة عمياء لا تبقي ولا تذر، أدعوهم أن يستجيبوا لنداء المسؤولين إلى التهدئة وأن يعطوا المسؤولين الوقت الكافي لدراسة مشاريع القوانين التي تحقق بعض مطالب المواطنين، تمهيداً لإصدارها
رابعاً:
وأتمنى على الإخوة المواطنين... أن ينصرفوا إلى أعمالهم وأن يجهدوا في إتقانها وتطويرها ليكون عمل كل مواطن تعبيراً عن انتمائه لوطنه وحبه له، وتأكيداً للمواطنة الصالحة التي يتطلع إليها المجتمع السوري قيادة وشعباً.
نصائح:
فأسرنا ينبغي أن تتماسك، وأمهاتنا ينبغي لهن أن يتفرغن لتربية أولادهن، وطالبنا ينبغي أن يتفوق، ومعلمنا ينبغي له أن يحمل رسالة سامية يسعى لتحقيقها بين طلابه، وعاملنا ينبغي أن يتقن، وفلاحنا ينبغي أن يرتبط بأرضه ليزرعها، وموظفنا ينبغي أن يتفانى في خدمة دافعي الضرائب، وقاضينا ينبغي أن يعدل، وعالمنا ينبغي أن يؤثر خدمة أمته على حظوظه من الدنيا، وداعيتنا ينبغي أن ينصح ولا يمدح، وضابطنا ينبغي له أن يوقن أن المعركة مع العدو قادمة لا محالة، وأن حديث العدو عن السلام مراوغة، وكذب، وكسب للوقت ليس غير، وثرواتنا ينبغي أن تستخرج، ومصانعنا ينبغي أن تتطور، وأرضنا ينبغي أن تستصلح، ومياهنا ينبغي أن يرشد استهلاكها، وهذا لا يكون إلا بإيمان بالله يحملنا على طاعته، وإيمان باليوم الآخر يحملنا على ألا نظلم بعضنا بعضاً، وأن نطلب جزاء جهدنا وجهادنا في الجنة، وهذا نوع من الجهاد لا تقطف ثماره عاجلاً بل آجلاً، وأنا أسمي هذا الجهاد الجهاد البنائي.
إن بعض الاندفاع قد يضاعف المعاناة بدلاً من أن يحلها.
والغفلة عن المستقبل ستجعلنا مشغولين أبداً بإطفاء الحرائق هنا وهناك عن العمل الجاد الذي يخفف المعاناة عن أجيالنا اللاحقة.
وأن علاج الجرح المفتوح على أهميته ينبغي ألا ينسينا في التفكير في مستقبل أجيالنا..التي سوف تتساءل: هل تركنا لها شيئاً آخر غير الجراح ؟!
ينبغي أن يفكر الفرد الواحد في الموقع الذي يفرغ فيه طاقته، ويؤدي من خلاله دوره ورسالته
وبتحديد هدفه يـبدأ بالمسير إليه، وبخطى ثابتة يقطع مراحل منه، فيكون قد رسم الهدف وحدد الطريق وبدأ السعي.. وهذا يوصل وفق السنن الربانية إلى الهدف ، ومن ثم تتزايد الأعداد الإيجابية التي تمارس دورها بشكل صحيح، بدلاً من أن تكون هذه الأعداد تتساءل فقط ماذا نعمل ؟ ثم لا تعمل شيئاً .
ولا ينبغي ألا يكون تفكير الفرد الواحد دائماً هو أن يرفع المعاناة عن الأمة كلها، فالواحد القادر على رفع المعاناة كلها هو الله وحده عز وجل.
أما البشر فيكفي أن يستفرغ المرء جهده وطاقته ولا يدخر منها شيئاً في موقع معين، ثم لا يضيره أن تتحقق النتائج على يد غيره بعد وضع الأساس وبدء البناء.
إن رَفْع المعاناة عن الأمة يتطلب عدداً كبيراً من المؤمنين الواعين المخلصين المضحين في جميع الميادين، وهذا ما يجب أن نسعى إليه، ولأن ينجح فرد في إعداد مجموعة من المواطنين إعدادًا إيمانياً وعلمياً وعقلياً وخلقياً ونفسياً واجتماعياً وجسدياً أحب، وأنفع من أن يلقي بنفسه في أُتون نار تقول: هل من مزيد، إن النجاح يكمن في أن يستخدم المرء عقله قبل يده، كما يفعل أعداؤنا .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
(( يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ، لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ ))
ولاشك أن هنالك تقصيراً من الدعاة في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للأمراء، وأن هناك تقصيراً من الأمراء في واجب إزالة المنكرات.
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي هُمْ أَعَزُّ وَأَكْثَرُ مِمَّنْ يَعْمَلُهُ لَمْ يُغَيِّرُوهُ إِلَّا عَمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ ))
[رواه أبو داود]
وعن النُّعْمَان بْن بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ النعمان بن بشير رضي الله عنه:
((أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ' مَثَلُ القَائِم في حُدُودِ اللَّه والْوَاقِع فيها، كَمثل قَومٍ اسْتَهَموا على سَفِينَةٍ، فَأَصابَ بَعْضُهم أعْلاهَا، وبعضُهم أَسْفلَهَا، فكان الذي في أَسفلها إذا استَقَوْا من الماء مَرُّوا على مَنْ فَوقَهمْ، فقالوا: لو أنا خَرَقْنا في نَصِيبِنَا خَرقا ولَمْ نُؤذِ مَنْ فَوقَنا ؟ فإن تَرَكُوهُمْ وما أَرَادوا هَلَكوا وهلكوا جَميعا، وإنْ أخذُوا على أيديِهِمْ نَجَوْا ونَجَوْا جَميعا ))
(هذه رواية البخاري )
والتعبير الحديث:
نحن جميعاً في هذا الوطن في قارب واحد.
قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: الأمر بالمعروف والنهي عم المنكر هو القطب الأعظم في الدين، وهو الذي بعث الله له النبيين أجمعين، ولو طوي بساطه وأهمل علمه وعمله لتعطلت النبوة، واضمحلت الديانة، وعمَّت الفترة، وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، وخربت البلاد، وهلك العباد، ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد، وقد كان الذي خفنا أن يكون، فإن لله وإنا إليه راجعون.
هاهنا يبرز معنى الجهاد البنائي بمفهومه الواسع الذي يغفل عنه معظم المسلمين والذي هو بذل أقصى الوسع، واستفراغ الطاقة في تحصيل المراد.
والغفلة عن المستقبل ستجعلنا مشغولين أبداً بإطفاء الحرائق هنا وهناك عن العمل الجاد الذي يخفف المعاناة عن أجيالنا اللاحقة.
والسؤال الملح اليوم: هل من ورقة عمل توضع بين أيدي المسلمين ؟
الخطبة الثانية:
ورقة العمل بين أيدي المسلمين:
ورقة العمل التي ينبغي أن توضع بين أيدي المؤمنين المسلمين المواطنين هي ورقة دقيقة فيها نقاط عدة.
النقطة الأولى:
النقطة الأولى في ورقة العمل العودة إلى منهج السماء علماً وعملاً معاً، لا بد من العلم المؤصل، والعمل المخلص لخطورة هذه المرحلة التي نمر بها الآن حتى لا نؤذي من حيث نريد الإصلاح، وحتى لا نفسد من حيث نريد الخلاص، لا بد من فهم صحيح، وعمل صادق، ولا سيما أن الجهل يعد أعدى أعداء الإنسان لأن الجاهل يفعل في نفسه مالا يستطيع عدوه أن يفعله به
النقطة الأولى طلب العلم، فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم
muslem
24-04-2011, 08:41 AM
النقطة الثانية:
النقطة الثانية: تجديد الإيمان، نحن لا نظن أن الأمة قد نبذت الإيمان بالكلية، ولكن نقول الإيمان يزيد وينقص، ويتجدد ويبلى، ويقول عليه الصلاة والسلام:
(( إن الإيمان ليخلَق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب ))
[ رواه الطبراني في الكبير إسناده حسن ]
نحن في أمس الحاجة إلى تجديد للإيمان، لأن الإيمان يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، نحتاج إيماناً يعرفنا بربنا، نحتاج إيماناً يجدد في قلوبنا التوكل على الله، والثقة بالله وحده، والرجاء فيه وحده، والاعتماد عليه وحده، والتوكل عليه وحده، واليقين فيه وحده، نحتاج إيماناً إن استقر في قلوبنا نطقت به ألسنتنا، وصدقته أعمالنا.
في الدعاء المأثور:
" اللهم إنا نبرأ من الثقة إلا بك، ومن الأمل إلا فيك، ومن التسليم إلا لك، ومن التفويض إلا إليك، ومن الرجاء إلا فيما عندك، ومن الصبر إلا على بابك، ومن الذل إلا في طاعتك " .
روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ))
[ رواه البخاري ومسلم ]
النقطة الثالثة:
النقطة الثالثة في ورقة العمل التي ينبغي أن تكون بين أيدينا هي الأخوة الصادقة بين المواطنين على اختلاف أطيافهم ومشاربهم وقد قال تعالى:
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾
[ سورة الحجرات الآية: 10 ]
وعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ))
[ رواه البخاري ومسلم ]
ولكن أتساءل أحياناً أين الأخوة الإيمانية ؟ أين أمة الجسد الواحد ؟
نخشى أن ينظر المواطن إلى وضع إخوانه الآخرين المأساوي في شتى أرجاء الوطن، فيهز كتفيه، ويمضي وكأن الأمر لا يعنيه، لا من قريب ولا من بعيد، ما دام هو آمناً في سربه، معافىً في بدنه، عنده قوت يومه.
النقطة الرابعة:
النقطة الرابعة في ورقة العمل تحويل العلم إلى عمل، العلم ما عُمِل به، العلم في منهج السماء وسيلة وليس غاية، ينبغي أن يترجم العلم إلى عمل فإن العلم إذا خالف العمل بُذرت بذور النفاق في القلوب قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾
[ سورة الصف الآيات: 1-2 ]
ينبغي أن نحول المنهج العلمي الرباني إلى واقع عملي يتألق في دنيانا سمواً، وروعة، وحركة، وبناءً، أن نتحرك في هذه المرحلة إلى الدعوة إلى الله، نريد أن نُسمع العالم كله عظمة هذا الدين، وحقيقة هذا الدين، قم أيها الموحد دثر العالم كله ببردتك، ذات العبق الطاهر، قم وضم العالم كله إلى صدرك، وأسمعه خفقات قلبك، الذي وحد الله جل وعلا، قم واسق الدنيا كأس الفطرة، فطرة التوحيد التي فطر الله الناس عليها.
