muslem
01-04-2011, 05:02 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
بيان إلى الأمة
تتصاعد موجة الاحتجاجات الشعبية في المنطقة، فبعد إخراج حاكم تونس، وحاكم مصر من السلطة وانتقال الأحداث إلى كل من اليمن وليبيا والبحرين, وأخيراً إلى سورية والأردن، وينتظر أن تطال موجة التغييرات معظم المنطقة العربية.
واللافت للنظر أن أميركا والغرب الكافرين الذين نصبوا كل أولئك الحكام، ورعوهم وحموا بهم مصالحهم لعشرات السنين، بدا للناس الآن أنهم مع تحقيق رغبات الشعوب في التخلص من أولئك الحكام، الذين ما كانوا وحتى وقت قريب موضع عداء من أميركا والغرب الكافرين.
فزين العابدين كان علمانياً بل كان معظم طاقم حكمه من العلمانيين الاستئصاليين على النمط الأتاتوركي. أما حسني مبارك فقد كان عراب أميركا في المنطقة. والرئيس اليمني كان ذراعاً لأميركا في مكافحة ما يسمى بالإرهاب. أما القذافي فقد أرسل معدات ليبيا النووية بصناديقها الخشبية بالطائرات عشية الانتخابات الرئاسية الثانية لبوش الابن ليبرهن بوش أمام الشعب الأميركي على نجاح سياسته في "مكافحة الإرهاب"، مما ساعد بوش في الفوز بالانتخابات الرئاسية. فما الذي يجري وماذا تغير في أولئك الحكام حتى استغنت أميركا عن خدماتهم والتي تظهر هذه الأيام أنها تعمل جاهدة على مساعدة شعوب المنطقة في التخلص منهم؟
ومما يثير الانتباه ويلفت النظر بقوة كذلك، هو التغييب الواضح لأية شعارات إسلامية من مطالبات الناس، حتى بدا وكأن الجماهير الغاضبة والناقمة على حكامها لم تسمع بالإسلام ووجوب تطبيقه أبداً، رغم أن الإسلام هو دين الغالبية العظمى منها، ومراكز استطلاع الرأي في الغرب هي التي ذكرت أن غالبية المسلمين تريد تطبيق الإسلام. فقد ذكر معهد غالوب في الاستطلاع الذي سبق أن أجراه في المنطقة العربية أن 94% من العرب يرون أن يكون الإسلام المصدر الأساسي للتشريعات والقوانين، وأن 64% منهم يرون أن يكون الإسلام المصدر الوحيد للتشريعات والقوانين، بل إن أغلبية من استطلع رأيهم يرون أن الإسلام يشكل جزءاً أساسياً في حياتهم، فكيف يتفق ذلك مع خلو مطالبات الجماهير من الإسلام وشعاراته؟!
وللجواب على ذلك فإن هذا الإنقلاب الأميركي على الحكام، ووقوفها إلى جانب الشعوب وخياراتها لم يكن وليد اللحظة، بل كان تطبيقاً لمشروع معلن من قبل الإدارة الأميركية منذ أكثر من خمس سنوات وهو (مشروع الشرق الأوسط الكبير)، والذي يقتضي فيما تضمنه استبدال الأنظمة البوليسية في المنطقة بأنظمة تحظى بالشعبية، وسبق أن أبدت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية في عهد بوش الابن حماسة شديدة للتحول الديموقراطي في الشرق الأوسط حتى وإن أدى إلى تغيير واستبدال الأنظمة الموالية والحليفة، وعندما قيل لها أن التفاعلات في المنطقة لا تترك مجالاً آخر سوى الفوضى أو سيطرة الجماعات الإسلامية، ولن تؤدي بالضرورة إلى انتصار الديموقراطية، فإنها لم تتردد في القول أن الوضع الحالي (ليس مستقراً) وأن الفوضى التي ستفرزها عملية التحول الديموقراطي في البداية هي من نوع الفوضى الخلاقة التي ربما تنتج وضعاً أفضل مما تعيشه المنطقة حالياً.
