المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطورة الرأي العام على السياسة الدولية



مؤمن
27-05-2008, 02:12 PM
خطورة الرأي العام على السياسة الدولية
باسكال بونيفاس



يُلاحظ في الفترة الأخيرة حضور قوي وكثيف للأخلاق في السياسة الخارجية للدول والحكومات، وبات وجودها ملموساً في أذهان السياسيين الذين يلجأون إليها في العديد من المناسبات، إما لتبرير سياساتهم، أو لانتقاد توجهات خصومهم وتجريدها من الشرعية والمصداقية.




والحقيقة أن دولاً قليلة لا تعتمد اليوم على المبادئ الأخلاقية بشكل من الأشكال لتوضيح نظرتها للعالم ولتسويغ نهجها الدبلوماسي في التعامل مع القضايا العالمية الطارئة. ولأن تصور الدول والحكومات للعالم ورؤيتها لمصالحها الخاصة تختلف من رئيس دولة إلى آخر، فمن الطبيعي أيضاً أن تتعدد الاعتبارات الأخلاقية وتتنوع بين جورج بوش وفلاديمير بوتين ونيكولا ساركوزي وإيهود أولمرت ومحمود عباس ومحمود أحمدي نجاد ما دام كل واحد منهم يحمل تصوراً مختلفاً للعالم ورؤية ذاتية تنبع من المصالح الوطنية الخاصة لكل دولة على حدة. لكن في الوقت الذي تُستحضر فيه المبادئ الأخلاقية لتمرير العديد من السياسات والدفاع عنها، يبقى الاختلاف قائماً بين جميع الفاعلين على الساحة الدولية لتحديد مفهوم واحد للأخلاق يحظى بقبول الجميع.



فكيف إذن يمكن تفسير هذه المكانة الرفيعة التي باتت تحتلها الأخلاق في الأجندة الدولية؟ الواقع أن الاهتمام المتزايد بالاعتبارات الأخلاقية من قبل الحكومات والدول هو نتيجة منطقية لتصاعد قوة وتأثير الرأي العام الشعبي في تحديد السياسة الخارجية. فقد أصبح تأمين رضا الرأي العام وقبوله لسياسات معينة أحد الرهانات الكبرى سواء على الصعيد الداخلي المحلي، أو على الصعيد الدولي والعالمي. ولا يقتصر استرضاء الرأي العام على الدول الديمقراطية التي عادة ما تخشى نخبها الحاكمة من الإطاحة بها في الانتخابات وإمكانية فقدانها للسلطة، بل يمتد الأمر أيضاً إلى الأنظمة الشمولية التي باتت معنية هي الأخرى بالرأي العام لبلورة سياستها الخارجية. وإذا كان الالتفاف على الرأي العام وتجاوزه مازال ممكناً في الدول غير الديمقراطية، إلا أن الثمن يبقى باهظاً والتكلفة السياسية غير مضمونة ما قد يهدد الاستقرار الداخلي ويعصف بالأنظمة الحاكمة. ويُضاف إلى ذلك الصراع المحتدم حالياً على الصعيد العالمي لكسب ود الرأي العام الدولي في ظل عالم متشابك ومتداخل المصالح، لا سيما وأن الأمر لم يعد قاصراً على الرأي العام الداخلي، بل تجاوزه إلى الرأي العام الدولي.



فتراجع شعبية الأنظمة، أو الحكومات بسبب سياسات خارجية لا يستسيغها الرأي العام قد تأتي بنتائج سلبية وقد تضطر النخب الحاكمة إلى دفع ثمنها غالياً سواء من خلال صناديق الاقتراع، أو عبر تهديد الاستقرار السياسي للبلد. وللتدليل على ذلك ما علينا سوى النظر إلى الانزعاج الذي تشعر به قطاعات عريضة من السياسيين الأميركيين بسبب السياسة الخارجية للرئيس بوش التي يُخشى أنها أضعفت نفوذ واشنطن في العالم، وهزت الأسس الأخلاقية التي قامت عليها الولايات المتحدة. ويمكن أيضاً الإشارة في هذا السياق إلى الجهود التي تبذلها الحكومة الصينية لخطب ود الرأي العام الدولي من خلال الحملات الإعلامية وغيرها مع اقتراب الألعاب الأولمبية، وإذا لم تستطع إقناع الرأي العام بوجهة نظرها وأسسها الأخلاقية، فهي على الأقل تسعى إلى تخفيف الأضرار واحتوائها حتى لا يقاطع العالم الألعاب الأولمبية التي ستستضيفها في شهر أغسطس القادم. ولعل ما تقوم به الصين من محاولات لاسترضاء الرأي العام الدولي دليل واضح على أهميته حتى بالنسبة للدول غير الديمقراطية.