نداء لكل مواطن:
نريد الآن من كل مواطن غيور أن يبذل الغالي، والرخيص والنفس والنفيس من أجل حقن الدماء، ونزع فتيل القنبلة ، فإن لم تتحرك الآن، وإن لم تحمل الآن هموم أمتك وهموم وطنك، وإن لم تتحرك الآن لنصرة بلدك، وأمنه واستقراره، متى تتحرك ؟
لا تأكل ملء بطنك، ولا تنم ملء عينيك، ولا تضحك ملء فمك، وكأن الأمر أمر وطنك لا يعنيك.
عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(( بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ تَخَيَّلَ، وَاخْتَالَ، وَنَسِيَ الْكَبِيرَ الْمُتَعَالِ، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ تَجَبَّرَ، وَاعْتَدَى، وَنَسِيَ الْجَبَّارَ الْأَعْلَى، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ سَهَا وَلَهَا، وَنَسِيَ الْمَقَابِرَ وَالْبِلَى، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ عَتَا، وَطَغَى وَنَسِيَ الْمُبْتَدَا وَالْمُنْتَهَى، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ يَخْتِلُ الدُّنْيَا بِالدِّينِ، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ يَخْتِلُ الدِّينَ بِالشُّبُهَاتِ، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ طَمَعٌ يَقُودُهُ، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ هَوًى يُضِلُّهُ، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ رَغَبٌ يُذِلُّهُ ))
[ أخرجه الترمذي ]
والحمد لله رب العالمين
http://www.nabulsi.com/brown/ar/art.php?art=9556&id=44&sid=46&ssid=48&sssid=49
سيفي دولتي
24-04-2011, 11:47 AM
ما أجمل النفاق وما أحلى الارتزاق وما أروع التكسب في بلاط الكفر والسلطان الحاكم به ..
لم أجزع أبدا لأنني أعلم يقينتا أن المسمون علينا دعاة هداية وخير وعلماء أمة
ماهم في حقيقتهم إلا زنادقة مرتزقة يتكسبون بآيات الله عرض الدنيا الزائل
ان كان القرضاوي تم الاستعانة به في مصر وليبيا فهاهو النابلسي يستعان به
في شام الرسول ... صلى الله عليه وسلم ... اللهم إنهم سفهاء فلا تؤاخذنا بهم
اللهم إننا نبرأ إليك منهم ... اللم خذهم فإنك عليهم قادر ولا تبقهم فإنهم مفسدون
والله ثم والله انهم يعلمون الحق ويحيدون عنه خزفا وجزعا فهل سمي في تاريخنا
الإسلامي العظيم عن عالم خائف وجل من ي سلطان ؟؟؟
حسبي الله ونعم الوكيل فيهم جميعا ...
muslem
24-04-2011, 06:49 PM
السلام عليكم
ياخي لا تأخذ الامور الفكريه هكذا ان لا ادافع عن النابلسي و لكن في خطبته القى كم فكرة لا بد من تبيانها و تفنيدها مثال عندما قال "وإذا أردتم التأصيل الديني لوحدة الأمة على الرغم من تعدد أطيافها... أن النبي ( ص ) حينما دخل المدينة كان فيها الأوس والخزرج، وكان بعضهم مسلمون وبعضهم الآخر وثنيون، وعدد ليس بالقليل من أهل الكتاب، والموالي والأعراب، ومع ذلك قال صلى الله عليه وسلم:
( أهل يثرب أمة واحدة سلمهم واحدة وحربهم واحدة ) وهذا ما يعبّر عنه اليوم بالوحدة الوطنية، أو التعايش المشترك، أو السلم الأهلي، وهذا أصل من أصول ديننا الحنيف."
مع العلم ان قال شئ ضد الطائفية وهذا قول حسن"والذي يلفت النظر ويبعث على الطمأنينة أنني لم يصل إلى سمعي طرح طائفي إطلاقاً ولا طرح إقليمي في هذه الأزمة الحادة التي يمرُّ بها وطننا، بل هو مطلب الحرية ومحاربة الفساد"
ولكنه لمح تلميح الى ان سبب الظلم هوغياب الاسلام وانا اتفق معك ان التلميح لا يكفي وان الحق احق ان يتبع واللف و الدوران لا يجدي وان الوطنية ليست من الاسلام في شئ و هي رابطة حيوانيه
سهل ممتنع
24-04-2011, 11:02 PM
السلام على من أتبع الهدى
اخي مسلم اكتفي من كل الخطبه انه أشاد بوقوف النظام الى جانب المقاومه
ودافع عن الكيان الصهيوني وحما حدوده طوال هذا الوقت ولم يطلق رصاصه واحده على هذا الكيان وقد نشرة وكالات أنباء عن بعض المسؤولين اليهود عن تخوفهم من الاحداث في سوريا ان يتغير النظام وياتي من يستلم الحكم في سوريا ولا يعمل على الحفاظ على أمن أسرائيل مثل ما عمل نظام البعث طول مدة حكمة
حسبنا الله ونعمه الوكيل
muslem
25-04-2011, 04:41 AM
السلام على من أتبع الهدى
اخي مسلم اكتفي من كل الخطبه انه أشاد بوقوف النظام الى جانب المقاومه
ودافع عن الكيان الصهيوني وحما حدوده طوال هذا الوقت ولم يطلق رصاصه واحده على هذا الكيان وقد نشرة وكالات أنباء عن بعض المسؤولين اليهود عن تخوفهم من الاحداث في سوريا ان يتغير النظام وياتي من يستلم الحكم في سوريا ولا يعمل على الحفاظ على أمن أسرائيل مثل ما عمل نظام البعث طول مدة حكمة
حسبنا الله ونعمه الوكيل
وعلى المؤمنين السلام
انا معك انه قد المح الى مساندة النظام عن طريق ماوصفه بدعم المقاومة
لكن هل تعتقد انه اخطأ عندما وصف ما يجري بانه مؤامرة ? الاصل الا يخشى اي عالم الا الله اخي الاترى ان في هذه الفكرة خطر على المسلمين اذا لم يتم ايضاح ان الاسلام هو الذي كان سائد في المدينة وان يثرب كانت دار اسلام ولا علاقة لذلك من قريب او بعيد بما يدعى الوحدة الوطنيه "أن النبي ( ص ) حينما دخل المدينة كان فيها الأوس والخزرج، وكان بعضهم مسلمون وبعضهم الآخر وثنيون، وعدد ليس بالقليل من أهل الكتاب، والموالي والأعراب، ومع ذلك قال صلى الله عليه وسلم:
( أهل يثرب أمة واحدة سلمهم واحدة وحربهم واحدة ) وهذا ما يعبّر عنه اليوم بالوحدة الوطنية، أو التعايش المشترك، أو السلم الأهلي، وهذا أصل من أصول ديننا الحنيف."
عبد الواحد جعفر
25-04-2011, 09:38 AM
ومع ذلك قال صلى الله عليه وسلم:
( أهل يثرب أمة واحدة سلمهم واحدة وحربهم واحدة ) وهذا ما يعبّر عنه اليوم بالوحدة الوطنية، أو التعايش المشترك، أو السلم الأهلي، وهذا أصل من أصول ديننا الحنيف.
( أهل يثرب أمة واحدة سلمهم واحدة وحربهم واحدة ) هذا النص بهذه الكلمات، لم يرد في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا في سيرته، ولم أجده في أي كتاب حديث أو سيرة. وما وجدته هو قوله صلى الله عليه وسلم "هذا كتاب من محمدٍ النبي صلى الله عليه وسلم ، بأنّ المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم، وجاهد معهم، إنّهم أمّة واحدة من دون الناس".
وفرق بين النصين كبير، إذ في النص الأول، قد أدخل اليهود والمشركين وغيرهم من أهل يثرب في أنهم مع المسلمين أمة واحدة. وفي النص الثاني خص المسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم بأنهم أمة واحدة من دون الناس.
والوحدة الوطنية من عصبيات الجاهلية، فتوحيد المسلمين من أجل الوطن عصبية جاهلية، فلا تجوز الوحدة ولا التعايش ولا أي شيء على غير أساس الإسلام، فما كان على أساس الوطنية أو القومية فهو منبوذ متروك، وعصبية جاهلية.
سيفي دولتي
25-04-2011, 11:51 AM
يقول إن الحل بالإسلام ولكنه لا يعمل له .. !!
أرى أنه في خانة الزنادقة والمرتزقة والمتكسبين بآيات الله
من علماء السلاطين وأبواق الأنظمة الرأسمالية المنتشرة في
جيار المسلمين والتي لا هم لها سوى خدمة الغرب الكافر و
إعانته على المسلمين وثرواتهم ...
فحسبي الله فيهم جميعا ...
المهاجر
26-04-2011, 09:05 AM
إن ما ورد في خطبة "الشيخ" أنه لا يهم من الحاكم، بل المهم كيف يحكم. أفهم من كلامه حتى وإن كان الحاكم علوياً أو نصرانياً أو درزياً المهم طريقة حكمه، كما لم يوضح "الشيخ" ما قصده بطريقة الحكم، فلم يصرح بأن يحكم بأحكام الإسلام. وهذا كله تغطية للحقائق ووضع الأمور في غير نصابها.
وليد فهد
26-04-2011, 01:28 PM
انتم تنتقدون الاخرين وانتم ايضا لا تقدمون للاسلام شيئا ليس لكم وجود او عمل في سوريا
ماذا تتوقعون من انسان اعزل ووحيد ان يقول
سهل ممتنع
26-04-2011, 09:34 PM
انتم تنتقدون الاخرين وانتم ايضا لا تقدمون للاسلام شيئا ليس لكم وجود او عمل في سوريا
ماذا تتوقعون من انسان اعزل ووحيد ان يقول
يا اخ وليد فهد انت تصف انسان عالم بل ارى فيه العلامه وهو الذي سيكون علمه عليه حجه انه ليس وحيداً فلو تكلم بما أمره الله به لحرك مئات الالوف من الشعب السوري وملاين من الامة الاسلاميهلما يرضي الله
. لما له من تأيد وتقدير عند الناس .