وأميركا تريد من وجود الأنظمة التي تحظى بالشعبية وتحتضنها الأمة أن تمكن لنفسها في بلاد المسلمين لضمان تسيدها في هذا القرن، الذي تعتبر أن العدو الرئيس فيه هو الإسلام وعودته إلى قيادة المسلمين من خلال دولة واحدة تهدد وجود الغرب ومصالحه في بلادنا بل وفي العالم كله. والذي يطمئن أميركا على أمكانية نجاح ترتيباتها وخططها لمنطقة الشرق الأوسط الكبير _والذي يشمل منطقة العالم الاسلامي من غرب الصين حتى المحيط الهادئ_ هو صدور تأييد الأمة للأنظمة الجديدة عن قناعة بأفكار الحضارة الغربية بعد تسللها إلى العقول بمدلول مبهم قصداً لا يتضح فيه الكفر من الإسلام.
وأميركا الكافرة تدرك أن الشعوب في المنطقة محتقنة على حكامها، وقد كفرت بهم، لظلمهم الشديد، وإجرامهم، ولصوصيتهم، وإهدار عزة وكرامة شعوبهم، هذا فضلاً عن مجافاة الحكام لدين الأمة وإقصائه من أن يكون أساس حياتها ومصدر وحدتها وقوتها. فأميركا مستيقنة أن الأمة مهيأة للإنفجار وتحتاج فقط لمن يعلق الجرس.
وكانت مصر هي الدولة التي برزت فيها تحضيرات أميركا لتغيير الحاكم، فبرزت تنظيمات وشخصيات عديدة تعارض النظام، وكان من أبرز تلك الأحزاب عمالة لأميركا هو حزب الغد بقيادة أيمن نور. وكان البرادعي من أبرز الشخصيات التي تعد ليكون بديلاً عن مبارك. وقد لعبت السفارة الأميركية دوراً قذراً في إيفاد العديد من شباب مصر إلى مركز (فريدوم هاوس)؛ أي بيت الحرية، المرتبط بالمخابرات الأميركية لتدريب الشباب المصري على السلوك الديموقراطي وعلى القيادة بعد تشريبهم الثقافة الغربية. وهم من تولى الإشراف على ثورة الفيسبوك فيما بعد. ولولا حادثة البوعزيزي في تونس التي عجلت في بدء الثورة من تونس، لكانت مصر هي المرشحة الأولى في حصول التغييرات، المعدة سلفا لمصر وغيرها من دول المنطقة.
أما تغييب شعارات الإسلام فكان عن سبق إصرار وتعمد، وقد ذكرت إحدى الصحفيات أن أحد المتظاهرين في مصر حاول أن يرفع شعار (الإسلام هو الحل) فهاجمه بعض المتظاهرين ومنعوه وقالت بالحرف (كانوا حيكلوه أكل). ومنعت قيادة الأخوان المسلمين أعضاء الجماعة الذين شاركوا بقوة في احتجاجات مصر من رفع شعار (الإسلام هو الحل) بل وحتى من رفع المصحف الذي يشير رفعه إلى أن القرآن هو الذي ينبغي أن يكون مصدر دستور المسلمين، وذلك بحجة الحفاظ على "الوحدة الوطنية"، رغم أن الديموقراطية التي يتغنى بها الغرب وأذنابه في بلاد المسلمين تنادي بأن تحترم الأقلية رغبة الأكثرية، والأكثرية في مصر وغيرها من بلاد الاسلام هم المسلمون وحسب.
أما السبب الحقيقي في تغييب شعارات الإسلام فهو رغبة أميركا أن تبذل الأمة الدماء مقابل شعارات واقعها أنها ليست من الإسلام، ولكن لا يتضح عند كثير من الناس دلالتها التي تتعارض بالقطع مع الإسلام، مثل (نعم للديموقراطية)، و(نعم للدولة المدنية)، و(لا للدولة العسكرية والدينية) ...إلخ. وإذا بُذلت الدماء أو تمت المناداة بمثل تلك الشعارات فإنها ستمثل موقفاً لمن نادى بها يصعب عليه الرجوع عنه، وبخديعة الحفاظ على الوحدة الوطنية تثبت أميركا بواسطة من تصدروا لقيادة الناس في المظاهرات أن لا وجود للإسلام وشعاراته في مطالبات الجماهير، وأن الناس إنما يريدون الشعارات العلمانية التي تفصل الدين عن الحياة.
