المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : محاربة الشيوعية .. لعلي الطنطاوي.. منقوووووووووووول



عبد الواحد جعفر
21-04-2011, 06:35 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
أنقل إليكم هذا المقال، وهو للشيخ الأديب الأريب علي الطنطاوي رحمه الله نشره في يومية "النصر" الدمشقية، وذلك قبل "ثورة يوليو" المصرية عام 1952م بفترة وجيزة، ولكنك لا تكاد تطالعه اليوم إلا وتقول: ما أشبه الليلة بالبارحة، عسى أن نستفيد منه جميعاً، وبخاصة في هذه الأوقات العصيبة التي تمر بها أمتنا الإسلامية، أسأل الله التوفيق والسداد .

********

قال رحمه الله في كتابه "مقالات في كلمات" ( ج1 / ص 204-26 ) تحت عنوان (محاربة الشيوعية):

جاء في (نصر) الأمس (أن أئمة الأزهر يعدون فتوى تؤكد أن الدين الإسلامي يتعارض مع الشيوعية، وأنهم سيقولون في ختام منشورهم أن المسلم الحقيقي لا يمكن أن يكون شيوعياً).
وأقول أنا: نعم، ولكن لا يمكن أيضاً أن يكون (إنكليزياً) ولا (أميركياً) ولا يستغل مبادئ الدين الصحيحة، لخدمة أغراض السياسة الباطلة، ونحن نكره الشيوعية، ولا نرجو منها خيراً، ولكننا نكره معها الديمقراطية، لأنا لم نجد فيها خيراً، وما من مصيبة نزلت بنا في هذي البلاد، وفي فلسطين إلا كان سببها الإنكليز أولاً، وتلاميذهم الأميركان ثانياً...
فلا تنسوا هذا يا سادتنا العلماء!
ثم ... خبروني يا أيها العلماء الأجلاء، الذين سيصدرون هذا المنشور، ثم يأوون إلى بيوتهم العامرة، فينامون على فرش الحرير، مستريحة ضمائرهم، مطمئنة نفوسهم إلى أنهم قاموا بما يجب عليهم، فدفعوا عن مصر خطر الشيوعية، وأنقذوها من شرورها...
خبروني، هل أنتم جادون؟
هل تعتقدون أن الشيوعية تحارب بالفتاوى والمنشورات؟
وهل تقنع بذلك هذه القطعان البشرية، التي تعيش في مصر دون عيش السوائم؟
هؤلاء الحفاة العراة الجياع، الذين يسكنون عشش الترجمان وبولاق، وسفوح المقطم؟
هؤلاء الرجال الذين كنت أراهم يغتسلون في النيل عراة كما خلقهم الله تحت جسر الملك الصالح، الذي يلتقي عنده خطا ترام وخطا أتوبيس، ولا يخلو ساعة من الناس؟
هؤلاء الذين ينامون الليل كله تحت المقاعد العامة في العتبة الخضراء، وفي أصول الجدران؟
هؤلاء الذين يفتك بأجسادهم المرض، ويقتل نفوسهم الجهل؟
هؤلاء الذين يفتقرون، فلا يملك المليون منهم جنيهاً واحداً، ليملك الواحد من غيرهم مليوناً؟
هؤلاء الذين يعمل الآلاف منهم في عزبة الباشا أو البك سنة، يجوعون ويتعبون، ليقدموا له ما ينفقه هو أو ولده في (الأريزونا) و(الأوبرج) في ليلة واحدة، أو ليال معدودات. [كتب في الهامش: كان هذا كله على عهد فاروق، ومن أجله قامت هذه الثورة]
هؤلاء الذين أبصرت بعيني أولادهم ينبشون أكوام الزبل، كالكلاب ليلقوا فيها شيئًا يأكلونه، على حين أنَ من كلاب الأغنياء ما له خادم خاص لخدمته، ونظام (رجيم) خاص لطعامه، وطبيب خاص لعلاجه، ومخصصات من الحليب، واللحم والشوكولاطة تقدم له كل يوم.
أتظنون يا سادتي العلماء، أن هؤلاء يسمعون بمنشوركم، حتى يلعنوا الشيوعية ومن جاء بها، ويحمدوا الله على البعد عنها؟
لا والله، إنهم سيصيرون من الشيوعيين إن أوهموهم أن في الشيوعية خلاصهم، وسيكونون مع الشياطين إن أخبروهم أن في ذلك نجاتهم.
فإن أردتم أن تحاربوا الشيوعية حقاً، فحاربوها بنشر العدالة الإجتماعية*، وأذيعوا في الناس مؤكدين أن الدين يحارب هذا الظلم، كما يحارب الشيوعية ... وإلا فاسكتوا!


* مع التحفظ على ذكر مصطلح العدالة الاجتماعية، وإن كان هذا المفهوم قد اشتبه على المسلمين منتصف القرن الماضي، وألف سيد قطب في حينة كتاباً في ذلك، وعلى الرغم من وعي سيد رحمه الله، ودقة ما كان يكتب، لكنه أضفى على "العدالة الاجتماعية" ثوب الإسلام، وهي فكرة رأسمالية لترقيع النظام الرأسمالي المتوحش.