حتى وأن لم يكن له من يأيده من الناس. فهو يعلم علم اليقين انه لا يصيبه الا ما كتبه الله له فلا حجة له ولا عذر حتى يضلل الامة ويتبع الطاغوت ويسانده
muslem
25-07-2011, 01:11 AM
( ياحسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون ( 30 ) ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون ( 31 ) وإن كل لما جميع لدينا محضرون ( 32 )
استمعوا للاتي
http://www.youtube.com/watch?v=DGk4VTo5TQ0&feature=related
قاهر الانحراف
25-07-2011, 09:35 AM
انتم تنتقدون الاخرين وانتم ايضا لا تقدمون للاسلام شيئا ليس لكم وجود او عمل في سوريا
ماذا تتوقعون من انسان اعزل ووحيد ان يقول
أخ وليد النابلسي عالم وله كلام يكاد أن يكون كلام الحزب وكأنه قرأه و ربما الخلاف معه في بلورة المفاهيم وفي قضية الاعجاز العلمي!
الحزب يقدم للإسلام و كل شبابه يعمل للإسلام وإلا لما دخلوا في حزب محضور ! لكن لو قلت الحزب لا يظهر له أثر أو نتائج لكان كلامك دقيق ... ونتمنى أن تدخل الحزب أنت و تعرف عن قرب الصعوبات التي يواجها و تعرف العقبات و كم هو مرهق حمل الدعوة ومتعب جدا وهو أرقى اعمال البشر وهو عمل الانبياء ولا يخفى عليك ما واجه الانبياء من صعوبات وصلت حد اليأس وغيرهم ممن حمل الافكار .
ونسال الله أن ترجع للحزب و أن نحل كافة نقاط الخلاف التي عندك ونتوصل لصيغة عمل مشترك للإسلام !
حبيبي محمد
05-08-2011, 01:54 PM
خطبة جمعة : لمحمد راتب النابلسي
هؤلاء الذين يقولون:
﴿إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا﴾
لا يعلمون..
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ ﴾
( سورة العنكبوت: من آية " 10 " )
مَن يقول ؛ هكذا يدَّعي، هكذا يزعم، هكذا يتوهَّم، هكذا يظن أنه مؤمن..
﴿فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ ﴾
إذا تجشَّم بعض المتاعب، إذا تحمَّل بعض المشاق ؛ بسبب إيمانه، أو بسبب استقامته، أو بسبب حبه للخير، أو بسبب توحيده لله عزَّ وجل، أو بسبب دعوته إلى الله، إن تحمل بعض المتاعب وقد لا تذكر، إن تحمل بعض المشاق، إن تحمل بعض القَلَق..
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ ﴾
جعل هذه الفتنة، جعل هذه المتاعب، جعل هذه المخاوف، جعل هذه المُقْلِقات تُعادل غضب الله عزَّ وجل، تعادل عذابه في الدنيا والآخرة، فأحجم عن الطاعة خوفاً من إنسان.
أيها الإخوة المؤمنون... علاج المسلمين التوحيد..
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) ﴾
( سورة الأنبياء )
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) ﴾
( سورة العنكبوت )
أيها الإخوة المؤمنون...
(( كلمة الحق لا تقرِّب أجلاً، ولا تقطع رزقاً ))
هكذا قال عليه الصلاة والسلام.
إنه من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله، وأن تحمدهم على رزق الله، وأن تذمَّهم على ما لم يؤْتك الله، إنه من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله، وأن تحمدهم على رزق الله، وأن تذمَّهم على ما لم يؤتك الله، إن رزق الله تعالى لا يجره حرص حريص، ولا يرده كراهة كاره..
﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) ﴾
( سورة يوسف )
أيها الإخوة المؤمنون... ما من حالةٍ مرضيةٍ، ما من حالةٍ سويةٍ صحيةٍ تصيب النفس إلا ذكرها الله في القرآن الكريم، ذكرها وفصَّلها، وهاكم الآيات التي تفسِّر ضعف يقين الناس، عدم توحيدهم، ضعف يقينهم، إشراكهم بالله عزَّ وجل.
muslem
29-01-2012, 10:13 AM
التفسير المطول - سورة الماعون 107 – الدرس(1- 1): تفسير الآيآت 1 - 7 حقيقة الدين وأنواع الرياء.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي – تاريخ 12-7-1985م.
سورة اليوم هي سورة الماعون، وتبدأ بقوله تعالى:
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ*فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ*وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ*فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ*الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ*وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾.
الآية الأولى:
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴾
في هذه الآية مركز ثقل كلمة الدين، ماذا تعني كلمة (الدين)؟ آلة معقدة جداً، حاسب إلكتروني، الشركة الصانعة ترسل معه كتيباً صغيراً فيه طريقة استعماله، لو أن إنساناً اشترى هذا الحاسب، ودفع ثمنه مئات الألوف، هناك حواسب إلكترونية يزيد ثمنها عن عشرين مليوناً، لو أن جهازاً من هذه الأجهزة اشتراه إنسان ما، ولم ترسل له الشركة التعليمات، كيف يستعمله، سوف يستعمله بجهل، لا بد أن يعطبه، فهذه النشرة التي ترافقه لها شأن خطير، ربما لا تقل قيمةً عنه، لو استعمله الإنسان من دون هذه النشرة لأصابه بالعطب، وإن لم يستعمله جمّد ثمنه، فماذا عليه أن يفعل؟ عليه أن يستقدم هذه النشرة، ليقرأها ملياً، بشكل دقيق دَقيق يتبصر بمعلوماتها، ويتبع إرشاداتها، هذه النشرة التي ترافق الجهاز المعقد الصنع، هذه النشرة تشبه إلى حد كبير الدين، لو أن هناك ثلاث مواد مسحوقة بيضاء؛ ملح، ومنظف، وسكر، المواد جميعاً مفيدة، لكن نشرةً تقول لك: استعمل الملح في الطعام، واستعمل السكر في الشاي، واستعمل المسحوق الأبيض في تنظيف الصحون، فماذا فعلت هذه النشرة؟ أمرتك أن تضع كل شيء في مكانه الصحيح، كل شيء نافع، لو وضعت السكر في الطبخ لما استسغتَ أكلَ هذه الطبخة، ولو وضعت الملح في الشاي لمَا استطعتَ أنْ تشربه، ولو وضعت السكر لتنظف به الصحون لما أفادك شيئاً.
إذاً الدين منهج رباني، جاء ليبين وجه استعمال كل شيء، هذه حقيقة الدين، نشرة تفصيلية مبنية على علم وخبرة، سطرتها الشركة الصانعة لهذا الجهاز، ربما لا تقل هذه النشرة قيمةً عن الجهاز نفسه لأنك لو استعملت الجهاز من دون هذه التعليمات لأصبته بالعطب، وإن لم تستعمله لجمدت ثمنه، إذاً لا بد من قراءة النشرة، إتباع ما فيها حرصاً منك على سلامة الجهاز. إن كنت أيها الإنسان تحرص على جهاز له ثمن ما، قل أو كثُر، ألاَ تحرص على نفسك، هذه النفس التي ركب الله فيها ميولاً ونوازع وطموحات، وجعلها مِنْ فكر ونفس، وروح، وشهوات، وحاجات، هذا الكائن المعقد لا تعقيد عجز بل تعقيد إبداع، هذا الكائن ألا يحتاج في حركته إلى منهج؟ هذا المنهج ماذا يقول لهذا الكائن؟ افعل ولا تفعل، لأن هذا المنهج يضمن سلامة هذا الكائن.
لو أنك كنت في طريقك في بعض الأماكن ووجدت عموداً من الكهرباء كُتب عليه ( خطر الموت ابتعد)، هل ترى أن هذا الأمر هو حجز لحريتك، أم أنه ضمان لسلامتك؟ هذا هو الدين. ينطلق الدين من مصلحة الإنسان، ويستهدف سلامته، ويستهدف إسعاده في الدنيا والآخرة، فقوله تعالى:
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴾
كلمة الدين في هذه الآية مركز الثقل، الدين ما دانت له النفوس، ومتى تدين النفوس إلى شيء ما؟ إن كان واقعياً، وإن كان منطقياً، وإن كان صحيحاً، وإن كان مفيداً، ومتماسكاً، لا خلل فيه، ولا تناقض ولا خطأ ولا سخف فيه، النفس الإنسانية لا تخضع إلى فكرة ما إلا إذا كانت صحيحة، وواقعية، ومنطقية، وخيِّرة، ومتماسكة، فإذا قال الله عز وجل: (أرأيت الذي يكذب بالدين)، أي بهذا المنهج الذي وضعه الله سبحانه وتعالى لعباده، كما قلت قبل قليل: كل شيء على وجه الإطلاق خلقه الله عز وجل، إنما خلقه لخيرنا، ولكن الشر من أين يأتي؟ من سوء استعمال هذه الأشياء، إذا وضعت السكر في الطبخة فإن هذا شر، إن نظفت الصحون بالسكر فإن هذا شر، إن وضعت المنظف في الشاي، فإن هذا شر، مع أن هذه المواد الثلاث البيضاء نافعة ولها قيمة، جاء الدين ليقول لك: ضع السكر في الشاي مثلاً، والمنظف استعمله لتنظيف الصحون، والملح في الطعام، لقد جاء الدين ليضع كل شيء في مكانه الطبيعي، قال لك: تزوجْ ولا تزنِ، اكسب المال الحلال ولا ترابِ، قل قولاً حسناً ولا تقل قولاً سيئاً، عامل أهلك بالإحسان ولا تعاملهم بالفظاظة، جاء الدين ليقول لك: افعل هذا، ولا تفعل هذا.