با أبناء الأمة الإسلامية الكريمة
لقد أثبتم بما لا يدع مجالاً للشك أمام القاصي والداني أنكم أصحاب همة وبذل وتضحية نادرة، فتضحياتكم في تونس ومصر واليمن وسورية والبحرين في مواجهة الحاكم الظالم كانت عظيمة، أما تضحياتكم في ليبيا فقد تجاوزت ما كان يتصوره العالم منكم.
أما ما كان يؤمل فهو أن يكون مقابل هذه التضحيات الغالية زوال غمامة الكفر وأحكامه التي كانت سبباً في زوال هيبة الأمة، وفقدان عزتها وكرامتها، وحرمانها من رضا الله الذي كلفها بحمل رسالة الإسلام إلى الناس لإخراجهم من الظلمات إلى النور طوال ما يقارب القرن من عمر الأمة.
وما كان يؤمل هو الوعي على مخاطر سعي أميركا الحثيث لتنقيذ مخططاتها الخبيثة لطمس هوية الأمة الأسلامية وتذويبها من خلال دفعها للاحتضان الحقيقي للفكر الغربي، وقطع صلتها بإسلامها، وزيادة تمزيقها وتفريق كلمتها، لإبقائها مشلولة الحركة، هزيلة القوى، مسلوبة المقدرات لعقود قادمة لا قدر الله.
يا أبناء الأمة الإسلامية الأصيلة ..
إن الإسلام وحده هو الذي حفظ وحدتكم، وصان هيبتكم وكرامتكم, كنتم به أعزاء أمام أمم الأرض، بل كانت دولتكم هي الدولة الأولى لقرون طويلة خلت. وإن الكفر المتمثل بالديموقراطية التي ارتبطت في الأذهان أنها الاختيار للحاكم ونقيض التسلط على رقاب الناس، تتناقض مع عقيدة المسلمين التي تقضي بإفراد الله وحده بالعبودية، وعدم منازعته التشريع {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ}. فالديموقراطية تعطي حق التشريع للبشر لا لله، وهي تستحق النبذ من المسلمين لا أن تُرفع شعاراً لهم، أو يطالب بها وكأنها ركن من أركان الدين.
والكفر المتمثل بالمطالبة بالدولة المدنية أو برفع شعار لا للدولة الدينية لا يعنينا كمسلمين فضلاً عن أن نرفعه شعاراً لنا؛ لأن الدولة المدنية تعني الدولة التي تفصل الدين عن الدولة، وتقصر الدين على العبادات المتعلقة بعلاقة المسلم بالله دون علاقته بغيره من الناس أو الدولة أو علاقات الدولة الإسلامية بغيرها من الدول، فالإسلام كما أمر بالصلاة والصيام شرع المعاملات والعقوبات والمعاهدات.. ولا فرق بين آيات أحكام الصلاة والصيام والآيات التي فصَّلت الحدود والعقود والمعاهدات.
أيها المسلمون ..
إن أميركا والغرب الكافرين إنما يجتمعون على حرب دينكم، ومحو الشخصية الإسلامية من بلادكم، ويوجهون أدواتهم لتحويل تضحياتكم لتصب في تجديد دماء العلمانية والعلمانيين في بلادنا، وهم على لادينيتهم ومناداتهم بديمقراطيتهم يتجاوزون عن كل ما يخالف ديمقراطيتهم إذا كان ذلك يقصي الإسلام عن الحياة، وهم مجربون في ذلك وقد اصطلت الأمة بنارهم طويلاً.
فهم ينادون بضرورة قبول الآخر ويقف الأمر عند قبول الإسلام والمنادين بتحكيمه رغم أنه دين الأمة. وهم ينادون بحقوق الإنسان والآدمية براء منهم في تعاملهم وبخاصة مع المسلمين. وهم يقولون بالتعددية الحزبية وتمنع دساتير بلاد المسلمين كافة أي حزب يقوم على أساس الإسلام دين الأمة. وهم يقولون بضرورة احترام الأقلية لرغبة الأكثرية إلا في بلاد الاسلام فالأكثرية ينبغي أن تحترم رغبة الأقلية من نصارى وشيوعيين وبعثيين ممن انتهى سوقهم.