المواقف التي يدافع عنها الرأي العام ليست بالضرورة معتدلة، بل قد تدفع المسؤولين، بسبب الشحن العاطفي، إلى حلول عنيفة قد تؤدي إلى مآس رهيبة.




وبالطبع ليست مسألة الرأي العام الدولي جديدة على الساحة السياسية، بل يرجع أول ظهور لها إلى القرن التاسع عشر، ثم تطورت في القرن العشرين، وترسخت أكثر في القرن الحادي والعشرين. وللوهلة الأولى يبدو أن صعود دور الرأي العام الدولي قد يكون مصدر تفاؤل بالنظر إلى تغليب الرأي العام للمصالح العامة للأمم وتبنيه لمواقف عقلانية تدعو إلى علاقات دولية أكثر توازناً، إلا أن الواقع يشير إلى غير ذلك. فالتجارب التاريخية تعلمنا أن المواقف التي يدافع عنها الرأي العام ويُرغم المسؤولون على الإنصات إليها ليست بالضرورة معتدلة، أو تتبنى مواقف مسالمة، بل إن هؤلاء المسؤولين قد يدفعون، بسبب الشحن العاطفي والصور النمطية، باتجاه حلول عنيفة قد تؤدي في النهاية إلى مآس رهيبة. فكم من مرة تحسّر فيها العالم على غياب حكومات قوية تلجم المشاعر الملتهبة للرأي العام وتفرض حلولاً سلمية للقضايا الخلافية، بدل الانصياع إلى صوت الشارع والانسياق وراء الدعوات الراديكالية والشعبوية التي يتبناها الرأي العام؟ ولدينا مثال واضح في الصراع الشرق أوسطي، حيث فشلت الحكومات الإسرائيلية والفلسطينية بسبب ضعفهما وهشاشتهما السياسية في اتخاذ قرارات جريئة وظلتا مرتهنتين بمواقف الرأي العام التي لا تجنح بالضرورة نحو السلام والاستقرار.



والأكثر من ذلك أن الحكومات والدول عادة ما تتذرع بالرأي العام للتنصل من مسؤولياتها في السياسة الخارجية وتتصلب في مواقفها بدعوى أن الرأي العام لا يقبل التسوية وبأنه غير مستعد للسلام. وقد تلجأ الحكومات لتبرير التدخل العسكري- كما رأينا ذلك مع إدارة الرئيس بوش عند غزوها للعراق- إلى تأجيج مخاوف الرأي العام وتوظيفها لتحقيق أجندات خاصة. ولعل مثال أسلحة الدمار الشامل، وربط نظام صدام حسين بتنظيم "القاعدة"، بعدما خرجت الولايات المتحدة لتوها من هجمات 11 سبتمبر، مازال حاضراً في الأذهان، بحيث لجأت الإدارة الأميركية إلى التأثير على الرأي العام وتخويفه حتى تحوز على موافقته وتحصل على الضوء الأخضر لتنفيذ خططها. والمشكلة أنه بسبب هذا الدور المتنامي للرأي العام في تحديد السياسات الخارجية للدول تحول إلى رهان حقيقي يتعين تأمين مساندته لتمرير سياسات معينة، وهو ما يشجع الحكومات على تضليله وصياغة أفكاره باللجوء إلى الاعتبارات المبدئية والحجج الأخلاقية

نائل سيد أحمد
16-09-2010, 02:05 PM
للتذكير
ــــــــــــــــــ