إذاً الدين منهج مِن عند الخالق، مِن عند الخبير، مِن عند الذي يعلم السر وأخفى، مِن عند مَن خلقك، قال تعالى:
﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
[ سورة فاطر: 14 ]
ليس في الكون كلام أرقى من كلام الله، لأنه من عند الخبير العليم، إذاً هذا الدين الذي تدين له النفوس، والنفوس السوية الصحية تدين له، كلما قال النبي عليه الصلاة والسلام شيئاً قال له سيدنا الصديق: صدقت يا رسول الله، وأنت إن كنت صادقاً في طلب الحقيقة، فإنك تحس أن حقائق الدين هي غذاء لروحك، كلما اطلعت على آية كريمة، أو على منهج رباني، أو على سنة مطهرة تقول: صدق الله العظيم، صدق النبي الكريم إن هذا لهو الحق المبين، هذه مواقف النفس الصحيحة، أما النفس المريضة فإنها ترفض حقائق الدين، لا لأنها ليست صحيحة، بل لأنها تتعارض مع شهواتها، قال تعالى:
﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾
[ سورة القصص: 50]
إن لم تحصل استجابة للدين فلعدم الاستجابة تفسير واحد، وهو أن هذه الحقائق تعارضت مع شهوات النفس، لذلك رفضت، لا لأنها باطلة، بل لأنها كما توهمها صاحبها تحد من شهواته ونوازع نفسه.
muslem
29-01-2012, 10:15 AM
قال تعالى:
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴾
بهذا المنهج الإلهي الذي من عند الحكيم الخبير، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، الذي ما ترى فيه من تفاوت، ولا تناقض، ولا خلل، ولا نقص، ولا ضعف أبداً:
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴾
فلو أننا اطلعنا على نشرة صادرة عن معمل يصنع أجهزة إلكترونية معقدة، بحسب المنطق تقول: هذه النشرة يجب أن تُتَّبع لأنها من المعمل، وصممها مهندسون كبار، وسطرتها أقلام خبراء بهذه الآلة، فاستعملها على الوجه الفلاني ولا تستعملها على الوجه الفلاني.
إذا اشترى شخصٌ مكيفاً يقول لك الصانع: إذا أطفأته فلا تشعله فوراً، ترى نفسك متأدباً مع هذه التعليمات، إذا كان المكيف ثمنه باهظ، وأنت حريص على أن يؤدي وظيفته طوال هذا الصيف، فترى نفسك من دون شعور تنفذ تعليمات الخبير بحذافيرها، إن اشتريت مكيفاً، وإن اشتريت مكواة، أو أيَّ جهاز أو آلة من الآلات، ترى نفسك بدافع حب السلامة، حب سلامتها حريص على تطبيق تعليماتها تطبيقاً حرفياً، يا سبحان الله، أأنت أثمن أم هذه الآلة؟! أهذه النفس الإنسانية أثمن أم هذه الآلة؟ هذه الآلة لا بد أن تتركها في يوم ما أو أن تتركك، لكن هذه النفس هي نفسك، هي ذاتك تحيا بها إلى الأبد إما في شقاء دائم أو في نعيم دائم، فإذا طبقت هذا النهج الإلهي في حركة هذه النفس في الحياة، فأنت من السعداء، وإذا خالفت هذا المنهج فالذي يخالفه يكون من الأشقياء.
ربنا عز وجل يقول:
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴾
ما هو التكذيب بالدين؟ هو التكذيب بهذا المنهج الإلهي، وكما قلت قبل قليل: كأنه نشرة تعليمات، يقول لك المنطق: لا بد أن تكون صحيحة، لأن هذا الجهاز المعقد البالغ الإتقان لا بد من أن صانعيه على مستوى عال جداً من الفهم والخبرة، فتعليماتهم صحيحة، إنك تدين لهذا المنهج استنتاجاً منطقياً، فإذا خالفت التعليمات وقعت في خطأ، وتعطل الجهاز، إنك الآن تدين له مرةً ثانية يقيناً نابعاً من التجريب، فحينما تدين لهذا الدين، دينونتك له إما بسبب استنتاجك المنطقي، أو بسبب تجربتك الفعلية، قد تدين له انطلاقاً من أن هذه النشرة لا بد أن تكون صحيحة، استنتاج منطقي وقد تدين له إثر مخالفة لهذه التعليمات، ودفع الثمن باهظٍ، عندئذ تدين له يقيناً نابعاً من التجربة.
والآن النفوس السليمة الصحيحة المعافاة، الفكر المنطقي ماذا يقول؟ هذا كلام الله رب العالمين، هو العليم الخبير، هو الذي يجب أن يُسمع كلامه، هو الذي يجب أن يعبد، فهذا المنطق يقول لك: أطع الله، إن قال الله عز وجل:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
[سورة البقرة:278]
إذا نهانا عز وجل عن الربا أنت كمؤمن انطلاقاً من المنطق السليم، هذا كلام الله رب العالمين، ولا بد أن يمحق الله عز وجل الربا، والذي لا ينصاع لهذا الأمر لا بد أن يحاربه الله ورسوله، هذا انصياع مبني على استنتاج منطقي، لكن الإنسان إذا خالف تعليمات الدين ودفع الثمن باهظاً، عندئذ يقول يا ليتني لم أفعل، لقد صدق الله العظيم، ربنا عز وجل قال:
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾
[سورة النور:30]
لو أن الإنسان أطلق بصره، وشعر بالشقاء الزوجي، ونشأت هوة كبيرة بينه وبين زوجته كرهها وكرهته، وكانت حياتهما شقاقاً وبغضاء ومشاحنة، وقرأ قوله تعالى:
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾
[سورة النور:30]
عندئذ يدين لهذه الآية، لا دينونة استنتاج منطقي، بل دينونة يقين تجريبي، هذا هو الدين، لكن الذي أرجوه أن تخضع له بناءً على استنتاج منطقي، قبل أن تضطر أن تخضع له بناءً على تجربة يقينية.
هذا الذي يفعل السيئات، ويبتليه الله بالمصائب، وقد تسحقه المصائب يقول: ليتني لم آكل الربا، ليتني لم أفعل كذا وكذا، ليتني اتقيت الله عز وجل في زوجتي، ليتني ليتني، عندئذ يقول لك: لا بد أن يكون هذا الدين صحيحاً لأنني عاينته بنفسي. هذا هو الدين؛ الشيء الذي تخضع له النفس خضوع استنتاج منطقي، أو خضوع يقين تجريبي.
الحقيقة إنْ شئت أن تعترف بها فلك، وإن شئت ألاّ تعترف بها فعليك، ولو أننا قلنا لك: الأجسام التي تسقط في الهواء تتسارع، هذا قانون، إلا إذا كان هناك مقاومة للهواء، أي وجود مظلة، فأنت بالطائرة وهناك قانون للسقوط، فأنت حر، تحب أن تسقط بغير مظلة أو تسقط بمظلة، من دون مظلة تنطبق عليك قوانين السقوط، فتصل إلى الأرض محطماً، وإذا تأدبت مع قوانين السقوط، وصدقت بها، وأكبرت مكتشفيها، ونزلت بمظلة وصلت إلى الأرض سالماً، فالقوانين هي هي، العبرة لديك أنت، إما أن تؤمن بها فتسلم، وإما أن تستخف بها فتهلك.
قانون السقوط مثلاً، إمّا أنْ تؤمن به، وأنه يوجد تسارع، وأن حجم الإنسان لا يستطيع أن يقاوم تسارعه في السقوط، ولا بد له من مظلة تحجز كميةً كبيرةً من الهواء تجعله يسقط بسرعة ثابتة، وإما ألاّ تؤمن بهذا فتتكسر أضلاعك. إذاً الدين هو هو، فإذا عصى رجل ربَّه فما ضرَّ اللهَ شيئاً، إلا أنه آذى نفسه فحسب.
أحياناً يحب الإنسان أن يعاند، فيقول لك: لا أريد أن أصلي، وأريد أن آكل مالاً حراماً، كل مالاً حراماً، وقوانين الله ثابتة، قال تعالى:
﴿ مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ ﴾
[سورة الروم:44]
خمسة من كن فيه كن عليه، البغي والمكر والخداع، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً ﴾
[سورة البقرة:142]
﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾
[سورة الأنفال:30]
الدين حقائقه ثابتة، في كل مكان وزمان، تؤمن به أو لا تؤمن به، تستخف به أو لا تستخف به، لك أو عليك، مثل قانون السقوط، فأنت حر، يقول: هذا كلام كله خرافة، أنا سوف أنزل ولن يصيبني شيء، تفضل وانزل، تحب أن تنزل من دون مظلة فتفضل وانزل، هذه قوانين مطبقة في كل أجواء الأرض، إذا أردتَ أن تتأدب مع مكتشفيها، فاعمل موازنة دقيقة، وانزل بمظلة، وستصل إلى الأرض سالماً، هذا مثل، ولله المثل الأعلى.
هذا الدين قواعد من صنع خبير عليم، أنت حر، إنْ تطبقها فالخير لك، إنْ تؤمن بها فلك، إنْ تعظمها فلك، تأخذها مأخذ الجد فلك، تقول: هذا من عند الله، فالعاقبة الطيبة لك، تقول: حُط بالخرج، فالوبال عليك، تقول: الله عز وجل لا يدقق معنا، فهذا عليك، ليست القضية سيحاسبك أو لا يحاسبك، أضربُ مثلاً، إذا ركب سائقٌ شاحنة وزنها عشرة أطنان، ومر على جسر وليس في الطريق أحد، وكُتِب على الجسر: "الحمولة القصوى خمسة أطنان" ثم نظر أهناك شرطة فتخالفني أو لا، ليس الموضوع مخالفة، بل الموضوع أنك إذا مررت ستسقط أنت والسيارة، وتغرق في النهر هذا نظر سخيف، هذا الجسر حمولته خمسة أطنان، وحمولتك عشرة أطنان، فإذا مررت على هذا الجسر سوف تسقط أنت والسيارة.
رأى أحدهم خطّاً كهربائياً " توتر عالٍ"، أريد أن أضع يدي على الأسلاك، ثم نظر أهناك مَن يخالفني؟ ليس الموضوع مخالفة، بل التيار هو الذي يخالفك، تمسك فتصبح فحماً خلال دقائق، الموضوع: قوانين ثابتة، هذا التيار قويّ، وهناك تيارات كهربائية تجذب على بُعد ستة أمتار، فإذا اقترب إنسان من بُعد ستة أمتار سحبته وصار فحماً فوراً، فإذا فهمت الدين هذا الفهم؛ قوانين ثابتة، حقائق كلية، علاقات ثابتة، صحيحة مطبقة، تطبيقها لك ومخالفتها عليك، وأنك سوف تحاسب نفسك بنفسك، قال تعالى:
﴿ اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ﴾
[سورة الإسراء:30]
قال: يا رب قد عصيتك ولم تعاقبني، قال له: يا عبدي قد عاقبتك ولم تدر، ألم أحرمك لذة مناجاتي، عندما يعصي الإنسان ربَّه يُحجب بحجاب، ويصبح في قلق، وضيق، وشرك، وتبرم، وضجر، ويأس، وتشاؤم، هذه أعراض الإعراض.