أيها المسلمون ..
مع كل ما سبق ذكره من محاولات أميركا والغرب الكافر وعملائه في بلاد المسلمين وعلى رأسهم حكام تركيا الذين يتخذ منهم الكفار أنموذجاً في استبعاد الإسلام من المجتمع والدولة، فإنكم والله قادرون على حسم معركة الأفكار والمشاعر أو ما تسميه أميركا بمعركة "العقول والقلوب" لصالح الإسلام والمسلمين. وقادرون على إفشال مخططات أميركا وريثة الاستعمار الغربي والمتصدرة لقيادة الغرب الكافر لطمس معالم الإسلام وتحطيم آمال المسلمين في استعادة وحدتهم ومجدهم وعزتهم حيث لا يكون ذلك كله إلا بتمسك المسلمين بالفكر الإسلامي ونبذ الفكر الغربي الكافر.
وعليه فان أهم ما ينبغي التركيز عليه هو نشر الوعي العام على الأفكار والمشاعر والأحكام الإسلامية بين القاعدة العريضة من شباب الأمة؛ لأن صعيد المعركة الأساسي مع أميركا والغرب الكافرين هو وجود الإسلام ليكون أساس حياة الأمة والعقيدة التي تبنى عليه الدولة الاسلامية أو خروج الإسلام من المعركة نهائياً مع أميركا والغرب الكافرين، وإن حصول ذلك لا قدر الله يعني فناء الأمة وتركها مستعبدة ومنهوبة لأجيال قادمة، وأمتنا التي كانت منارة الأرض لقرون خلت أجدر من أميركا بقيادة العالم ونحن والله أقوى منها بعقيدتنا وأحكام ديننا، وهذا الذي تخشاه أميركا ودول أوروبا وتحاول خداعنا بشعارت بالية مزيفة وبعملاء مأجورين، وترسم المخططات لتظفر بهذه الجولة الفاصلة علينا إن لم نتحمل مسؤوليتنا بشكل كامل عن هذا الدين.
قال تعالى: {إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون}
حزب التحرير
26/ربيع الثاني/1432هـ
31/3/2011م
www.hizbuttahrir.org
بيان إلى الأمة
تتصاعد موجة الاحتجاجات الشعبية في المنطقة، فبعد إخراج حاكم تونس، وحاكم مصر من السلطة وانتقال الأحداث إلى كل من اليمن وليبيا والبحرين, وأخيراً إلى سورية والأردن، وينتظر أن تطال موجة التغييرات معظم المنطقة العربية.
واللافت للنظر أن أميركا والغرب الكافرين الذين نصبوا كل أولئك الحكام، ورعوهم وحموا بهم مصالحهم لعشرات السنين، بدا للناس الآن أنهم مع تحقيق رغبات الشعوب في التخلص من أولئك الحكام، الذين ما كانوا وحتى وقت قريب موضع عداء من أميركا والغرب الكافرين.
فزين العابدين كان علمانياً بل كان معظم طاقم حكمه من العلمانيين الاستئصاليين على النمط الأتاتوركي. أما حسني مبارك فقد كان عراب أميركا في المنطقة. والرئيس اليمني كان ذراعاً لأميركا في مكافحة ما يسمى بالإرهاب. أما القذافي فقد أرسل معدات ليبيا النووية بصناديقها الخشبية بالطائرات عشية الانتخابات الرئاسية الثانية لبوش الابن ليبرهن بوش أمام الشعب الأميركي على نجاح سياسته في "مكافحة الإرهاب"، مما ساعد بوش في الفوز بالانتخابات الرئاسية. فما الذي يجري وماذا تغير في أولئك الحكام حتى استغنت أميركا عن خدماتهم والتي تظهر هذه الأيام أنها تعمل جاهدة على مساعدة شعوب المنطقة في التخلص منهم؟
ومما يثير الانتباه ويلفت النظر بقوة كذلك، هو التغييب الواضح لأية شعارات إسلامية من مطالبات الناس، حتى بدا وكأن الجماهير الغاضبة والناقمة على حكامها لم تسمع بالإسلام ووجوب تطبيقه أبداً، رغم أن الإسلام هو دين الغالبية العظمى منها، ومراكز استطلاع الرأي في الغرب هي التي ذكرت أن غالبية المسلمين تريد تطبيق الإسلام. فقد ذكر معهد غالوب في الاستطلاع الذي سبق أن أجراه في المنطقة العربية أن 94% من العرب يرون أن يكون الإسلام المصدر الأساسي للتشريعات والقوانين، وأن 64% منهم يرون أن يكون الإسلام المصدر الوحيد للتشريعات والقوانين، بل إن أغلبية من استطلع رأيهم يرون أن الإسلام يشكل جزءاً أساسياً في حياتهم، فكيف يتفق ذلك مع خلو مطالبات الجماهير من الإسلام وشعاراته؟!