فإذا استقام أقبل، وإذا أقبل صارت لديه ثقة، وعنده طمأنينة، وشعر بالأمل، وشعر أنه إنسان مهم عند الله عز وجل، يمشي على الطريق الصحيح، هدفه واضح، لو أن الموت جاءه وهو مصيبة المصائب عند الناس لرآه مكسباً، وساعة اللقاء.
muslem
29-01-2012, 10:17 AM
لذلك الدين مجموعة الحقائق، المنهج التفصيلي، التوجيه الرباني، الذي يقول لك: افعلْ هذا، ولا تفعل هذا، إذا صدقته فلك، وإن طبقته فلك، والله سبحانه وتعالى جعل الدين ضمانات لسلامتك، وليس الدين كما يفهمه بعض الناس حجز لحريتك، وبعضهم سامحه الله فهم قوله تعالى:
﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ﴾
[سورة المزمل:5]
أن الدين أعباء شديدة، ليس أعباء، الدين مجموعة ضمانات لسلامتك، إذا قال الله لك: غض بصرك، فهذا لك، تسعد بزواجك طوال حياتك، إذا قال لك: حرر دخلك من الحرام فخيره لك، ويبارك الله لك فيه، وإذا قال لك: اصدق، فمن أجل مكانتك الاجتماعية، قال لك: كن أميناً، فمن أجل أن تكون غنياً.
(( الأمانة غنىً))
[ كنز العمال عن أنس ]
إذاً (الدين) كما قلت لكم هذا مركز الثقل بالآية، أما قوله تعالى:
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴾
الحقيقة التكذيب بالدين نوعان؛ تكذيب لفظي قولي، وتكذيب عملي، فأما التكذيب اللفظي فقلما نسمعه بآذاننا في العالم الإسلامي، بالألف واحد ممّن يقول لك: الدين باطل، معظم الناس مؤمنون، الآن أنت بحركتك اليومية، في البيت، في الطريق، بعملك، بالسوق، مع أصدقائك، مع جيرانك، مع أقرباءك، تقول له: الدين، يقول: نعم والله على العين والرأس، الجنة، الله يطعمنا إياها، لكن العبرة ليست هنا هذا التكذيب القولي نادر، لكن الشيء المنتشر هو التكذيب العملي.
من باب الطرفة، أحياناً أكون داخلاً إلى المسجد، وشخص خارج منه وقت دخولي، يقول: أستاذ، الله يبارك لنا فيك، طيب لمَ أنت خارج؟ احضر الدرس، إذا كنتَ قابضاً كلامي بشكل صحيح فادخل واحضر الدرس، لا هو خارج وهو يثني عليّ، هذا تكذيب سلوكي، باللسان ليس ثمة ألطف منه، أثنى ثناءً عطراً، لأنه خارج من الدرس معناها هذا الدرس ما قابضه. فالتكذيب العملي أبلغ وأخطر لأن التكذيب القولي تناقشه أما العملي يسكتك.
أعوذ بالله، الجنة حق، والنار حق، والدين حق، وهذا كلام ربنا، أعوذ بالله من كل ضلالة، إذاً فلمَ لا تطبقه؟ تخالفه بسلوكك اليومي، تخالفه بالبيع والشراء، تخالفه بعلاقتك مع زوجتك، تخالفه بعلاقتك مع أولادك فلِم لا تطبقه؟!!
لذلك التكذيب الخطير ليس أن تقول: هذا الدين باطل، هذا لا يقوله إلا القلة من الناس، التكذيب الخطير ألا تطبقه. مثلاً؛ لو زرت طبيباً ناشئاً، وأعطاك وصفة، وأنت أحببت بذكاء اجتماعي أن تشجعه تصافحه، وتقول له: أنا أشكرك وأمتن عليك كثيراً، وإن شاء الله أريد أن آخذ الأدوية، وأشفى على يدك، لكنك اتبعت وصفة غيرها، وقلت في نفسك: هذا طبيب جديد، وقد لا يفهم، فعدم شرائك هذه الوصفة مع أنك أثنيت على علمه نوع من أنواع التكذيب بعلم هذا الطبيب، هذا التكذيب خطير.
قال لك اللُه عز وجل: الربا حرام، تقول: واللهِ نحن مضطرون، عصرنا كله ربا، هذا تكذيب؛ تكذيب بالقرآن الكريم، أنا مضطر أو أصير في الطريق؟ الآمر ضامن، والآمر هو الله، وهو ضامن، ما عند الله لا ينال بمعصيته، ومن ابتغى أمراً بمعصية كان أبعد مما رجا، وأقرب مما اتقى ".
فكل إنسان يخالف كلام الله عز وجل، من دون مجاملة مكذب بهذا القرآن، فلو أن نشرة رافقت آلة غالية، لحرص على سلامتها، ولنفذ تعليمات المصنع تنفيذاً دقيقاً، وربما كانت هذه الآلة أغلى عليه من نفسه التي بين جنبيه، قال تعالى:
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴾
هذا الذي يكذب به، ولا يعبأ بأمره ولا بنهيه، بعضهم قال: لمجرد أن تخالف كلام الله فأنت مكذب به، انطلاقاً:
(( مَا آمَنَ بِالْقُرْآنِ مَنْ اسْتَحَلَّ مَحَارِمَهُ))
[الترمذي عن صُهَيْبٍ]
قال تعالى:
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴾
وضحنا كلمة (الدين) ووضحنا كلمة (يكذب)، فماذا تعني كلمة (أرأيت)؟ هذه (أرأيت) تختلف عن:
﴿ أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ﴾
[سورة الفيل: 1]
الله سبحانه وتعالى أخبرك عن حدث تاريخي وقع وأنت لم تره، فإخبار الله سبحانه وتعالى هو أعلى درجة يقينية، فيجب أن تستقبل ما أخبرك الله به كأنك تراه، هذا معنى قوله تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ﴾
[سورة الفيل: 1]
أما هذه الآية فلها معنى آخر، هذا الذي يكذب بالدين يعيش بيننا، قد يكون للإنسان جار، يكذب بالدين تكذيباً عملياً وليس تكذيباً قولياً، نساؤه كاسيات عاريات، ويوم الجمعة في المسجد، يقول لك: صلاة الجمعة فرض، وأعوذ بالله أنْ يجحدها جاحد، ما هذا الكلام، قد يأكل الربا، ويدفع الصدقة، هذا مكذب بالدين، فربنا عز وجل قال:
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴾
هذا الذي يكذب بالدين هل ترى معاملته؟ هل ترى سلوكه؟ هل ترى مواعيده؟ هل ترى إتقانه لعمله أم عدم إتقانه؟ هل ترى غشه للناس؟ هل ترى كذبه عليهم؟ هل ترى مماطلته؟ هل ترى استعلاءه؟ هل ترى دناءته؟ هذا الذي يكذب بالدين.
هناك تلازم قطعي يسمونه أعلى أنواع الترابط، ترابط وجودي، مثلاً، السيارة تسير والسير للسيارة صفة مترابطة مع وجود السيارة، فإذا ألغيت السير ألغيت السيارة، هذا ترابط وجودي أعلى أنواع الترابط.
الطائرة تطير، إذا ألغيت الطيران لم تبق طائرة، يعبر عنها علماء اللغة:
﴿ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ﴾
[سورة الإسراء: 81]
هذه (كان) للترابط الوجودي، فمن صفات الباطل الثابتة أنه زائل، فإذا قلت: إنه دائم لم يكن باطلاً، بل صار حقاً:
﴿ وَكَانَ اللهُ سَمِيعَاً بَصِيراً ﴾
[سورة النساء: 134]
السميع والبصير اسمان من أسماء الله مترابطان مع وجوده، الله موجود إذاً هو سميع، هذه (كان) ليست فعلاً ماضياً ناقصاً، هذه فعل تام بمعنى وجد، فربنا عز وجل يبين في هذه الآية أن الذي يكذب بالدين من صفاته الثابتة التكذيب، ليس له موعد صحيح، مصلحته فوق كل مصلحة، يكذب، ينافق، يدجل، يتحايل، ويخادع، ويستعلي، ويحب ذاته، ويبني مجده على أنقاض الآخرين وغناه على فقر الآخرين:
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴾
انظر إلى أخلاقه الدنيئة، انظر إلى أنانيته، وإلى صفاته الخسيسة، وإليه وهو في الوحول؛ وحول الشهوات، وانظر إليه وهو يؤثر نفسه على الآخرين.
قال تعالى:
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴾
معناها الذي يكذب بالدين له أخلاق صارخة كالشمس، صارخ، يتحايل، يكذب، إن شاركك في شيء أخذ معظم الربح له، قال تعالى:
﴿ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ﴾
[ سورة ص: 23]
غير المؤمن يرى هذا المحل قد اشتغل، وشريكه ضعيف، بوثيقة الفروغ اسمه غير موجود يحتال عليه ويضعه خارج الشركة:
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴾
هكذا يعمل. إن كان في وظيفة، وفيها موظف مستقيم يوشي به، ويفتري عليه افتراء باطلاً حتى يزيحه عن مكانه ليجلس مكانه:
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴾
إن ذهب معك نزهة فلا يؤدي شيئاً من النفقات، يحب أن يكسب من دون أن يساهم:
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴾
وإن فتح نافذته ورأى نافذة جاره مفتوحة ينظر لعل امرأة تمرُ فيراها.
قال تعالى:
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ*فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾
ينهش أعراض الناس، وإن صار محامياً يأكل حقوقهم، تكون القضية خاسرة تماماً فيقنع الموكِّل بأنها رابحة، يقول: من الآن إلى خمس سنوات يفرجها الله، ويسحب منه أموالاً:
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴾
الإنسان المكذب بالدين سواء كان مدرساً، أو طبيباً، أو تاجراً، أو مهندساً، أو صانعاً، أو صاحب مصلحة، أو موظفاً، له صفات كريهة، يأخذ ما له وما ليس له، يحب أن يحيا وحده وللناس الموت، هذا الذي يكذب بالدين، يحل مشاكله فحسب أما الناس فلهم مشاكلهم، وهذا شأنهم:
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴾
انظر إلى أعماله، وإلى مواعيده، وإلى مزحه السخيف، وإلى نظراته الخبيثة وضحكته الساخرة، وإلى جيرانه المنزعجين منه، انظر كيف يغتاب الناس، ويسخر منهم، وينهش في أعراضهم:
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾
ظاهر، فاترك الكلام أنت، أحياناً أقول: قد تؤمن بالدين متأثِّرا بسلوك رجل مؤمن صادق قبل أن يقول لك كلمة واحدة فأخلاقه تدعوك للإيمان، تراه صادقاً عفيفاً.
المؤمن عفيف عن المطامع وعن المحارم، خجول، صاحب حياء، صاحب وعد، يحب الخير ولا يستعلي على أحد، متواضع، هذا هو المؤمن، أما هذا الذي يكذِّب بالدين فربنا عز وجل قال:
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ*فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾
لماذا اختار ربنا عز وجل هاتين الصفتين فقط؟ قال:
﴿ يَدُعُّ الْيَتِيمَ* وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾
لو أنّ إنساناً ترك مساعدة إنسان عادي فهذا خطأ وتقصير، لكن إذا ترك مساعدة يتيم فهذا ليس له أحد، مهيض الجناح، فتركُ مساعدة الناس خطأ، لكن ترك مساعدة اليتيم خطأ كبير، ليته ترك مساعدته بل هو يدُعُّه، ويزجره، ويضربه، ويعنفه، وهذا ليس إنساناً عادياً، لكنه يتيم، لم يدُعه فحسب بل عنّفه، وربنا عز وجل ذكر لنا مثلاً حادّاً، خلاصته رجل ارتكب الفاحشة في المسجد، وفي رمضان مثلاً، الفاحشة ذنب كبير، وفي رمضان أكبر، وفي المسجد أكبر، ربنا عز وجل يضعنا أمام مثل حاد، يتيم لا أب له ولا أم، مهيض الجناح، مكسور الخاطر، ضعيف فقير، لا يدعه فحسب بل يعنفه، يعني ذلك أنه ليس في قلبه رحمة:
(( لا تُنزع الرحمة إلا من شقي ))
[أحمد عن أبي هريرة]
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴾
هو نفسه، ولا أحد غيره، هناك آية أخرى قبل أشهر مرّت معنا، قال تعالى:
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى* عَبْدَاً إِذَا صَلَّى ﴾
[ سورة العلق ]
انتهت الآية، أين الباقي؟ المعنى ما تم، بل تم يا أخي، أي أيها الأخ الكريم، انظر إلى هذا الذي ينهاك عن الصلاة، انظر إلى سلوكه، إلى معاملته، إلى شهواته المنحطة، إلى مزحه المنحط، إلى علاقاته البهيمية مع الآخرين، إلى نظراته الشيطانية، إلى خداعه، إلى مكره، انظر إليه، سلوكه ينبئك عن عقيدته، وهذا يكفي.
قال تعالى:
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ*فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾
انظر فإذا كان مؤمناً تُسر منه، تراه صادقاً، كريمَ النفس، جزيل العطاء، عفيفاً، حيياً، وقوراً، كلامه ثمين، بعيد عن اللغو، وعن المهاترات والفحش، صادق الوعد، أميناً، مخلصاً، هذا هو المؤمن قطعاً.
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴾
هو نفسه وليس أحداً سواه، فلا يمكن أن ترى إنساناً له معاملة طيبة إلا وفي قلبه خير، وكل إنسان يكذب بالدين لا بد أن تظهر منه معاملة سيئة، لكن أحياناً هؤلاء الذين كذبوا بالدين على شيء من الذكاء، فقد ينتزعون إعجابك بإنسانيتهم المزيفة.
قتل امرئ في غابة جريمة لا تُغتفر
وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر
* * *
يتتبعون أموراً دقيقة جداً في حياتهم اليومية، ويتغافلون عن حقوق الشعوب بأكملها، مجاعات يصنعونها هم بأيديهم، ويندمون ويرفعون أصواتهم بأشياء تافهة، مخالفات طفيفة في مجتمعهم. فقد يكون هذا المكذب بالدين على شيء من الذكاء، لذلك يبدو لك إنسانياً، لكن إذا تضاربت مصالحه مع سلوكه كشّر عن أنيابه، فإذا هو وحش مفترس، تأكد هذا الناعم اللطيف اللبق حضاري كما يقال لك، لكنه يتظاهر في المناسبات بصورة زائفة، هذا الإنسان لو أن مصالحه تضاربت مع مصالحك لانقلب وحشاً كاسراً.
muslem
29-01-2012, 10:18 AM
قال تعالى:
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴾
عندما لا يطعم الإنسانُ المسكينَ قد يكون فقيراً، لكن منتهى البخل أنه لا يحض على الطعام أحداً، ربما لا يكلفه هذا إلا كلمة يقولها، ولكن لا يقولها أبداً، فلا يحب الخير، ولا يحب أن يجري الخير على يديه. أعلى أنواع البخل أنه يبخل بكلمة، من يبخل بالدرهم والدينار فهو بخيل، أما من يبخل بكلمة فهو أبخل البخلاء.
سألك رجل: بالله من أين الطريق إلى حمص؟ لا أعرف، إذا قال لك: أقرضني عشرة آلاف، وقلت: ليس عندي، فهذا معقول ألاّ تقرضه، أما أعطنا رغيفين من الخبز، وعندك رغيفان تريد أن تأكلهما مع أهلك، فأنْ تقول: ما عندنا واللهِ فهذا وارد، لكن من أين الطريق الفلاني؟ وتجيب: لا أعرف، فهذا منتهى البخل، ومنتهى الشح، وهذا إنسان مرذول حقّاً، قال ربنا عز وجل:
﴿ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾
كلمة لا يقولها، ويبخل بها:
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ*فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ*وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ*فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾
الويل وعيد من الله عز وجل، وعيد للمصلين المتساهلين، هذه الآية دقيقة جداً، فيها وقف قبيح، إذا قُرئ فويل للمصلين، فَوَقَفَ، فهذا وقف قبيح، لأن المصلي لا ويل له، المصلي هنيئاً له، ولكن أكمل الآية، هنا يوجد (لا) أيْ لا تقف:
﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾
الآية دقيقة جداً لها معان كثيرة:
أحد هذه المعاني؛ الله عز وجل سمى هذا الذي كُلف بالصلاة مصلياً، لا لأنه يصلي، لكن لأنه مُكلف بالصلاة، كأن تقول: هذا الطالب لا يجتهد، وهو ليس طالب علم، ولكن اسمه الاجتماعي طالب، هذا الطالب لا يدرس أبداً، فليس بطالب علم، اسمه عند أبيه طالب، واسمه في السجلات طالب، الطالب فلان، فلما ربنا عز وجل قال:
﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ﴾
يقصد أن هؤلاء الذين كُلفوا بالصلاة، وهم يعلمون أن الصلاة فرض عليهم، ومع ذلك عن صلاتهم ساهون، بعض المفسرين حمد الله كثيراً على أن الله عز وجل قال:
﴿ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾
ولم يقل في صلاتهم ساهون، وبينَ (عن) و(في) مسافة كبيرة جداً، فقال بعض العلماء: عن صلاتهم ساهون، أي سهوُ تَرْكٍ وقلةُ التفاتٍ، فلو أن الله عز وجل قال: في صلاتهم ساهون، هذا سهو يعتري المصلي أحياناً إما لانشغاله بفكرة لديه أهم من الصلاة، كما فُسر هذا عن النبي عليه الصلاة والسلام، أو هي وسوسة الشيطان، هذا نأتي عليه بالتفصيل بعد قليل.
أولاً؛ المصلي في هذه الآية المكلف بالصلاة، أو الذي يصلي ولا يتصل بالله عز وجل يؤدي أشكال الصلاة، حركاتها، أقوالها، أفعالها، تكبيراتها، تسليمها، وهو لم يتصل بالله عز وجل، قلبه ساه ولاهٍ.
بعضهم عرف الصلاة بأنها: أقوال وأفعال تفتتح بالتكبير وتختتم بالتسليم، فإذا فعلها الإنسان سقط الوجوب، وإن لم يحصل المطلوب. ولكن ربنا عز وجل يقول:
﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ﴾
المعنى الأول؛ هذا الذي سها عن أداء صلاته، مكلف بها وسها عنها.
والمعنى الثاني؛ هذا الذي أداها شكلاً، وقف ليصلي وجميع مشكلاته اليومية مرَّت في خاطره، قال لي مرةً رجل: وأنا أصلي رفعت أصبعي، وأنا واقف، ما هذا؟ بالصلاة لم تمر معي، قال: فإذا هو يقرأ التحيات وهو واقف! يقرأ التحيات وهو واقف، فوصل إلى أشهد ألا إله إلا الله فرفع أصبعه، هذا نوع من أنواع السهو في الصلاة:
﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾
بعضهم فسر هذا المصلي؛ المصلي الذي لم يرج لها ثواباً، وإن تركها لم يخش على تركها عقاباً، هذا تعريف آخر للمصلي الذي سها عن صلاته،
وبعضهم قال:
﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾
الذين يؤخرونها عن أوقاتها، وقد جاء في بعض الأقوال: أنه من أخر الصلاة عن وقتها أذهب الله البركة من عمره، ولا يهنأ لا بسهرة ولا بجلسة بعد الغداء، لم يصلِّ الظهر، أكل ولم يستطع الصلاة، وهو جالس وخائف أن يدخل وقت العصر، ومن قصة إلى قصة أذّن العصر فشعر بضيق، لأنه سها عنها وأخرها عن وقتها فشعر بضيق.
دخل إلى البيت مساءً، وقد وُضع طعام العشاء فتناوله، ولم يصلِّ العِشاء، بل أخّرها حتى صارت الساعة الثانية عشرة، وقد عمل إحدى عشرة ساعة، فصار متعب، ومال إلى الراحة، وصار الفراش له محبباً، لم يصل العشاء فصلاها كنقر الديك:
﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾
بعضهم قال:
﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾
muslem
29-01-2012, 10:19 AM
الذين لا يتمون ركوعها وسجودها، يركع ولا يطمئن، ويسجد كنقر الديك، وعندئذٍ تقول لصاحبها: ضيعكَ الله كما ضيعتني، قال: تُلف كما يُلف الثوب الخلق ثم يُضرب بها وجهه وتقول هذه الصلاة: ضيعك الله كما ضيعتني.