وللجواب على ذلك فإن هذا الإنقلاب الأميركي على الحكام، ووقوفها إلى جانب الشعوب وخياراتها لم يكن وليد اللحظة، بل كان تطبيقاً لمشروع معلن من قبل الإدارة الأميركية منذ أكثر من خمس سنوات وهو (مشروع الشرق الأوسط الكبير)، والذي يقتضي فيما تضمنه استبدال الأنظمة البوليسية في المنطقة بأنظمة تحظى بالشعبية، وسبق أن أبدت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية في عهد بوش الابن حماسة شديدة للتحول الديموقراطي في الشرق الأوسط حتى وإن أدى إلى تغيير واستبدال الأنظمة الموالية والحليفة، وعندما قيل لها أن التفاعلات في المنطقة لا تترك مجالاً آخر سوى الفوضى أو سيطرة الجماعات الإسلامية، ولن تؤدي بالضرورة إلى انتصار الديموقراطية، فإنها لم تتردد في القول أن الوضع الحالي (ليس مستقراً) وأن الفوضى التي ستفرزها عملية التحول الديموقراطي في البداية هي من نوع الفوضى الخلاقة التي ربما تنتج وضعاً أفضل مما تعيشه المنطقة حالياً.
وأميركا تريد من وجود الأنظمة التي تحظى بالشعبية وتحتضنها الأمة أن تمكن لنفسها في بلاد المسلمين لضمان تسيدها في هذا القرن، الذي تعتبر أن العدو الرئيس فيه هو الإسلام وعودته إلى قيادة المسلمين من خلال دولة واحدة تهدد وجود الغرب ومصالحه في بلادنا بل وفي العالم كله. والذي يطمئن أميركا على أمكانية نجاح ترتيباتها وخططها لمنطقة الشرق الأوسط الكبير _والذي يشمل منطقة العالم الاسلامي من غرب الصين حتى المحيط الهادئ_ هو صدور تأييد الأمة للأنظمة الجديدة عن قناعة بأفكار الحضارة الغربية بعد تسللها إلى العقول بمدلول مبهم قصداً لا يتضح فيه الكفر من الإسلام.
وأميركا الكافرة تدرك أن الشعوب في المنطقة محتقنة على حكامها، وقد كفرت بهم، لظلمهم الشديد، وإجرامهم، ولصوصيتهم، وإهدار عزة وكرامة شعوبهم، هذا فضلاً عن مجافاة الحكام لدين الأمة وإقصائه من أن يكون أساس حياتها ومصدر وحدتها وقوتها. فأميركا مستيقنة أن الأمة مهيأة للإنفجار وتحتاج فقط لمن يعلق الجرس.
وكانت مصر هي الدولة التي برزت فيها تحضيرات أميركا لتغيير الحاكم، فبرزت تنظيمات وشخصيات عديدة تعارض النظام، وكان من أبرز تلك الأحزاب عمالة لأميركا هو حزب الغد بقيادة أيمن نور. وكان البرادعي من أبرز الشخصيات التي تعد ليكون بديلاً عن مبارك. وقد لعبت السفارة الأميركية دوراً قذراً في إيفاد العديد من شباب مصر إلى مركز (فريدوم هاوس)؛ أي بيت الحرية، المرتبط بالمخابرات الأميركية لتدريب الشباب المصري على السلوك الديموقراطي وعلى القيادة بعد تشريبهم الثقافة الغربية. وهم من تولى الإشراف على ثورة الفيسبوك فيما بعد. ولولا حادثة البوعزيزي في تونس التي عجلت في بدء الثورة من تونس، لكانت مصر هي المرشحة الأولى في حصول التغييرات، المعدة سلفا لمصر وغيرها من دول المنطقة.
أما تغييب شعارات الإسلام فكان عن سبق إصرار وتعمد، وقد ذكرت إحدى الصحفيات أن أحد المتظاهرين في مصر حاول أن يرفع شعار (الإسلام هو الحل) فهاجمه بعض المتظاهرين ومنعوه وقالت بالحرف (كانوا حيكلوه أكل). ومنعت قيادة الأخوان المسلمين أعضاء الجماعة الذين شاركوا بقوة في احتجاجات مصر من رفع شعار (الإسلام هو الحل) بل وحتى من رفع المصحف الذي يشير رفعه إلى أن القرآن هو الذي ينبغي أن يكون مصدر دستور المسلمين، وذلك بحجة الحفاظ على "الوحدة الوطنية"، رغم أن الديموقراطية التي يتغنى بها الغرب وأذنابه في بلاد المسلمين تنادي بأن تحترم الأقلية رغبة الأكثرية، والأكثرية في مصر وغيرها من بلاد الاسلام هم المسلمون وحسب.
أما السبب الحقيقي في تغييب شعارات الإسلام فهو رغبة أميركا أن تبذل الأمة الدماء مقابل شعارات واقعها أنها ليست من الإسلام، ولكن لا يتضح عند كثير من الناس دلالتها التي تتعارض بالقطع مع الإسلام، مثل (نعم للديموقراطية)، و(نعم للدولة المدنية)، و(لا للدولة العسكرية والدينية) ...إلخ. وإذا بُذلت الدماء أو تمت المناداة بمثل تلك الشعارات فإنها ستمثل موقفاً لمن نادى بها يصعب عليه الرجوع عنه، وبخديعة الحفاظ على الوحدة الوطنية تثبت أميركا بواسطة من تصدروا لقيادة الناس في المظاهرات أن لا وجود للإسلام وشعاراته في مطالبات الجماهير، وأن الناس إنما يريدون الشعارات العلمانية التي تفصل الدين عن الحياة.
با أبناء الأمة الإسلامية الكريمة
لقد أثبتم بما لا يدع مجالاً للشك أمام القاصي والداني أنكم أصحاب همة وبذل وتضحية نادرة، فتضحياتكم في تونس ومصر واليمن وسورية والبحرين في مواجهة الحاكم الظالم كانت عظيمة، أما تضحياتكم في ليبيا فقد تجاوزت ما كان يتصوره العالم منكم.
أما ما كان يؤمل فهو أن يكون مقابل هذه التضحيات الغالية زوال غمامة الكفر وأحكامه التي كانت سبباً في زوال هيبة الأمة، وفقدان عزتها وكرامتها، وحرمانها من رضا الله الذي كلفها بحمل رسالة الإسلام إلى الناس لإخراجهم من الظلمات إلى النور طوال ما يقارب القرن من عمر الأمة.
وما كان يؤمل هو الوعي على مخاطر سعي أميركا الحثيث لتنقيذ مخططاتها الخبيثة لطمس هوية الأمة الأسلامية وتذويبها من خلال دفعها للاحتضان الحقيقي للفكر الغربي، وقطع صلتها بإسلامها، وزيادة تمزيقها وتفريق كلمتها، لإبقائها مشلولة الحركة، هزيلة القوى، مسلوبة المقدرات لعقود قادمة لا قدر الله.
يا أبناء الأمة الإسلامية الأصيلة ..
إن الإسلام وحده هو الذي حفظ وحدتكم، وصان هيبتكم وكرامتكم, كنتم به أعزاء أمام أمم الأرض، بل كانت دولتكم هي الدولة الأولى لقرون طويلة خلت. وإن الكفر المتمثل بالديموقراطية التي ارتبطت في الأذهان أنها الاختيار للحاكم ونقيض التسلط على رقاب الناس، تتناقض مع عقيدة المسلمين التي تقضي بإفراد الله وحده بالعبودية، وعدم منازعته التشريع {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ}. فالديموقراطية تعطي حق التشريع للبشر لا لله، وهي تستحق النبذ من المسلمين لا أن تُرفع شعاراً لهم، أو يطالب بها وكأنها ركن من أركان الدين.