وبعضهم قال:
﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾
أي لا يقرأ بها ولا يذكر، مِن عشرين سنة يصلي بآية واحدة، لم يحفظ غيرها، لم يعُد لها معنى، بل أُفرِغت من فحواها، لكن إذا قام الإنسان ليصلي، وقد قرأ عن الصلاة، فنوّع في القراءة، احفظ من القرآن، احفظ جزء عمَّ واقرأه بالتسلسل، ولما تغيِّر السور تسمع من الله كلاماً جديداً، فهذا درس بليغ لك.
بعضهم قال:
﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾
تنطبق على قوله تعالى:
﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً ﴾
[سورة النساء: 142]
كأنهم يساقون إلى الموت وهم ينظرون، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: هم المنافقون في صلاتهم. كما قلت قبل قليل، سهوهم ليس سهوَ وسوسة، بل سهوُ ترك والتفات عن الله عز وجل، وأما سهو المؤمنين؛ فقد يسهو المؤمن، ما الدليل؟ وجود أحكام سجود سهو في الفقه، هناك أحكام مطولة حول سجود السهو، سهو المؤمن بالصلاة، لكن سهو المنافق عن الصلاة شيء آخر.
الشيخ محي الدين قال: السلامة من السهو محال، لكن هناك سهو المنافقين وسهو المؤمنين، سيدنا سعد بن معاذ رضي الله عنه يقول: ثلاثة أنا فيهن رجل وفيما سوى ذلك أنا واحد من الناس؛ ما سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من كتاب الله، ولا صليت صلاة فشغلت نفسي بغيرها حتى أقضيها، ولا سرت في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أنصرف منها، إذاً سيدنا سعد كان رجلاً في صلاته.
لكن يطالعنا الآن قول غريب قليلاً، يقول قائل: قد يسهو الرجل في صلاته، لأنه يتدبرها ويعقلها، قرأ القرآن في الصلاة فاستغرق بمعانيه، وذابت نفسه محبة لله عز وجل، قرأ وأطال، وقرأ أول ركعة والثانية والثالثة، فنسي كم ركعة صلى، هذا سهو من تدبرها وعقلها.
ذهب رجل ليطوف حول الكعبة، وله شيخ، قال له: يا بني طف، طاف ورجع، فقال: يا بني كيف حالك، قال له: والله طفت بالبيت، ولم أطف برب البيت، هذا أول طواف له، أنا من أين أمر ومن أين أبدأ؟ من هنا، ماذا أصنع؟ ماذا قال الفقهاء في هذا الوضع؟ ارتبك، هنا الميل، هنا كذا، قال: طفت بالبيت ولم أطف برب البيت، قال له: أعد الطواف، فلما طاف المرة الثانية، لم يعد يدقق بالأماكن، حدث له استغراق، فدعا إلى الله عز وجل، وانهمرت دموعه، فقال سائلاً نفسه: كم شوطاً طفت أنا؟ لقد نسي كم شوطاً، قال له: كيف حالك يا ولدي؟ قال: طفت برب البيت ولم أطف بالبيت، قال: أعد الطواف، في المرة الثالثة جمع بين عدد الأشواط وبين وأماكن الطواف، وبين الوجهة إلى الله عز وجل، قال له: كيف حالك يا ولدي، قال: طفت بالبيت وبرب البيت.
أحياناً الإنسان بسبب استغراقه في آيات القرآن الكريم، يتأثر بالسورة، قرأ قصة في الصلاة تفاعل معها، نسي كم ركعة صلى هذا سهو مشروع، لذلك شُرع له سجود السهو.
قال: هذا الذي يتدبرها ويعقلها وليس همه بأعدادها، هذا كأنه يأكل اللب ويدع القشر، قال: وقد يسهو الإنسان في صلاته بسبب وساوس الشيطان، أو حديث النفس.
لكن النبي صلى الله عليه وسلم سها مرةً في صلاته، يمكن أنه تصنَّع السهو من أجل أن يعلمنا سجود السهو، وبعضهم فسر سهوه فقال: كان يسهو في صلاته لفكرة أعظم منها، استنباطاً من قوله تعالى:
﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ وَأَقِمْ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
[سورة العنكبوت: 45]
إذا ورد في السنة المطهرة أن النبي سجد للسهو، هو لا يسهو عن الله أبداً، فقد ينشغل به عنه وقد ينشغل بفكرة أهم من الصلاة عن الصلاة نفسها، هذا سهو الأنبياء، والمؤمن يستغرق في الآيات فينسى كم ركعة صلى، أما المقصر فيسهو فيها، وقد يأتيه حديث النفس أو تأتيه وسوسة فيسهو فيها ولكن المنافقين والكفار يسهون عنها، وثمة فرق بين يسهون بها، ويسهون عنها.
ومعنى آخر بهؤلاء المصلين، عندما تشغل آلة على الكهرباء، ولتكن مسجلة تصدح مثلاً بالقرآن، إذا ذهبت إلى مأخذ الكهرباء وسحبت الخيط ماذا يحصل؟ ينقطع الصوت فجأةً، ماذا فعلت؟ قطعت عنها الإمداد، إذاً كان هناك إمداد كهربائي، هذه القوة الكهربائية جعلت الدواليب تدور والشريط يتحرك، والرأس يلقط الصوت ويكبره، فهذه المسجلة التيار موصول بها، إذا وسعنا المعنى؛ كل مخلوق فيه نبض، أو فيه حياة، أو حركة، فالله سبحانه وتعالى يتجلى عليه بالروح، فلو أن الله سبحانه وتعالى قطع إمداده لحظة لمات المخلوق، فهذا الذي تأتيه قوة الله المحركة وهي الروح وهو غافل عنه، يقول لك: أنا، من أنت؟ أنت كلمة زل فيزول، لو قطع الله عنك الإمداد ثانية لأصبحت جثةً هامدة، هؤلاء الذين يتجلى الله عليهم تجلِّيَ إمداد لا تَجَلِّيَ رحمةٍ، حياتهم قائمة بالله، ولولا أن روح الله فيهم لما تحركوا، ولولا أن الله سبحانه وتعالى أمدهم بالحياة لما عاشوا، هؤلاء كيف يسهون عن هذه القوة المحركة، ويقول أحدهم: أنا وأنا، من أنت؟ أنا، أنا سأفعل، أنا سأترك:
﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾
هذا المعنى بعيد، لكن دقيق جداً، كل إنسان يتحرك، ويتكلم، ويمشي، ويفكر، ويكتب، ويذهب، ويعمل، ويصنع، فيه حياة، والحياة روح، والروح من الله عز وجل، فلما ينسى الإنسان هذه القوة الممدة ويعزوها لنفسه فهو مشرك، وكأنه غفل عن هذه الصلة.
muslem
29-01-2012, 10:20 AM
بعضهم سأل هذا السؤال:
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ*فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ*وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ*فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ*الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ*وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾
الحقيقة أن الويل لا لواحد من هؤلاء، بل للصفات الثلاث مجتمعة:
﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ*الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ*وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾
الآن إلى المراءاة، قال بعضهم: هناك من يصلي طاعة لله عز وجل، وهناك من يصلي تقية، فقد يكون الرجل متواجداً بمجلس، كل من فيه من المؤمنين، وأذن المغرب، ومضت ساعة، وإذا ما صلى المغرب يُتهم بالنفاق فقام وصلى، ولكنه صلى تقية، هؤلاء الذين يراؤون، لم يصلِّ طاعة لله عز وجل، صلى تقية، صلى لئلا يُقال عنه منافق:
﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ*الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ*وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾
فتعريف الرياء، طلب ما في الدنيا بالدين، هذا هو الرياء، هناك رياء بالتصرفات، يظهر بمظهر الحليم الوقور، لكن إذا خلا فله تصرفات شاذة، وضرب وشتم، وأعمال لا تليق بالمؤمن، لكن أمام المجتمع يأخذ دور الحليم الهادئ الوقور، يفكر، فهذا نوع من أنواع الرياء بالتصرفات، بالسمت، وهناك نوع بالثياب، الآن غير وارد هذا الشيء أما قديماً كان الصوفيون يلبسون الصوف، فكان يرتدي ثياب صوفية خشنة ليُقال عنه صوفي، فهذا رياء بالثياب، وهناك رياء بالقول، طوال جلوسه يقول: أستغفر الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون، الحمد لله رب العالمين، كلمات يرددها حتى يقال عنه: ولي، هذا أيضاً رياء، وهناك رياء بالعبادات، يصلي ليُقال عنه مصلٍّ، ويصوم ليُقال عنه: صائم، وهكذا.
هذا الرياء من أين يأتي؟ أتى من الشرك، وقال العلماء: الشرك على مراتب؛ أعظمها أن تشرك في الاعتقاد، أن تعتقد أن مع الله إله آخر، وقالوا: هذا هو الشرك الذي لا يغفر الله لصاحبه قال تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾
[ سورة النساء: 84]
هذا أعظم أنواع الشرك، هناك شرك آخر أن تعتقد أن زيداً من الناس مستقل بفعله عن الله وهو يفعل ما يريد، هذا شرك كبير أيضاً، وهذا هو شرك الأفعال، فلا فاعل إلا الله، ولا رافع إلا الله، ولا معطي إلا الله، ولا خافض إلا الله، ولا رازق إلا الله، ولا مانع إلا الله، ولا قابض إلا الله، ولا باسط إلا الله، ولا معز إلا الله، ولا مذل إلا الله.
إذا اعتقد أن فلاناً بيده الحول والطول، وهو مستقل بأفعاله عن الله عز وجل، وهو يفعل ما يشاء، وإذا قال لك شخص: أنا أفعل بك ما أفعل، وصدقت هذا الكلام، ورأيت أنه يفعل بمعزل عن الله عز وجل فهذا شرك خطير.
النوع الثالث: شرك في الطاعة، أن تطيع غير الله خوفاً منه وشرك بالعبادة، أن تصلي لغير الله، أو أن تطيع الله لغير الله، هذا شرك بالعبادة، وهناك شرك بالنية، وهناك شرك في الوجهة، وإن الشرك لظلم عظيم، والشرك أخفى من دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء:
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ ﴾
[ سورة يوسف: 106]
وقد رُوي: أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي، ألا إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجر، ولكن شهوة خفية وأعمال لغير الله.