والكفر المتمثل بالمطالبة بالدولة المدنية أو برفع شعار لا للدولة الدينية لا يعنينا كمسلمين فضلاً عن أن نرفعه شعاراً لنا؛ لأن الدولة المدنية تعني الدولة التي تفصل الدين عن الدولة، وتقصر الدين على العبادات المتعلقة بعلاقة المسلم بالله دون علاقته بغيره من الناس أو الدولة أو علاقات الدولة الإسلامية بغيرها من الدول، فالإسلام كما أمر بالصلاة والصيام شرع المعاملات والعقوبات والمعاهدات.. ولا فرق بين آيات أحكام الصلاة والصيام والآيات التي فصَّلت الحدود والعقود والمعاهدات.
أيها المسلمون ..
إن أميركا والغرب الكافرين إنما يجتمعون على حرب دينكم، ومحو الشخصية الإسلامية من بلادكم، ويوجهون أدواتهم لتحويل تضحياتكم لتصب في تجديد دماء العلمانية والعلمانيين في بلادنا، وهم على لادينيتهم ومناداتهم بديمقراطيتهم يتجاوزون عن كل ما يخالف ديمقراطيتهم إذا كان ذلك يقصي الإسلام عن الحياة، وهم مجربون في ذلك وقد اصطلت الأمة بنارهم طويلاً.
فهم ينادون بضرورة قبول الآخر ويقف الأمر عند قبول الإسلام والمنادين بتحكيمه رغم أنه دين الأمة. وهم ينادون بحقوق الإنسان والآدمية براء منهم في تعاملهم وبخاصة مع المسلمين. وهم يقولون بالتعددية الحزبية وتمنع دساتير بلاد المسلمين كافة أي حزب يقوم على أساس الإسلام دين الأمة. وهم يقولون بضرورة احترام الأقلية لرغبة الأكثرية إلا في بلاد الاسلام فالأكثرية ينبغي أن تحترم رغبة الأقلية من نصارى وشيوعيين وبعثيين ممن انتهى سوقهم.
أيها المسلمون ..
مع كل ما سبق ذكره من محاولات أميركا والغرب الكافر وعملائه في بلاد المسلمين وعلى رأسهم حكام تركيا الذين يتخذ منهم الكفار أنموذجاً في استبعاد الإسلام من المجتمع والدولة، فإنكم والله قادرون على حسم معركة الأفكار والمشاعر أو ما تسميه أميركا بمعركة "العقول والقلوب" لصالح الإسلام والمسلمين. وقادرون على إفشال مخططات أميركا وريثة الاستعمار الغربي والمتصدرة لقيادة الغرب الكافر لطمس معالم الإسلام وتحطيم آمال المسلمين في استعادة وحدتهم ومجدهم وعزتهم حيث لا يكون ذلك كله إلا بتمسك المسلمين بالفكر الإسلامي ونبذ الفكر الغربي الكافر.
وعليه فان أهم ما ينبغي التركيز عليه هو نشر الوعي العام على الأفكار والمشاعر والأحكام الإسلامية بين القاعدة العريضة من شباب الأمة؛ لأن صعيد المعركة الأساسي مع أميركا والغرب الكافرين هو وجود الإسلام ليكون أساس حياة الأمة والعقيدة التي تبنى عليه الدولة الاسلامية أو خروج الإسلام من المعركة نهائياً مع أميركا والغرب الكافرين، وإن حصول ذلك لا قدر الله يعني فناء الأمة وتركها مستعبدة ومنهوبة لأجيال قادمة، وأمتنا التي كانت منارة الأرض لقرون خلت أجدر من أميركا بقيادة العالم ونحن والله أقوى منها بعقيدتنا وأحكام ديننا، وهذا الذي تخشاه أميركا ودول أوروبا وتحاول خداعنا بشعارت بالية مزيفة وبعملاء مأجورين، وترسم المخططات لتظفر بهذه الجولة الفاصلة علينا إن لم نتحمل مسؤوليتنا بشكل كامل عن هذا الدين.
قال تعالى: {إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون}
حزب التحرير
26/ربيع الثاني/1432هـ
31/3/2011م
www.hizbuttahrir.org