سئل عليه الصلاة والسلام عن الشهوة الخفية، فقال: الرجل يتعلم العلم يحب أن يُجلس إليه، فإذا جلس الناس إلى عالم وشعر بنشوة وبمكانة كبيرة وبشأن عند الناس، والناس رحبوا به، وبجلوه، وعظموه، فهذه شهوة خفية، وهذا شرك، وهناك موضوع آخر عن الرياء.
قال تعالى:
﴿ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ*الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ ﴾
أحياناً الإنسان يعمل عملاً من أساسه يبتغي به غير الله، دخل به مشركاً وخرج به مشركاً، أي أحب أن يعمل وليمة له منها مقصد يريد أن يسترضي رجلاً يخاف منه، أقام له وليمة، وتكلَّف لها، فهذا العمل من أساسه نوى به إرضاء فلان ليتقي شره، فهذا أوضح أنواع الرياء.
هناك رياء أقل من ذلك، بدأ بعمل صالح، في أثناء العمل الناس أثنوا عليه، انبسطت أساريره، وشعر أنه في موطن اعتبار، فعمل أعمالاً زائدة عن العادة حتى يثنوا عليه أكثر فأكثر فخرج منه مشركاً، دخل به مخلصاً خرج منه مشركاً، كان بشيء صار بشيء.
هناك درجة أخف، دخل به مخلصاً وخرج به مخلصاً، ولكن الناس أثنوا عليه فسُرَّ، سكت ارتاح، وصار بحاجة للمديح، إن شاء الله العمل أعجبكم؟ نعم والله، الله يجزيك الخير، ثم رأى آخر، إن شاء الله هذا العمل أعجبكم؟ نعم والله، صار يستجدي المديح، دخل به مخلصاً، وخرج به مخلصاً، ثم ركن إلى المديح، فهذا شرك مخفف، ورياء مخفف.
﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ*الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ*وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾
أنْ يبدي للناس ما ليس في نفسه:
﴿ يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آَمَنُواْ وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ ﴾
[ سورة البقرة: 9]
سئل أحد الصالحين؛ ما دواء الرياء؟ أجاب بكلمة واحدة، قال: كتمان العمل. صل قيام ليل واكتم ذلك، لا تحدث به أحداً، ادفع صدقة واكتم ذلك، لا يجرؤ الشيطان عندئذ أن يقول لك: إنك مراءٍ، لم تتكلم لأحد، لم يدر أحد، افعل الصالحات ولا تذكرها لأحد، هذا هو دواء الرياء، أكرر: قيل ما دواء الرياء؟ قال: كتمان العمل.
لكن هناك عمل لا يكتم الصلاة، أيُعقل ألاّ أصلي؟ كنت مع أناس في نزهة أفلا أصلي؟ قال العلماء: لا رياء في الفرائض، يجب أن تصلي وهذا ليس رياء إطلاقاً، ولن تحس به أساساً. يُقال يوم القيامة لأهل الرياء: صمتم وصليتم وتصدقتم وجاهدتم وقرأتم ليقال ذلك، وقد قيل إن هؤلاء أول من تُسعر بهم النار يوم القيامة.
سئل بعضهم: منذ كم دخلت البصرة، فقال: منذ عشرين عاماً، وأنا صائم، قال: سألتك عن شيء واحد فأجبتني عن شيئين، هذا الرياء، أخي الاسم الكريم، الدكتور فلان، قلنا لك الاسم لا نريد الشهادة، تُسأل عن شيء وتجيب عن شيئين:
﴿ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ*الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ*وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾
صلى رجل أمام جمع، فقيل له: ما أحسن صلاتك، قال: وأنا صائم أيضاً:
﴿ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ*الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ*وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾
قال بعضهم: لا يكون الرجل مرائياً بإظهار العمل إذا كان فريضة، وفي الأثر: "لا غمة في فرائض الله"، لا خفاء فيها، رجل سجد في المسجد سجود الشكر فأطال، فقال له أحد العارفين: بالله لو كان هذا في بيتك لكان أحسن، أما هنا فصار فيه نوع من الرياء.
قال تعالى:
﴿ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ*وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾
هذه دقيقة جداً، قال المفسرون يمنعون زكاة أموالهم، للماعون أربعة عشر معنى.
أولاً: زكاة المال، والذي يمنعها يمنع الماعون، وثانياً: قال بعضهم في هذا الموطن لو خفيت الصلاة لما صلوها لقد ظهرت الصلاة فصلوها وخفيت الزكاة فمنعوها، فمنع الماعون منع الزكاة. المعنى الثالث: منع المال عن مستحقيه، بشكل مطلق، منع الصدقة منع المال عن مستحقيه، بقي للمشتري معك تتمة وأنت تتجاهل، موظف على الصندوق، على الهاتف، على الكهرباء، دفعت له مثلاً مئة، والمبلغ ثمانية وتسعون ونصف، يتغافل عنك، وتخجل أنْ تطالبه.
﴿ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾
قال بعضهم: الماعون اسم جامع لمنافع البيت، عندك سلم، عندك شاكوش، عندك كرسي، طاولة، المؤمن يعير يحب الخير، هذا جاره، عنده ضيوف، عنده سبعة ضيوف وعنده خمسة كراسي، يريد كرسيين، يجيبه: ليس عندنا.
﴿ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾
هذا باب من أبواب الخير كبير، ولكن رجلاً طلب أنْ يستعير سلَّماً، قال له: والله كتفي يؤلمني، قال: أنا سأحمله، قال: لا، من أجل إرجاعه، فأنت لا تعيده، فإذا استعار الإنسان شيئاً فليرجعه ولا يبقِه عنده.
بعضهم قال: الماعون العارية، الشيء المعار أيضاً، وقال آخرون: مطلق الماعون الأولى حاجات البيت الأساسية، وبعضهم قال: مطلق الحاجات، وقيل: الماعون المعروف الذي يتعاطاه الناس فيما بينهم، أي هذا البيت فيه شجرة ليمون، صار عندهم من العرف أن يُطرق الباب لطلب ليمونة، هكذا كان قديماً، شجرة تحمل أربعمئة ليمونة، ما في إنسان طرق الباب إلا أعطوه ليمونة، توفيت هذه العجوز، زوجة الابن أول ما طرق الطارق الباب طردته، الليمونة يبست في السنة الثانية، هذه حقوق الجيران، يمنعون الماعون، إذا أراد ربك إظهار فضله عليك خلق الفضل ونسبه إليك، وقال بعضهم: الماء فقط، فالماء لا يمنع.
وبعضهم قال: الماعون هو الحق، ومن منع الحق أهله فقد انطبقت عليه هذه الآية، وبعضهم قال: منافع الأموال، كرجل عنده بستان يمرُّ فيه نهر، ويجلس الناس ساعة يستظلون بأشجاره، فمنعهم، ووضع شريطاً شائكاً، لا يدع أحداً يأتي، ما خسر شيئاً، ولكن لا يريد خيراً.
﴿ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾
منافعُ أموال، منافع أرض، شجرة لها ظل، جلس رجل تحت ظلها، فلا يدعه، دخل شخصٌ إلى بستان، ولا شيء به، أحب أن يجلس ربع ساعة فلم يدعه، بل أخرجه، منافع الأموال مطلقة، بعضهم قال: الماعون هو المعونة، الذي يمنع المعروف بين الناس، فهو إنما يمنع الناس أن يعين بعضهم بعضاً، هذا مانع للماعون، وبعضهم قال: ما لا يحل منعه، كالماء والنار والملح.
رجل ركب جواداً في الصحراء، رأى رجلاً ينتعل الرمال المحرقة، فأشفق عليه، دعاه لركوب الجواد معه، وهذا الذي دعاه لركوب الجواد لصٌّ من لصوص الصحراء، وما إن امتطى ظهر الفرس حتى دفع صاحبها أرضاً، وعدا لا يلوي على شيء، فقال صاحب الفرس: يا هذا قد وهبت لك هذه الفرس، ولن أسأل عنها بعد اليوم، ولكن إياك أن يشيع هذا الخبر في الصحراء، فتذهب منها المروءة، وبذهاب المروءة يذهب أجمل ما فيها.
شاهد رجلٌ شخصاً مقطوعاً فأركبه في السيارة، فإذا معه حشيش، صادروا السيارة، فهل يُركب أحدٌ أحداً بعد هذه الحادثة؟ أبداً.
المعنى الدقيق خلاف كل هذه المعاني، إذا أسأت لصانع المعروف منعت المعروف، أركبك في سيارته أتحمل معه بضاعة ممنوعة؟ فالسيارة صادروها له، وسجنوه.
شاهد رجلٌ جريحاً، فأخذه إلى المشفى، فأوقفوه خمسة أيام، ليس لي علاقة، لم يسعف أحداً بعدها في حياته، فكل إنسان يسيء لصانع المعروف يمنع الماعون، أعارك كتاباً، والله ضاع مني، هل يعير مرة أخرى؟ يحلف يميناً معظماً أنه لن يعير كتاباً لأحد ما دام حيّاً.
كل إنسان يتلقى معروفاً ويرد بالإساءة، أو يسيء لصاحب معروف صاحب هذا المعروف لن يفعل خيراً أبداً، من الذي منع الماعون؟ هذا الذي أساء.
المعنى الدقيق أنك إذا رددت على معروف بإساءة، أو إذا أسأت لصاحب معروف فإنك منعت الخير بين الناس، قال: إياك أن يشيع هذا الخبر في الصحراء فتذهب منها المروءة، وبذهاب المروءة يذهب أجمل ما فيها.
أجمل ما في الحياة التعاون، فإذا فعل الإنسان خيراً شكَّ الناسُ فيه، ماذا تريد مني؟ لا أريد منك شيئاً، والله، لأن الناس تعودوا ألاّ يفعلوا خيراً. فعندما يسيء الإنسان لصاحب المعروف، يكون قد أساء إساءة بالغة للدين، ومنع بذلك المعروف.
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ*فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ*وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ*فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ*الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ*وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
http://nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=572&id=97&sid=101&ssid=455&sssid=456
vBulletin® v4.0.2, Copyright ©2000-2024, Jelsoft Enterprises Ltd.